عين الحياة - ج ٢

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

عين الحياة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: السيد هاشم الميلاني
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

١

٢

٣

٤
٥

[ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر رحمه‌الله ] :

يا أباذر انّ الله تبارك وتعالى لم يوح إليّ أن أجمع المال ، ولكن أوحى إليّ : أن سبّح بحمد ربّك وكن من الساجدين ، واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين.

يا أباذر انّي ألبس الغليظ ، واجلس على الأرض ، والعق أصابعي ، وأركب الحمار بغير سرج ، وأردف خلفي ، فمن رغب عن سنتي فليس منّي.

يا أباذر حبّ المال والشرف أذهب لدين الرجل من ذئبين ضاريين في زرب الغنم فأغارا فيها حتى أصبحا ، فماذا أبقيا منها؟

انّ الانسان بمقتضى قوله « الناس نيام إذا ماتو انتبهوا » لا يدري ما أصابه من هذين الذئبين لكن بطلوع صبح الموت عليه يفيق من نومه ويرى ما أصاب دينه منهما.

وهذه الكلمات الشريفة تشتمل على ثلاث خصال :

أولاً : حبّ المال وجمع الدرهم والدينار حرصاً ، وهذا من أقبح الصفات الذميمة ، وموجب لارتكاب المحرمات والظلم والطغيان والفساد ، وبما انّ القلب لا يمكن له ان يحب سوى محبوب واحد فحب هذه الأمور تخرج حب الله تعالى عن القلب ، ويكون غرضه الوحيد في جميع اُموره تحصيل الثروة ، وهذا هو معنى عبادة المال كما ذكرناه في باب النية.

وعلاج هذه الخصلة بعد التوسل بالله تعالى انّما هي التفكر في فناء الدنيا وزوالها ، وانّ ما جمعه لا ينفعه ، وما أنفقه في سبيل الله يبقى ذخراً له أبد الآباد.

٦

والتفكر أيضاً في عظمة رتبة العلم والعبادة والكمالات والآثار المترتبة عليها في الدنيا والآخرة كي يتضح له انّ الشيء الباطل الذي سوف يزول عنه لا يمكن أن يجعل مانعاً لتحصيل تلك الكمالات الأبدية الكائنة مع الانسان دائماً.

وأن يتأمّل في عقوبات الله تعالى عند كسب المال الحرام ، بل حسابه تعالى على الحلال في حين أنه لو أنفقها في سبيل الله لعوّض بواحد عشراً ، وبسبعمائة سبعمائة الفاً في اليوم الذي لا حيلة للانسان فيه وتقصر يده عن كلّ شيء.

وليعلم انّ الله ضمن الرزق ، والاعتماد عليه لا على المال ، ويعتبر بأحوال الذين جمعوا أموالاً طائلة فلم تغن عنهم شيئاً ، وصارت عليهم وزراً ووبالاً ، لكن توجّه البعض نحو العبادة وتحصيل الآخرة ، فمضى عمرهم بأحسن الوجوه ، كما قال أبو عبدالله عليه‌السلام : ان كان الحساب حقّاً فالجمع لماذا (١).

وقال عليه‌السلام في حديث آخر : كان في بني اسرائيل مجاعة حتى نبشوا الموتى فأكلوهم ، فنبشوا قبراً فوجدوا فيه لوحاً فيه مكتوب : أنا فلان النبي ينبش قبري حبشيّ ، ما قدّمناه وجدناه ، وما أكلناه ربحناه ، وما خلّفناه خسرناه (٢).

ونقل عن ابن عباس انّه قال : انّ أول درهم ودينار ضربا في الأرض نظر اليهما إبليس ، فلمّا عاينهما أخذهما فوضعهما على عينيه ، ثم ضمهما الى صدره ، ثم صرخ صرخة ، ثم ضمهما الى صدره.

ثم قال : أنتما قرة عيني وثمرة فؤادي ، ما اُبالي من بني آدم إذا أحبوكما أن لا يعبدو وثناً ، وحسبي من بني آدم أن يحبوكما (٣).

