زبدة التّفاسير - ج ٤

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٤

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-06-X
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٠٨

لأذابتها. والجملة حال من «الحميم» أو من ضمير «هم».

(وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) سياط منه يجلدون بها. جمع مقمعة وحقيقتها ما يقمع به ، أي : يكفّ بعنف. وفي الحديث : «لو وضعت مقمعة منها في الأرض فاجتمع عليها الثقلان ما أقلّوها من الأرض»

أي : ما رفعوها ، كأنّهم استقلّوا قواهم لرفعها من الأرض.

وعن الحسن : أنّ النار ترميهم بلهبها فترفعهم ، حتّى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بمقامع ، فهووا فيها سبعين خريفا ، فإذا انتهوا إلى أسفلها ضربهم زفير لهبها ، فلا يستقرّون ساعة. فذلك قوله : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها) من النار (مِنْ غَمٍ) من غمومها.

بدل من الهاء بإعادة الجارّ. (أُعِيدُوا فِيها) أي : فخرجوا أعيدوا ، لأنّ الإعادة لا تكون إلّا بعد الخروج (وَذُوقُوا) أي : وقيل لهم : ذوقوا (عَذابَ الْحَرِيقِ) أي : النار البالغة في الإحراق. هذا لأحد الخصمين.

ثمّ قال في الخصم الّذين هم المؤمنون : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) غيّر الأسلوب فيه ، وأسند الإدخال إلى الله تعالى ، وأكّده بـ «إنّ» ، إحمادا لحال المؤمنين ، وتعظيما لشأنهم.

(يُحَلَّوْنَ فِيها) من : حليت المرأة ، فهي حال ، إذا لبست الحليّ (مِنْ أَساوِرَ) صفة مفعول محذوف. وهي حليّ اليد. جمع أسورة ، وهي جمع سوار. (مِنْ ذَهَبٍ) بيان له (وَلُؤْلُؤاً) عطف عليها ، لا على ذهب ، لأنّه لم يعهد السوار منه ، إلّا أن يراد المرصّعة به. ونصبه نافع وعاصم عطفا على محلّها ، أو إضمار الناصب ، مثل : ويؤتون. وروي عن حفص بهمزتين. وترك أبو بكر والسوسي عن أبي عمرو الهمزة الأولى.

(وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) غيّر أسلوب الكلام فيه ، للدلالة على أنّ الحرير ثيابهم المعتادة ، أو للمحافظة على هيئة الفواصل. ولمّا حرّم الله سبحانه لبس الحرير على الرجال في الدنيا ، شوّقهم إليه في الآخرة ، فأخبر أنّ لباسهم في الجنّة حرير.

(وَهُدُوا) أرشدوا في الجنّة (إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) إلى التحيّات الحسنة ،

٣٨١

يحيّي بعضهم بعضا ، ويحيّيهم الله وملائكته بها. وقيل : معناه : أرشدوا إلى كلمة لا إله إلّا الله والحمد لله. وعن ابن عبّاس : هداهم الله وألهمهم أن يقولوا : الحمد لله الّذي صدقنا وعده. وقيل : إلى القول الّذي يلتذّونه ويشتهونه ، أو تطيب به نفوسهم. وقيل : إلى ذكر الله ، فهم به يتنعّمون.

(وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ) المحمود نفسه ، أو عاقبته ، وهو الجنّة. أو صراط المستحقّ لذاته الحمد ، وهو الله تعالى.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥))

ثمّ بيّن سبحانه الأفعال القبيحة الصادرة عن الكفرة ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن طاعة الله. لا يريد به الحال والاستقبال ، وإنّما يريد استمرار الصدّ منهم ، كقولهم : فلان يحسن إلى الفقراء ، أي : يستمرّ وجود الإحسان في جميع أزمنته ، ولذلك حسن عطفه على الماضي.

وقيل : هو حال من فاعل «كفروا» وخبر «إنّ» محذوف دلّ عليه آخر الآية ، أي : معذّبون.

(وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) عطف على «سَبِيلِ اللهِ» (الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ) المقيم (فِيهِ وَالْبادِ) الطارئ أي : الّذي وقع عليه اسم الناس ، من غير فرق بين مقيم وطارىء ، ومكّيّ وآفاقي. و «سواء» خبر مقدّم ، والجملة مفعول ثان لـ «جعلناه» إن جعل «للناس» حالا من الهاء ، وإلّا فحال من المستكن فيه. ونصبه حفص على أنّه

٣٨٢

المفعول أو الحال ، و «العاكف» مرتفع به ، أي : جعلناه للناس مستويا العاكف فيه والبادي.

وخبر «إنّ» محذوف ، لدلالة جواب الشرط عليه ، تقديره : إنّ الّذين كفروا ويصدّون عن المسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم.

واعلم أنّه خلاف بين علماء الأمّة أنّ المراد بالمسجد الحرام نفسه ، كما هو الظاهر.

والمعنى : جعلناه للناس قبلة لصلاتهم ، ومنسكا لحجّهم ، والعاكف والباد سواء في حكم النسك. وكان المشركون يمنعون المسلمين عن الصلاة في المسجد الحرام والطواف به ، ويدّعون أنّهم أربابه وولاته.

