مختصر الصواعق المرسلة على الجهميّة والمعطّلة

ابن القيّم الجوزيّة

مختصر الصواعق المرسلة على الجهميّة والمعطّلة

المؤلف:

ابن القيّم الجوزيّة


المحقق: رضوان جامع رضوان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٨٧

عين هذه المخلوقات ، ولا صفة ولا جزء منها ، فإن الخالق غير المخلوق ، وليس بداخل فيها محصور بل هي صريحة في أنه مباين لها وأنه ليس حالا فيها ولا محلا لها ، فهي هادية للقلوب عاصمة لها أن يفهم من قوله : (وَهُوَ مَعَكُمْ). أن الله سبحانه عين المخلوقات أو حال فيها أو محل لها.

الوجه الرابع : إنه ليس ظاهر اللفظ ولا حقيقته أنه سبحانه مختلط بالمخلوقات ممتزج بها ، ولا تدل لفظة «مع» على هذا بوجه من الوجوه فضلا أن يكون هو حقيقة اللفظ وموضوعه ، فإن «مع» في كلامهم لصحبته اللائقة وهي تختلف باختلاف متعلقاتها ومصحوبها ، فكون نفس الإنسان معه لون ، وكون علمه وقدرته وقوته معه لون ، وكون زوجته معه لون ، وكون أميره ورئيسه معه لون وكون ما له معه لون. فالمعية ثابتة في هذا كله مع تنوعها واختلافها ، فيصح أن يقال : زوجته معه وبينهما شقة بعيدة ، وكذلك يقال مع فلان دار كذا وضيعته كذا ، فتأمل نصوص المعية في القرآن كقوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) (الفتح : ٢٩) وقوله : (يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) (الحديد : ١٤) وقوله : (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) (التوبة : ٨٣) وقوله : (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (التوبة : ١١٩ ، البقرة : ٤٣ ، البقرة : ٢٤٩ ، التحريم : ٨ ، آل عمران : ٥٣) (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) (النساء : ١٠٢ ، ١٠٣ ، المائدة : ٨٤) ، وأضعاف ذلك ، هل يقتضي موضع واحد منها مخالطة في الذوات التصاقا وامتزاجا ، فكيف تكون حقيقة المعية في حق الرب تعالى ذلك حتى يدعي أنها مجاز لا حقيقة ، فليس في ذلك ما يدل على أن ذاته تعالى فيهم ولا ملاصقة لهم ، ولا مخالطة ولا مجاوزة بوجه من الوجوه ، وغاية ما تدل عليه (مع) المصاحبة والموافقة والمقارنة في أمر من الأمور. وذا الاقتران في كل موضع بحسبه يلزمه لوازم بحسب متعلقة.

فإن قيل : الله مع خلقه بطريق العموم ، كان من لوازم ذلك علمه بهم وتدبيره لهم وقدرته عليهم ، وإذا كان ذلك خاصا كقوله : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (الحديد : ٤) كان من لوازم ذلك معيته لهم بالنصرة

٦٢١

والتأييد والمعونة ، فمعية الله تعالى مع عبده نوعان : عامة وخاصة ، وقد اشتمل القرآن على النوعين ، وليس ذلك بطريق الاشتراك اللفظي بل حقيقتها ما تقدم من الصحبة اللائقة ، وقد أخبر الله تعالى أنه مع خلقه مع كونه مستويا على عرشه وقرن بين الأمرين كما قال تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ، يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة : ١٥٣ ، العنكبوت : ٦٩ ، النحل : ١٢٨ ، البقرة : ١٩٤ ، التوبة : ٤٠) فأخبر أنه خلق السموات والأرض ، وأنه استوى على عرشه ، وأنه مع خلقه يبصر أعمالهم من فوق عرشه كما في حديث الأوعال : «والله فوق عرشه يرى ما أنتم عليه» فعلوّه لا يناقض معيته ، ومعيته لا تبطل علوه ، بل كلاهما حق ، فمن المعية الخاصة قوله : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ إِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) ومن العامة (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (الحديد : ٤) وقوله : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) الآية (المجادلة : ٧).

فنبه سبحانه بالثلاثة على العدد الذي يجمع الشفع والوتر ، ولا يمكن أهله أن ينقسموا في النجوى قسمين ، ونبه بالخمسة على العدد الذي يجمعهما ، ويمكن أهله أن ينقسموا فيها قسمين فيكون مع كل العددين ، فالمشتركون في النجوى إما شفع فقط أو وتر فقط ، أو كلا القسمين ، وأقل أقسام الوتر المتناجين ثلاثة وأقل أنواع الشفع اثنان ، وأقل أقسام النوعين إذا اجتمعا خمسة فذكر أدنى مراتب طائفة الوتر وأدنى مراتب النوعين إذا اجتمعا ، ثم ذكر معيته العامة لما هو أدنى من ذلك أو أكثر.

وتأمل كيف جعل نفسه رابع الثلاثة وسادس الخمسة ، إذ هو غيرهم سبحانه بالحقيقة لا يجتمعون معه في جنس ولا فصل. وقال : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) (المائدة : ٧٣) فإنهم ساووا بينه وبين الاثنين في الإلهية ، والعرب تقول : رابع أربعة ، وخامس خمسة وثالث ثلاثة ، لما يكون فيه المضاف إليه من جنس المضاف كما قال تعالى : (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) (التوبة : ٤٠) رسول الله وصديقه ، فإن كان من غير جنس قالوا رابع ثلاثة

