مختصر الصواعق المرسلة على الجهميّة والمعطّلة

ابن القيّم الجوزيّة

مختصر الصواعق المرسلة على الجهميّة والمعطّلة

المؤلف:

ابن القيّم الجوزيّة


المحقق: رضوان جامع رضوان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٨٧

كلام الشيخ حمد بن عتيق رحمه‌الله في رسالته للشيخ العلامة صديق حسن خان رحمه‌الله وفيها قال : .... واعلم أرشدك الله أن الّذي جرينا عليه أنه إذا وصل إلينا شيء من المصنفات في التفسير أو شرح حديث اختبرناه واعتبرنا معتقده في «العلو» و «الصفات» ، و «الأفعال» ، فوجدنا الغالب على كثير من المتأخرين أو أكثرهم : مذهب الأشاعرة الذي حاصله نفى العلو وتأويل الآيات في هذا الباب بالتأويلات الموروثة عن بشر المريسي وأضرابه من أهل البدع والضلال ، ومن نظر في شروح البخارى ومسلم ونحوها وجد ذلك فيها ، وأما ما صنف في الأصول والعقائد فالأمر فيه ظاهر لذوي الألباب ، فمن رزقه الله بصيرة ونورا ، وأمعن النظر فيما قالوه وعرضه على ما جاء عن الله ورسوله وما عليه أهل السنة المحضة تبين له المنافاة بينهما وعرف ذلك كما يعرف الفرق بين الليل والنهار ... إلى آخر كلامه ثم قال : ومن ذلك أنكم قلتم في سورة يونس أيضا : استوى على العرش استواء يليق بجلاله وهذه طريقة السلف المفوضين وقد تقدس الديان عن المكان والمعبود عن الحدود انتهى. فإن كان المراد بالتفويض ما يقوله بعض النفاة وينسبونه إلى السلف. وهو أنهم يمرون الألفاظ ويؤمنون بها من غير أن يعتقدوا لها معان تليق بالله أو أنهم لا يعرفون معانيها فهذا أكذب على السلف من النفاة وإذا قال السلف كما جاءت بلا كيف فإنما ينفون علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة. ولو كانوا قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول وأمروها كما جاءت بلا كيف فالاستواء لا يكون حينئذ معلوما بل مجهولا بمنزلة حروف الجر. وأيضا فإنه لا يحتاج إلى نفس علم الكيفية إذا لم يفهم من اللفظ معنى. وإنما يحتاج إلى نفس علم الكيفية إذا ثبتت الصفات ؛ هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه‌الله تعالى ولا نشك أن هذا اعتقادك ولكن المراد أنه دخل عليك بعض الألفاظ من كلام أهل البدع لم تتصور مرادهم فتنبه لمثل ذلك.

وأما قول القائل (يتقدس الديان عن المكان) فهذا لم ينطق السلف فيه بنفي ولا إثبات وهو من عبارات المتكلمين ومرادهم به نفي علو الله على خلقه لأن

٢١

لفظ المكان فيه إجمال يحتمل الحق والباطل كلفظ الجهة والعلو والكلام في ذلك معروف في كتب شيخ الإسلام وابن القيم فارجع إلى ذلك تجده ولا نطيل به وحسب الاقتصار في هذا الباب على ما ورد في الكتاب والسنة ، كما قال الإمام أحمد : لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث ا. ه.

وكتبه

رضوان جامع رضوان

٢٢

عملنا في الكتاب :

(١) ضبط نص الكتاب ، وذلك عن طريق معارضة نسخه ، وعلى النسخ الأصل والذي اختصر منه المصنف هذا الكتاب ، ولا نبالغ إذا قلنا بأن كثيرا من النسخ الموجودة بالسوق بها أخطاء ، وتصحيفات شنيعة ، ولا أدرى كيف يتساهل في وجود مثل هذه الأخطاء في كتب لها أهميتها وخطورتها مثل كتابنا هذا والذي يعالج قضية عقائدية خطيرة يحكم على المنازع فيها لاعتقاد السلف الصالح بالضلال ، ومفارقة ملة الإسلام ، إذ أنها تخص ذات الله سبحانه كما أشرنا إلى ذلك في المقدمة.

نقول : فإن أقل تصحيف وخطأ في الكلام ومضمونه يؤدى إلى عواقب وخيمة في المفاهيم.

ولأهمية معارضة الكتاب يقول الأخفش : «إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ، ثم نسخ ولم يعارض ، خرج أعجميا» (علوم الحديث ، لابن الصلاح).

ويقول الشيخ أحمد شاكر رحمه‌الله : ألوف من النسخ من كل كتاب ، تنشر في الأسواق ، تتناولها أيدي الناس ، ليس فيها صحيح إلا قليلا ، يقرؤها العالم المتمكن ، والمتعلم المستفيد ، والعامى الجاهل ، وفيها أغلاط واضحة وأغلاط مشكلة ، ونقص وتحريف.

ثم قال : ويشتبه الأمر على المتعلم الناشئ في الواضح والمشكل وقد يثق بالكتاب بين يديه فيحفظ الخطأ ويطمئن إليه ، ثم يكون إقناعه بغيره عسيرا ، وتصور أنت حال العامي بعد ذلك ا ه.

ونحن لا ندعى الكمال في ذلك ، إذا أن القصور من طبع البشر ، فننبه القارئ الفطن إلى أن يتوق الحرص إذا اشتبه عليه أمر في قراءته لبعض الجمل وليراجع الشيوخ في مسائل العقيدة بصفة خاصة ولا يعتمد أساسا على القراءة والصحف ، إذا أن التصحيف ملازم للصحف ، أو أن يفهم من الكلام على غير مراد المصنف.

٢٣

(٢) تخريج الأحاديث وعزوها إلى مصادر السنة الأصلية ، ونقل أقوال أئمة الحديث النقاد في الحكم على الحديث.

