مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ١

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي


المحقق: الشيخ محمّد باقر الخالصي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٠

نبذة من حياة المؤلّف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي جعل لنا طلاقة النطق باللّسان وأعاننا عليه بتعلّم الكتابة وقدرة البيان ثم شرّفنا بشرافة الإخلاص ونعمة الإيمان.

والصلاة الدائمة المتواصلة على أنبيائه الّذين بلّغوا عنه إلى عباده رسالاته وأدّوا عنه إليهم أماناته ولا سيّما على خاتمهم وسيّدهم من الأوّلين إلى الآخرين محمد وعلى آله المعصومين أئمّة عباده وأُمنائهم على بلاده.

وبعد إنّ هذا الكتاب الماثل بين يديكم أيها القرّاء الأفاضل هو مفتاح الكرامة في فقه الإماميّة ، كتبها أحد أعلام الشريعة وأعاظم فقهاء الشيعة الّذي عاش بين القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر وهو السيّد محمّد جواد العاملي رحمه‌الله. فلا بدّ لنا من أن نعرف أوّلاً مؤلّفه الفاضل حسب ما ظفرنا عليه من حياته الطيّبة وثانياً هذا الكتاب المتفرّد في فنّه لمطالعيه وناظريه أهل العلم والتحقيق المراجعين إليه في طيّ تفحّصهم في الفقه الجعفري.

نسبه الشريف :

أمّا اسم مؤلّفه فهو على ما أنسبه إليه المحقّق الفقيه السيّد محسن الأمين العاملي رحمه‌الله ، الّذي هو من البيت وأهل البيت أدرى بما في البيت محمد جواد بن محمد بن محمد بن أحمد بن قاسم بن علي بن علاء الدين بن علي الأعرج ابن إبراهيم بن محمد بن علي بن مظفر بن محمد بن علي بن حمزة بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن عيسى بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن

١

علي بن أبي طالب عليهم‌السلام. وقد يصف نفسه في بعض مصنّفاته بالحسيني الحسني الموسوي ، وكان وجه انتسابه نفسه إلى الحسن المجتبى وموسى الكاظم عليهما‌السلام من جهة امهاته أو جدّاته.

فالرجل ينتهي إلى النجيب الشريف الثائر المتعهّد المحامي عن شرف العترة الطاهرة ، زيد بن علي بن الحسين ثمّ إلى الائمّة زين العابدين وأبي عبد الله الحسين وأمير المؤمنين وفاطمة سيّدة النساء عليهم أفضل الصلاة وأحسن السلام ، فنسبه أشرف الأنساب وعروقه أعرق الأعراق وصلبه أصلب الأصلاب.

وأمّا مولده فهو ولد رحمه‌الله في قرية «شقراء» من قرى جبل عامل بلبنان.

وأمّا سنة ولادته فلم يضبطه أحد على التحقيق والتعيين إلّا أنّ الأمين العاملي رحمه‌الله أثبتها في حدود المائة ونيف وخمسين بعد الألف.

مسيره في تحصيله وأساتيذه من ابتدائه إلى انتهائه :

والظاهر أنّ أوائل ابتدائه في تحصيل العلوم كان في جبل عامل ، فشرع في مقدّمات العلوم الإسلامية الدخيلة في التفقّه في هذا المكان. ثم بعد استكماله تلك المقدمات سافر إلى العراق ، فأقام في إحدى الحوزتين المعروفتين الدائرتين في ذلك الزمان وهي كربلاء المقدسة بعد النجف الأشرف فاستوطنها وذلك لأنّ بلدة كربلاء في ذلك الزمان صارت حوزة علميّة عالية للمريدين وقطباً دائراً لتحصيل العلوم‌الإسلامية للمتعلمين ولا سيّما في الفقه الجعفري واصوله الاعتقاديّة والفقهيّة.

وكان قطب رحا حوزة كربلاء المقدّسة ومحور تحقيقها وتدريسها حينئذٍ هو الفقيه الأمجد والاصولي الأوحد استاذ فقهاء عصره المحقّق المدقّق آية الله وحجة الإسلام آقا محمد باقر الشهير بالوحيد البهبهاني رحمه‌الله وبعده في الشهرة والعظمة ابن اخته الفقيه الاصولي آية الله السيّد علي الطباطبائي صاحب رياض المسائل. ومعاصر هذين الاستاذين المحقّقين في تلك البلدة الطيبة المستقرّ في طرف ضدّهما من حيث المبنى والمسلك الفقيه العالم المحقّق آية الله الشيخ يوسف البحراني صاحب كتاب الحدائق الناضرة وهؤلاء الأعلام وغيرهم كانوا مصابيح العلم في تلك البلدة المقدّسة وآية تحقيقها في تلك الكليّة الفقهيّة وكان طلبة العلم

٢

والفقه يشدّون الرحال من جميع نواحي البلاد الإسلاميّة إلى تلك الحوزة وإلى حوزة النجف الأشرف.

فلأجل ذلك قصدها أي كربلاء المقدسة المترجم له بعد أن اشتغل بمقدّمات العلوم مدة غير يسيرة في جبل عامل لبنان ، فهاجرها قاصداً من ذلك اكتساب العلوم وتحصيل الحقائق فاستوطنها إلى أن مات استاذه الوحيد البهبهاني رحمه‌الله.

