مختصر الصواعق المرسلة على الجهميّة والمعطّلة

ابن القيّم الجوزيّة

مختصر الصواعق المرسلة على الجهميّة والمعطّلة

المؤلف:

ابن القيّم الجوزيّة


المحقق: رضوان جامع رضوان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٨٧

على الحقيقة ومانع من حمله على المجاز ، وقد صرح نعيم بن حماد وجماعة من أهل الحديث آخرهم أبو الفرج ابن الجوزي أنه سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا بذاته ، ونظم أبو الفرج ذلك في قوله :

أدعوك للوصل تأبى

أبعث رسولي في الطلب

أنزل إليك بنفسي

ألقاك في النوام

وقال الحافظ أبو موسى المديني في «مناقب الإمام أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي» الذي جعله الله مجددا للدين في رأس المائة الخامسة قال :

وكان من اعتقاد الإمام إسماعيل بن محمد أن نزول الله بالذات وهو مشهور في مذهبه وقد كتبه في فتاو عديدة ، وأملى فيه إملاء إلا أنه كان يقول : إسناد حديث نعيم بن حماد إسناد مدخول وفيه مقال. مراده بحديث نعيم بن حماد عن جرير بن عبد الحميد عن بشر عن أنس يرفعه قال : «إذا أراد الله أن ينزل عن عرشه نزل بذاته».

قلت : وهذا اللفظ لا يصح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا يحتاج إثبات هذا المعنى إليه ، فالأحاديث الصحيحة صريحة وإن لم يذكر فيها لفظ الذات.

الحادي عشر : إن الخبر وقع عن نفس ذات الله تعالى لا عن غيره فإنه قال : «أن الله ينزل إلى سماء الدنيا» فهذا خبر عن معنى لا عن لفظ ؛ والمخبر عنه هو مسمى هذا الاسم العظيم فإن الخبر يكون عن اللفظ تارة وهو قليل ، ويكون مسماه ومعناه هو الأكثر ، فإذا قلت زيد عندكم وعمرو قائم ، فإنما أخبرت عن الذات لا عن الاسم فقوله : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الرعد : ١٦) وهو خبر عن ذات الرب تعالى فلا يحتاج المخبر أن يقول خالق كل شيء بذاته ، وقوله (اللهُ رَبُّكُمُ) (يونس : ٣٢) قد علم أن الخبر عن نفس ذاته ، وقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (الأنعام : ١٢٤) وكذلك جميع ما أخبر الله به عن نفسه إنما هو خبر عن ذاته لا يجوز أن يخص من ذلك إخبار واحد البتة.

فالسامع قد أحاط علما بأن الخبر إنما هو عن ذات المخبر عنه ، ويعلم المتكلم

٥٨١

بذلك ، لم يحتج أن يقول إنه بذاته فعل وخلق استوى ، فإن الخبر عن مسمى اسمه وذاته ، هذا حقيقة الكلام ولا ينصرف إلى غير ذلك إلا بقرينة ظاهرة تزيل اللبس وتعين المراد ، فلا حاجة بنا أن نقول : استوى على عرشه بذاته ، وينزل إلى السماء بذاته ، كما لا يحتاج أن نقول خلق بذاته ، وقدر بذاته ، وسمع وتكلم بذاته ، وإنما قال أئمة السنة ، ذلك إبطالا ، لقول المعطلة.

الثاني عشر : إن قوله «من يسألنى فأعطيه من يستغفرني فأغفر له» إذا ضممت هذا إلى قوله «ينزل ربنا إلى سماء الدنيا» وإلى وقوله «فيقول» وإلى قوله : «لا أسأل عن عبادي غيرى» ، علمت أن هذا مقتضى الحقيقة لا المجاز ، وأن هذا السياق نص في معناه لا يحتمل غيره بوجه ، خصوصا إذا أضيف إلى قوله «ثم يعلو على كرسيه» وقوله في حديث المزيد في الجنة الذي قال فيه : إن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض ، فإذا كان يوم الجمعة نزل عن كرسيه ، ثم ذكر الحديث وفي آخره ، ثم يرتفع ويرتفع معه النبيون والصديقون.

الوجه الثالث عشر : إن أعلم الخلق بالله وأنصحهم للأمة وأقدرهم على العبارة التي لا توقع لبسا قد صرح بالنزول مضافا إلى الرب في جميع الأحاديث ، ولم يذكر في موضع واحد ما ينفي الحقيقة بل يؤكد فلو كانت إرادة الحقيقة باطلة ، وهي منفية لزم القدح في علمه أو نصحه أو بيانه كما تقدم تقريره.

الرابع عشر : أنه لم يقتصر على لفظ النزول العاري عن قرينة المجاز المذكور معه ما يؤكد إرادة الحقيقة حتى نوع هذا المعني ، وعبر عنه بعبارات متنوعة كالهبوط والدنو والمجيء والإتيان والطواف في الأرض قبل يوم القيامة. قال تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (الفجر : ٢٢) وقال : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) (الأنعام : ١٥٨) ففرق بين إتيان أمره وبين إتيان نفسه.

