(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(١٨٨)
(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) جلب نفع ولا دفع ضر ، وهو إظهار للعبودية والتبري من ادعاء العلم بالغيوب. (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) من ذلك فيلهمني إياه ويوفقني له ، (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) ولو كنت أعلمه لخالفت حالي ما هي عليه من استكثار المنافع واجتناب المضار حتى لا يمسني سوء. (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) ما أنا إلا عبد مرسل للإنذار والبشارة. (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فإنهم المنتفعون بهما ، ويجوز أن يكون متعلقا بال (بَشِيرٌ) ومتعلق ال (نَذِيرٌ) محذوف.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)(١٨٩)
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) هو آدم. (وَجَعَلَ مِنْها) من جسدها من ضلع من أضلاعها ، أو من جنسها كقوله : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً). (زَوْجَها) حواء. (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) ليستأنس بها ويطمئن إليها اطمئنان الشيء إلى جزئه أو جنسه ، وإنما ذكر الضمير ذهابا إلى المعنى ليناسب. (فَلَمَّا تَغَشَّاها) أي جامعها. (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) خف عليها ولم تلق منه ما تلقى منه الحوامل غالبا من الأذى ، أو محمولا خفيفا وهو النطفة. (فَمَرَّتْ بِهِ) فاستمرت به أي قامت وقعدت ، وقرئ «فمرت» بالتخفيف و «فاستمرت به» و «فمارت» من المور وهو المجيء والذهاب ، أو من المرية أي فظنت الحمل وارتابت منه. (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) صارت ذات ثقل بكبر الولد في بطنها. وقرئ على البناء للمفعول أي أثقلها حملها. (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) ولدا سويا قد صلح بدنه. (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) لك على هذه النعمة المجددة.
(فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠) أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ)(١٩١)
(فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) أي جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما فسموه عبد العزى وعبد مناف على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، ويدل عليه قوله : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
(أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) يعني الأصنام. وقيل : لما حملت حواء أتاها إبليس في صورة رجل فقال لها : ما يدريك ما في بطنك لعله بهيمة أو كلب وما يدريك من أين يخرج ، فخافت من ذلك وذكرته لآدم فهما منه ثم عاد إليها وقال : إني من الله بمنزلة فإن دعوت الله أن يجعله خلقا مثلك ويسهل عليك خروجه تسميه عبد الحرث ، وكان اسمه حارثا بين الملائكة فتقبلت ، فلما ولدت سمياه عبد الحرث. وأمثال ذلك لا تليق بالأنبياء ويحتمل أن يكون الخطاب في (خَلَقَكُمْ) لآل قصي من قريش ، فإنهم خلقوا من نفس قصي وكان له زوج من جنسه عربية قرشية وطلبا من الله الولد فأعطاهما أربعة بنين فسمياهم : عبد مناف ، وعبد شمس ، وعبد قصي ، وعبد الدار. ويكون الضمير في (يُشْرِكُونَ) لهما ولأعقابهما المقتدين بهما. وقرأ نافع وأبو بكر «شركا» أي شركة بأن أشركا فيه غيره أو ذوي شرك وهم الشركاء ، وهم ضمير الأصنام جيء به على تسميتهم إياها آلهة.
(وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