مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٢

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي


المحقق: الشيخ محمّد باقر الخالصي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

«المنتهى (١)» وحكي عن ابن شريح أنّها تفتقر إلى النيّة وهو قول أبي سهل الصعلوكي من الشافعية ، كذا في «المنتهى (٢)» وفي «التذكرة (٣)» عن أحد وجهي الشافعي أنّها تشترط قياساً على طهارة الحدث.

وقال في «المدارك (٤)» إنّ الفرق بين ما يجب فيه النيّة من الطهارة ونحوها وما لا يجب من إزالة النجاسة وما شابهها ملتبس جدّاً لخلوّ الأخبار من هذا البيان. وما قيل * : من أنّ النيّة إنّما تجب في الأفعال دون التروك منقوض بالصوم والإحرام ، والجواب بأنّ الترك فيهما كالفعل تحكّم. ولعلّ ذلك من أقوى الأدلّة على سهولة الخطب في النيّة وأنّ المعتبر فيها تخيّل المنوي بأدنى توجّه ، انتهى.

وقال الاستاذ في «حاشية المدارك (٥)» ما حاصله : إنّ الواجب ما يكون على تركه العقاب فإن كان عبادة يكون على فعله الثواب أيضاً وإلّا فلا. والعبادة إمّا أن

__________________

(*) هذا أشار إليه الشهيد في قواعده قال : يجب ترك المحرّمات ويستحبّ ترك المكروهات ومع ذلك لا تجب النيّة ، إلى أن قال : يمكن استناد عدم وجوب النيّة هنا إلى كونها لا تقع إلّا على وجه واحد أو إلى أنّ الغرض الأهمّ منها هجران هذه الأشياء ليستعدّ بواسطتها إلى العمل الصالح. ومن هذا الباب الأفعال الجارية مجرى الترك كغسل النجاسة عن الثوب ، فإنّ الغرض الأهمّ منها هجران النجاسة ، فكانت جارية مجرى التروك (٦). وكلام الاستاذ ناظر إلى أنّ ما وجب لغيره لا يحتاج إلى نيّة وما وجب لذاته يحتاج إليها وإلى أنّ ما كان مأموراً به وكان توقيفيّا فهو عبادة وأنّ ما علمت المصلحة فيه كان معاملة وما لم تعلم أو علمت في الجملة كان عبادة. وهذا اعتمده صاحب القوانين (٧) (بخط المصنف رحمه‌الله).

__________________

(١ و ٢) منتهى المطلب : كتاب الطهارة في أفعال الوضوءِ ج ١ ص ٥٥ س ٨.

(٣) تذكرة الفقهاء : كتاب الطهارة في أفعال الوضوءِ ج ١ ص ١٤١.

(٤) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٨٤.

(٥) حاشية المدارك : (مخطوط مكتبة الرضويّة الرقم ١٤٧٩٩) ص ٣٢ ٣٣.

(٦) القواعد والفوائد : الفائدة العاشرة ج ١ ص ٩٠.

(٧) قوانين الاصول : في النواهي ج ١ ص ١٥٤ ١٥٥.

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

تكون بالذات عبادة أو بواسطة النيّة. والأوّل مثل الصلاة والصوم. والعبادة في اصطلاح الفقهاء عبارة عن هذا القسم وربما يعرّفونه بالذي لا يصحّ بغير النيّة. وهذا لا يعرف ماهيّته إلّا من الشرع كما لا يعرف شرائطه وأحكامه الشرعيّة إلّا منه ، وكذا لا يعرف المصلحة في إيجابه بصورته المخصوصة وشرائطه المخصوصة *. والقسم الثاني مثل إنقاذ الغريق وإطفاء الحريق. وهذا القسم لا يتوقّف صحّته على النيّة ، نعم صيرورته عبادة يتوقّف عليها. وظاهر أنّ الأمر بإزالة النجاسة من القسم الثاني ، لأنّ وجوبه توصّلي. ومع قطع النظر عن الإجماع وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار نقول : إذا قال أزل النجاسة نعرف معناه جزماً ، لأنّ الإزالة معناها معلوم لغة وعرفاً فنحكم بكفاية المعنى العرفي. فإن شرط شرطا شرعيّا نحكم باعتباره شرعا وإن لم يشترط نحكم بعدم اعتباره. ثمّ إنّ الإجماع واقع على عدم وجوبها لنفسها بل كونها لغيرها مثل الصلاة ، وبعد ما لاحظنا الصلاة نجد أنّ المعتبر فيها أنّ لا يكون نجاسة معلومة للمصلّي حال الصلاة ، فعلمنا من ملاحظة المجموع أنّ إيجاب الإزالة ليس إلّا للتوصّل إلى مصلحة هي انعدام النجاسة المعلومة في الواقع ، أعمّ من أن يكون ذلك الانعدام من جهة صاحب الثوب أو غيره حتّى أنّه لو انعدم بالمطر أو بوقوعه في الكر أو الجاري من غير مباشرة أحد لكفى. وأمّا الوضوء والغسل والتيمّم فهي عندهم من القسم الأوّل يحتاج إلى النيّة ، لعدم معلوميّة الماهيّة إلّا من الشرع وعدم معرفة المصلحة في الإيجاب بالخصوصيّة المعلومة وعدم ظهور كون الإيجاب لمحض التوصّل إلى أمر معلوم ، إذ لا نعرف أنّ الحدث ما ذا وأنّ الرفع بأيّ نحو وماهيّة الرافع ما هي فضلا عن شرائطه ، بل ظاهر الأمر أنّه واجب شرعاً وإن كان الوجوب لغيره فالمطلوبيّة والمصلحة إنّما يتحقّقان فيه. وفرق بين هذا وبين ما علم أنّ وجوبه لمحض التوصّل إلى مصلحة خارجة ** ثمّ إنّه حرسه الله تعالى حاول

__________________

(*) الخصوصيّة (خ ل).

(**) وقال الشهيد في «قواعده» كلّ حكم شرعيّ يكون الغرض الأهمّ

٢٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بيان أنّ الطهارة في نفسها عبادة واستدلّ عليه بأدلّة منها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الصلاة ثلاث أثلاث ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود» (١) وبقول الرّضا عليه‌السلام : «تؤجر أنت واوزر أنا» (٢). ثمّ قال : والإجماع واقع على وجوب النيّة في العبادات وعدم وجوبها في إزالة النجاسات ، مضافاً إلى عمل المسلمين ، إلى آخر ما ذكر ثمّ إنّه حرسه الله تعالى قال : ثمّ قوله المعتبر فيها تخيّل المنوي بأدنى توجّه ، إن أراد مجرّد تخيّل المنوي فهو مناف لما سيذكره من اعتبار قصد القربة والإخلاص وإن أراد مع قصدها ففي سهولة الخطب مطلقاً تأمّل لا يخفى على من لاحظ الأخبار وكلام المحقّقين في مقام تخليص العمل من الرياء وغيره من الدواعي المنافية.