ويظهر ممّا ذكره بعض الأعلام أنّه بعد وروده تلك البلدة الطيّبة والحوزة المباركة حضر جلسة مذاكرة السيّد الفقيه السيّد علي الطباطبائي ولذا حكى عن بعض مصنّفاته وإجازاته أنّه قال : إنّه أي صاحب الرياض أوّل من علّمني وربّاني وقرّبني وأدناني ، ولذا يعبّر عنه كثيراً ما في كتابه هذا ب «شيخنا» أو «استاذنا» وهذا الكلام المحكي عنه بظاهره يشعر بأنّ صاحب الرياض أوّل أساتيذه ومعلّميه وأنّه لم يتعلّم قبله من احد ، إلّا أنّ ذلك بعيد جدّاً ، فإنّ صاحب الرياض كان إذ هبط الشارح ذلك المهبط من الفقهاء المجتهدين ومن مدرّسي خارج الفقه والاصول ومثله لا يكون مدرّساً لمقدمات العلوم ومبادئها الّتي يتكفّل تعليمها أوساط الطلبة ومن يتردّد في بادئ الرأي من المعلمين.

ثمّ بعد أن حضر مجلس بحث الطباطبائي برهة من الزمن حضر حوزة استاذه الوحيد البهبهاني رحمه‌الله وقيل : إنّه كان ملازماً لدرسيهما معاً في زمان واحد مشغولاً بذلك عن الخروج من كربلاء حتّى لزيارة النجف الأشرف وهو رحمه‌الله دائماً يعبّر عن استاذه هذا ب «استاذنا الآقا أو الاستاذ أدام الله حراسته». وهو رحمه‌الله قد عنى في هذا الكتاب بنقل كلام هذا الاستاذ أكثر من عنايته بنقل كلام سائر أساتذته.

ثمّ بعد أن ارتحل الوحيد البهبهاني إلى رحمة الله تعالى هاجر سيّدنا المترجم له إلى النجف الأشرف الحوزة الام لجميع الحوزات العلميّة للشيعة الإماميّة فحضر حلقة درس العلّامة العابد والحجة المجاهد والفقيه الزاهد صاحب الملكات القدسية والنفس الزكية السيّد مهدي الطباطبائي المعروف ب «بحر العلوم» وحلقة بحث الشيخ الأكبر أفقه المتأخّرين المحقّق المدّقق الشيخ جعفر صاحب كتاب كشف الغطاء الّذي اشتهر لأجل تأليف هذا الكتاب العظيم في فنّه المتقن في بيانه المبتكر في كثير من آرائه ب «كاشف الغطاء» وحلقة بحث الشيخ الفقيه المتعبّد

٣

الشيخ حسين نجف.

ولكنّه على ما يقال : لم يزل كان ملازماً لجلسة بحث العلّامة الطباطبائي إلى أن ارتحل الطباطبائي إلى رحمة الله ورضوانه وبقي ملازماً لحوزة درس الشيخ جعفر مدّة مديدة إلى أن سافر الشيخ المشار إليه إلى ايران لأجل تبليغ الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك لأنّ هذا الشيخ كان مهتمّاً شديد الاهتمام بهذا القانون ويحسب أنّ العمل بهذا القانون الإلهي من وظائفه الخاصّة المعيّنة عليه ، لأنّه كان يرى نفسه مستعدّاً لهذا الأمر أكثر من أن يرى غيره مستعدّاً لذلك. فاستقلّ المترجم له بالتدريس والتحقيق بعد سفر استاذه ولم يحضر حلقة درس هذا الشيخ الأكبر بعد رجوعه من بلاد ايران أيضاً.

فالرجل على ما عرفت ولد وترَعرع في بيت السيادة والشرافة ونشأ وتربّى في منبت العلم ومهد العلماء الأفاضل والفقهاء الأماجد فعليه لا غرو ولا عجب من ارتقائه بعد برهة غير طويلة إلى أعلى مدارج الكمال ، وهو الفقاهة حسب ما بيّنه الإمام محمد بن علي الباقر عليه‌السلام بحيث صار مشاراً بالبنان ومرجعاً لحلّ معضلات الفقه ورفع مشكلات علوم الدين حتى أقرّ بفضله مثل هؤلاء الأبطال في ميدان التحقيق والأساتذة النادرة في مقام التدقيق.

قال استاذه المحقّق البهبهاني في إجازته الّتي كتبها له على ما حكي : استجاز منّي العالم العامل والفاضل المحقّق المدقّق الماهر العارف ذو الذهن النقّاد والطبع الوقّاد مولانا السيّد السند السيّد محمد جواد حرسه الله تعالى وأبقاه ووفّقه لما يحبّه ويرضاه فأجزت له ، إلى آخر ما كتب له بخطّه.

وقال المحقّق القمّي صاحب القوانين في إجازته الّتي كتبها بخط يده على مجلّد الفرائض من مفتاح الكرامة حينما زار أئمّة العراق وأقام مدة يسيرة في الغري : أمّا بعد فقد استجازني الأخ في الله السيّد العالم العامل الفاضل الكامل المتتبّع المطّلع على الأقوال والأفكار الناقد المضطلع بمعرفة الأخبار والآثار السيّد جواد العاملي مؤلّف هذا الكتاب فاستخرت الله وأجزت له أدام الله أفضاله وكثّر في الفرقة الناجية أمثاله ، إلى آخر ما كتب له بخطّه.

وحكي عن بعض أهل الورع انّه قال : ممّا تحققناه من أحواله على حدّ التواتر

٤

أنّه كان مشهوراً بين علماء عصره من زمن حضوره على استاذه الوحيد البهبهاني إلى يوم وفاته بالضبط والاتقان وصفاء الذات وأنّ أجلّاء العلماء سواء من مشايخه المتقدّم ذكرهم أو من غيرهم كانوا إذا أشكلت عليهم مسألة أرادوا تدريسها أو تصنيفها أو الإفتاء بها ووجدوا الأساطين مضطربين في كلماتهم والأخبار متعارضة متخالفة في مداليلها أو مسانيدها ، سألوه عمّا حقّقه هو في تلك المسألة فإن لم يكن له تحقيق فيها التمسوا منه كتابتها وتحقيقها فيقفون عند قوله وتحقيقه ، لعلمهم بغزارة اطلاعه وجودة انتقاده وشدّة ممارسته لكلمات العلماء وعرفانه بمحطّ أنظار الفقهاء ومأخذ براهينهم واستدلالاتهم ولخبرته بعلم الرجال.