__________________

١ ـ البحار ٧٣ : ١٣٧ ح ١ باب ١٢٣ ـ عن أمالي الصدوق.

٢ ـ البحار ٧٣ : ١٣٧ ح ٢ باب ١٢٣ ـ عن أمالي الصدوق.

٣ ـ أمالي الصدوق : ١٦٨ ح ١٤ مجلس ٣٦ ـ عنه البحار ٧٣ : ١٣٧ ح ٣ باب ١٢٣.

٧

وروي عن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام أنّه قال : لا يجتمع المال الاّ بخصال خمس : ببخل شديد ، وأمل طويل ، وحرص غالب ، وقطيعة الرحم ، وايثار الدنيا على الآخرة (١).

وروي بسند معتبر انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأصحابه : أيكم مال وارثه أحبّ إليه من ماله؟ قالوا : ما فينا أحد يحبّ ذلك يا نبيّ الله ، قال : بل كلّكم يحبّ ذلك ، ثم قال : يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك من مالك الاّ ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ، وما عدا ذلك فهو مال الوارث (٢).

وقال : ما بلى الله العباد بشيء أشدّ عليهم من اخراج الدراهم (٣).

وقال : الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم ، وهما مهلكاكم (٤).

وقال : الذهب والفضة حجران ممسوخان ، فمن أحبهما كان معهما (٥).

وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انّه قال : الفتن ثلاث ، حبّ النساء وهو سيف الشيطان ، وشرب الخمر وهو فخ الشيطان ، وحبّ الدينار والدرهم وهو سهم الشيطان.

فمن أحبّ النساء لم ينتفع بعيشه ، ومن أحبّ الأشربة حرمت عليه الجنّة ، ومن أحبّ الدينار والدرهم فهو عبد الدنيا.

وقال : قال عيسى بن مريم عليه‌السلام : الدينار داء الدين ، والعالم طبيب الدين ،

__________________

١ ـ الخصال : ٢٨٢ ح ٢٩ باب ٥ ـ عنه البحار ٧٣ : ١٣٨ ح ٥ باب ١٢٣.

٢ ـ أمالي الطوسي : ٥١٩ ح ٤٨ مجلس ١٨ ـ عنه البحار ٧٣ : ١٣٨ ح ٦ باب ١٢٣.

٣ ـ الخصال : ٨ ح ٢٧ باب ١ ـ عن البحار ٧٣ : ١٣٩ ح ٩ باب ١٢٣.

٤ ـ الخصال : ٤٣ ح ٣٧ باب ٢ ـ عنه البحار ٧٣ : ١٣٩ ح ١٠ باب ١٢٣.

٥ ـ الخصال : ٤٣ ح ٣٨ باب ٢ ـ عنه البحار ٧٣ : ١٣٩ ح ١١ باب ١٢٣.

٨

فاذا رأيتم الطبيب يجرّ الداء إلى نفسه فاتهموه ، واعلموا أنّه غير ناصح لغيره (١).

ثانيا : حب الجاه والاعتبارات الباطلة الدنيوية ، وضرر هذا بالنسبة الى الخواص أكثر من حبّ الدينار والدرهم ، وهو مخفي في النفس ، وكثيرٌ ما يتصور شخص أنّه قد أزال هذ الصفة عن نفسه لكن يعرف بعد المجاهدات الكثيرة انّها موجودة فيه.

وهذه من أمهات الصفات الذميمة ومبطلة للاخلاص ، وتجعل الانسان عابداً للناس ، وتوقعه في مهالك عظيمة ، واستلام المناصب الباطلة ، وتهوّن الله والدين في عينه ، وتقوّي اعتبارات الدنيا في النفس حتى يكون مآله إلى الكفر.

وعلاجه بعد التوسل بذات الله تعالى التفكير في احتياج الناس ، ومعرفة انّهم لن يملكوا نفعه وضرّه ، وانّ أموره في الدنيا والآخرة مع الله تعالى ، والعلم بأنّ اعتبار الدنيا فانٍ وسرعان ما يزول.