وقال محمد بن جرير الطبري في تفسير قوله (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) وقد ورد في هذا الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو

٥٨٢

أحق ما اعتمد عليه في ذلك ، ثم ساق الحديث ولفظه : «إذا كان يوم القيامة تقفون موقفا واحدا مقدار سبعين عاما لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم ، فتبكون حتى تنقطع الدموع ، ثم تدمعون ، دما وتعرقون حتى يبلغ منكم العرق الأذقان ويلجمكم ، فتضجون وتقولون : من يشفع لنا عند ربنا فيقضي بيننا فتقولون من أحق بهذا من أبيكم آدم ، جبل الله تربته وخلقه بيده ونفخ فيه من روحه وكلمه الله قبلا ، فيؤتى آدم فيطلب ذلك إليه فيأبى ، ثم يستقرءون الأنبياء ، كلما جاءوا نبيا يأبى ، حتى يأتوني فيسألوني ، فآتى الفحص قدام العرش فأخر ساجدا ، فلا أزال ساجدا حتى يبعث الله عزوجل إلي ملكا فيأخذ بعضدي فيرفعني ، ثم يقول الله : محمد. فأقول نعم ، وهو أعلم فأقول ، يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك فاقض بينهم ، فيقول قد شفعتك ، أنا آتيهم فأقضي بينهم. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فانصرف فأقف مع الناس ، فبينما نحن وقوف سمعنا حسا من السماء شديدا فهالنا ، فينزل أهل السماء الدنيا بمثل من في الأرض من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم فأخذوا مصافهم ، فقال أهل الأرض : أفيكم ربنا؟ قالوا لا وهو آت ، ثم ينزل أهل السماء الثانية بمثل من نزل من الملائكة مثل من في الأرض من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت لنورهم وأخذوا مصافهم ، قال الناس : أفيكم ربنا؟ قالوا لا هو آت ، ثم ينزل أهل السماء الثالثة بمثل من نزل من الملائكة ومثلي من في الأرض من الجن والإنس ، ثم نزل أهل السموات على قدر ذلك من التضعيف ، فيأمر الله بعرشه فيوضع حيث شاء ، ويحمل عرشه يومئذ ثمانية. وهم اليوم أربعة أقدامهم على تخوم الأرض السفلى والسموات إلى حجزهم والعرش على كواهلهم ، والملائكة حول العرش لهم زجل بالتسبيح ، ثم ينادي نداء يسمع الخلائق ، فيقول : يا معشر الجن والإنس إني أنصت لكم منذ يوم خلقتكم فأنصتوا إلى اليوم فإنما هي صحفكم وأعمالكم تقرأ عليكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلم إلا نفسه ،

٥٨٣

فيقضي الله بين خلقه من الجن والإنس والبهائم ، فإنه ليقيد يومئذ للجماء من ذات القرن ، وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور» (١).

وقال رزين بن معاوية صاحب «تجريد الصحاح» وهو من أعلم أهل زمانه بالسنن والآثار ، هو من المالكية ، اختصر تفسير ابن جرير الطبري ، وعلى كتابه «التجريد» اعتمد صاحب كتاب «جامع الأصول» وهذبه ، قال في قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) قال مجاهد (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) عند الموت حين توفاهم (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) يوم القيامة لفصل القضاء (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) طلوع الشمس من مغربها أو ما شاء الله ، وعن قتادة مثله.

وقال محمد بن جرير الطبري : حيث ذكر في القرآن إتيان الملائكة فهو محتمل لإتيانهم لقبض الأرواح ، ويحتمل أن يكون نزولهم بعذاب الكفار وإهلاكهم.

وأما إتيان الرب عزوجل فهو يوم القيامة لفصل القضاء لقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) (البقرة : ٢١٠) وقوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ) (الفجر : ٢٢) قال رزين : قال بعض المتبعين لأهوائهم المقدمين بين يدي كتاب الله لآرائهم من المعتزلة والجهمية ومن نحا نحوهم من أشياعهم ، فيمتنعون من وصف الله تعالى بما وصف به نفسه من قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) وقوله : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) (الملك : ١٣) وقوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) إلى أن قال :

وأهل العلم بالكتاب والآثار من السلف والخلف يثبتون جميع ذلك ويؤمنون به بلا كيف ولا توهم ، ويروون الأحاديث الصحيحة كما جاءت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انتهى.

__________________

(١) رواه ابن جرير الطبري في «التفسير» بإسناد ضعيف.

٥٨٤

والإتيان والمجيء من الله تعالى نوعان : مطلق ومقيد ، فإذا كان يجيء رحمته أو عذابه كان مقيدا كما في الحديث ، حتى جاء الله بالرحمة والخير ، ومنه قوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ) (الأعراف : ٥٢) وقوله : (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) (المؤمنون : ٧١) وفي الأثر : لا يأتي بالحسنات إلا الله.

النوع الثاني : المجيء والإتيان المطلق كقوله (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ) وقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) وهذا لا يكون إلا مجيئه سبحانه ، هذا إذا كان مطلقا ، فكيف إذا قيد بما يجعله صريحا في مجيئه نفسه كقوله : (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) فعطف مجيئه على مجيء الملائكة ، ثم عطف مجيء آياته على مجيئه ومن المجيء المقيد قوله : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) (النحل : ٢٦) فلما قيده بالمفعول وهو البنيان وبالمجرور وهو القواعد دل ذلك على مجيء ما بيّنه ، إذ من المعلوم أن الله سبحانه إذا جاء بنفسه لا يجيء من أساس الحيطان وأسفلها ، وهذا يشبه قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) (الحشر : ٢) فهذا مجيء مقيد لقوم مخصوصين قد أوقع بهم بأسه ، وعلم السامعون أن جنوده من الملائكة والمسلمين أتوهم ، فكان في هذا السياق ما يدل على المراد على أنه لا يمتنع في الآيتين أن يكون الإتيان على حقيقة ، ويكون ذلك دنوا ممن يزيد إهلاكهم بغضه وانتقامه كما يدنو عشية عرفة من الحجاج برحمته ومغفرته ، ولا يلزم من هذا الدنو والإتيان والملاصقة والمخالطة بل يأتي هؤلاء برحمته وفضله ، وهؤلاء بانتقامه وعقوبته ، وهو فوق عرشه إذ لا يكون الرب إلا فوق كل شيء ، ففوقيته وعلوه من لوازم ذاته ، ولا تناقض بين نزوله ودنوه ، وهبوطه ومجيئه ، وإتيانه وعلوه ، لإحاطته وسعته وعظمته وأن السموات الأرض في قبضته ، وأنه مع كونه الظاهر الذي ليس فوقه شيء ، فهو الباطن الذي ليس دونه شيء ، فظهوره بالمعنى الذي فسره به أعلم

٥٨٥

الخلق لا يناقض بطونه بالمعنى الذي فسره به أيضا ، فهو سبحانه يدنو ويقرب ممن يريد الدنو والقرب منه مع كونه فوق عرشه ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» (١) فهذا قرب الساجد من ربه وهو فوق عرشه.

