مختصر الصواعق المرسلة على الجهميّة والمعطّلة

ابن القيّم الجوزيّة

مختصر الصواعق المرسلة على الجهميّة والمعطّلة

المؤلف:

ابن القيّم الجوزيّة


المحقق: رضوان جامع رضوان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٨٧

الوجه السابع عشر : وهو أن الإضافة في يد الشمال ويد الحائط ويد الليل بينت أن المضاف من جنس المضاف إليه ، والإضافة في البعير والفرس وغيرهما من الحيوان كذلك ، والإضافة في يد الملك والجن تبين أيضا أن يديهما من جنسيهما ، وكذلك الإضافة في يد الإنسان ، وكل ذلك حقيقة ، كذلك إضافة اليدين إلى الرحمة في قوله (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) (الفرقان : ٤٨) وإلى النجوى في قوله (بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) فإن بين يدي الشيء أمامه وقدامه ، وهذا مما يتنوع فيه المضاف إليه ، وإن اختلفت ماهية الحقيقة وصفتها ، وتنوعت بتنوع المضاف إليه.

فإن قيل يد الله ووجهه ، وسمعه وبصره ، وحياته وعلمه ، وقدرته ومشيئته وإتيانه واستواؤه ، كان ذلك حقيقة ، والمضاف فيه بحسب المضاف إليه ، فإذا لم يكن المضاف إليه مماثلا لغيره ، لزم أن يكون المضاف كذلك ضرورة ، فدعوى لزوم التشبيه والتمثيل في إثبات المضاف حقيقة زعم كاذب ، فإن لزم من إثبات اليد حقيقة لله : التمثيل والتشبيه لزم ذلك في إثبات سائر الصفات له حقيقة ، ويلزم ذلك في إثبات صفاته ، فإن الصفة القديمة متى أشبهت صفات المخلوقين لزم وقوع التشبيه بين الذاتين.

الوجه الثامن عشر : أن يقال ما الذي يضركم من إثبات اليد حقيقة ، وليس معكم ما ينفي ذلك من أنواع الأدلة لا نقليها ، ولا عقليها ، ولا ضروريها ، ولا نظريها فإن فررتم من الحقيقة خشية التشبيه ، والتمثيل ، ففروا من إثبات السمع ، والبصر والحياة ، والعلم ، والإرادة ، والكلام خشية هذا المحذور.

ثم يقال لكم : توهمكم لزوم التشبيه والتمثيل من إثبات هذه الصفة وغيرها وهم باطل وليس في المخلوقات يد يمسك السموات والأرض وتطويها ، ويد تقبض الأرضين السبع ولا إصبع توضع عليها الأرض ، وإصبع توضع عليها الجبال فلو كان في المخلوقات يد وإصبع يد هذا شأنها لكان لكم عذر ما في توهم التشبيه والتمثيل من إثبات اليد الأصبع لله حقيقة ، وإنما هذا تلبيس منكم علي ضعفاء العقول.

٥٢١

وإن فررتم خشية التجسيم والتركيب ففروا من سائر الصفات من أولها إلى آخرها لأجل هذا المحذور ، فإن ادعيتم أن التجسيم والتركيب يلزم مما فررتم منه دون ما لم تفروا منه ، ظهر بطلان دعواكم للعقلاء قاطبة فإن الصفات أعراض لا تقوم بنفسها ، وقيامها بمحلها مستلزم لما تدعون أنه تجسيم وتركيب.

ثم يقال لكم : ما تريدون بالتجسيم والتركيب اللازم؟ أتريدون به ما تقوم به الصفات ، فكأنكم قلتم لا تقوم به ، لأنها لو قامت به لزم قيامها به ، هذا حقيقة قولكم العقلاء فسويتم بين اللازم والملزوم ونفيتم الشيء بنفسه ، أم تريدون به التركيب من الجواهر الفردة أو من المادة والصورة ، فالملازمة ممنوعة ، وأكثر العقلاء على أن الأجسام المحدوثة غير مركبة ، لا من هذا ولا من هذا ، فكيف يلزم من ثبوت الصفات للرب تعالى ، وإن أردتم مماثلته لسائر الأجسام فهذا بناء منكم على أصلكم الفاسد عن كافة العقلاء أن الأجسام متماثلة ، فادعيتم دعويين كاذبتين : لزوم التجسيم من إثبات صفاته ، ولزوم تماثل الأجسام.

(والمقصود) أن ما فررتم منه إن كان محذورا فهو غير لازم لإثبات الوجه واليد والسمع والبصر والعلو وسائر الصفات ، وإن لم يكن محذورا فلا وجه للفرار ، بل هو لازم إثبات الصفات الذي هو حق ، ولازم الحق حق ، فأنتم بين دعويين كاذبتين (إحداهما) دعوى ملازمة كاذبة أو دعوى انتفاء لازم الحق في ثبوته ، فإما أن تحيطوا به في المقدمة اللزومية أو في الاستثنائية أو فيهما ، وهذا مطرد في كل ما ادعيتم نفيه.

الوجه التاسع عشر : إن هذه الألفاظ كلفظ اليدين والوجه إما إن يكون لها معنى أو تكون ألفاظا مهملة لا معنى لها (والثاني) ظاهر الاستحالة ، وإذا لم يكن يد من إثبات معنى لها فلا ريب أن ذلك المعنى قدر زائد على الذات وله مفهوم غير مفهوم الصفة الأخرى ، فأي محذور لزم في إثبات حقيقة اليد لزم مثله في مجازها ، ولا خلاص لكم من ذلك إلا بإنكار أن يكون لها معنى أصلا وتكون ألفاظا مجردة ، فإن المعنى المجازي إما القدرة وإما الإحسان ، وهما صفتان قائمتان بالموصوف ، فإن كانتا حقيقتين غير مستلزمتين لمحذور ، فهلا حملتم اليد

٥٢٢

على حقيقتها وجعلتم الباب بابا واحدا ، وإن كانت مجازا وهو حقيقة قولكم فلا يد ولا قدرة ولا إحسان في الحقيقة ، وإنما ذلك مجاز محض والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن ذلك إلزام المجاز في الصفات التي وافقوا على أنها حقيقة ، وهذا إلزام نفي ما ادعوا أنه مجاز اليد ، فيلزمهم نفي ذلك كله إن استلزم تشبيها أو تجسيما ، أو إثبات الجميع إن لم يستلزم ذلك ، وأما كون بعض الصفات يستلزم التشبيه والتجسيم ، وبعضها لا يستلزمه ، فهذا غير معقول لا معلوم بصورة ولا نظر ، ولا نص ولا قياس.