والاعتبار بأحوال الذين كانت الدنيا لهم أياماً قليلة ، فسرعان ما قذفتهم في الذلة والمسكنة ، وسوف تكون تلك الاعتبارات وبالاً ووزراً عليهم بعد الموت ، وانّ الاعتبارات الواقعية كالعلم والعمل لن يزولا أبداً ، فليتفكر في أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام الواردة في هذا الباب ويستفيد من حكمهم.

نقل انّه سئل عليّ بن الحسين عليه‌السلام أي الأعمال أفضل عند الله؟ قال : ما من عمل بعد معرفة الله عزّ وجلّ ومعرفة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من بغض الدنيا ، فإنّ لذلك لشعباً كثيرة ، وللمعاصي شعب.

فأوّل ما عصى الله به الكبر معصية ابليس حين أبى واستكبر وكان من

__________________

١ ـ الخصال : ١١٣ ح ٩١ باب ٣ ـ عنه البحار ٧٣ : ١٣٩ ح ١٢ باب ١٢٣.

٩

الكافرين ، ثم الحرص وهي معصية آدم وحوّاء عليهما‌السلام حين قال الله عزّ وجلّ لهما:

( فَكُلا مِن حَيث شِئتُمَا وَلاَ تَقرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ) (١).

فأخذا ما لا حاجة بهما إليه ، فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة ، وذلك انّ أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه ، ثم الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله ، فتشعب من ذلك حبّ النساء ، وحبّ الدنيا ، وحبّ الرئاسة ، وحبّ الراحة ، وحبّ العلوّ ، وحبّ الثروة.

فصرن سبع خصال ، فاجتمعن كلهنّ في حب الدنيا ، فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك : حبّ الدنيا رأس كل خطيئة ، والدنيا دنياآن دنيا بلاغ ودنيا ملعونة (٢).

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنّه قال : من طلب الرئاسة هلك(٣).

وقال عليه‌السلام في حديث آخر : اياكم وهؤلاء الرؤساء الذين يترأّسون ، فوالله ما خفقت النعال خلف رجل الاّ هلك وأهلك (٤).

وروي بسند صحيح عن أبي الحسن عليه‌السلام انّه ذكر رجلاً ، فقال : انّه يحبّ الرئاسة ، فقال : ما ذئبان ضاريان في غنم قد تفرّق رعاؤها بأضرّ في دين المسلم من الرئاسة (٥).

__________________

١ ـ الأعراف : ١٩.

٢ ـ الكافي ٢ : ٣١٦ ح ٨ ـ عنه البحار ٧٣ : ١٩ ح ٩ باب ١٢٢.

٣ ـ الكافي ٢ : ٢٩٧ ح ٢ ـ عنه البحار ٧٣ : ١٥٠ ح ٢ باب ١٢٤.

٤ ـ الكافي ٢ : ٢٩٧ ح ٣ ـ عنه البحار ٧٣ : ١٥٠ ح ٣ باب ١٢٤.

٥ ـ الكافي ٢ : ٢٩٧ ح ١ ـ عنه البحار ٧٣ : ١٤٥ ح ١ باب ١٢٤.

١٠

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنّه قال : ملعون من ترأس ، معلون مَن همّ بها ، ملعون من حدّث بها نفسه (١).

وروي بسند صحيح عن محمد بن مسلم أنّه قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : أترى لا أعرف خياركم من شراركم؟ بلى والله وانّ شراركم من أحبّ أن يوطأ عقبه ، انّه لابدَّ من كذّاب أو عاجز الرأي (٢).

وروي بسند معتبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : أول ما عصى الله تبارك وتعالى بست خصال : حب الدنيا ، وحب الرئاسة ، وحب الطعام ، وحب النساء ، وحب النوم ، وحب الراحة (٣).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنّه قال لسفيان بن خالد : يا سفيان اياك والرئاسة فما طلبها أحد الاّ هلك ، فقلت له : جعلت فداك قد هلكنا إذ ليس أحد منّا الاّ وهو يحبّ أن يذكر ويقصد ويؤخذ عنه.