وقد قيل : إنّ تأليف جلّ كتبه أو كلّها إنّما كان بالتماس اسطوانة من هذه الأساطين أو استاذ من هؤلاء الأساتذة. وهذا أمر يظهر بالنظر في ديباجة كتبه المشار إليها. وهذا يدلّ على علوّ شأنه وانفراده في عصره بما لا يشاركه فيه غيره من علماء زمانه.

قال صاحب روضات الجنات : كان من فضلاء الأواخر ومتتبعي فقهائهم الأكابر وقد أذعن بكثرة اطلاعه وسعة باعه في الفقهيّات أكثر معاصرينا الّذين أدركوا فيض صحبته بحيث نقل انّ الميرزا أبا القاسم صاحب القوانين كان إذا أراد في مسألة تشخيص المخالف والمؤالف يرجع إليه فيظفر به.

وقال في ترجمة صاحب القوانين : إنّه كان يرجع في مسائل الفقه عند شكّه في وجود مخالف في المسألة إلى سيّدنا الفقيه المتتبّع السيّد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة أيّام اقامته عنده ونزوله عليه في قم المباركة.

ولأجل هذه الشهرة الحسنة والاعتبار المقبول المشهور ولأجل هذه السابقة المضيئة كان معظّماً مبجّلاً عند العلماء كافة.

نقل : أنّ استاذه بحر العلوم اعتزل التدريس أيّاماً فاشتد الأمر على تلامذته وعزمُوا على أن يشفعوا لديه وجهاً مقرباً ورسولاً معتبراً فلم يروا في العلماء من يكون لديه أقرب ولا أوجه من صاحب الترجمة فأرسلوه إلى السيّد تشفعاً فلمّا رآه السيّد الطباطبائي استبشر به وجعل يعتذر من اعتزاله عن الدرس بأنّ ذلك

٥

كان لأجل خطور الشك في قلبه من ملاحظة أخبار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما ورد فيهما من التحريص عليهما والوعيد على تركهما ، وقال : إنّي تمكنت في هذا الزمان ما لم يتمكن منه غيري فلم يحصل لي يقين الخروج عن عهدة هذا التكليف ولا انكشف عن قلبي حجاب الشكّ إلّا بمجيئك لديّ وشفاعتك في تركي الاعتزال عن التدريس. ثمّ أخذ بيده وخرج مظهراً للجماعة المنتظرة لقدومهما أنّ تبدّل رأيه وانصرافه عن ترك التدريس كرامة لسيّدنا الجواد رحمه‌الله. وهذا يدلّ على أنّ قوله ورأيه كان معتبراً لدى السيّد أكثر من اعتبار رأي فقيه محقّق ، بل كان اعتبار رأيه عنده في حدّ اعتبار الحجّة الشرعيّة والآية الربانيّة ، فلاحظ وتأمّل.

ويقال : إنّ الشيخ جعفر أراد أن يرسل الفقيه المعظّم صاحب الجواهر إلى اصفهان ، فاستشار في ذلك استاذه صاحب الترجمة فمنعه من ذلك وبشّره بأنّه سيكون قريباً صاحب المنبر الأعظم للتدريس في النجف الأشرف فكان الأمر كما قال.

استقامته وثباته في المسير :

كان صاحب الترجمة في أمر درسه وتحقيقه من أوّل الامر ولا يزال ثابت القدم قويّ الإرادة ، عظيم الهمّة ، لم يرجع عن عزمه وتصميمه ولو ساعة واحدة بل كان يشتغل جميع الأوقات في تحقيقه وكتابته ، ليله ونهاره إلّا برهة يسيرة منهما استثناها لأجل الواجبات الشرعيّة أو الامور الضروريّة كالأكل والنوم.

حكي عن ابنته وكانت على ما يقال مشهورة بالتقوى أنّها قالت : كان والدي يكتب ويقرأ وكتبه كلّها مفتوحة بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وشماله وهو يدور عليها والقلم والكاغد بيده يطالع ويكتب وكان كثيراً ما ينسى أكل طعامه في وقته فالتزمت والدتي أن تقدّم الطعام إليه كل يوم وليلة في وقته وتنبهه على تناوله في حينه.

وممّا اشتهر عنه أنّ سبطه الشيخ رضا ابن زين العابدين كان معه في داره

٦

فكان إذا فرغ من مطالعة دروسه ينام ويبقى هو مشغولاً بشغله فكثيراً ما كان رحمه‌الله يلتفت إليه ويقول : ما هذا التعشّق للنوم انّه ليكفيني منه هكذا ، ثمّ يضع رأسه بين ركبتيه وينام من حينه سِنة ولا يكاد يلتذّ بنومه هذا حتّى يستيقظ فيرجع إلى اشتغاله بالكتابة والمطالعة.

وحكي عن ابنته هذه : انّه ربّما كان يوقظ سبطه المذكور للنافلة ولكن لم نجده يقوم للنافلة بنفسه وكان ذلك منه حرصاً على اشتغاله.

