مختصر الصواعق المرسلة على الجهميّة والمعطّلة

ابن القيّم الجوزيّة

مختصر الصواعق المرسلة على الجهميّة والمعطّلة

المؤلف:

ابن القيّم الجوزيّة


المحقق: رضوان جامع رضوان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٨٧

فصل

وقال الشيخ أبو إسحاق في «اللمع» :

وإذا خص من العموم شيء لم يصر اللفظ مجازا فيما بقي ، وقالت المعتزلة يصير مجازا ، وكذلك الشيخ أبو نصر بن الصباغ ، صرح بذلك في كتاب «العمدة» في أصول الفقه ، ولا نزاع بين المتقدمين من أصحاب الشافعي وأحمد أن العام المخصوص حقيقة ، وكذلك أصحاب مالك ، وإن كان بين المتأخرين منهم نزاع في ذلك ، كما لا نزاع بين الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة أنه حجة ، ومن نقل عن أحد منهم أنه لا يحتج بالعام المخصوص فهو غلط أقبح غلط وأفحشه ، وإذا لم يحتج بالعام المخصوص ذهبت أكثر الشريعة وبطلت أعظم أصول الفقه.

وهاهنا مسألتان (إحداهما) : أنه هل يصير مجازا بعد التخصيص أم هو حقيقة؟ (والثانية) : هل يحتج به بعد التخصيص أم لا؟ وبعض المصنفين الغالطين يجعلها واحدة ويبني إحداهما على الأخرى ، فنقول : إذا بقى مجازا صار مجملا فلا يحتج به ، وهذا غلط يتركب منه أن العام المخصوص بالاستثناء والشرط والغاية والصفة وبدل البعض من الكل لا يحتج به عند من يجعل ذلك مجازا ، ومن نسب إلى الأئمة هذا وهذا فقد كذب عليهم ، ويلزم هؤلاء أن يكون أفضل الكلام وأعلاه الذي لا يدخل في الإسلام إلا به وهو كلمة لا إله إلا الله مجازا وأن يكون : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران : ٩٧) مجازا وأن يكون قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (البقرة : ٢١) مجازا ، وأن يكون قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) (الجمعة : ٩) مجازا ، وفساد هذا معلوم بالضرورة لغة وشرعا وعقلا ، قبح الله قولا ويتضمن أن يكون لا إله إلا الله مجازا فلا كان المجاز ولا يكون ولا هو كائن.

٤٢١

وسيأتى بيان أن أرباب المجاز يلزمهم أن يكون قولنا محمد رسول الله مجازا ، بل ذلك صريح قولهم فإنهم صرحوا أن الإضافة تقييد وأصابوا في ذلك وصرحوا بأن اللفظ وضع مطلقا لا مقيدا ، فاستعماله في المقيد استعمال له في غير ما وضع له كاستعمال العام في الخاص ، وذلك المجاز بعد التخصيص كهذا المجاز بعد التقييد ، فإن الإضافة تفيد المطلق كما أن الاستثناء والشرط والغاية والبدل والصفة تخص العموم ، وقد صرح ابن جني أن أكثر اللغة مجاز ، قال : وكذلك عامة الأفعال كقام وقعد وانطلق وجاء ، قال : لأن الفعل يستفاد منه الجنس ، ومعلوم أن الفاعل لم يكن منه جميع القيام ، وسيأتي تمام كلامه والبيان الواضح في فساده.

والمقصود أن على هذا القول الفاسد يكون قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) (الفتح : ٢٨) ، وقوله : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) (النساء : ٧٩) ، وقوله (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) (البقرة : ٢١٣) كل ذلك مجازا لا حقيقة له بل كل فعل أضافه الرب إلى نفسه وإلى خلقه مجاز لا حقيقة له على قول هذا المبتدع الضال ، فإن الفعل جنس ، والجنس يطلق على جميع الماضى وجميع الحاضر وجميع الأمور والكائنات وعن كل من وجد منه القيام ، ومعلوم أنه لا يجتمع لإنسان واحد في وقت واحد ولا في مائة ألف سنة مضاعفة القيام كله الداخل تحت الوهم ، هذا محال ، وإذا كان كذلك علمت أن قام زيد مجاز لا حقيقة.

فانظر كيف أقر واستدل وقرر أأفعال الله كلها مجاز ، فخلق السماوات والأرض عنده مجاز ، وقد صرح بأن المجاز يصح نفيه ، وأرسل رسوله بالهدى ودين الحق مجاز عنده ، فقبح الله هذا القول ولا بارك الله في أصل يتضمن هذا الكفر والجنون وقد صرح مغل الجهمية بأن خلق واستوى مجاز ، فلا خلق في الحقيقة ولا استوى على عرشه ، فإن الخلق فعل فلا يصح قيامه به عندهم لأنه حادث ؛ فلم يقم به خلق البتة ، وإنما يقال خلق على سبيل المجاز للتعلق العدمي بين المخلوق وبينه سبحانه.

٤٢٢

وابن جني وذووه لو اعترفوا بأن له سبحانه أفعالا حقيقة لكانت كلها مجازا عندهم لما قرره من دلالة الفعل على جميع الأفراد والجنس ، وأما أن يستحيوا من العقلاء ويقولوا أن ذلك حقيقة فيلزمهم التناقض وهو أيسر الإلزامين ، فالأفعال دالة على المصادر المطلقة لا العامة ، فإذا التزم هؤلاء أنها مجازات لتقييدها بفاعليها كان ذلك كالتزام أولئك أن الألفاظ العامة ، إذا خصت صارت مجازات ، فكما لزم أولئك أن تكون لا إله إلا الله مجازا ، لزم هؤلاء أن يكون محمد رسول الله مجازا ، إذا تقييد هذا المطلق قد أخرجه عندهم عن موضوعه ، كما أن تخصيص ذلك العام قد أخرجه عند أولئك عن موضوعه ، والطائفتان مخطئتان أقبح خطأ : فاللفظ لم يخرج عن موضوعه بالتخصيص ولا التقييد ويزيده إيضاحا :

الوجه السابع والثلاثون : إن اللفظ لو كان يخرج بالتخصيص والتقييد عن موضوعه لكن عدة موضوعات بحسب تعدد قيوده. فإما أن يدعى أنه مجاز في ذلك كله أو حقيقة في الجميع ، أو يفرق بين بعض المحال وبعض فالأول والثالث باطلان فيتعين الثاني.