الوجه العشرون : إن إبطال حقيقة اليد ونفيها وجعلها مجازا هو في الأصل قول الجهمية المعطلة ، وتبعهم عليه المعتزلة وبعض المستأخرين ممن ينسب إلى الأشعري ، والأشعري وقدماء أصحابه يردون على هؤلاء ويبدعونهم ويثبتون اليد حقيقة. قال عبد العزيز بن يحيى المالكي الكناني جليس الشافعي والخصيص به ـ مات قبل الإمام أحمد ـ في كتابه «الرد على الجهمية والزنادقة» قال :

يقال للجهمي : أتقول إن لله وجها وله نفسا وله يدا؟ فيقول نعم لكن معنى وجه الله هو الله ، ومعنى نفسه عينه ، ومعنى يده نعمته. قال : والجواب أن يقال له ـ فذكر كلاما يتعلق بالوجه والنفس ـ ثم قال :

أما قوله في اليد إنها يد نعمة ، كما تقول العرب : لك عندي يد ، فقد قال الله تعالى : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) (آل عمران : ٢٦) وقال : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) (يس : ٨٣) وقال (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) (الملك : ١) وقال : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (الفتح : ١٠) وقال : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) (المائدة : ٦٤) قال : فزعم الجهمي أن يد الله نعمته ، فبدل قولا غير الذي قيل له ، فأراد الجهمى أن يبدل كلام الله ، إذ أخبر أن له يدا بها ملكوت كل شيء ، فبدل مكان اليد نعمة. وقال : العرب تسمي اليد نعمة ، قلنا له : العرب تسمي النعمة يدا ، وتسمى يد الإنسان يدا ، فإذا أرادت يد الذات جعلت على قولها علما ودليلا يعقل به السامع أنها أرادت الذات ، وإذا أرادت يد النعمة

٥٢٣

جعلت على قولها دليلا يعقل السامع كلامها أنها تريد باليد النعمة ، ولا تجعل كلامها مشتبها على سامعه. ومن ذلك قول الشاعر :

ناولت زيدا بيدي عطية

فدل بهذا القول على يد الذات بالمناولة ، وبالياء حين قال : بيدي ، فجعل الياء استقصاء للعدد حين لم يكن له غير يدين ، وقال الآخر حين أراد يد النعمة.

اشكر يدين لنا عليك وأنعما

شكرا يكون مكافئا للمنعم

فدل على يد النعمة بقوله : (لنا عليك) ثم قال : (وأنعما) ثم قال : (يدين) فجعل النون مكان الياء ، لم يستقص بهما العدد ، فهذا قول العرب ومذهبها في لغاتها. والله تعالى لم يسم في كتابه يدا بنعمة ؛ ولم يسم نعمة يدا. سمى الله سبحانه اليد يدا والنعمة نعمة في جميع القرآن.

فأما ما ذكره سبحانه من يديه ويده فقد ذكرت ذلك في صدر هذا الكلام.

وأما النعمة التي هي غير اليد فمن ذلك قوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) (البقرة : ٢٣١) وقوله : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) (النحل : ٥٣) وقوله : (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) (المائدة : ٣) وقوله : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) (الأحزاب : ٣٧) فسمى الله تعالى النعم باسم النعمة ولم يسمها بغير أسمائها. ومثل هذا في القرآن كثير ، وذكر تعالى أيدي المخلوقين فسماها بالأيدي ، فقال تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) (الإسراء : ٢٩) ، وقال تعالى : و (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (المائدة : ٣٨) وقال : (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) (الأنعام : ٩٣) فهذه أيد لا نعمة ، وذكر نعمته على زيد ونعمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليه فسماها نعمة لم يسمها يدا ، ثم أخبر سبحانه عن يديه إنها يدان لا ثلاثة ، وجعل الياء استقصاء للعدد حين قال : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (ص : ٧٥) فدل على أنهما يدا الذات ، لا يتعارف العرب في لغاتها ولا أشعارها إلا أن هاتين اليدين يدا الذات

٥٢٤

لاستقصاء العدد بالياء. وأما نعم الله فهي أكثر وأعظم من أن تحصر أو تعد ، قال الله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (إبراهيم : ٣٤) قال :

اعلم رحمك الله أن قائل هذه المقالة جاهل بلغة القرآن وبلغة العرب ومعانيها وكلامها وذلك أن الله إذا افتتح الخبر عن نفسه بلفظ الجمع ختم الكلام بلفظ الجمع ، وإذا افتتح الكلام بلفظ الواحد ختم الكلام بلفظ الواحد ، وإنما يعني الخبر عن نفسه وإن كان اللفظ جمعا ، فأما ما كان من لفظ الواحد فهو قوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) فامتنح الخبر عن نفسه بلفظ الواحد ، ويمثله ختم الكلام فقال (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) وقال : (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) (الإسراء : ٢٤) وقال : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) (الإسراء : ٥٤) أما ما افتتحه بلفظ الجمع فهو قوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) (الإسراء : ٤) فافتتحه بلفظ الجمع ثم ختمه بمثل ما افتتحه به فقال : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا) (الإسراء : ٥) وإنما عنى بذلك نفسه لأنها كلمة ملوكية تقولها العرب.