ثمّ إنّه في «المدارك (٣)» نقل عن بعض الفضلاء أنّه قال لو كلّف الله تعالى الصلاة بغير نيّة كان تكليف ما لا يطاق ، قال : وهو كلام متين لمن تدبره. قال الاستاذ في حاشيته (٤) : ما ذكره بعض الفضلاء ليس هذه النيّة قطعا ، لأنّه يمكن التكليف بها لا أنّه لا يمكن التكليف بها كما اعترف به.

__________________

(*) منه الآخرة لجلب نفع فيها أو لدفع ضرر فيها يسمّى عبادة أو كفارة وكلّ حكم شرعيّ يكون الغرض الأهمّ منه الدنيا بجلب نفع فيها أو دفع ضرر فيها يسمّى معاملة (٥). (بخطه رحمه‌الله).

__________________

(١) وسائل الشيعة : باب ٩ من أبواب الركوع ح ١ ج ٤ ص ٩٣١ والرواية مروية عن الصادق عليه‌السلام لا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما هو ظاهر العبارة.

(٢) وسائل الشيعة : باب ٤٧ من أبواب الوضوء ح ١ ج ١ ص ٣٣٥.

(٣) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٨٥.

(٤) حاشية مدارك الأحكام : (مخطوط المكتبة الرضويّة الرقم ١٤٧٩٩) ص ٣٣ س ١.

(٥) القواعد والفوائد : القاعدة الخامسة والسادسة ج ١ ص ٣٤ و ٣٥.

٢٨٣

ومحلّها القلب ، فإن نطق بها مع عقد القلب صحّ وإلّا فلا. ولو نطق بغير ما قصده كان الاعتبار بالقصد.

______________________________________________________

[في التلفّظ بالنيّة]

قوله قدّس الله روحه : (ومحلّها القلب) اتفاقاً كما في «شرح الفاضل (١)» وفي «جامع المقاصد (٢)» هذا معلوم بطريق اللزوم من قولهم : إرادة إلى آخره.

وقد اختلف الأصحاب في استحباب التلفّظ بها ففي «الخلاف (٣)» في الصلاة «والمعتبر (٤)» كذلك «والتحرير (٥) والتذكرة (٦) والذكرى (٧) وفوائد الشرائع (٨) والمدارك (٩)» أنّه لا يستحبّ ، لعدم الدليل والشرع خال من ذلك ، بل ظاهر «الذكرى (١٠)» دعوى الإجماع حيث قال : ولا يستحبّ الجمع عندنا بينه وبين القول وصار إليه بعض الأصحاب ، لأنّ اللفظ أشدّ عونا على إخلاص القصد. وفيه منع ظاهر ، انتهى.

وفي «البيان (١١)» في الصلاة : الأقرب أنّه مكروه. وقال المقداد (١٢) في كراهته نظر.

__________________

(١) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٣.

(٢) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ١٩٨.

(٣) الخلاف : كتاب الصلاة في كيفيّة النيّة مسألة ٥٦ ج ١ ص ٣٠٩.

(٤) المعتبر : كتاب الصلاة في أفعال الصلاة ج ٢ ص ١٤٩.

(٥) تحرير الأحكام : كتاب الصلاة في أفعال الصلاة ج ١ ص ٣٧ س ٩.

(٦) تذكرة الفقهاء : كتاب الصلاة في النيّة ج ١ ص ١٤٠.

(٧) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ٨٠ س ١٤.

(٨) فوائد الشرائع : (مخطوط مكتبة ملك الرقم ٢٠٧٥) كتاب الصلاة في النيّة ص ٣٢ س ١٥.

(٩) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٨٥.

(١٠) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ٨٠ س ١٤.

(١١) البيان : كتاب الصلاة في النيّة ص ٧٨.

(١٢) لم نعثر على هذا الكلام عن المقداد في كتبه الموجودة بأيدينا فراجع.

٢٨٤

ووقتها استحباباً عند غسل كفّيه المستحبّ

______________________________________________________

وقال في «التذكرة (١)» ولا اعتبار باللفظ ، نعم ينبغي الجمع فإنّ اللفظ أعون على خلوص القصد. وقال فيها في نيّة الصلاة : لا عبرة به عندنا ولا يستحبّ الجمع بينهما. وفي «النفليّة (٢)» استحباب الاقتصار على القلب.

وفي «الخلاف (٣)» نسب القول باستحباب التلفّظ إلى أكثر أصحاب الشافعي قال وقال بعض أصحابه : يجب التلفّظ بها وخطّأه أكثر أصحابه.

وفي «نهاية الإحكام (٤)» أنّه يجب إن لم يمكن بدونه. وفي «شرح الفاضل (٥)» الحق أنّه لا رجحان له بنفسه ويختلف باختلاف الناوين وأحوالهم فقد يعين على القصد فيترجّح وقد يخلّ به فالخلاف. قال : وبذلك يمكن ارتفاع الخلاف عندنا. وفي نيّة الصلاة قال : الاحتياط تركه. وقد استوفينا تمام الكلام في نيّة الصلاة.

[وقت نيّة الوضوء]

قوله رحمه‌الله تعالى : (ووقتها استحباباً عند غسل كفّيه المستحبّ) كما في «الوسيلة (٦) والمعتبر (٧) والتذكرة (٨) والمنتهى (٩) والدروس (١٠)

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : كتاب الصلاة في النيّة ج ١ ص ١٤٠ وج ٣ ص ١٠٠.

(٢) النفليّة : في سنن النيّة ص ١١٢.

(٣) الخلاف : كتاب الصلاة في كيفيّة النيّة مسألة ٥٦ ج ١ ص ٣٠٨.

(٤) نهاية الإحكام : كتاب الصلاة في النيّة ج ١ ص ٤٤٥.

(٥) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٣. وكتاب الصلاة في النيّة ص ٤٠٩.

(٦) الوسيلة : في بيان ما يقارن الوضوء ص ٥١.

(٧) المعتبر : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ١٤٠.

(٨) تذكرة الفقهاء : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ١٤١.

(٩) منتهى المطلب : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٥٥ س ٢٤.