وإذا كان الحديث في «الصحيحين» أو أحدهما اكتفيت بعزوه إليهما أو لأحدهما دون ذكر من شاركهما أو شارك أحدهما لإفادته الصحة.

(٣) الشرح والتعليق على بعض الفقرات العقائدية وغيرها لزيادة إيضاح للمعنى الرامى إليه المصنف.

(٤) الترجمة لبعض الأعلام الذين ورد ذكرهم بالكتاب.

(٥) وضع بعض العناوين للفصول ولبعض الفقرات ، وكذا زيادة كلمة أو كلمتين لتوضيح المعنى المراد ، أو تصحيح كلمة مع التنويه على لفظها التى كانت عليه في الأصل ، والتنويه على ذلك في الهامش وتم وضع الزيادات والعناوين التى اخترناها في المتن بين هلالين هكذا (***).

والله الموفق والهادى إلى الصواب

وكتبه

رضوان جامع رضوان

القاهرة في يوم الجمعة الموافق سبعة عشر من شهر ربيع الآخر ١٤١٥ ه‍

الموافق للثالث والعشرين من سبتمبر ١٩٩٤ م

* * *

٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الشيخ محمد ابن الموصلى (مختصر الكتاب)

الحمد لله رب العالمين ، وبه نستعين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله. الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. ومن يهد الله فهو المهتد. ومن يضلل ؛ فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. بعثه الله تعالى بين يدى الساعة بشيرا ونذيرا. وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. فتح به أعينا عميا. وآذانا صما. وقلوبا غلفا. وأقام به الملة العوجاء. بأن قالوا لا إله إلا الله. صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

(أما بعد) فهذا استعجال الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة. انتخبته من كلام شيخ الإسلام ، وقدوة الأنام ، ناصر السنة (شمس الدين أبي عبد الله محمد ابن قيم الجوزية) رحمه‌الله تعالى.

٢٥

(اعلم) أن الله بعث رسوله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأهل الأرض أحوج إلى رسالته من غيث السماء ، ومن نور الشمس الذي يذهب عنهم حنادس الظلماء (١) فضرورتهم إليها أعظم الضرورات ، وحاجاتهم إليها مقدمة على جميع الحاجات فإنه لا حياة للقلوب ولا سرور ولا لذة ولا نعيم ولا أمان إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله ، ويكون ذلك أحب إليها مما سواه ، ويكون سعيها فيما يقربها إليه (٢) ، ومن المحال أن تستقل العقول البشرية

__________________

(١) الحندس : الظلمة ، والليل الشديد الظلمة ، وتحندس : أظلم ، والجمع : حنادس (الوجيز).

(٢) وقال في «الفوائد» : خلق الله القلوب وجعلها محلا لمعرفته ومحبته وإرادته ؛ فهى عرش المثل الأعلى الّذي هو معرفته ومحبته وإرادته ، قال تعالى (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ. وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (النحل : ٦٠) ، وقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ، وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الروم : ٢٧) ، وقال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١).

فهذا من المثل الأعلى ، وهو مستو على قلب المؤمن فهو عرشه ، وإن لم يكن أطهر الأشياء وأنزهها وأطيبها وأبعدها من كل دنس وخبث لم يصلح لاستواء المثل الأعلى عليه ، معرفة ومحبة وإرادة ، فاستوى عليه مثل الدنيا الأسفل ومحبتها وإرادتها والتعلق بها ، فضاق وأظلم وبعد من كماله وفلاحه حتى تعود القلوب على قلبين : قلب هو عرش الرحمن ففيه النور والحياة ، والفرح والسرور والبهجة ، وذخائر الخير ، وقلب هو عرش الشيطان فهناك الضيق والظلمة والموت والحزن والغم والهم.

وقال في مكان آخر : اعلم أن الله تعالى خلق في صدرك بيتا وهو القلب ، ووضع في صدره عرشا لمعرفته ؛ يستوي عليه المثل الأعلى ، فهو مستو على عرشه بذاته سبحانه ، بائن من خلقه ، والمثل الأعلى من معرفته ومحبته وتوحيده مستو على سرير القلب ، وعلى السرير بساط من الرضا ، ووضع عن يمينه وشماله مرافق شرائعه وأوامره ، وفتح إليه بابا من جنة رحمته والأنس به والشوق إلى لقائه ، وأمطره من وابل كلامه ما أنبت فيه أصناف الرياحين والأشجار المثمرة من أنواع الطاعات والتهليل والتسبيح والتحميد والتقديس ، وجعل في وسط البستان شجرة المعرفة ، فهى تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها من المحبة والإنابة والخشية والفرح به والابتهاج بقربه ، وأجرى إلى تلك الشجرة ما يسقيها من تدبر كلامه ، وفهمه والعمل بوصاياه أه. مختصرا.

٢٦

بإدراك ذلك على التفصيل (١) ، فاقتضت حكمة العزيز العليم ، بأن بعث الرسل به معرفين ، وإليه داعين ، ولمن أجابهم مبشرين ، ولمن خالفهم منذرين ، وجعل مفتاح دعوتهم وزبدة رسالتهم معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله. وعلى هذه المعرفة تنبنى مطال الرسالة جميعها ، فإن الخوف والرجاء والمحبة والطاعة والعبودية تابعة لمعرفة المرجو المخوف المحبوب المطاع المعبود.

ولما كان مفتاح الدعوة الإلهية معرفة الرب تعالى (٢) قال أفضل الداعين إليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) وقال الحافظ في «الفتح» : ليس في قوة العقل ما يدرك ما في نصوص الشارع من الحكم التي استأثر بها أه. وسيأتي مزيد بيان لذلك في آخر هذا الفصل.