(وروي) أن ابن عباس لقي أعرابيا ومعه ناقة فسأله لمن هذه؟ فقال الأعرابي : لنا ، فقال له ابن عباس كم أنتم؟ فقال أنا واحد ، فقال ابن عباس هكذا قول الله تعالى نحن وخلقنا ، وقضينا ، إنما يعني نفسه والمبهم يرد إلى المحكم ، فكل كلمة في القرآن من لفظ جمع قبلها محكم من التوحيد ترد إليه ، فمن ذلك قوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) يرد إلى قوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) وقوله : (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) يرد إلى قوله : (إِنَّما أَمْرُهُ) وقوله : (لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) وكذلك قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) يرد إلى قوله : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) فلما افتتح الكلام بلفظ الجمع فقال (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ) قال (أَيْدِينا) ولما افتتح بقوله : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ختم الكلام على ما افتتحه به ، فهذا بيان لقوم يفقهون.

٥٢٥

وقد كان أكثر قسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قسم أن يقول : لا والذي نفس محمد بيده ، وهذا لا يليق بيد النعمة ، وهذا قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصدق كتاب الله. انتهى كلامه.

(قول الأشعرى بإثبات اليد حقيقة لله)

ولو ذكرنا كلام السلف في ذلك لطال جدا ، والأشعري في كتبه يصرح بإثبات الصفات الخبرية في كتبه كلها ، ومعلوم أن أحدا لا ينكر لفظها ، وإنما أنكروا حقائقها ، ومعانيها الظاهرة ، وكلام الأشعري موجود في «الإبانة» و «الموجز» و «المقالات» ، وموجود في تصانيف أئمة أصحابه ، وأجلهم على الإطلاق القاضي أبو بكر بن أبي الطيب وقد ذكر ذلك في كتاب «الإبانة» «والتمهيد» وغيرهما ، وذكره ابن فورك فيما جمعه من كلام ابن كلاب وكلام الأشعري ، وذكره البيهقي في «الأسماء والصفات» و «الاعتقاد» ، وذكره القشيرى في كتاب «الشكاية» له ، وذكره ابن عساكر في كتابه «تبيين كذب المفتري» حتى ابن الخطيب والسيف الآمدي حكوا ذلك عن الأشعري وأنه أثبت اليدين صفة لله ، ولكن غلطوا حيث ظنوا أن له قولين في ذلك ؛ وهذه كتبه كلها ليس فيها إلا الإثبات فهو الذي يحكيه عن أهل السنة وينصره ، ويحكي خلافه عن الجهمية والمعتزلة.

نعم كان قبل ذلك بقول بقول المعتزلة ثم رجع عنه وصرح بخلافهم واستمر على ذلك حتى مات.

قال الأشعري في كتابه الذي ذكر ابن عساكر أنه آخر كتبه وعليه اعتمد في ذكر مناقبه واعتقاده قال : فإن سألنا سائل فقال ما تقولون إن لله يدين؟ قيل نعم نقول ذلك لقوله تعالى (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خلق الله آدم بيده وغرس جنة طوبى بيده» (١) وقال تعالى : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) وفي الحديث «كلتا يديه يمين» (٢) وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن

__________________

(١) تقدم تخريجه قريبا.

(٢) تقدم تخريجه قريبا.

٥٢٦

يقولوا لقائل عملت كذا وكذا بيدي : هو بمعنى النعمة إذا كان الله خاطب العرب بلغاتها وما تجده مفهوما في كلامها ومعقولا في خطابها ، وإذ لا يجوز في خطابها أن يقول القائل فعلت بيدي ويعني النعمة ، بطل أن يكون معنى بيدي النعمة ـ وساق الكلام في إنكار هذا التأويل وأطاله جدا وقرر أن لفظ اليدين على حقيقته وظاهره ، وبين أن اللغة التي أنزل بها القرآن لا تحتمل ما تأولت الجهمية.

وقال لسان أصحابه وأجلهم ابن الطيب في كتاب «التمهيد» وهو أشهر كتبه : فإن قال القائل فما الحجة في أن لله وجها ويدين (قيل له) قوله تعالى : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) وقوله : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ، فأثبت لنفسه وجها ويدين ، فإن قالوا : بم أنكرتم أن يكون المعنى خلقت بيدي إنه خلقه بقدرته أو بنعمته ، لأن اليدين في اللغة تكون بمعنى النعمة وبمعنى القدرة ، كما يقال لفلان عندى يد بيضاء ، وهذا شيء في يد فلان وتحت يده ، ويقال رجل أيد إذا كان قادرا ، كما قال تعالى : (خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) يريد عملنا بقدرتنا وقال الشاعر :

إذا ما راية رفعت لمجد

تلقاها عرابة باليمين

وكذلك قوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) يعني بقدرته ونعمته ، قال : فيقال له هل هذا باطل إذ قوله (بيدي) يقتضي إثبات يدين هما صفة له ، فلو كان المراد بهما القدرة لوجب أن يكون له قدرتان ، وأنتم تزعمون أن لله تعالى قدرة واحدة ، فكيف يجوز أن يجوز أن تثبتوا قدرتين ، وقد أجمع المسلمون المثبتون للصفات والنافون لها على أنه لا يجوز أن يكون لله تعالى قدرتان ، فبطل ما قلتم.

وكذلك لا يجوز أن يكون خلق الله آدم بنعمتين ، لأن نعم الله تعالى على آدم وغيره لا تحصى ، لأن القائل لا يجوز أن يقول رفعت الشيء أو وضعته بيدي أو توليته بيدي وهو يريد نعمته ، وكذلك لا يجوز أن يقال لي عند فلان يدان يعني نعمتين ، وإنما يقال لي عنده يدان بيضاوان ، ولأن فعلته بيدي لا يستعمل إلا في اليد التي هي صفة الذات.

