مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٢

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي


المحقق: الشيخ محمّد باقر الخالصي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٥

ولو جدّد ندباً وذكر إخلال عضو من إحداهما أعاد الطهارة والصلاة وإن تعدّدت على رأي.

______________________________________________________

«الفقيه (١) والمقنع (٢)» الّتي فيها أنّه يعيد الوضوء إذا توضّأ قبل الاستنجاء فيجي‌ء على ذلك الاشتراط إلى آخر ما مرّ.

[حكم من جدّد الوضوء وذكر إخلال عضو من إحداهما]

قوله قدّس الله روحه : (ولو جدّد ندبا وذكر إخلال عضو من إحداهما أعاد الطهارة والصلاة وإن تعدّدت على رأي) قد تقدّم الكلام في المسألة مستوفى في الفرع الثامن من الفروع الّتي ذكرها في الفصل الأوّل من المقصد الرابع في الوضوء فليراجع. وقد سلف لنا هناك النقل عن «المنتهى» أنّ له فيه شكّا وهو أنّه قد تيقّن الطهارة وشكّ في بعض أعضائها بعد الانصراف ، فلا يلتفت (٣) ، إلى آخر ما مرّ.

وفي «الإيضاح» أنّ المسألة مبنيّة على الأقوال : فكلّ من قال بالاكتفاء بنيّة القربة صحّح الصلاة الواقعة عقيب الطهارتين دون المتخلّلة بينهما وكلّ من قال بعدم الاكتفاء بها وشرط الاستباحة أو رفع الحدث أوجب الإعادة مطلقا ومن اكتفى بالوجوب أو الندب كأبي القاسم بن سعيد أوجب الإعادة إن كانت إحدى الطهارتين واجبة وإن كانتا مندوبتين لم يعد (٤). ومثله قال في «جامع المقاصد (٥)» إلّا أنّه ذكر أربع صور لا تجب فيها الإعادة على ما يذهب إليه المحقّق : إحداها

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : باب ارتياد المكان للحدث ذيل ح ٥٩ ج ١ ص ٣١.

(٢) المقنع : كتاب الطهارة في الوضوء ص ٥.

(٣) منتهى المطلب : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء وتوابعه ج ٢ ص ١٤٥.

(٤) إيضاح الفوائد : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٤٣ ٤٤.

(٥) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٤٠.

٥٨١

ولو توضّأ وصلّى اخرى ثم ذكر الاخلال المجهول أعادهما مع الاختلاف عددا بعد الطهارة ومع الاتفاق يصلّي ذلك العدد وينوي به ما في ذمّته

______________________________________________________

ما ذكره الفخر ، والثانية أن تكون الطهارتان معا واجبتين الاولى للفرض والثانية للنذر ، الثالثة أن تكون إحداهما واجبة والاخرى مندوبة ، الرابعة العكس. ثمّ إنّه ناقش المصنّف في قوله : ندبا ، قال : إنّه مستدرك ، لأنّ التجديد وجوبا يتعلّق به بعض هذه الأحكام كالنذر ، ثمّ ناقشه في قوله : وإن تعدّدت ، قال : لأنّ العطف بإن الوصليّة إنّما يكون للفرد الأخفى وهذا ليس بأخفى ، فلو قال وإن وقعت بالطهارتين كان أولى.

[حكم من أخلّ بطهارة صلاة غير معيّنة]

قوله قدّس الله تعالى روحه : (أعادهما مع الاختلاف عددا بعد الطهارة) هذا الفرع ذكره الشيخ في «المبسوط (١)» ووافقه عليه جماعة (٢) وتأمّل فيه المصنّف في «المنتهى» فإنّه قال : والشك والإيراد فيه كما سبق (٣).

قوله قدّس الله تعالى روحه : (ومع الاتفاق يصلّي ذلك العدد وينوي به ما في ذمّته) كما في «الشرائع (٤) والمعتبر (٥) والإرشاد (٦) والتذكرة (٧)

__________________

(١) المبسوط : كتاب الصلاة في حكم قضاء الصلاة ج ١ ص ١٢٧.

(٢) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٤١ ، والسيد في مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٦٣ ، والهندي في كشف اللثام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٥٩٠.

(٣) منتهى المطلب : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ٢ ص ١٤٧.

(٤) شرائع الإسلام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٥.

(٥) المعتبر : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ١٧٣.

(٦) إرشاد الأذهان : كتاب الطهارة في أسباب الوضوء ج ١ ص ٢٢٤.

(٧) تذكرة الفقهاء : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢١٤.

٥٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والمختلف (١) والبيان (٢) والدروس (٣) وجامع المقاصد (٤) وحاشية الشرائع (٥) والمسالك (٦)».

وهو قول معظم الأصحاب كما في «المدارك (٧)» ومذهب الأكثر كما في «جامع المقاصد (٨)»

وأطلق في «المبسوط (٩)» إعادة الصلاتين. وهو مذهب التقي والحلبي كما في «الإيضاح (١٠) وجامع المقاصد (١١) والمدارك (١٢)» وغيرها (١٣).

ونقل في «كشف اللثام (١٤)» أنّ القاضي وابن سعيد أطلقا كالشيخ في «المبسوط».

وتأمّل صاحب «المدارك (١٥)» في إجزاء الواحدة بعد أن نسبه إلى المعظم كما عرفت. وقال في «حاشية المدارك» ورد النصّ بجواز الإطلاق لمن نسي فريضة مجهولة من الخمس والعلّة في الجميع واحدة ، فلعلّ المناط منقح والمنقح له هو

__________________

(١) مختلف الشيعة : كتاب الطهارة في بقايا أحكام الوضوء ج ١ ص ٣٠٩.

(٢) البيان : كتاب الطهارة في بيان أحكام الغسل ص ١٢.

(٣) الدروس الشرعيّة : كتاب الطهارة في سنن الوضوء ج ١ ص ٩٤.

(٤) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٤١.

(٥) فوائد الشرائع : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ص ١١ س ٨ (مخطوط مكتبة المرعشي الرقم : ٦٥٨٤).

(٦) مسالك الأفهام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٤٦.

(٧) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٦٣.

(٨) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٤١.

(٩) المبسوط : كتاب الطهارة في ذكر من ترك الطهارة .. ج ١ ص ٢٥.