(٢) هاهنا مسألة مهمة وهى معرفة الله تعالى : وهل هى أول واجب على المسلم معرفة الله بالأدلة وأنه لا يصح إيمان المقلد والعامى ، وقال إمام الحرمين : أجمع العلماء على وجوب معرفة الله تعالى ، واختلفوا في أول واجب؟! فقيل : المعرفة ، وقيل : النظر ، وقال المقترح : لا اختلاف في أن أول واجب خطابا ومقصودا : المعرفة وأول واجب اشتغالا وأداء القصد إلى النظر ، قال الحافظ : وفي نقل الإجماع نظر كبير ومنازعة طويلة ، حتى نقل جماعة الإجماع في نقيضه ، واستدلوا بإطباق أهل العصر الأول على قبول الإسلام فمن دخل فيه من غير تنقيب ، والآثار في ذلك كثيرة جدا.

وأجاب الأولون عن ذلك بأن الكفار كانوا يذبون عن دينهم ويقاتلون عليه ، فرجوعهم عنه دليل على ظهور الحق لهم ، ومقتضى هذا أن المعرفة المذكورة يكتفى فيها بأدنى نظر بخلاف ما قرروه ، ومع ذلك فقول الله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) وحديث : «كل مولود يولد على الفطرة» ظاهران في دفع هذه المسألة من أصلها أه. «الفتح» (١ / ٨٩).

وقال مرة في شرح حديث : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ... الحديث ، وفيه ... فإن فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله».

قال : وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر ، والاكتفاء في قبول الإيمان بالاعتقاد الجازم خلافا لمن أوجب تعلم الأدلة ، ويؤخذ منه : ترك تكفير أهل البدع المقرين بالتوحيد الملتزمين للشرائع ، وقبول توبة الكافر من كفره من غير تفصيل بين كفر ظاهر أو باطن. ا ه «الفتح» (١ / ٩٧) وسيأتى مزيد بيان لهذه المسألة في شرح الحديث التالي ، وانظر التعليق في آخر هذا الفصل ص (٣٦ وما بعدها).

٢٧

لمعاذ بن جبل : وقد أرسله إلى اليمن «إنك تأتي قوما أهل كتاب (١) ؛ فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة (٢) أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؛ فإذا

__________________

(١) هم اليهود ، وكان ابتداء دخول اليهودية اليمن من زمن أسعد ذى كرب وهو تبّع الأصغر كما ذكره ابن إسحاق مطولا في السيرة ، فقام الإسلام وبعض أهل اليمن على اليهودية ، ودخل دين النصرانية إلى اليمن بعد ذلك لما غلبت الحبشة على اليمن ، وكان منهم أبرهة صاحب الفيل الذي غزا مكة وأراد هدم الكعبة حتى أجلاهم عنها سيف بن ذي يزن ، كما ذكره ابن إسحاق مبسوطا أيضا ، ولم يبق بعد ذلك باليمن أحد من النصارى أصلا إلا بنجران وهى بين مكة واليمن ، وبقي ببعض بلادها قليل من اليهود. أه. أفاده الحافظ في «الفتح» (١٣ / ٣٦١).

(٢) قال الحافظ : تمسك به من قال : أول واجب المعرفة ، كإمام الحرمين ، واستدل بأنه لا يتأتى الإتيان بشيء من المأمورات على قصد الامتثال ، ولا الانكفاف عن شيء من المنهيات على قصد الانزجار إلا بعد معرفة الآمر والناهي ، واعترض عليه بأن المعرفة لا تتأتى إلا بالنظر والاستدلال ، وهو مقدمة الواجب فيجب ، فيكون أول واجب النظر ، وذهب إلى هذا طائفة كابن فورك ، وتعقب بأن النظر ذو أجزاء يترتب بعضها على بعض ، فيكون أول واجب جزأ من النظر ، وهو محكي عن القاضى أبى بكر بن الطيب ، وعن الأستاذ أبي إسحاق الأسفراييني : أول واجب القصد إلى النظر.

وجمع بعضهم بين هذه الأقوال بأن من قال أول واجب المعرفة أراد طلبا وتكليفا ، ومن قال النظر أو القصد أراد امتثالا ، لأنه يسلم أنه وسيلة إلى تحصيل المعرفة ، فيدل ذلك على سبق وجوب المعرفة ، وقد ذكرت في «كتاب الإيمان» من أعرض عن هذا من أصله وتمسك بقوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ، فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) وحديث : «كل مولود يولد على الفطرة» فإن ظاهر الآية والحديث أن المعرفة حاصلة بأصل الفطرة وأن الخروج عن ذلك يطرأ على الشخص لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فأبواه يهودانه وينصرانه».

وقد وافق أبو جعفر السمناني وهو من رءوس الأشاعرة على هذا وقال : إن هذه المسألة بقيت في مقالة الأشعرى من مسائل المعتزلة ، وتفرع عليها أن الواجب على كل أحد معرفة الله بالأدلة الدالة عليه ، وأن لا يكفى التقليد في ذلك. أه.

ثم ذكر الحافظ كلام الأئمة وطوائف المسلمين في هذه المسألة وتفرقهم فيها ثم نقل عن الحافظ العلائى من «جزئه» أن يفصل في هذه المسألة فيقال : من لا له أهلية لفهم شيء من الأدلة أصلا وحصل له اليقين التام بالمطلوب إما بنشأته على ذلك أو لنور يقذفه الله في قلبه ، فإنه يكتفى منه بذلك ، ومن فيه أهلية لفهم الأدلة لم يكتف منه إلا بالإيمان عن دليل.

٢٨

عرفوا الله (١) فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ـ الحديث» وهو في «الصحيحين» ؛ واللفظ لمسلم (٢).

وقد نزه سبحانه نفسه عن غير ما يصفه المرسلون فقال : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (الصافات : ١٨٠ ـ ١٨٣) فنزه نفسه عما يصفه به الخلق ثم سلم على المرسلين

__________________

ومع ذلك فدليل كل أحد بحسبه ، وتكفي الأدلة المجملة التي تحصل بأدنى نظر ، ومن حصلت عنده شبهة وجب عليه التعلم إلى أن تزول عنه.