(١٠) الدروس الشرعيّة : كتاب الطهارة في واجبات الوضوء ج ١ ص ٩٠.

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والتبصرة (١) وجامع المقاصد (٢)» فقد صرّح في هذه بالاستحباب. وصرّح في «الدروس (٣) وجامع المقاصد (٤)» باستحباب ذلك أيضاً عند المضمضة والاستنشاق. وفي «النافع (٥) والشرائع (٦) والذكرى (٧) وحاشية الشرائع (٨) والمسالك (٩)» لم يذكر الاستحباب وإنّما ذكر جواز التقديم. ونسبه في «الذكرى وشرح المفاتيح (١٠)» إلى المشهور قال في «الذكرى (١١)» والمشهور جواز فعلها عند غسل اليدين ، قال : وأولى منه المضمضة والاستنشاق لقربهما إلى الواجب. وفي «المدارك (١٢)» نسبه أي جواز الفعل إلى الشيخ وأكثر الأصحاب.

قلت : وعلى ذلك تحمل عبارة أبي علي. وقد تقدّمت وتقدّم تأويلها بذلك. «والفاضل في شرحه (١٣)» جعل ما ذكره المصنّف من استحباب التقديم موافقا للأكثر ، وفيه نظر.

ونقل في «الذكرى (١٤)» وغيرها (١٥) عن «البشرى» التوقّف في ذلك.

__________________

(١) تبصرة المتعلّمين : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٦.

(٢) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ١٩٩.

(٣) الدروس الشرعيّة : كتاب الطهارة في واجبات الوضوء ج ١ ص ٩٠.

(٤) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ١٩٩.

(٥) المختصر النافع : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٥.

(٦) شرائع الإسلام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٢٠.

(٧) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ٨٠ س ٣٢.

(٨) فوائد الشرائع : (مخطوط مكتبة آية الله المرعشي الرقم ١١٥٥) كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ١٠ س ٤.

(٩) مسالك الأفهام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٣٤.

(١٠) مصابيح الظلام : (مخطوط مكتبة آية الله الگلپايگاني) ج ١ مفتاح ٥٤ في النيّة ص ٢٨٦ س ٩.

(١١) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ٨٠ س ٣٢.

(١٢) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٩٢.

(١٣) كشف اللثام : كتاب الطهارة في الوضوء ج ١ ص ٥٠٤.

(١٤) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ٨٠ س ٣٣.

(١٥) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٩٢.

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي «البيان (١) والنفليّة (٢) والمجمع (٣)» للأردبيلي «والمدارك (٤) وشرحي اثني عشرية (٥)» للشيخ حسن أنّ الأولى تأخيرها إلى غسل الوجه. وفي «الأنوار القمريّة (٦)» بعد بيان أنّ الفاء تدلّ على التعقيب بلا تراخ ما نصّه : مقارنة النيّة وشرطيّتها لغسل الوجه هو المشهور.

وظاهر «الغنية (٧)» وموضع من «السرائر (٨)» أنّها إنّما تقدّم عند المضمضة والاستنشاق. وفي «السرائر (٩)» أيضاً ينوي في الغسل عند غسل اليدين.

وفي «الروض (١٠) والمجمع (١١)» الإجماع على عدم جواز المقارنة للتسمية أو السواك. وبه صرّح في «نهاية الإحكام (١٢)» وهو المنقول عن «شرح الإرشاد (١٣)» لفخر الإسلام. وفي «الذكرى» لم يذكر الأصحاب إيقاع النيّة عندهما ، ولعلّه لسلب اسم الغسل المعتبر في الوضوء عنهما وظاهر الأصحاب والأحاديث أنّهما من سننه ، كذا نقل الفاضل (١٤) عنها ولم أجده فيها بعد التتبّع ولعلّه مما زاغ عنه النظر. ثم ناقشه بأنّ ظهور كونهما من سننه بمعنى أجزائه المسنونة ممنوع ، بل الأخبار تؤيّد

__________________

(١) البيان : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٧. النفليّة : في نيّة الوضوء ص ٩٣.

(٢) النفليّة : في نيّة الوضوء ص ٩٣.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ١٠٠.

(٤) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٩٢.

(٥) الأنوار القمريّة : كيفيّة الوضوء (مخطوط مكتبة المرعشي الرقم ٤٩٧٨) ، والشرح الآخر لا يوجد لدينا.

(٦) الأنوار القمريّة : كيفيّة الوضوء (مخطوط مكتبة المرعشي الرقم ٤٩٧٨).

(٧) غنية النزوع (الجوامع الفقهيّة) : كتاب الطهارة في فرائض الوضوء ص ٤٩١ س ١٨.

(٨) السرائر : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٩٨.

(٩) السرائر : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٩٨.

(١٠) روض الجنان : كتاب الطهارة في النيّة ص ٣٠ س ٢٧.

(١١) مجمع الفائدة والبرهان : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ١٠٠.

(١٢) نهاية الإحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ٢٩.

(١٣) نقله عنه كشف اللثام : كتاب الطّهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٤.

(١٤) كشف اللثام : في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٤. هذا ولكن الكلام المذكور موجود في الذكرى ص ٨٣ س ٣ فراجع.

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

العدم إلّا قوله (١) عليه‌السلام : «السواك شطر الوضوء» وفي «شرح المفاتيح (٢)» أنّ النزاع في جواز التقديم وعدمه وقدر التقديم مبنيّ على جعل النيّة المشترطة هي المخطرة بالبال وأنّها منحصرة في ذلك ، قال : وليس كذلك.

قلت : ويأتي إيضاح ذلك إن شاء الله تعالى. واضطرب في المقام كلام الفاضل المقداد في «التنقيح (٣)» فليلحظ بعد ملاحظة ما نقلناه عن الأصحاب.

وقيّد المصنّف هنا الغسل بكونه مستحبّاً كما صنع في «التبصرة (٤)» ولم يذكر ذلك في «الوسيلة والنافع والشرائع والإرشاد» وفي «المعتبر (٥) والمنتهى (٦)» قال : عند غسل اليدين للوضوء ، فيشمل الغسل المستحبّ للوضوء أو الواجب له كما في المدارك. قال في «المدارك» المراد بالغسل الغسل المستحبّ أو الواجب له كما صرّح به جماعة من الأصحاب ، فيخرج من ذلك الواجب والمستحبّ لغيره (٧) ، انتهى.