وكذلك قوله في الحديث الصحيح «إن الذي تدعونه سميع قريب ، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» (٢) فهذا قربه من داعيه ، والأول قربه من عابديه ، ولم يناقض ذلك كونه فوق سماواته على عرشه.

وإن عسر على فهمك اجتماع الأمرين فإنه يوضح ذلك معرفة إحاطة الرب وسعته ، وأنه أكبر من كل شيء ، وأن السموات السبع والأرضين في يده كخردلة في كف العبد ، وأنه يقبض سماواته السبع بيده والأرضين باليد الأخرى ثم يهزهن ، فمن هذا شأنه كيف يعسر عليه الدنو ممن يريد الدنو منه وهو على عرشه ، وهو يوجب لك فهم اسمه الظاهر والباطن ، وتعلم أن التفسير الذي فسر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم به هذين الاسمين هو تفسير الحق المطابق لكونه بكل شيء محيط ، وكونه فوق كل شيء.

ومما يوضح لك ذلك أن النزول والمجيء والإتيان ، والاستواء ، والصعود والارتفاع كلها أنواع أفعال ، وهو الفعال لما يريد ، وأفعاله كصفاته قائمة به ، ولو لا ذلك لم يكن فعالا ولا موصوفا بصفات كماله ، فنزوله ومجيئه واستوائه وارتفاعه وصعوده ونحو ذلك ، كلها أفعال من أفعاله ، التي إن كانت مجازا فأفعاله كلها مجاز ولا فعل له في الحقيقة ، بل هو بمنزلة الجمادات وهذا حقيقة من عطل أفعاله ، وإن كان فاعلا حقيقة فأفعاله نوعان : لازمة ومتعدية ، كما دلت النصوص التي هي أكثر من أن تحصر على النوعين.

وبإثبات أفعاله وقيامها به تزول عنك جميع الإشكالات ، وتصدق النصوص بعضها بعضا وتعلم مطابقتها للعقل الصريح ، وإن أنكرت حقيقة الأفعال وقيامها به سبحانه اضطرب عليك هذا الباب أعظم اضطراب ، وبقيت حائرا في التوفيق

__________________

(١) رواه مسلم (٤٨٢).

(٢) رواه مسلم (الذكر والدعاء : ٤ / ٤٦).

٥٨٦

بين النصوص وبين أصول النفاة ، وهيهات لك بالتوفيق بين النقيضين والجمع بين الضدين. يوضحه :

إن الأوهام الباطلة والعقول الفاسدة لما فهمت من نزول الرب ومجيئه وإتيانه وهبوطه ودنوه ما يفهم من مجيء المخلوق وإتيانه وهبوطه ودنوه وهو أن يفرغ مكانا ويشغل مكانا نفت حقيقة ذلك فوقعت في محذورين : محذور التشبيه ومحذور التعطيل ، ولو علمت هذه العقول الضعيفة أن نزوله سبحانه ومجيئه وإتيانه لا يشبه نزول المخلوق وإتيانه ومجيئه ، كما أن سمعه وبصره وعلمه وحياته كذلك ، بل يده الكريمة ووجهه الكريم كذلك ، وإذا كان نزولا ليس كمثله نزول ، فكيف تنفي حقيقته ، فإن لم تنف المعطلة حقيقة ذاته وصفاته وأفعاله بالكلية وإلا تناقضوا ، فإنهم أي معنى أثبتوه لزمهم في نفيه ما ألزموا به أهل السنة المثبتين لله ما أثبت لنفسه ، ولا يجدون إلى الفرق سبيلا.

فلو كان الرب سبحانه مماثلا لخلقه لزم من نزوله خصائص نزولهم ضرورة ثبوت أحد المثلين للآخر ، وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن لتتبع كل أمة ما كانت تعبد ، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأنصاب والأصنام إلا تساقطوا في النار ، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وأتاهم رب العالمين ، قال فما ذا تنتظرون؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد ، قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ، ولم نصاحبهم ، وإنا سمعنا مناديا ينادي : ليلحق كل أمة بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا ، فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول أنا ربكم ، فيقولون نعوذ بالله منك ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه ، قال فيأتيهم في صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول أنه ربكم ، فيقولون أنت ربنا وفي لفظ فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها فيقولون الساق ، فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد رياء وسمعة ، ويذهب كما يسجد فيعود ظهره طبقا» (١).

__________________

(١) رواه البخاري (٤٩١٩ ، ٧٤٣٧).

٥٨٧

(طرق أحاديث النزول)

وحديث النزول رواه أبو بكر الصديق ، وعلي بن أبي طالب ، وأبو هريرة ، وجبير بن مطعم ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن مسعود ، وأبو سعيد الخدري ، وعمرو بن عبسة ، ورفاعة بن عرابة الجهنى ، وعثمان بن أبي العاص الثقفي ، وعبد الحميد بن سلمة ، عن أبيه عن جده ، وأبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وأبو ثعلبة الخشني ، وعائشة أم المؤمنين ، وأبو موسى الأشعري ، وأم سلمة ، وأنس بن مالك ، وحذيفة بن اليمان ، ولقيط بن عامر العقيلي ، وعبد الله بن عباس ، وعبادة بن الصامت ، وأسماء بنت يزيد ، وأبو الخطاب ، وعوف ابن مالك ، وأبو أمامة الباهلي ، وثوبان ، وأبو حارثة ، وخولة بنت حكيم ، رضي الله عنهم.

