زبدة التّفاسير - ج ٤

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٤

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-06-X
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٠٨

لأحد أن يقلّب سنّة الله ويبطلها ، والسنّة هي العادة الجارية.

(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١))

ثمّ أمر سبحانه بعد إقامة البيّنات وذكر الوعد والوعيد بإقامة الصلاة ، فقال مخاطبا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن كان المراد هو وغيره ، فقال : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) لزوالها.

ويدلّ عليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أتاني جبرئيل عليه‌السلام لدلوك الشمس حين زالت ، فصلّى بي الظهر».

وقيل : لغروبها. والأوّل أشهر وأصحّ ، فإنّه منقول عن معظم المفسّرين ، كابن عبّاس وابن عمر وجابر وأبي العالية والحسن والشعبي وعطاء ومجاهد. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام.

وأصل التركيب الانتقال ، ومنه الدلك ، فإنّ الدالك لا تستقرّ يده. وكذا ما تركّب من الدال واللام ، كدلج ودلع ودله. وقيل : الدلوك من الدلك ، لأنّ الناظر إليها يدلك عينيه ليدفع شعاعها. واللام للتأقيت ، مثلها في : لثلاث خلون.

(إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) ظلمته. وهو وقت صلاة العشاءين. (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) وصلاة الصبح. سمّيت قرآنا لأنّه جزؤها ، تسمية للشيء باسم جزئه ، كما سمّيت ركوعا وسجودا. واستدلّ به على وجوب القراءة فيها.

٦١

(إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، ينزل هؤلاء ويصعد هؤلاء ، فهو في آخر ديوان الليل وأوّل ديوان النهار. أورده البخاري في الصحيح (١). أو مشهودا بشواهد القدرة ، من تبدّل الظلمة بالضياء ، والنوم الّذي هو أخو الموت بالانتباه. أو بكثير من المصلّين في العادة. أو من حقّه أن يشهده الجمّ الغفير.

وقيل : قرآن الفجر حثّ على طول القراءة في صلاة الفجر ، لكونها مشهودا بالجماعة الكثيرة ، ليسمع العباد القرآن فيكثر الثواب.

والآية جامعة للصلوات الخمس ، إن فسّر الدلوك بالزوال. فصلاتا دلوك الشمس الظهر والعصر ، وصلاتا غسق الليل هما المغرب والعشاء الآخرة ، والمراد بقرآن الفجر صلاة الغداة. ولصلوات الليل وحدها إن فسّر بالغروب.

ويؤيّد الأوّل ما رواه العيّاشي بالإسناد عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في هذه الآية ، قال : «إنّ الله افترض أربع صلوات ، أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل ، منها صلاتان أوّل وقتهما عند زوال الشمس إلى غروبها ، إلّا أنّ هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل ، إلّا أنّ هذه قبل هذه» (٢) وإلى هذا ذهب المرتضى علم الهدى قدس‌سره في أوقات الصلاة. فالآية دالّة على امتداد الصلوات الأربع.

(وَمِنَ اللَّيْلِ) وبعض الليل (فَتَهَجَّدْ بِهِ) أي : فاترك الهجود للصلاة ، فإنّ التهجّد بمعنى ترك الهجود (٣) ، نحو التأثّم والتحرّج. والضمير للقرآن. (نافِلَةً لَكَ) عبادة زائدة لك على الصلوات المفروضة. أو فضيلة لك ، لاختصاص وجوبه بك دون أمّتك ، فإنّه تطوّع لهم.

__________________

(١) ذكره بلفظ آخر في صحيح البخاري ٦ : ١٠٨.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ : ٣١٠ ح ١٤٣.

(٣) أي : النوم.

٦٢

(عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ) يوم القيامة (مَقاماً مَحْمُوداً) مقاما يحمده القائم فيه.

وأجمع المفسّرون على أنّه مقام الشفاعة ، لما روي أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «هو المقام الّذي أشفع فيه لأمّتي».

ولإشعاره بأنّ الناس يحمدونه ، لقيامه فيه ، وما ذاك إلّا مقام الشفاعة.

وعن ابن عبّاس : مقاما محمودا يحمدك فيه الأوّلون والآخرون ، وتشرّف فيه على جميع الخلائق ، تسأل فتعطى ، وتشفّع فتشفع ، ليس أحد إلّا تحت لوائك.

وعن حذيفة : يجمع الناس في صعيد واحد ، فلا تتكلّم نفس ، فأوّل مدعوّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيقول : لبّيك وسعديك ، والخير في يديك ، والشرّ ليس إليك ، والمهديّ من هديت ، وعبدك بين يديك ، وبك وإليك ، ولا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك ، تباركت وتعاليت ، سبحانك ربّ البيت. قال : فهذا قوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً).