فقال : ليس حيث تذهب ، انّما ذلك أن تنصب رجلاً دون الحجة فتصدّقه في كلّ ما قال ، وتدعو الناس إلى قوله (٤).

الثالث : التواضع لله وللخلق وتجنب الكبر ، وهذا من أفضل الصفات الكمالية ، لأن الممكن ذليل وفانٍ ولا قيمة له ، وانّ العزّة والكمال لله رب العالمين ، وكلّما تواضع الانسان رفعه الله وجعله قابلاً للكمالات ، كما انّ التراب لتواضعه جعل فيه آلاف المعادن والنباتات والفواكه والرياحين والورود ، وتكوين الانسان

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٢٩٨ ـ عنه البحار ٧٣ : ١٥١ ح ٥ باب ١٢٤.

٢ ـ الكافي ٢ : ٢٩٩ ح ٨ ـ عنه البحار ٧٣ : ١٥٢ ح ٨ باب ١٢٤.

٣ ـ الخصال : ٣٣٠ ح ٢٧ باب ٦ ـ عنه البحار ٧٣ : ١٥٣ ح ٩ باب ١٢٤.

٤ ـ معاني الأخبار : ١٧٩ ح ١ ـ عنه البحار ٧٣ : ١٥٣ ح ١١ باب ١٢٤.

١١

الذي هو مجمع المعارف والحقائق ومسجود الملائكة وأشرف المخلوقات.

وكانت النار متكبرة فخُلق منها الشيطان الرجيم ، فلابدَّ أن يكون الانسان متواضعاً في جميع اُموره من أكل ولبس وشرب وجلوس وقيام ومعاشرة الناس ، وطاعة الله وما شاكل ، ولا يطلب العلوّ والرفعة والتفوّق في الأمور ولينظر إلى أصله كيف كان ، حيث كان منياً يُمنى يتغذّى من دم الحيض ، وبعد خروجه إلى الحياة الدنيا نجده يحمل في جوفه أنواع النجاسات والقاذورات من دم وبلغم وبول وغائط وغير ذلك مما ينفر الانسان حين انفصالها منه.

ثم يصير بعد الموت جيفة لا شيء أشدّ عفونة منه ويمتلىء جسمه بالدود والقروح ، هذه أوساخ الجسم ، وأمّا أوساخ الروح بسبب الأخلاق الذميمة والجهل أنكى منه بمئات الآلاف.

فجدير بهذا الانسان الاعتراف بالنقص والعجز دائماً ، وكلّما ازداد الانسان كمالاً ازداد علمه بنقصه وعجزه فيزداد تواضعاً كما هو ظاهر من أطوار الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام.

وبما انّ التواضع عمل العباد ، والرفعة والعلوّ لله تعالى فكلّما ازداد الانسان تواضعاً في أعماله رفعه الله تعالى أكثر ، وكلّما تكبر وترفّع ـ وهو ليس بلباسه ـ أذلّه الله أكثر ، كما ورد في خبر صحيح عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنّه قال : انّ في السماء ملكين موكّلين بالعباد ، فمن تواضع لله رفعاه ، ومن تكبّر وضعاه (١).

وقال عليه‌السلام في حديث آخر : فيما أوحى الله عزّ وجلّ إلى داود عليه‌السلام : يا داود كما انّ أقرب الناس من الله المتواضعون كذلك أبعد الناس من الله

____________

١ ـ الكافي ٢ : ١٢٢ ح ٢ ـ عنه البحار ٧٥ : ١٢٦ ح ٢٤ باب ٥١.

١٢

المتكبرون (١).

وقال عليه‌السلام في حديث آخر : أوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى عليه‌السلام أن يا موسى أتدري لم أصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال : يا ربّ ولم ذاك؟

قال : فأوحى الله تبارك وتعالى إليه أن يا موسى انّي قلّبت عبادي ظهراً لبطن ، فلم أجد فيهم أحداً أذلّ لي نفساً منك ، يا موسى انّك إذا صلّيت وضعت خدّك على التراب ... (٢).

