مختصر الصواعق المرسلة على الجهميّة والمعطّلة

ابن القيّم الجوزيّة

مختصر الصواعق المرسلة على الجهميّة والمعطّلة

المؤلف:

ابن القيّم الجوزيّة


المحقق: رضوان جامع رضوان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٨٧

وقالت طائفة أخرى ، بل هي طريق في نفسها متناقضة مستلزمة لتكذيب الرسول لا يتم سلوكها إلا بنفي ما أثبته ؛ وهي مستلزمة لنفي الصانع بالكلية ، كما هي مستلزمة لنفي صفاته ونفي أفعاله ، وهي مستلزمة لنفي المبدأ والمعاد ، فإن هذه الطريق لا تتم إلا بنفي سمع الرب وبصره وقدرته وحياته وإرادته وكلامه فضلا عن نفي علوه على خلقه ، ونفي الصفات الخبرية من أولها إلى آخرها ، ولا تتم إلا بنفي أفعاله جملة وأنه لا يفعل شيئا البتة ، إذ لم يقم به فعل فاعل ، وفاعل بلا فعل محال في بداءة العقول. فلو صحت هذه الطريق نفت الصانع وأفعاله وصفاته وكلامه وخلقه للعالم وتدبيره له. وما يثبته أصحاب هذه الطريق من ذلك لا حقيقة له ، بل هو لفظ لا معنى له. فأنتم تثبتون ذلك وتصرحون بنفي لوازمه البينة التي لا عيب فيها وفي لزومها وتثبتون ما لا حقيقة له ، بل يخالف العقول كما تنفون ما يدل العقل الصريح على إثباته ولوازمه الباطلة أكثر من مائة لازم ، بل لا يحصى بكلفه.

فأول لوازم هذه الطريقة نفي الصفات والأفعال ، ونفي العلو والكلام ، ونفي الرؤية ومن لوازمها القول بخلق القرآن. وبهذا الطريق استجازوا ضرب الإمام أحمد لما قال بما يخالفها من إثبات الصفات وتكلم الله بالقرآن ورؤيته في الدار الآخرة ، وكان أرباب هذه الطريق هم المستولين على الخليفة فقالوا له : اضرب عنقه ، فإنه كافر مشبه مجسم ، فقيل له إنك إن قتلته ثارت عليك العامة. فأمسك عن قتله بعد الضرب الشديد.

ومن لوازمه أن الرب كان معطلا عن الفعل من الأزل والفعل ممتنع عليه ثم انقلب من الامتناع [الذاتي] إلى الإمكان الذاتي بدون موجب في ذلك الوقت دون ما قبله ، وهذا مما أغرى الفلاسفة بالقول بقدم العالم ورأوا أنه خير من القول بذلك ، بل حقيقة هذا القول : إن الفعل لم يزل ممتنعا منه أزلا وابدا ، إذ يستحيل قيامه به ، وعن هذه الطريق قال جهم ومن وافقه : بفناء الجنة وفناء أهلها وعدمهم عدما محضا ، وعنها قال أبو الهذيل العلاف : بفناء حركاتهم دون ذواتهم ، فإذا رفع اللقمة إلى فيه وفنيت الحركات بقيت يده ممدودة لا تتحرك

٢٦١

ويبقى كذلك أبد الآبدين ، وعن هذه الطريق قالت الجهمية : إن الله في كل مكان بذاته ، وقال إخوانهم ، إنه ليس في العالم ، ولا خارج العالم ، ولا متصلا به ، ولا منفصلا عنه ولا مباينا له ولا محايثا له ، ولا فوقه ولا خلفه ، ولا أمامه ، ولا وراءه ، وعنها قال من قال إن ما نشاهده عن الأعراض الثابتة كالألوان والمقادير والأشكال تتبدل في كل نفس ولحظة ويخلفها غيرها حتى قال من قال : إن الروح عرض وإن الإنسان يستحدث في كل ساعة عدة أرواح تذهب له روح ويجيء غيرها. عنها قال من قال : إن جسم انتن الرجيع وأخبثه مماثل لجسم أطيب في الحد والحقيقة ، لا فرق بينها إلا بأمر عرضي. وأن جسم النار مساو لجسم الماء في الحد والحقيقة. وعنها قالوا : إن الروائح والأصوات والمعارف والعلوم. تؤكل وتشرب وترى وتسمع وتلمس ، وأن الحواس الخمس تتعلق بك موجود. وعنها نفوا عنه تعالى الرضى والغضب والمحبة والرحمة ، والرأفة والضحك والفرح ، بل ذلك كله إرادة محضة او ثواب منفصل مخلوق. وعنها قالوا : أن الكلام معنى واحد بالعين ، لا ينقسم ولا يتبعض ، ولا له جزء ولا كل وهو الأمر بكل شيء مأمور ، والنهي عن كل مخبر عنه. وكذلك قالوا في العلم : إنه أمر واحد فالعلم بوجود الشيء هو عين العلم بعدمه لا فرق بينها البتة بالتعلق. وكذلك قالوا : إن إرادة إيجاد الشيء هي نفس إرادة إعدامه ليس هنا إرادة ، كذلك رؤية زيد هي نفس رؤية عمرو. ومعلوم أن هذا لا يعقل ، بل هو مخالف لصريح العقل.

ومن العجب أنهم لم يثبتوا بها في الحقيقة صانعا ولا صفة من صفاته ولا فعلا من أفعاله ولا نبوة ولا مبدأ ولا معادا ولا حكمة ، بل هي مستلزمة لنفي ذلك كله صريحا ولزوما بينا.

وجاء آخرون فرموا إثبات الصفات والأفعال وموافقتهم في هذه الطريق ، فتجشموا أمرا ممتنعا واشتقوا طريقة لم يمكنهم الوفاء بها ، فجاءوا بطريق بين النفي والإثبات لم يوافقهم فيها المعطلة النفاة لم يسلكوا فيها مسلك أهل الإثبات. وظنوا أنهم بذلك يجمعون بين المعقول والمنقول ، ويصلون في هذه الطريق إلى

٢٦٢

تصديق الرسول وصار كثير من الناس يحب النظر والبحث والمعقول ، وهو مع ذلك يريد أن لا يخرج عما جاء به الرسول ، ثم أصلوا تأصيلا مستلزما لبطلان التفصيل ، ثم فصلوا تفصيلا على بطلان الأصل فصاروا حائرين بين التأصيل والتفصيل ، وصار من طرد منهم هذا الأصل خارجا عن العقل والسمع بالكلية ، ومن لم يطرده متناقضا مضطرب الأقوال. وقد سلك الناس في إثبات الصانع وحدوث العالم طرقا متعددة سهلة قريبة موصلة إلى المقصود ، لم يتعرضوا فيها لطريق هؤلاء بوجه.

