الصفا فدعاهم فخذا فخذا يحذرهم بأس الله تعالى فقال قائلهم : إن صاحبكم لمجنون بات يهوت إلى الصباح ، فنزلت. (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) موضح إنذاره بحيث لا يخفى على ناظر.
(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥) مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(١٨٦)
(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) نظر استدلال. (فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) مما يقع عليه اسم الشيء من الأجناس التي لا يمكن حصرها ليدلهم على كمال قدرة صانعها ، ووحدة مبدعها وعظم شأن مالكها ، ومتولي أمرها ليظهر لهم صحة ما يدعوهم إليه. (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) عطف على ملكوت وأن مصدرية أو مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن وكذا اسم يكون والمعنى : أو لم ينظروا في اقتراب آجالهم وتوقع حلولها فيسارعوا إلى طلب الحق والتوجه إلى ما ينجيهم ، قبل مغافصة الموت ونزول العذاب. (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) أي بعد القرآن. (يُؤْمِنُونَ) إذا لم يؤمنوا به ، وهو النهاية في البيان كأنه إخبار عنهم بالطبع والتصميم على الكفر بعد إلزام الحجة والإرشاد إلى النظر. وقيل هو متعلق بقوله : عسى أن يكون ، كأنه قيل لعل أجلهم قد اقترب فما بالهم لا يبادرون الإيمان بالقرآن ، وماذا ينتظرون بعد وضوحه فإن لم يؤمنوا به فبأي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا به.
وقوله : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) كالتقرير والتعليل له. ونذرهم في طغيانهم بالرفع على الاستئناف ، وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب بالياء لقوله (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ) ، وحمزة والكسائي به وبالجزم عطفا على محل (فَلا هادِيَ لَهُ) ، كأنه قيل : لا يهده أحد غيره (وَيَذَرُهُمْ). (يَعْمَهُونَ) حال من هم.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(١٨٧)
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) أي عن القيامة ، وهي من الأسماء الغالبة وإطلاقها عليها إما لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها ، أو لأنها على طولها عند الله كساعة. (أَيَّانَ مُرْساها) متى إرساؤها أي إثباتها واستقرارها ورسو الشيء ثباته واستقراره ، ومنه رسا الجبل وأرسى السفينة ، واشتقاق (أَيَّانَ) من أي لأن معناه أي وقت ، وهو من أويت إليه لأن البعض أو إلى الكل. (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) استأثر به لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا. (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها) لا يظهر أمرها في وقتها. (إِلَّا هُوَ) والمعنى أن الخفاء بها مستمر على غيره إلى وقت وقوعها ، واللام للتأقيت كاللام في قوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ). (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) عظمت على أهلها من الملائكة والثقلين لهولها ، وكأنه إشارة إلى الحكمة في إخفائها. (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) إلا فجأة على غفلة ، كما قال عليه الصلاة والسلام : «إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته والرجل يقوم سلعته في سوقه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه». (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) عالم بها ، فعيل من حفى عن الشيء إذا سأل عنه ، فإن من بالغ في السؤال عن الشيء والبحث عنه استحكم علمه فيه ، ولذلك عدي بعن. وقيل هي صلة (يَسْئَلُونَكَ). وقيل هو من الحفاوة بمعنى الشفقة فإن قريشا قالوا له : إن بيننا وبينك قرابة فقل لنا متى الساعة ، والمعنى يسألونك عنها كأنك حفي تتحفى بهم فتخصهم لأجل قرابتهم بتعليم وقتها. وقيل معناه كأنك حفي بالسؤال عنها تحبه ، من حفى بالشيء إذا فرح أي تكثره لأنه من الغيب الذي استأثر الله بعلمه. (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) كرره لتكرير يسألونك لما نيط به من هذه الزيادة وللمبالغة. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أن علمها عند الله لم يؤته أحدا من خلقه.