قال : فبهذا يحصل الجمع بين كلام الطائفة المتوسطة ، وأما من غلا فقال : لا يكفي إيمان المقلد فلا يلتفت إليه ، لما يلزم منه من القول بعدم إيمان أكثر المسلمين ، وكذا من غلا أيضا فقال : لا يجوز النظر في الأدلة لما يلزم منه من أن أكابر السلف لم يكونوا من أهل النظر. انتهى ملخصا.

(١) قوله : «فإذا عرفوا الله» قال الحافظ : استدل به بأن معرفة الله بحقيقة كنهه ممكنة للبشر ، فإن كان ذلك مقيدا بما عرف به نفسه من وجوده وصفاته اللائقة من العلم القدرة والإرادة مثلا ، وتنزيهه عن كل نقيصة كالحدوث فلا بأس به ، فأما ما عدا ذلك فإنه غير معلوم للبشر وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) فإذا حمل قوله : «فإذا عرفوا الله» على ذلك كان واضحا.

مع أن الاحتجاج به يتوقف على الجزم بأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم نطق بهذه اللفظة وفيه نظر ، لأن القصة واحدة ورواة هذا الحديث اختلفوا : هل ورد الحديث بهذا اللفظ أو بغيره؟ فلم يقل صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا بلفظ منها ، ومع احتمال أن يكون هذا اللفظ من تصرف الرواة لا يتم الاستدلال ، وقد بينت في أواخر «كتاب الزكاة» أن الأكثر رووه بلفظ «فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك» ومنهم من رواه بلفظ «فادعهم إلى أن يوحدوا الله ، فإذا عرفوا ذلك ومنهم من رواه بلفظ «فادعهم إلى عبادة الله ، فإذا عرفوا الله».

ووجه الجمع بينهما أن المراد بالعبادة : التوحيد ، والمراد بالتوحيد : الإقرار بالشهادتين ، والإشارة بقوله «ذلك» إلى التوحيد ، وقوله : «فإذا عرفوا الله» : أى عرفوا توحيد الله. والمراد بالمعرفة الإقرار والطواعية فبذلك يجمع بين هذه الألفاظ المختلفة في القصة الواحدة وبالله التوفيق. أه «فتح البارى» (١٣ / ٣٦٧).

(٢) أخرجه البخاري (١٣٩٥ ـ ١٤٩٦ ـ ٧٣٧٢) ، ومسلم في (الإيمان / ١٩).

٢٩

لسلامة ما وصفوه به من النقائص والعيوب. ثم حمد نفسه على تفرده بالأوصاف التى يستحق عليها كمال الحمد.

(ومن هنا) أخذ إمام السنة محمد بن إدريس الشافعي رحمه‌الله خطبة كتابه حيث قال «الحمد لله الذي هو كما وصف نفسه وفوق ما يصفه خلقه» فأثبت بهذه الكلمة أن صفاته إنما تتلقى بالسمع لا بآراء الخلق وأن أوصافه فوق ما يصفه به الخلق ، وقد شهد الله سبحانه بالعلم بمن يرى أن ما جاء به الرسول من عند الله هو الحق ، لا آراء الرجال فقال تعالى : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (سبأ : ٦). وقال تعالى : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى) (الرعد : ١٩) فمن تعارض عنده ما جاء به الرسول وآراء الرجال فقدمها عليه أو توقف فيه أو قدحت في كمال معرفته فهو أعمى عن الحق.

وقد أخبر الله تعالى عن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (يوسف : ١٠٨) وأخبر تعالى عنه أنه سراج منير (١) ، وأنه هاد إلى صراط مستقيم (٢) ، وبأن من اتبع النور الذي أنزل معه هو المفلح لا غيره (٣) ؛ وأن من لم يحكمه في كل ما تنازع فيه المتنازعون وينقاد لحكمه ؛ ولا يكون عنده حرج منه فليس بمؤمن (٤).

__________________

(١) يشير إلى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) (الأحزاب : ٤٥ ، ٤٦).

(٢) يشير إلى قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا ، وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى : ٥٢).

(٣) يشير إلى قوله تعالى : (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف : ١٥٧).

(٤) يشير إلى قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء : ٦٥).

٣٠

فكيف يجوز على من أخبر الله تعالى عنه بما ذكر أن يكون قد أخبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله بما الهدي في خلاف ظاهره والحق في إخراجه عن حقائقه وحمله على وحشى اللغات ومستكرهات التأويلات ، وأن حقائقه ضلال وتشبيه وإلحاد ، وأن الهدى والعلم في مجازه وإخراجه عن حقائقه؟ وأحال الأمة فيه على آراء الرجال المتحيرين وعقول المتهوكين ، فيقول : إذا أخبرتكم عن الله وصفاته العلى بشيء فلا تعتقدوا حقيقته ؛ وخذوا مرادي به من آراء الرجال ومعقولها ، فإن الهدى والعلم فيه؟

معاذ الله ، فإنه لو خرج عن ظاهره بتأويل المتأولين انتقضت عرى الإيمان كلها ، وكان لا تشاء طائفة من طوائف أهل الضلال أن تتأول النصوص على مذهبها إلا وجدت السبيل إليه.

(والمقصود) أن الله تعالى أكمل للرسول ولأمته به دينهم وأتم عليهم به نعمته ومحال مع هذا أن يدع ما خلق له الخلق وأرسلت به الرسل ، وأنزلت به الكتب ؛ ونصبت عليه القبلة ، وأسست عليه الملة ، وهو باب الإيمان به ومعرفته ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله ، ملتبسا مشتبها حقه بباطله ، لم يتكلم فيه بما هو الحق ، بل تكلم بما هو الباطل ، والحق في إخراجه عن ظاهره ، فكيف يكون أفضل الرسل وأجل الكتب غير واف بتعريف ذلك على أتم الوجود ، مبيّن له بأكمل البيان ، موضح له غاية الإيضاح ، مع شدة حاجة النفوس إلى معرفته ، وهو أفضل ما اكتسبته النفوس وأجل ما حصلته القلوب.