مثال ذلك في الأفعال أنهم يقولون : قام ؛ فيفيد إثبات القيام ، ويقولون : ما قام ؛ فيفيد انتفاء القيام ، ويقولون : أقام؟ فيفيد معنى آخر وهو الاستفهام عن وجود القيام ، يقولون : متى قام؟ فيفيد السؤال عن زمن قيامه ، ويقولون : أين قام؟ فيفيد السؤال عن مكانه قيامه. ويقولون : يقوم : فيفيد عن معنى قام ، ويقولون : قم ، فيفيد عن المعنيين ، وقد اختلفت دلالة اللفظ باختلاف هذه القيود ، وهى حقيقة في الجميع وكذلك إذا قلت : المسلمون كلهم في الجنة كان حقيقة ، وإذا قلت : الناس كلهم في النار إلا المسلمين كان حقيقة ، وإذا قلت : أعتق رقبة كان حقيقة ، وإذا قلت : رقبة مؤمنة ، كان حقيقة ، وكذلك إن زدت في تقييدها : بالغة عاقلة عربية ناطقة ونحو ذلك نقضت دلالة اللفظ المطلق ولم يخرج عن حقيقته ، ومن زعم أنه قد خرج عن حقيقته وموضوعه فقد أخطأ ؛ فهكذا إذا قلت : ركبنا البحر فهاج بنا ، كان حقيقة فإذا قلت : أتينا البحر

٤٢٣

فاقتبسنا منه علما كان حقيقة ، وكذلك إذا قلت : خرجنا في السفر فعرض لنا الأسد فقطع علينا الطريق كان كلاما بينا بنفسه في المراد منه ، فإذا قلت : نزلنا على الأسد فحمانا وأقرأنا كان بينا بنفسه وكان حقيقة ، وهو موضوع لكلا المعنيين مستعمل في موضوعه كالمطلق والمقيد سواء. فأي فرق بين ذلك حتى يدعى المجاز في بعض الاستعمالات والحقيقة في بعضها.

ولهذا لما تفطن لهذا من تفطن له من الأذكياء صاروا فريقين : فرقة أنكرت المجاز بالكلية ، وفرقة ادعت أن اللغة كلها إلا النادر منها مجاز ، فإنهم رأوا فساد تلك الفروق وتناقضها فلم يرضوا لأنفسهم بالتناقض والتحكم البارد.

يوضحه :

(اللغة على قولهم إما أن تكون كلها حقيقة أو كلها مجازا)

الوجه الثامن والثلاثون : إنه إن كان في اللغة مجاز على الوجه الذي يذكرونه لزم أن يكون كلها مجازا ، وإن كانت مشتملة على الحقيقة فكلها حقيقة.

بيان ذلك أن المفردات ثلاثة أنواع : أسماء وأفعال وحروف ، وهي روابط بين الأسماء والأفعال ، وهذه الروابط لها دلالتها على معناها الإفرادى مشروط بذكر متعلقاتها وهو القرينة المبينة لمعناها ؛ فدلالتها الموقوفة على القرينة لا تدل بمطلقها ، وذلك أمارة المجاز عندهم ، بل هذا أبلغ في ثبوت المجاز حيث كانت القرينة شرطا في إفادتها ، فهم بين أمرين : إما أن يدعوا أن الحروف كلها مجاز فهذا غلط ، لو كان المجاز ثابتا فإنها لم يسبق لها موضوع غير موضوعها الذي هى مستعملة فيه ، بل استعمالها في موضوعاتها. وإما أن يقول إن توقف فهم معناها على القرينة لا يوجب لها أن تكون مجازا فيقال لهم : هكذا الأسماء والأفعال التي لها دلالة عند الاقتران ودلالة عند التجرد لا يؤدي توقف فهم معناها عند الاقتران على القرينة أن تكون مجازا. وهل الفرق إلا تحكم محض؟

فإن قلتم : الأسماء والأفعال لها دالتان : دلالة عند التجرد ودلالة عند

٤٢٤

الاقتران ، فأمكن أن يكون لها جهتان ، وأما الحروف فلا تدل الا مع الاقتران فليس لها جهة حقيقة ومجاز ، قيل لكم دلالة الأسماء والأفعال عند التجرد عن كل قيد كدلالة الحروف سواء لا فرق بينهما لغة ولا عقلا ، فإن قولك رجل وماء وتراب ، كقولك في وعلى وثم وقام وقعد وضرب ، فالجميع أصوات ينعق بها لا تفيد شيئا وشرط إفادتها تركيبها ، فكما أن شرط إفادة الحرف تركيبه مع غيره فشرط إفادة الاسم والفعل تركيبهما.

فإن قلت : أن أفهم من رجل وماء وتراب مسمى هذه الألفاظ بمجرد ذكرها. قيل : فافهم من قولك في وعلى وثم ومسمى تلك الحروف بمجرد ذكرها ، وهي الظرفية والاستعلاء والترتيب والتراخي.

فإن قلت : لا يعقل معنى الظرفية الا بالمظروف والظرف ، ولا معنى الاستعلاء إلا بالمستعلى والمستعلى عليه ، ولا معنى الترتيب إلا بالمرتب والمرتب عليه ، وهذه هى متعلقات الحروف. قيل : لا فرق بينهما فإنه يفهم من (في) ظرفية مطلقة ومن (على) استعلاء مطلق ، ومن (ثم) ترتيب مطلق ، كما يفهم من رجل وماء وتراب معان مطلقة ، وهي صور ذهنية مجردة لا يقارنها علم بوجودها في الخارج ولا عدمها ولا وجود شيء لها ولا سلب شيء عنها ، بل هي تخيلات ساذجة ، وفهم معانيها المخصوصة المفيدة متوقف على ترتيبها ، فإذا قلت جاءني رجل فأكرمته ، كانت دلالته على المعنى المقيد ، كدلالة الحرف على معناه المقيد عند تركيبه ، كقولك علمت على السطح وتقول (على) للاستعلاء (وفي) للوعاء فتفيد الحكم على معناها المطلق ، كما تقول الذكر أشرف من الأنثى ، والرجل أنفع من المرأة ، فيفيد الحكم على المعنى المطلق.

فههنا ثلاثة أمور وهي معتبرة في الحروف وتسميتها ، فإنك تقول (على) مجردة وتقول على للاستعلاء. وتقول زيد على السطح كما تقول رجل ، والرجل خير من المرأة ، فدعوى المجاز في بعض ذلك دون بعض تحكم لا وجه له ، ودلالة الاسم والفعل على المعنى المطبق من غير تقييد إن كانت هى حقيقة اللفظ كان

٤٢٥

لكل مقيد مجازا ، وإن كانت دلالتها عند التقييد لم توجب لهما مفارقة الحقيقة ، فكل مقيد حقيقة. ألا ترى أنك تقول عندي رجل فيكون له دلالة ، فإذا قلت : الرجل عندي تغيرت دلالته وانتقلت من التنكير إلى التعريف ، فإذا قلت عندي رجل عالم تقيد منع دلالته على غيره ، فإذا قلت عندي رجلان كان له دلالة أخرى فإذا قلت رجال تغيرت الدلالة ولم يخرج بذلك عن حقيقته وموضوعه ، بل اختلفت دلالته بحسب القرائن التي تكون في أوله تارة وفي آخره تارة ، وهي متصلة به وتكون منفصلة عنه تارة ، إما لفظية وإما عرفية وإما عقلية ، فهذا أمر معلوم عند الناس في مخاطبات بعضهم مع بعض ، وهو من ضرورة الفهم والتفهيم لا يختص بلغة دون لغة.