٦٢٢

وخامس أربعة وسادس خمسة ، وقال تعالى في المعية الخاصة لموسى وأخيه (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) (طه : ٤٦) وقال في العامة (فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) (الشعراء : ١٥) فتأمل كيف أفرد ضمير نفسه حيث أفرد موسى وأخاه عن فرعون ، وكيف جمع الضمير لما أدخل فرعون معهما في الذكر ، فجعل الخاص مع المعية الخاصة والعام مع المعية العامة. وأما قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق : ١٦) فهذه الآية لها شأن. وقد اختلف فيها السلف والخلف على قولين ، فقالت طائفة : نحن أقرب إليه بالعلم والقدرة والإحاطة وعلى هذا فيكون المراد قربه سبحانه بنفسه ، وهو نفوذ بنفسه ، وهو نفوذ قدرته ومسيئته فيه وإحاطة علمه به. والقول الثاني : أن المراد قرب ملائكته منه ، وأضاف ذلك إلى نفسه بصيغة ضمير الجمع على عادة العظماء في إضافة أفعال عبيدها إليها بأوامرهم ومراسيمهم ، فيقول الملك نحن قتلناهم وهزمناهم. قال تعالى : (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (القيامة : ١٨) وجبرائيل هو الذي يقرأه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) (الأنفال : ١٧) فأضاف قتل المشركين يوم بدر إليه ، وملائكته هم الذين باشروه ، إذ هو بأمره ، وهذا القول أصح من الأول لوجوه (أحدها) أنه سبحانه قيد القرب في الآية بالظرف وهو قوله : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) (ق : ١٧) كالعامل في الظرف ما في قوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) من معنى الفعل ، ولو كان المراد قربه سبحانه بنفسه لم يتقيد ذلك بوقت تلقي الملكين ، ولا كان في ذكر التقييد به فائدة ، فإن علمه سبحانه وقدرته ومشيئته عامة التعلق (١).

__________________

(١) وقال في الفوائد عند ذكر هذه الآية : .... ثم أخبر سبحانه عن إحاطة علمه به ـ يعني بعبده ـ حتى علم وساوس نفسه ، ثم أخبر عن قربه إليه بالعلم والإحاطة ، وأن ذلك أدنى إليه من العرق الذي هو داخل بدنه ، فهو أقرب إليه بالقدرة عليه ، والعلم به من ذلك العرق.

وقال شيخنا ـ يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية ـ : المراد بقوله : «نحن» أي ملائكتنا ، كما قال : (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) أى إذا قرأه عليك رسولنا جبريل ، قال : ويدل عليه قوله : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) فقيد القرب المذكور بتلقي الملكين ، ولو كان المراد به قرب الذات لم يتقيد بوقت تلقي الملكين ، فلا حجة في الآية لحلولي ولا معطل اه.

٦٢٣

(الثاني) أن الآية تكون قد تضمنت علمه وكتابة ملائكته لعمل العبد ، وهذا نظير قوله : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف : ٨٠) وقريب منه قوله تعالى في أول السورة : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) (ق : ٤) ونحو قوله : (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) (طه : ٥٢).

(الثالث) إن قرب الرب تعالى إنما ورد خاصا لا عاما ، وهو نوعان : قربه من داعيه بالإجابة ومن مطيعه بالإثابة ولم يجيء القرب كما جاءت المعية خاصة وعامة ، فليس في القرآن ولا في السنة أن الله قريب من كل أحد ، وأنه قريب من الكافر والفاجر ، وإنما جاء خاصا كقوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) (البقرة : ١٨٦) فهذا قربه من داعيه وسائله به ، وقال تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف : ٥٦) ولم يقل قريبة ، وإنما كان الخبر عنها مذكورا. إما لأن فعيلا بينه وبين فعول اشتراك من وجوه ، منها الوزن والعدد والزيادة والمبالغة ، وكون كل منهما يكون معدولا عن فاعل استوى مذكره مؤنثه في عدم إلحاق التاء ، كامرأة نئوم وضحوك ، فحملوا فعيلا عليه في بعض المواضع لعقد الإخوة التي بينهما ، وإما لأن قريبا معدول عن مفعول في المعنى كأنها قربت منهم وأدنيت ، وهم يراعون اللفظ تارة والمعنى أخرى ، وإما ذهابهم بالرحمة إلى الإحسان واللطف والبر ، وهو كثير في لغتهم حتى يكثر أنهم يستعملون ضد ذلك فيقولون جاءت فلانا كتابي ، تذهبون به إلى الصحيفة. وإما على حذف مضاف يكون قريب خبرا عنه تقديره مكان رحمة الله أو تناولها ونحو ذلك قريب ، وإما على تقدير موصوف محذوف يكون قريب صفة له تقديره أمر أو شيء قريب كقول الشاعر :

قامت تبكيه على قبره

من لي من بعدك يا عامر

تركتني في الدار ذا غربة

قد ذل من ليس له ناصر

أي شخصا ذا غربة ، وعلى هذا حمل سيبويه حائضا ، وطالقا وطامثا ونحوها ، وإما على اكتساب المضاف إليه ، نحو ذهبت بعض أصابعه ، وتواضعت

٦٢٤

سور المدينة ، وبابه إما من الاستغناء بأحد المذكورين عن الآخر ، والدلالة بالمذكور على المحذوف ، والأصل إن الله قريب من المحسنين ، ورحمته قريبة منهم ، فيكون قد أخبر عن قرب ذاته وقرب ثوابه من المحسنين واكتفى بالخبر عن أحدهما عن الآخر وقريب منه (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) ، (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) (التوبة : ٣٤) ومثله على أحد الوجوه (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً) الآية (الشعراء : ٤) ، أي فذلوا لها خاضعين (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ) (الشعراء : ٤) لها خاضعة ، وإما لأن القريب يراد به شيئان (أحدها) النسب والقربة فهذا يؤنث ، تقول : هذه قريبة لي وقرابة.