(١٠) إيضاح الفوائد : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٤٤.

(١١) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٤١.

(١٢) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٦٤.

(١٣) الحدائق الناضرة : كتاب الطهارة في الوضوء ج ٢ ص ٤٠٧.

(١٤) كشف اللثام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٥٩٠.

(١٥) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٦٤.

٥٨٣

ولو كان الشكّ في صلاة يوم أعاد صبحا ومغرباً

______________________________________________________

الإجماع المركّب بأنّ من قال بالخمس قال هنا بالصلاتين ومن اكتفى بالثلاث هناك اكتفى هنا بواحد قال : بل يمكن أن يتمسّك به من أوّل الأمر من دون توسيط تنقيح العلّة ، لكن لا بدّ من التأمّل في ثبوت الإجماع ، ثم قال : إنّه يشكل الأمر * من جهة الجهر والإخفات على القول بوجوبهما كما هو المشهور (١) ، انتهى.

قال في «جامع المقاصد» هذا حكم الصلاة وأمّا حكم الطهارة فهو راجع إلى متيقّن الطهارة والحدث مع الشكّ في السابق (٢).

وليعلم أنّ المصنّف ذكر هنا صوراً أربعاً : وذلك لأنّه إذا تعدّد الوضوء المبيح بأن وقع كلّ وضوء بعد حدث وتعدّدت الصلاة ووقعت كلّ صلاة بوضوء ثمّ ذكر المكلّف إخلال عضو ، فإمّا أن يكون الإخلال من طهارة واحدة او من طهارتين ، فإن كان الأوّل فإمّا أن يكون الشكّ في طهارتي صلاتين أو في طهارات صلوات يوم وإن كان الثاني فإمّا أن يكون الترك من الطهارتين مع الشكّ في صلوات يوم أو في صلوات يومين ، فهذه صور أربع ذكرها المصنّف على الترتيب. فالاولى ما نحن فيه وهو أنّ الإخلال من طهارة واحدة والشكّ في طهارتي صلاتين والصلاتان إمّا أن تختلفا عدداً أو تتفقا كما مرَّ بيانه.

[فيمن أخلّ بطهارة صلاة يوم كامل]

قوله قدّس الله تعالى روحه : (لو كان الشك في صلاة يوم أعاد

__________________

(*) وأورد عليه أيضا أنّه يجب عليه الجزم في النيّة مع الإمكان فلا تجزي النيّة المردّدة وهذا اللازم على المورد في المسألة المتّفق عليها وقد حكموا

__________________

(١) حاشية مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ص ٤٣ س ١٥ ١٩ (مخطوط مكتبة الرضوية الرقم : ١٤٧٩٩).

(٢) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٤١.

٥٨٤

وأربعاً ، والمسافر يجتزي بالثنائية والمغرب ، ولو كان الإخلال من طهارتين أعاد أربعا : صبحاً ومغرباً وأربعا مرّتين ، والمسافر يجتزي بالثنائيتين والمغرب بينهما ،

______________________________________________________

صبحا ومغربا وأربعاً يريد أنّه لو أخلّ بعضو من طهارة واحدة ووقع الشكّ في طهارات صلاة يوم فإنّه يعيد ثلاث صلوات كما في «المنتهى (١) والتذكرة (٢) وجامع المقاصد (٣)» وفي «المبسوط» نصّ على أنّه يعيد الخمس (٤). قال في «الذكرى» والعجب أنّ الشيخ أفتى في «المبسوط» بأنّ من فاتته صلاة لا يعلمها بعينها يجزيه ثلاث صلوات مع إيجابه الخمس هنا ولا فرق (٥) ، انتهى *. وفي «جامع المقاصد» وتجب إعادة الخمس على قول أبي الصلاح وابن زهرة (٦) وفي «كشف اللثام» أنّه يصلّي أربعا عمّا في ذمّته من غير ترديد وهو أيسر وربما كان أحوط أو مع الترديد بين الرباعيات الثلاث (٧). وهذه هي الصورة الثانية كما في «جامع المقاصد (٨)».

[فيمن أخلّ بطهارتين]

قوله قدّس الله تعالى روحه : (ولو كان الإخلال من طهارتين

__________________

فيها بالتخيير بين الجهر والإخفات (منه).

(*) وقال في «الذكرى (٩)» أيضا إنّ الشيخ عول على رواية علي بن أسباط فيمن نسي صلاة من صلاة يوم ولم يدر أيّ هي : «أنّه يصلّي ركعتين وثلاثاً وأربعاً» (منه).

__________________

(١) منتهى المطلب : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء وتوابعه ج ٢ ص ١٤٨.

(٢) تذكرة الفقهاء : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢١٤.

(٣) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٤٢.

(٤) المبسوط : كتاب الطهارة فيمن ترك الطهارة .. ج ١ ص ٢٥.

(٥) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في أحكام الوضوء ص ٩٩ س ٢.

(٦) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٤٢.

(٧) كشف اللثام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٥٩١.

(٨) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٤٢.

(٩) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في أحكام الوضوء ص ٩٩ س ٣.

٥٨٥

والأقرب جواز إطلاق النيّة فيهما والتعيين فيأتي بثالثة ويتخيّر بين تعيين الظهر أو العصر أو العشاء ، فيطلق بين الباقيتين مراعياً للترتيب وله الإطلاق الثنائي فيكتفي بالمرّتين ، ولو كان الترك من طهارتين في يومين فإن ذكر التفريق صلّى عن كلّ يوم ثلاث صلوات وإن ذكر جمعهما في يوم واشتبه صلّى أربعاً

______________________________________________________

أعاد أربعا صبحا ومغربا وأربعاً مرّتين ، والمسافر يجتزي بالثنائيتين والمغرب بينهما ، والأقرب جواز إطلاق النيّة فيهما والتعيين فيأتي بثالثة ويتخيّر بين تعيين الظهر أو العصر أو العشاء ، فيطلق بين الباقيتين مراعيا للترتيب ، وله الإطلاق الثنائي فيكتفي بالمرّتين). هذه العبارة من مشكلات عبارات «القواعد» وقد تصدّى جماعة من الفضلاء لحلّها ونحن نذكر أوّلا عبارات المصنّف في غير هذا الكتاب في هذا الفرع ثمّ ننقل ما فهمه الفضلاء منها فنقول :

قال في «التذكرة» ما نصّه : لو توضّأ للخمس خمسا عن حدث وتيقّن الإخلال المجهول من طهارتين أعاد أربعا صبحا ومغربا وأربعا مرّتين فله اطلاق النيّة فيهما والتعيين فيأتي بثالثة ويتخيّر بين تعيين الظهر والعصر والعشاء فيطلق بين الباقيتين وله الإطلاق الثنائي فيكتفي بالمرّتين (١).