قال الخطابي : وإنما سلك المتكلمون هذه الطريقة في الاستدلال بالأعراض مذهب الفلاسفة وأخذوه عنهم ، وفي الأعراض اختلاف كثير ؛ منهم من ينكرها ولا يثبتها رأسا ، ومنهم من لا يفرق بينها وبين الجواهر في أنها قائمة بنفسها كالجواهر (قلت) ومنهم من يقول بكمونها وظهورها ومنهم من يقول بعدم بقائها ، ثم سلك طرقا في إثبات الصانع منها الاستدلال بأحوال الإنسان من مبدئه إلى غايته ، والاستدلال بأحوال الحيوان والنبات والأجرام العلوية وغير ذلك ثم قال : والاستدلال بطريق الأعراض لا يصح إلا بعد استبراء هذه الشبهة ، وطريقنا الذي سلكناه بريء من هذه الآفات سليم من هذه الريب.

(أقوى الطرق لإثبات الصانع سبحانه)

قال : وقد سلك بعض مشايخنا في هذه الطرق الاستدلال بمقدماتها كإثبات النبوة معجزات الرسالة التي دلائلها مأخوذ من طريق الحس لمن شاهدها ، ومن طريق استفاضة الخبر لمن غاب عنها. فلما ثبتت النبوة صارت أصلا في وجوب قبول ما دعا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وهذا النوع مقنع في الاستدلال لمن لم يتسع فهمه لإدراك وجوه الأدلة ولم يتبين معاني تعلق الأدلة بمدلولاتها ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

(قلت) وهذه الطريق من أقوى الطرق وأصحها وأدلها على الصانع وصفاته وأفعاله وارتباط أدلة هذه الطريق بمدلولاتها أقوى من ارتباط الأدلة العقلية الصريحة بمدلولاتها فإنها جمعت بين دلالة الحس والعقل. ودلالتها ضرورية

٢٦٣

بنفسها ولهذا يسميها الله تعالى آيات بينات ، وليس في طرق الأدلة أوثق ولا أقوى منها. فإن انقلاب عصا تقلها اليد ثعبانا عظيما يبتلع ما يمر به ثم يعود عصا كما كانت ، من أدل دليل على وجود الصانع ، وحياته وقدرته ومشيئته. إرادته وعلمه بالكليات الجزئيات ؛ وعلى رسالة الرسول ، وعلى المبدأ والمعاد ، فكل قواعد الدين في هذه العصا وكذلك اليد ؛ وفلق البحر طرقا ، والماء قائم بينهما كالمحيطان ، ونتق الجبل من موضعه ورفعه على قدر العسكر العظيم فوق رءوسهم ، وضرب حجر مربع بعصا فتسيل منه اثنتا عشرة عينا تكفي أمة عظيمة.

وكذلك سائر آيات الأنبياء كإخراج ناقة عظيمة من صخرة تمخضت بها ثم انصدعت عنها والناس حولها ينظرون. وكذلك تصوير طائر من طين ثم ينفخ فيه النبي فينقلب طائرا ذا لحم ودم وريش وأجنحة يطير بمشهد من الناس. وكذلك إيماء الرسول إلى القمر فينشق نصفين بحيث يراه الحاضر والغائب ويخبر به كما رآه الحاضرين. وأمثال ذلك مما هو أعظم الأدلة على الصانع وصفاته وأفعاله وصدق رسله واليوم الآخر. وهذه من طرق القرآن التي أرشد إليها عباده ودلهم بها ، كما دلهم بما يشاهدونه من أحوال الحيوان والنبات والمطر والسحاب الحوادث التي في الجو وأحوال العلويات من السماء والشمس والقمر والنجوم ، وأحوال النطفة وتقبلها طبقا بعد طبق ، حتى صارت إنسانا سميعا بصيرا حيا متكلما عالما قادرا يفعل الأفعال العجيبة ويعلم العلوم العظيمة. وكل طريق من هذه الطرق أصح وأقرب وأوصل من طرق المتكلمين التي لو صحت لكان فيها من التطويل والتعقيد والتعسير ما يمنع الحكمة الإلهية والرحمة الربانية ، أن يدل بها عباده عليه وعلى صدق رسله وعلى اليوم الآخر. فأين هذه الطريق العسرة الباطلة المستلزمة لتعطيل الرب عن صفاته وأفعاله وكلامه وعلوه على خلقه وسائر ما أخبر به عن نفسه ، وأخبر به عنه رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى طرق القرآن التي هى ضد هذه الطريق من كل وجه ، وكل طريق منها كافية شافية هادية.

هذا ؛ إن القرآن وحده لمن جعل الله نورا أعظم آية ودليل على هذه المطالب ،

٢٦٤

وليس في الأدلة أقوى ولا أظهر ولا أصح دلالة منه من وجوه متعددة. فأدلته مثل ضوء الشمس للبصر ، لا يلحقها إشكال ، ولا يغير في وجه دلالتها إجمال ، ولا يعارضها تجويز واحتمال ، تلج الأسماع بلا استئذان ، وتحل من المعقول محل الماء الزلال من الصادي الظمآن ، لا يمكن أحد أن يقدح فيها قدحا يوقع في اللبس ، إلا إن أمكنه أن يقدح بالظهيرة صحوا في طلوع الشمس. ومن عجيب شأنها أنها تستلزم المدلول استلزاما بينا وتنبه على جواب المعترض تنبيها لطيفا. وهذا الأمر إنما هو لمن نور الله بصيرته وفتح عين قلبه لأدلة القرآن فلا تعجب من منكر أو معترض أو معارض.

وقل للعيون العمى للشمس أعين

سواك تراها في مغيب ومطلع

وسامح نفوسا أطفأ الله نورها

بأهوائها لا تستفيق ولا تعي

فأي دليل على الله أصح من الأدلة التي تضمنها كتابه؟ كقوله تعالى : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (إبراهيم : ١٠) وقوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة : ٢٨) وقوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة : ١٦٤) وما لا يحصى من الآيات الكريمات.