ويدل على فساد تأويلهم أيضا أنه لو كان الأمر على ما قالوه لم يغفل عن ذلك

٥٢٧

إبليس وأن يقول وأي فضل لآدم عليّ يقتضي له وأنا أيضا بيدك خلقتني ، وفي العلم بأن الله تعالى فضل آدم عليه بخلقه بيديه دليل على فساد ما قالوه ، فإن قال القائل : فما أنكرتم أن تكون يده ووجهه جارحة إذ كنتم لا تعقلون يدا ووجها هما صفة غير الجارحة ـ قلنا لا يجب ذلك كما لا يجب إذا لم نعقل حيا عالما قادرا إلا جسما أن نقضي نحن وأنتم ذلك على الله ، وكما لا يجب إذا كان قائما بذاته أن يكون جوهرا لأنا وإياكم لم نجد قائما بنفسه في شاهدنا إلا كذلك (الجواب لهم) أن قالوا : فيجب أن يكون علمه وكلامه وحياته وسائر صفات ذاته أعراضا وأجساما وأجناسا أو حوادث أو أغيارا له تعالى ومحتاجة إلى قلب ، ولو تتبعنا التقول عن أهل السنة لزادت على المائتين.

* * *

خاتمة لهذا الفصل

(ذكر بعض الآيات والأحاديث التى وردت في لفظ اليد)

ورد لفظ اليد في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع ورودا متنوعا متصرفا فيه مقرونا بما يدل على أنها يد حقيقة من الإمساك والطى والقبض والبسط والمصافحة والحثيات والنضج باليد ، والخلق باليدين والمباشرة بهما وكتب «التوراة» بيده وغرس جنة عدن بيده ، وتخمير طينة آدم بيده ، ووقوف العبد بين يديه وكون المقسطين عن يمينه وقيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم القيامة عن يمينه ، وتخيير آدم بين ما في يديه ، فقال اخترت يمين ربي ، وأخذ الصدقة بيمينه يربيها لصاحبها ، وكتابه بيده على نفسه أن رحمته تغلب غضبه ، وأنه مسح ظهر آدم بيده ثم قال له ويداه مفتوحتان : اختر فقال اخترت يمين ربي وكلتا يديه يمين مباركة ، وأن يمينه ملآء لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار ، وبيده الأخرى القسط يرفع ويخفض ، وأنه خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، وأنه يطوي السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يطوي الأرض باليد الأخرى ، وأنه خط الألواح التي كتبها لموسى بيده.

وذكر عثمان بن سعيد الدارمي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الملائكة قالت : يا رب قد أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون

٥٢٨

ويلبسون ، فاجعل لنا الآخرة كما جعلت لهم الدنيا؟ فقال : لا أفعل ، فأعادوا ذلك. فقال لا أفعل فأعادوا ذلك عليه فقال «وعزتي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان» ورواه عبد الله بن أحمد في كتاب «السنة» عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرسلا (١).

وقوله : «الأيدي ثلاثة ، فيد الله العليا ويد المعطي التي تليها ، ويد السائل السفلى» (٢) فهل يصح في عقل أو لغة أو عرف أن يقال : قدرة الله أو نعمته العليا ويد المعطي التي تليها فهل يحتمل هذا التركيب غير يد الذات بوجه ما وهل يصح أن يراد به غير ذلك وكذلك قوله : «اليد العليا خير من اليد السفلى ، واليد العليا هي المنفقة» (٣) واليد السفلى هي السائلة فضم هذا إلى قوله : الأيدي ثلاثة ، فيد الله العليا ، ويد المعطى هي التي تليها ، وإلى قوله (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) (المائدة : ٦٤) تقطع بالضرورة أن المراد يد الذات لا يد القدرة والنعمة ، فإن التركيب والقصد والسياق لا يحتمله البتة.

وتأمل قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (الفتح : ٦٤) فلما كانوا يبايعون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأيديهم ، ويضرب بيده على أيديهم ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو السفير بينه وبينهم ، كانت مبايعتهم له مبايعة لله تعالى ، ولما كان سبحانه فوق سماواته على عرشه فوق الخلائق كلهم ، كانت يده فوق أيديهم ، كما أنه سبحانه فوقهم ، فهل يصح هذا لمن ليس له يد حقيقية ، فكيف يستقيم أن يكون المعنى قدرة الله ونعمته فوق قدرهم ونعمهم ، أم تقتضي المقابلة أن يكون المعنى هو الذي يسبق إلى الأفهام من هذا الكلام.

__________________

(١) [موضوع] ذكره الحافظ الهيثمي في «المجمع» (١ / ٨٢) وعزاه للطبراني في «الكبير» و «الأوسط» وقال : وفيه إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي. وهو كذاب متروك ، وفي مسند «الأوسط» : طلحة بن زيد وهو كذاب أيضا ا ه.

(٢) [صحيح] رواه الإمام أحمد (٣ / ٤٧٣) ، وأبو داود (١٦٤٩) ، الحاكم (١ / ٤٠٨) ، وابن خزيمة (٤٤٠) ، وابن حبان (٣٣٥١ ـ إحسان) وصححه الألباني.

(٣) رواه البخاري (١٤٢٩).

٥٢٩

وكذلك قوله «ما تصدق أحد صدقة من طيب ـ ولا يقبل الله إلا الطيب ـ إلا أخذها الرحمن بيمينه ، وإن كانت تمرة ، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل» (١) فهل يحتمل هذا الكلام غير الحقيقة.

وهب أن اليد تستعمل في النعمة ، أفسمعتم أن اليمين والكف يستعملان في النعمة في غير الوضع الجديد الذي اخترعتموه وحملتم عليه كلام الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وكذلك «وبيده الأخرى القسط» (٢) هل يصح أن يكون المعنى وبقدرته الأخرى وهل يصح في قوله : «إن المقسطين عن يمين الرحمن» (٣) إنه عن قدرته في لغة من اللغات وهل سمعتم باستعمال اليمين في النعمة والكف في النعمة ، وكيف يحتمل قوله «إن الله أخذ ذرية آدم من ظهره ، ثم أفاض بهم في كفه» (٤) كف النعمة والقدرة ، وهذا لم تعهدوا وأنتم ولا أسلافكم به استعمالا البتة سوى الوضع الجديد الذي اخترعتموه.