أو المراد (١) الحرم ، كما قال : (أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٢) فإنّه كان الإسراء من مكّة ، لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في بيت خديجة بنت خويلد. وقيل : في الشعب ، أو في بيت أم هانئ.

والأوّل مرويّ عن الحسن ومجاهد والجبائي. وبه قال الشافعي ، وبعض أصحابنا.

ويتفرّع عليه جواز بيع مكّة وإجارتها ، وعدم جواز سكنى الحاجّ في بيوتها مع عدم رضا أهلها.

والثاني عن ابن عبّاس وابن جبير وقتادة. وبه قال أبو حنيفة ، وبعض أصحابنا.

ويتفرّع على هذا تحريم بيع بيوت مكّة ، وجواز سكنى الحاجّ فيها وإن لم يرض أهلها.

ويضعّف الثاني ـ على تقدير صحّة النقل ـ بأن التسمية مجاز ، والأصل في الكلام الحقيقة. ولذلك نقل عن بعض الصحابة أنّه اشترى فيها دارا. وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما ترك لنا عقيل من دار».

وشراء عمر دارا يسجن فيها من غير نكير.

(وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ) ترك مفعوله ليتناول كلّ متناول. كأنّه قال : ومن يرد فيه مرادا مّا.

(بِإِلْحادٍ) بعدول عن القصد (بِظُلْمٍ) بغير حقّ. وهما صفتان للمفعول المحذوف أقيمتا

__________________

(١) عطف على قوله : أن المراد بالمسجد الحرام نفسه ... ، قبل ثلاثة أسطر.

(٢) الإسراء : ١.

٣٨٣

مقامه. أو حالان مترادفان ، أي : ملحدا عن القصد ظالما. أو الثاني بدل من الأول بإعادة الجارّ ، أي : ومن يرد فيه مطلوبا ظالما. أو صلة له ، أي : ملحدا بسبب الظلم ، كالإشراك واقتراف الآثام. (نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) في الدنيا والآخرة. وهو جواب لـ «من».

يعني : أنّ الجواب على من كان فيه أن يضبط نفسه ، ويسلك طريق السداد والعدل في جميع ما يهمّ به ويقصده.

وقيل : الإلحاد في الحرم منع الناس عن عمارته. وعن سعيد بن جبير : الاحتكار.

وعن عطاء : قول الرجل في المبايعة : لا والله ، وبلى والله.

وعن عبد الله بن عمر : أنّه كان له فسطاطان ، أحدهما في الحلّ والآخر في الحرم ، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحلّ. فقيل له : فقال : كنّا نحدّث أنّ من الإلحاد فيه أن يقول الرجل : لا والله ، وبلى والله.

وقيل : هو كلّ شيء نهي عنه ، حتّى شتم الخادم ، لأنّ الذنوب هناك أعظم. وهذا أولى.

وقيل : نزلت الآية في الّذين صدّوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مكّة عام الحديبيّة.

وقيل : الإلحاد هو الميل عن قانون الأدب ، كالبزاق وعمل الصنائع وغيرهما.

والظلم : ما يتجاوز فيه قواعد الشرع. والحاصل من هذا القول أنّ الإلحاد فعل المكروهات ، والظّلم فعل المحرّمات. وهو بناء على أنّ المراد بالمسجد نفسه.

(وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ

٣٨٤

وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣))

(وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) واذكر إذ جعلناه له مباءة ، أي : مرجعا يرجع إليه. وقيل : اللام زائدة ، «ومكان» ظرف ، أي : وإذ أنزلناه فيه.

قيل : رفع البيت إلى السماء أيّام الطوفان ، وكان من ياقوتة حمراء ، فأعلم الله إبراهيم مكانه بريح أرسلها يقال لها : الخجوج (١) ، فكنست ما حوله ، فبناه على أسّه القديم.

(أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) «أن» مفسّرة لـ «بوّأنا» من حيث إنّه تضمّن معنى : تعبّدنا ،

__________________

(١) في هامش النسخة الخطّية : «الخجوج : الريح الشديدة الحرّ. منه».

٣٨٥

لأنّ التبوئة من أجل العبادة ، فكأنّه قيل : تعبّدنا إبراهيم بأن قلنا له : لا تشرك بي شيئا.

(وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) من الأوثان والأقذار. وقرأ نافع وحفص وهشام : بيتي بفتح الياء.

(لِلطَّائِفِينَ) لمن يطوفون به (وَالْقائِمِينَ) ويقيمون حوله (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) ولمن يصلّون فيه. سمّى الصلاة بهما تسمية للشيء باسم أشرف أجزائه ، فإنّهما أعظم أركانها.

(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ) ناد فيهم (بِالْحَجِ) بدعوة الحجّ والأمر به.

روي أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صعد أبا قبيس ، ووضع إصبعيه في أذنيه ، فقال : «يا أيها الناس حجوا بيت ربكم» فأسمعه الله من أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فيما بين المشرق والمغرب ، ممّن سبق في علمه أن يحجّ ، كما أسمع سليمان ، مع ارتفاع منزلته وكثرة جنوده حوله ، صوت النملة مع خفضه. وأوّل من أجابه أهل اليمن.

وعن الحسن : الخطاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمر بذلك في حجّة الوداع.