الوجه الرابع والأربعون : أنك إذا أخذت لوازم المشترك المطلق والمقيد والمميز ، وميزت هذا من هذا صح نظرك ومناظرتك. ذلك أن الصفة تلزمها لوازم من حيث هي ، فهذه اللوازم يجب إثباتها ولا يصح نفيها ، إذ نفيها ملزوم لنفي الصفة. مثاله : الفعل والإدراك للحياة ، فإن كل حي فاعل مدرك ، وإدراك المسموعات بصفة السمع ، وإدراك المبصرات بصفة البصر وكشف المعلومات بصفة العلم والتمييز لهذه الصفات. فهذه اللوازم يمتنع رفعها عن الصفة ، فإنها ذاتية لها ، ولا ترتفع إلا برفع الصفة ، ويلزمها لوازم من حيث كونها صفة القديم ،

٢٦٥

مثل كونها واجبة قديمة عامة التعلق ، فإن صفة العلم واجبة لله قديمة غير حادثة ، متعلقة بكل معلوم على التفصيل. وهذه اللوازم منتفية عن العلم الذي هو صفة للمخلوقين ، ويلزمها لوازم من حيث كونها ممكنة حادثة بعد أن لم تكن مخلوقة غير صالحة للعموم مفارقة له. فهذه اللوازم يستحيل إضافتها إلى القديم. واجعل هذا التفضيل ميزانا لك في جميع الصفات والأفعال ، واعتصم به في التشبيه والتمثيل ، وفي بطلان النفي والتعطيل. واعتبره في العلو والاستواء تجد الصفة يلزمها كون العالي فوق السافل في القديم والحديث ، فهذا الإلزام حق لا يجوز نفيه ، ويلزمها كون السافل حاويا للأعلى محيطا به حاملا له ، والأعلى مفتقرا إليه ، وهذا في بعض المخلوقات ، لا في كلها ، بل بعضها لا يفتقر فيه الأعلى إلى أسفل ، ولا يحويه الأسفل ولا يحيط به ولا يحمله. كالسماء مع الأرض فالرب تعالى أجل شأنا وأعظم أن يلزم من علوه من خصائصه ، وهي حمله السافل وفقر السافل إليه! وغناه سبحانه عنه وإحاطته عزوجل به ؛ فهو فوق العرش ، وعدم إحاطة العرش به ؛ وحصره للعرش ، وعدم حصر العرش له. وهذه اللوازم منتفية عن المخلوقين ، ولو ميز أهل التعطيل هذا التمييز لهدوا إلى سواء السبيل ، ولما فارقوا الدليل.

(منشأ الضلال الّذي قاد إلى التعطيل)

الوجه الخامس والأربعون : إن الأصل الذي قادهم إلى التعطيل ، واعتقاد المعارضة بين الوحي والعقل أصل واحد ، وهو منشأ ضلال بني آدم ، وهو الفرار من تعدد صفات الواحد وتكثر أسمائه الدالة على صفاته وقيام الأمور المتجددة به ، وهذا لا محذور فيه ، بل هو الحق لا يثبت كونه سبحانه ربا وإلها وخالقا إلا به ، ونفيه جحد للصانع بالكلية. وهذا القدر اللازم لجميع طوائف أهل الأرض على اختلاف مللهم وعلومهم ، حتى لمن أنكر الصانع بالكلية وأنكره رأسا ، فإنه يضطر إلى الإقرار بذلك وإن قام عنده ألف شبهة أو أكثر على خلافه. وأما من أقر بالصانع فهو مضطرا إلى أن يقر بكونه حيا عالما قادرا مريدا

٢٦٦

حكيما فعالا ، ومع إقراره بذلك فقد اضطر إلى القول بتعدد صفات الواحد ، وتكثر أسمائه وأفعاله ، فلو تكثرت لم يلزم من تكثرها وتعددها محذور بوجه من الوجوه.

(وإن قال) أنا أنفيها بالجملة ولا أثبت تعددها بوجه (قيل له) فهو هذه الموجودات أو غيرها (فإن قال) غيرها (قيل) هو خالقها أم لا؟ (فإن قال) هو خالقها (قيل له) هو قادر عليها عالم بها مريد لها أم لا؟ (فإن قال نعم هو كذلك ، اضطر إلى تعدد صفاته وتكثرها ، إن نفي ذلك كان جاحدا للصانع بالكلية. ويستدل عليه بما يستدل على الزنادقة الدهرية ، ويقال لهم ما قالت الرسل لأممهم : أفي الله شك؟ وهل يستدل عليه بدليل هو أظهر للعقول من إقرارها به وبربوبيته).

وليس يصح في الأذهان شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

(فإن قال) أنا أثبته موجودا واجب الوجود لا صفة له (قيل له) فكل موجود على قولك أكمل منه ، وضلال اليهود والنصارى وعباد الأصنام أعرف به منك ، وأقرب إلى الحق والصواب منك وإما فرارك من قيام الأمور المتجددة به ففررت من أمر لا يثبت كونه إلها وربا وخالقا إلا به ولا يقتدر كونه صانعا لهذا العالم مع نفيه أبدا ؛ وهو لازم لجميع طوائف أهل الأرض ، حتى الفلاسفة الذين هم أبعد الخلق من إثبات الصفات. ولهذا قال بعض عقلاء الفلاسفة : إنه لا يتقرر كونه رب العالمين إلا بإثبات ذلك ، قال : والإجلال من هذا الإجلال واجب والتنزيه من هذا التنزيه متعين. قال بعض العلماء : وهذه المسألة يقوم عليها قريب من ألف دليل عقلي وسمعى والكتب الإلهية والنصوص النبوية ناطقة بذلك ، وإنكار لما علم بالضرورة من دين الرسل أنهم جاءوا به.

(ونحن نقول) إن كل سورة من القرآن تتضمن إثبات هذه المسألة ، وفيها أنواع من الأدلة عليها فأدلتها تزيد على عشرة آلاف دليل فأول سورة في القرآن تدل عليها من وجوه كثيرة ، وهي سورة أم الكتاب ، فإن قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) يدل عليها ، فإنه سبحانه يحمد على أفعاله كما حمد نفسه في كتابه ، وحمده

٢٦٧

عليها رسله وملائكته والمؤمنون من عباده ، فمن لا فعل له البتة كيف يحمد على ذلك؟ فالأفعال هي المقتضية للحمد ، ولهذا تجده مقرونا بها كقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (الإنعام : ١) ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) (الأعراف : ٤٣) (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) (الكهف : ١).

الثاني قوله : (رَبِّ الْعالَمِينَ) وربوبيته للعالم تتضمن تصرفه فيه وتدبيره له وإنفاذ أمر كل وقت فيه ، وكونه معه كل ساعة في شأن : يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويخفض ويرفع ويعطي ويمنع ويعز ويذل ، ويصرف الأمور بمشيئته وإرادته ، وإنكار ذلك إنكار لربوبيته وإلهيته وملكه.