(فأما حديث أبو بكر الصديق): فقال ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث ، أن عبد الملك بن عبد الملك حدثه عن مصعب بن أبي ذؤيب ، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، عن أبي بكر الصديق رضى الله عنه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ينزل الله ليلة النصف من شعبان فيغفر لكل نفس إلا إنسانا في قلبه شحناء أو مشرك» رواه جماعة عن ابن وهب (١).

(وأما حديث علي بن أبي طالب): فقال محمد بن إسحاق ، عن عمه موسى بن يسار ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو لا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء الأخيرة إلى ثلث الليل ، فإنه إذا مضى ثلث الليل هبط الله تعالى إلى سماء الدنيا فلم يزل بها حتى

__________________

(١) [صحيح لغيره] رواه ابن أبي عاصم (٥٠٩) وقال الألباني في «ظلال الجنة» :

حديث صحيح وإسناده ضعيف ا ه ، وانظر «الصحيحة» له (١١٤٤).

٥٨٨

يطلع الفجر فيقول : ألا سائل يعطى ، ألا داع فيجاب ، ألا مذنب يستغفر له ، ألا سقيم يستشفى» رواه الطبراني في «السنة» (١).

(وأما حديث أبي هريرة): في «الصحيحين» عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل فيقول : من يدعونى فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفر له».

وعن أبي هريرة وأبي سعيد رضى الله عنهما أنهما شهدا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «إن الله يمهل حتى إذا كان ثلث الليل هبط إلى السماء الدنيا فنادى : هل من مذنب يتوب ، هل من مستغفر ، هل من سائل» (٢).

وفي «مسند الإمام أحمد» من حديث سهيل عن أبيه ، عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ينزل الله كل ليلة إذا مضى ثلث الليل الأول فيقول : أنا الملك من ذا الذي يستغفرني فأغفر له» (٣).

فهذه خمسة ألفاظ تنفي المجاز بنسبة النزول إليه ، وقوله : «أنا الملك» وقوله «يستغفرني» وقوله «فأغفر له».

وفي رواية عن أبي هريرة يرفعه : «إذا مضى ثلث الليل هبط الله إلى السماء الدنيا» فذكره ، وهذه الألفاظ لا تعارض بينها بحمد الله ، فإنها قد اتفقت على دوام النزول الإلهي إلى طلوع الفجر ، واتفقت على حصوله في الشطر الثاني من الليل ، واختلفت في أوله على ثلاثة أوجه (أحدها) أنه أول الثلث الثاني

__________________

(١) رواه الدارقطني في «النزول» (ص ١٢٦ ، ١٢٧) ، والدارمى (١٤٨٤) وذكره الهيثمي في «المجمع» (١٠ / ١٥٤) وقال : رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه وزاد «ألا تائب» ورجالهما ثقات ا ه.

(٢) الشطر الأول أخرجه البخاري (١١٤٥) ، ومسلم (٧٥٨).

والشطر الثاني رواه مسلم (صلاة المسافرين ١ / ١٧٢).

(٣) رواه الإمام أحمد (٢ / ٢٨٢) من حديث أبي هريرة.

٥٨٩

(والثاني) أنه أول الشطر الثاني (والثالث) أنه أول الثلث الأخير ، وإذا تأملت هاتين الروايتين لم تجد بينما تعارضا.

بقيت رواية : «إذا مضى ثلث الليل الأول» وهي تحتمل ثلاثة أوجه (أحدها) أن لا تكون محفوظة وتكون من قبل حفظ الراوي ، فإن أكثر الأحاديث على الثلث الأخير (الثاني) أن يكون الثلث الأول والشطر والثلث الأخير على حسب اختلاف بلاد الإسلام في ذلك ، ويكون النزول في وقت واحد ، وهو ثلث الليل الأخير عند قوم ووسطه عند الآخرين ، وثلثه الأول عند غيرهم ، فيصح نسبته إلى الأوقات الثلاثة ، وهو حاصل في وقت واحد ، وعلى هذا فالشبهة العقلية التي تعارض بها النفاة حديث النزول تكون هذه الألفاظ قد تضمنت الجواب عنها ، فإن هذا النزول لا ينافي كونه في الثلث الأخير كونه في الثلث الأول أو في الشطر الثاني بالنسبة إلى المطالع.

ولما كانت رقعة الإسلام ما بين طرفي المشرق والمغرب من المعمور في الأرض كان التفاوت قريبا من هذا القدر ، وسيأتي مزيد تقرير لهذا.

(الثالث) إن للنزول الإلهي شأنا عظيما ، ليس شأنه كشأن غيره ، فإنه قدوم ملك السموات والأرض إلى هذه السماء التي تلينا. ولا ريب أن السموات وأملاكها عند هبوط الرب تعالى ونزوله إلى سماء الدنيا شأنا وحالا.

وفي بعض الآثار : «إن السموات تأخذها رجفة ويسجد أهلها جميعا».

قال أبو داود حدثنا محمد بن يحيى بن فارس. حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه ، أخبرنى عبيد بن السباق أنه بلغه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ينزل ربنا من آخر الليل فينادي مناد في السماء العليا : ألا نزل الخالق العليم ، فيسجد أهل السماء ، وينادي فيهم مناد ذلك ، فلا يمر بأهل السماء إلا وهم سجود» (١).

__________________

(١) أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (٥٠٦) ، وقال الشيخ الألباني في «ظلال

٥٩٠

ومن عوائد الملوك ، ولله المثل الأعلى ، أنهم إذا أرادوا القدوم إلى بلد أو مكان غير مكانهم المعروف بهم أن يقدموا بين يدي موافاتهم إليه ما ينبغي تقديمه ، وهذا من تمام مصالح ملكهم ، وهكذا شأن الرب تبارك وتعالى أن يقدم بين يدي ما يريد فعله من الأمور العظام كتابة ذلك أو إعلام ملائكته أو إعلام رسله ، كما قال : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة : ٣٠) وقوله لنوح : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (هود : ٣٧) ، المؤمنون : ٢٧) وقال لإبراهيم : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (هود : ٧٦).