وقال في «المنتهى» لو صلّى الخمس بوضوء متعدّد بعددها وتيقّن الحدث عقيب إحدى الطهارات قال في «المبسوط» يعيد الخمس ويمكن القول بإعادة ركعتين وأربعاً وثلاثاً كالناسي لفريضة مجهولةً من يوم ، لو كان مسافراً كفاه اثنتان وثلاث ، وكذا لو تطهّر للخمس عقيب حدث وتيقّن الإخلال

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢١٤.

٥٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المجهول (١). وهذا الأخير محل الشاهد وفيه إجمال كما ترى.

وقد تعرّض الفاضل المقدّس السيد عميد الدين (٢) لحلّ عبارة الكتاب واعترض عليه المحقّق الثاني (٣) بما يأتي الإشارة إليه. والفاضل البهائي صنّف في ذلك رسالة ونحن ننقل الرسالة أوّلاً لاشتمالها على جملة من كلامي الفاضلين المذكورين.

[رسالة البهائي في حلّ عبارة القواعد]

قال بعد الخطبة ونقل العبارة ما نصّه : في العبارة يعني قول المصنف «أعاد أربعاً» تغليب * ، إذ المعاد في الحقيقة اثنتان لا أربع.

وله ** في الأربع الّتي تعاد مرّتين من حيث الإطلاق والتعيين طرق أربعة أشهرها ما سيذكره المصنّف طاب ثراه آخرا وهو أن يطلق الاولى بين الظهر والعصر والاخرى بين العصر والعشاء ، وسبب التعرّض للعصر ثانيا جواز كون الفائت هي مع الظهر فيختصّ به الاولى ، وعلى هذا فتبرأ ذمّته على كلّ من الاحتمالات العشر : الصبح مع إحدى الأربع أربع ، والظهر مع إحدى الثلاث سبع ، والعصر مع إحدى العشاءين تسع ، والمغرب مع العشاء يوم تلك عشرة كاملة. والمسافر لا يحتاج في تحصيل البراءة إلى الأربع ، بل يجتزي بثلاث لتماثل ما عدا المغرب من صلاته فيأتي بالثنائيتين.

ولا بدّ في كلّ من رباعيتي الحاضر وثنائيتي المسافر من توسّط المغرب بينهما ليحصل الترتيب ، أمّا الحاضر فلاحتمال فساد مغربه وعشائه أو أحد ظهريه

__________________

(*) لعلّه يريد الإشارة إلى ما عرّفوا به الإعادة من أنّها فعل العبادة ثانياً ، لاشتمال الاولى على خلل (حاشية).

(**) أي للمصنّف في قوله : أربعاً مرّتين (منه).

__________________

(١) منتهى المطلب : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء وتوابعه ج ٢ ص ١٤٧.

(٢) كنز الفوائد : كتاب الطهارة في المسائل المتعلّقة بالطهارة ج ١ ص ٦٠.

(٣) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٤٦.

٥٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

مع مغربه ، فلا بدّ من تأخّر رباعيته عن مغربه على الأوّل وتقدّمها على الثاني وأمّا المسافر فلجواز فساد كلّ من الثلاث الّتي قبل مغربه أو مغربه مع عشائه ، فلذا قال قدس‌سره : والمغرب بينهما أي بين كلّ من رباعيتي الحاضر وثنائيتي المسافر. والأشهر أنّ المسافر يطلق في الاولى بين الصبح والظهر والعصر وفي الاخرى بين الظهر والعصر والعشاء. وسبب التعرّض لهما ثانيا جواز كون الفائت الصبح مع إحدى الظهرين وحينئذ تبرأ ذمّته على كلّ من الاحتمالات العشر كما يظهر بأدنى تأمّل.

ولما قرّر أنّ الحاضر يأتي برباعيتين والمسافر بثنائيتين أراد بيان كيفيّة الإطلاق والتعيين في كلّ منهما ، فذكر للحاضر طرقا أربعة ولم يتعرّض للمسافر ، لظهور حاله بالمقايسة بأدنى التفات :

الطريق الأوّل : الإطلاق فيهما ثلاثياً في الاولى وثنائياً في الثانية. الثاني : تعيينهما. الثالث : تعيين أحدهما وإطلاق الاخرى. الرابع : إطلاقهما إطلاقاً ثنائياً كما قلناه أوّلاً.

فأشار إلى الطريق الأوّل بقوله : والأقرب جواز إطلاق النيّة فيهما أي في رباعيتي الحاضر فيطلق في الاولى إطلاقا ثلاثياً بين الظهر والعصر والعشاء ، لجواز كون الفائت الصبح من كلّ منها وفي الثانية ثنائيا بين العصر والعشاء لجواز كونه الظهر والعصر ، فينصرف إلى الظهر. وفائدة الإطلاق الثلاثي كونه أقرب إلى تعجيل براءة الذمّة وهو أمر مطلوب وسيما عند القائلين بتضيّق القضاء. بيان ذلك : إنّه إذا اطلق الاولى ثلاثياً ثمّ صلّى المغرب فقد برئت ذمّته على ستة احتمالات قبل الإتيان بالثانية ، كون الفائت الصبح مع إحدى الأربع وكونه المغرب مع إحدى الظهرين أمّا لو أطلقها ثنائيا بين الظهر والعصر كما قلنا أوّلا ثمّ صلّى المغرب فإنّما تبرأ ذمّته على خمسة احتمالات * ويبقى السادس وهو كون الفائت الصبح مع العشاء

__________________

(*) وهي كون الفائت الصبح مع إحدى الظهرين والمغرب أو أحد من الظهرين مع المغرب (منه).

٥٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى أن يأتي بالثانية. ولعلّ هذا هو النكتة في تقديم هذا الطريق على باقي الطرق.