وكذلك قوله : «خمر الله طينة آدم ثم ضرب بيده فيها فخرج كل طيب بيمينه وكل خبيث بيده الأخرى ثم خلط بينهما» ، فهل يصح في هذا السياق غير الحقيقة؟ فضع لفظ النعمة والقدرة هاهنا ، ثم انظر هل يستقيم ذلك ، وهل يصح في قوله : «والخير كله في يديك» أن يكون في نعمتيك أو في قدرتيك.

وقال عبد الله بن الحارث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده» (٥) أفيصح أن يخص الثلاث بقدرته ، ولا سيما لفظ الحديث «إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثة أشياء» أفيصح أن توضع النعمة والقدرة موضع اليد هاهنا.

* * *

__________________

(١) تقدم تخريجه قريبا.

(٢) تقدمت تخريجات هذه الأحاديث.

(٣) تقدمت تخريجات هذه الأحاديث.

(٤) تقدمت تخريجات هذه الأحاديث.

(٥) تقدمت تخريجات هذه الأحاديث.

٥٣٠

(٥) المثال الخامس في : إثبات الوجه لله سبحانه

(المثال الخامس) : وجه الرب جل جلاله حيث ورد في الكتاب والسنة فليس بمجاز بل على حقيقته ، واختلف المعطلون في جهة التجوز في هذا ، فقالت طائفة : لفظ الوجه زائدا ، والتقدير : ويبقى ربك ، إلا ابتغاء ربه الأعلى ، ويريدون ربهم.

وقالت فرقة أخرى منهم : الوجه بمعنى الذات ، وهذا قول أولئك وإن اختلفوا في التعبير عنه. وقالت فرقة : ثوابه وجزاؤه ، فجعله هؤلاء مخلوقا منفصلا ، قالوا لأن الذي يراد هو الثواب. وهذه أقوال نعوذ بوجه الله العظيم من أن يجعلنا من أهلها. قال عثمان بن سعيد الدارمي ، وقد حكى قول بشر المريسي أنه قال في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إذا قام العبد يصلي أقبل الله عليه بوجهه» (١) يحتمل أن يقبل الله عليه بنعمته وإحسانه وأفعاله وما أوجب للمصلي من الثواب ، فقوله : و «ويبقي وجه ربك» أي ما توجه به إلى ربك من الأعمال الصالحة. وقوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (البقرة : ١١٥) أي قبلة الله.

قال الدارمي : لما فرغ المريسي من إنكار اليدين ونفيهما عن الله أقبل على وجه الله ذي الجلال والإكرام لينفيه عنه كما نفى عنه اليدين ، فلم يدع غاية في إنكار وجه الله ذي الجلال والإكرام والجحود به حتى ادعى أن وجه الله ـ الذي

__________________

(١) [صحيح الإسناد] رواه ابن نصر في «الصلاة» (٢٤ / ١) من حديث حذيفة يرفعه بلفظ : «إذا قام أحدكم ، أو قال الرجل في صلاته ، يقبل الله عليه بوجهه ، فلا يبزقن أحدكم في قبلته ولا ليبزقن عن يمينه فإن كاتب الحسنات عن يمينه ولكن ليبزقن عن يساره».

قال الألباني : إسناده صحيح ، رجاله ثقات رجال الشيخين «السلسلة الصحيحة» (١٠٦٢).

٥٣١

وصفه بأنه ذو الجلال والإكرام ـ مخلوق ، لأنه ادعى أنه أعمال مخلوقة يتوجه بها إليه ، وثواب وإنعام مخلوق يثبت به العامل ، وزعم أنه قبلة الله ، وقبلة الله لا شك مخلوقة.

ـ ثم ساق الكلام في الرد عليه ـ والقول بأن لفظ الوجه مجاز باطل من وجوه :

أحدها : إن المجاز لا يمتنع نفيه ، فعلى هذا ألا يمتنع أن يقال ليس لله وجه ولا حقيقة لوجهه ، وهذا تكذيب صريح لما أخبر به عن نفسه وأخبر به عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الثاني : إنه خروج عن الأصل (والظاهر) بلا موجب.

الثالث : إن ذلك يستلزم كون حياته وسمعه وبصره وقدرته وكلامه وإرادته وسائر صفاته مجاز لا حقيقة كما تقدم تقريره.

الرابع : إن دعوى المعطل أن الوجه صلة كذب على الله وعلى رسوله وعلى اللغة فإن هذه الكلمة ليست مما عهد زيادتها.

الخامس : إنه لو ساغ ذلك لساغ لمعطل آخر أن يدعي الزيادة في قوله : أعوذ بعزة الله وقدرته. ويكون التقدير أعوذ بالله ، ويدعي معطل آخر الزيادة في سمعه وبصره وغير ذلك.

السادس : إن هذا يتضمن إلغاء وجهه لفظا ومعنى ، وإن لفظه زائد ومعناه منتف.

السابع : ما ذكره الخطابي والبيهقي وغيرهما ، قالوا لما أضاف الوجه إلى الذات وأضاف النعت إلى الوجه فقال : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (الرحمن : ٢٧) دل على أن ذكر الوجه ليس بصلة وأن قوله : (ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) صفة للوجه وأن الوجه صفة للذات.

قلت : فتأمل رفع قوله (ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) عند ذكره الوجه وجره في قوله (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (الرحمن : ٧٨) فذو الوجه

٥٣٢

المضاف بالجلال والإكرام لما كان القصد الإخبار عنه ، وذي المضاف إليه بالجلال والإكرام في آخر السورة لما كان المقصود عين المسمي دون الاسم فتأمله.