(والثاني) قرب المكان والمنزلة ، وهذا يجرد عن التاء ، تقول جلست فلانة قريبا مني هذا في الظرف ، ثم أجروا الصفة مجراه للأخوة التي بينهما ، حيث لم يرد بكل واحد منهما نسب ولا قرابة ، وإنما أريد قرب المكانة والمنزلة ، وإما لأن تأنيث الرحمة لما كان غير حقيقي ساغ حذف التاء من صفته وخبره كما ساغ حذفها من الفعل ، نحو طلع الشمس ، وإما لأن قريبا مصدر لا وصف ، كالنقيض والعويل والوجيب ، مجرد عن التاء ، لأنك إذا أخبرت عن المؤنث بالمصدر لم تلحقه التاء ، كما تقول امرأة عدل ، وصوم ، ونوم.

والذي عندي أن الرحمة لما كانت من صفات الله تعالى ، وصفاته قائمة بذاته ، فإذا كانت قريبة من المحسنين ، فهو قريب سبحانه منهم قطعا ، وقد بينا أنه سبحانه قريب من أهل الإحسان ، ومن أهل سؤاله بإجابته.

ويوضح ذلك أن الإحسان يقتضي قرب العبد من ربه ، فيقرب ربه منه إليه بإحسانه تقرب تعالى إليه ، فإنه من تقرب منه شبرا يتقرب منه ذراعا ، ومن تقرب منه ذراعا تقرب منه باعا (١) ، فهو قريب من المحسنين بذاته ورحمته قربا

__________________

(١) يشير إلى الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في «صحيحه» من حديث أبي هريرة يرفعه بلفظ : «قال الله عزوجل : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه حيث يذكرني ،

٦٢٥

ليس له نظير ، وهو مع ذلك فوق سماواته على عرشه ، كما أنه سبحانه يقرب من عباده في آخر الليل وهو فوق عرشه ، فإن علوه سبحانه على سماواته من لوازم ذاته ، فلا يكون قط إلا عاليا ، ولا يكون فوقه شيء البتة ، كما قال أعلم الخلق : «وأنت الظاهر فليس فوقك شيء» وهو سبحانه قريب في علوه عال في قربه ، كما في الحديث الصحيح عن أبي موسى الأشعري قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سفر فارتفعت أصواتنا بالتكبير فقال : «أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إن الذي تدعونه سميع قريب ، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» (١) فأخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو أعلم الخلق به أنه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ، وأخبر أنه فوق سماواته على عرشه مطلع على خلقه يرى أعمالهم ويعلم ما في بطونهم ، وهذا حق لا يناقض أحدهما الآخر.

والذي يسهل عليك فهم هذا : معرفة عظمة الرب وإحاطته بخلقه. وأن السموات السبع في يده كخردلة في يد العبد. وأنه سبحانه يقبض السموات بيده والأرض بيده الأخرى ثم يهزهن. فكيف يستحيل في حق من هذا بعض عظمته أن يكون فوق عرشه ويقرب من خلقه كيف شاء وهو على العرش.

وبهذا يزول الإشكال عن الحديث الذي رواه الترمذي من حديث الحسن عن أبي هريرة قال : بينما نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس في أصحابه إذ أتى عليهم سحاب. فقال نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل تدرون ما هذا؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال هذا العنان. هذه روايا الأرض يسوقها الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه» ثم قال : «هل تدرون ما فوقكم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : فإنها الرفيع سقف محفوظ وموج مكفوف» ثم قال : «هل تدرون كم بينكم وبينها؟

__________________

والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة ، ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإذا أقبل إلي يمشى ، أقبلت إليه أهرول».

(١) تقدم تخريجه وهو في صحيح مسلم.

٦٢٦

قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : بينكم وبينها خمسمائة سنة» ثم قال : «هل تدرون ما فوق ذلك؟» قالوا : الله ورسوله أعلم قال : «فإن فوق ذلك سماءين ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة» حتى عد سبع سماوات ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض. ثم قال : «هل تدرون ما فوق ذلك؟» قالوا الله ورسوله أعلم. قال : «فإن فوق ذلك العرش بينه وبين السماء السابعة بعد ما بين السماءين» ثم قال : «هل تدرون ما الذي تحتكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال فإنها الأرض ثم قال : «هل تدرون ما تحت ذلك؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال فإنها الأرض الأخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة» حتى عد سبع أرضين. بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة. ثم قال : «والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبطتم على الله ثم قرأ (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) قال الترمذي : هذا حديث غريب من هذا الوجه (١).

ويروى عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن عبيد وعلى بن زيد قالوا : لم يسمع الحسن من أبي هريرة. وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث وقالوا : إنما يهبط على علم الله قدرته وسلطانه ، وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان ، وهو على العرش كما وصف في كتابه هذا آخر كلامه.

وقد اختلف الناس في هذا الحديث في سنده ومعناه ، فطائفة قبلته لأن إسناده ثابت إلى الحسن.

قال الترمذي : حدثنا ابن حميد وغير واحد ، قالوا حدثنا يونس بن محمد حدثنا شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة حدثنا الحسن عن أبي هريرة ، فهؤلاء كلهم أئمة ، وقد صرح قتادة بتحديث الحسن له ، وقد صح عن الحسن في غير هذا الحديث أنه قال : حدثنا أبو هريرة ، ولا ريب أنه عاصره ، وقد قال مسلم ابن ابراهيم حدثنا ربيعة بن كلثوم قال سمعت الحسن قال : سمعت أبا هريرة. وطائفة أخرى ردت الحديث وأعلته بأنه منقطع. قالوا والحسن لم ير أبا هريرة

__________________

(١) تقدم تخريجه وهو ضعيف.

٦٢٧

فضلا أن يسمع منه. قال عثمان بن سعيد الدارمي : قلت ليحيى بن معين : الحسن لقى ابن عباس؟ قال : لا ولم يلق أبا هريرة.