وروي بسند معتبر انّه قال : من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس ، وأن تسلّم على من تلقى ، وأن تترك المراء وان كنت محقّاً ، وأن لا تحبّ أن تحمد على التقوى (٣).

وروي بسند معتبر عن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام انّه قال : التواضع أن تعطي الناس ما تحبّ أن تعطاه.

وفي حديث آخر قال : قلت : ما حدّ التواضع الذي إذا فعله العبد كان متواضعاً؟ فقال : التواضع درجات ، منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم ، لا يحبّ ان يأتي إلى أحد الاّ مثل ما يؤتى إليه ، إن رأى سيّئة درأها بالحسنة ، كاظم الغيظ ، عاف عن الناس ، والله يحبّ المحسنين (٤).

وروي في حديث معتبر آخر أنّه نظر أبو عبدالله عليه‌السلام إلى رجل من أهل المدينة قد اشترى لعياله شيئاً وهو يحمله ، فلمّا رآه الرجل استحيى منه ، فقال أبو

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ١٢٣ ح ١١ ـ عنه البحار ٧٥ : ١٣٢ ح ٣٤ باب ٥١.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٢٣ ح ٧ ـ عنه البحار٧٥ : ١٢٩ ح ٢٩ باب ٥١.

٣ ـ الكافي ٢ : ١٢٢ ح ٦ ـ عنه البحار ٧٥ : ١٢٩ ح ٢٨ باب ٥١.

٤ ـ الكافي ٢ : ١٢٤ ح ١٣ ـ عنه البحار ٧٥ : ١٣٥ ح ٣٦ باب ٥١.

١٣

عبدالله عليه‌السلام : اشتريته لعيالك وحملته إليهم ، أما والله لولا أهل المدينة لأحببت أن أشتري لعيالي الشيء ثم أحمله إليهم (١).

وروي بسند معتبر عنه عليه‌السلام انّه قال : مرّ عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما على المجذومين وهو راكب حماره وهم يتغدّون ، فدعوه إلى الغداء.

فقال : أما انّي لولا انّي صائم لفعلت ، فلمّا صار إلى منزله أمر بطعام فصنع ، وأمر أن يتنوّقوا فيه (٢) ، ثم دعاهم فتغدّوا عنده وتغدّى معهم (٣).

وجاء في وصيّة أمير المؤمنين عليه‌السلام لابنه الحسن عليه‌السلام : ... عليك بالتواضع فانّه من أعظم العبادة (٤).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : ما تواضع أحد الاّ رفعه الله (٥).

وروي بسند معتبر عن الامام موسى الكاظم عليه‌السلام انّه قال : ... انّ نوحاً عليه‌السلام كان في السفينة وكان فيها ما شاء الله ، وكانت السفينة مأمورة ، فطافت بالبيت وهو طواف النساء ، فخلّى سبيلها نوح فأوحى الله عزّ وجلّ إلى الجبال : انّي واضع سفينة نوح عبدي على جبل منكنّ.

فتطاولت وشمخت وتواضع الجودي وهو جبل عندكم ، فضربت السفينة بجؤجؤها الجبل ، قال : فقال نوح عند ذلك : يا ماري أتقن ، وهو بالسريانية ، ربّ اصلح (٦).

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ١٢٣ ح ١٠ ـ عنه البحار ٧٥ : ١٣٢ ح ٣٢ باب ٥١.

٢ ـ أي يتكلّفوا فيه ويعملوه لذيذاً حسناً.

٣ ـ الكافي ٢ : ١٢٣ ح ٨ ـ عنه البحار ٧٥ : ١٣٠ ح ٣٠ باب ٥١.

٤ ـ البحار ٧٥ : ١١٩ ح ٥ باب ٥١ ـ عن أمالي الطوسي.

٥ ـ البحار ٧٥ : ١٢٠ ح ٧ باب ٥١ ـ عن أمالي الطوسي.

٦ ـ البحار : ١١ : ٣٣٨ ح ٧٣ باب ٣ عن الكافي ٢ : ١٢٤ ح ١٢.