الثالث (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وهو الذي يرحم بقدرته ومشيئته من لم يكن له راحما قبل ذلك.

الرابع ، قوله : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) والملك هو المتصرف فيما هو ملك عليه ومالك له. ومن لا تصرف له ولا يقوم به فعل البتة لا يعقل له ثبوت ملك.

الخامس قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) فهذا سؤال الفعل يفعله لهم لم يكن موجودا قبل ذلك ، وهي الهداية التي هي فعله.

السادس قوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) وفعله القائم به وهو الإنعام فلو لم يقم به فعل الأنعام لم يكن للنعمة وجود البتة.

السابع قوله : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) وهم الذين غضب الله عليهم بعد ما أوجدهم وقام بهم سبب الغضب. إذ الغضب على المعدوم محال. وقد ثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أن العبد إذا قال : الحمد لله رب العالمين يقول الله تعالى : حمدني عبدي ، وإذا قال الرحمن الرحيم. قال الله تعالى : أثنى علي عبدي ، فإذا قال : مالك يوم الدين ، قال الله تعالى : مجدني عبدي ، وإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين ، قال الله تعالى : هذا بيني وبين عبدي نصفين ، نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل» (١) فهذه أدلة من الفاتحة وحدها.

__________________

(١) الحديث في «صحيح» مسلم وقد تقدم تخريجه.

٢٦٨

فتأمل أدلة الكتاب العزيز على هذا الأصل تجدها فوق عد العادين ، حتى إنك تجد في الآية الواحدة على اختصار لفظها عدة أدلة كقوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ففي هذه الآية عدة أدلة :

(أحدهما) قوله : «إنما أمره» ؛ وهذا أمر التكوين الذي لا يتأخر عنه أمر المكون بل يعقبه (الثاني) «إذا أراد شيئا». (وإذا) تخلص الفعل للاستقبال (الثالث) «أن يقول له كن فيكون» (وإن) تخلص المضارع للاستقبال (الربع) «أن يقول» فعل مضارع إما للحال وإما للاستقبال (الخامس) قوله : «كن» وهما حرفان يسبق أحدهما الآخر يعقبه الثاني (السادس) قوله : «فيكون». والفاء للتعقيب يدل على أنه يكون عقب قوله : «كن» سواء لا يتأخر عنه.

وقوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) (الأعراف : ١٤٣) فهو سبحانه إنما كلمه ذلك الوقت. وقوله تعالى : (وَنادَيْناهُ) (الصافات : ١٠٤) (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ) (القصص : ٦٢) ، وقوله : (وَناداهُما رَبُّهُما : أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ؟) (الأعراف : ٢٢) فالنداء إنما حصل ذلك الوقت.

وقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) (البقرة : ٢١٠) (وَجاءَ رَبُّكَ) ، (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) (الأعراف : ٥٤) (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً) (الإسراء : ١٦) (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (البروج : ١٦) (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (النساء : ٢٧) (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) (النساء : ٢٨) (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص : ٥ ، ٦) (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (الأحزاب : ٤) (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي

٢٦٩

زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ) (المجادلة : ١) (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرحمن : ٢٩) وهذا عند النفاة لا حقيقة له. بل الشئون للمفعولات. وأما هو فله شأن واحد قديم. فهذه الأدلة السمعية وأضعاف أضعافها مما يشهد به صريح العقل ؛ فإنكار ذلك وإنكار تكثر الصفات وتعدد الأسماء هو أفسد للعقل والنقل وأفتح باب المعارضة.

الوجه السادس والأربعون : أن يقال لهؤلاء المعارضين للوحي بعقولهم : إن من أئمتكم من يقول : إنه ليس في العقل ما يوجب تنزيه الرب سبحانه عن النقائص ، ولم يقم على ذلك دليل عقلي أصلا ، صرح به الرازي ؛ وتلقاه عن الجوني وأمثاله ، قالوا : وإنما نسيا عنه النقائص بالإجماع ؛ وقد قدح الرازي وغيره من النفاة في دلالة الإجماع ، وبينوا أنها ظنية لا قطعية ، فالقوم ليسوا قاطعين بتنزيه الله عن النقائص بل غاية ما عندهم في ذلك الظن.

فيا أولى الألباب ؛ كيف تقوم الأدلة القطعية على نفي صفات الله ونعوت جلاله وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه ؛ وتكلمه بالقرآن حقيقة وتكلمه لموسى ، حتى يدعى ان الأدلة السمعية على ذلك قد عارضها صريح العقل ، وأما تنزيهه عن العيوب والنقائص فلم يقم عليه دليل عقلي ولكن علمناه بالإجماع ، وقلتم إن دلالته ظنية؟ ويكفيك في فساد عقل معارض الوحي إنه لم يقم عنده دليل عقلي على تنزيه ربه عن العيوب والنقائص.

الوجه السابع والأربعون : إن الله تعالى جعل بعض مخلوقاته عاليا على بعض ولم يلزم من ذلك مماثلة العالي للسافل ومشابهته له ، فهذا الماء فوق الأرض ، والهواء فوق الماء ، والنار فوق الهواء ، والأفلاك فوق ذلك. وليس عاليها مماثلا لسافلها. والتفاوت الذي بين الخالق والمخلوق أعظم من التفاوت الذي بين المخلوقات ، فكيف يلزم من علوه تشبيهه بخلقه.

٢٧٠

(فإن قلتم) وإن لم يلزم التشبيه لكن يلزم التجسيم (قيل) انفصلوا أولا عن قول المعطلة للصفات : لو كان له سمع أو بصر أو حياة أو علم أو قدرة أو كلام لزم التجسيم. فإذا انفصلتم منهم ؛ فإن أبيتم إلا الجواب قيل لكم ، ما تعنون بالتجسيم؟ أتعنون به العلو على العالم والاستواء على العرش ، وهذا حاصل قولكم؟ وحينئذ فما زدتم على إبطال ذلك بمجرد الدعوى التي اتحد فيها اللازم والملزوم بتقرير العبارة : وكأنكم قلتم : لو كان فوق العالم مستويا على عرشه لكان فوق العالم ، ولكنكم لبستم وأوهمتم.