وإذا كان الله تعالى يتقدم إلى ملائكته ورسله بإعلامهم بما يريد فعله من الأمر العظام فلا ينكر أن يتقدم إلى أهل سماواته بنزوله ويحدث للسماوات وللملائكة من عظمة ذلك الأمر قبل وقوعه ما يناسب ذلك الأمر ، وهكذا يفعل سبحانه إذا جاء يوم القيامة ، فتتأثر السموات والملائكة قبل النزول فسمى ذلك نزولا لأنه من مقدماته ومتصلا به ، كما أطلق سبحانه على وقت الزلزلة والرجفة المتصلة بالساعة أنها يوم القيامة والساعة ، وذلك موجود في القرآن ، فمقدمات الشيء ومباديه كثيرا ما يدخل في مسمى اسمه ، وهذا الوجه أقوى الوجوه.

وذكر عبد الرزاق عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله ينزل إلى سماء الدنيا ، له في كل سماء كرسي ، فإذا نزل إلى السماء الدنيا جلس على كرسيه ثم مد ساعديه فيقول : من ذا الذي يقرض غير عادم ولا ظلوم ، من ذا الذي يستغفر فأغفر له ، من ذا الذي يتوب فأتوب عليه ، فإذا كان عند الصبح ارتفع فجلس على كرسيه» (١) رواه أبو عبد الله بن منده ، قال ابن منده : وله أصل مرسل.

__________________

الجنة» إسناده ضعيف لإرساله ثم قال : والحديث بهذا السياق منكر ، فيه زيادات منكرة لم ترد في شيء من طرق الحديث ، فإن لم يكن الوهم من ابن أخى الزهرى ، فالعلة الإرسال ا ه.

(١) إسناده جيد رجاله ثقات.

٥٩١

(وأما حديث جبير بن مطعم): فرواه أبو الوليد الطيالسي. حدثنا حماد عن عمرو بن دينار ، عن نافع بن جبير ، عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة فيقول جل جلاله ، هل من سائل فأعطيه ، هل من مستغفر فأغفر له» هذا حديث صحيح ، رواه النسائي عن خشيش بن أصرم عن يحيى ابن حسان عن حماد بن سلمة به (١).

(وأما حديث جابر بن عبد الله): فرواه الدارقطني من رواية عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله ينزل كل ليلة إلي سماء الدنيا لثلث الليل فيقول : ألا عبد من عبيدي يدعوني فأستجيب له ، أو ظالم لنفسه يدعوني فأغفر له ، ألا مقتر عليه رزقه ، ألا مظلوم يستنصرني فأنصره ، ألا عان يدعوني فأفك عنه ، فيكون ذاك مكانه حتى يضيء الفجر ثم يعلو ربنا عزوجل إلى السماء العليا على كرسيه» (٢).

وروى ابن أبي حاتم من حديث أبي الزبير عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إذا كان يوم عرفة فإن الله ينزل إلي سماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول : «انظروا إلى عبادي أتونى شعثا غبرا ، أشهدكم أني قد غفرت لهم».

ورواه الخلال في «السنة» من حديث أبي النضر عن أيوب عن أبي الزبير عنه يرفعه «أفضل أيام الدنيا أيام العشر» قالوا يا رسول الله : ولا مثلهن في سبيل

__________________

(١) [صحيح] وأخرجه الإمام أحمد (٤ / ٨١) ، والدارمي (١٤٨٠) ، وابن خزيمة في «التوحيد» ، وابن أبى عاصم في «السنة» (٥٠٦). وقال الألباني : إسناده صحيح على شرط مسلم ا ه.

(٢) رواه الإمام ابن خزيمة في «التوحيد» ، والدارقطنى في «النزول» (٦ ، ٧) ، وذكره الهيثمي بنحوه في «المجمع» (١٠ / ١٥٤) وعزاه للطبرانى في «الكبير» ، و «الأوسط» وقال : ويحيى بن إسحاق لم يسمع من عبادة ولم يرو عنه غير موسى بن عقبة ، وبقية رجال الكبير رجال الصحيح ا ه.

٥٩٢

الله؟ قال : «إلا من عفر وجهه في التراب ، إن عشية عرفة ينزل الله إلي سماء الدنيا فيقول للملائكة : انظروا إلى عبادي هؤلاء ، شعثا غبرا ، جاءوا من كل فج عميق ضاحين يسألوني رحمتى ، فلا يرى يوم أكثر عتيقا ولا عتيقة» (١).

(وأما حديث عبد الله بن مسعود): ففي «المسند» من حديث يزيد بن هارون عن شريك عن أبي إسحاق الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله إذا كان ثلث الليل الآخر نزل إلى سماء الدنيا ثم بسط يده فقال : من يسألني فأعطيه حتى يطلع الفجر» (٢) ، وهذا حديث حسن رجاله أئمة ، ورواه أبو معاوية عن زائدة عن إبراهيم به ، وقال : «إن الله يفتح أبواب السماء ثم يهبط إلى السماء الدنيا ثم يبسط يده فيقول ألا عبد يسألنى فأعطيه ، حتى يطلع الفجر».

(وأما حديث أبي سعيد الخدري): فقد تقدم اشتراكه مع أبي هريرة في الحديث ، وروى سليم بن أخضر عن التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ينادي مناد بين يدي الصيحة : يا أيها الناس أتتكم الساعة ، ومد بها صوته ، فيسمعه الأحياء والأموات ، ثم ينادي مناد : لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار» وسليم هذا صدوق خرج له مسلم.