وممّا يؤيّد ذلك ما كتبه في آخر مجلّد الإقرار من مفتاح الكرامة فقال : كتبت في شهر رمضان من هذه السنة ثمانية أجزاء أو تسعة أجزاء أو عشرة أجزاء مع هذا التتبّع والاستيفاء وذلك انّي تركت له سائر الأعمال الّتي يعملها العاملون في شهر رمضان إلّا ما قلّ جدّاً مؤثراً للتحصيل والاشتغال على جميع أعمال شهر رمضان.

وممّا يدل على ذلك انّه رحمه‌الله صنّف وألّف جملة من مصنفاته في أيّام محاصرة الخارجي سعود بن عبد العزيز الوهابي لبلدة النجف الأشرف ومن تلك المصنّفات جملة من مجلدات هذا الكتاب ، مع أنّه كان يجالس مع العلماء لإعمال الحيلة فيما يخلصهم من هذه العويصة وربّما كان مع جملة منهم يمرّ على الحفظة والحرس ويحرضهم على الجهاد والمدافعة عن تلك البلدة المشرّفة.

فإذا انتهى الكلام إلى هذا المقام فجدير أن نذكر بعض ما أوصى به هذا السيّد في آخر كتاب الإقرار اخوانه في التحصيل والتحقيق ، فقال بعد ما أوصى به من الجدّ والسعي في التحقيق ودوام التحصيل : واوصي إخواني أن لا يغادروا من أوقاتهم في غير التحصيل وبالزهد في هذه الدنيا فإنّ الميل إليها آفة التحصيل انتهى. وأنا أقول : ولله درّه فقد أصاب في الكلام وأجاد في المرام بل الواقع هو أنّه لا آفة للتحصيل أضرّ وأمنع من الميل إلى الدنيا فضلاً عن الخوض فيها والتلوّث بلوثها والتسكر من سكرها.

هذا بعض ما طلع علينا من أطراف حياة مؤلّف هذا الكتاب من زوايا تاريخ حياته المشرقة وجهوده المشكورة. ولعلّ للقارئ الكريم في هذا المقدار تنبّه

٧

وكفاية عن أكثر من ذلك فإنّ بروق هذه الزوايا من تاريخ حياة هذا العالم الديني والرجل الإلهي تكفي المتعلم السالك في طريق التحصيل والتعلّم للاطلاع على طريق الصواب من طرق كيفية الاشتغال لمشتغلي علوم الدين ولمريدي طريق المعرفة واليقين.

مؤلّفات الشارح :

للشارح المعظّم تآليف علميّة كثيرة وتصانيف ثمينة ذكر بعضها السيّد الخوانساري رحمه‌الله في الروضات وذكر أسماء جلّها أو كلّها السيد الأمين العاملي رحمه‌الله :

منها : «شرح طهارة الوافي» وهو تقرير بحث استاذه بحر العلوم يتكلّم فيه عن أخباره أوّلاً من جهة السند وثانياً من جهة الدلالة. ابتدأ فيه البحث من خبر علي ابن جعفر عن أخيه عليه‌السلام في رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعاً صغاراً ، إلى آخره.

وسبب ابتدائه البحث بهذا الخبر أنّه لما عزم على الكتابة كان الدرس في هذا الخبر وانتهى الكلام فيه إلى بحث مسح الاذنين والقفا في الوضوء. وهذا الكتاب يشتمل على تحقيقات رجاليّة وفوائد جليلة في معاني تلك الأخبار.

ومنها : «حاشية على طهارة كتاب المدارك» تقرب من خمسة آلاف بيتاً. كتبها في الأيّام الّتي حضر فيها حلقة درس الشيخ حسين نجف ووصل فيها إلى آخر مبحث تنجّس الماء القليل بالملاقاة.

ومنها : «حاشية على تجارة القواعد» كتبها حين قراءته على استاذه بحر العلوم. بدأ فيها بتفسير العوض وأنّه يصدق على الثمن والمثمن وختمها بمبحث تملّك العبد وعدم تملّكه.

ومنها : «حاشية على كتابَي الدَين والرهن من القواعد» كتبها حين قراءته على شيخه الشيخ جعفر رحمه‌الله. ابتدأ فيها من قول العلامة : ويتملك المقترض ، وانتهى إلى أواخر الرهن عدا ثلاث ورقات عن آخره.

ومنها : رسالة مبسوطة سمّاها «العصرة في حكم العصير العنبي والتمري» كتبها بالتماس من استاذه الشيخ جعفر حين قراءته عليه هذه المسألة. فقال له

٨

الشيخ رحمه‌الله : استقرّ نظري في هذه المسألة على الحلّية واختار سيّدنا بحر العلوم الحرمة ، فاحبّ أن تكتب ما ذكر فيها من الشهرة والإجماع وما ورد فيها من الأقوال وتورد فيها جميع ما ورد في تلك المسألة في الوسائل والوافي من الأخبار. قال الأمين العاملي رحمه‌الله : وجدت عليها تقريظ شيخه الشيخ حسين نجف وتقاريظ اخرى.

ومنها : «رسالة في المواسعة والمضايقة» كتبها بالتماس شيخه السيد صاحب الرياض.

ومنها : «حواشٍ على الروضة» كتبها على المضاربة والوديعة والعارية والمزارعة والمساقاة وبعض الوصايا وتمام النكاح وبعض الطلاق.

ومنها : «شرح على الوافية» للفاضل التوني. قال الأمين العاملي رحمه‌الله : مجلّدان أكبر من القوانين تامّ على الظاهر إلّا قليلا ، بسط فيه الكلام وتعرّض لأغلب كلمات الأساطين من الاصوليين والأخباريين المتقدّمين منهم والمتأخّرين ، وذكر فيه جميع ما وقع من المباحثة والمناظرة بين الشيخ الأكبر الشيخ جعفر والمحقّق السيد محسن البغدادي في جريان أصل البراءة في أجزاء العبادات.