ولم أجد أحداً صرّح باستحباب ذلك عند الغسل الواجب للوضوء ففي «جامع المقاصد (٨)» المراد استحبابه للوضوء ، فلو وجب الغسل كما في إزالة النجاسة أو حرم بصيرورة ماء الطهارة بسببه قاصراً أو كره لتوهّم قصوره مع ظنّ العدم أو أبيح كأن توضّأ من كرّ أو ممّا لا يمكن الاغتراف منه أو لم يكن الوضوء من حدث النوم أو البول والغائط أو استحبّ لغير الوضوء ممّا يتعلّق به كالغسل للاستنجاء أو لما لا يتعلّق به كالغسل للأكل لم يجز حينئذ إيقاع النيّة في شي‌ء من هذه

__________________

(١) وسائل الشيعة : باب ٣ من أبواب السواك ح ٣ ج ١ ص ٣٥٤.

(٢) مصابيح الظلام (مخطوط مكتبة الگلپايگاني) : مفتاح ٥٤ ج ١ ص ٢٨٦ س ١٣.

(٣) التنقيح الرائع : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ٧٧.

(٤) تبصرة المتعلّمين : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٦.

(٥) المعتبر : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ١٤٠.

(٦) منتهى المطلب : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٥٥ س ٢٤.

(٧) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٩١.

(٨) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ١٩٩.

٢٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المواضع لانتفاء كونه من أفعال الوضوء. ومثل ذلك قال في «حاشية الشرائع (١)» وكذا «المسالك (٢) والتذكرة (٣)» ومثله في «الذكرى (٤)» إلّا أنّه قال فيها : وفي جوازه عند الواجب كإزالة النجاسة المعلومة وجه ، لأنّه أولى من الندب بالمراعاة ثمّ قال : والأقرب المنع ، لأنّه لا يعدّ من أفعال الوضوء وأولى بالمنع عند غسلهما مستحبّا فيما إذا باشر مائع من يتّهم بالنجاسة واحتمل القول بالاستحباب فيما إذا كان الوضوء من نهر أو إناء لا يمكن الاغتراف منه ، لأنّ النجاسة الموهومة تزول بالنسبة إلى غسل باقي الأعضاء وإن لم يكن لأجل الماء. ومال إليه في «المسالك (٥)» إلّا أنّه جعل العدم أحوط.

وهذا كلّه بناء على كون غسل اليدين من الأجزاء المندوبة للوضوء ، كذا قال «الفاضل في شرحه» ثمّ قال : هذا غير معلوم ولذا جعل في البيان والنفليّة التأخير إلى غسل الوجه أولى (٦).

قلت : قد صرّح بأنّ غسل اليدين من أفعال الوضوء وسننه في «الوسيلة (٧) والمعتبر (٨) والمنتهى (٩) ونهاية الإحكام (١٠) والتبصرة (١١) والتذكرة (١٢) والذكرى (١٣)

__________________

(١) فوائد الشرائع (مخطوط مكتبة آية الله المرعشي الرقم ١١٥٥) : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ١٠ س ٨.

(٢) مسالك الأفهام : كتاب الطهارة في كيفية الوضوء ج ١ ص ٣٤.

(٣) تذكرة الفقهاء : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ١٣٤.

(٤) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ٨١ س ٢.

(٥) مسالك الأفهام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٣٤.

(٦) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٤.

(٧) الوسيلة : في بيان ما يقارن الوضوء ص ٥١.

(٨) المعتبر : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ١٤٠.

(٩) منتهى المطلب : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٥٨ س ٢٥.

(١٠) نهاية الإحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ٣٧.

(١١) تبصرة المتعلّمين : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٦.

(١٢) تذكرة الفقهاء : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ١٤٣ وص ١٩٣.

(١٣) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ٨٣ س ٣.

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وجامع المقاصد (١)» وغيرها (٢) فبعض ذكر فيه ذلك في المقام وبعض في سنن الوضوء ، بل قال في «نهاية الإحكام (٣)» : لا خلاف في أنّ المضمضة والاستنشاق من سننه وكذا غسل اليدين عندنا ، انتهى. بل لم نجد أحدا ذكر في ذلك خلافاً ، نعم ذكر في «المنتهى (٤)» في آخر الفرع الثاني عشر ما نصّه : وهل غسلهما من سنن الوضوء؟ فيه احتمال من حيث الأمر به عند الوضوء ، ومن حيث إنّ الأمر به لتوهّم النجاسة ، انتهى. وسننقل فيما سيأتي في الفصل الثاني أنّه يستحبّ له غسلهما وإن تيقّن الطهارة. وهذا كلّه ممّا يخالف ظاهر عبارة الفاضل إلّا أن تحمل على ما يأتي.

ومن قال بأولويّة التأخير كما في «البيان (٥) والنفليّة (٦) والمجمع (٧) والمدارك (٨)» وغيرها (٩) استند إلى أنّ كونه جزءً مندوباً فعله للوضوء لا يصيّره منه كما صرّح به في «المجمع (١٠) والمدارك (١١)» فقد سلّموا أنّه من سننه لكنّهم منعوا كونه منه ، نعم يظهر من «المجمع (١٢)» التأمّل في كونه من أجزائه المندوبة له حيث قال ما نصّه : بعد تسليم استحباب غسل اليدين للوضوء مع تحقق شرائطه وكذا غيره من المضمضة والاستنشاق فالأجزاء محلّ تأمّل ، لأنّ كونه جزءً مندوبا له لا يصيّره منه. ثمّ قال : وكيف ينوي الوجوب ويقارن ما ليس هو بواجب ويجعله داخلا فيه ، انتهى. فقد

__________________

(١) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ١٩٩.

(٢) كالسرائر : ج ١ ص ٩٨.

(٣) نهاية الإحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ٢٨.

(٤) منتهى المطلب : كتاب الطهارة في مقدّمات الوضوء ج ١ ص ٤٩ س ٣١.

(٥) البيان : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٧.

(٦) النفليّة : في نيّة الوضوء ص ٩٣.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ١٠٠.

(٨) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٩٢.

(٩) رياض المسائل : في الوضوء ج ١ ص ٢٢١.

(١٠) مجمع الفائدة والبرهان : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ١٠٠.

(١١) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٩٢.

(١٢) مجمع الفائدة والبرهان : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ١٠٠.

٢٩٠

ووجوباً عند ابتداء أوّل جزء من

______________________________________________________

تأمّل في المضمضة والاستنشاق أيضاً ، فتأمّل. ولعلّه أراد في كشف اللثام أنّها ليست جزءً مندوباً منه فيوافق ما في البيان والنفليّة ومجمع البرهان ، فتأمّل.