وقال ابن أبي حاتم حدثنا صالح بن أحمد حدثنا علي بن المديني قال : سمعت سالم بن قتيبة قال حدثني شعبة ، قال قلت ليونس بن عبيد : الحسن سمع من أبي هريرة؟ قال : ما رآه قط. حدثنا صالح بن أحمد قال ؛ قال أبي ، قال بعضهم عن الحسن حدثنا أبو هريرة ، قال ابن أبي حاتم إنكارا عليه إنه لم يسمع من أبي هريرة.

حدثنا محمد بن أحمد البر قال : قال علي : لم يسمع الحسن من أبي هريرة. ثم ذكره عن أيوب وعلى بن زيد لم يسمع الحسن من أبي هريرة. وقال عبد الرحمن بن مهدي سمعت من ابن عمر ولم يسمع من أبي هريرة ولم يره.

وقال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول : لم يسمع من أبى هريرة ، وسمعت أبا زرعة يقول : لم يسمع الحسن من أبي هريرة ولم يره. فقيل له فمن قال حدثنا أبو هريرة؟ قال يخطئ وسمعت أبي يقول ، وذكر حدثنا أبو هريرة وأوصاني خليلي. قال : لم يعمل ربيعة بن كلثوم شيئا ، لم يسمع الحسن من أبي هريرة شيئا. قلت لأبي إن سالما الخياط روى عن الحسن قال سمعت أبا هريرة قال هذا مما يبين ضعف سالم.

وسمعت أبا الحجاج المزي يقول : قوله حدثنا أبو هريرة ، أي حدث أهل بلدنا ، كما في حديث الدجال قول الشاب الذي يقتله له : أنت الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديثه. قال أبو حاتم : والحسن لم يسمع من ابن عباس وقوله خطبنا ابن عباس ، يعني خطب أهل البصرة. قالوا وللحديث علة أخرى وهي أن عبد الرزاق في تفسيره رواه عن معمر عن قتادة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرسلا ، فاختلفوا هو وشيبان فيه ، هل حدث به عن الحسن.

والذين قبلوا اختلفوا في معناه ، فحكى الترمذي عن بعض أهل العلم أن

٦٢٨

المعنى يهبط على علم الله وقدرته وسلطانه ، ومراده على معلوم الله ومقدوره وملكه ، أي انتهى علمه وقدرته وسلطانه إلى ما تحت التحت ، فلا يعزب عنه شيء.

وقالت طائفة أخرى : بل هذا معنى اسمه المحيط واسمه الباطن ، فإنه سبحانه محيط بالعالم كله ، وأن العالم العلوي والسفلى في قبضته كما قال تعالى :

(وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) (البروج : ٢٠) فإذا كان محيطا بالعالم فهو فوقه بالذات عال عليه من كل وجه وبكل معنى ، فالإحاطة تتضمن العلو والسعة والعظمة ، فإذا كانت السموات السبع والأرضون السبع في قبضته فلو وقعت حصاة أو دلي بحبل لسقط في قبضته سبحانه. والحديث لم يقل فيه إنه يهبط على جميع ذاته ، فهذا لا يقوله ولا يفهمه عاقل ، ولا هو مذهب أحد من أهل الأرض البتة. لا الحلولية ولا الاتحادية ولا الفرعونية ولا القائلون بأنه في كل مكان بذاته ، وطوائف بني آدم كلهم متفقون على أن الله تعالى ليس تحت العالم.

فقوله «لو دليتم بحبل لهبط على الله» إذا هبط في قبضته المحيط بالعالم هبط عليه والعالم في قبضته وهو فوق عرشه ، ولو أن أحدنا أمسك بيده أو برجله كرة قبضتها يده من جميع جوانبها ثم وقعت حصاة من أعلى الكرة إلى أسفلها لوقعت في يده وهبطت عليه ، ولم يلزم أن تكون الكرة والحصاة فوقه وهو تحتها ، ولله المثل الأعلى وإنما يؤتى الرجل من سوء فهمه أو من سوء قصده من كليهما ، فإذا هما اجتمعا كمل نصيبه من الضلال.

وأما تأويل الترمذي وغيره له بالعلم فقال شيخنا : هو ظاهر الفساد من جنس تأويلات الجهمية بل بتقديره ثبوته ، فإنما يد على الإحاطة ، والإحاطة ثابتة عقلا ونقلا وفطرة كما تقدم. وقد ثبت في «الصحيحين» من غير وجه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصقن قبل وجهه فإن الله قبل وجهه ، ولا عن يمينه ، فإن عن يمينه ملكا ولكن ليبصق عن يساره أو تحت رجله» (١).

__________________

(١) تقدم تخريجه وهو في «الصحيحين».

٦٢٩

وفي حديث أبي رزين المشهور الذي رواه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في رؤية الرب تعالى ، فقال له أبو رزين كيف يسعنا وهو شخص واحد ونحن جميع ، فقال : «سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله : هذا القمر آية من آيات الله ، كلكم يراه مخليا به ، فالله أكبر من ذلك» (١).

ومن المعلوم أن من توجه إلى القمر وقدر مخاطبته له فإنه لا يتوجه إليه إلا بوجهه مع كونه فوقه ، ومن الممتنع في الفطرة أن يستدبره ويخاطبه مع قصده له ، وكذلك إذا قام إلى الصلاة فإنه يستقبل ربه هو فوقه فيدعوه من تلقائه لا عن يمينه ولا عن يساره ، ويدعوه من العلو لا من السفل.

وقد ثبت في «الصحيحين» عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم أبصارهم» (٢) واتفق العلماء على أن رفع البصر إلى السماء للمصلي منهي عنه. روى أحمد عن محمد بن سيرين أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يرفع بصره في الصلاة إلى السماء حتى أنزل الله (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) (المؤمنون : ١ ، ٢) فكان بصره لا يجاوز موضع سجوده.