ومنها : «رسالة في مسألة الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة في العبادات» وذكر فيها مباحثه التي وقع بينه وبين شيخه صاحب الرياض في ذلك.

ومنها : «رسالة في مناظرة استاذه الشيخ جعفر والمحقّق السيد محسن الكاظمى» جمع فيها مناظرتهما بتمامها وما تكاتبا به وفيها بعض ما كتبه الشيخ جعفر بيده.

ومنها : «حاشية صغيرة على أوّل تهذيب الاصول» للعلامة الحلّي.

ومنها : «أوراق في مقدّمة الواجب» علّقها على المعالم.

ومنها : «رسالة في التجويد».

ومنها : «رسالة في الردّ على الأخباريين» نافعة جدّا وقد قرظها المحقق البغدادي بعبارات بعضها : لا زلت موفقاً لهداية الخلق وإرشاد الناس إلى الحق والكشف عن الخفايا والدلالة على الخبايا.

٩

ومنها : «رسالة في وجوب الذبّ عن النجف الأشرف» لأنّها بيضة الإسلام. مختصرة كتبها من خطه ولم تكن عنده كتبه.

ومنها : «منظومة في الرضاع» نحو مائة وأربعين بيتاً.

ومنها : «منظومة في الخمس» تقرب من ثمانين بيتاً.

ومنها : «منظومة في الزكاة» تقرب من مائة وعشر أبيات.

ومنها : «رسالة صغيرة في مسألة جواز العدول عن العمرة عند ضيق الوقت إلى الإفراد».

ومنها : «مفتاح الكرامة» هذا الكتاب الّذي نحن بصدد تحقيقه ونقده وتصحيحه.

تلامذته :

وأمّا تلامذته ومن كان يحضر حلقة بحثه ودرسه واستضاء من ضوئه واستنار بنوره فالعادة تقتضي في مثل هذه السادة القادة كثرتهم إلا انّا لم نجد من يتعرّف في كتب التراجم بذلك إلّا صاحب الجواهر رحمه‌الله كما مرّت الإشارة اليه قريباً والشيخ مهدي المشهور بملّا كتاب والشيخ محسن بن أعسم ولعلّ السبب في قلّة تلامذته انّه كان شديد الاشتغال بالفحص والقراءة أو الضبط والكتابة دائماً.

مفتاح الكرامة ومكانته بين المؤلّفات الفقهية

منذ الّف هذا الكتاب القيّم بيد مؤلّفه الفاضل صار مرجعاً لمحقّقي مسائل الفقه الشيعي ومنظراً للفقهاء المؤلّفين لكتب الفقه الجعفري.

وذلك أوّلاً لاعتماد اساتيذ الفقه ومعلّميها في ذلك الزمان على كتابه في نقل الإجماع والشهرة ونقل الأقوال الواردة في كلّ مسألة فقهيّة ، فهذا صاحب الجواهر الفقيه المحقّق مؤلّف جواهر الكلام الّذي لم يسبق له نظير في تاريخ تأليف فقه الشيعة اعتمد في نقل الأقوال والإجماع والشهرة على كلّ مورد نقلها صاحب مفتاح الكرامة. وقد نقل بعض مشايخنا الفضلاء رحمه‌الله عن العلّامة الفقيه المحقّق آية الله الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي انّ هذا الكتاب كان مرجعاً لصاحب الجواهر في تحقيقاته الفقهيّة في كتابه كثيراً ، وقال رحمه‌الله : إنّه لم يكن معروفاً في

١٠

حوزة قم المباركة قبل نزول السيد البروجردي تلك البلدة وهو الّذي عرّف هذا الكتاب وكتاب كشف اللثام للفاضل الهندي بين محصّلي علوم الدين ومحقّقي مسائل الشريعة.

وثانياً انّ تأليفه حسب ما صرّح به نفسه في أوّل كتاب الطهارة إنّما كان بأمر من شيخه واستاذه الأعلم الأفقه في زمانه الشيخ جعفر كاشف الغطاء. فإنّه هو الذي أمره بأن يؤلّف كتاباً يذكر فيه جميع الأقوال الواردة في كلّ المسائل الفقهيّة وينقل في كلّ مسألة من تلك المسائل الإجماعات والشهرات المذكورة أو المنقولة في كتب الفقهاء وجعل عليه أن يصرّح فيه بأسامي مصادر تلك الأقوال والإجماعات ويُذكر فيه الدليل الّذي لم يتعرض له الأصحاب وقال له : أمّا كتاب مختلف الشيعة تأليف العلامة الحلي رحمه‌الله وإن كان مؤلّفاً في هذا الموضوع إلّا أنّه إنّما ذُكرت فيه الأقوال والإجماعات والشهرات في المسائل الخلافية وهو مع ذلك لم تُذكر فيه جميع تلك الأقوال الواردة في تلك المسائل ، بل ولم تُذكر فيه جميع المسائل الخلافيّة. فعندئذٍ أجابه صاحب المفتاح في مسؤوله وتلقّاه بقبوله. وهذا الأمر يعطينا أنّ الشيخ جعفر الّذي قيل إنّه الأفقه من جميع الفقهاء ما عدا الشهيد والمحقق الأوّلين لم يعتمد في ذلك على غيره والحال أنّه كان هناك كثير من الفقهاء من أصحاب القلم لا يزالون يؤلّفون ويصنّفون ، بل كان هناك صاحب الجواهر وصاحب مقامع الفضل وغيرهما في حال تأليف كتابيهما في نفس ذلك الزمان وهما كغيرهما كانوا بمنظر منه ومسمع ومع ذلك كلّه لم يعتمد عليهما ولا على غيرهما في هذا الأمر وإنّما كلّفه نفسه بتأليف مثل هذا الكتاب.