وإن عنيتم بالجسم المركب من الجواهر الفردة. فجمهور العقلاء ينازعونكم في إثبات الجواهر الفردة فضلا عن تركيب الأجسام من ذلك ، فأنتم أبطلتم هذا التركيب الذي تدعيه الفلاسفة ، وهم أبطلوا التركيب الذي تدعونه من الجواهر الفردة ، وجمهور العقلاء ابطلوا هذا وهذا. فإن كان هذا غير لازم في الأجسام المحسوسة المشاهدة ؛ بل هو باطل فكيف يدعى لزومه فيمن ليس كمثله شيء. وإن منيتم بالتجسيم تميز شيء منه عن شيء قيل لكم انفصلوا أولا عن قول نفاة الصفات : لو كان له سمع وبصر وحياة وقدرة لزم أن يتميز منه شيء عن شيء وذلك عين التجسيم ؛ فإذا انفصلتم عنه أجبناكم بما تجيبونهم به ؛ فإن أبيتم إلا الجواب منا ؛ قلنا لكم : إنما قام الدليل على إثبات إله قديم عنى بنفسه عن كل ما سواه ، وكل ما سواه فقير إليه. وكل أحد محتاج إليه. وليس محتاجا إلى أحد ؛ ووجود كل أحد يستفاد منه ، ووجوده ليس مستفادا من غيره ؛ ولم يقم الدليل على استحالة تكثر أوصاف كماله وتعدد أسمائه الدالة على صفاته وأفعاله ، بل هو إله واحد ورب واحد. وإن تكثرت أوصافه وتعددت أسماؤه.

* * *

٢٧١

(فصل)

(اتفاق الفلاسفة والحكماء على علو الله عزوجل)

أخبر الناس بمقالات الفلاسفة قد حكى اتفاق الحكماء على أن الله والملائكة في السماء كما اتفقت على ذلك الشرائع ، وورد ذلك بطريق عقلي من جنس تقرير ابن كلاب. الحارث الحاسبي. وأبي العباس القلانسي وأبي الحسن الأشعري. والقاضى أبي بكر الباقلانى. وأبي الحسن بن الزاغوني. وغيرهم ممن يقول إن الله فوق العرش وليس مجسم. قال هؤلاء : إثبات صفة العلو والفوقية له سبحانه لا يوجب الجسمية. بل ولا إثبات المكان ـ وبنى الفلاسفة ذلك على ما ذكره ابن رشد : أن المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي الملاقي للسطح الظاهر من الجسم المحوى فكان الإنسان عندهم هو باطن الهواء المحيط به وكل سطح باطن فهو مكان للسطح الظاهر مما يلاقيه. ومعلوم أنه ليس وراء الأجسام سطح جسم باطن يحوي شيئا ؛ فلا مكان هناك إذ لو كان هناك مكان حاوى لسطح الجسم لكان الحاوي جسما ، ولهذا قال فإذا قام البرهان على وجود موجود في هذه الجهة ، فواجب أن يكون غير جسم فالذى يمتنع وجوده هناك هو وجود جسم لا وجود ما ليس بجسم ؛ وقرر إمكان ذلك كما قرر إثباته بما ذكر من أنه لا بد من نسبة بينه وبين العالم المحسوس فيجب أن يكون في جهة العلو والذي يمكن منازعوه من الفلاسفة والجهمية والمعتزلة أن يقولوا : لا يمكن أن يوجد هناك شيء لا جسم ولا غير جسم أما غير الجسم فلما ذكر وأما الجسم فلأن كونه مشارا إليه بأنه هناك يستلزم أن يكون جسما وحينئذ فيقول هؤلاء المثبتون لمن ينازعهم في ذلك : وجود موجود قائم بنفسه ليس وراء أجسام العالم ولا داخلا في العالم إما أن يكون ممكنا أو لا يكون ، فإن لم يكن ممكنا بطل قولكم ، وإن كان ممكنا فوجود وراء أجسام للعالم وليس بجسم أولى بالجواز. ثم إذا عرضنا على العقل وجود موجود قائم بنفسه لا فى العالم ولا خارجا عنه ولا يشار إليه وعرضنا عليه وجود موجود يشار إليه فوق العالم ليس بجسم كان

٢٧٢

إنكار العقل للأول القبول وجب قبول الثاني وإن كان الثاني مردودا وجب رد الأول ولا يمكن العقل الصريح أن يقبل الأول ويرد الثاني أبدا.

(فصل) ثم أنه سبحانه لو لم تقبل الإشارة الحسية إليه كما أشار إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حسا بإصبعه بمشهد الجمع الأعظم (١) وقبل ممن شهد لها بالإيمان الإشارة الحسية إليه (٢) فإما أن يقال : إنه يقبل الإشارة المعنوية فقط أو لا يقبلها أيضا كما لا يقبل الحسية. فإن لم يقبل لا هذه ولا هذه ، فهو عدم محض ، بل العدم المقيد المضاف يقبل الإشارة المعنوية دون الحسية ، وإن قبل الإشارة الحسية لزم أن يكون معني المعاني ، لا ذاتا خارجية. وهذا مما لا حيلة في دفعه. فمن أنكر جواز الإشارة الحسية إليه فلا بد له من أحد أمرين : إما أن يجعله معدوما أو معنى من المعانى. لا ذاتا قائمة بنفسها.

الوجه الثامن والأربعون : إن من أعجب العجب أن هؤلاء الذين فروا من القول بعلو الله واستوائه على عرشه خشية التشبيه والتجسيم قد اعترفوا بأنه لا يمكنهم إثبات الصانع إلا بنوع من التشبيه والتمثيل ، كما قال الآمدي في مسألة حدوث الأجسام ، لما ذكر شبه القائلين بالقدم ، قال : الوجه العاشر : لو كان حدثا ، فمحدثه إما أن يكون مساويا له من كل وجه ؛ أو مخالفا له من كل وجه ، أو مماثلا له من وجه مخالفا له من وجه ، فإن كان الأول فهو حادث ، والكلام فيه كالكلام في الأول ، ويلزم التسلسل الممتنع. وإن كان الثاني ، فالمحدث له ليس بموجود ، وإلا لما كان مخالفا له من كل وجه ، وهو خلاف الفرض ، وإذا لم يكن موجودا امتنع أن يكون مفيدا للوجود ، وإن كان الثالث ، فمن جهة ما هو مماثل للحادث يجب أن يكون حادثا. والكلام فيه كالأول ، وهو التسلسل المحال ، وهذه المحالات إنما نشأت من القول بكونه محدثا للعالم.

__________________

(١) يشير إلى الحديث في خطبة الوداع وفيه أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : اللهم فاشهد ـ رافعا إصبعه إلى السماء وقد تقدم تخريجه.