ومن المحال أن يكون صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد علمهم آداب الغائط ، قبله وبعده ومعه ، وآداب الوطء والطعام والشراب ، ويترك أن يعلمهم ما يقولونه بألسنتهم ويعتقدونه بقلوبهم في ربهم ومعبودهم الذي معرفته غاية المعارف ، والوصول إليه أتم المطالب ، وعبادته وحده لا شريك له أقرب الوسائل ، ويخبرهم بما ظاهره ضلال وإلحاد ، ويحيلهم في فهم ما أخبره به عن الله تعالى وأسمائه وصفاته

٣١

وأفعاله على مستكرهات التأويل وما تحكم به عقولهم. هذا هو القائل «تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك» (١) وهو القائل «ما بعث الله من نبى إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم» (٢) وقال أبو ذر : «لقد توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما» (٣) وقال عمر بن الخطاب «قام فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقاما فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم ، وأهل النار منازلهم ، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه» ذكره البخاري (٤).

فكيف يتوهم من لله ورسوله في قلبه وقار أن يعتقد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أمسك عن بيان هذا الأمر العظيم ولم يتكلم فيه بالصواب؟ معاذ الله ، بل لا يتم الإيمان إلا بأن يعتقد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد بيّن ذلك أتم البيان وأوضحه غاية الإيضاح ، ولم يدع بعده لقائل مقالا ولا لمتأول تأويلا.

__________________

(١) أخرجه الإمام أحمد (٤ / ١٢٦) ، وابن ماجه في «مقدمة السنن» (٤٣) ، والحاكم في «المستدرك» (١ / ٩٦) من حديث العرباض بن سارية قال : وعظنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، فقلنا : يا رسول الله ، إن هذه لموعظة مودع ، فما ذا تعهد إلينا؟! قال : «قد تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدى إلا هالك ، ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بما عرفتم من سنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ... الحديث» قال الشيخ الألباني : وهذا إسناد صحيح كلهم ثقات معروفون ، غير عبد الرحمن بن عمرو وقد ذكره ابن حبان في «الثقات» ا ه. وانظر «السلسلة الصحيحة» له برقم (٩٣٧).

(٢) أخرجه مسلم (الإمارة / ١٨٤٤) والإمام أحمد (٢ / ١٦١ ، ١٩١) ، والنسائي (٧ / ١٥٣) ، وابن ماجه (٣٩٥٦) من حديث عبد الله بن عمرو.

(٣) ذكره الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٨ / ٢٦٣ ، ٢٦٤) من طريقين عن أبي ذر وأبي الدرداء قال في الأول : رواه أحمد والطبراني ، ورجال الطبرانى رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى وهو ثقة ، وفي إسناد أحمد من لم يسم ، وقال في الآخر : رواه الطبراني عن أبي الدرداء وقال : رجاله رجال الصحيح. ا ه.

(٤) أخرجه البخاري (٣١٩٢).

٣٢

ثم من المحال أن يكون خير الأمة وأفضلها وأسبقها إلى كل خير قصروا في هذا الباب فجفوا عنه. أو تجاوزوا فغلوا فيه. وإنما ابتلى من خرج عن منهاجهم بهذين الداءين.

وقال شيخنا قدس الله روحه : والحال في هؤلاء المبتدعة الذين فضلوا طريقة الخلف على طريقة السلف حيث ظنوا أن طريق السلف هى مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه ولا فهم لمراد الله ورسوله منها واعتقدوا أنهم بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) (البقرة : ٧٨) وأن طريقة المتأخرين هى استخراج معاني النصوص. وصرفها عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات ، ومستكرهات التأويلات. فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التى مضمونها نبذ الكتاب والسنة ، وأقوال الصحابة والتابعين وراء ظهورهم. فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف والكذب عليهم. وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف.

وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص فلما اعتقدوا التعطيل وانتفاء الصفات في نفس الأمر ، ورأوا أنه لا بد للنصوص من معنى بقوا مترديين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى. وهذا الّذي هو طريقة السلف عندهم. وبين صرف اللفظ عن حقيقته وما وضع له إلى ما لم يوضع له ولا دل عليه بأنواع من المجازات ، وبالتكلفات التي هى بالألغاز والأحاجى أشبه منها بالبيان والهدى ، فصار هذا الباطل مركبا من فساد العقل والجهل بالسمع ، فلا عقل ولا سمع ، فإن النفي والتعطيل إنما اعتمدوا فيهما على شبهات فاسدة ظنوها معقولات ، وحرفوا لهما النصوص السمعية عن مواضعها.

فلما ابتنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكاذبتين كانت النتيجة استجهال السابقين الذين هم أعلم الأمة بالله وصفاته. واعتقاد أنهم كانوا أميين بمنزلة الصالحين البله الذين لم يتبحروا في حقائق العلم بالله وأن الخلف هم العلماء الذين أحرزوا قصبات السبق ، واستولوا على الغاية وظفروا من الغنيمة بما فات السابقين الأولين ، فكيف يتوهم من له أدنى مسكة من عقل وإيمان ، أن هؤلاء

٣٣

المتحيرين الذين كثر في باب العلم بالله اضطرابهم ، وغلظ عن معرفة الله حجابهم ، وأخبر الواقف على نهايات إقدامهم بما انتهى إليه من مرامهم ، وأنه الشك والحيرة حيث يقول (١) :

لعمري لقد طفت المعاهد كلها

وسيّرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعا كفّ حائر

على ذقنه أو قارعا سن نادم

ويقول الآخر (٢) :

نهاية إقدام العقول عقال

وأكثر سعى العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا

وغاية دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول دهرنا

سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

وقال الآخر (٣) : «لقد خضت البحر الخضم وتركت أهل الإسلام وعلومهم

__________________

(١) القائل هو الإمام الشهرستاني : أبو الفتح محمد ابن أبي القاسم عبد الكريم ، الأشعري صاحب كتاب «الملل والنحل» وله كتاب في علم الكلام أسماه : «نهاية الإقدام في علم الكلام» وذكر في أوله هذين البيتين.