هذا ، فلو أخّر النيّة إلى غسل الوجه أفرد المستحبّات المتقدّمة عليه بالنيّة وربما قال بعض (١) الاصوليين : بسراية النيّة إليها وإن تأخّرت كسراية العتق في الأشقاص لا في الأشخاص وسراية تسمية الآكل في الأثناء إذا قال على أوّله وآخره بعد نسيان التسمية وسراية الظَّهر إلى تحريم غيره إلى غير ذلك ممّا ذكره الشهيد في «قواعده (٢)» وأمّا المستحبّات الواقعة في الأثناء فلا يجب التعرّض لها حال النيّة في جميع العبادات لجواز تركها ، بل يكفي قصد القربة حال فعلها كما صرّحوا به. ويأتي تمام الكلام إن شاء الله تعالى.

هذا ، وجوّز الشافعيّة إيقاع النيّة عند غسل اليدين بشرط بقاء الذكر إلى غسل الوجه وجوّز أحمد تقدّمها على غسل اليدين بزمن يسير ، كذا في «المنتهى (٣)».

وفي «التذكرة (٤)» لو أوقع النيّة عند أوّل جزء من غسل الوجه صحّ ولم يثب على السنن المتقدّمة. وإن تقدّمت عليها ، فإن استصحبها فعلا إليها صحّ واثيب ، وإن عزبت قبله ولم تقترن بشي‌ء من أفعال الوضوء بطل ، وهو أقوى وجهي الشافعي. وإن اقترنت بسننه أو بعضها صحّ وهو أضعف وجهي الشافعي ، لأنّها من جملة الوضوء وقد قارنت ، وأصحهما عنده البطلان ، لأنّ المقصود من العبادات واجبها وسننها توابع ، انتهى.

قوله قدّس الله تعالى روحه : (ووجوباً عند ابتداء أوّل جزء من

__________________

(١) لم نعثر على كلام هذا الاصولي بعد أن تفحصنا عنه كثيراً.

(٢) القواعد والفوائد : قاعدة ١١٦ ج ١ ص ٣٢٣.

(٣) منتهى المطلب : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٥٥ س ٢٥.

(٤) تذكرة الفقهاء : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ١٤٢.

٢٩١

غسل الوجه) المعتبر شرعاً وهو أوّل جزء من أعلاه ، لأنّ ما دونه لا يسمّى غسلا شرعاً ولأنّ المقارنة تعتبر لأوّل أفعال الوضوء والابتداء بغير الأعلى لا يعدّ فعلاً. قال في «جامع المقاصد (١)» قوله : ابتداء ، مستدرك مع أنّه ليس لأوّل جزء من غسل الوجه ابتداء ولمّا كان إدخال أوّل جزء من الرأس واجباً من باب المقدّمة كان غسل ذلك الجزء أوّل جزء فيجب الابتداء به أو يضمّ إلى أوّل جزء من الوجه ويبتدئ بهما.

هذا واشتراط المقارنة لأوّل جزء هو المشهور بين الأصحاب بل كاد يكون إجماعاً.

وقال الاستاذ في «شرح المفاتيح (٢)» إنّ اشتراط المقارنة واعتبار الاستدامة الحكميّة مبنيّ على جعل النيّة المشترطة هي الخطرة بالبال. ثمّ منع من حصر النيّة في ذلك ولم يشترط المقارنة لأوّل جزء وقال : إنّ شأن العبادات شأن سائر الأفعال. ويأتي تحقيق ذلك وإيضاحه عن قريب إن شاء الله تعالى.

ونقل في «السرائر (٣)» عن بعض أصحابنا تفسير المقارنة بأنّها مقارنة آخر جزء من النيّة لأوّل جزء من غسل الوجه حتّى يصحّ تأثيرها بتقدّم جملتها على جملة العبادة ، لأنّ مقارنتها على غير هذا الوجه بأن يكون زمان فعل الإرادة هو زمان فعل العبادة أو بعضها متعذّر لا يصحّ تكليفه أو فيه حرج منفي في الدين ، ولأنّ ذلك يخرج ما وقع من أجزاء العبادة وتقدّم وجوده على وجود جملة النيّة عن كونها عبادة من حيث إنّه وقع عارياً عن جملة النيّة ، لأنّ ذلك هو المؤثّر

__________________

(١) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ١٩٩.

(٢) مصابيح الظلام : (مخطوط مكتبة الگلپايگاني) مفتاح ٤٥ في اشتراط النيّة في الوضوء ج ١ ص ٢٨٦ س ١٢.

(٣) السرائر : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٩٨.

٢٩٢

ويجب استدامتها حكماً إلى آخر الوضوء

______________________________________________________

في كون الفعل عبادة لا بعضه ، انتهى.

ولعلّه عنى ببعض الأصحاب شيخه السيّد حمزة أبي المكارم فإنّ ما ذكره عين عبارة «الغنية (١)» حرفاً فحرفاً وحاصلها : أن لا يقارن بأوّلها أوّل غسل الوجه وآخرها ما بعده أواخر الوضوء. وقد علمت مذهب أبي علي والجعفي ومرّ تأويلهما والمولى الأردبيلي ومن نسج على منواله كتلامذته لا يعرفون شيئاً من ذلك لعدم الدليل * كما سيأتي.

وفي «الذكرى (٢)» في نيّة الصلاة أن يجعل قصده مقارناً لأوّل التكبير ويبقى على استحضاره إلى انتهاء التكبير فلو عزبت قبل تمام التكبير ففي الاعتداد بها وجهان : أحدهما نعم لعسر هذه الاستدامة الفعلية ولأن ما بعد أول التكبير في حكم الاستدامة والاستمرار الحكمي كاف فيها. والثاني عدم الاعتداد بها ، لأنّ الغرض بها انعقاد الصلاة وهو لا يحصل إلّا بتمام التكبير. ومن ثمّ لو رأى المتيمّم الماء في أثناء التكبير بطل تيمّمه. ثمّ قال : والوجه وجوبه إلّا أن يؤدّي إلى الحرج. ثمّ قال : ومن الأصحاب من جعل النيّة بأسرها بين الألف والراء. قال : وهو مع العسر مقتض لحصول أوّل التكبير بغير نيّة. قال : ومن العامّة من جوّز تقديم النيّة على التكبير بشي‌ء يسير كنيّة الصوم. قال : وهو غير مستقيم ، لأنّه إنّما جاز التقدّم في الصوم لعسر المقارنة.

[تفسير استدامة النيّة حكماً]

قوله رحمه‌الله تعالى : (ويجب استدامة حكمها إلى آخر الوضوء)

__________________

(*) الدليل على ذلك إمّا دخول المقارنة في مفهومها أو دلالة النصوص على كون المكلّف ناوياً حين العمل (منه قدس‌سره).