وأشار إلى الطريق الثاني بقوله : و «التعيين» بالجر عطفاً على إطلاق أي وجواز التعيين في كلّ من الرباعيتين ، لا بالنصب على المفعول معه كما قرّره الشارح المحقّق الشيخ علي لما سيجي‌ء. وإذا اختار التعيين فيهما * فيأتي بثالثة لاحتمال كون الفائتة من غير ما أتى به ولا بدّ من كونها معيّنة.

وأمّا الطريق الثالث وهو أن يعيّن إحدى الرباعيتين ويطلق الاخرى فقد أشار إليه بقوله : «ويتخيّر بين تعيين الظهر أو العصر أو العشاء» فيطلق الرباعية بعد تعيين الاولى لإحدى الثلاث بين الباقيتين من الثلاث المذكورة مراعيا للترتيب ، فيطلقها بين العصر والعشاء مع تعيين الظهر وبين الظهر والعشاء مع تعيين العصر وبين الظهر والعصر مع تعيين العشاء ** وعلى التقديرات الثلاثة يأتي بثالثة معيّنة للعشاء في الاوليين ومطلقة بينها وبين العصر في الاخرى ، فإذا عيّن إحداهما للظهر أطلق الاخرى بين العصر والعشاء ، ثمّ صلّى المغرب ، فيكون قد حصل ثمانية احتمالات قبل صلاة العشاء : الصبح مع كلّ من الأربع والظهر مع العصر أو مع المغرب والعصر مع المغرب ، ويبقى له احتمالان من العشرة هما العشاء مع كلّ من العصر والمغرب ، فإذا صلّى العشاء حصلهما ، وإذا عيّنها للعصر أطلق الاخرى بين الظهر والعشاء ثمّ يأتي بالمعيّنة ، ثمّ بالمغرب ، فيكون قد حصل بذلك سبع احتمالات : الصبح مع كلّ من الأربع والظهر مع العصر أو مع المغرب والعصر مع المغرب ويبقى له ثلاثة : هي الظهر أو العصر أو المغرب مع العشاء ، فيأتي عليها إذا صلّى العشاء ، وإذا عيّنها للعشاء أطلق الاخرى بين الظهر والعصر ، ثمّ صلّى رباعية بين العصر والعشاء ثمّ المغرب ، فيكون قد حصل بذلك تسعة احتمالات : الصبح مع كلّ من الأربع والظهر

__________________

(*) يريد أنّ قوله فيأتي تفريع على التعيين لا على الأقرب وما في حيّزه كما قرّره الشارح المحقّق (منه).

(**) جوّز الشارح الشيخ علي طاب ثراه إطلاقها فيما بين العصر والعشاء كما سيجي‌ء (منه).

٥٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مع كلّ من الثلاث والعصر مع كلّ من العشاءين ، ويبقى له صورة واحدة هي مع المغرب مع العشاء فإذا صلّى العشاء أتى عليها. وثمرة الإطلاق في هذه الصور مع تحقّق الإتيان بالخمس تعجيل تفريغ الذمة على نهج ما سبق لحصوله بالأربع على ثمانية احتمالات في الاولى وسبعة في الثانية وتسعة في الثالثة ولو عين الأربع لم يحصل بها إلّا على ستة احتمالات ويبقى له أربعة إلى أن يأتي بالعشاء ، هذا حكم الحاضر.

وأمّا المسافر فإن عيّن الصبح اطلق * الثانية بين الظهر والعصر والعشاء ، ثمّ صلّى المغرب ، ثمّ أتى بثنائية مطلقة بين العصر والعشاء لا معينة للعشاء كالحاضر لجواز فساد الظهر والعصر فتختصّ الثنائية الثانية بالظهر ، وإن عيّن الظهر أطلق في الثنائية الّتي قبلها بين الصبح والعصر ، ثمّ أتى بالظهر ، ثمّ بالمغرب ، ثمّ بثنائيّة مطلقة بين العصر والعشاء ، وإن عيّن العصر أتى قبلها بثنائيّة مطلقة بين الصبح ** والظهر ثمّ أتى بها ثمّ صلّى المغرب ، ثمّ بثنائيّة مطلقة بين الظهر والعشاء ، وإن عيّن العشاء أتى أولا بثنائية مطلقة بين الصبح والظهر والعصر ثمّ باخرى بين الظهر والعصر والعشاء ثمّ يأتي بالمغرب ثمّ بالعشاء وفائدة هذه الإطلاقات لا تكاد تخفى بعد ما مرّ.

وأمّا الطريق الرابع وهو ما ذكرناه أوّلا فقد أشار اليه بقوله : وله اي للحاضر *** الإطلاق الثنائي في كلّ من الرباعيتين بأن يطلق الاولى بين الظهر والعصر والثانية بين العصر والعشاء كما قلناه ، وحينئذ لا يحتاج إلى الإتيان بالثالثة

__________________

(*) ولا يتعرّض في هذا الإطلاق للعشاء لعدم إمكان كونها أوّل الفائتتين كما هو الظاهر (منه).

(**) قد حصل بذلك ستة احتمالات وبقي له أربعة الظهر مع العصر أو مع العشاء والعصر والمغرب مع العشاء (منه).

(***) قلت : وأمّا المسافر فإن اطلق الثنائية لم يكن له بدّ من ثنائيتين اخريتين (منه).

٥٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

فيكتفي بالمرّتين كما في الطريق الأوّل.

ووجه ما استقر به المصنّف رحمه‌الله من تخيير المكلّف بين هذه الطرق الأربعة أنّ كلّا منها طريق إلى براءة الذمّة ، والمخالف في ذلك أبو الصلاح وابن زهرة حيث أوجبا التعيين ولم يجوزا الإطلاق محتجّين بعدم جواز الترديد في النيّة مع إمكان الجزم.

هذا ، واعلم أنّ الشارح المحقّق الشيخ علي قدس‌سره نزّل عبارة الكتاب على بيان الطريق الثالث والرابع فقط وجعل الوجوه الثلاثة الاول وجها واحدا للجمع بين الإطلاق في إحداهما والتعيين في الاخرى ، فأوجب أن يقرأ التعيين بالنصب في قول المصنف : والأقرب جواز إطلاق النيّة فيهما والتعيين ، على أنّه مفعول معه والواو بمعنى مع لا عاطفة ، وجعل قوله : ويتخيّر إلى آخره من تتمة وجه الجمع. قال : وليس المراد جواز الإطلاق وجواز التعيين ليكون ردّا على أبي الصلاح كما ذكره الشارحان الفاضلان أمّا أوّلا فلأنّ خلاف أبي الصلاح جار في مسائل الباب كلّها فتخصيص ردّه بهذا الموضع لا وجه له *.