(وأما حديث عمرو بن عبسة): فروى أبو اليمان ، ويحيى بن أبي بكر ، وعبد الصمد بن النعمان ويزيد بن هارون ، وهذا سياق حديثه : أخبرنا جرير بن عثمان حدثنا سليمان بن عامر عن عمرو بن عبسة قال : أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، جعلني الله فداك ، شيء تعلمه وأجهله ، ينفعني ولا يضرك ، ما ساعة أقرب من ساعة ، وما ساعة تبقى فيها ، يعني الصلاة فقال «يا عمرو

__________________

(١) الحديث ضعفه الألباني وانظر «السلسلة الضعيفة» له برقم (٦٧٩).

(٢) [حسن الإسناد وهو صحيح لغيره] أخرجه الإمام احمد (١ / ٣٣٨ ، ٤٠٣ ، ٤٤٦) ، والآجري في «الشريعة» (ص ٣١٢) بإسناد صحيح.

٥٩٣

ابن عبسة ، لقد سألت عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك ، إن الرب تعالى يتدلى من جوف الليل فيغفر ، إلا ما كان من الشرك والبغي ، والصلاة مشهودة حتى تطلع الشمس ، فإنها تطلع على قرن الشيطان ، وهي صلاة الكفار ، فأقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس ، فإذا استعلت الشمس فالصلاة مشهودة حتى يعتدل النهار فأخر الصلاة فإنها حينئذ تسجر جهنم ، فإذا فاء الفيء فالصلاة مشهودة حتى تدلى للغروب ، فإنها تغيب بين قرني شيطان ، فاقصر عن الصلاة حتى تجب الشمس» (١).

(وأما حديث رفاعة بن عرابة الجهني): فرواه ابن المبارك ، فقال حدثنا هشام ، عن يحيي بن أبي كثير ، عن هلال بن أبي ميمونة ، عن عطاء بن يسار ، عن رفاعة الجهني قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا مضى نصف الليل أو ثلث الليل نزل الله عزوجل إلى سماء الدنيا فقال : «لا أسأل عن عبادي غيري من ذا الذي يستغفرني فأغفر له. من ذا الذي يدعوني فأستجيب له. من ذا الذي يسألني فأعطيه. حتى ينفجر الفجر» (٢) هذا حديث صحيح رواه الإمام أحمد في «مسنده» ، وفيه رد على من زعم أن الذي ينزل ملك من الملائكة ، فإن الملك لا يقول : لا أسأل عن عبادي غيري. ولا يقول : من يسألني أعطه.

(وأما حديث عثمان بن العاص الثقفي): فرواه حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، عن عثمان بن أبي العاص ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة فيقول : هل من داع فأستجيب له. هل من سائل فأعطيه.

__________________

(١) الحديث مرسل فإن سليمان بن عامر لم يدرك عمرو بن عبسة ، أفاده ابن أبي حاتم.

(٢) [صحيح] رواه الإمام أحمد (٤ / ١٦) ، والدارمي (١ / ٤١٤) ، وعثمان بن سعيد في «الرد على المريسي» (ص ٣٧٧ ـ ٣٧٨) ، والدارقطني في «النزول» (ص ١٤٥) بأتم منه والآجرى في «الشريعة» (ص ٣١١).

٥٩٤

هل من مستغفر فأغفر له» (١) وأن داود خرج ذات ليلة فقال : «لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ، إلا أن يكون ساحرا أو عشارا» رواه الإمام أحمد بنحوه (٢).

(وأما حديث أبي الدرداء): فرواه الليث بن سعد ، حدثني محمد بن زيادة الأنصاري ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن فضالة بن عبيد ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ينزل الله في آخر ثلاث ساعات بقين من الليل ينظر في الساعة الأولى منهن في الكتاب الذي لا ينظر فيه غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت ، ثم ينظر في الساعة الثانية في جنة عدن وهي مسكنه الذي يسكن ، لا يكون معه فيها إلا الأنبياء والشهداء والصديقون ، وفيها ما لم ير أحد ولم يخطر على قلب بشر. ثم يهبط في آخر ساعة من الليل يقول : ألا مستغفر فأغفر له ، ألا سائل فأعطيه ، ألا داع فأستجيب له» رواه عثمان بن سعيد الدارمي (٣).

(وأما حديث أنس بن مالك): فهو الحديث العظيم الشأن الذي هو قرة لعيون أهل الإيمان وشجى في حلوق أهل التعطيل والبهتان. رواه الشافعي في «مسنده» مجملا به كتابه راجيا بروايته وتبليغه عن الرسول من الله ثوابه ، ورواه أئمة السنة له مقرين ، وعلى من أنكره منكرين.

قال عثمان بن سعيد : حدثنا هشام بن خالد الدمشقي ـ وكان ثقة ـ حدثنا محمد بن شعيب بن شابور ، أخبرنا عمر بن عبد الله مولى عفرة قال : سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «جاءني جبرائيل وفي كفه مرآة فيها نكتة سوداء ، فقلت ما هذه يا جبرائيل؟ قال هذه الجمعة أرسل بها إليك ربك فتكون هدى لك ولأمتك من بعدك فقلت وما لنا فيها؟ قال لكم فيها خير كثير أنتم

__________________

(١) [ضعيف الإسناد ، وهو صحيح لغيره] في إسناده على بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ، وفيه الحسن البصري وهو مدلس وقد عنعنه ، لكن للحديث شواهد في «الصحيحين» وغيرهما وهى التي في الباب هنا.

(٢) وأخرجه ابن أبي عاصم (١ / ٥٠٨).

(٣) ورواه أيضا الدارقطني في «النزول» (ص ٩١) ، وابن جرير الطبرى في «تفسيره» (١٥ / ٩٤).