__________________

(١) غنية النزوع (الجوامع الفقهية) : في فرائض الوضوء ص ٤٩١ س ١٤.

(٢) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ١٧٧ س ١١.

٢٩٣

للأصحاب في تفسير الاستدامة الحكميّة بعد اتّفاقهم على عدم وجوب الفعلية عبارات : ففي «المبسوط (١)» أنّ معنى ذلك أن لا ينتقل من تلك النيّة إلى نيّة تخالفها * ونحوه ما في «المعتبر (٢) والشرائع (٣) والمنتهى (٤) والتذكرة (٥) ونهاية الإحكام (٦) وجامع المقاصد (٧) وحاشية الشرائع (٨) والمسالك (٩) والمدارك (١٠)» وغيرها (١١). وفي بعض (١٢) هذه زيادة قولهم : وتخالف بعض مميّزاتها. ونسب ذلك في «الذكرى (١٣)» إلى كثير من الأصحاب وفي «جامع المقاصد (١٤)» إلى أكثرهم

__________________

(*) وهذه العبارة مأخوذة من قول المتكلّمين إنّ ضدّ الشي‌ء يجب أن يكون عندهم من جنسه فضدّ الإرادة إرادة الضدّ ولما كانت النيّة فعلا قلبياً لا من أفعال الجوارح فالمنافي للنيّة حينئذ نيّة اخرى. ويظهر من جماعة أنّ المراد بالمخالفة فعل النقيض أعني قطع العمل وقالوا : إنّ العدول من الصلاة المعيّنة إلى الصوم نافلة ليس من باب فعل المخالف والمنافي. وتردّد بعضهم فيما إذا تردّد في قطع الصلاة وقال : إنّ المنافاة غير متحقّقة هنا ، لأنّ التردّد ليس على طرف (منه).

__________________

(١) المبسوط : كتاب الطهارة في ذكر وجوب النيّة في الطهارة ج ١ ص ١٩.

(٢) المعتبر : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ١٣٩.

(٣) شرائع الإسلام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٢٠.

(٤) منتهى المطلب : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٥٥ س ٢٦.

(٥) تذكرة الفقهاء : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ١٤٣.

(٦) نهاية الإحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ٢٩.

(٧) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٢٠٠.

(٨) فوائد الشرائع : (مخطوط مكتبة آية الله المرعشي الرقم ١١٥٥) كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ١٠ س ١٠.

(٩) مسالك الأفهام : كتاب الصلاة في النيّة ج ١ ص ٣٤.

(١٠) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٩٢.

(١١) رياض المسائل : الطهارة في النيّة ج ١ ص ٢٢١.

(١٢) المسالك : الطهارة في النيّة ج ١ ص ٣٤.

(١٣) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ٨١ س ٥.

(١٤) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٢٠٠.

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ويظهر من «شرح المفاتيح (١)» أنّه مذهب الجمهور ما عدا الشهيد. وهو أصحّ القولين كما في «حاشية الشرائع (٢)».

وفي «الذكرى (٣) والتنقيح (٤)» أنّ هذا التفسير منهم بناء على أنّ الباقي مستغن عن المؤثّر. ونقل في «جامع المقاصد (٥)» عن الشهيد أنّه ذكر ذلك أيضاً في رسالته في الحج. ثمّ قال في جامع المقاصد : وهذا البناء مع بعده غير مستقيم في نفسه. وفي «المدارك (٦)» أنّ ما ذكره من البناء غير مستقيم ، فإنّ أسباب الشرع علامات ومعرّفات لا علل حقيقيّة فيمكن القول بعدم استغناء الباقي عن المؤثّر مع عدم اشتراط الاستدامة مطلقاً فضلا عن الاكتفاء بالحكميّة ، انتهى.

قلت : عبارة «المدارك» كما ترى وفهمها موقوف على فهم عبارة الشهيد رحمه‌الله وهي لا تعدو ثلاثة وجوه : الأوّل : أن يكون مراده من الباقي هو أجزاء العبادة الّتي يريد المكلّف أن يأتي بها بعد النيّة ومراده من المؤثّر هو النيّة. وهذا لا يريده قطعاً ، لأنّه في غاية الفساد ، لأنّ الأجزاء لم تكن موجودة ، بل هي معدومة حال النيّة تحدث شيئاً فشيئاً وتعدم بعد الوجود ولا بقاء لها أصلاً حتّى يقال إنّها في حال الوجود تحتاج إلى المؤثّر دون حال البقاء. الثاني : أن يكون مراده من الباقي أثر النيّة أعني الصحّة. وفيه أنّه لم يظهر بعد نفس الأثر فكيف بقاؤه ، مع أنّه رحمه‌الله تعالى اعترف بأنّ مقتضى الدليل اعتبار الاستدامة الفعليّة ، وهذا يقتضي أن يكون بدونها غير صحيح ، فتأمّل. الثالث : أن يكون مراده أنّه إذا أخلص في العمل لله

__________________

(١) مصابيح الظلام (مخطوط مكتبة الگلپايگاني) مفتاح ٥٤ في النيّة ج ١ ص ٢٩٣ ونسبه فيه إلى ابن زهرة في الغنية أيضاً.

(٢) فوائد الشرائع : (مخطوط مكتبة آية الله المرعشي الرقم ١١٥٥) كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ١٠ س ١١.

(٣) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في النيّة ص ٨١ س ٥.

(٤) التنقيح الرائع : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ٧٧.

(٥) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٢٠٠.

(٦) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ١٩٣.

٢٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

تعالى ابتداء بقي الإخلاص وإن غفل عنه في الأثناء. وهذا أوجه الوجوه. وعلى كلّ حال فعبارة «المدارك» لم أفهمها. ثمّ إنّا حقّقنا فيما كتبناه على كتاب القضاء من هذا الكتاب أنّ علل الشرع تجري مجرى العلل الحقيقية وإلّا لما صحّ القول بحجّية منصوص العلّة وقد أوضحنا ذلك هناك. وهذه الكلمة قد تأوّلها الاستاذ الشريف.

وفسّر الاستدامة في «الغنية (١) والسرائر (٢)» بأن يكون ذاكراً لها غير فاعل لنيّة تخالفها. قال الفاضل (٣) : ولعلّهما غير مخالفين وإنّما أرادا تفسير الذاكر لها بغير الفاعل لنيّة تخالفها ، انتهى. وهو توجيه وجيه ويرشد إليه ما ذكره الكركي (٤) والشهيد الثاني (٥) وغيرهما (٦) أنّ في المسألة قولين : المشهور ومذهب الشهيد كما يأتي.