أقول : لا يكاد يخفى على المصنف كثرة التكلّف فيما ذكره طاب ثراه ولا اظنّك تمتري في أنّ تنزيل عبارة الكاتب على بيان الوجوه الأربعة كما ذكرنا أوّلا أولى من تنزيلها على بيان الوجهين فقط كما ذكره ، كيف والعطف مع الإمكان أولى من النصب ، لأصالة الواو في ذلك كما صرّح به جمهور النحاة وتخصيص الردّ بهذا الموضع أولى مما بعده وهو ظاهر ومما قبله ، لأنّ المذكور قبله ما لو كان الفائت فريضة واحدة ولا يجري فيها وجوه الإطلاق الثلاثة فكان التنبيه على ردّه فيما يجري فيه الوجوه الثلاثة أنسب فكأنّه قال لا يتعيّن عليه التعيين كما هو مذهب أبي الصلاح ، بل طرق ثلاثة اخرى فضلا عما دونها وهذا القدر كاف في التخصيص بهذا الموضع كما لا يخفى.

__________________

(*) وأيضا لو كان مراد المصنّف ما ذكره لم يكن للواو في قوله ويتخير مجال ، بل كان المناسب فيتخيّر بالفاء التفريعية كما تقتضيه اللهجة العربية (منه عفي عنه).

٥٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ قال نوّر الله مرقده : وأمّا ثانياً فلأنّ الفاء في قوله : فيأتي بثالثة تقتضي كون الإتيان بفريضة ثالثة متفرّعا على الأقرب وما في حيّزه ولا يستقيم إلّا إذا اريد الجمع بين الأمرين معا ، لأنّ الإطلاق لا يقتضيه.

أقول : اقتضاء الفاء التفريع المذكور غير ظاهر ، بل الظاهر أنّه متفرّع على التعيين كما أسلفناه وهو أقرب من تفريعه على الأقرب وهذا ممّا لا غبار عليه ولا مرية فيه.

ثمّ قال أعلى الله تعالى قدره : وأمّا ثالثاً فلأنّ قوله : فيتخيّر بين تعيين الظهر إلى آخره لا ينطبق إلّا على ما ذكرناه ، لأنّه جمع فيه بين التعيين والإطلاق ولا يستقيم ذلك مع الإطلاق وحده ولا مع التعيين وحده.

أقول : عدم استقامته إنّما نشأ من جعله تتمّة لما قبله أمّا إذا جعل إشارة إلى بيان طريق ثالث كما ذكرناه فاستقامته غنيّة عن البيان كما لا يخفى.

ثمّ قال قدّس الله تعالى روحه : ولأنّ معنى قوله : فيطلق بين الباقيتين ، إطلاقه بين الفريضتين الباقيتين من المزيد عليهما الثالثة بعد تعيين واحدة منهما ولا ينتظم إلّا على ذلك التقدير ولأنّ الضمير في يتخيّر لا مرجع له بدون ما ذكرناه ، إذ لا يستقيم عوده إلى المكلّف * باعتبار جواز الإطلاق له وهو ظاهر ولا باعتبار التعيين ، لأنّ المتبادر تعيين الجميع فلا يطابق ولو جعل أعمّ من تعيين الجميع أو البعض لكان فيه مع اختلاف مرجع الضمير فيه وفيما قبله فوات النظم العربي ، لأنّ التقدير حينئذ والأقرب جواز الإطلاق فيهما له وجواز التعيين الصادق بتعيين الكلّ وتعيين البعض خاصّة فيأتي على تقدير التعيين بمعيّنة ثالثة ويتخير من أراد التعيين في البعض خاصة إلى آخره وهذا كلام متهافت منحط عن درجة الاعتبار.

أقول : قد عرفت معنى قوله : فيطلق بين الباقيتين. وسنشبع الكلام فيه أيضاً وقوله رحمه‌الله : إنّ الضمير لا مرجع له بدون ما ذكرناه ، عجيب ، فإنّه على ما قرّرناه يعود

__________________

(*) لم لا يجوز أن يعود إلى المكلف من حيث هو لا باعتبار الإطلاق ولا التعيين (منه).

٥٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى الحاضر المذكور سابقاً ، فإنّ الكلام من أوّل البحث إنّما كان فيه فكانه قال إنّ له في القضا طرقاً أربعة كما ذكرناه. وهذا جيّد النظم ظاهر الاستقامة خال عن التهافت والمحذورات الّتي ذكرها لا داعي إلى ارتكابها إذ لنا عنها سعة وأيّ سعة.

ثمّ قال طاب ثراه : وأمّا رابعاً فلأنّ قوله : وله الإطلاق الثنائي فيكتفي بالمرّتين ، يكون مستدركاً على تقدير أن يراد جواز كلّ منهما مع ما فيه من اختلال النظم ، لأنّ الإطلاق الثنائي هو المراد بقوله : والأقرب جواز إطلاق النيّة فيهما.

أقول : التكرار إنّما يلزم لو اريد بقوله : فالأقرب جواز الإطلاق فيهما ، الإطلاق الثنائي ، أمّا إذا اريد به الإطلاق الثلاثي كما ذكرناه فلا. ثمّ إنّه على تقدير تعيين إحدى الرباعيتين وإطلاق الاخرى لا بدّ من الإتيان بثالثة معيّنة للعشاء إن عيّن الظهر أو العصر ومطلقة بينهما وبين العصر في الثالثة إن عيّن العشاء كما ذكرناه ، وليس في العبارة تعرّض لذلك والشارح المحقق أعلى الله تعالى مقامه لم يوجب التعيين في الثالثة وخيّر بينه وبين الإطلاق بين العصر والعشاء مطلقاً * وادعى أنّ المراد في العبارة هو الإطلاق المذكور فإنّه قال : ولا يتعيّن عليه في الفريضة الثالثة إطلاق ولا تعيين وإن كان المراد في العبارة هو الأوّل حيث قال أي المصنّف : فيطلق بين الباقيتين أي الفريضتين الباقيتين بعد المعيّنة من الرباعيتين أو الثنائيتين بضميمة الثالثة.