(٢) يشير إلى حديث الجارية التي سألها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أين الله؟ فأشارت إلى السماء وأقرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد تقدم تخريجه.

٢٧٣

قال : والجواب عن هذه الشبهة أن المختار من أقسامها إنما هو القسم الثالث ، ولا يلزم من كون القديم مماثلا للحادث من وجه أن يكون مماثلا للحادث من جهة كونه حادثا بل لا مانع من الاختلاف بينهما صفة القدم والحدوث. وإنما تماثلا بأمر آخر وهذا كالسواد والبياض يختلفان من وجه دون وجه لاستحالة اختلافهما من كل وجه ، وإلا لما اشتركا في العرضية والكونية والحدوث ، ولاستحالة تماثلهما من كل وجه ؛ وإلا كان السواد بياضا ؛ ومع ذلك فما لزم من مماثلة السواد للبياض من وجه أن يكون مماثلا له في صفة البياضية.

فيقال : يا لله العجب : هلا قبلتم هذا الجواب في إثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه وإثبات صفات كماله كلها ، وأجبتم بهذا الجواب من قال لكم من المعطلة والنفاة : لو كان له صفات لزم مماثلته للمخلوقات؟ ولم لا تقنعون من أهل السنة المثبتين لصفات كماله بمثل هذا الجواب الذي أجبتم به من أنكر حدوث العالم؟ بل إذا أجابوكم به قلبتم لهم ظهر المجن وصرحتم بتكفيرهم وتبديعهم ، وإذا أجبتم أنتم به بعينه كنتم موحدين.

يقال : هل للرب ماهية متميزة عن سائر الماهيات يختص بها لذاته ، أم تقولون لا ماهية له؟ فإن قلتم بالثاني كان هذا إنكارا له وجحودا ؛ أو جعله وجودا مطلقا لا ماهية له. وإن قلت : بل له ذات مخصوصة وماهية متميزة عن سائر الذوات والماهيات. قيل لكم : فماهيته وذاته غير متناهية بل ذاهبة في الإبعاد إلى غير نهاية ، أم متناهية؟ فإن قلتم بالأول ؛ لزم منه محالات غير واحدة. وإن قلتم بالثاني ، بطل قولكم ، ولزم إثبات المباينة والجهة ، وهذا لا محيد عنه. وإن قلتم : لا نقول له ماهية ولا ليست له ماهية ، قيل : لا يليق بالعقول المخالفة لما جاءت به الرسل إلا هذا المحال والباطل ، وإن قلتم بل له ذات مخصوصة وماهية متميزة عن سائرت الماهيات ، ولا نقول : إنها متناهية ولا غير متناهية ، لأنها لا تقبل واحدا من الأمرين. قيل : التناهي وعدم التناهي يتقابلان تقابل السلب والإيجاب ، فلا واسطة بينهما ، كما لا واسطة بين الوجود والعدم ، والقدم والحدوث ، والسبق والمقارنة ، والقيام بالنفس والقيام بالغير ، وتقدير قسم آخر لا يقبل واحدا من الأمرين تقدير ذهني يفرضه الذهن كما يفرض

٢٧٤

سائر المحالات ولا يدل ذلك على وجوده في الخارج ولا إمكانه ، ألا ترى أن قائلا لو قال : التقسيم يقتضي أن المعلوم إما قديم وإما حادث وإما قديم حادث وإما لا قديم ولا حادث كان التقسيم ذهنيا لا خارجيا وإن سلب النقيضين في ذلك كله في الإحالة كإثبات النقيضين؟

(فصل) يقال : ذاته سبحانه ؛ إما أن تكون قابلة العلو على العالم ، أو لا تكون قابلة فإن كانت قابلة وجب وجود المقبول لأنه صفة كمال ، وإلا لم تقبله ، لأن قبولها لذلك هو من لوازمها كقبول الذات للعالم والحياة والقدرة والسمع والبصر فوجدوا هذا إلزاما للذات ضرورة ، ولأنها إذ قبلته فلو لم تتصف به لاتصفت بضده ، وهو نقص يتعالى الله ويتقدس عنه. إن لم تكن قابلة للعلو لزم أن يكون قابل لعلو أكمل منها ؛ لأن ما يقبل أن يكون عاليا ، وإن لم يكن عاليا أكمل ممن لا يقبل العلو وما قبله وكان عاليا أكمل ممن قبله لم يكن عاليا. فالمراتب ثلاثة : أدناها ما لا يقبل العلو وأعلاها ما قبله واتصف به. والذي يوضح ذلك : أن ما لا يقبل أن يكون فوق غيره ولا عاليا عليه ؛ إما أن يكون عرضا من الأعراض لا يقوم بنفسه ، ولا يقبل أن يكون عاليا على غيره وإما أن يكون أمرا عدميا لا يقبل ذلك ، وأما إثبات ذات قائمة بنفسها متصفة بالسمع والبصر والقدرة والحياة والإرادة والعلم والفعل. ومع ذلك لا تقبل أن تكون عالية على غيرها ، فهذا بإمكان تصوره قبل التصديق بوجوده وليس مع من ادعى إمكانه إلا الكليات ، وكلاهما وجوده

ذهني لا وجود له في الخارج وإلا فما له وجود خارجي ، وهو قائم بنفسه له ذات يختص بها عن سائر الذوات موصوف بصفات الحى الفعال لا يمكن إلحاقه بالكليات والمجردات التي هي خيالات ذهنية لا أمور خارجية ، وقد اعترف المتكلمون بأن وجود الكليات والمجردات إنما هو في الأذهان لا في الأعيان.

* * *

فصل

الجهمية المعطلة معترفون بوصفه تعالى بعلو القهر وعلو القدر ، وأن ذلك كمالا لا نقص ، وأنه من لوازم ذاته ، فيقال : ما أثبتم به هذين النوعين من

٢٧٥

العلو والفوقية هو بعينه حجة خصومكم عليكم في إثبات علو الذات له سبحانه ، وما نقيم به علو الذات يلزمكم أن تنفوا به ذينك الوجهين من العلو ، فأحد الأمرين لازم لكم ولا بد ، إما أن تثبتوا له سبحانه العلو المطلق من كل وجه ذاتا وقهرا وقدرا ، وإما أن تنفوا ذلك كله ، فإنكم إنما نفيتم علو ذاته سبحانه بناء على لزوم التجسيم ، وهو لازم فيما أثبتموه من وجهي العلو ، فإن الذات القاهرة لغيرها التي هي أعلى قدرا من غيرها. إن لم يعقل كونها غير جسم لزمكم التجسيم وإن عقل كونها غير جسم فكيف لا يعقل أن تكون الذات العالية على سائر الذوات غير جسم؟ وكيف لزم التجسيم من هذا العلو ولم يلزم من ذلك العلو؟

(فإن قلتم) لأن هذا العلو يستلزم تميز شيء عن شيء منه (قيل لكم) في الذهن أو في الخارج؟ فإن قلتم : في الخارج ، كذبتم وافتريتم وأضحكتم عليكم العقلاء ، وإن قلتم في الذهن ، فهو للإلزام لكل من أثبت للعالم ربا خالقا. ولا خلاص من ذلك إلا بإنكار وجوده رأسا.