وروي عن الصادق عليه‌السلام : «أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقام بالمدينة عشر سنين لم يحجّ ، فلمّا نزلت هذه الآية أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مناديه أن يؤذّن في الناس بالحجّ ، فاجتمع بالمدينة خلق كثير من الأعراب وغيرهم ، وأكثر أهل الأموال من أهل المدينة ، وخرج صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأربع بقين من ذي القعدة ، فلمّا انتهى إلى مسجد الشجرة ، وكان وقت الزوال ، اغتسل ونوى حجّ القرآن بعد أن صلّى الظهرين». والقول الأوّل مرويّ عن عليّ عليه‌السلام وابن عبّاس.

(يَأْتُوكَ رِجالاً) مشاة. جمع راجل ، كقائم وقيام. (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) أي : وركبانا على كلّ بعير مهزول ، أتعبه بعد السفر فهزله.

وروى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس أنّه قال لبنيه : يا بنيّ حجّوا من مكّة مشاة حتّى ترجعوا إليها مشاة ، فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «للحاجّ الراكب بكلّ خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة ، وللحاجّ الماشي بكلّ خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم. قيل : وما حسنات الحرم؟ قال : الحسنة بمائة ألف حسنة».

وكان الحسن بن عليّ عليه‌السلام يمشي في الحجّ والبدن تساق بين يديه. والحقّ أنّ

٣٨٦

المشي إذا لم يضعف عن العبادة فهو أفضل.

(يَأْتِينَ) صفة لـ «كلّ ضامر» محمولة على معناه ، فإنّه في معنى الجمع (مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) طريق بعيد. يقال : بئر بعيدة إذا بعد قعرها.

وروي مرفوعا عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله يقول : «إنّ الله تعالى يباهي بأهل عرفات الملائكة ، يقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ، أقبلوا يفدون إليّ من كلّ فجّ عميق ، فأشهدكم أنّي قد أجبت دعاءهم ، وشفعت رغبتهم ، ووهبت مسيئهم لمحسنهم ، وأعطيت محسنهم جميع ما سألوني غير التبعات الّتي بينهم. فإذا أفاض القوم إلى جمع ، وقفوا وعادوا في الرغبة والطلب إلى الله ، يقول : يا ملائكتي عبادي وقفوا وعادوا من الرغبة والطلب ، فأشهدكم أنّي قد أجبت دعاءهم ، وشفعت رغبتهم ، ووهبت مسيئهم لمحسنهم ، وأعطيت محسنهم جميع ما سألني ، وكفلت عنهم بالتبعات الّتي بينهم».

(لِيَشْهَدُوا) ليحضروا (مَنافِعَ لَهُمْ) دينيّة ودنيويّة. وتنكيرها لأنّ المراد بها نوع من المنافع مخصوص بهذه العبادة. وقيل : هو منافع الآخرة ، من العفو والمغفرة. وهو المرويّ عن الصادق عليه‌السلام.

وقيل : التجارات ، ترغيبا فيها ، لكون مكّة واديا غير ذي زرع ، ولو لا الترغيب لتضرّر سكّانها. ولذلك قال إبراهيم : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) (١). ولو حمل على منفعتي الدنيا والآخرة ما كان بعيدا عن الصواب. وتنكيرها دالّ عليه ، كما فسّرنا أوّلا.

(وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) عند إعداد الهدايا والضحايا وذبحها. وقيل : كنّى بالذكر عن النحر ، لأنّ ذبح المسلمين لا ينفكّ عنه ، تنبيها على أنّه المقصود ممّا يتقرّب به إلى الله.

(فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) معدودات ، هي عشر ذي الحجّة. سمّيت معلومات للحرص على علمها من أجل وقت الحجّ. وبه قال أبو حنيفة.

__________________

(١) إبراهيم : ٣٧.

٣٨٧

وقيل : إنّها يوم النحر والثلاثة بعده أيّام التشريق ، والأيّام المعدودات عشر ذي الحجّة. وهو المرويّ عن الباقر عليه‌السلام ، والمأثور عن ابن عبّاس ، واختاره الزجّاج. قال : لأنّ الذكر هنا يدلّ على التسمية على ما يذبح وينحر ، وهذه الأيّام تختصّ بذلك.

وعن الصادق عليه‌السلام : «هو التكبير عقيب خمس عشرة صلاة ، أوّلها صلاة الظهر من يوم النحر ، يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلّا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أبلانا. والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام» وفق قوله : (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ). علّق الفعل بالمرزوق ، وبيّنه بالبهيمة ، تحريضا على التقرّب ، وتنبيها على مقتضى الذكر.

والبهيمة من الإبهام ، بمعنى المبهمة من كلّ ذات أربع في البرّ والبحر. وإنّما سمّيت بالبهيمة ، لأنّها لا تفصح كما يفصح الحيوان الناطق. وأصل الأنعام في الإبل. واشتقاقها من النعمة ، وهي اللين. سمّيت بذلك للين خفافها. وقد يجتمع معها البقر والغنم ، فيسمّى الجميع أنعاما اتّساعا. وإن انفردا لم يسمّيا أنعاما. وإضافة البهيمة للبيان.