قال صاحب الروضات : لم ير عين الزمان أبداً بمثله كتاباً مستوفياً لأقوال الفقهاء ومواقع الإجماعات وموارد الاشتهارات وأمثال ذلك من غير خيانة في شي‌ء منها والاجتهاد له في فهم ذلك كما هو عادة تلميذه بما لا مزيد عليه لكلّ من يريد اجتهاداً في مسألة من مسائل الفقه (١).

وقال العلامة الأمين العاملي رحمه‌الله : هو كتاب لم يسمح الزمان بمثله في استيفاء

__________________

(١) روضات الجنات ج ٢ ص ٢١٧.

١١

أقوال العلماء ومواقع الشهرة والإجماع والتنبيه على الخلل الواقع في جملة من الأنقال مع كمال التتبع وعدم الاكتفاء بالنقل. وبالجملة فهو في بابه عديم النظير بين مصنفات الاصحاب (١).

وأمّا نفس الكتاب فمن حيث المتانة وفصاحة العبارة ومن جهة الترتيب وصحّة النقل فلنا في ذلك بعض الكلام لأنّه من حيث المتانة وفصاحة العبارة وإن كان بمكان ومقام إلا أنّه لا يحتوي من ذلك على كلّ المكان والمقام لأنّه يمكن للمؤلّف العارف بأساليب الكلام أن يجي‌ء بما هو أمتن وأفصح من عبارته وأبلغ ، فانظر إلى كتاب كشف الغطاء تأليف استاذه فإنّه أدرج فيه من المطالب العلميّة الاصولية والفقهيّة بأفصح عبارة وأبلغ كلام بما يتعجّب منه الأديب الأريب الممارس.

وأمّا من حيث الترتيب فكذلك لأنّا نرى المؤلّف كثيراً ما يذكر فرعاً يتبعه بفروع ثمّ بعد فاصلة كثيرة يرجع إلى الفرع السابق أو أنّه يذكر فرعاً ثمّ يتجدّد ذكره مرة اخرى أو أنّه يذكر إجماعاً وشهرةً على فرع ثمّ يذكرهما في مكان آخر من غير ضرورة واحتياج. وكذلك أمره من حيث صحّة النقل فإنّه قدس‌سره كثيراً ما حكى عن كتاب إجماعاً أو شهرةً أو ينقل عن فقيه أو مؤلّف قولاً ورأياً في مسألة مع انّا إذا راجعنا إلى المأخذ المنقول عنه الإجماع المذكور أو الشهرة المذكورة لم نره فيه اصلاً أو نرى أنّ المنقول انّما ورد في المصدر المشار إليه على صورة اخرى غير الصورة الّتي نقله عنه في كتابه أو على ضدّ ما حكاه عنه بعبارته. وأنت إذا طالعت هوامشنا وتعاليقنا على هذا الكتاب رأيت ذلك الّذي بينّاه منه كثيراً.

ولعلّ التوجيه المناسب لمثل هذا المؤلّف ولمثل هذا الكتاب انّ نسخته الّتي نقل عنها هذا الكلام المنسوب إلى قائله أو تلك الشهرة أو ذاك الإجماع المدّعى على المسألة نقلتها كذلك. وهذا توجيه يدلّ عليه بعض القرائن فإنّه قد ينقل شيئاً عن بعض الكتب والحال انّا إذا طالعناه لم نر فيه عيناً ولا أثراً كما سيمرّ عليك موارد ذلك في الحواشي الّتي علّقناها على الكتاب.

__________________

(١) رسالة ترجمة أحواله الملحق بآخر المجلد الرابع الرحليّة ص ٧٧١.

١٢

سيرتنا في تحقيق هذا الكتاب

لقد استصعب عليّ الأمر حينما استدعى منّي مسؤول مؤسسة النشر الإسلامي تحقيق الكتاب والتعليق عليه وذلك لما كان ذلك مانعاً من سائر اشتغالاتي الفقهيّة والاصولية وغيرهما ولغير ذلك من الامور التي لا نشير إليها وكان قرارنا في بادئ الأمر على مجرّد الإشراف والنظارة على العمل المذكور إلّا انّى بعد ما تأمّلت في الكتاب وبدأت بالعمل وجرّبت اطرافه رأيت انّه لا محيص لي عن الإشراف الكامل العام والنظرة الدقيقة في جميع ما يجب أن يحقق أو يستخرج في الهوامش أو الحواشي ولذا جعلت على اللجنة المعيّنة من اخواننا اهل العلم المساعدين لي في هذا الأمر أن يرمزوا إلى كلّ مورد لم يطمئنّوا في صحّة إخراجه أو تحقيقه ولو بالخمس من المائة وكنت بعد ذلك ناظراً في تلك الموارد الّتي صرّحوا بعدم اطمئنانهم للمطابقة ومحققاً في الهوامش ما انتهى إليه نظري وجرت إليه قضاوتي ومعلّقاً على كلّ مورد ما يلزمه من النقد أو التقرير. ولأجل ذلك الّذي ذكرنا طال زمان التحقيق المتعلق بكتاب الطّهارة.

أضف إلى ذلك أنّ الكتاب يحتوي على فروع كثيرة مع آراء مختلفة وأقوال متعددة من كتب فقهية واصولية شتّى وقد تحتوي صفحة من صفحاته على أزيد من ثمانين نقلاً من كلمات الفقهاء يجب علينا تحقيقها واستخراجها الصحيح من مآخذها ومصادرها. ولو كنّا تسامحنا في ذلك واستسهلنا الأمر كما هو الّذي يتراءى من محققي كثير من كتب الفقه وغيرها لكان يكفينا للتعليق على طهارة الكتاب وتحقيقه من الزمان سنة واحدة.