(٢) القائل هو فخر الدين الرازي : أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمى البكرى الرازي الأشعرى.

(٣) القائل هو إمام الحرمين أبو المعالي ابن الجوينى ، وورد هذا الكلام بلفظ آخر ، قال : لقد جلت أهل الإسلام جولة وعلومهم ، وركبت البحر الأعظم ، وغصت في الّذي نهوا عنه ، كل ذلك في طلب الحق ، وهربا من التقليد ، والآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق ، عليكم بدين العجائز فإن لم يدركنى الحق بلطف بره فأموت على دين العجائز ، ويختم عاقبة أمرى عند الرحيل بكلمة الإخلاص ، فالويل لابن الجوينى ـ أورده ابن الجوزي في «تلبيس إبليس».

وورد عنه أنه قال عند موته : يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام ، فلو عرفت أنه يبلغ بى ما بلغ ما تشاغلت به.

وروى ابن الجوزي بإسناده عن أحمد بن سنان قال : كان الوليد بن أبان الكرابيسى خالى فلما حضرته الوفاة قال لبنيه : تعلمون أحدا أعلم بالكلام منى؟! قالوا : لا ، قال :

٣٤

__________________

فتتهموننى؟! قالوا : لا ، قال : فإني أوصيكم ، أتقبلون؟! قالوا : نعم ، قال : عليكم بما عليه أصحاب الحديث فإني رأيت الحق معهم.

وقال أبو الوفاء بن عقيل لبعض أصحابه : أنا أقطع أن الصحابة ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض فإن رضيت أن تكون مثلهم فكن ، وإن رأيت أن طريقة المتكلمين أولى من طريق أبي بكر وعمر فبئس ما رأيت.

قال : وقد أفضى الكلام بأهله إلى الشكوك ، وكثير منهم إلى الإلحاد ، تشم روائح الإلحاد من فلتات كلام المتكلمين ، وأصل ذلك أنهم ما قنعوا بما قنعت به الشرائع ، وطلبوا الحقائق وليس في قوة العقل إدراك ما عند الله من الحكمة التي انفرد بها ، ولا أخرج البارى من علمه لخلقه ما علمه هو من حقائق الأمور.

قال : وقد بالغت في الأول طول عمرى ، ثم عدت القهقري إلى مذهب الكتب وإنما قالوا : إن مذهب العجائز أسلم ، لأنهم لما انتهوا إلى غاية التدقيق في النظر لم يشهدوا ما ينفي العقل من التعليلات والتأويلات ، فوقفوا مع مراسم الشرع وجنحوا عن القول بالتعليل وأذعن العقل بأن فوقه حكمة إلهية فسلم. ا ه. نقلا من المصدر السابق.

وقال الغزالي : أسرفت طائفة فكفروا عوام المسلمين وزعموا أن من لم يعرف العقائد الشرعية بالأدلة التى حرروها فهو كافر ، فضيقوا رحمة الله الواسعة ، وجعلوا الجنة مختصة بشرذمة يسيرة من المتكلمين. ا ه.

وقال الحافظ : المذموم من التقليد أخذ قول الغير بغير حجة ، وهذا ليس منه حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإن الله أوجب اتباعه في كل ما يقول ، وليس العمل فيما أمر به أو نهى عنه داخلا تحت التقليد المذموم اتفاقا ، وأما من دونه ممن اتبعه في قول قاله ، واعتقد أنه لو لم يقله هو به فهو المقلد المذموم بخلاف ما لو اعتقد ذلك في خبر الله ورسوله فإنه يكون ممدوحا ، وأما احتجاجهم بأن أحدا لا يدرى قبل الاستدلال أى الأمرين هو الهدى فليس بمسلم ، بل من الناس من تطمئن نفسه وينشرح صدره للإسلام من أول وهلة ، ومنهم من يتوقف على الاستدلال.

فالذي ذكروه هم أهل الشق الثاني ، فيجب عليه النظر ليقى نفسه النار لقوله تعالى : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) ويجب على كل من استرشده أن يرشده ويبرهن له الحق وعلى هذا مضى السلف الصالح من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعده.

وأما من استقرت نفسه إلى تصديق الرسول ولم تنازعه نفسه إلى طلب دليل توفيقا من الله وتيسيرا ، فهم الذين قال الله في حقهم (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي

٣٥

وخضت في الذي نهوني عنه ، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لي. وها أنا ذا أموت على عقيدة أمى».

وقال الآخر «أكثر الناس شكا عند الموت أرباب الكلام».

وقال آخر منهم «اشهدوا على أني أموت وما عرفت شيئا إلا أن الممكن مفتقر إلى واجب» ثم قال «الافتقار أمر عدمي فلم أعرف شيئا» وقال آخر وقد نزلت به نازلة من سلطانه فاستغاث برب الفلاسفة فلم يغث ، قال : فاستغثت برب الجهمية فلم يغثني. ثم استغثت برب القدرية فلم يغثني ، ثم استغثت برب المعتزلة فلم يغثني ، قال : فاستغثت برب العامة فأغاثني (١).