فالفرق بين المعاني المطلقة والمقيدة أمر ضروري ، والحاجة في التمييز بينهما في العبارة من لوازم النطق ، فمن ادعى أن بعضها هو الأصل ، وأن اللفظ وضع له أولا ، ثم نقل عنه بعد ذلك إلى المعاني الأخر فهو مكابر ، إذ تصور تلك المعانى والتعبير عنها أمر لازم للناطق ونطقه ، بل نقول إن لزوم المقيد له وحاجته إلى التعبير عنه وإفهامه فوق حاجته إلى المطلق ، فإن القصد من الخطاب قيام مصالح النوع الإنساني بالفهم والتفهيم والمطلق صورة ذهنية لا وجود لها في الخارج ، وكذلك اللفظ المطلق المجرد لا يفيد فائدة وإنما محل الإفادة والاستفادة هو طلب المعاني المقيدة والألفاظ المقيدة ، فهي التي تشتد الحاجة إلى طلبها والخبر عنها ، فهؤلاء عكسوا الأمر فجعلوا ما لا غنى للناطق عنه مجازا وما لا ، يحتاج إليه ، ولا تشتد حاجته إلى فهمه وتفهيمه حقيقة.

(والمقصود) إنه إن كان المجاز حقا ثابتا فاللغة كلها مجاز ، فإن الألفاظ لا تستعمل إلا مقيدة تخالف دلالتها عند الإطلاق ، وإن كانت الحقيقة موجودة فإن اللغة كلها حقيقة ما دلت على المراد بتركيبها. وهذا شأن جميع الألفاظ. يوضحه :

الوجه التاسع والثلاثون : إن هؤلاء أوتوا من تقدير في الذهن لا حقيقة له ،

٤٢٦

فإنهم أصابهم في تجريد الألفاظ عن قيودها وتركيبها ، ثم الحكم عليها مجردة بحكم ، وعليها عند تقييدها بحكم غيره ما أصاب المنطقيين ومن سلك سبيلهم من الملاحدة في تجريد المعانى وأخذها مطلقة عن كل قيد ، ثم حكموا عليها في تلك الحال بأحكام ، ورأوا وجودها الخارجى مع قيودها يستلزم ضد تلك الأحكام ، فبقوا حائرين بين إنكار الوجود الخارجى وبين إبطال تلك الحقائق التي اعتبروها مجردة مطلقة ، فصاروا تارة يثبتون تلك المجردات في الخارج مجردة مطلقة ويسمونها المثل ، أي المثالات التي تشبه الحقائق الخارجية ، وتارة يثبتونها مقارنة للمشخصات لا تفارقها ، وتارة يجعلونها جزءا من المعينات ، وتارة يرجعون إلى حكم العقل ويقولون إن وجودها ذهني لا وجود لها في الخارج ، ولا يوجد في الخارج إلا مشخص معين مختص بأحكام ولوازم لا تكون المطلوب ، وهؤلاء الذين جردوا الحقائق عن قيودها وأخذوها مطلقة أخرجوا عن مسمياتها وماهياتها جميع القيود الخارجة فلم يجعلوها داخلة في حقيقتها ، فأثبتوا إنسانا لا طويلا ولا قصيرا ، ولا أسود ولا أبيض ، ولا في زمان ولا في مكان ، ولا ساكنا ولا متحركا ، ولا هو في العالم ولا خارجه ولا له لحم ولا عظم ، ولا عصب ولا ظفر ، ولا له شخص ولا ظل ولا يوصف بصفة ولا يتقيد بقيد ، ثم رأوا الإنسان الخارجي بخلاف ذلك كله ، فقالوا هذه عوارض خارجة عن حقيقته ، وجعلوا حقيقة تلك الصورة الخيالية التي جردوها ، فهى المعنى والحقيقة عند هؤلاء الذين اعتبروها مجردة عن سائر القيود ، وجعلهم تلك الأمور التي لا تكون إنسانا في الخارج لأنها خارجة عن حقيقته كجعل هؤلاء القيود التي لا تكون اللفظ مفيدا إلا بها مقتضية لمجازه.

فتأمل هذا التشابه والتناسب بين الفريقين ، هؤلاء في تجريد المعانى وهؤلاء في تجريد الألفاظ ، وتأمل ما دخل على هؤلاء من الفساد في اللفظ والمعنى ، وبسبب هذا الغلط دخل من الفساد في العلوم ما لا يعلمه إلا الله تعالى.

(أنواع القرائن)

الوجه الأربعون : إن اللفظ لا بد أن يقترن به ما يدل على المراد به.

٤٢٧

والقرائن ضربان : لفظية ومعنوية ، واللفظية نوعان : متصلة ومنفصلة ، والمتصلة ضربان : مستقلة وغير مستقلة ، والمعنوية إما عقلية وإما عرفية ؛ والعرفية إما عامة وإما خاصة وتارة يكون عرف المتكلم وعادته ، وتارة عرف المخاطب وعادته ، فما الّذي تعتبرون في المجاز من تلك القرائن ، هل هو الجميع؟ فكل ما اقترن به شيء من ذلك كان مجازا ، فجميع لغات بني آدم مجاز ، أو اللفظية دون المعنوية أو العكس ، أو بعض اللفظ دون بعض ، فلا يذكرون نوعا من ذلك إلا طولبوا بالفرق بينه وبين بقية الأنواع لغة أو عقلا أو شرعا ، وكانوا في ذلك متحكمين مفرقين بين ما لا يسوغ التفريق بينه.