وانتصاب «مقاما» على الظرف بإضمار فعله ، أي : فيقيمك مقاما. أو بتضمين «يبعثك» معنى : يقيمك. أو الحال ، بمعنى : أن يبعثك ذا مقام.

(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي) أي : في القبر (مُدْخَلَ صِدْقٍ) إدخالا مرضيّا على طهارة وطيب من السيّئات (وَأَخْرِجْنِي) أي : منه عند البعث (مُخْرَجَ صِدْقٍ) إخراجا ملقى بالكرامة ، آمنا من السخط. يدلّ عليه ذكره على أثر ذكر البعث.

وقيل : المراد إدخال المدينة ، والإخراج من مكّة ظاهرا عليها بالفتح ، وإخراجه منها آمنا من المشركين.

وقيل إدخاله الغار ، وإخراجه منه سالما.

وقيل : إدخاله فيما حمّله من أعباء الرسالة ، وإخراجه منها مؤدّيا حقّه.

وقيل : إدخاله عامّ في كلّ ما يلابسه من مكان أو أمر ، وإخراجه منه.

(وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) حجّة تنصرني على من خالفني ، أو ملكا ينصر الإسلام على الكفر. فاستجاب له بقوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (١).

__________________

(١) المائدة : ٦٧ و ٥٦.

٦٣

(فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (١). (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) (٢). (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) (٣).

(وَقُلْ جاءَ الْحَقُ) الإسلام (وَزَهَقَ الْباطِلُ) وذهب وهلك الشرك ، من : زهق روحه إذا خرج (إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) مضمحلّا غير ثابت.

عن ابن عبّاس : «كانت لقبائل العرب ثلاثمائة وستّون صنما ، كلّ قوم بحيالهم ، يحجّون إليها وينحرون لها. فشكا البيت إلى الله فقال : أي ربّ حتّى متى تعبد هذه الأصنام حولي دونك؟ فأوحى الله إلى البيت : إنّي سأحدث لك نوبة جديدة ، فأملأك خدودا سجّدا ، يدفّون إليك دفيف (٤) النسور ، ويحنّون إليك حنين الطيور إلى بيضها ، لهم عجيج حولك بالتلبية.

ولمّا نزلت هذه الآية يوم الفتح قال جبرئيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خذ مخصرتك (٥) ثمّ ألق بها الأصنام. فجعل ينكت بمخصرته في عين واحد واحد منها ويقول : جاء الحقّ وزهق الباطل ، فينكبّ لوجهه ، حتّى ألقى جميعها. وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة ، وكان من قوارير صفر ، فقال : يا عليّ إرم به. فحمله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى صعد فرمى به فكسره ، فجعل أهل مكّة يتعجّبون ويقولون : ما رأينا رجلا أسحر من محمّد.

وعن عليّ عليه‌السلام : كان على الكعبة أصنام ، فذهبت لأحمل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم أستطع ، فحملني فجعلت أقطعها ، ولو شئت لنلت السماء.

(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤))

__________________

(١) المائدة : ٥٦.

(٢) التوبة : ٣٣.

(٣) النور : ٥٥.

(٤) الدفيف : السير الليّن.

(٥) المخصرة : السوط ، وما يتوكّأ عليه كالعصا.

٦٤

(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) ما هو في قمع الشرك والشكّ والريب ، وتقويم دينهم ، واستصلاح نفوسهم ، كالدواء الشافي للمرضى. و «من» للبيان ، فإنّ كلّه كذلك. وقيل : للتبعيض. والمعنى : أنّ منه ما يشفي من المرض ، كالفاتحة وآيات الشفاء. وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله».

وقرأ البصريّان : ننزل بالتخفيف.

(وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) نقصانا ، لتكذيبهم وكفرهم به ، كقوله : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) (١) (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) بالصحّة والسعة (أَعْرَضَ) عن ذكر الله تعالى (وَنَأى بِجانِبِهِ) لوى عطفه ، وبعّد بنفسه عنه ، كأنّه مستغن مستبدّ. ويجوز أن يكون كناية عن الاستكبار ، لأنّه من عادة المستكبرين.

وقرأ ابن عامر وابن ذكوان هنا وفي فصّلت (٢) : وناء على القلب ، كقولهم : راء في : رأى. ويجوز أن يكون من : ناء بمعنى : نهض. وأمال الكسائي وخلف فتحة النون والهمزة في السورتين. وأمال خلف فتحة الهمزة فيهما فقط. وأمال أبو بكر فتحة الهمزة هنا ، وأخلص فتحته. وورش على أصله في ذوات الراء.

(وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) من مرض أو فقر (كانَ يَؤُساً) شديد اليأس من روح الله ، كقوله : (لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (٣).

__________________

(١) التوبة : ١٢٥.

(٢) فصّلت : ٥١.

(٣) يوسف : ٨٧.

٦٥

(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) أي : كلّ واحد من المؤمن والكافر يعمل على طريقته الّتي تشاكل حاله في الهدى والضلالة ، من قولهم : طريق ذو شواكل ، وهي الطرق الّتي تتشعّب منه. والدليل عليه قوله : (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) أسدّ طريقا ، وأبين منهجا. وقد فسّرت الشاكلة بالطبيعة والعادة.

قال بعض المحقّقين : هذه الآية أرجى آية في كتاب الله تعالى ، لأنّ لفظ «كلّ» فيها شامل لكلّ من الواجب والممكن ، فمقتضى ذاته الكرم والعفو عن عباده ، فهو يعمل به ، ومقتضى ذاتهم المعصية واتّباع الهوى.

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥))

روي أنّ اليهود قالوا لقريش : سلوا محمدا عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح ، فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبيّ ، وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبيّ. فبيّن لهم القصّتين وأبهم أمر الروح ، وهو مبهم في التوراة. فنزلت : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) الّذي يحيا به بدن الإنسان ويدبّره (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي : ممّا استأثره بعلمه ، ولا يطلعه أحدا من عباده.

وقيل : سألوا عن الروح أهو قديم ، أو مخلوق محدث؟ فقال : قل الرّوح وجد بأمره وحدث بتكوينه.

وقيل : سألوا عن الروح أنّه مادّيّ أو متولّد من أصل؟ فأجيب بأنّه من الإبداعيّات الكائنة بـ «كن» ، من غير مادّة وتولّد من أصل ، كأعضاء جسده.

وقيل : هو خلق عظيم روحانيّ أعظم من الملك. وقيل : الروح جبرئيل. وعن عليّ عليه‌السلام : أنّه ملك من الملائكة ، له سبعون ألف وجه ، لكلّ وجه سبعون ألف لسان ، تسبّح الله بجميع ذلك.

٦٦

وقيل : إنّ المشركين سألوه عن الروح الّذي هو القرآن ، كيف يلقاك به الملك؟

وكيف صار معجزا؟ وكيف صار نظمه وترتيبه مخالفا لأنواع كلامنا من الخطب والأشعار؟ وقد سمّى الله القرآن روحا في قوله : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً) (١). فقال سبحانه : قل يا محمّد إنّ الروح الّذي هو القرآن من أمر ربّي ، أي : من وحيه وكلامه ، ليس من كلام البشر ، ولا ممّا يدخل في إمكانهم.

(وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) تستفيدونه بتوسّط حواسّكم ، فإنّ اكتساب العقل للمعارف النظريّة إنّما هو من الضروريّات المستفادة من إحساس الجزئيّات ، فلذلك قيل : من فقد حسّا فقد فقد علما ، وأكثر الأشياء لا يدركه الحسّ ، ولا شيئا من أحواله المعرّفة لذاته.

وهو إشارة إلى أنّ الروح ممّا لا يمكن معرفة ذاته إلّا بعوارض تميّزه عمّا يلتبس به. كما قيل : إنّه جسم رقيق هوائيّ متردّد في مخارق الحيوان. وهو مذهب أكثر المتكلّمين. واختاره علم الهدى قدس سرّه. أو جسم هوائيّ على بنية حيوانيّة ، في كلّ جزء منه حياة. أو الحياة الّتي يتهيّأ به المحلّ لوجود القدرة والعلم والاختيار. وهو مذهب الشيخ المفيد وجماعة من المعتزلة. وغير ذلك من الأقاويل الّتي لا يعلم بها كنهه ، فلذلك اقتصر على الجواب ، كما اقتصر موسى في جواب (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢) بذكر بعض صفاته.

روي أنّه عليه‌السلام لمّا قال لهم ذلك قالوا : أنحن مختصّون بهذا الخطاب؟ فقال : بل نحن وأنتم. فقالوا : ما أعجب شأنك! ساعة تقول : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (٣). وساعة تقول هذا. فنزلت. وليس ما قالوه بلازم ، لأنّ القلّة والكثرة تدوران مع الإضافة ، فيوصف الشيء بالقلّة مضافا إلى ما فوقه ، وبالكثرة مضافا إلى ما تحته ،

__________________

(١) الشورى : ٥٢.

(٢) الشعراء : ٢٣.

(٣) البقرة : ٢٦٩.