٥٩٥

الأولون والآخرون السابقون يوم القيامة ، وفيها ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله خيرا هو له قسم إلا آتاه إياه ، ولا خيرا له لم يقسم إلا ادخر له أفضل منه ، ولا يستعيذ بالله من شر ما هو مكتوب عليه إلا رفع عنه أكبر منه. قلت ما هذه النكتة السوداء؟ قال هذه الساعة يوم تقوم فيها القيامة وهو سيد الأيام ، ونحن نسميه عندنا يوم المزيد. قلت : ولم تسمونه يوم المزيد يا جبرائيل؟ قال : إن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض ، فإذا كان يوم الجمعة من أيام الآخرة هبط الجبار جل جلاله عن عرشه إلى كرسيه إلى ذلك الوادي ، وقد حف الكرسي بمنابر من نور يجلس عليها الصديقون والشهداء ؛ ثم يجيء أهل الغرف حتى يحفوا بالكثيب ، ثم يتبدى لهم ذو الجلال والإكرام فيقول : أنا الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي ، وأحللتكم دار كرامتى فسلوني. فيقولون بأجمعهم : نسألك الرضى عنا فيشهد لهم على الرضى ، ثم يقول لهم سلونى. فيسألونه حتى تنتهي تهمة كل عبد منهم ، ثم يقول سلوني. فيقولون حسبنا ربنا رضينا فيرجع الجبار تعالى إلى عرشه فيفتح لهم بعد انصرافهم من يوم الجمعة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فيرجع أهل الغرف إلى غرفهم ، وهي غرفة من لؤلؤ بيضاء وياقوتة حمراء وزمردة خضراء ليس فيها فصم ولا وصم. مطردة فيها أنهارها متدلية فيها أثمارها ، فيها أزواجها وخدمها ومساكنها فليسوا إلى يوم أحوج منه إلى يوم الجمعة ليزدادوا تفضلا من ربهم ورضوانا» (١).

ورواه عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن ليث ، عن عثمان بن عمير ، عن أنس. ورواه ابن أبي حاتم ، حدثنا أبو زرعة حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا أبو اليمان ، عن شريك ، عن عثمان به.

ورواه مكي بن إبراهيم ، عن موسى بن عبيدة ، عن أبي الأزهر ، عن عثمان فذكره.

__________________

(١) في إسناده : عمر بن عبد الله مولى عفرة ، قال الحافظ في «التقريب» : ضعيف كثير الإرسال. وذكر الحديث في «المطالب العالية» (١ / ١٥٧ ـ ١٦٠) وجوّد بعض أسانيده.

٥٩٦

ورواه أبو زرعة شيبان بن فروج ، حدثنا الصعق بن حزن ، حدثنا علي بن الحكيم ، عن أنس.

ورواه الحكم بن أسلم ، عن الصعق ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الملك بن عمير.

ورواه الحسن بن سفيان في «مسنده» : حدثنا شيبان بن أبي شيبة ، حدثنا الصعق بن حزن. حدثنا علي بن الحكم.

ورواه أسعد بن موسى ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا صالح بن حيان ، عن عبد الله بن مريدة ، عن أنس.

ورواه الشافعي في «مسنده» عن إبراهيم بن محمد ، حدثنا موسى بن عبيدة. حدثني أبو الأزهر ، عن عبيد بن عمير أنه سمع أنس بن مالك فذكر نحوه. وقال في أخرى : «وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش ، وفيه خلق آدم ، وفيه تقوم الساعة» وقد جمع أبي داود طرق هذا الحديث.

(وقد روى من حديث حذيفة بن اليمان): قال ابن مندة : أخبرنا أبو عمر بن حكيم ، حدثنا يزيد بن جهور ، حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير ، حدثنا أبي ، عن القاسم بن مطيب ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحديث بطوله.

ورواه أبو نعيم وأبي النضر وجماعة قالوا : حدثنا المسعودي ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : سارعوا إلى الجمعة فإن الله ينزل لأهل الجنة في كل جمعة في كثيب من كافور أبيض فيكونون منه في القرب على قدر تسارعهم إلى الجمعة.

(وأما حديث لقيط بن عامر): فقال عبد الله بن أحمد في كتاب «السنة» : كتب إلي الإبراهيم بن حمزة بن مصعب بن الزبير : كتبت إليه بهذا الحديث فحدث به عنى ، قال حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزمي ، عن عبد الرحمن بن عياش ، عن دلهم بن الأسود ، عن عبد الله بن حاطب بن عاصم بن المنتفق ،

٥٩٧

عن جده ، عن عمه لقيط بن عامر العقيلي ـ ح ـ قال دلهم وحدثنيه أبي ، عن عاصم بن لقيط ، أن لقيطا وفد إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه صاحب له يقال له نهيك ابن عاصم بن مالك بن المنتفق ، قال لقيط : فخرجت أنا وصاحبى حتى قدمنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين انصرف من صلاة الغداة فقام في الناس خطيبا فقال : «أيها الناس ألا إني قد خبوت لكم صوتي منذ أربعة أيام لأسمعكم ، ألا فهل من امرئ بعثه قومه فقالوا له : اعلم لنا ما يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ ألا ثم لعله أن يلهيه حديث نفسه أو حديث صاحبه ، أو يلهيه الضلال ، ألا إن مسئول هل بلغت ، ألا اسمعوا تعيشوا ، ألا اجلسوا ألا اجلسوا» قال : فجلس الناس ، وقمت أنا وصاحبي ، حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره ، قلنا يا رسول الله : ما عندك علم الغيب؟ فضحك لعمر الله وهز رأسه وعلم إني أبتغى سقطة ، فقال : «ضن ربك بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله تعالى ، وأشار بيده قلت : وما هن؟ قال : علم المنية ، قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه ، وعلم ما في الغد ما أنت طاعم غدا ولا تعلمه ، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم أزلين مشفقين فيظل يضحك ، قد علم أن غوثكم إلى قريب ـ قال لقيط : لن نعدم من رب يضحك خيرا ـ وعلم يوم الساعة» قال قلت : يا رسول الله ، علمنا مما تعلم الناس ومما تعلم ؛ فإنا في قبيل لا يصدق تصديقنا أحد من مذحج التي تربو علينا وخثعم التي توالينا وعشيرتنا التي نحن منها : قال «تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم تلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة ، لعمر إلهك ما تدع على ظهرها شيئا إلا مات ، والملائكة الذين مع ربك عزوجل ، فأصبح ربك عزوجل يطوف في الأرض ، وخلت عليه البلاد ، فأرسل ربك السماء بهضب من عند العرش ، ولعمر إلهك لا تدع على ظهرها مصرع قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى تخلفه من عند رأسه فيستوي جالسا ، فيقول ربك مهيم لما كان فيه يقول يا رب أمس اليوم ولعهده بالحياة يحسبه حديثا بأهله» فقلت يا رسول الله ، كيف يجمعنا بعد ما تمزقنا الرياح والبلى والسباع؟ قال أنبئك بمثل ذلك في آلاء الأرض أشرقت عليها وهي