(فَكُلُوا مِنْها) من لحومها. أمر بذلك إباحة وإزاحة لما عليه أهل الجاهليّة من التحرّج فيه ، أو ندبا إلى مواساة الفقراء ومساواتهم. وهذا في المتطوّع به دون الواجب.

(وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ) الّذي أصابه بؤس ، أي : شدّة (الْفَقِيرَ) المحتاج الّذي أضعفه الإعسار. مشتقّ من فقار الظهر ، كأنّه كسر فقاره ، لفرط احتياجه. والأمر في الإطعام للندب إن كان الذبح بغير الهدي ، وإلّا فالأمران للوجوب.

(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) ثمّ ليزيلوا وسخهم بقصّ الشارب والأظفار ، ونتف الإبط وحلق العانة عند الإحلال ، فإنّ التفث بمعنى الوسخ. وعن الزجّاج : التفث كناية عن الخروج من الإحرام إلى الإحلال.

وقيل : المراد به بقيّة أعمال الحجّ بعد الذبح ، من الحلق والرمي وغيرهما من المناسك. وعلى هذا يكون عطف الطواف من باب عطف : جبرئيل وميكائيل ، وفاكهة

٣٨٨

ونخل ورمّان.

(وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) وليتمّوا ما ينذرون من البرّ في حجّهم. وقيل : مواجب الحجّ. وقرأ أبو بكر بفتح الواو وتشديد الفاء.

(وَلْيَطَّوَّفُوا) طواف الإفاضة الّذي به تمام التحلّل. وهو طواف الزيارة الّذي هو من أركان الحجّ ، ويقع به تمام التحلّل. وقيل : طواف الصدر. وهو طواف الوداع. وروى أصحابنا أنّه طواف النساء الّذي يستباح به وطء النساء ، وذلك بعد طواف الزيارة الّذي يحلّ له كلّ شيء إلّا النساء. وقرأ ابن عامر وحده بكسر اللام فيها. (بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) القديم ، لأنّه أوّل بيت وضع للناس. أو المعتق من تسلّط الجبابرة ، فكم من جبّار سار إليه ليهدمه فمنعه الله.

وأمّا الحجّاج فقيل : إنّما قصد بنقضه إخراج ابن الزبير منه ، ولم يقصد التسلّط عليه ، ولهذا لمّا قبضه بناه. ولمّا قصد أبرهة التسلّط عليه فعل به ما فعل. وليس بشيء ، لأنّ إقدامه على تلك الفعلة قبيح ، ومخالف لقوله تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (١).

بل الأولى في الجواب : أنّه إنّما لم يهلكه لبركة سيّدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ هذه الأمّة معصومة من عذاب الاستئصال.

وقيل : معناه : لم يملك قطّ. وقيل : أعتق من الغرق. وقيل : بيت كريم ، من قولهم : عتاق الخيل والطير.

(ذلِكَ) خبر محذوف ، أي : الأمر أو الشأن ذلك. وهو وأمثاله يطلق للفصل بين كلامين. (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ) أحكامه وسائر ما لا يحلّ هتكه. أو الحرم وما يتعلّق بالحجّ من التكاليف. أو الكعبة والمسجد الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام والمحرّم ، فإنّ الحرمة ما لا يحلّ هتكه ، فيشمل جميع ما كلّفه الله تعالى بهذه الصفة من مناسك الحجّ وغيرها. ومعنى تعظيمها : العلم بأنّها واجبة المراعاة والحفظ والقيام بمراعاتها. يعني : من

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

٣٨٩

يراعي ما يجب القيام به من أحكام الله تعالى ، وامتثل به.

(فَهُوَ) فالتعظيم الّذي هو القيام بأوامر الله ونهيه (خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) ثوابا.

ولمّا حثّ على تعظيم الحرمات ، ردّ على الكفرة ما كانوا عليه ، فقال : (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) إلّا المتلوّ عليكم تحريمه. وذلك قوله في سورة المائدة : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (١). والمعنى : إنّ الله قد أحلّ لكم الأنعام كلّها إلّا ما استثناه في كتابه ، فحافظوا على حدوده ، وإيّاكم أن تحرّموا ممّا أحلّ شيئا ، كتحريم البحيرة والسائبة وغير ذلك ، وأن تحلّوا ممّا حرّم الله ، كإحلالهم أكل الموقوذة والميتة وغير ذلك.

(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) أي : الرجس الّذي هو الأوثان ، كما تجتنب الأنجاس. وهو غاية المبالغة في النهي عن تعظيمها ، والتنفير عن عبادتها.

(وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) قول الكذب. تعميم بعد تخصيص ، فإنّ عبادة الأوثان رأس الزور ، لأنّ المشرك زاعم أنّ الوثن تحقّ له العبادة ، وهو محض الكذب.

وقيل : المراد شهادة الزور ، لما روي أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ، وتلا هذه الآية».

والزّور من الزّور ، وهو الانحراف ، كما أنّ الإفك من الإفك ، وهو الصرف ، فإنّ الكذب مصروف عن الواقع.

وقيل : قول الزور قول أهل الجاهليّة : لبّيك لا شريك لك إلّا شريك هو لك تملكه وما ملك.