الوجه الحادى والأربعون : إن جمهور الأمة على أن العالم المخصوص حقيقة ، سواء خص بمتصل أو منفصل ، بعقلى أو لفظي كما تقدم ، وأنه حجة بإجماع الصحابة والتابعين وتابعييهم ، وإنما حدث الخلاف في ذلك بعد انقراض العصور المفضلة التي شهد لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنها خير القرون ، وقالوا إنه يصير بعد التخصيص مجازا ، وقال بعضهم يبقى مجملا لا يحتج به ، فقال لهم الجمهور : هو بعد التخصيص مستعمل فيما وضع له ، قالوا فإنه موضوع للعموم بمجرده وللخصوص بقرينة متصلة به مثل الاستثناء ، فإن قوله اقتلوا المشركين إلا أهل الكتاب ليس مجازا وهو مستعمل فيما وضع له ، والقرينة المنفصلة في معنى القرينة المتصلة ، والخاص مع العام بمنزلة المستثنى مع المستثنى منه ، ولذلك يقول القائل خرج زيد ، فيكون إخبارا عن خروجه ، ويضم إليه «ما» فيكون إخبار عن ضده ، وتضيف إليه الهمزة فيكون استفهاما ، وكل ذلك حقيقة. فكذلك مسئلتنا.

هذه ألفاظ القاضى أبي الطيب. فتأمل كيف هى صريحة في نفي المجاز ، وأن اللفظ موضوع لمطلق المعنى وبالقرينة لغيره ، وأن ذلك كله حقيقة ، وهذا هو التحقيق دون التحكم والتناقض ، ولهذا لما فهم القائلون بأنه يصير مجازا بعد التحقيق عن ذلك ألزموا الجمهور بنفي المجاز ، فقالوا هذا يؤدى إلي أن يكون في اللغة مجاز. قالوا لأن قولنا (بحر) موضوع للماء الكثير بمجرده ، والعالم

٤٢٨

والجواد بقرينة ، والأسد موضوع للحيوان المفترس بمجرده ، وللرجل الشجاع بقرينة. وإذا كان كذلك ارتفع المجاز في اللغة. وهذا سؤال صحيح ، ولهذا لم يجبهم عنه منازعون إلا بأنه مشترك الإلزام ، فقالوا في جوابهم : إن هذا لزمنا في التخصيص لزمكم في الاستثناء ، فإنكم تقولون في الاستثناء ما نقوله نحن في التخصيص.

هذا لفظ جوابهم ، فقد اعترف الفريقان بأن القول بكون العام المخصوص حقيقة ينفي المجاز بالكلية ، ولم يكن عند القائلين جواب سوى أن هذا يلزمنا ويلزمكم جميعا ، فثبت باعتراف الفريقين لزوم نفي المجاز لكون العام المخصوص حقيقة ، وجمهور أهل الأرض على أنه حقيقة ، بل لا يعرف في ذلك خلاف متقدم البتة. فإذا كان الحق أنه حقيقة ولزمه نفي المجاز ولازم الحق حق ، فنفي المجاز هو الحق ، فهذا تقرير نفي المجاز من نفس قولهم تقريرا لا حيلة لهم في دفعه.

الوجه الثاني والأربعون : إن القائلين بالمجاز قالوا ـ واللفظ لأبي الحسين ـ يعرف المجاز بالاستدلال ، وذلك بأن يسبق إلى أذهان أهل اللغة عند سماع اللفظ من غير قرينة معنى من المعانى دون معنى آخر ، فعلموا بذلك أنه حقيقة فيما سبق إلى الفهم ، لأنه لو لا أنه قد اضطر السامع من قصد الواضعين إلى أنهم وضعوا اللفظ ـ لذلك المعنى ما سبق إلى فهمه ذلك المعنى دون غيره.

فهذا الكلام يتضمن أمرين (أحدهما) أن يكون السابق يسبق إلى أفهام أهل اللغة دون غيرهم ، فمن لم يكن من أهل اللغة العربية التي بها نزل القرآن ، لم يكن من أهل هذه اللغة كالنبط (١) الذين أكثر عاداتهم استعمال كثير من الألفاظ في غير ما كانت العرب تستعمله فيها ، وحينئذ فلا عبرة بالسبق إلى أفهام النبط الذين ليسوا من هؤلاء العرب العرباء ، فأكثر القائلين بالمجاز أو كلهم ليسوا من

__________________

(١) الأنباط : شعب سامي كانت له دولة في شمالى شبه الجزيرة العربية ، وعاصمتهم «سلع» ؛ وتعرف اليوم ب «البتراء» (الوجيز).

٤٢٩

أولئك العرب ، بل من النبط الذين لا يحتج بفهمهم باتفاق العقلاء وأما العرب الذين نزل القرآن بلسانهم ففهمهم هو الحجة.

فقولكم أمارة الحقيقة السبق إلى الفهم ، أفهم هؤلاء تريدون أم فهم النبط؟

وإذا كانت العبرة بفهم العرب فالله يعلم وملائكته وكتبه ورسله والعقلاء أن أحدا منهم لم يقل قط إن هذا اللفظ مستعمل فيما وضع له. وهذا غير مستعمل فيما وضع له. ولا قال عربى واحد منهم إن هذا حقيقة وهذا مجاز ، ولا قال أحد منهم إن هذا المعنى هو السابق إلي الفهم من هذا اللفظ دون هذا المعنى ، بل هم متفقون من أولهم إلى آخرهم على أن كل لفظ معه قرينة يسبق إلي الفهم ما يدل عليه مع تلك القرينة ، وذلك بالاطراد لهم لم يوقفهم عليه موقف ، بل هو معهم من أصل النشأة وهم أكمل عقولا وأصح أذهانا أن يجردوا الألفاظ عن جميع القرائن وينعقوا بها كالأصوات الغفل التي لا تفيد شيئا.

الأمر الثاني : قولكم أن يسبق إلى أفهام أهل اللغة عند سماع اللفظة من غير قرينة معنى ، فهذا نكرة في سياق النفى يعم كل قرينة ، وليس شيء من الكلام المؤلف المقيد يفيد بغير قرينة ، بل إما أن يكون مؤلفا من اسمين أو من اسم وفعل أو من اسم وحرف على رأى ، ولا بد أن تعرف عادة المتكلم في خطابة ولا بد من سياق يدل على المراد ، ولا بد من قيد يعين المراد ، فإن أردتم السبق إلى الفهم بدون كل قرينة ، فهذا غير موجود في الكلام المؤلف المنظوم ، ويوضحه :

الوجه الثالث والأربعين : إن القائلين بالمجاز قالوا : الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وضع له أولا ، والمجاز اللفظ المستعمل في غير ما وضع له أولا بقرينة ، ومنهم من قال القرينة استعمال الحقيقة في موضعه ، والمجاز استعماله في غير موضعه ، على التقديرين فالاستعمال عندكم داخل في حد الحقيقة ، والمجاز إما بالتضمن على الرأى الأول وإما بالمطابقة على الرأى الثانى ، وإذا كان كذلك فاللفظ المجرد عن جميع القرائن لا يستعمله العقلاء لا من العرب ولا من