فهذا مما جاءت له الشريعة تكميلا للفطرة ، لأن الداعي السائل الّذي أمر بالخشوع وهو الذل والسكون لا يناسب حاله أن ينظر إلى ناحية من يدعوه ويسأله ، بل يناسبه الإطراق وخفض بصره أمامه ، فليس في هذا النهي ما ينفي كونه فوق سماواته على عرشه كما زعم بعض جهال الجهمية ، فإنه لا فرق عندهم بين تحت التحت والعرش بالنسبة إليه ، ولو كان كذلك لم ينه عن رفع بصره إلى جهة ، ويؤمر برده إلى غيرها ، لأن الجهتين عند الجهمية سواء بالنسبة إليه.

وأيضا فلو كان الأمر كذلك لكان النهي ثابتا في الصلاة وغيرها وقد قال تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) (البقرة : ١٤٤) فليس العبد منهيا

__________________

(١) تقدم تخريجه وفي إسناده مقال.

(٢) رواه مسلم (٤٢٨).

٦٣٠

عن رفع بصره إلى السماء مطلقا وإنما نهي عنه في الوقت الذي أمر فيه بالخشوع ، لأن خفض البصر من تمام الخشوع ، كما قال تعالى : (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) (القمر : ٧).

وأيضا فلو كان النهي عن رفع البصر إلى السماء لكون الرب ليس في السماء لكان لا فرق بين رفعه إلى السماء ورده إلى جميع الجهات ، ولو كان مقصوده أن ينهي الناس أن يعتقدوا أن الله في السماء أن يقصدوا بقلوبهم التوجه إلى العلو ، لبين لهم ذلك بيانا شافيا ، ولم يحملهم فيه على أدب من آداب المصلى ، وهو إطراقه بين يدي ربه وخشوعه ورمي بصره إلى الأرض كما يفعل بين يدي الملوك ، فهذا إنما يدل على نقيض قولهم.

فقد ظهر أنه على كل تقديره لا يجوز التوجه إلى الله تعالى إلا من جهة العلو ، وإن ذلك لا ينافي إحاطته ، وكونه في قبضته ، وأنه الباطن الذي ليس دونه شيء ، كما أنه الظاهر الذي ليس فوقه شيء ، وأن أحد الأمرين لا ينفي الآخر ، وإن إحاطته بخلقه لا تنفي مباينته لهم ولا علوه على مخلوقاته ، بل هو فوق خلقه محيط بهم مباين لهم.

وإنما تنشأ الشبهة الفاسدة عن اعتقادين فاسدين (أحدها) أن يظن أنه إذا كان العرش كريا والله فوقه ، لزم أن يكون كريا (الاعتقاد الثاني) أنه إذا كان كريا صح التوجه إليه من جميع الجهات. وهذان الاعتقادان خطأ وضلال ، فإن الله سبحانه مع كونه فوق العرش ومع القول بأن العرش كري. لا يجوز أن يظن به أنه مشابه لها في أقدارها ولا في صفاتها ، فقد تبين أنه أعظم وأكبر من كل شيء. وأن السموات والأرض في يده كخردلة في كف أحدنا. وهذا يزيل كل إشكال. ويبطل كل خيال.

* * *

٦٣١

(١٠) المثال العاشر في : النداء والصوت

(المثال العاشر) : مما يظن أنه مجاز وليس بمجاز لفظ (النداء الإلهي) وقد تكرر في الكتاب والسنة تكرارا مطردا في محاله ، متنوعا تنوعا يمنع حمله على المجاز. فأخبر تعالى أنه نادى في الجنة. ونادى كليمه. وأنه ينادي عباده يوم القيامة.

وقد ذكر سبحانه النداء في تسعة مواضع في القرآن أخبر فيها عن ندائه بنفسه ، ولا حاجة إلى أن يقيد النداء بالصوت ؛ فإنه بمعناه وحقيقته باتفاق أهل اللغة ، فإذا انتفى الصوت انتفى النداء قطعا ، ولهذا جاء إيضاحه في الحديث الصحيح الذي بلغناه الصحابة والتابعون وتابعوهم ، وسائر الأمة تلقته بالقبول. وتقييده بالصوت إيضاحا وتأكيدا كما قيد التكليم بالمصدر في قوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (النساء : ١٦٤).

قال البخاري في «صحيحه» : حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش حدثنا أبو صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول الله تعالى : يا آدم فيقول لبيك وسعديك ، فينادي بصوت : إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار» (١).

وقال البخاري : حدثنا الحميدي وعلي بن المديني قالا : حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو بن دينار قال : سمعت عكرمة يقول سمعت أبا هريرة يحدث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان ، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ما ذا قال ربكم؟ قالوا

__________________

(١) رواه البخاري (٧٤٨٣) ، ومسلم (٣٧٩).

٦٣٢

الحق وهو العلي الكبير» الحديث رواه النسائي في «التفسير» وابن ماجه وأبو داود والترمذي ، وقال حديث حسن صحيح (١).

(الكلام على حديث : فيناديهم بصوت)

وروى أبو داود من حديث علي بن الحسين بن إشكاب ، حدثنا أبو معاوية الضرير عن الأعمش ، عن مسلم بن صبيح ، عن مسروق ، عن عبيد الله. قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيضعون ، ولا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبرائيل ، فإذا جاءهم جبرائيل فزّع عن قلوبهم فيقولون : يا جبرائيل : ما ذا قال ربكم؟ قال الحق فينادون الحق الحق» وهذا الإسناد كلهم أئمة ثقات (٢).