تنبيه وشكر

ومن الجدير بالذكر للقارئ المحقّق انّ بعض مصادر أقوال الكتاب وآرائه لم نظفر عليه ولو خطيّاً وذلك ككتاب الدلائل المجهول علينا مؤلّفه ومجمع الفوائد الّذي نسبه الشارح إلى المحقّق الثاني وحاشية الميسي وحواشي الشهيد الأوّل على القواعد وشرح الارشاد لفخر المحققين والانوار المضيئة وأمثالها ولذلك لم نذكر في كلّ حاشية مربوطة على عدم الظفر به بل ننبّه على فقده

١٣

في هذا الموضع من المقدمة.

نعم كنّا نحتمل قويّاً أنّ مجمع الفوائد هو بعينه جامع المقاصد وانّما هما اسم مركب لشرح القواعد الّذي الّفه المحقّق المذكور وذلك لأجل ما رأينا كثيراً اتحاد الأقوال والكلمات المنقولة عنه في الشرح مع ما في جامع المقاصد إلّا أنّ هذا احتمال لم تطمئن به النفس اطمئناناً ثابتاً بل يحتاج إلى فحص وتحقيق أكثر.

وفي الختام يجب علينا أن نقدّم الشكر لاخواننا الفضلاء الذين ساعدونا وأعانونا على هذا السعي البليغ والجهد العظيم ولسائر اخواننا اعضاء المؤسّسة. وأرجو من الله تعالى أن يوفّقني وإيّاهم لمرضاته وينيلني وإياهم جزيل ثوابه وتوفيقاته والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد وآله أجمعين.

محمّد باقر الخالصي

تنبيهات

١ ـ اعتمدنا في نُسخ هذا السفر الجليل على النسخة المطبوعة سابقاً ، وذلك لأنها مصحّحة بيد البحّاثة الفقيه السيّد محسن الأمين العاملي قدس‌سره العارف بالفقه واصطلاحاته معرفةً تامّةً كاملة. وقد صرّح رحمه‌الله بأنه قد بذل جهده في تصحيح أحسن نسخ هذا الكتاب ، واهتمّ باختيار الأصحّ والأكمل منها. وهذا هو الحقّ على ما وجدناه أثناء تحقيقنا له. ومع ذلك فإنّها لا تخلو من موارد ينبغي التأمّل فيها ، وقد صحّحنا كثيراً منها.

٢ ـ إنّ أكثر موارد استخراج المنابع التابعة لكتاب «النهاية» بل غالبها هو من كتاب «النهاية ونكتها» المطبوع في هذه المؤسّسة ، فلا تغفل.

٣ ـ إنّ الغالب في استخراج المنابع قد حُذف لفظ «كتاب» من عبارة «كتاب الطهارة» أو «كتاب الصلاة». وقد تداركنا ذلك في الجزء الرابع من هذا السفر القيّم.

والحمد لله ربّ العالمين.

١٤

١٥
١٦

[خطبة قواعد الأحكام]

بسم الله الرحمن الرحيم

[خطبة قواعد الأحكام] الحمد لله على سوابغ النعماء وترادف الآلاء ، المتفضّل بإرسال الأنبياء لإرشاد الدهماء والمتطوّل بنصب الأوصياء لتكميل الأولياء والمنعم على عباده بالتكليف المؤدّي إلى أحسن الجزاء ، رافع درجات العلماء ومفضّل مدادهم على دماء الشهداء وجاعل أقدامهم واطئة على أجنحة ملائكة السماء. أحمده على كشف البأساءِ ودفع الضرّاء وأشكره في حالتَي الشدّة والرخاء. وصلّى الله على سيّد الأنبياء محمّد المصطفى وعترته الأصفياء صلاة تملأ أقطار الأرض والسماء.

______________________________________________________

خطبة

[مفتاح الكرامة]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما هو أهله ربّ العالمين وصلّى الله على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين المعصومين ورضي الله عن مشايخنا وعلمائنا أجمعين ورواتنا المحسنين ونسأله جلّ شأنه أن يتجاوز عنّا وعن آبائنا وامّهاتنا وأهل ديننا من سلف منهم ومن غبر إلى يوم الدين وأتوجّه إليه لا إله إلّا هو بمحمّد وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله

١٧

أمّا بعد ، فهذا كتاب قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام ، لخّصت فيه لبّ الفتاوى خاصّة وبيّنت فيه قواعد أحكام الخاصّة إجابة لالتماس أحبّ الناس إليّ وأعزّهم عليَّ وهو الولد العزيز محمّد الّذي أرجو من الله تعالى طول عمره بعدي وأن يوسّدني في لحدي وأن يترحّم عليّ بعد مماتي كما كنت أخلص له الدعاء في خلواتي ، رزقه الله تعالى سعادة الدارين وتكميل الرياستين ،

______________________________________________________

أن يوفّقني لإتمام هذا الكتاب وأن يمنّ عليّ بفضله بالهداية والصواب وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعني به يوم الدين وأن يجعله تذكرة للعالمين وتبصرة للمتعلّمين إنّه أرحم الراحمين.

وقد امتثلت أمر سيّدي واستاذي ومن عليه بعد الله سبحانهُ وأوليائه صلّى الله عليهم معوّلي واعتمادي الإمام العلّامة المعتبر المقدّس الحبر الأعظم الشيخ (١) جعفر ، جعلني الله تعالى فداه وأطال الله تعالى للمؤمنين بقاءه.