يوضحه : أن الفلاسفة لما أوردوا عليكم هذه الحجة بعينها في نفس الصفات أجبتم عنها بأن قلتم : واللفظ للرازي في نهايته ، فقال : قوله : يلزم من إثبات الصفات وقوع الكثرة في الحقيقة الإلهية ، فتكون تلك الحقيقة ممكنة ـ قلنا إن عنيتم به احتياج تلك الحقيقة إلى سبب خارجي فلا يلزم احتياج تلك الصفات إلى الذات الواجبة لذاتها ، وإن عنيتم به توقف الصفات في ثبوتها على تلك الذات المخصوصة بذلك مما يلزمه : فأين المحال؟ قال : وأيضا فعندكم الإضافات صفات وجودية في الخارج ، فيلزمكم ما ألزمتمونا في الصفات في الصور المرتسمة في ذاته من المعقولات. قال : ومما يحقق فساد قول الفلاسفة أنهم قالوا : إن الله عالم بالكليات وقالوا : إن العلم بالشيء عبارة عن حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم ، وقالوا : إن صورة المعلومات موجودة في ذات الله ؛ حتى ابن سينا قال : إن تلك الصفة إذا كانت غير داخلة في الذات كانت من لوازم الذات من كان هذا مذهبا له ، كيف يمكنه أن ينكر الصفات؟ قال :

٢٧٦

وفي الجملة فلا فرق بين الصفاتية وبين الفلاسفة ، لأن الصفاتية يقولون : إن الصفات قائمة بالذات والفلاسفة يقولون : هذه الصفات صور عقلية عوارض متقومة بالذات ، والذي يسميه الصفاتي صفة يسميه الفلسفي عارضا ، والذي يسميه الصفاتي قياما يسميه الفيلسوف قواما ومقوما ولا فرق إلا في العبارات ، إلا فلا فرق في المعنى. هذا لفظه.

فيقول له مثبتوا العلو : هلا قنعت منا بهذا الجواب بعينه حتى قلت يلزم من علوه أن يتميز منه شيء عن شيء ، ويلزم وقوع الكثيرة في الحقيقة الإلهية ، وتكون قد وافقت السمع ونصوص الأنبياء وكتب الله كلها وأدلة العقول والفطر الصحيحة وإجماع أهل السنة قاطبة؟

هذه الحجة العقلية القطعية وهي الاحتجاج بكون الرب قائما بنفسه على كونه مباينا للعلم ، وذلك ملزوم لكونه فوقه عاليا عليه بالذات ، لما كانت حجة صحيحة لا يمكن مدافعتها ، وكانت مما ناظر بها الكرامية (١) أبا إسحاق الأسفرائيني (٢) فر أبو إسحاق إلى كون الرب قائما بنفسه بالمعنى المعقول ، وقال : لا نسلم أنه قائم بنفسه إلا بمعنى أنه عنى عن المحل ، فجعل قيامه بنفسه وصفا عدميا لا ثبوتيا ، وهذا لازم لسائر المعطلة النفاة لعلوه ، ومن المعلوم أن كون الشيء قائما بنفسه أبلغ من كونه قائما بغيره. وإذا كان القيام العرض بغيره

__________________

(١) الكرامية : نسبة إلى محمد بن كرام السجستاني أبو عبد الله الزاهد ، وكان من عباد المرجئة ، وذكر فى كتابه أن الله تعالى مماس لعرشه وأن العرش مكان له وأبدل أصحابه لفظ «المماسة» بلفظ : «الملاقاة» منه للعرش ، وينقسم أتباعه إلى ثلاثة طوائف : حقائقية ، وطرقية ، وإسحاقية.

وانظر تعريفهم وضلالاتهم : (الملل والنحل للشهرستاني : ١ / ١٠٨ ، والفرق بين الفرق فقرة : ١١٩).

(٢) الأسفرائيني : هو ركن الدين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران ، أبو إسحاق الأسفرائيني قال عنه الحاكم : أخذ عنه الكلام والأصول وعامة شيوخ نيسابور ، وأقر له بالعلم أهل العراق وخراسان ا ه وكان فقيها على مذهب الشافعي رحمه‌الله توفى (٤١٨ ه‍) ا ه (وفيات الأعيان : ١ / ٢٨) بتصرف.

٢٧٧

يمتنع أن يكون عدميا ، بل وجوديا ، فقيام الشيء بنفسه أحق ألا يكون أمرا عدميا بل وجوديا وإذا كان قيام المخلوق بنفسه صفة كمال وهو مفتقر بالذات إلى غيره فقيام الغنى بذاته بنفسه أحق وأولى.

(فصل) القيام بالنفس صفة كمال ، فالقائم بنفسه أكمل ممن لا يقوم بنفسه ، ومن كان غناه من لوازم ذاته فقيامه بنفسه من لوازم ذاته ، وهذه حقيقة قيوميته سبحانه وهو الحى القيوم ، والقيوم : القيوم بنفسه المقيم لغيره ، فمن أنكر قيامه بنفسه بالمعنى المعقول فقد أنكر قيوميته وأثبت له قياما بالنفس يشاركه فيه العدم المحض ، بل جعل قيوميته أمرا عدميا لا وصفا ثبوتيا ، وهي عدم الحاجة إلى المحل ، ومعلوم أن المحل لا يحتاج إلى محل.