وفسّر المصنّف (٧) الاستدامة في نيّة الصلاة بأن لا يقصد ببعض الأفعال غيرها أي غير الصلاة أو الأفعال. واعترضه الكركي (٨) بأنّه على هذا لو نوى ببعض الأفعال الرياء لم يكن مخلّا بالاستدامة. والجواب عن ذلك يأتي في محلّه إن شاء الله تعالى.

وقال الاستاذ الشريف أدام الله حراسته في «المصباح الثاني من مشكاته (٩)» ويجب استدامة النيّة إلى الفراغ من الوضوء بمعنى صدور كلّ جزء منه بها. وهذه على إيجازها قابلة لتفسير الشهيد والمشهور. ولعلّها بما سنحكيه عن «شرح

__________________

(١) غنية النزوع (الجوامع الفقهيّة) : في فرائض الوضوء ص ٤٩١ س ١٨.

(٢) السرائر : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٩٨.

(٣) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٦.

(٤) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٢٠٠.

(٥) روض الجنان : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ص ٢٨ س ١٩.

(٦) المدارك : الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ١٩٢.

(٧) قواعد الأحكام : الصلاة في النيّة ج ١ ص ٢٦٩.

(٨) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ٢ ص ٣٣١.

(٩) لا يوجد لدينا كتابه.

٢٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المفاتيح» أولى.

وقال الشهيد في «الذكرى (١)» : ويجب استدامة النيّة بمعنى البقاء على حكمها والعزم على مقتضاها. قال في «المسالك (٢)» وهو أحوط. واحتمل الفاضل (٣) من الشهيد إرادة المشهور وهو بعيد ، لأنّه صرّح في «الذكرى (٤)» بأنّه مخالف لما ذكره كثير. ويأتي ما يوضح ذلك. وقال في «قواعده (٥)» قضية الأصل استحضار النيّة فعلاً في كلّ جزء من أجزاء العبادة ، لقيام دليل الكلّ في الأجزاء ، فإنّها عبادة أيضاً ولكن لمّا تعذّر ذلك في العبادة البعيدة المسافة وتعسّر في القريبة اكتفي بالاستمرار الحكمي وفسّر بتجديد العزم كلّما ذكر ومنهم من فسّره بعدم الإتيان بالمنافي وقد فسّرناه في رسالة الحج ، انتهى.

ولعلّه فسّره في رسالة الحج بما فسّره (ذكره خ ل) في «الذكرى» وقد سمعته من أنّه البقاء على حكمها والعزم على مقتضاها ونقل عنه في «جامع المقاصد (٦)» أنّه بنى هذا التعريف في رسالة الحج على احتياج الباقي إلى المؤثر ، ثم إنّه قال في جامع المقاصد : وهذا التفسير لا حاصل له ، فإنّ الذهول لا ينافي صحّة العبادة اتّفاقاً ولا يجتمع معه ما فسّره به. والبناء المذكور مع بعده غير مستقيم في نفسه.

واعترضه في «المدارك (٧)» أيضاً بأنّ ما فسّر به الاستدامة الحكميّة هو بعينه معنى الاستدامة الفعليّة الّتي نفاها أوّلاً بل نفس النيّة إذ هي عبارة عن العزم المخصوص كما تقدّم ، انتهى.

__________________

(١) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في نيّة الوضوء ص ٨١ س ٤.

(٢) مسالك الأفهام : كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ج ١ ص ٥ س ٣٠.

(٣) كشف اللثام : كتاب الطهارة في نيّة الوضوء ج ١ ص ٥٠٦.

(٤) ذكرى الشيعة : كتاب الصلاة في نيّة الوضوء ص ٨١ س ٥.

(٥) القواعد والفوائد : الفائدة الثالثة عشرة ج ١ ص ٩٣.

(٦) جامع المقاصد : كتاب الطهارة في أفعال الوضوء ج ١ ص ٢٠٠.

(٧) مدارك الأحكام : كتاب الطهارة في النيّة ج ١ ص ١٩٣.

٢٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأجاب الاستاذ أدام الله حراسته في «حاشية المدارك (١)» بما حاصله * : إنّ الذهول عن صورة العزم ونفسه ليس مقتضياً لبطلان العبادة قطعاً وهذا لا يريده ، لأنّ المراد العزم على مقتضاها إذا لاحظها وأمّا الذاهل بمعنى غير العازم على فعل ما بقي لله تعالى كأن يفعله لا بقصد القربة والإخلاص والامتثال فعبادته قطعية البطلان سيما بملاحظة إجماع «الغنية» ، على أنّه يجب عليه أن يكون ذاكراً لها غير فاعل لنيّة تخالفها. وقال : إنّ الّذي نفاه الشهيد أوّلاً هو الّذي تعذّرت أو تعسّرت استدامته كما صرّح به هو وهو مركّب من صوّر متعددة مترتّبة كلّ واحد منها مخطر بالبال والّذي أثبته هو الأمر البسيط الإجمالي وهو مجرد العزم على ما قصد أوّلاً. ولعلّ مراده أنّه ليس مخطراً بالبال ، لأنّ استدامة إخطاره متعذّرة أو متعسّرة أيضاً ، بل هو في أوائل الحافظة ، فبين المثبت والمنفي فرق من وجهين الإجمال والتفصيل والمخطرية وعدمها ، بل وكون المنفي العزم على نفس العبادة والمثبت على العزم على ما عزم به أوّلاً ، فتأمّل. ثمّ قال أيّده الله تعالى : يرد عليه أنّ مقتضى الدليل إن كان مراعاة الاستدامة الفعليّة فإذا تعذّرت فأيّ دليل على الحكميّة ووجوب اعتبارها ومراعاتها إلّا أن يقال المرتبة الإجماليّة جزء التفصيليّة أو يتحقّق فيها ما هو جزؤها «والميسور لا يسقط بالمعسور وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» وهما مرويّان عن عليّ عليه‌السلام (٢) ، مضافاً إلى الاستصحاب. ثمّ قال : نعم يتوجّه عليه أنّه لا وجه لجعل النيّة خصوص المركّب التفصيلي وتعيّن هذا الوجودي دون الوجودي الآخر وجعل هذا الوجودي الآخر بدلاً اضطرارياً. ثمّ قال : ثمّ اعلم أنّ بين المخطر بالبال والداعي على الفعل عموماً من وجه ، إذ ربما يكون الداعي أمراً سوى المخطر صورته غفلة فتدبر ، انتهى كلامه أيّده الله تعالى.