(حُنَفاءَ لِلَّهِ) مخلصين له (غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) وهما حالان من الواو ، أي : اجتنبوا الأوثان وقول الزور ، مستقيمي الطريقة على أمر الله ، مائلين عن سائر الأديان.

(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ) لأنّه سقط من أوج سماء الإيمان إلى

__________________

(١) المائدة : ٣.

٣٩٠

حضيض شقاوة الكفر (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) فإنّ الأهواء المردية توزّع أفكاره. وقرأ نافع وحده : فتخطّفه ، بفتح الخاء وتشديد الطاء. أصله : تختطفه. (أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ) تسقطه (فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) بعيد مفرط في البعد ، فإنّ الشيطان قد طوّح (١) به في الضلالة البعيدة.

وهذا التشبيه يكون من التشبيهات المفردة ، لأنّه شبّه الإيمان في علوّه بالسماء ، والّذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء ، والأهواء الّتي تتوزّع أفكاره بالطير المختطفة ، والشيطان الّذي يطوّح به في وادي الضلالة بالريح الّتي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المهلكة.

ويجوز أن يكون من التشبيهات المركّبة. فيكون المعنى : ومن أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكا يشبه بصورة حال من خرّ من السماء ، فاختطفته الطير ، فتفرّق مزعا (٢) في حواصلها ، أو عصفت به الريح حتّى هوت به في بعض المطاوح (٣) البعيدة.

و «أو» للتخيير ، كما في قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) (٤). أو للتنويع ، فإنّ من المشركين من لا خلاص له أصلا ، ومنهم من يمكن خلاصه بالتوبة ولكن على بعد.

(ذلِكَ) أي : الأمر ذلك الّذي ذكرناه (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) معالم دين الله ، والأعلام الّتي نصبها لطاعته. وتعظيمها التزامها. وقيل : هي مناسك الحجّ كلّها. وعن ابن عبّاس ومجاهد : هي الهدايا ، لأنّها من معالم الحجّ. جمع شعيرة. وهي البدن إذا أشعرت ، أي : أعلمت عليها ، بأن يشقّ سنامها من الجانب الأيمن ليعلم أنّها هدي. وهذا هو المرويّ عن أبي جعفر عليه‌السلام.

وذهب إليه الشافعي. وهو أوفق لظاهر ما بعده.

وتعظيمها أن يختارها عظام الأجرام حسانا سمانا غالية الأثمان ، ويترك

__________________

(١) طوّح : رمى وقذف. والمطاوح : المهالك. والواحدة : مطاحة.

(٢) في هامش النسخة الخطّية : «المزعة : قطعة من اللحم. منه» وجمعها : مزع ومزع.

(٣) طوّح : رمى وقذف. والمطاوح : المهالك. والواحدة : مطاحة.

(٤) البقرة : ١٩.

٣٩١

المكاس (١) في شرائها.

روي : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهدى مائة بدنة ، فيها جمل في أنفه برّة (٢) من ذهب.

وكان ابن عمر يسوق البدن مجلّلة بالقباطي (٣) ، فيتصدّق بلحومها وبجلالها (٤).

(فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) فإنّ تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب. فحذفت هذه المضافات. ولا يستقيم المعنى إلّا بتقديرها ، لأنّه لا بدّ من عائد من الجزاء إلى «من» ليرتبط به. وذكر القلوب لأنّها مراكز التقوى الّتي إذا ثبت فيها وتمكّنت ظهر أثرها في سائر الأعضاء ، فإنّها منشأ التقوى والفجور ، والآمرة بهما.

(لَكُمْ فِيها) في الهدايا (مَنافِعُ) من درّها ونسلها وصوفها وظهرها (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى أن تنحر ، ويتصدّق بلحومها ، ويؤكل منها (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) ثمّ وقت نحرها منتهية إلى البيت من الحرم ، فإنّ المراد نحرها في الحرم الّذي هو في حكم البيت ، لأنّ الحرم هو حريم البيت. ومثل هذا في الاتّساع قولك : بلغنا البلد. وإنّما شارفتموه ، واتّصل مسيركم بحدوده.

و «ثمّ» تحتمل التراخي في الوقت ، والتراخي في الرتبة ، أي : لكم فيها منافع دنيويّة إلى وقت النحر ، وبعده منافع دينيّة أعظم منها. وهو على القولين الأولين إمّا متّصل بحديث الأنعام ، والضمير فيه لها. أو المراد على الأول : لكم فيها منافع دينيّة تنتفعون بها إلى أجل مسمّى هو الموت ، ثم محلّها منتهية إلى البيت العتيق الّذي ترفع إليه الأعمال ، أو يكون فيه ثوابها ، وهو البيت المعمور أو الجنّة. وعلى الثّاني : لكم فيها منافع التجارات في الأسواق إلى وقت المراجعة ، ثمّ وقت الخروج منها منتهية إلى الكعبة بالإحلال بطواف الزيارة. ولا يخفى أنّ المعنى الأوّل أظهر وأنسب كما قلنا ،

__________________

(١) المكاس : استحطاط الثمن واستنقاصه في البيع.

(٢) أي : حلقة.

(٣) القباطيّ : ثياب من كتّان ، منسوبة إلى القبط. والواحدة : القبطيّة.

(٤) الجلال : للدابّة كالثوب للإنسان تصان به. والواحدة : الجلّ.