أقول : لا يخفى على المنصف أنّ العبارة بمعزل عن هذا الحمل وأنّ المراد من الباقيتين من الثلاث أعني الظهر والعصر والعشاء كما هو الظاهر المتبادر وأنّ العبارة غير دالّة على الثالثة مطلقة أو معيّنة بل هي فيها مطويّة الذكر رأساً ولو كان مراد المصنّف ما ذكره لكان حقّه أن يقول فيطلق في الباقيتين لا فيطلق بين الباقيتين فإنّه صريح في المعنى الّذي قلناه أولا كما لا يكاد يستتر على أحد وأيضاً فإطلاق الحاضر الثالثة بين العصر والعشاء فيما إذا عيّن الظهر أو العصر لا غاية له أصلا ، لأنّ العصر قد برئت ذمّته منها بالإطلاق السابق فكان ذكرها عبثاً محضاً كما

__________________

(*) أي سواء عيّن الظهر أو العصر أو العشاء (منه).

٥٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لو صلّى الظهر معيّنة ثمّ أطلق بينها وبين العصر. والعجب أنّه شنع على السيد الفاضل عميد الدين رحمه‌الله في قوله في شرحه بالإطلاق الثلاثي في رباعيتي الحاضر وقال إنّه لغو لا فائدة فيه أصلاً ثمّ إنّه وقع هاهنا فيما شنع به عليه نفسه ، وأيضاً فقد قرر قدس‌سره أنّ العبارة شاملة لحكمي الحاضر والمسافر مع أنّ المسافر يتعيّن عليه الإطلاق في الثالثة كما عرفت ولا يجوز له التعيين لعدم براءة ذمّته به والله ولي التوفيق ، انتهى ما أفاد الفاضل المقدّس البهائي قدّس الله تعالى نفسه.

وقد ذكر الفاضل الهندي طاب ثراه في قول المصنّف : والأقرب جواز الإطلاق فيهما والتعيين ، وجوهاً :

الأوّل : ما ذكره اخيراً من أنّ ضمير فيهما عائد على الحاضر والمسافر أو الحضر والسفر فيفهم من العبارة جواز إطلاق إحداهما وتعيين الاخرى كما إذا جعلت الواو في «والتعيين» بمعنى مع.

الثاني : إنّ الضمير عائد إلى الرباعيتين كلتيهما فيكون المراد أنّ الأقرب جواز الإطلاق الثلاثي في الرباعيتين كلتيهما والرباعي في الثنائيتين (١). وهذا الوجه أوّل من ذكره السيد الفاضل عميد الدين كما عرفت وردّه الشهيد في «الذكرى» بأنّه لو ذكر الظهر في الرباعيّة فلغو ، لأنّ الظهر إن كانت في الذمّة فقد صلّاها فلا فائدة في ذكرها ، ثمّ قال : والظاهر أنّه غير ضاير ، لأنّه أتى بالواجب فتلغو الزيادة ، ثمّ إنّه احتمل البطلان ، لأنّه ضمّ ما يعلم انتفاؤه من البين فهو كالترديد بين النافلة والفريضة ، قال : بل أبلغ ، لأنّ الظهر في حكم صلاة غير مشروعة ، للنهي المشهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أنّه لا يصلّى صلاة واحدة في اليوم مرّتين (٢). ووافقه على ذلك الفاضل الكركي (٣) والهندي قال في «كشف اللثام» وأيضاً لا يصحّ الإطلاق الرباعي في الثنائية الاولى لعدم صحّة العشاء ، لأنّها إن كانت فاتت فبعد اخرى.

__________________

(١) كشف اللثام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٥٩٣.

(٢) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في أحكام الوضوء ص ٩٩ س ٢١.

(٣) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٤٦.

٥٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالث : إنّ الضمير عائد إلى رباعية الحاضر وثنائية المسافر ، قال : فيجوز الإطلاق فيهما والتعيين ، ولا يتعيّن الإطلاق بناء على توهم أنّه لا مجال للتعيين لعدم القطع بما يعيّنه ، لأنّ القطع إنّما يعتبر عند الإمكان مع إمكانه للوجوب من باب المقدمة ، كما لا يتعيّن التعيين كما قاله الشيخ ومن تبعه ، قال : ويحتمل تعيين الإطلاق كذلك ومنع الوجوب من باب المقدمة وإمكان القطع بالإطلاق عمّا في الذمة ، فدفع بهذا الكلام ما يتوهّم ممّا تقدمه من تعيين الإطلاق.

الرابع : إنّ الضمير عائد إلى الرباعيتين كلتيهما قال : فالمراد أنّ الأقرب جواز الإطلاق في الرباعيتين كلتيهما والتعيين فيهما وكذا في الثنائيتين ولا يتعيّن التعيين في الأخيرة منهما بناء على تأخير المتأخّرة عن المغرب للعشاء ، فإنّه لا ينافي جواز الإطلاق والأصل البراءة من لزوم التعيين ولأنّ انحصارها فيها يصرف إليها الإطلاق ، على أنّ تعيينها للعشاء إنّما هو على تقدير فوات المغرب والعشاء وهو يجوز كون الفائت الظهر والعصر فالرباعية الاولى تنصرف إلى الظهر ، فلو عيّن الثنائية عشاء بقيت العصر في الذمّة ، ولما جوّز التعيين فيهما اندفع الوهم السابق أيضاً أي وجوب الإطلاق الّذي قد يوهمه الكلام السابق (١) ، انتهى.

وليعلم أنّ الشهيدين في «الذكرى (٢) والروض (٣)» احتملا فيما لو عيّن إحداهما وأطلق الاخرى البطلان لعدم استفادة رخصة به وعدم انتقاله إلى أقوى الظنّين وضعفه في «كشف اللثام (٤)» والصحّة ، لبراءة الذمّة بكلّ منهما منفردا وكذا منضمّاً. ثمّ قال في «الذكرى» : والحق أنّه تكلّف محض لا فائدة فيه فلا ينبغي فعله (٥). وبذلك قطع في «كشف اللثام». وقد سلف ما ذكره البهائي في المقام. وظاهر

__________________

(١) كشف اللثام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٥٩٢.