٤٣٠

غيرهم ، ولا يستعمل إلا مقيدا ، (والاستعمال يقيده قطعا) ، ولا يجتمع قولكم إن الحقيقة اللفظ المستعمل فيما وضع له ، وقولكم هى ما يسبق إلى الفهم من اللفظ عند تجرده عن كل قرينة ، فتأمله ، يوضحه :

الوجه الرابع والأربعون : وهو مما يرفع المجاز بالكلية أنهم قالوا إن من علامة الحقيقة السبق إلى الفهم ، وشرطوا في كونها حقيقة الاستعمال كما تقدم ، وعند الاستعمال لا يسبق إلى الفهم غير المعنى الذي استعمل اللفظ فيه فيجب أن يكون حقيقة ، فلا يسبق إلى فهم أحد من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الفرس الذي ركبه «إن وجدناه لبحرا» (١) الماء الكثير المستبحر ، فإن في (وجدناه) ضميرا يعود على الفرس يمنع أن يراد به الماء الكثير ، ولا يسبق إلى فهم أحد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إن خالدا سيف سله الله على المشركين» (٢) أن خالدا حديدة طويلة له شفرتان ، بل السابق إلى الأفهام من هذا التركيب نظير السابق من قولهم : «يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء» (٣) ونظير السابق إلى الفهم من قوله إنه قال لا إله إلا الله بعد ما علوته بالسيف ، فكيف كان هذا حقيقة وذاك مجازا ، والسبق إلي الفهم في الموضعين واحد؟

__________________

(١) تقدم تخريجه ..

(٢) رواه الإمام أحمد (١ / ٨) والحاكم (٣ / ٢٩٨) بنحوه وصححه وذكره الحافظ الهيثمى في «المجمع» (٩ / ٣٤٨) وعزاه إلى الطبرانى وأحمد وقال : ورجالهما ثقات ا ه وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه‌الله : إسناده صحيح ا ه «تحقيق المسند» (٤٣) ورواه الحاكم (٣ / ٢٩٨) بلفظ : «لا تؤذوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله صبه على الكفار» وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، قال الذهبى : عن الشعبى مرسلا وهو أشبه ا ه.

وذكره أيضا الحافظ ابن حجر في الفتح (٧ / ١٢٧) وعزاه لابن حبان والحاكم وسكت عنه.

(٣) [حسن الإسناد وهو صحيح لغيره] أخرجه الإمام أحمد (٢ / ٢٣٧ ، ٣٦١ ، ٣٧٨ ، ٣٩٣) ، وأبو داود (٨٣) ، والترمذي (٦٩) ، والنسائي (١ / ١٧٦) ، والدارمى (٧٢٩ ، ٢٠١١) وابن ماجه (٣٨٦) ، والإمام مالك في «الموطأ» كتاب «الطهارة» باب (٣) ، وكتاب «الصيد» باب (٣).

وذكره الألباني في «صحيح ابن ماجه» وقال : حسن صحيح ا ه.

٤٣١

وكذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حمزة «أنه أسد الله وأسد رسوله» (١) وقول أبي بكر رضى الله عنه في قتادة : «لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه» لم يسبق فهمه أنه الحيوان الّذي يمشى على أربع ، بل يسبق من قوله أن ثلاثة حفروا زبية أسد فوقعوا فيها فقتلهم الأسد ، معناه ولا يفهم أحد من قوله تعالى : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) (النحل : ١١٢) إن الجوع والخوف طعام يؤكل بالفم ، بل هذا التركيب لهذا المفعول مع هذا الفعل حقيقة في معناه كالتركيب في قوله : (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) (قريش : ٤) ونسبة هذا إلى معناه المراد به كنسبة الآخر إلى معناه ، وفهم أحد المعنيين من هذا العقد والتركيب كفهم المعنى الآخر والسبق كالسبق ، والتجريد عن كل قرينة ممتنع وكذلك من سمع قوله : «الحجر الأسود يمين الله في الأرض ، فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه» (٢) لم يسبق إلى فهمه من هذا اللفظ غير معناه الّذي سيق له وقصد به ، وأن تقبيل الحجر الأسود ومصافحته منزل منزلة تقبيل يمين الله ومصافحته ، فهذا حقيقة هذا اللفظ ، فإن المتبادر السابق إلى الفهم منه لا يفهم الناس منه غير ذلك ، ولا يفهم أحد منه أن الحجر الأسود هو صفة الله القديمة القائمة به ، فهذا لا يخطر ببال أحد عند سماع هذا اللفظ أصلا ، فدعوى أن هذا حقيقة وأنه خرج إلى مجازه بهذا التركيب خطأ ، ونكتة هذا الوجه أن المجرد

__________________

(١) رواه الحاكم (٣ / ١٩٤) ، وابن سعد في «الطبقات» (٣ / ٨) وذكره الهيثمى في «المجمع» (٩ / ٢٦٨) ، وعزاه للطبرانى وقال : ويحيى وأبوه لم أعرفهما وبقية رجاله رجال الصحيح ا ه.

(٢) [حديث ضعيف] رواه الخطيب البغدادى في «تاريخه» (٦ / ٣٢٨) ، وذكره الملا على القارى في «الأسرار المرفوعة» (١١٣) ، وابن الجوزى في «العلل والمتناهية» (٢ / ٨٥).

ورواه أيضا الخطيب (٦ / ٣٢٨) بلفظ : «الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها عباده» من طريق إسحاق بن بشر الكاهلى.

وقال عنه : يروى عن مالك وغيره من الرفعاء أحاديث منكره وذكر له الألبانى روايات وطرق أخرى كلها ضعيفة فانظره في «السلسلة الضعيفة» (٢٢٣).

٤٣٢

لا يستعمل ولا يكون حقيقة ولا مجازا والمستعمل معه من القرائن ما يدل على المراد منه ويكون هو السابق إلى الفهم ، والمقدمتان لا ينكرهما المنازع ولا أحد من العقلاء. وذلك مما يرفع المجاز بالكلية.

الوجه الخامس والأربعون : إن القائلين بالمجاز قد أبطل بعضهم ضوابط بعض. قال أبو الحسين : وقد قيل إن الشيء إذا سمى باسم ما هو جزاء عنه كان حقيقة كقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (الشورى : ٤٠) أو باسم ما يؤدى إليه كالنكاح أو باسم ما يشبهه كتسمية البليد حمارا كان مجازا. قال أبو الحسين : ولقائل أن يقول لا يمتنع أن يستعمل في الشيء وفيما يشبهه وفيما هو جزاء عنه وفيما يؤدى إليه في أصل الوضع.