٣٩٢

فيكون المراد بشعائر الله الهدايا.

واعلم أنّ عند أصحابنا إن كان الهدي للحجّ فمحلّه منى ، وإن كان للعمرة المفردة فمحلّه مكّة قبالة الكعبة بالحزورة (١). وهذا القول ثابت بالروايات المأثورة عن أئمّتنا عليهم‌السلام.

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥))

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) ولكلّ أهل دين (جَعَلْنا مَنْسَكاً) شرعنا أن ينسكوا ، أي : يتعبّدوا ، أو يذبحوا لوجه الله. وقرأ حمزة والكسائي بالكسر ، أي : موضع نسك. (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) على النسائك دون غيره ، ويجعلوا نسيكتهم لوجه الله. وتعليل الجعل به للتنبيه على أنّ المقصود من المناسك تذكّر المعبود. (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) أي : عند ذبحها. وفيه تنبيه على أنّ القربان يجب أن يكون نعما.

(فَإِلهُكُمْ) فمعبودكم الّذي توجّهون إليه العبادة (إِلهٌ واحِدٌ) لا شريك له (فَلَهُ أَسْلِمُوا) أخلصوا له الذكر ، ولا تشوبوه بالإشراك (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) المتواضعين ، أو المخلصين ، فإنّ الإخبات صفتهم. وهو من الخبت ، وهو المطمئنّ من الأرض. وقيل : هم الّذين لا يظلمون ، وإذا ظلموا لم ينتصروا.

__________________

(١) الحزورة : كانت سوق مكّة ، وقد دخلت في المسجد لمّا زيد فيه. معجم البلدان ٢ : ٢٥٥.

٣٩٣

وفي الآية دلالة على أنّ الذبائح غير مختصّة بهذه الأمّة ، وأنّ التسمية على الذبح كانت مشروعة قبلنا.

ثمّ وصف المخبتين بقوله : (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ) إذا خوّفوا بالله (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) هيبة منه ، لإشراق اشعّة جلاله على قلوبهم (وَالصَّابِرِينَ) وبشّرهم (عَلى ما أَصابَهُمْ) من التكاليف في طاعة الله ، وسائر المصائب والنوائب (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) في أوقاتها ، كما أمر الله تعالى بها (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) في وجوه الخير.

(وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦))

ثمّ عاد إلى ذكر الشعائر بقوله : (وَالْبُدْنَ) جمع بدنة ، كخشب وخشبة. وأصله الضمّ من : بدن بدانة. سمّيت بها الإبل ، لعظم بدنها. وانتصابه بفعل يفسّره (جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) من أعلام الشريعة الّتي شرعها الله تعالى. وإضافته إلى اسمه تعظيم لها.

و «من» متعلّقة بفعل محذوف ، أي : جعلنا لكم وجعلناها من شعائر الله.

(لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) أي : منافع دينيّة ودنيويّة ، كقوله تعالى : (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ) (١) (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها) أي : في حال نحرها. قال ابن عبّاس : بأن تقول عند ذبحها : الله أكبر لا إله إلّا الله والله أكبر ، اللهمّ منك وإليك. (صَوافَ) قائمات قد صففن ايديهنّ وأرجلهنّ ، وربطت اليدان من كلّ واحد منها ما بين الرسغ (٢) إلى الركبة.

__________________

(١) الحجّ : ٣٣.

(٢) الرسغ : الموضع المستدقّ بين الحافر وموصل الوظيف من اليد والرجل. والمفصل ما بين الساعد والكفّ أو الساق والقدم. ومثل ذلك من الدابّة.

٣٩٤

(فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) سقطت على الأرض. من : وجب الحائط وجبة إذا سقط.

ووجبت الشمس وجبة : غربت. ووجوب الجنوب فيها كناية عن تمام خروج الروح منها.

(فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ) الراضي بما عنده ، وبما يعطي من غير مسألة (وَالْمُعْتَرَّ) والمتعرّض للسؤال. وعن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «القانع : الّذي يسأل فيرضى بما أعطي ، والمعتر : الّذي يعتري ولا يسأل».

والأمر في الثلاثة للوجوب في حجّ التمتّع عندنا ، لقول الصادق عليه‌السلام : «إذا ذبحت ونحرت فكل وأطعم ، كما قال الله تعالى : (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)».

(كَذلِكَ) مثل ما وصفناه من نحرها قياما (سَخَّرْناها لَكُمْ) مع عظمها وقوّتها ، حتّى تأخذوها منقادة ، فتعقلوها وتحبسوها صافّة قوائمها ، ثمّ تطعنون في لبّاتها (١).

ولو لا تسخير الله لم تطق ، ولم تكن بأعجز من بعض الوحوش الّتي هي أصغر منها جرما وأقلّ قوّة. (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) إنعامنا عليكم بالتقرّب والإخلاص.

(لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧))

قيل : كان أهل الجاهليّة إذا ذبحوا القرابين لطخوا الكعبة بدمائها للتقرّب ، فهمّ به المسلمون ، فنزلت : (لَنْ يَنالَ اللهَ) لن يصيب رضاه ، ولن يقع منه موقع القبول (لُحُومُها) المتصدّق بها (وَلا دِماؤُها) المهراقة بالنحر من حيث إنّها لحوم ودماء (وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) ولكن يصيبه ما يصحبه من تقوى قلوبكم الّتي تدعوكم إلى تعظيم أمر الله ، والتقرّب إليه والإخلاص له.