وأيضا فإنه يقال له : ما تعنى بعدم الحاجة إلى المحل : أتعني به الأمر المعقول من قيام الشيء بنفسه الذي يفارق به العرض القائم بغيره أم تعنى به أمرا آخر؟ فإن عنيت به الأول فهو المعنى المعقول ، والدليل قائم والإلزام صحيح ؛ وإن عنيت به أمرا آخر فإما أن يكون وجوديا ؛ وإما أن يكون عدميا فإن كان عدميا والعدم لا شيء كاسمه ؛ فتعود قيومته سبحانه إلى لا شيء؟ وإن عنيت به أمرا وجوديا غير المعنى المعقول الذي تعلقه الخاصة والعامة فلا بد من بيانه لينظر فيه ، هل يستلزم المباينة أم لا؟

(فصل) كل من أقر بوجود رب للعالم مدبر له ، لزمه الإقرار بمباينته لخلقه وعلوه عليهم ، وكل من أنكر مباينته وعلوه لزمه إنكاره وتعطيله ، فهاتان دعوتان في جانب النفي والإثبات ؛ أما الدعوى الأولى فإنه أولا أقر بالرب ؛ فإما أن يقر بأن له ذاتا وماهية مخصوصة أولا؟ فإن لم يقر بذلك لم يقر بالرب ، فإن ربا لا ذات له ولا ماهية له هو والعدم سواء ، إن أقر بأن له ذاتا مخصوصة وماهية ، فإما أن يقر بتعيينها أو يقول إنها غير معينة؟ فإن قال : إنها غير معينة كانت خيالا في الذهن لا في الخارج ، فإنه لا يوجد في الخارج إلا معين ، لا سيما وتلك الذات أولى من تعيين كل معين ، فإنه يستحيل وقوع الشركة فيها وأن يوجد لها نظير ، فتعين ذاته سبحانه واجب ، وإذا أقر بأنها معينة لا كلية ،

٢٧٨

والعالم المشهود معين لا كلي. لزم قطعا مباينة أحد المتعينين للآخر ، فإنه إذا لم يباينه لم يعقل تميزه عنه وتعينه.

فإن قيل : هو يتعين بكونه لا داخلا فيه ولا خارجا عنه ، قيل : هذا ـ والله ـ حقيقة. قولكم ؛ وهو عين المحال ، وهو تصريح منكم بأنه لا ذات له ولا ماهية تخصه فإنه لو كان له ماهية يختص بها لكان تعينها لماهيته وذاته المخصوصة ، وأنتم إنما جعلتم تعينه بأمر عدمي محض ونفي صرف ، وهو كونه لا داخل العالم ولا خارجا عنه ، وهذا التعيين لا يقتضي وجوده مما به يصح على العدم المحض ، وأيضا فالعدم المحض لا يعين المتعين ، فإنه لا شيء وإما يعينه ذاته المخصوصة وصفاته ، فلزم قطعا من إثبات ذاته تعين تلك الذات ؛ ومن تعينها مباينتها للمخلوقات ، ومن المباينة العلو عليها لما تقدم من تقريره وصح بمقتضى العقل والنقل والفطرة ، ولزم من صحة هذه الدعوى صحة الدعوى الثانية ، وهي أن من أمكن مباينته للعالم وعلوه عليه لزمه إمكان ربوبيته وكونه إلها للعالم.

(فصل) ثبت بالفعل إمكان رؤيته تعالى ، وبالشرع وقوعها في الآخرة ؛ فاتفق الشرع والعقل على امكان الرؤية ووقوعها ، فإن الرؤية أمر وجودي لا يتعلق إلا بموجود ، وما كان أكمل وجودا كان أحق أن يرى ، فالبارى سبحانه أحق أن يرى من كل ما سواه ، لأن وجوده أكمل من كل موجود سواه.

يوضحه : أن تعذر الرؤية إما لخفاء المرئي ، وإما لآفة وضعف في الرائي ، والرب سبحانه أظهر من كل موجود ، وإنما تعذرت رؤيته في الدنيا لضعف القوة الباصرة عن النظر إليه ، فإذا كان الرائي في دار البقاء كانت قوة البصر في غاية القوة لأنها دائمة ، فقويت على رؤيته تعالى ، وإذا جاز أن يرى ، فالرؤية المعقولة له عند جميع بني آدم ، عربهم وعجمهم وتركهم وسائر طوائفهم ، أن يكون المرئي مقابلا للرائي مواجها له بائنا عنه ، لا تعقل الأمم رؤية غير ذلك. وإذا كانت الرؤية مستلزمة لمواجهة الرائي ومباينة المرئي لزم ضرورة أن يكون مرئيا

٢٧٩

له من فوقه أو من تحته أو عن يمينه أو عن شماله أو خلفه أو أمامه ، وقد دل النقل الصريح على أنهم إنما يرونه سبحانه من فوقهم ، لا من تحتهم ، كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور ، فرفعوا رءوسهم فاذا الجبار جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم ، وقال : يا أهل الجنة سلام عليكم ـ ثم قرأ : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) ثم يتوارى عنهم وتبقى رحمته وبركته عليهم في ديارهم» (١). فلا يجتمع للإقرار بالرؤية بالإنكار الفوقية والمباينة ، ولهذا فإن الجهمية المغول تنكر علوه على خلقه ورؤية المؤمنين له في الآخرة ؛ ومخانيثهم يقرون بالرؤية وينكرون العلو وقد ضحك جمهور العقلاء من القائلين بأن الرؤية تحصل من غير مواجهة المرئي ومباينته ، وهذا رد لما هو مركوز في الفطر والعقول.

قال المنكرون : الإنسان يرى صورته في المرآة وليست صورته في جهة منها.

قال العقلاء : هذا هو التلبيس ؛ فإنه إنما يرى خيال صورته ، وهو عرض منطبع في الجسم الصقيل ، هو في جهة منها ؛ ولا يرى حقيقة صورته القائمة به ، والذين قالوا يرى من غير مقابله ولا يرى حقيقة صورته القائمة به ، والذين قالوا : يرى من غير مقابلة ولا مباينة قالوا : الصحيح الرؤية في الوجود ؛ وكل موجود يصح أن يرى ، فالتزموا روية الأصوات والروائح والعلوم والإرادات والمعاني كلها وجواز أكلها وشربها وشمسها ولمسها ، فهذا منتهى عقولهم.

الوجه التاسع والأربعون : إن من ادعى معارضة الوحى بعقله لم يقدر الله حق قدره ، وقد ذم الله سبحانه وتعالى من لم يقدر الله حق قدره في ثلاثة مواضع من كتابة : أحدهما قوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى

__________________

(١) [ضعيف] أخرجه ابن ماجه (١٨٤) باب : فيما أنكرت الجهمية ، قال البوصيري هذا إسناد ضعيف لضعف الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشى ا ه «مصباح الزجاجة» (١ / ٨٦) وضعفه الشيخ في : «ضعيف ابن ماجه» و «مختصر العلو» (٥٢١) ، و «الطحاوية» (١٤١).

٢٨٠