يكتفوا بقراءة (ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) نقل صاحب مجمع البيان عن أكثر المفسرين : أن المراد بالقراءة هنا صلاة الليل ، وهي ١١ ركعة ، ووقتها بعد نصف الليل ، وسواء أريد من القراءة في هذه الآية الصلاة أم مجرد التلاوة ، فإن الصلاة الواجبة تنحصر بالفرائض الخمس والآيات والطواف الواجب والملتزم بنذر وشبهه والصلاة على الميت ، وقضاء الولد الأكبر عن والديه ما فاتهما من الصلاة في مرض الموت. (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) ذكر سبحانه أربعة أسباب للتخفيف والترخيص بترك القيام لله دليلا : السبب الأول : العجز عن ضبط الوقت ، وسبقت الإشارة إليه. الثاني أن في عباد الله مرضى يتعذر عليهم التعبد في الليل. الثالث أن منهم أيضا المسافرين لطلب العيش وغيره من الأمور الضرورية. السبب الرابع الجهاد في سبيل الله ، فخفّف سبحانه القيام لله ليلا عن جميع العباد لأجل هذه الأسباب ، ومعنى هذا أن الله سبحانه قد يرفع بعض التكاليف عن عموم الأفراد لعجز بعض العباد عن أداتها ، وإن قدر آخرون على إقامتها بلا مشقة وصعوبة (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) أي من القرآن وكرر سبحانه هذا الأمر لتكرار سببه ، فقد كان السبب الموجب للأمر الأول العجز عن ضبط الوقت ، أما السبب الثاني فهو المرض والسفر والجهاد (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) المفروضة في أوقاتها الخمسة ، ولا تسقط في مرض وسفر وجهاد يؤديها كلّ حسب طاقته (آتُوا الزَّكاةَ) المفروضة في أموالكم (وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) أي لوجه الله بلا من وأذى وترفع واستعلاء ، وكرر سبحانه هذا القرض في كتابه أكثر من عشر مرات ، لأنه من أفضل أعمال البر ، إضافة إلى تزكية النفس والتكفير عن الذنب (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) أي إن تقدموا (مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) المراد بالخير كل ما يخدم الإنسان وينتفع به قولا كان أو فعلا (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) بزجر النفس عن الحرام إذا مالت إليه. وردعها عن الباطل إذا حاولت الإقدام عليه لا بقول استغفر الله وكفى.
سورة المدّثّر
مكيّة وهي ست وخمسون آي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
١ ـ (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) أصله المتدثّر ، والدثار : ما يلتف به الإنسان من الثياب تماما كالمزمل.
٢ ـ (قُمْ فَأَنْذِرْ) قم يا محمد. قم يا إنسان بمعناه ومحتواه. قم يا من يؤمن بالله ويغضب لغضبه ، قم وتحدّ طغاة الأرض وجبابرة الحكم ، بكلمة الحق والعدل بلا مداراة وهوادة.
٣ ـ (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) بهذا النداء لا كبير مهما كانت قوته وثروته إلا الله ، ولا خضوع لأحد سواه ، هذا هو الدين القيّم الذي يضع الجميع على صعيد واحد في الحقوق والواجبات. ويبطل مزاعم الذين يرون لأنفسهم حقوقا مقدسة على غيرهم.