وقد فسر الصحابة هذه الآية بما يوافق هذا الحديث الصحيح ، فقال أبو بكر ابن مردويه في «تفسيره» : حدثنا أحمد بن كامل بن خلف ، حدثنا محمد بن كامل بن خلف ، حدثنا محمد بن سعد حدثنا أبي ، حدثنا عمي ، حدثنا أبي عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) قال لما أوحى الجبار جل جلاله إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا الرسول من الملائكة ليبعثه بالوحي فسمعت الملائكة صوت الجبار يتكلم بالوحي ، فلما كشف عن قلوبهم فسألوه عما قال الله تعالى ، قالوا الحق ، علموا أن الله تعالى لا يقول إلا حقا ، وأنه منجز ما وعد. قال ابن عباس : وصوت الوحي كصوت الحديد على الصفا ، فلما سمعوه خروا سجدا ، فلما رفعوا رءوسهم قالوا ما ذا قال ربكم ، قالوا الحق وهو العلي الكبير.

__________________

(١) رواه البخارى (٤٧١٠ ، ٤٨٠٠ ، ٧٤٨١).

(٢) [صحيح] رواه البخاري تعليقا وموقوفا عن ابن مسعود (١٣ / ٤٦١ فتح) ووصله أبو داود (٤٧٣٨) ، وابن خزيمة في «التوحيد» ، والبيهقى في «الأسماء والصفات» (ص ٢٠٠) وقال الألباني بعد أن ذكر إسناد البيهقي : هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ا ه. وصححه في «صحيح أبي داود» وانظر : «الصحيحة» (١٢٩٣).

٦٣٣

وهذا إسناد معروف يروي به ابن جرير وابن أبي حاتم وعبد بن حميد وغيرهم التفسير وغيره عن ابن عباس ، وهو إسناد متداول بين أهل العلم وهم ثقات.

وقال عبد الله بن المبارك ، حدثنا بهز بن حكيم ، عن أبيه عن جده ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لما نزل جبرائيل بالوحي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فزع أهل السموات لانحطاطه ، وسمعوا صوت الوحي كأشد ما يكون من صوت الحديد على الصفا فكلما مروا بأهل سماء فزع عن قلوبهم فيقولون يا جبرائيل بم أمرت؟ فيقول كلام الله بلسان عربي».

وقد روينا في «مسند» أبي يعلى الموصلي ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا همام حدثنا القاسم بن عبد الواحد ، قال حدثني عبد الله بن عقيل بن أبي طالب أن جابر بن عبد الله حدثه ، قال بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم أسمعه منه قال فابتعت بعيرا فشددت عليه رحلي فسرت إليه شهرا حتى أتيت الشام ، فإذا هو عبد الله بن أنيس الأنصاري ، فأرسلت إليه أن جابر على الباب ، قال فرجع إليّ الرسول ، فقال جابر بن عبد الله؟ فقلت نعم ، قال فرجع الرسول فخرج إلي فاعتنقني واعتنقته ، فقلت : حديثا بلغني أنك سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المظالم لم أسمعه ، فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه. فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «يحشر الله العباد أو قال يحشر الله الناس ـ قال وأومأ بيده إلى الشام ـ عراة غرلا بهما. قلت ما بهما؟ قال ليس معهم شيء. قال فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان ، لا ينبغى لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ، وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة ، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل الجنة ، وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة حتى اللطمة. قال : قلنا كيف هذا وإنما نأتي الله غر لا بهما؟ قال بالحسنات والسيئات» (١).

__________________

(١) الحديث رواه البخاري في «صحيحه» تعليقا كتاب «العلم» باب : الخروج في طلب العلم ، قال البخاري : ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس ـ

٦٣٤

هذا حديث حسن جليل ، وعبد الله بن محمد بن عقيل صدوق حسن الحديث. وقد احتج به غير واحد من الأئمة ، وتكلم فيه من قبل حفظه ، وهذا الضرب ينتفي من حديثهم ما خالفوا فيه الثقات ، ورووا ما يخالف روايات

__________________

ـ في حديث واحد. والحديث ذكره الهيثمي في «المجمع» (١٠ / ٣٤٦) وقال : رواه أحمد ورجاله وثقوا ا ه.

وقال الحافظ في «الفتح» : هو حديث أخرجه المصنف ـ يعني البخاري ـ في «الأدب المفرد» وأحمد وأبو يعلى في «مسنديهما» من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : بلغني عن رجل حديث سمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاشتريت بعيرا ... فذكره ، ثم قال : وله طريق أخرى أخرجها الطبراني في «مسند الشاميين» وتمام في «فوائده» من طريق الحجاج بن دينار عن محمد بن المنكدر عن جابر وإسناده صالح ، وله طريق ثالثة أخرجها الخطيب في «الرحلة» من طريق أبي الجارود العنسي عن جابر ، وفي إسناده ضعف.

وقال : وادعى بعض المتأخرين أن هذا ينقض القاعدة المشهورة أن البخاري حيث يعلق بصيغة الجزم يكون صحيحا ، وحيث يعلق بصيغة التمريض يكون فيه علة ، لأنه علقه بالجزم هنا ، ثم أخرج طرفا من متنه في كتاب «التوحيد» بصيغة التمريض فقال : ويذكر عن جابر عن عبد الله بن أنيس قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «يحشر الله العباد فيناديهم بصوت ... الحديث.

ثم قال الحافظ : وهذه الدعوى مردودة ، والقاعدة بحمد الله غير منتقضة ، ونظر البخاري أدق من أن يعترض عليه بمثل هذا فإنه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به لأن الإسناد حسن وقد اعتضد ، وحيث ذكر طرفا من المتن لم يجزم به لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل ، فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طرق مختلف فيها ولو اعتضدت ، ومن هنا يظهر شفوف علمه ، ودقة نظره ، وحسن تصرفه رحمه‌الله تعالى ا ه.