٥٩٨

مدرة بالية ، فقلت لا تحيا أبدا ، ثم أرسل ربك عليها السماء فلم تلبث عنك إلا أياما حتى أشرفت عليها وهي مشربة واحدة ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض فتخرجون من الأصواء ومن مصارعكم فتنظرون إليه وينظر إليكم» قلت يا رسول الله : ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه؟ قال : أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله ، الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم في ساعة واحدة لا تضارون في رؤيتهما ، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه منهما ، على أن ترونهما ويريانكم لا تضارون في رؤيتهما ، قلت يا رسول الله فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه؟ قال : تعرضون عليه بادية له صفحاتكم لا تخفى عليه منكم خافية ، فيأخذ عزوجل بيده غرفة من الماء فينضح بها قبلكم ، فلعمر إلهك ما يخطئ وجه أحدكم منها قطرة ، فأما المسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء ، وأما الكافر فتخطمه بمثل الحميم الأسود ، ألا ثم ينصرف نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويفرق على أثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار ، فيطأ أحدكم الجمر يقول حس ، فيقول الله عزوجل : أو أنه ، فتطلعون على حوض الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ظمأ والله ناهلة قط رأيتها ، ولعمر إلهك ما يبسط واحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطرف والبول الأذى ، وتحبس الشمس والقمر فلا ترون واحد منهما. قال قلت : يا رسول الله فبم نبصر؟ قال بمثل بصرك ساعتك هذه ، وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقت الأرض ثم واجهته الجبال ، قال قلت يا رسول الله : فيم نجزى من سيئاتنا؟ قال الحسنة بعشر أمثالها ، والسيئة بمثلها إلا أن يغفر ، قال قلت يا رسول الله : إما الجنة وإما النار قال : لعمر إلهك وإن للنار سبعة أبواب ، ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما مسيرة سبعين عاما. قلت يا رسول الله : فعلى ما نطلع في الجنة؟ قال : على أنهار من عسل مصفى وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وماء غير آسن ، وفاكهة كثيرة ، لعمر إلهك مما تعلمون وخير من مثله معه وأزواج مطهرة ، قلت يا رسول الله ولنا فيها أزواج مصلحات؟ قال : الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذونكم غير أن لا توالد. قال لقيط : قلت أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه ، قلت يا رسول الله على نبايعك؟ قال فبسط النبي

٥٩٩

صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده وقال : على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وزيال الشرك وأن لا تشرك بالله إله غيره : قال قلت وإن لنا ما بين المشرق والمغرب ، فقبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده وبسط أصابعه وظن إني مشترط شيئا لا يعطينيه ، قال ، قلت : نحل منها حيث شئنا ولا يجني على امرئ إلا نفسه؟ فبسط يده وقال : ذلك لك تحل حيث شئت ولا يجني عليك إلا نفسك ، فانصرفنا وقال : ها إن ذين ها إن ذين ، لعمر إلهك إن حدثت ، ألا إنهم من اتقى لله في الأولى والآخرة. فقال له كعب بن الحدادية أحد بني بكر ابن كلاب : من هم يا رسول الله ، قال : بني المنتفق أهل ذلك ، قال فانصرفنا وأقبلت عليه فقلت : يا رسول الله ، هل لأحد مما مضى من خير في جاهليتهم. قال فقال رجل من عرض قريش : والله إن أباك المنتفق لفي النار ، فلكأنه وقع حر بين جلده ووجهه. مما قال لأبي على رءوس الناس ، فهممت أن أقول : وأبوك يا رسول الله؟ فإذا الأخرى أجمل ، فقلت وأهلك يا رسول الله؟ قال : وأهلي لعمر الله ما أتيت عليه من قبر عامري أو قرشي من مشرك فقل أرسلني إليك محمد يبشرك بما يسوؤك تجر على وجهك وبطنك في النار ، قال قلت يا رسول الله : ما فعل بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه ، وكانوا يحسبونهم مصلحين ، قال ذلك بأن الله عزوجل بعث في آخر سبع أمم نبيا ، فمن عصى نبيه كان من الطالحين. ومن أطاع نبيه كان من المهتدين» (١).

هذا حديث كبير مشهور ، جلالة النبوة بادية على صفحاته تنادي عليه بالصدق ، صححه بعض الحفاظ ، حكاه شيخ الإسلام الأنصاري ، ولا يعرف إلا من حديث أبي القاسم عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني ، ثم من رواية إبراهيم بن حمزة الزبيري المدني عنه ، وهما من كبار علماء المدينة ، ثقتان محتج بهما في «الصحيح» احتج بهما البخاري في مواضع من «صحيحه» وروى هذا الحديث أئمة الحديث في كتبهم ، منهم عبد الله بن الإمام أحمد ، وأبو بكر بن عمرو بن أبي عاصم ، وأبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني

__________________

(١) رواه الإمام أحمد في «المسند» (٤ / ١٣) ، ورواه ابنه في «السنة» (١١٢٠).

٦٠٠