وتنقيح المعنى : لن يرضي المضحّون والمقرّبون ربّهم بهذه الأعمال إلّا بمراعاة نيّة

__________________

(١) اللّبّة : المنحر وموضع القلادة من الصدر. وجمعها : لبّات.

٣٩٥

الإخلاص ، وقصد الاحتفاظ بشرط التقوى في حلّ ما قرّب به ، وهي امتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه ، وإخراج ملك البدن من مال طيّب لا شبهة فيه ، عن سخاء نفس ، فإنّ الطبيعة شحيحة ، ومخالفتها من التقوى ، فإذا لم يراعوا ذلك لم تغن عنهم التضحية.

(كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ) كرّره تذكيرا للنعمة ، وتعليلا له بقوله : (لِتُكَبِّرُوا اللهَ) أي : لتعرفوا عظمته باقتداره على ما لا يقدر عليه غيره ، فتوحّدوه بالكبرياء. وقيل : هو التكبير عند الإحلال أو الذبح. (عَلى ما هَداكُمْ) أرشدكم إلى طريق تسخيرها ، وكيفيّة التقرّب بها. و «ما» تحتمل المصدريّة والخبريّة. و «على» متعلّقة بـ «تكبّروا» لتضمّنه معنى الشكر. (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) المخلصين فيما يأتونه ويذرونه.

(إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠))

ثمّ بيّن سبحانه دفع غائلة المشركين عن المؤمنين ، بشارة لهم بالنصر ، فقال : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) يمنعهم عن شرور الكفّار وأذيّاتهم ، وينصرهم عليهم. وقرأ نافع وابن عامر والكوفيّون : يدافع ، أي : يبالغ في الدفع مبالغة من يغالب فيه ، لأنّ فعل المغالب أقوى وأبلغ.

ثمّ جعل العلّة في اختصاص المؤمنين بدفعه عنهم ، ونصرته لهم ، بالجملة

٣٩٦

المستأنفة ، وهي قوله : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ) كأنّه قيل : لم خصّ المؤمنين بالنصرة والدفع. فأجيب : إنّ الله لا يحبّ كلّ خوّان ـ أي : كثير الخيانة ـ في أمانة الله. (كَفُورٍ) كثير الكفران لنعمه. وهم الكفرة الّذين يخونون الله بالإشراك ، والرسول بالإنكار والجحود والكفران ، ويتقرّبون إلى الأصنام بذبيحتهم ويعظّمونها ، ويكفرون نعم الله ، فلا يرتضي فعلهم ولا ينصرهم.

ثمّ بيّن إذنه لهم في قتال الكفّار بعد تقدّم بشارتهم بالدفع عنهم ، فقال : (أُذِنَ) أي : رخّص. وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي على البناء للفاعل ، أي : أذن الله.

(لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) المشركين. حذف المأذون فيه ـ وهو القتال ـ لدلالة «يقاتلون» عليه.

وقرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح التاء ، أي : للّذين يقاتلهم المشركون. (بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) بسبب كونهم مظلومين.

وهم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. كان المشركون يؤذونهم ، ولا يزال يجيء مشجوج ومضروب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتظلّم إليه ، فيقول لهم : اصبروا فإنّي لم أؤمر بالقتال حتّى هاجر ، فأنزلت.

وفي أوّل آية نزلت في القتال بعد ما نهي عنه في نيّف (١) وسبعين آية.

ثمّ صرّح بالوعد لهم بالنصر ، كما وعد بدفع أذى الكفّار عنهم ، فقال : (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) سيغلبهم ويقهرهم على أعدائهم.

ثمّ بيّن علّة إذن القتال ، فقال : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) يعني : مكّة (بِغَيْرِ حَقٍ) بغير موجب استحقّوه به. وعن أبي جعفر عليه‌السلام : «نزلت في المهاجرين ، وجرت في آل محمّد الّذين أخرجوا من ديارهم وأخيفوا».

(إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) في محلّ الجرّ على الإبدال من «حقّ» أي : بغير موجب سوى التوحيد الّذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين ، لا موجب الإخراج.

__________________

(١) في هامش النسخة الخطّية : «النيّف مثقّل ، في قولهم : مائة ونيّف. قال أبو زيد : كلّ ما بين عقدين نيّف. منه».

٣٩٧

والتسيير ومثله : (هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ) (١). وهذا استثناء متّصل على طريقة قول النابغة (٢) :

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

بهنّ فلول من قراع الكتائب

وقيل : منقطع.

(وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ) قرأ نافع : دفاع الله (النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) بتسليط المؤمنين منهم على الكافرين بالمجاهدة (لَهُدِّمَتْ) لخرّبت باستيلاء المشركين على أهل الملل. وقرأ نافع وابن كثير : لهدمت بالتخفيف. (صَوامِعُ) صوامع الرهبان (وَبِيَعٌ) وبيع النصارى (وَصَلَواتٌ) وكنائس اليهود. سمّيت بها لأنّها يصلّى فيها. وقيل : هي كلمة معرّبة ، أصلها بالعبرانيّة : صلوتا. (وَمَساجِدُ) ومساجد المسلمين (يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً) صفة للأربع ، أو لـ «مساجد» خصّت بها تفضيلا.