الثامن : إنه لا يعرف في لغة من لغات الأمم وجه الشيء بمعني ذاته ونفسه ، وغاية ما شبه به المعطل وجه الرب أن قال : وهو كقوله وجه الحائط ووجه الثوب ووجه النهار ووجه الأمر (فيقال) فهذا (المعطل) المشبه : ليس الوجه في ذلك بمعنى الذات بل هذا مبطل لقولك ، فإن وجه الحائط أحد جانبيه فهو مقابل لدبره ، ومثل هذا وجه الكعبة ودبرها ، فهو وجه حقيقة ، ولكنه بحسب المضاف إليه ، فلما كان المضاف إليه بناء كان وجهه من جنسه ، وكذلك وجه الثوب أحد جانبيه وهو من جنسه ، وكذلك وجه النهار أوله ولا يقال لجميع النهار. وقال ابن عباس وجه النهار أوله ، ومنه قولهم : صدر النهار. قال ابن الأعرابي : أتيته بوجه نهار وصدر نهار وأنشد للربيع بن زياد :

من كان مسرورا بمقتل مالك

فليأت نسوتنا بوجه نهار

والوجه في اللغة مستقبل كل شيء لأنه أول ما يواجه منه ، ووجه الرأى والأمر ما يظهر أنه صوابه ، وهو في كل محل بحسب ما يضاف إليه ، فإن أضيف إلى زمن كان الوجه زمنا ، وإن أضيف إلى الحيوان كان بحسبه ، وإن أضيف إلى ثوب أو حائط كان بحسبه ، وإن أضيف إلى من (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) كان وجهه تعالي كذلك.

التاسع : إن حمله على الثواب من أبطل الباطل ، فإن اللغة لا تحتمل ذلك ولا يعرف أن الجزاء يسمى وجها للمجازي.

العاشر : إن الثواب مخلوق : فقد صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه استعاذ بوجه الله فقال «أعوذ بوجهك الكريم أن تضلني ؛ لا إله إلا أنت الحي الذي لا يموت ، والجن والإنس يموتون» رواه أبو داود وغيره (١).

__________________

(١) ورواه مسلم (٢٧١٧) من حديث ابن عباس يرفعه بلفظ «أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني ... الحديث ...

٥٣٣

ومن دعائه يوم الطائف : «أعوذ بوجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة» (١) ولا يظن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يستعيذ بمخلوق. وفي «صحيح البخاري» أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنزل عليه (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) قال أعوذ بوجهك (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) (٢).

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه. أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إذا أخذت مضجعك فقل : «أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته ، اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم ، اللهم لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، سبحانك وبحمدك» (٣) وإسناده كلهم ثقات.

وفي «الموطأ» أنه لما كان ليلة الجن أقبل عفريت من الجن وفي يديه شعلة من نار فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ القرآن فلا يزداد إلا قربا ، فقال له جبريل عليه‌السلام ألا أعلمك كلمات تقولهن ينكب منها لفيه وتطفأ شعلته ، قل : «أعوذ بوجه الله الكريم وكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء ، ومن شر ما يعرج فيها ، ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها ، ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل ، ومن شر كل طارق (إلا طارقا)

__________________

(١) [ضعيف الإسناد] رواه ابن جرير (١ / ٨٠) من طريق ابن اسحاق ورواه الطبراني في «الكبير» مختصرا.

وذكره الحافظ الهيثمي في «المجمع» (٦ / ٣٥) وقال : وفيه ابن اسحاق وهو مدلس ثقة وبقية رجاله ثقات ا ه وضعفه الألباني في «التعليق على فقه السيرة» للشيخ محمد الغزالي ، وفي «ضعيف الجامع» (١٢٨٠).

(٢) رواه البخاري (٤٦٢٨ ، ٧٣١٣ ، ٧٤٠٦) ، والإمام أحمد (٣ / ٣٠٩).

من حديث جابر بن عبد الله وفيه : قال : (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا أيسر».

(٣) رواه أبو داود (٥٠٥٢) ، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (٧٧٢) وابن السني (٧٣٧) ، وضعفه الألباني في «ضعيف أبي داود».

٥٣٤

يطرق بخير يا رحمان» فقالها فانكب لفيه ، وطفئت شعلته ، أرسله مالك ووصله غيره (١).

الحادي عشر : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يدعو في دعائه «أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك» (٢) ولم يكن ليسأل لذة النظر إلى الثواب ، ولا يعرف تسمية ذلك وجها لغة ولا شرعا ولا عرفا.

الثاني عشر : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من استعاذ بالله فأعيذوه ، ومن سألكم بوجه الله فأعطوه» (٣) وفي «السنن» من حديث جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا ينبغى لأحد أن يسأل بوجه الله إلا الجنة» (٤).

فكان طاوس يكره أن يسأل الإنسان بوجه الله ، وجاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز فرفع إليه حاجته ثم قال : أسألك بوجه الله ، فقال عمر : لقد سألت بوجه الله فلم يسأل شيئا إلا أعطاه إياه ، ثم قال عمر : ويحك ألا سألت بوجه الله الجنة. ولو كان المراد بوجهه مخلوقا من مخلوقاته لما جاز أن يقسم عليه ويسأل به ولا كان ذلك أعظم من السؤال به سبحانه.

وهذه الآثار صريحة في أن السؤال بوجهه أبلغ وأعظم من السؤال به ،

__________________

(١) أخرجه الإمام أحمد (٣ / ٤١٩) وفيه ضعف ، وأخرجه الإمام مالك في «الموطأ» كتاب «الشعر» باب : ما يؤمر به من التعوذ ، من حديث يحيى بن سعيد مرسلا ، وذكره الحافظ الهيثمي في «المجمع» (١٠ / ١٢٦) وعزاه للطبرانى فى «الأوسط» وقال : وفيه زكريا بن يحيى الضرير ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات ، ثم ذكر للحديث رواية أخرى وقال : رواه الطبراني وفيه المسيب بن واضح وقد وثقه غير واحد وضعفه جماعة وكذلك الحسن بن علي المعمري وبقية رجاله رجال الصحيح ا ه.

(٢) [صحيح] أخرجه الإمام أحمد (٥ / ١٩) ، والنسائي (٣ / ٥٤) والحاكم (١ / ٥٢٤) ، وابن حبان (١٩٦٨ ـ إحسان) ، وصححه الألباني.