(٢) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في أحكام الوضوء ص ٩٩ س ٢٧.

(٣) روض الجنان : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ص ٤٥ ٤٦.

(٤) كشف اللثام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٥٩٢.

(٥) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في أحكام الوضوء ص ٩٩ س ٢٩.

٥٩٥

وتظهر الفائدة في تمام أحد اليومين وتقصير الآخر حتما فيزيد ثنائية أو بالتخيير

______________________________________________________

المصنّف أنّه عند تعيين إحداهما يتعيّن عليه الإطلاق بين الباقيتين حيث قال : فيطلق. ولعلّه أراد أنّه يجوز له الإطلاق بينهما كما أشار إليه في «كشف اللثام» واحتمل فيه زيادة على ما ذكره البهائي أنّه إذا عيّن الظهر لم يكن له إلّا فعل رباعيتين اخريين معيّنتين العصر والعشاء بينهما مغرب ، لتعيّن ما قبل المغرب للعصر وما بعدها للعشاء وإذا عيّن العصر لم يكن له إلّا رباعية اخرى بعد المغرب معيّنة للعشاء (١).

قوله قدّس الله تعالى روحه : (وتظهر الفائدة في تمام أحد اليومين وتقصير الآخر حتما فيزيد ثنائية) أي فيزيد ثنائية على الأربع بعد المغرب فيصلّي خمسا بثنائية مردّدة بين الثلاث السابقة على المغرب ، ثمّ رباعية مردّدة بين الظهرين ، ثمّ مغربا ، ثمّ ثنائيّة مردّدة بين ما عدا الصبح ورباعيّة مردّدة بين العصر والعشاء ولا مبالاة بتقديم الثنائيّة هنا على الرباعيّة وتأخيرها بخلاف ما قبل المغرب ، فإنّه يجب تقديم الثنائية وقد جمع في «جامع المقاصد (٢)» أطراف المسألة.

قوله قدّس الله تعالى روحه : (أو بالتخيير) بين القصر والإتمام فيهما أو التخيير في أحدهما فيلزمه حكم اختياره في القضاء قال في «كشف اللثام» وكذا لو شكّ في اختياره احتياطا (٣) ، ثمّ نقل عن «الكنز» الاكتفاء بأربع إن لم يتخيّر (٤) قال : ولعلّه أراد الشكّ واحتمل بقاء اختياره في القضاء قال : فله اختيار

__________________

(١) كشف اللثام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٥٩٣.

(٢) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٤٩ ٢٥٢.

(٣) كشف اللثام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٥٩٤.

(٤) كنز الفوائد : كتاب الطهارة في المسائل المتعلّقة بالطهارة ج ١ ص ٦٢.

٥٩٦

ووجوب تقديم فائتة اليوم على حاضرته لا غير

______________________________________________________

التمام وإن كان القصر اداء وبالعكس وقيل : يتحتّم القصر في القضاء مطلقا (١).

قوله قدّس الله تعالى روحه : (ووجوب تقديم فائتة اليوم على حاضرته لا غير) قال في «جامع المقاصد» التقدير : وتظهر فائدة الاشتباه المذكور أيضاً في وجوب تقديم فائتة اليوم على حاضرته على القول به كما هو رأي المصنّف ، إذ لو قيل بالتوسعة المحضة في فائتة اليوم وغيرها لم يكن فرق بين كون الفائت من يومه أو أمسه فيتطهّر لإمكان كون الخلل من طهارة الأخيرة ويصلّي المغرب والعشاء أداء ، لعدم يقين البراءة منهما ويأتي بالباقي متى أراد ، وعلى القول بالمضايقة المحضة يجب عليه المبادرة على كلّ حال وإن لم يتذّكر إلّا بعد فوات اليومين (٢). ومثله قال في «كشف اللثام» قال : الصورة الثانية أن يكون الشكّ في وقت العشاءين أو العشاء الآخرة من اليوم الثاني ، واخترنا وجوب تقديم فائتة اليوم على حاضرته ، لأنّ الاشتباه بين اليومين يفيد عدم فعل العشاءين أو العشاء أولا ثمّ القضاء ، لكنّه قال : ويحتمل إفادته الجواز ، لأصل البراءة من الترتيب ويمكن إذا فعلهما أن لا يكون عليه شي‌ء لشكّه في اشتغال ذمّته بالقضاء. ثمّ قال : ويدفع الاحتمال بتوقّف أدائها على العلم ببراءة الذمّة من فائتة اليوم ويقوى على المواسعة مطلقاً وأمّا على المضايقة مطلقاً فلا فائدة للاشتباه بخصوصه واحتملا تعلّق قوله لا غير ، بقوله : تظهر الفائدة أي إنّما تظهر الفائدة في هذه المواضع لا غير (إذا عرف هذا) فمع الحضور في اليومين يقضي صبحا ، ثمّ رباعيّة عن الظهرين ثمّ مغربا بين الأداء والقضاء ثمّ رباعية بين قضاء العصر وبين العشاء مردّدة بين القضاء والأداء ومع السفر فيهما يصلّي

__________________

(١) كشف اللثام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٥٩٥.

(٢) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٥١.

٥٩٧

ولو جهل الجمع والتفريق صلّى عن كلّ يوم ثلاث صلوات ، وكذا البحث لو توضّأ خمسا لكلّ صلاة طهارة عن حدث ثمّ ذكر تخلّل حدث بين الطهارة والصلاة واشتبه

______________________________________________________

ثنائية عن الصبح والظهرين ، ثمّ مغربا بين الأداء والقضاء ، ثمّ ثنائية بين الظهرين قضاء والعشاء مردّدة ومع الاختلاف ثنائية كذلك ، ثمّ رباعية عن الظهرين ، ثمّ مغربا مردّدة ، ثمّ ثنائية بين الظهرين قضاء والعشاء مردّدة ورباعية بين العصر قضاء والعشاء مردّدة (١).