__________________

(١) هو الشيخ جعفر بن الشيخ خضر الحلّي ثمّ النجفي ، استاذ السيّد محمّد جواد العامليّ مؤلّف كتاب مفتاح الكرامة والشيخ محمّد حسن صاحب الجواهر وصاحب الإشارات والمنهاج والسيّد صدر الدين العاملي والشيخ محمد تقي صاحب حاشية المعالم أو شرحه وصاحب مطالع الأنوار وغيرهم من الأعلام.

كان إماماً في الفقه بل إمام الفقهاء في عصره وكفى له تعريفاً كتابه كشف الغطاء الذي كتبه في طيّ سفره إلى الحجّ والمشهور أنّه لم يكن معه حين تأليفه غير كتاب قواعد العلّامة رحمه‌الله. وحكي عنه أنّه قال : لو فُقد جميع الفقه بمداركه ومتونه لكنت قادراً على كتابته بتمامه من صفحة الخاطر.

وقد تلمّذ على عدّةٍ من الفقهاء ، أشهرهم الوحيد البهبهاني والشيخ مهدي الفتوني.

ومن مشخّصاته البارزة أنّه لأجل التزامه الشديد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرع في أسفار عديدة بعيدة إلى بلادٍ كثيرة قاصية وكان كلّما وصل إلى بلدٍ صعد على المنبر وأخذ بالوعظ والخطابة ووعظ الناس وحرضهم على التباعد عن الذنوب والمعاصي والأخذ بالأحكام والسنن المحمّديّة ولأجل ذلك كان رحمه‌الله قد أجهر نفسه بالميل إلى المتعة وكان يستدعي من مُضيّفه تحصيلها ترغيباً للناس عليها.

١٨

فإنّه برّ بي في جميع الأحوال ، مطيع لي في الأقوال والأفعال والله المستعان وعليه التكلان.

______________________________________________________

قال أدام الله تعالى حراسته : أحبّ أن تعمد إلى قواعد الإمام العلّامة أعلى الله تعالى في الجنان مقامه فتنظر إلى كلّ مسألة اختلفت فيها كلمات الأصحاب وتنقل أقوالهم وتضيف إلى ذلك نقل شهرتهم وإجماعهم وتذكر أسماء الكتب الّتي ذكر فيها ذلك وإذا عثرت على دليل في المسألة لم يذكروه فاذكره ومتنه واذكر عند اختلاف الأخبار مذاهب العامّة على وجه الاختصار ليكمل نفعه ويعظم وقعه ، فإنّ المختلف (١) وإن كان عميم الفائدة إلّا أنّه قد خلا عنه ذكر كثير من المسائل الخلافيّة وما ذكر فيه منها قد خلا عنه ذكر كثير من الأقوال ، فامتثلت أمره الشريف ورجوته أن يسعفني بدعائه الصالح المقبول وفوّضت أمري إلى الله وتوكّلت على الله ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

__________________

(١) المختلف هو أحد كتب العلّامة جمال الدين حسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي ، أعلم المتأخّرين المشهورين كافّة ، ذكر فيه المسائل الفقهيّة المختلف فيها بين الشيعة والأقوال المتخالفة الواردة فيها ، إلّا أنّ المتراءى من بعض مواضعه هو أنّه ذكر أقوال مشاهير الفقهاء لا فقهاء الشيعة كلّهم.

١٩

وقد رتّبت هذا الكتاب على عدّة كتب : الأوّل :

كتاب الطهارة

وفيه مقاصد : الأوّل في المقدّمات وفيه فصول : الفصل الأوّل في أنواعها. الطهارة غسل بالماء أو مسح بالتراب متعلق بالبدن على وجه له صلاحيّة التأثير في العبادة. وهي وضوء وغسل وتيمّم. وكل واحد منها إمّا واجب أو ندب

______________________________________________________

[تعريف الطهارة]

قال الإمام المصنّف العلّامة قدّس الله تعالى رمسه الشريف : (كتاب الطهارة). لا ريب أنّ الطهارة قد نقلت في العرف إلى معنى مناسب للمعنى اللغوي (١) وقد صرّح جماهير الأصحاب بأنّها حقيقة شرعيّة وفي

__________________

(١) القاموس : ج ٢ ص ٧٩ ومجمع البحرين : ج ٣ ص ٣٧٨ ٣٨٢.

والطهارة حسب موارد استعمالاتها تطلق في اللغة على النزاهة عن كلّ دنسٍ وقذارةٍ تشمئزّ عنه الطباع البشريّة وفي العرف العامّ تطلق على النزاهة والتبعّد عن خصوص ما يعرض عنه كلّ عرف حسب سننه وقواعده ورسومه وآدابه ومن العرف عرف الشرع والمتشرّعة ، فإنّ في عرف الشرع والمتشرّعة يتنزّه عن خصوص النجاسات والأحداث المنصوصة المعلومة لكلّ مكلّفٍ في فقه الشريعة ، سواء في ذلك عباداته ومعاشراته.

ومن ذلك يعرف أنّ القول بنقلها في الشرع عن معناها اللغوي أو العرفي إلى اصطلاح خاصّ ليس على ما ينبغي وإنّما الشرع عيّن مصداقاً من مصاديقها ، أو قل : أكّد التنزّه عن هذه المصاديق. فالحاصل أنّ معنى الطهارة والنجاسة لم يتغيّر عمّا كان عليه ، فإنّ الأوّل لا يزال تطلق على النزاهة والثاني لا يزال تطلق على القذارة والاختلاف إنّما هو في المصاديق وموارد الاستعمال.

٢٠