(٣) [صحيح] رواه الإمام أحمد (٢ / ٦٨) ، وأبو داود (١٦٧٢) ، والنسائي (٥ / ٨٢) والحاكم (١ / ٤١) وقال : صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ا ه وصححه الألباني في «صحيح أبي داود».

(٤) [ضعيف] رواه أبو داود (١٦٧١) وضعفه الألباني في «ضعيف الجامع».

٥٣٥

فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا يسأل بوجه الله إلا الجنة» فدل على بطلان قول من قال هو ذاته.

الثالث عشر : ما رواه مسلم في «صحيحه» من حديث أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ، وعمل النهار قبل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» (١) فإضافة السبحات التي هي الجلال والنور إلى الوجه وإضافة البصر إليه ، تبطل كل مجاز وتبين أن المراد وجهه.

الرابع عشر : ما قاله عبد الله بن مسعود : ليس عند ربكم ليل ولا نهار ، نور السموات والأرض من نور وجهه (٢) فهل يصح أن يحمل الوجه في هذا على مخلوق أو يكون صلة لا معنى له ، أو يكون بمعنى القبلة والجهة ، وهذا مطابق لقوله عليه‌السلام : «وأعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، (٣) فأضاف النور إلى الوجه ، والوجه إلى الذات ، واستعاذ بنور الوجه الكريم ، فعلم أن نوره صفة له ، كما أن الوجه صفة ذاتية ، والذي قاله ابن مسعود هو تفسير قوله : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (النور : ٣٥) فلا تشتغل بأقوال المتأخرين الذين غشيت بصائرهم عن معرفة ذلك ، فخذ العلم عن أهله ، فهذا تفسير الصحابة رضي الله عنهم.

الخامس عشر : إن من تدبر سياق الآيات والأحاديث والآثار التي فيها ذكر

__________________

(١) رواه مسلم (١٧٩) وانظر تعليقنا عليه في «اجتماع الجيوش» طبعة نزار الباز بمكة المكرمة.

(٢) ذكره الحافظ ابن كثير في تفسير سورة النور ، والحافظ الهيثمي في «المجمع» (١ / ٨٥) وقال : رواه الطبراني في «الكبير» وفيه عبد السلام ، قال أبو حاتم : مجهول ، وقد ذكره ابن حبان في «الثقات» ، وعبد الله بن مكرز أو عبيد الله على الشك لم أر من ذكره ا ه.

(٣) تقدم تخريجه قريبا وفيه ضعف.

٥٣٦

وجه الله الأعلى ذي الجلال والإكرام قطع ببطلان قول من حملها على المجاز ، وأنه الثواب والجزاء ، لو كان اللفظ صالحا في ذلك لغة ، فكيف واللفظ لا يصلح لذلك لغة ، فمنها قوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (الرحمن : ٢٧) وقوله : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) (الليل : ١٩ ، ٢٠).

الوجه السادس عشر : إن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وجميع أهل السنة والحديث والأئمة الأربعة ، وأهل الاستقامة من أتباعهم متفقون على أن المؤمنين يرون وجه ربهم في الجنة ، وهي الزيادة التي فسر بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والصحابة (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) (يونس : ٢٦) فروى مسلم «صحيحه» بإسناده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله «للذين أحسنوا الحسنى وزيادة» قال «النظر إلى وجه الله تعالى» (١) فمن أنكر حقيقة الوجه لم يكن للنظر عنده حقيقة ، ولا سيما إذا أنكر الوجه والعلو ، فيعود النظر عنده إلى خيال مجرد ، وإن أحسن العبارة قال : هو معنى ويقوم بالقلب نسبته إليه كنسبة النظر إلى العين ، وليس في الحقيقة عنده نظر ولا وجه ولا لذة تحصل للناظر.

الوجه السابع عشر : إن الوجه حيث ورد فإنما مضافا إلى الذات في جميع موارده. والمضاف إلى الرب تعالى نوعان : أعيان قائمة بنفسها : كبيت الله ، وناقة الله ، وروح الله ، وعبد الله ، ورسول الله ـ فهذا إضافة تشريف وتخصيص ، وهي إضافة مملوك إلى مالكه.

(الثاني) صفات لا تقوم بنفسها كعلم الله وحياته وقدرته وعزته وسمعه وبصره ونوره وكلامه ، فهذه إذا وردت مضافة إليه فهي إضافة صفة إلى الموصوف بها.

إذا عرف ذلك بوجهه الكريم وسمعه وبصره إذا أضيف إليه وجب أن تكون إضافته إضافة وصف لا إضافة خلق ، وهذه الإضافة تنفي أن يكون الوجه مخلوقا ، وأن يكون حشوا في الكلام ، وفي «سنن أبي داود» عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان

__________________

(١) رواه مسلم (١٨١) من حديث صهيب رضي الله عنه.

٥٣٧

إذا دخل المسجد قال : «أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم» (١) فتأمل كيف قرن في الاستعاذة بين استعاذته بالذات وبين استعاذته بالوجه الكريم ـ وهذا صريح في إبطال قول من قال أنه الذات نفسها وقول من قال أنه مخلوق.