١٤

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، فدخوا عليه وهو في بيت له جالس على التراب وعليه خلقان الثياب.

قال : فقال جعفر : فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال ، فلمّا رأى ما بنا وتغيّر وجوهنا قال : الحمد لله الذي نصر محمداً وأقرّ عينه ، ألا ابشرّكم؟ فقلت : بلى أيّها الملك.

فقال : انّه جاءني الساعة من نحو أرضكم عينٌ من عيوني هناك فأخبرني انّ الله عزّ وجلّ قد نصر نبيه محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهلك عدوّه ، واُسر فلان وفلان وفلان ، التقوا بواد يقال له : بدر كثير الأراك ، لكأني أنظر إليه حيث كنت أرعى لسيّدي هناك وهو رجل من بني ضمره.

فقال له جعفراً : أيّها الملك فمالي أراك جالساً على التراب وعليك هذه الخلقان؟ فقال له : يا جعفر انّا نجد فيما أنزل الله على عيسى عليه‌السلام انّ من حق الله على عباده أن يحدثوا له تواضعاً عند ما يحدث لهم من نعمة ، فلمّا أحدث الله عزّ وجلّ لي نعمة بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدثت لله هذا التواضع.

فلمّا بلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأصحابه : انّ الصدقة تزيد صاحبها كثرة فتصدّقوا يرحمكم الله ، وانّ التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرفعكم الله ، وانّ العفو يزيد صاحبه عزّاً فاعفوا يعزّكم الله (١).

وروي عن أبي محمد العسكري عليه‌السلام انّه قال : أعرف الناس بحقوق اخوانه وأشدّهم قضاء لها أعظمهم عند الله شأناً ، ومن تواضع في الدنيا لاخوانه

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ١٢١ ح ١ ـ عنه البحار ٧٥ ـ ١٢٤ ح ٢٣ باب ٥١.

١٥

فهو عند الله من الصدّيقين ومن شيعة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام حقّاً.

ولقد ورد على أمير المؤمنين أخوان له مؤمنان أب وابن ، فقام اليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه وجلس بين يديهما ، ثم أمر بطعام فاُحضر فأكلا منه ، ثم جاء قنبر بطست وابريق خشب ومنديل لييبس ، وجاء ليصبّ على يد الرجل ماءً ، فوثب أمير المؤمنين عليه‌السلام فأخذ الابريق ليصب على يد الرجل.

فتمرّغ الرجل في التراب وقال : يا أمير المؤمنين الله يراني وأنت تصب على يدي؟! قال : اقعد واغسل يدك فإنّ الله عزّ وجلّ يراك وأخوك الذي لا يتميز منك ولا يتفضل عليك يخدمك ، يريد بذلك خدمة في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا ، وعلى حسب ذلك في ممالكه فيها.

فقعد الرجل ، فقال له علي عليه‌السلام : أقسمت عليك بعظيم حقّي الذي عرفته وبجلته ، وتواضعك لله حتى جازاك عنه بأن ندبني لما شرفك به من خدمتي لك لما غسلت يدك مطمئناً كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبراً ، ففعل الرجل ذلك.

فلمّا فرغ ناول الابريق محمد بن الحنفية وقال : يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده ، ولكنّ الله عزّ وجلّ يأبى أن يسوّي بين ابن وأبيه إذا جمعهما مكان ، لكن قد صبّ الأب على الأب ، فليصب الابن على الابن ، فصب محمد بن الحنفية على الابن.

ثم قال الحسن بن عليّ العسكري عليه‌السلام : فمن اتبع علياً عليه‌السلام على ذلك فهو الشيعي حقّاً (١).

__________________

١ ـ الاحتجاج ٢ : ٥١٧ ح ٣٤٠ ـ عنه البحار ٧٥ : ١١٧ ح ١ باب ٥١.

١٦

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد بلي ثوبه ، فحمل إليه اثنى عشر درهماً ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ خذ هذه الدراهم فاشتر لي بها ثوباً ألبسه.