قال شيخنا : قول هؤلاء باطل بل هو بالضد أحق ، فإن الشيء يسمى باسم ما هو جزاء عنه فيكون حقيقة كقوله تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (الرحمن : ٦٠) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة» (١) قال تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) (النساء : ٨٦) وقال تعالى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) (التوبة : ٧) وقال تعالى : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) (محمد : ٧) (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) (الحج : ٤٠) وكذلك سمى الشيء باسم ما يشبهه ويكون حقيقة بل عامة أسماء الحقائق وأسماء الأجناس معلقة على الشيء وعلى ما يشبهه ، فكون الشيء يشبه المعنى يقتضي كون اللفظ حقيقة فيهما متواطئا أو مشككا ، ولا يقتضي أن يكون مجازا في أحد المتشابهين كما سيأتي تقريره إن شاء الله تعالى.

وكذلك لفظ النكاح فلم يقع في القرآن إلا والمراد به العقد والوطء فيتناولها جميعا ، وأما اختصاصه بالوطء وحده فليس في القرآن ولا في موضع واحد لكن

__________________

(١) رواه مسلم (٢٦٩٩) عن أبي هريرة ، ورواه البخارى (٢٤٤٢) بنحوه عن ابن عمر.

٤٣٣

اللفظ العام لشيئين في النهى يتناول النهى عن كل منهما بخلاف الأمر فإنه يتناولهما جميعا فلا يكون ممتثلا للنهى حتى يتركهما جميعا ولا للأمر حتى يفعلهما جميعا فقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) (النساء : ٢٢) يقتضي المنع من نكاح من عقد عليها الآباء ولم يدخلوا نهى وتحريم من وطئهن الآباء ولم يعقدوا عليهن ، وقوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ـ وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ـ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) (النساء : ٣ ، النور : ٣٢ ، النساء : ٢٥) ليس المراد به عقدا مجردا عن وطء ولا وطئا مجردا عن عقد بل هما جميعا ، وقد تقدم ذكر فروقهم وإبطالها ، وإنما أعدنا هذا الفرق لبيان أن القائلين بالمجاز قد أبطلوه وأنه باقتضاء ضد قولهم أولى.

(معاني الكلام : إما خبر وإما طلب وإما استفهام)

الوجه السادس والأربعون : إن معاني الكلام إما خبر وإما طلب وإما استفهام ، والطلب أمر ونهى وإنشاء ، وهذه حقائق ثابتة في أنفسها معقولة متميزة يميز العقل بينها ويحكم بصحة أقسامها ، وكذلك كان تقسيم الكلام إليها صحيحا ، لأنه لما صح تقسيم معناه صح تقسيم لفظه.

فإذا قيل الطلب ينقسم إلى أمر ونهى كان كل من المنقسمين متميزا بحقيقته عن الآخر لفظا ومعنى ، وهذا بخلاف تقسيم المعنى المدلول عليه إلى حقيقة ومجاز فإنه أمر لا يعقل ولا ينفصل فيه أحد القسمين عن الآخر ، فإن المعانى المتصورة إما أن تكون مفردة كتصور الماهيات تصورا ساذجا من غير أن يحكم عليها بنفي أو إثبات فهذه لا يتصور فيها التقسيم إلى حقيقة ومجاز. فإنها مجرد صور ذهنية تنتقش في النفس الناطقة ، وإما أن ينسب الذهن بعضها إلى بعض نسبة خبرية أو طلبية وهذه حقيقة الكلام المركب ، وهذه النسبة إما من باب العلوم إن كانت خبرية وإما من باب الإرادات إن كانت طلبية ، والنسبة الخبرية إما صادقة إن طابقت متعلقها وإما كاذبة إن لم تطابقه ، والنسبة الطلبية إما أن يكون المطلوب بها معدوما ، فيطلب إيجاده وهو الأمر أو موجودا فيطلب إعدامه ، أو معدوما

٤٣٤

فيطلب إبقاؤه على العدم وكف النفس عنه وهو النهي ، وهذه المعانى لا يتصور انقسامها في أنفسها إلى حقيقة ومجاز انقساما معقولا فلا يصح انقسام اللفظ الدال عليها. وهذا عكس انقسام اللفظ إلى خبر وطلب والطلب إلى أمر ونهى وإنشاء. فإن صحة هذا التقسيم اللفظي تابع لصحة انقسام المدلول المعنوى وحينئذ فنقول في :

الوجه السابع والأربعون : أنه لو صح تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز لكان ذلك إما باعتبار لفظه فقط أو باعتبار معناه فقط أو باعتبارهما معا ، فالتقسيم إما في الدليل وفي المدلول وإما في الدلالة والكل باطل ، فالتقسيم باطل. أما بطلانه باعتبار لفظه فقط فظاهر فإنه لم يقل عاقل إن اللفظ بقطع النظر عن معناه ومدلوله ينقسم إلى حقيقة ومجاز ، وأما بطلانه باعتبار المعنى فقط فلما قررناه من المعانى لا يتصور فيها الحقيقة والمجاز فإنها ثابتة وإما منتفية ، فإذا بطل التقسيم باعتبار كل من اللفظ والمعنى بطل باعتبارهما معا.

فإن قيل بل التقسيم صحيح باعتبار الدلالة فإنها إما حقيقة وإما مجازية.

قيل : هذا أيضا لا يصح فإن الدلالة يراد بها أمران (أحدهما) فعل الدال وهو دلالته بلفظه يقال له دلالة ، (والثانى) فهم السامع ذلك المعنى من اللفظ كما يقال حصلت له الدلالة ، والأشهر أن الأول بكسر الدال والثانى بفتحها وعلى التقديرين فالمعنى المقصود من اللفظ هو حقيقة وإن اختلفت وجوه دلالته بحسب غموض المعنى وخفائه واقتدار المتكلم على البيان وعجزه ومعرفة السامع بلغته وعادة خطابه وتقصيره في ذلك.

فإذا فهم السامع مقصود المتكلم فقد فهم حقيقة كلامه ، ولهذا يقال علمت حقيقة مقصودي وفهمت حقيقة كلامي ، فإذا قال اقطع عنى لسان فلان الشاعر وإذا دخلت بلد كذا فإن فيه بحر فاقتبس منه العلم ونحو ذلك ففعل ما أمر به صح أن يقال فيه فهمت حقيقة قولى ، فالدلالة هي الفهم ، والإفهام ينقسم إليهما ، فتقسيم الدلالة إلى حقيقة ومجاز لا يعقل البتة.