٦٧

فالحكمة الّتي أوتيها العبد خير كثير في نفسها ، إلّا أنّها إذا أضيفت إلى علم الله فهي قليلة.

وقيل : هو خطاب لليهود خاصّة ، لأنّهم قالوا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد أوتينا التوراة ، وفيها الحكمة ، وقد تلوت : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً). فقيل لهم : إنّ علم التوراة قليل في جنب علم الله.

(وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧))

ثمّ امتنّ سبحانه ببقاء القرآن بعد المنّة في تنزيله ، فقال : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) اللام الأولى توطئة للقسم ، و «لنذهبنّ» جوابه النائب مناب جزاء الشرط. والمعنى : إن شئنا ذهبنا بالقرآن ، ومحوناه من المصاحف والصدور ، فلم نترك له أثرا ، وبقيت كما كنت لا تدري ما الكتاب. (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) من يتوكّل علينا استرداده وإعادته مسطورا محفوظا.

(إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) إلّا أن يرحمك ربّك فيردّه عليك ، كأنّ رحمته تتوكّل عليه بالردّ. ويجوز أن يكون استثناء منقطعا ، بمعنى : ولكن رحمة من ربّك تركته غير مذهوب به. (إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) كإرساله ، وإنزال الكتاب عليه ، وإبقائه في حفظه.

فعلى كلّ ذي علم أن لا يغفل عن هاتين النعمتين والقيام بشكرهما.

عن ابن مسعود : إنّ أوّل ما تفقدون من دينكم الأمانة ، وآخر ما تفقدون الصلاة ، وليصلّينّ قوم ولا دين لهم ، وإنّ هذا القرآن تصبحون يوما وما فيكم منه شيء. فقال رجل : كيف ذلك وقد أثبتناه في قلوبنا ، وأثبتناه في مصاحفنا ، نعلّمه أبناءنا ، ويعلّمه أبناؤنا أبناءهم؟ فقال : يسرى عليه ليلا فيصبح الناس منه فقراء ، ترفع المصاحف ، وينزع ما في القلوب.

٦٨

(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨) وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٨٩))

ثمّ احتجّ سبحانه على المشركين بإعجاز القرآن ، فقال : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ) في البلاغة القصوى ، وحسن النظم ، وكمال المعنى ، والفصاحة العليا (لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) وفيهم العرب العرباء ، وأرباب البيان ، وأهل التحقيق. وهو جواب قسم محذوف دلّ عليه اللام الموطّئة ، ولو لا هي لكان جواب الشرط بلا جزم ، لكون الشرط ماضيا. (وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) ولو تظاهروا على الإتيان به. ولعلّه لم يذكر الملائكة لأنّ إتيانهم بمثله لا يخرجه عن كونه معجزا ، ولأنّهم كانوا وسائط في إتيانه.

(وَلَقَدْ صَرَّفْنا) كرّرنا بوجوه مختلفة زيادة في التقرير والبيان (لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) من كلّ معنى هو كالمثل في غرابته ووقوعه موقعها في الأنفس (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) إلّا جحودا. وإنّما جاز ذلك ولم يجز : ضربت إلّا زيدا ، لأنّه متأوّل بالنفي ، كأنّه قيل : فلم يرضوا إلّا كفورا.

ولمّا تبيّن إعجاز القرآن ، وانضمّت إليه المعجزات الأخر والبيّنات ، ولزمتهم الحجّة وغلبوا ، أخذوا يتعلّلون باقتراح الآيات تعنّتا ، فعل المبهوت المحجوج المتعثّر في أذيال الحيرة.

(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ

٦٩

السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣))

(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) أي : لن نصدّقك (حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ) أي : تشقّق لنا من أرض مكّة ، فإنّها قليلة الماء (يَنْبُوعاً) ينبع منه الماء في وسط مكّة. وقرأ الكوفيّون ويعقوب : نفجر بالتخفيف. والينبوع عين غزيرة لا ينضب ماؤها. يفعول من : نبع الماء ، كيعبوب ، وهو فرس كثير الجري ، ونهر شديد الجري. من : عبّ الماء إذا زخر.

وعباب الماء معظمه وكثرته. وهذه الصفة للمبالغة.

(أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ) من الماء (خِلالَها) وسطها (تَفْجِيراً) تشقيقا ، حتّى يجري الماء تحت الأشجار ، أي : بستان مشتمل على ذلك بحيث يجنّ أشجاره ، أي : يستره.

(أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) أي : قطعا قد تركّب بعضها على بعض ، يعنون قوله تعالى : (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) (١). وهو كقطع لفظا ومعنى. وقد سكّنه ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب في جميع القرآن إلّا في الروم (٢). وابن عامر إلّا في هذه السورة. ونافع وأبو بكر في غيرهما. وحفص فيما عدا الطور (٣) وهو إمّا مخفّف من المفتوح ، كسدرة وسدر ، أو فعل بمعنى مفعول ، كالطحن.

(أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) كفيلا بما تدّعيه ، أي : شاهدا على صحّته ، ضامنا

__________________

(١) سبأ : ٩.

(٢) الروم : ٤٨.

(٣) الطور : ٤٤.

٧٠

لدركه. أو مقابلا ، كالعشير بمعنى المعاشر. وهو حال من الله ، أي : يقابلنا بحيث نشاهده.

وحال الملائكة محذوفة ، لدلالتها عليها ، كما حذف الخبر في قوله :

ومن يك أمسى بالمدينة رحله

فإنّي وقيّار بها لغريب

أو جماعة ، فيكون حالا من الملائكة.

(أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) من ذهب. وأصله : الزينة. (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) أي : في معارجها ، بحذف المضاف (وَلَنْ نُؤْمِنَ) لك (لِرُقِيِّكَ) لأجل رقيّك.

وهو ما يرقى به ، أي : يتصاعد كالسلّم. (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) وكان فيه تصديقك.

عن ابن عبّاس : قال عبد الله بن أبي أميّة : لن نؤمن لك حتّى تتّخذ إلى السماء سلّما ، ثمّ ترقى فيه وأنا أنظر حتّى تأتيها ، ثمّ تأتي معك بصكّ منشور ، معه أربعة من الملائكة ، يشهدون لك أنّك كما تقول.

وما كانوا يقصدون بهذه الاقتراحات إلّا العناد واللجاج ، ولهذا قال عزّ اسمه : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي) تعجّبا من اقتراحاتهم ، أو تنزيها لله من أن يأتي أو يتحكّم عليه أو يشاركه أحد في القدرة. وقرأ ابن كثير وابن عامر : قال سبحان ربّي ، أي : قال الرسول. (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً) كسائر الناس (رَسُولاً) كسائر الرسل ، وكانوا لا يأتون قومهم إلّا بما يظهره الله عليهم على ما يلائم حال قومهم ، ولم يكن أمر الآيات إليهم ، ولا لهم أن يتحكّموا على الله ، فما لكم تقترحون عليّ وأنا مثلهم لا أقدر بنفسي أن آتي بها؟! هذا هو الجواب المجمل. وأمّا التفصيل فقد ذكر في آيات أخر ، كقوله تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) (١). (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) (٢).

__________________

(١) الأنعام : ٧.

(٢) الحجر : ١٤.

٧١

(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠))

(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) وما منعهم الإيمان ، أي : ما صرفهم عنه بعد نزول الوحي وظهور الحقّ (إِلَّا أَنْ قالُوا) إنكارا (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) إلّا قولهم هذا. والمعنى : أنّه لم يبق لهم شبهة تمنعهم عن الإيمان بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن ، إلّا إنكارهم أن يرسل الله بشرا.

٧٢

(قُلْ) جوابا لشبهتهم (لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ) كما يمشي بنو آدم (مُطْمَئِنِّينَ) ساكنين فيها (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) لتمكّنهم من الاجتماع به والتلقّي منه. وأمّا الإنس فعامّتهم عماة عن إدراك الملك والتلقّف منه ، فإنّ ذلك مشروط بنوع من التناسب والتجانس.

إن قيل : إذا جاز أن يكون الرسول إلى النبيّ ملكا ليس من جنسه ، فلم لم يجز أن يكون الرسول إلى الناس أيضا ملكا ليس من جنسهم؟! قلنا : إنّ صاحب المعجزة قد اختير للنبوّة ، فصارت حاله مقاربة لحال الملك ، وليس كذلك غيره من الأمّة ، فيجوز أن يرى الملائكة كما يرى بعضهم بعضا ، بخلاف الأمّة. وأيضا فإنّ النبيّ يحتاج إلى معجزة تعرف بها رسالة نفسه ، كما احتاجت إليه الأمّة ، فجعل الله تعالى المعجزة رؤيته الملك.

و «ملكا» يحتمل أن يكون حالا من «رسولا» وأن يكون موصوفا به. وكذلك «بشرا». والأوّل أوفق.

(قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) على أنّي رسول الله إليكم بإظهاره المعجزة على وفق دعواي. أو على أنّي بلّغت ما أرسلت به إليكم ، وأنّكم عاندتم. و «شهيدا» نصب على الحال أو التمييز. (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) يعلم أحوالهم الباطنة منها والظاهرة ، فيجازيهم عليها. وفيه تسلية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتهديد للكفّار.