قال عليّ عليه‌السلام : فجئت إلى السوق فاشتريت له قميصاً باثني عشر درهماً وجئت به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنظر إليه فقال : يا عليّ غير هذا أحبّ إليّ ، أترى صاحبه يقيلنا؟ فقلت : لا أدري ، فقال : أُنظر.

فجئت إلى صاحبه فقلت : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كره هذا يريد غيره فأقلنا فيه ، فردّ عليّ الدراهم وجئت بها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمشى معي (١) إلى السوق ليبتاع قميصاً ، فنظر إلى جارية قاعدة على الطريق تبكي ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما شأنك؟

قالت : يا رسول الله انّ أهلي أعطوني أربعة دراهم لأشتري لهم حاجة ، فضاعت فلا أجسر أن أرجع إليهم ، فأعطاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعة دراهم وقال : ارجعي إلى أهلك ، ومضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى السوق فاشترى قميصاً بأربعة دراهم ولبسه وحمد الله عزّوجلّ ، فرأى رجلاً عرياناً يقول : من كساني كساه الله من ثياب الجنّة ، فخلع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قميصه الذي اشتراه وكساه السائل.

ثم رجع إلى السوق فاشترى بالأربعة التي بقيت قميصاً آخر ، فلبسه وحمد الله عزّوجلّ ورجع إلى منزله فاذا الجارية قاعدة على الطريق تبكي ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مالك لا تأتين أهلك؟ قالت : يا رسول الله انّي قد أبطأت

__________________

١ ـ هكذا في الامالي للصدوق والبحار لكن في الخصال : « معه ».

١٧

عليهم أخاف أن يضربوني ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مري بين يدي ودلّيني على أهلك.

وجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى وقف على باب دارهم ، ثم قال : السلام عليكم يا أهل الدار ، فلم يجيبوه ، فأعاد السلام فلم يجبيوه ، فأعاد السلام فقالوا : وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال عليه الصلاة والسلام : مالكم تركتم إجابتي في أوّل السلام والثاني؟ فقالوا : يا رسول الله سمعنا كلامك فأحببنا أن نستكثر منه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّ هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤذوها ، فقال : يا رسول الله هي حرّة لممشاك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحمد لله ما رأيت اثني عشر درهماً أعظم بركة من هذه ، كسا الله بها عاريين ، وأعتق نسمة (١).

وروي بسند معتبر عن محمد بن مسلم انّه قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام ذات يوم وهو يأكل متّكئاً ، [ قال : وقد كان يبلغنا انّ ذلك يكره ، فجعلت أنظر إليه فدعاني إلى طعامه ، فلمّا فرغ ] (٢) قال : يا محمد لعلّك ترى انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأته عين وهو يأكل وهو متكىء مِن أن بعثه الله إلى أن قبضه.

قال : ثمّ رد على نفسه فقال : لا والله ما رأته عين يأكل وهو متّكىء من أن بعثه الله إلى أن قبضه ، ثم قال : يا محمد لعلّك ترى انّه شبع من خبز البرّ ثلاثة أيام متوالية من أن بعثه الله إلى أن قبضه ، ثم ردّ على نفسه ثم قال : لا والله ما شبع من خبز البرّ ثلاثة أيام متوالية منذ بعثه الله إلى أن قبضه.

__________________

١ ـ الخصال : ٤٩٠ ح٦٩ أبواب ١٢ ـ أمالي الصدوق : ١٩٧ ح ٥ مجلس ٤٢ ـ عنهما البحار ١٦ : ٢١٤ ح ١ باب ٩.

٢ ـ ليس ما بين المعقوفتين من المتن الفارسي.

١٨

أما انّي لا أقول انّه كان لا يجد ، لقد كان يجيز (١) الرجل الواحد بالمائة من الإبل ، فلو أراد أن يأكل لأكل ، ولقد أتاه جبرئيل عليه‌السلام بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرات يخيّره من غير أن ينقصه الله تبارك وتعالى مما أعدّ الله له يوم القيامة شيئاً ، فيختار التواضع لربّه جلّ وعزّ.