الوجه الثامن والأربعون : وهو أيضا يجتث المجاز من أصله ويبين أنه لا حقيقة

٤٣٥

له وهو أن تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز فرع لثبوت الوضع المغاير للاستعمال ، فكأن أصحابه أوهموا أن جماعة من العقلاء اجتمعوا ووضعوا ألفاظا لمعان ثم نقلوا هم أو غيرهم تلك الألفاظ أو أكثرها عند من يقول أكثر اللغة مجاز أو بعضها إلى معان أخر فوضعها لتلك المعاني أولا ، ولهذه المعانى ثانيا ، وهذا غير معلوم وجوده ، بل الإلهام كاف في النطق باللغات من غير مواضعة متقدمة وإن سمى توقيعا ، فمن ادعى وضعا متقدما على استعمال جميع الأجناس فقد قال ما لا علم له به ، وإنما المعلوم الاستعمال ، والقول بالمجاز إنما يصح على القول من يجعل اللغات اصطلاحية ، وأن العقلاء أجمعوا واصطلحوا على أن يسموا هذا بكذا وهذا بكذا ، وهذا مما لا يمكن بشرا على وجه الأرض لو عمر عمر نوح أن يثبت أن جماعة من العرب اجتمعوا ووضعوا جميع هذه الأسماء المستعملة في اللغة ثم استعملوها بعد الوضع ثم نقلوها بعد الاستعمال ، وإنما المعروف المنقول بالتواتر استعمال هذه الألفاظ فيما عنوه بها من المعانى.

فإن قيل نحن نثبت الوضع بالدليل العقلى ، فإن الاستعمال يستلزم سابقة الوضع ، ووجود الملزوم بدون لازمه محال (قيل) الجواب من وجهين :

(أحدهما) أن دعوى اللزوم دعوى لا دليل عليها ، ولا تكون مقبولة ، فمن أين لكم أن الاستعمال مستلزم سابقة الوضع والاصطلاح : أبا لعقل علم هذا اللزوم أم بالشرع؟ وبالضرورة عرف أم بالنظر؟

(الثاني) : إنا نعلم بالمشاهدة ما يدل على خلاف ذلك ، فإن الله سبحانه يلهم الحيوانات والطير ما يعرف به بعضها مراد بعض ، والإنسان أشد قبولا للإلهام من الحيوانان ، وقد سمى الله ذلك منطقا في قوله عن نبيه سليمان صلى‌الله‌عليه‌وسلم (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) (النمل : ١٦) وحكى عن النملة قولها (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (النمل : ١٨) وأوحى إلى الجبال والطير أن تسبح مع نبيه داود. وكذلك الآدمى فإن المولود إذا ظهر منه التمييز سمع أبويه أو من يربيه ينطق باللفظ ويشير إلى المعنى فيفهم إن اللفظ متى اطلق أريد به ذلك المعنى ، ثم لا يزال يسمع لفظا بعد لفظ ، ويعقل

٤٣٦

معنى دون معنى على التدريج حتى يعرف لغة القوم الذين نشأ بينهم من غير أن يكونوا قد اصطلحوا معه على وضع متقدم ، ولا وقفوه على معانى الأسماء ، وإن كان احيانا قد يسأل عن مسمى بعض الأسماء فيوقف عليها ، كما يترجم للرجل اللغة التي لا يعرفها فيوقف على معانيها لا أنه يصطلح معه على وضع ألفاظها لمعانيها.

ولا ننكر أن يحدث في كل زمان أوضاع لما يحدث من المعانى التي لم تكن قبل ولا سيما أرباب كل صناعة فإنهم يضعون لآلات صناعتهم من الأسماء ما يحتاجون إليه في تفهيم بعضهم مراد بعض عند التخاطب ، ولا تتم مصلحتهم إلا بذلك ، وهذا أمر عام لأهل كل صناعة مقترحة أو غير مقترحة ، بل أهل كل علم من العلوم قد اصطلحوا على ألفاظ يستعملونها في علومهم تدعو حاجتهم إليها للفهم والتفهيم ، فهذه الاصطلاحات الحادثة والتى يعرف فيها الوضع السابق على الاستعمال ، وليس الكلام فيها والظاهر والله أعلم أن أرباب المجاز قاسوا أصول اللغة عليها ، وظنوا أن التخاطب العام بأصل اللغة جاز هذا المجرى ، وإدخال المجاز في كلام الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكلام العرب بهذا الطريق باطل قطعا.

وكأني ببعض أصحاب القلوب الغلف يقول : وهل لأحد أن يحمل قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقطعوا عنى لسانه» (١) لمن امتدحه ، وقوله : «إن خالدا

__________________

(١) [ضعيف الإسناد] رواه ابن سعد في «الطبقات» (٤ : ٢ : ١٦) ، وسببه كما رواه الخطابي في «الغريب» عن ابن شهاب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قسم غنائم حنين فضل عيينة بن حصن والأقرع بن حابس في العطاء فقال العباس بن مرداس :

كانت نهابا تلافيتها

بكرى على المهر بالأجرع

فأصبح نهبى ونهب العبيد

بين عيينة والأقرع

وقد كنت في القوم ذا تدرأ

فلم أعط شيئا ولم أمنع

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اقطعوا لسانه عنى ، وروى فيه عن عكرمة قال : يا بلال اقطع لسانه عنى فأعطاه أربعين درهما ، فقال : قطعت لسانى في الله ، وهما مرسلان ، قال الخطابي : ومعناه أعطوه ما يسليه ويرضيه ، كنى باللسان عن الكلام. أفاده العجلوني في «كشف الخفاء» ، وانظر «الإتحاف» (٧ / ٤٩٥) والقصة في «صحيح مسلم» بنحوه دون قوله «اقطعوا ... إلخ».

٤٣٧

سيف من سيوف الله» (١) وقوله في الفرس : «إن وجدناه لبحرا» (٢) وقوله عن حمزة «أنه أسد الله وأسد رسوله» (٣) وقوله عن الحجر الأسود «إنه يمين الله في الأرض» (٤) وقوله : «الآن حمى الوطيس» (٥) وقوله : «اللهم اغسلنى من خطاياى بالماء والثلج والبرد» (٦) ونحو ذلك ، علي حقيقته.