__________________

قُلُوبِكُمْ) الآية ، وقال (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) الآية وليس هؤلاء مقلدين لآبائهم ولا لرؤسائهم ، لأنهم لو كفر آباؤهم أو رؤساؤهم لم يتابعوهم بل يجدون النفرة عن كل من سمعوا عنه ما يخالف الشريعة وأما الآيات والأحاديث فإنما وردت في حق الكفار الذين اتبعوا من نهوا عن اتباعه ، وتركوا اتباع من أمروا اتباعه وإنما كلفهم الله الإتيان ببرهان على دعواهم بخلاف المؤمنين فلم يرد قط أنه أسقط أتباعهم حتى يأتوا بالبرهان ، وكل من خالف الله ورسوله فلا برهان له أصلا وإنما كلف الإتيان بالبرهان تبكيتا وتعجيزا ، وأما من اتبع الرسول فيما جاء به فقد اتبع الحق الّذي أمر به وقامت البراهين على صحته سواء علم هو بتوجيه ذلك البرهان أم لا ا ه وللمزيد انظر (فتح الباري : باب ما جاء في دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمته إلى توحيد الله تعالى ، وكتاب تلبيس إبليس لابن الجوزى فصل : خطورة علم الكلام والفلسفة ، وما بعده من طبعة المكتب الثقافي بالقاهرة بتحقيقنا).

(١) فالطريق السليم لمعرفة الله سبحانه هو معرفته من خلال آياته المتلوّة ، وهو القرآن الكريم كما فهمه الرسول وأصحابه ومن تبعهم في اعتقادهم وتأويلهم له ، والطريق الثاني ، التفكر في آياته المشهودة والمتناثرة في هذا الكون ، ومشاهدة عظمة الله وحكمته في كل ذرة مخلوقة ، وأنها لم تخلق عبثا.

ويقول المصنف في كتابه «الفوائد» : معرفة الله سبحانه نوعان :

الأول : معرفة إقرار ؛ وهى التي اشترك فيها الناس ، البر والفاجر المطيع والعاصي.

والثاني : معرفة توجب الحياء منه ، والمحبة له ، وتعلق القلب به ، والشوق إلى لقائه ، وخشيته والإنابة إليه ، والأنس به ، والفرار من الخلق إليه ، وهذه هي المعرفة الخاصة

٣٦

__________________

الجارية على لسان القوم ، وتفاوتهم فيها لا يحصيه إلا الّذي عرفهم بنفسه ، وكشف لقلوبهم من معرفته ما أخفاه عن سواهم.

وكل أشار إلى هذه المعرفة بحسب مقامه وما كشف له منها وقد قال أعرف الخلق بهن صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا أحصى ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك» ، وأخبر أنه سبحانه يفتح عليه يوم القيامة من محامده بما لا يحسنه الآن.

ولهذه المعرفة بابان واسعان : الباب الأول : التفكر والتأمل في آيات القرآن كلها ، والفهم الخاص عن الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والباب الثاني : التفكر في آياته المشهودة ، وتأمل حكمته فيها ، وقدرته ولطفه وإحسانه ، وعدله وقيامه بالقسط على خلقه.

وجماع ذلك : الفقه في معاني أسمائه الحسنى وجلالها وكمالها ، وتفرده بذلك ، وتعلقها بالخلق والأمر ، فيكون فقيها فى أوامره ونواهيه ، فقيها في قضائه وقدره ، فقيها في أسمائه ، وصفاته ، فقيها في الحكم الديني الشرعى ، والحكم الكوني القدري ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم.

وقال أيضا : من أعز أنواع المعرفة «معرفة الرب» سبحانه بالجمال ، وهي معرفة خواص الخلق ، وكلهم عرفه بصفة من صفاته وأتمهم معرفة من عرفه بكماله وجلاله وجماله سبحانه ليس كمثله شيء في سائر صفاته ، ولو فرضت الخلق كلهم على أجملهم صورة وكلهم على تلك الصورة ، ونسبت جمالهم الظاهر والباطن إلى جمال الرب سبحانه لكان أقل من نسبه سراج ضعيف إلى قرص الشمس ، ويكفي في جماله أنه لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه ، ويكفي في جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة فمن آثار صنعته ، فما الظن بمن صدر منه هذا الجمال.

ويكفي في جماله أنه له العزة جميعا والقوة جميعا ، والجود كله ، والإحسان كله ، والعلم كله ، والفضل كله ، ولنور وجهه أشرقت الظلمات كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في دعاء الطائف : «أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة».

وقال عبد الله بن مسعود : ليس عند ربكم ليل ولا نهار ، نور السموات والأرض من نور وجهه فهو سبحانه نور السموات والأرض ، ويوم القيامة إذا جاء لفصل القضاء تشرق الأرض بنوره.

ومن أسمائه الحسنى «الجميل» وفي «الصحيح» عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله جميل يحب الجمال».

٣٧

__________________

وجماله سبحانه على أربع مراتب : جمال الذات ، وجمال الصفات ، وجمال الأفعال ، وجمال الأسماء فأسماؤه كلها حسنى ، وصفاته كلها صفات كمال ، وأفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة.

وأما جمال الذات وما هو عليه : فأمر لا يدركه سواه ، ولا يعلمه غيره ، وليس عند المخلوقين منه ألا تعريفات تعرف بها إلى من أكرمه من عباده ، فإن ذلك الجمال مصون عن الأغيار ، محجوب بستر الرداء والإزار ، كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما حكى عن ربه عزوجل : «الكبرياء ردائى والعظمة إزارى» ولما كانت الكبرياء أعظم وأوسع كانت أحق باسم الرداء ، فإنه سبحانه الكبير المتعال ، فهو سبحانه العلي العظيم. قال ابن عباس رضى الله عنه : حجب الذات بالصفات ، وحجب الصفات بالأفعال ، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال ، وستر بنعوت العظمة والجلال ، ومن هذا المعنى يفهم بعض معانى جمال ذاته ، فإن العبد يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات ومن معرفة الصفات إلى الذات ، فإذا شاهد شيئا من جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات ، ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات.