الوجه الثامن عشر : إن تفسير وجه الله بقبلة الله وإن قاله بعض السلف كمجاهد وتبعه الشافعي ، فإنما قالوه في موضع واحد لا غير وهو قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (البقرة : ١١٥) فهب أن هذا كذلك في هذا الموضع ، فهل يصح أن يقال ذلك في غيره في المواضع التي ذكر الله تعالى فيها الوجه ، فما يفيدكم هذا في قوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (الرحمن : ٢٧) وقوله : (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) وقوله (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) (الإنسان : ١٠) على أن الصحيح في قوله : (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) أنه كقوله في سائر الآيات التي ذكر فيها الوجه ، فإنه قد اطرد مجيئه في القرآن والسنة مضافا إلى الرب تعالى على طريقة واحدة ومعنى واحد ، فليس فيه معنيان مختلفان في جميع المواضع غير الموضع الذي ذكر في سورة البقرة وهو قوله : (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) وهذا لا يتعين حمله على القبلة والجهة ، ولا يمتنع أن يراد به وجه الرب حقيقة ، فحمله على غير القبلة كنظائره كلها أولى ، يوضحه :

الوجه التاسع عشر : أنه لا يعرف إطلاق وجه الله على القبلة لغة ولا شرعا ولا عرفا بل القبلة لها اسم يخصها ، والوجه له اسم يخصه ، فلا يدخل أحدهما على الآخر ولا يستعار اسمه له. نعم القبلة تسمى وجهة كما قال تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا) (البقرة : ١٤٨) وقد تسمى جهة وأصلها وجهة لكن أعلمت بحذف فائها كزنة وعدة وإنما سميت قبلة ووجهة لأن الرجل يقابلها ويواجهها بوجهه وأما تسميتها وجها فلا عهد به ،

__________________

(١) [صحيح] رواه أبو داود (٤٦٦) وسكت عنه وصححه الشيخ الألباني في «صحيح أبي داود».

٥٣٨

فكيف إذا أضيف إلى الله تعالى مع أنه لا يعرف تسمية القبلة (وجهة الله) في شيء من الكلام مع أنها تسمى وجهه ، فكيف تطلق عليها وجه الله ولا يعرف تسميتها وجها.

وأيضا فمن المعلوم أن قبلة الله التي نصبها لعباده هي قبلة واحدة وهي القبلة التي أمر الله عباده أن يتوجهوا إليها حيث كانوا لا كل جهة يولي الرجل وجهه إليها فأنه يولي وجهه إلى المشرق والمغرب والشمال وما بين ذلك ، وليست تلك الجهات قبلة الله فكيف يقال أي وجهة وجهتموها واستقبلتموها فهي قبلة الله.

(فإن قيل) هذا عند اشتباه القبلة على المصلي وعند صلاته النافلة في السفر ، (قيل) اللفظ لا إشعار له بذلك البتة بل هو عام مطلق في الحصر والسفر وحال العلم والاشتباه والقدرة والعجز يوضحه :

أن إخراج الاستقبال المفروض والاستقبال في الحضر وعند العلم والقدرة وهو اكثر أحوال المستقبل ، وحمل الآية على استقبال المسافر في التنقل على الراحلة على حال الغيم ونحوه بعيدا جدا عن ظاهر الآية وإطلاقها وعمومها وما قصد بها ، فإن «أين» من أدوات العموم وقد أكد عمومها بما أراده لتحقيق العموم كقوله : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (البقرة : ١٤٤) والآية صريحة في أنه أينما ولي العبد فثم وجه الله من حضر أو سفر في صلاة أو غير صلاة ، وذلك أن الآية لا تعرض فيها للقبلة ولا لحكم الاستقبال بل سياقها لمعنى آخر وهو بيان عظمة الرب تعالى وسعته ، وأنه أكبر من كل شيء ؛ وأعظم منه ، وأنه محيط بالعالم العلوي والسفلي ، فذكر في أول الآية إحاطة ملكه في قوله (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) (البقرة : ١١٥) فنبهنا بذلك على ملكه لما بينها ، ثم ذكر عظمته سبحانه وأنه أكبر وأعظم من كل شيء فأين منا ولى العبد وجهه فثم وجه الله ، ثم ختم باسمين دالين على السعة والإحاطة فقال (إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة : ١١٥) فذكر اسم الواسع عقيب قوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) كالتفسير والبيان والتقرير له فتأمله فهذا السياق لم يقصد به الاستقبال

٥٣٩

في الصلاة بخصوصه وإن دخل في عموم الخطاب حضرا أو سفرا بالنسبة إلى الفرض والنفل والقدرة والعجز.

وعلى هذا فالآية باقية على عمومها وأحكامها ليست منسوخة ولا مخصوصة بل لا يصح دخول النسخ فيها ، لأنها خير عن ملكه للمشرق والمغرب وأنه أين ما ولى الرجل وجهه فثم وجه الله وعن سعته وعلمه ، فكيف يمكن دخول النسخ والتخصيص في ذلك.

وأيضا هذا الآية ذكرت مع ما بعدها لبيان عظمة الرب الرد على من جعل لله عدلا من خلقه أشركه معه في العبادة ، ولهذا ذكر بعدها الرد علي من جعل له ولدا فقال تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ) إلى قوله : (كُنْ فَيَكُونُ) فهذا السياق لا تعرض فيه القبلة ، ولا سيق الكلام لأجلها ، وإنما سيق لذكر عظمة الرب وبيان سعة علمه وملكه وحلمه ، والواسع من أسمائه ، فكيف تجعلون له شريكا بسننه وتمنعون بيوته ومساجده أن يذكر فيها اسمه ، وتسعون في خرابها ، فهذا للمشركين ، ثم ذكر ما نسبه إليه النصارى من اتخاذ الولد ، ووسط بين كفر هؤلاء وقوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) فالمقام مقام تقرير لأصول التوحيد والإيمان والرد على المشركين ، لا بيان فرع معين جزئي.

يوضحه : أن الله تعالى لما ذكر قبلته التي شرعها عينها دون سائر الجهات بأنها شطر المسجد الحرام ، وأكد ذكرها مرة بعد مرة تعيينها لها دون غيرها من الجهات بأنها القبلة التي رضيها ، وشرعها وأحبها لعباده ، ولم يذكر أنها كل جهة ، بل أخبر أنها قبلة يرضاها رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجعل استقبالها من أعلام نبوة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال تعالى : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) (البقرة : ١٤٤) أي ذلك الاستقبال ، وأكد أمر هذه القبلة تأكيدا أزال به استقبال غيرها ، وأن تكون قبلة شرعها.

الوجه العشرون : إنه سبحانه أخبر عن الجهات التي تستقبلها الأمم منكرة مطلقة

٥٤٠