وتعقبه فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ حفظه الله ـ بقوله : ليس الأمر كذلك ، بل إطلاق الصوت على كلام الله سبحانه قد ثبت في غير هذا الحديث عند المؤلف ـ يعني البخاري ـ وغيره ، فالواجب إثبات ذلك على الوجه اللائق بالله كسائر الصفات ، كما هو مذهب أهل السنة والله اعلم ا ه قلت : لكن عاد الحافظ وأقر بهذه الصفة لله عزوجل كما سيأتى قريبا.

راجع «فتح الباري» الطبعة السلفية (١ / ٢١٠) ، (١٣ / ٤٩٥ ـ ٤٦٦).

٦٣٥

الحفاظ وشذوا عنهم. وأما إذا روي أحدهم ما شواهده أكثر من أن تحصر مثل هذا الحديث ، فلا ريب في قبول حديثه. أما القاسم بن عبد الواحد بن أيمن الملكي فحسن الحديث أيضا. وقد احتج به النسائي مع تشدده في الرجال وأن له فيهم شرطا أشد من شرط مسلم ، وحسن الترمذي حديثه وذكره ابن حبان في كتاب «الثقات».

وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون ، عن همام بن يحيى بإسناده بطوله محتجا به على من رده. وروى البخاري أوله في «الصحيح» مستشهدا به تعليقا. ورواه في كتاب «الأدب» بطوله من حديث همام بن يحيى وقال في حديث واحد. ورواه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في كتابه في «الأحاديث المختارة». وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول : هي أصح من «صحيح الحاكم». وقال الصريفيني : شرطه فيها خير من شرط الحاكم ورواه عبد الله بن أحمد في «السنة» ، والطبراني في «المعجم» و «السنة» ، وأبو بكر بن أبي عاصم في «السنة» محتجين به. فمن الناس سوى هؤلاء الأعلام سادات الإسلام ، ولا التفات إلى ما أعله به بعض الجهمية ظلما منه وهضما للحق ، حيث ذكر كلام المضعفين لعبد الله بن عقيل والقاسم بن محمد دون من وثقهما وأثنى عليهما ، فيوهم الغر أنهما مجمع على ضعفهما لا يحتج بحديثهما ، ثم علله بأن البخاري لم يجزم به ، وإنما علقه تعليقا فقال : ويذكر عن جابر بن عبد الله ، وليس هذا تعليلا من البخاري له فقد جزم به في أول الكتاب حيث قال : ورحل جابر بن عبد الله في طلب حديث واحد شهرا ، ورواه كما ذكرنا في «الأدب» بإسناده ، وأعله بأن البخاري ومسلما يحتجان بابن عقيل ، وهذه علة باردة باطلة ، كل أهل الحديث على بطلانها ، وأعله باضطراب ألفاظه ، ففي بعضها يقول : فقدمت الشام ، وفي بعضها فينادي بكسر الدال ، وفي بعضها فينادى بفتحها ، وفي بعضها حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم أسمعه. وفي بعضها فما أحد يحفظه غيرك ، فأحببت أن تذاكرنيه. قال : وهذا يشعر أنه سمعه أيضا وأحب

٦٣٦

مذاكرة عبد الله بن أنيس له به ، قال : وفي بعضها رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي بعضها يسميه بعبد الله بن أنيس.

ومن تأمل هذه العلل الباردة علم أنها من باب التعنت ، فهب أن هذا الحديث معلول أفيلزم من ذلك بطلان سائر الآثار الموقوفة والأحاديث المرفوعة ، ونصوص القرآن وكلام أئمة الإسلام كما ستراه إن شاء الله تعالى ، وقد رواه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي من حديث محمد بن المنكدر عن جابر قال : بلغني عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث من القصاص فذكر القصة ـ إلى أن قال ـ سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول «إن الله يبعثكم يوم القيامة من قبوركم حفاة عراة غرلا بهما ، ثم ينادي بصوت رفيع غير فظيع يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب ، فيقول : «أنا الديان لا تظالم اليوم ، أما وعزتي لا يجاورني اليوم ظلم ظالم ، ولو لطمة كف بكف أو يد على يد ، ألا وإن أشد ما اتخوف على أمتي من بعدي عمل قوم لوط ، فلترتقب أمتي العذاب إذا تكافى النساء بالنساء والرجال بالرجال» ورواه تمام في «فوائده» (١).

ويكفي رواية البخاري في «صحيحه» مستشهدا به ، واحتج به في «خلق أفعال العباد» ، ورواه أئمة الإسلام في كتب «السنة» وما زال السلف يروونه ، ولم يسمع عن أحد من أئمة السنة أنه أنكره حتى جاءت الجهمية فأنكروه ، ومضى على آثارهم من اتبعهم في ذلك.

وقال عبد الله بن أحمد في كتاب «السنة» : قلت لأبي يا أبت إنهم يقولون إن الله لم يتكلم بصوت ، فقال بلى تكلم بصوت.

وقال البخاري في كتاب «خلق أفعال العباد» : ويذكر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يحب أن يكون الرجل خفيا من الصوت ، ويكره أن يكون رفيع الصوت «وأن

__________________

(١) ورواه البخاري بنحوه في «خلق أفعال العباد» (ص ٢٣).

٦٣٧

الله ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب» (١). وليس هذا لغير الله عزوجل. قال : وفي هذا دليل أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق ، لأن صوت الله يسمع من بعد كما يسمع من قرب ، وأن الملائكة يصعقون من صوته. ثم ساق حديث جابر أنه سمع عبد الله بن أنيس يقول : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يقول «يحشر العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما سمعه من قرب : أنا الملك أنا الديان» الحديث (٢).