والمعنى : لو لا دفع الله ذلك لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمنتهم ، وعلى متعبّداتهم فهدّموها ، ولم يتركوا للنصارى بيعا ، ولا لرهبانهم صوامع ، ولا لليهود صلوات ، ولا للمسلمين مساجد. أو لغلب المشركون في أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المسلمين ، وعلى أهل الكتاب الّذين في ذمّتهم ، وهدّموا متعبّدات الفريقين.

(وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) من ينصر دينه وأولياءه. وهو إخبار من الله عزوجل بظهر الغيب عمّا سيكون. وقد أنجز وعده ، بأن سلّط المهاجرين والأنصار على صناديد العرب ، وأكابر أكاسرة العجم وقياصرتهم ، وأورثهم أرضهم وديارهم. (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ) على نصرهم (عَزِيزٌ) لا يمانعه شيء.

__________________

(١) المائدة : ٥٩.

(٢) ديوان النابغة (طبعة دار صادر) : ١١.

٣٩٨

(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١))

ثمّ وصف المهاجرين المخرجين من ديارهم بقوله : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) لو أعطيناهم في الدنيا كمال المكنة والاقتدار ، والتسلّط في القيام بأمور الدين (أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) أي : ولأقدموا على أنواع طاعتنا البدنيّة والماليّة ، وأمروا عبادنا بأوامرنا ، ونهوهم عمّا نهينا عنه. قيل : الموصول مع الصلة منصوب بدل من «من ينصره». والظاهر أنّه مجرور تابع لـ «الّذين أخرجوا». وعن الباقر عليه‌السلام : «نحن هم والله».

ثمّ أكّد ما وعده من إظهار أوليائه ، وإعلاء كلمتهم ، بقوله : (وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) فإنّ مرجعها إلى حكمه.

(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥))

ثمّ خوّف مكذّبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذكر من كذّبوا أنبياءهم فأهلكوا ، فقال : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ مَدْيَنَ) رسلهم وفيه أيضا تسلية لرسوله ، كأنّه قال : إنّ قومك إن كذّبوك فأنت ليس بأوحديّ في التكذيب ، فإنّ هؤلاء قد كذّبوا رسلهم قبل قومك ، فكفاك بهم أسوة.

٣٩٩

(وَكُذِّبَ مُوسى) غيّر فيه النظم ، وبنى الفعل للمفعول ، لأنّ قومه بنو إسرائيل ولم يكذّبوه ، وإنّما كذّبه القبط. ولأنّ تكذيبه كان اشنع ، لأنّ آياته كانت أعظم وأشيع.

(فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) فأمهلتهم حتّى انصرمت آجالهم المقدّرة. يقال : أملى الله لفلان في العمر ، إذا أخّر عنه أجله. (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) إنكاري عليهم بتغيير النعمة محنة ، والحياة هلاكا ، والعمارة خرابا. والاستفهام للتقرير.

ثمّ بيّن كيفيّة تعذيب المكذّبين بقوله : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) بإهلاك أهلها (وَهِيَ ظالِمَةٌ) أي : أهلها. في محلّ النصب على الحال. (فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) ساقطة ، من : خوى النجم إذا سقط. أو الخالي ، من : خوى المنزل إذا خلا من أهله. وخوى بطن الحامل. والعرش : كلّ ما أظلّك من سقف بيت أو خيمة أو ظلّة أو كرم.

والجملة معطوفة على «أهلكناها». و «على» إمّا متعلّق بـ «خاوية». فيكون المعنى : أنّها ساقطة حيطانها على سقوفها ، بأن تعطّل بنيانها فخرّت سقوفها ثم انهدمت حيطانها ، فسقطت فوق السقوف. أو خالية مع بقاء عروشها وسلامتها. فـ «على» تكون بمعنى مع ، وإما خبر بعد خبر ، كأنّه قيل : هي خالية وهي على عروشها ، أي : مطلّة على عروشها ، بأن سقطت إلى الأرض فصارت في قرار الحيطان ، وبقيت الحيطان مائلة مشرفة عليها.

ولا يجوز أن تكون الجملة معطوفة على (وَهِيَ ظالِمَةٌ) ، لأنّها حال ، والإهلاك ليس حال خوائها. فلا محلّ لها إن نصبت «كأيّن» بمقدّر يفسّره أهلكناها ، وإن رفعته بالابتداء فمحلّها الرفع.

(وَبِئْرٍ) عطف على قرية ، أي : وكم من بئر عامرة في البوادي ، فيها الماء الغزير ، ومعها آلات الاستقاء (مُعَطَّلَةٍ) عطّلت وتركت لا يستقى منها ، لهلاك أهلها (وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) مجصّص ، من الشيد بمعنى الجصّ. أو مرفوع البنيان ، من : شاد بمعنى : ارتفع.

والمعنى : كم من قرية أهلكناها؟ وكم بئر عطّلنا عن سقاتها؟ وكم قصر مشيد أخليناه عن

٤٠٠