__________________

(*) هذا ما فهمته من عبارة الاستاذ ولم أنقلها ، لأنّ النسخة لا تخلو من غلط (منه).

__________________

(١) حاشية المدارك : (مخطوط مكتبة الرّضويّة الرقم ١٤٣٧٥) كتاب الطهارة في كيفيّة الوضوء ص ٥٤.

(٢) عوالي اللآلي : ج ٤ ص ٥٨ ح ٢٠٥ و ٢٠٧.

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وتحقيق الحال في المقام على ما يستفاد من هذا الاستاذ في «شرح المفاتيح (١)» أن يقال : إنّ النيّة بالنسبة إلى الصلاة وسائر العبادات ليست إلّا كغيرها من سائر أفعال المكلّفين من قيامهم وقعودهم وأكلهم وشربهم ونحو ذلك ولا ريب أنّ كلّ عاقل غير غافل ولا ذاهل لا يصدر عنه فعل من هذه الأفعال إلّا مع قصد ونيّة سابقة عليه ناشئة من تصوّر ما يترتّب عليه من الأغراض الباعثة والأسباب الداعية ، بل هو أمر طبيعيّ وخلق جبليّ ، ومع هذا لا ترى المكلّف في حال إرادة فعل من هذه الأفعال يحصل له عسر في النيّة ولا إشكال ولا وسوسة ولا فكر ولا ملاحظة مقارنة ، مع أنّ فعله قطعاً واقع بنيّة وقصد مقارن ، فإذا شرع في شي‌ء من العبادات اضطرب في أمرها وحار ، وبل قد وجدنا أناساً كثيرين لا يقدرون على التلفّظ حينئذ بتكبيرة الإحرام وربما حصلت لهم حالة كحالة الجنون ، مع أنّهم في سائر أفعالهم في غاية الوزانة والرزانة والسكون والحزم ولا فرق بين العبادة وغيرها إلّا بقصد القربة. واستوضح ذلك من نفسك إذا كنت جالساً ودخل عليك رجل جليل عند الله تعالى حقيق بالقيام له والإكرام والتواضع ، ففي حال دخوله تقوم له إجلالاً وإعظاماً ولا تقول أقوم تواضعاً لفلان قربة إلى الله تعالى ، فهل يكون هذا القيام والتواضع خالياً عن الثواب والمدح لخلوّه عن هذه النيّة أم يكون موجباً لهما؟ كلّا لو تكلّفت تخيّل ذلك ببالك أو ذكرته بلسانك كنت مضحكة في المجامع واعجوبة لكل سامع. وهكذا شأن النيّة في العبادات ، فإنّ المكلّف إذا دخل عليه وقت الظهر مثلاً وهو عالم بوجوب ذلك الفرض سابقاً وعالم بكيفيّته وكمّيته وأنّ الغرض الحامل له على الإتيان به الامتثال لأمر الله تعالى ، ثمّ قام من مكانه وتوجّه إلى المسجد ووقف في مصلاه مستقبلا وأذّن وأقام ، ثمّ كبّر واستمرّ في صلاته ، فإنّ صلاته صحيحة شرعيّة مشتملة على النيّة والقربة.

وبهذا يعلم أنّ النيّة المعتبرة مطلقاً ليست منحصرة في المخطرة في البال ، بل

__________________

(١) مصابيح الظلام : (مخطوط مكتبة آية الله الگلپايگاني) كتاب الطهارة كيفيّة الوضوء ج ١ ص ١٧ س ١٦.

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

إنّما هي عبارة عن انبعاث النفس والميل. وإذا لم يكن حاصلا لها قبل فلا يمكنها اختراعه واكتسابه بتصوّر المعاني في الجنان أو مجرّد النطق باللسان. ألا ترى إلى المرائي فإنّه لا يمكنه التقرّب في فعله وإن قال بلسانه أو تصوّر بجنانه اصلّي أو ادرّس قربة إلى الله تعالى. فظهر من هذا أنّه من المستحيل وقوع جزء من أجزاء العبادة من دون نيّة القربة فلا وجه لاشتراط المقارنة لأوّل جزء منها ، ثمّ الاكتفاء بالاستدامة الحكميّة كما اختاره أكثر المتأخّرين.

لا يقال : إنّ المحال هو تحقّق الفعل بغير قصده وقصد غايته فيه لا النيّة المعتبرة عند الفقهاء ، إذ هي أمر آخر يجوز تخلّفه ، بل يصعب تحقّقه ، لأنّا نقول : اللازم المتحقّق في فعله الاختياري هو كونه إطاعة وامتثالا أو تقرّباً إلى الله تعالى لا أمر آخر ، إذ لو جعله أمراً آخر بطلت عبادته ، فلا بدّ أن يتحقّق كلّ جزء من الأجزاء بذلك الغرض ويقصده بتلك الغاية أي الطاعة (الاطاعة خ ل) والقربة. وبعد اختيار ذلك الغرض يستحيل وقوع جزء من الأجزاء بلا نيّة ، فأيّ داع إلى اشتراط المقارنة واعتبار الاستدامة الحكمية دون الفعلية؟ نعم جعل النيّة هي المخطرة بالبال خاصّة كما فعله جمع من المتأخّرين يوجب اعتبار المقارنة والاستدامة الحكميّة ، لأنّه (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) فإمّا أن يشتغل بإحداث الأجزاء من الحركات والسكنات وغيرها وإمّا أن يتوجّه إلى إحضار الصور بالبال وهما لا يجتمعان معاً غالباً عادة ، فلا جرم اختاروا المقارنة والاستدامة الحكمية ، لأنّ النيّة علّة غائيّة ولأنّ الباء في قوله (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما الأعمال بالنيّات» للتلبس كما هو ظاهر ولأنّ قوله تعالى (٢) : (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) حال مبيّنة هيئة الفاعل ، فحيث لا يجتمعان غالباً عادة ولا معنى للتأخّر لكونه علّة غائيّة فلا بدّ من التقدّم والاتصال بأوّل جزء ويسمّى هذا مقارنة. وأمّا اعتبار الاستدامة الحكميّة فلمّا عرفت من استحالة الفعليّة عادة مع كون النيّة شرطاً لمجموع العبادة والشرط

__________________

(١) عوالي اللآلي : ج ١ ص ٣٨٠ ح ٢.

(٢) سورة البيّنة : آية ٥.

٣٠٠