وما سئل شيئاً قط فيقول : لا ، إن كان أعطى ، وإن لم يكن قال : يكون ، وما أعطى على الله شيئاً قط الاّ سلّم ذلك إليه حتى إن كان ليعطي الرجل الجنة فيسلم الله ذلك له.

ثم تناولني بيده وقال : ان كان صاحبكم (٢) ليجلس جلسة العبد ، ويأكل أكلة العبد ، ويطعم الناس خبز البرّ واللحم ، ويرجع الى أهله فيأكل الخبز والزيت ، وان كان ليشتري القميص السنبلاني ثم يخير غلامه خيرهما ، ثم يلبس الباقي فاذا جاز أصابعه قطعه ، وإذا جاز كعبه حذفه.

وما ورد عليه أمران قط كلاهما لله رضى الاّ أخذ بأشدّهما على بدنه ، ولقد ولّى الناس خمس سنين فما وضع آجرة على آجرة ، ولا لبنة على لبنة ، ولا أقطع قطيعة ، ولا أورث بيضاء ولا حمراء الاّ سبعمائة درهم فضلت عن عطاياه أراد أن يبتاع لأهله بها خادماً ، وما أطاق أحدٌ عمله ، وان كان عليّ بن الحسين عليه‌السلام لينظر في الكتاب من كتب عليّ عليه‌السلام فيضرب به الأرض ويقول : من يطيق هذا (٣).

وروي بسند آخر انّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أتى البزازين فقال لرجل : بعني ثوبين ، فقال الرجل : يا أمير المؤمنين عندي حاجتك ، فلما عرفه مضى عنه ، فوقف

__________________

١ ـ من الجائزة بمعنى العطية.

٢ ـ يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٣ ـ الكافي ٨ : ١٢٩ ح ١٠٠ ، عنه البحار ١٦ : ٢٧٧ ح ١١٦ باب ٩.

١٩

على غلام فأخذ ثوبين بثلاثة دراهم والآخر بدرهمين.

فقال : يا قنبر خذ الذي بثلاثة ، فقال : أنت أولى به تصعد المنبر وتخطب الناس ، فقال : وأنت شابّ ولك شره الشباب ، وأنا استحيي من ربي أن أتفضل عليك ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ألبسوهم مما تلبسون ، وأطعموهم مما تأكلون.

فلما لبس القميص مدّ كمّ القميص فأمر بقطعه واتخاذه قلانس للفقراء ، فقال الغلام : هلّم أكفّه ، قال : دعه كما هو فإنّ الأمر أسرع من ذلك ، فجاء أبو الغلام فقال : انّ ابني لم يعرفك وهذان درهمان ربحهما ، فقال : ما كنت لأفعل ، قد ماكست وماكسني واتفقنا على رضى (١).

وترصّد غداءه عمرو بن حريث ، فأتت فضّة بجراب مختوم فأخرج منه خبزاً متغيراً خشناً ، فقال عمرو : يا فضة لو نخلت هذا الدقيق وطيبتيه ، قالت : كنت أفعل فنهاني ، وكنت أضع في جرابه طعاماً طيباً فختم جرابه.

ثم انّ أمير المؤمنين عليه‌السلام فتّه في قصعة وصبّ عليه الماء ، ثم ذرّ عليه الملح وحسر عن ذراعه ، فلمّا فرغ قال : يا عمرو لقد حانت هذه ـ ومدّ يده إلى محاسنه ـ وخسرت هذه إن أدخلها النار من أجل الطعام ، وهذا يجزيني (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يحطب ويستسقي ويكنس ، وكانت فاطمة عليها‌السلام تطحن وتعجن وتخبز.

وروي أنّه عليه‌السلام اشترى تمراً بالكوفة ، فحمله في طرف ردائه ، فتبادر

__________________

١ ـ البحار ٤٠ : ٣٢٤ ضمن حديث ٦ باب ٩٨ عن المناقب.

٢ ـ البحار ٤٠ : ٣٢٥ ح ٧ باب ٩٨ عن المناقب.

٢٠