قوله قدّس الله تعالى روحه : (ولو جهل الجمع والتفريق صلّى عن كلّ يوم ثلاث صلوات) كذا ذكر في «التذكرة (٢) والمنتهى» من دون تفاوت لكنّه في «المنتهى» قال قبل هذه العبارة : ولو لم يعلم هل هما ليومه أو ليومه وأمسه؟ وجب عن يومه أربع صلوات وعن أمسه ثلاث (٣) ، انتهى. وهو عين الجهل بالجمع والتفريق كما في «كشف اللثام» وتأوّل ذلك فيه بأنّه لعلّه أراد وجوب الأربع ليومه إذا لوحظ وحده مع تحصيل يقين البراءة والثلاث لأمسه كذلك وإن أجزأه الست إذا اجتمعتا (٤) ، انتهى. والوجه فيما ذكر المصنّف رحمه‌الله من لزوم الثلاث عن كلّ يوم انّ الطهارتين إن كانتا مجتمعتين في يوم لزمه أربع وإن كانتا متفرّقتين لزمه ستّ ، فمع الجهل يتوقّف يقين البراءة على الإتيان بالأكثر ، هذا في المقيم وأمّا المقصر فيلزمه عن كل يوم اثنتان ومع الاختلاف يلزمه الاتيان بستّ أربع عن أحدهما واثنتين عن الآخر.

قوله قدّس الله تعالى روحه : (وكذا البحث لو توضّأ خمسا

__________________

(١) كشف اللثام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٥٩٥.

(٢) تذكرة الفقهاء : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢١٤.

(٣) منتهى المطلب : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء وتوابعه ج ٢ ص ١٤٨.

(٤) كشف اللثام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٥٩٦.

٥٩٨

ولو صلّى الخمس بثلاث طهارات ، فإن جمع بين الرباعيتين بطهارة صلّى أربعا : صبحا ومغربا وأربعا مرّتين والمسافر يجتزي بثنائيتين والمغرب بينهما

______________________________________________________

إلى قوله واشتبه) وكذا قال في «التذكرة (١) والمنتهى (٢)» وذهب الشيخ (٣) والقاضي (٤) وابن سعيد (٥) إلى أنّ الحدث المتخلّل إذا كان عقيب طهارة واحدة من الخمس إلى وجوب إعادة الصلوات الخمس كلّها مع أنّهم نصّوا على اكتفاء من فاتته إحداهن بصبح ورباعيّة ومغرب.

قوله قدّس الله تعالى روحه : (ولو صلّى الخمس بثلاث طهارات ، فإن جمع بين الرباعيتين بطهارة صلّى أربعا : صبحا ومغرباً وأربعا مرّتين) كما في «التذكرة (٦) والمنتهى» إلّا أنّه في «المنتهى (٧)» ترك اللام في الرباعيتين ، فدلّ على أنّها هنا للجنس والمعنى أنّه لو صلّى الخمس بثلاث طهارات عن ثلاثة أحداث ، فإن علم أنّه جمع بين الرباعيتين بطهارة ، فإن جمع بين الظهرين خاصّة صلّى أربعا : صبحا ومغربا وأربعا مرّتين إحداهما الظهر ، لأنّه لم تفته العصر إلّا بعد الظهر والاخرى بين العصر والعشاء ، وله فعل المغرب قبلهما والصبح بعد الجمع وفي البين كما في «كشف اللثام (٨)».

قوله قدّس الله تعالى روحه : (والمسافر يجتزي بثنائيتين

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢١٤.

(٢) منتهى المطلب : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء وتوابعه ج ٢ ص ١٤٨.

(٣) المبسوط : كتاب الطهارة في من ترك الطهارة .. ج ١ ص ٢٥.

(٤) جواهر الفقه : كتاب الطهارة باب في مسائل ما يتعلّق بالطهارة ص ١١ مسألة ١٩.

(٥) الجامع للشرائع : كتاب الطهارة باب الطهارة ص ٣٧.

(٦) تذكرة الفقهاء : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢١٥.

(٧) منتهى المطلب : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء وتوابعه ج ٢ ص ١٤٨.

(٨) كشف اللثام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٥٩٦.

٥٩٩

وإلّا اكتفى بالثلاث.

______________________________________________________

والمغرب بينهما) لم يتعرّض لهذا في «التذكرة والمنتهى» وهذا الحكم فيما عدا ما إذا جمع بين الصبح والظهرين ، أمّا فيه فلا بدّ له من ثنائية اخرى ولا ترتيب حينئذ بين المغرب وشي‌ء من الثنائيّات كما في «كشف اللثام (١)».

قوله قدس‌سره : (وإلّا اكتفى بالثلاث) كما في «المنتهى (٢) والتذكرة (٣)» والمراد أنّه إن علم أنّه لم يجمع بين رباعيتين بطهارة اكتفى بالثلاث ، فإن جمع بين الصبح والظهر وأفرد العصر بطهارة ، ثمّ جمع العشاءين صلّى صبحا ، ثمّ مغربا ، ثمّ أربعا عن الثلاث وإن جمع بين الصبح والظهر ثمّ بين العصر والمغرب صلّى صبحا ، ثمّ أربعا ، ثمّ مغربا ، وإن اشتبه الأمر بين الصورتين لزمته أربع للزوم رباعيتين بينهما المغرب لتحصل البراءة على التقديرين وإن احتمل جمعه بين الرباعيتين وعدمه فاشتبه عليه الأمر من جميع الصور الست صلّى الخمس كلّها ، لاحتمال الثالثة ، فيجب تقديم رباعيتين على المغرب والرابعة والسادسة فيجب تأخير رباعيّة عنها ومنه علم وجوب الخمس بأن علم الجمع بين رباعيتين واشتبه عليه بين الصور ، كلّ ذلك في الحاضر. ولا حكم للمسافر هنا ، إذ لا بدّ له من الجمع بين ثنائيتين ، كذا قال في «كشف اللثام (٤)».

وقال في «جامع المقاصد» فرع : وجوب الجهر والاخفات في مواضع التعيين بالنسبة إلى جميع ما تقدّم بحاله أمّا في مواضع الإطلاق فإنّه يتخيّر بينهما ، لعدم امكان الجمع ولا ترجيح (٥).

__________________

(١) كشف اللثام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٥٩٧.

(٢) منتهى المطلب : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء وتوابعه ج ٢ ص ١٤٨.

(٣) تذكرة الفقهاء : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢١٥.

(٤) كشف اللثام : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٥٩٧.

(٥) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أحكام الوضوء ج ١ ص ٢٥٣.

٦٠٠