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) ذكره البخاري في «صحيحه» تعليقا كتاب «التوحيد» باب (٣٢) ، وقال الحافظ في «الفتح» : حمله بعض الأئمة على مجاز الحذف أي يأمر من ينادي ، واستبعده بعض من أثبت الصوت بأن في قوله : «يسمعه من بعد» إشارة إلي أنه ليس من المخلوقات لأنه لم يعهد مثل هذا فيهم ، وبأن الملائكة إذا سمعوه صعقوا ، وإذا سمعوا بعضهم بعضا لم يصعقوا ، قال : فعلى هذا فصفاته (كذا بالأصل ولعلها تصحيف : فصوته) صفة من صفات ذاته لا تشبه صوت غيره إذ ليس يوجد شيء من صفاته من صفات المخلوقين ، هكذا قرره المصنف ـ يعني البخاري ـ في كتاب «خلق أفعال العباد» ، ... ثم قال الحافظ :

والحكمة في كونه خارقا لعادة الأصوات المخلوقة المعتادة التي يظهر التفاوت في سماعها بين البعيد والقريب هي أن يعلم أن المسموع كلام الله ، كما أن موسى لما كلمه الله كان يسمعه من جميع الجهات ... ثم نقل كلام البيهقي وغيره في تأويل هذه الصفة ونفي الصوت عن الكلام. ثم قال :

وهذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة ويلزم منه أن الله لم يسمع أحدا من ملائكته ورسله كلامه بل ألهمهم إياه ، وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين لأنها التي عهد أنها ذات مخارج ، ولا يخفي ما فيه إذ الصوت قد يكون غير مخارج ، كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق سلمنا ، لكن تمنع القياس المذكور ، وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق ، وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به ا ه بتصرف من (فتح الباري : ١٣ / ٤٦٥ ـ ٤٦٦).

٦٣٨

(كلام الله للناس يوم القيامة)

ثم احتج بحديث أبي سعيد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «يقول الله يوم القيامة : يا آدم فيقول لبيك ربنا وسعديك ، فينادي بصوت : إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار» الحديث (١).

ثم احتج بحديث عبد الله بن مسعود : «إذا قضى الله في السماء أمرا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسة على صفوان» (٢).

فهذان إماما أهل السنة على الإطلاق : أحمد بن حنبل والبخاري ، وكل أهل السنة والحديث على قولهما ، وقد صرح بذلك وحكاه إجماعا حرب بن إسماعيل صاحب أحمد وإسحاق ، وصرح به خشيش بن أصرم النسائي ، ومحمد بن حاتم المصيصي ، وعبد الله بن الإمام أحمد وأبو داود السجستاني وابنه أبو بكر.

وقد احتج الإمام أحمد بحديث ابن مسعود وغيره ، وأخبر أن المنكرين لذلك هم الجهمية ، فقال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن قوم يقولون «لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت» فقال أبي : تكلم الله بصوت.

فروى إمام الأمة محمد بن إسحاق بن خزيمة من حديث الشعبي قال : رواه عن جابر حديثا طويلا وفيه «فبينا هم على ذلك إذ أتاهم نداء من قبل الرحمن عزوجل : عبادي ما كنتم تعبدون في الدنيا؟ فيقول أنت أعلم إياك نعبد ، فيأتيهم صوت لم يسمع الخلائق بمثله : عبادي صدقتم فقد رضيت عنكم ، فتقول الملائكة عند ذلك بالشفاعة ، فيقول المشركون : ما لنا من شافعين».

وروى ابن خزيمة من حديث محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقبض الله تعالى الأرض يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه

__________________

(١) تقدم تخريجه وهو في «الصحيحين».

(٢) رواه البخاري مرفوعا من حديث أبي هريرة (٤٧٨١ ، ٤٧٠١ ، ٤٨٠٠).

٦٣٩

ثم يهتف بصوته : من كان لي شريكا فليأت ، لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد. فيقول : لله الواحد القهار ، ثم يزجر الخلائق زجرة أخرى فإذا هم بالساهرة» (١) الحديث ، وهو قطعة من حديث الصور الطويل ، ولم يزل الأئمة يروونه ويحتجون به حتى حدثت الجهمية.

وروى ابن خزيمة من حديث نعيم بن حماد ، حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن زيد بن جابر عن أبي زكريا عن رجاء بن حياة عن النواس بن سمعان قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا أراد الله أن يوحى بالأمر فتكلم بالوحي» (٢) الحديث. قال ابن خزيمة : ابن أبي زكريا هو عبد الله.

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله قال : إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء فيخرون سجدا حتى إذا فزع عن قلوبهم ، قال سكن عن قلوبهم ، نادى أهل السماء أهل السماء : ما ذا قال ربكم؟ قالوا الحق ، قال كذا وكذا. رواه عبد الله بن أحمد في كتاب «السنة» عن أبيه (٣).

وفي «تفسير» شيبان عن قتادة في تفسير قوله (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) (النمل : ٨) قال صوت رب العالمين. وذكره ابن خزيمة. وروى عبد الله بن أحمد ، عن نوف قال : نودي موسى من شاطئ الوادي. قال من أنت الذي تناديني؟ قال أنا ربك الأعلى. وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه ، حدثنا عبد الصمد قال : سمعت وهب بن منبه قال : لما رأى موسى النار انطلق يسير حتى وقف منها قريبا ، فذكر الحديث إلى أن قال : فنودى من الشجرة ، فقيل له يا موسى فأجاب سريعا ولا يدري من دعاه ، وما كان سرعة جوابه إلا استئناسا بالإنس ، فقال لبيك مرارا ، إني أسمع

__________________

(١) تقدم تخريجه قريبا.

(٢) تقدم تخريجه قريبا.

(٣) تقدم تخريجه قريبا.

٦٤٠