ومن هنا يتبين أنه سبحانه له الحمد كله ، وأن أحدا من خلقه لا يحصى ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، وأنه يستحق أن يعبد لذته ، ويحب لذاته ، ويشكر لذاته ، وأنه سبحانه يحب نفسه ويثني على نفسه ، ويحمد نفسه ، وأن محبته لنفسه وحمده لنفسه ، وثناءه على نفسه ، وتوحيده لنفسه هو في الحقيقة الحمد والثناء والحب والتوحيد ، فهو سبحانه كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني به عليه خلقه ، وهو سبحانه كما يحب ذاته يحب صفاته وأفعاله ، فكل أفعاله حسن محبوب وإن كان في مفعولاته (مخلوقاته) ما يبغضه ويكرهه ، فليس في أفعاله ما هو مكروه مسخوط وليس في الوجود ما يحب لذاته ويحمد لذاته إلا هو سبحانه ، وكل ما يحب سواه فإن كانت محبته تابعة لمحبته سبحانه بحيث يحب لأجله فمحبته صحيحة وإلا فهي محبة باطلة وهذا هو حقيقة الإلهية ، فإن الإله الحق هو الذي يحب لذاته ويحمد لذاته ، فكيف إذا انضاف إلى ذلك إحسانه وإنعامه وحلمه وتجاوزه وعفوه وبره ورحمته؟!.

فعلى العبد أن يعلم أنه لا إله إلا الله فيحبه ويحمده لذاته وكماله ، وأن يعلم أنه لا محسن على الحقيقة بأصناف النعم الظاهرة والباطنة إلا هو فيحبه لإحسانه وإنعامه ويحمده على ذلك فيحبه من الوجهين جميعا ، وكما أنه ليس كمثله شيء فليس كمحبته محبة ، والمحبة مع الخضوع هى العبودية التي خلق الخلق لأجلها ، فإنها غاية الحب بغاية الذل ،

٣٨

(كسر الطاغوت الأول وهو : «التأويل»)

فصل

(في بيان حقيقة «التأويل» لغة واصطلاحا)

(١ ـ معنى التأويل لغة)

وهو تفعيل من آل يؤول إلى كذا إذا صار إليه ، فالتأويل : التصيير ، وأولته تأويلا إذ صيرته إليه ، قال وتأول وهو مطاع أولته ، وقال الجوهرى : التأويل : تفسير ما يؤول إليه الشيء ، وقد أولته تأويلا وتأولته بمعنى. قال الأعشى :

على أنها كانت تأول حبها

تأول ربعى السقاب فأصحبا

قال أبو عبيدة : تأول حبها ، أى تفسيره ومرجعه ، أى أن حبها كان صغيرا في قلبه فلم يزل يشب حتى أصحب فصار قديما كهذا السقب الصغير لم يزل يشب حتى صار كبيرا مثل أمه ، وصار له ابن يصحبه. و «السقب» ولد الناقة ، أو ساعة يولد ، أو خاص بالذكر.

__________________

ولا يصلح ذلك إلا له سبحانه ، والإشراك به في هذا هو الشرك الذي لا يغفره الله ولا يقبل لصاحبه عملا.

وحمده سبحانه يتضمن أصلين : الإخبار بمحامده وصفات كماله والمحبة له عليها فمن أخبر بمحسن غيره من غير محبة له لم يكن حامدا.

ومن أحبه من غير إخبار بمحاسنه لم يكن حامدا ، حتى يجمع الأمرين.

وهو سبحانه يحمد نفسه بنفسه ، ويحمد نفسه بما يجر به على ألسنة الحامدين له من ملائكته وأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين. فهو الحامد لنفسه بهذا وهذا ، فإن حمدهم له بمشيئته وإذنه وتكوينه فإنه هو الذي جعل الحامد حامدا ، والمسلم مسلما والمصلى مصليا ، والتائب تائبا ، فمنه ابتدأت النعم وإليه انتهت ، فابتدأت بحمده وانتهت إلى حمده وهو الّذي ألهم عبده التوبة وفرح بها أعظم فرح ؛ وهى من فضله وجوده وألهم عبده الطاعة وأعانه عليها ثم أثابه عليها ، وهي من فضله وجوده ، وهو سبحانه غني عن كل ما سواه بكل وجه وما سواه فقير إليه بكل وجه والعبد مفتقر إليه لذاته في الأسباب والغايات ، فإن ما لا يكون به لا يكون ، وما لا يكون له لا ينفع.

٣٩

(٢ ـ معنى التأويل في كلام الله ورسوله)

ثم تسمى العاقبة تأويلا لأن الأمر يصير إليها. قال الله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء : ٥٩).

وتسمى حقيقة الشيء المخبر به تأويلا لأن الأمر ينتهي إليه ، ومنه قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) (الأعراف : ٥٣) فمجىء تأويله مجىء نفس ما أخبرت به الرسل من اليوم الآخر والمعاد وتفاصيله والجنة والنار.

ويسمى تعبير الرؤيا تأويلها بالاعتبارين ، فإنه تفسير لها وهو عاقبتها وما تؤول إليه ، وقال يوسف لأبيه : (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ) (يوسف : ١٠٠) أى حقيقتها ومصيرها إلى هاهنا. انتهى.

وتسمى العلة الغائية والحكمة المطلوبة بالفعل تأويلا لأنها بيان لمقصود الفاعل وغرضه من الفعل الذي لم يعرف الرائي له غرضه به. ومنه قول الخضر لموسى بعد أن ذكر له الحكمة المقصودة بما فعله من تخريق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار بلا عوض (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (الكهف : ٧٨) فلما أخبره بالعلة الغائية التي انتهى إليها فعله قال : (ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (الكهف : ٨٢).

فالتأويل في كتاب الله تعالى المراد منه حقيقة المعنى الّذي يؤول اللفظ إليه وهى الحقيقة الموجودة في الخارج. فإن الكلام نوعان : خبر وطلب. فتأويل الخبر هو الحقيقة.

وتأويل الوعد والوعيد هو نفس الموعود والمتوعد به وتأويل ما أخبر الله به من صفاته العلى وأفعاله نفس ما هو عليه سبحانه ، وما هو موصوف به من الصفات العلى. وتأويل الأمر هو نفس الأفعال المأمور بها. قالت عائشة رضى الله

٤٠