(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ) توفيقا ولطفا (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) حقيقة (وَمَنْ يُضْلِلْ) تخلية وخذلانا (فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ) أنصارا يهدونه (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) يسحبون عليها ، كقوله تعالى : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) (١). أو يمشون بها.

روي أنّه قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف يمشون على وجوههم؟ قال : «إنّ الّذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم».

__________________

(١) القمر : ٤٨.

٧٣

(عُمْياً) لا يبصرون ما يقرّ أعينهم (وَبُكْماً) لا يسمعون ما يلذّ مسامعهم (وَصُمًّا) لا ينطقون بما يقبل منهم ، لأنّهم في دنياهم لم يستبصروا بالآيات والعبر ، وتصامّوا عن استماع الحقّ ، وأبوا أن ينطقوا بالصدق. ويجوز أن يحشروا بعد الحساب من الموقف إلى النار مسلوبي الحواسّ ، فقد أخبر عنهم في موضع آخر أنّهم يقرءون ويتكلّمون.

(مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ) بأن أكلت جلودهم ولحومهم وأفنتها فسكن لهبها (زِدْناهُمْ سَعِيراً) توقّدا ، بأن نبدّل جلودهم ولحومهم فتعود ملتهبة مستعرة ، كأنّهم لمّا كذّبوا بالإعادة بعد الإفناء جزاهم الله بأن لا يزالوا على الإعادة والإفناء. وإليه أشار بقوله : (ذلِكَ) إشارة إلى ما تقدّم من عذابهم (جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) مرّ معناه (١).

(أَوَلَمْ يَرَوْا) أو لم يعلموا (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) فإنّهم ليسوا أشدّ خلقا منهنّ ، ولا الإعادة أصعب عليه من الإبداء (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ) هو الموت أو القيامة. وهو معطوف على قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا). (فَأَبَى الظَّالِمُونَ) مع وضوح الحقّ (إِلَّا كُفُوراً) جحودا.

(قُلْ لَوْ أَنْتُمْ) مرفوع بفعل يفسّره ما بعده. وفائدة هذا الحذف والتفسير المبالغة مع الإيجاز ، والدلالة على الاختصاص. (تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) خزائن رزقه وسائر نعمه (إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) لبخلتم مخافة النفاد بالإنفاق ، إذ لا أحد إلّا ويختار النفع لنفسه ، ولو آثر غيره بشيء فإنّما يؤثره لعوض يفوقه ، فهو إذن بخيل بالإضافة إلى جود الله وكرمه. ولقد بلغ هذا الوصف بالشحّ الغاية الّتي لا يبلغها الوهم.

وقيل : هؤلاء أهل مكّة الّذين اقترحوا ما اقترحوا من الينبوع والأنهار وغيرها ، وانّهم لو ملكوا خزائن الأرزاق لبخلوا بها.

__________________

(١) راجع ص ٤٢ ذيل الآية ٤٩.

٧٤

(وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) بخيلا ، لأنّ بناء أمره على الحاجة والضنّة بما يحتاج إليه ، وملاحظة العوض فيما يبذله.

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤))

ثمّ ذكر سبحانه قصّة موسى عليه‌السلام ، ومعاندة أمّته ومكابرتهم واقتراحاتهم ، كصناديد قريش ، فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) هي : العصا ، واليد ، والجراد ، والقمّل ، والضفادع ، والدم ، وانفجار الماء من الحجر ، وانفلاق البحر ، ونتق الطور على رؤوس بني إسرائيل ، وعن الحسن : الطوفان ، والسنون ، ونقص الثمرات مكان الثلاثة الأخيرة. وقيل : المراد بالآيات الأحكام العامّة الثابتة في كلّ الشرائع.

وعن صفوان بن عسال : أنّ يهوديّا سأل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها ، فقال : أوحى الله إلى موسى أن قل لبني إسرائيل : أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ، ولا تقذفوا محصنة ، ولا تفرّوا من الزحف. وأنتم يا يهود خاصّة : أن لا

٧٥

تعدوا في يوم السبت. فقبّل اليهوديّ يده ورجله ، وقال : أشهد أنّك نبيّ الله.

وعلى هذا سمّيت الشرائع بالآيات ، لأنّها تدلّ على حال من يتعاطى متعلّقها في الآخرة من السعادة والشقاوة. وقوله عليه‌السلام : «أنتم يا يهود خاصّة أن لا تعتدوا»

حكم مستأنف زائد على الجواب ، ليدلّ على إحاطة علمه بالكلّ ، ولذلك غيّر فيه مساق الكلام.

(فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) فقلنا له : سلهم من فرعون ليرسلهم معك ، أو سلهم عن حال دينهم ، أو سلهم أن يعاضدوك ، وتكون قلوبهم وأيديهم معك. وقوله : (إِذْ جاءَهُمْ) متعلّق بـ : قلنا. أو معناه : فأسال يا محمّد بني إسرائيل ـ وهم عبد الله ابن سلام وأحزابه ـ عمّا جرى بين موسى وفرعون إذ جاءهم. أو عن الآيات ليظهر للمشركين صدقك. أو لتعلم أنّه تعالى لو أتى بما اقترحوا لأصرّوا على العناد والمكابرة كمن قبلهم. أو ليزداد يقينك ، لأنّ تظاهر الأدلّة يوجب قوّة اليقين وطمأنينة القلب ، كقول إبراهيم : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (١).

وعلى هذا كان «إذ» نصبا بـ «آتينا» ، أو بإضمار : يخبروك ، على أنّه جواب الأمر ، أو بإضمار : اذكر ، على الاستئناف.

(فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) سحرت فتخبّط عقلك. قيل : معناه : إنّك ساحر ، فوضع المفعول موضع الفاعل ، كما يقال : مشؤوم وميمون في معنى : شائم ويامن.

(قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ) يا فرعون. وقرأ الكسائي بالضمّ على إخباره عن نفسه ، كما روي أنّ عليّا عليه‌السلام قال : «والله ما علم عدوّ الله ، ولكن موسى هو الّذي علم».

فقال : لقد علمت (ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ) يعني : الآيات (إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) بيّنات مكشوفات تبصّرك صدقي ، ولكنّك تعاند وتكابر. ونحوه :

__________________

(١) البقرة : ٢٦٠.

٧٦

(وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (١). وانتصابه على الحال.

(وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) مصروفا عن الخير ، مطبوعا على الشرّ ، من قولك : ما ثبرك عن هذا؟ أي : ما صرفك؟ أو هالكا. قارع ظنّه بظنّه ، كأنّه قال : إن ظننتني مسحورا فأنا أظنّك مثبورا ، وشتّان ما بين الظنّين ، فإنّ ظنّ فرعون كذب بحت ، وظنّ موسى يحوم حوم اليقين من تظاهر أماراته ، ولهذا فسّر الظنّ هاهنا بمعنى العلم.

(فَأَرادَ) فرعون (أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ) أن يستخفّ موسى وقومه وينفيهم (مِنَ الْأَرْضِ) أرض مصر ، أو الأرض مطلقا ، بالقتل والاستئصال (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) فعكسنا عليه مكره ، واستفززناه وقومه بالإغراق.

(وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ) من بعد فرعون ، أو إغراقه (لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ) الّتي أراد أن يستفزّكم منها (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) الكرّة ، أو الحياة ، أو الساعة ، أو الدار الآخرة ، يعني : قيام القيامة (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) مختلطين إيّاكم وإيّاهم ، ثمّ نحكم بينكم ، ونميّز سعداءكم من أشقيائكم. واللفيف : الجماعات من قبائل شتّى.

(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩))

__________________

(١) النمل : ١٤.

٧٧

(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) تقديم الجارّ لإفادة الحصر ، أي : وما أنزلنا القرآن إلّا ملتبسا بالحقّ المقتضي لإنزاله. وكذلك قوله : (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) أي : ما نزل إلّا ملتبسا بالحقّ والحكمة ، لاشتماله على الهداية إلى كلّ خير.

وقيل : معناه : وما أنزلناه من السماء إلّا محفوظا بالرصد من الملائكة ، وما نزل على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا محفوظا بهم من تخليط الشيطان. ويحتمل أن يريد به نفي اعتراء البطلان له أوّل الأمر وآخره.

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً) للمطيع بالثواب (وَنَذِيراً) للعاصي بالعقاب. فلا عليك ـ من إكراه على الدين أو نحو ذلك ـ إلّا التبشير والإنذار.

(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) منصوب بفعل يفسّره «فرقناه» ، أي : نزّلناه مفرّقا منجّما. وقيل : فرقنا فيه الحقّ من الباطل ، فحذف الجارّ ، كما في قوله : ويوما شهدناه. (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) على مهل وتؤدة وتثبّت ، فإنّه أيسر للحفظ وأعون في الفهم (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) على حسب الحوادث.

روي عن ابن عبّاس أنّه قال : لئن أقرأ سورة البقرة وأرتّلها أحبّ إليّ من أن أقرأ القرآن جميعا.

وعن عبد الله بن مسعود أنّه قال : لا تقرأ القرآن في أقلّ من ثلاث ، واقرأه في سبع.