فيقال له : وما حقيقة ذلك عندك؟ فإنك أخطأت كل خطأ إذ ظننت أن حقيقته غير المعنى المراد به ، والمفهوم منه هو إسكات المادح عنه بالعطاء فيقطع لسان مقاله ، وكون خالدا يقتل المشركين كما يقتل السيف المسلول الّذي لا يحتاج إلى أن ينتضى ، بل هو مسلول مستعد للقتل ، وكون حمزة مفترسا لأعداء الله إذا رأى المشرك لم يلبث أن يفترسه ، كما أن الأسد إذا رأى الغير لم يدعه حتى يفترسه ، وكون مقبل الحجر الأسود بمنزلة مقبل يمين الرحمن ، لا أنه نفس صفته القديمة وعين يده التي خلق بها آدم ويطوي بها السماوات والأرض ، وكون الحرب منزلة التنور الذي يسجر قليلا قليلا حتى يشتد حموه فيحرق ما يلقي فيه ، وكون الخطايا بمنزلة الوسخ والدرن يوسخ البدن ويوهنه يضعف قواه ، والثلج والبرد والماء البارد يزيل درنه ويعيد قوته ويزيده صلابة وشدة ، فهل لهذه الألفاظ حقيقة إلا ذلك وما استعملت إلا في حقائقها ، فهذا التقييد والتركيب عين المراد منها بحيث لا تحتمل غيره ، كما أن التقييد والتركيب في قولك جاء الثلج حتى عم الأرض وأصاب البرد الزرع ، والماء البادر يروى الظمآن ، والأسد ملك الوحوش ، والسيف ملك السلاح ، وفي قطع اللسان الدية ، وإذا حمى الوطيس فضع فيه العجين ، يحتمل غير المراد منه في هذا التركيب ، فهذا مقيد وهذا مقيد ، وهذا

__________________

(١) تقدم تخريجها قريبا.

(٢) تقدم تخريجها قريبا.

(٣) تقدم تخريجها قريبا.

(٤) تقدم تخريجها قريبا.

(٥) أخرجه مسلم (١٧٧٥) ، والإمام أحمد (١ / ٢٠٧).

(٦) أخرجه البخارى (٧٤٤) ، ومسلم (٥٩٨).

٤٣٨

موضوع وهذا موضوع ، وهذا مستعمل وهذا مستعمل ، وهذا لا يحتمل غير معناه وهذا لا يحتمل غير معناه ؛ فأي كتاب أو سنة أو عقل أو نظر أو قياس صحيح أو مناسبة معتبرة أو قول من يحتج بقوله جعل هذا حقيقة وهذا مجاز ، وهذا يتبين ويظهر جدا.

الوجه التاسع والأربعون : وهو أن الخائضين في المجاز تارة يخوضون فيه إخبارا وحملا لكلام المتكلم عليه ، وتارة يخوضون فيه استعمالا في الخطب والرسائل والنظم والنثر ، فينقلون ألفاظا لها معان في اللغة إلى معان أخر تشابهها ، ويقولون استعرنا هذه الألفاظ لهذه المعانى ، لا يخرج كلامهم في المجاز عن هذين الأصلين البتة ، فيجب التمييز بين الحمل والاستعلام ، فإذا قالوا نحمل هذا اللفظ في كلام المتكلم على مجازه ، إما أن يريدوا به الإخبار عنه بأنه صرفه عن معناه المفهوم منه في أصل التخاطب إلى غيره ؛ فهذا خبر ، وهو إما صدق إن طابق الواقع ، وإما كذب إن لم يطابق ، فمن أين لكم أنه لم يرد به معناه المفهوم منه عند الخطاب.

وإن عنيتم بالحمل إنا ننشئ له من عندنا وضعا لمعنى يصح أن يستعمل فيه ثم نعتقد أن المتكلم أراد ذلك المعنى ، كان هذا خطأ من وجهين (أحدهما) إنشاء وضع جديد لذلك اللفظ (الثاني) اعتقاد إرادة المتكلم لذلك المعنى وتنزيل كلامه على ذلك الوضع ، فإذا قال قائل : اليد مجاز في القدرة ، والاستواء مجاز في الاستيلاء ، والرحمة مجاز في الإنعام ، والغضب مجاز في الانتقام ، والتكلم مجاز في الإنعام ، والقرب مجاز في الإكرام (قيل) تعنون بكونها مجازا في ذلك أن لكم أن تستعملوها في هذه المعانى وتعبرون عنها بهذه العبارات ، أم تعنون إنها إذا وردت في كلام الله ورسوله كان المفهوم منها هذه المعانى وهي مجازات فيها ، فإن أردتم (الأول) فأنتم وذاك فاستعملوها فيما أردتم ، وسموا ذلك الاستعمال ما شئتم ، وإن أردتم (الثانى) كنتم مخطئين من وجهين : (أحدهما) حكمكم على الله ورسوله أنه أراد بهذه الالفاظ خلاف معانيها المفهومة منها عند التخاطب ، فإذا هذا ضد البيان والتفهيم وهو بالتلبيس

٤٣٩

أشبه منه بالتبيين ، فتعالى عنه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين ، وقد صرح الناس قديما وحديثا بأن الله لا يجوز أن يتكلم بشيء ويعنى به خلاف ظاهره.

* * *

قال الشافعي : وكلام رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ظاهره ، وقال صاحب «المحصل» في الباب التاسع من أحكام اللغات (المسألة الثانية) لا يجوز أن يعنى الله سبحانه بكلامه خلاف ظاهره ، والخلاف فيه مع المرجئة. قال : لنا أن اللفظ بالنسبة إلى غير ظاهره مهمل والتكلم به غير جائز علي الله تعالى ، ثم أجاب عن شبه المنازعين بأن قال : لو صح ما ذكرتموه لم يبق لنا اعتماد علي شيء من أخبار الله تعالى ، لأنه ما من خبر إلا ويحتمل أن يكون المراد به غير ظاهره. وذلك ينفي الوثوق. ا ه.

وعلى هذا فنقول : إذا كان ظاهر كلام الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والأصل فيه الحقيقة لم يجز أن يحمل على مجازه وخلاف ظاهره البتة لما ذكره من الدليل فإن المجاز لو صح كان خلاف الأصل والظاهر ولا يجوز الشهادة على الله سبحانه ولا علي رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أراد بكلامه خلاف ظاهره وحقيقته ، ولا في موضع واحد البتة ، بل كل موضع ظهر فيه المراد بذلك التركيب والاقتران فهو ظاهره وحقيقته لا ظاهر له غيره ، ولا حقيقة له سواه ، وقوله تعالى : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) (النحل : ١١٢) حقيقته وظاهره إنه اجاعها بعد شبعها ، وأخافها بعد أمنها ، وألبس بواطنها ذل الجوع وذل الخوف ، فصار ذلك لباسا لبواطنهم تذوقه وتباشره ، ولباس كل شيء بحسبه ، ولباس الظاهر ظاهر ، ولباس الباطن باطن ، فذوق كل شيء بحسبه ، فذوق الطعام والشراب بالفم ، وذوق الجوع والخوف بالقلب ، وذوق الإيمان بالقلب أيضا ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا» (١)

__________________

(١) رواه مسلم (٣٤) ، والإمام أحمد (١ / ٢٠٨).

٤٤٠