(قُلْ آمِنُوا بِهِ) بالقرآن (أَوْ لا تُؤْمِنُوا) فإنّ إيمانكم بالقرآن لا يزيده كمالا ، وامتناعكم عنه لا يورّثه نقصانا. هذا أمر بالإعراض عنهم واحتقارهم والازدراء بشأنهم ، وأن لا يكترث بهم وبإيمانهم وبامتناعهم عنه ، وإن لم يدخلوا في الايمان ولم يصدّقوا بالقرآن ، وهم أهل جاهليّة وشرك.

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) تعليل له : أي : إن لم تؤمنوا به فقد آمن به من هو خير منكم ، وهم العلماء الّذين قرءوا الكتب السابقة ، وعرفوا حقيقة الوحي وأمارات النبوّة ، وتمكّنوا من الميز بين المحقّ والمبطل ، أو رأوا نعتك وصفة ما أنزل إليك

٧٨

في تلك الكتب ، وهم عبد الله بن سلام وأصحابه.

ويجوز أن يكون تعليلا لـ «قل» على سبيل التسلية له وتطييب نفسه ، كأنّه قيل : تسلّ بإيمان العلماء عن إيمان الجهلة ، ولا تكترث بإيمانهم وإعراضهم.

(إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ) القرآن (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) يسقطون على وجوههم تعظيما لأمر الله ، أو شكرا لإنجاز وعده في تلك الكتب ببعثة محمّد على فترة من الرّسل ، وإنزال القرآن عليه.

(وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا) تنزيها لرّبنا عزّ اسمه عن خلف الموعد (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) إنّه كان وعده كائنا لا محالة.

(وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ) كرّره لاختلاف الحال والسبب ، فإنّ الأوّل للشكر عند إنجاز الوعد ، والثاني لما أثّر فيهم من مواعظ القرآن ، حال كونهم باكين من خشية الله ، تواضعا لله ، واستسلاما لأمره وطاعته. وذكر الذقن الّذي هو مجمع اللّحيين ، لأنّه أوّل ما يلقى الأرض من وجد السّاجد. واللّام فيه لاختصاص الخرور (١) به. (وَيَزِيدُهُمْ) سماع القرآن (خُشُوعاً) كما يزيدهم علما ويقينا بالله.

(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١))

__________________

(١) الخرور مصدر : خرّ لله ساجدا ، أي : انكبّ على الأرض وسجد.

٧٩

عن ابن عبّاس : أنّ أبا جهل سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : يا الله يا رحمن ، فقال : إنّه ينهانا أن نعبد إلهين ويدعو إلها آخر.

وقيل : إنّ أهل الكتاب قالوا : إنّك لتقلّ ذكر الرحمن ، وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم ، فنزلت : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ). «أو» على الأوّل (١) للتسوية بين إطلاق اللفظين على المعبود. وعلى الثاني (٢) أنّهما سيّان في حسن الإطلاق والإفضاء إلى المقصود. وعلى التقديرين «أو» للتخيير والإباحة ، أي : إن دعوتم بأحدهما كان جائزا ، وإن دعوتم بهما كان جائزا ، كما قال : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى).

والدعاء في الآية بمعنى التسمية لا النداء. وهو يتعدّى إلى مفعولين ، تقول : دعوته زيدا ، حذف أولهما استغناء عنه ، فيقال : دعوت زيدا. والتنوين في «أيّا» عوض عن المضاف إليه. و «ما» صلة لتأكيد ما في «أيّا» من الإبهام ، أي : أيّ هذين الاسمين سمّيتم وذكرتم فله الأسماء الحسنى. والضمير في «فله» لمسمّاهما ، وهو ذاته تعالى ، لأنّ التسمية للذات لا للاسم. وكأنّ أصل الكلام : أيّا ما تدعو فهو حسن. فوضع موضعه (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) للمبالغة ، لأنّه إذا حسنت أسماؤه كلّها حسن هذان الاسمان ، لأنّهما منها.

ومعنى كونها أحسن الأسماء أنّها مستقلّة بمعاني التمجيد والتقديس والتعظيم ، وغيرها من صفات الجلال والإكرام.

فبيّن سبحانه في هذه الآية أنّه سبحانه شيء واحد ، وإن اختلفت أسماؤه وصفاته.

وفيه دلالة على أنّه سبحانه لا يفعل القبيح ، مثل الظلم وغيره ، لأنّ أسماءه حينئذ لا تكون حسنة.

روي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يرفع صوته بقراءة القرآن ، فإذا سمعها المشركون لغوا وسبّوا ، وكان ذلك في أوّل أمر الإسلام ، فنزلت : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) بقراءة

__________________

(١ ، ٢) أي : على قول أبي جهل وقول أهل الكتاب.

٨٠