زبدة التّفاسير - ج ٤

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٤

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-06-X
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٠٨

ساكنيه؟ فترك ذلك لدلالة «معطّلة» عليه.

وروي : أنّ هذه بئر نزل عليها صالح عليه‌السلام مع أربعة آلاف نفر ممّن آمن به ، ونجّاهم الله من العذاب. وهي بحضرموت. وإنّما سمّيت بذلك ، لأنّ صالحا حين حضرها مات.

وقيل : بئر في سفح جبل بحضرموت ، وقصر مشرف على قلّته.

وقيل : بلدة عند البئر اسمها : حاضوراء ، بناها قوم صالح ، وأمّروا عليهم جلهس بن جلّاس ، وأقاموا بها زمانا ، ثمّ كفروا وعبدوا صنما ، وأرسل الله إليهم حنظلة بن صفوان نبيّا فقتلوه ، فأهلكهم الله ، وعطّل بئرهم ، وخرّب قصورهم.

وقيل : أصحاب الآبار ملوك البدو ، وأصحاب القصور ملوك الحضر.

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦))

ثمّ حثّ سبحانه على الاعتبار بمصارع من أهلكهم الله من الكفّار الّذين كذّبوا رسلهم ، فقال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أفلم يسافروا فيها ليروا مصارع المهلكين فيعتبروا؟ وهم وإن كانوا سافروا ، لكن لم يسافروا على وجه الاعتبار والتأمّل. ويحتمل أنّهم لم يسافروا ، فحثّوا على السفر ليروا مصارع من أهلكهم الله بكفرهم ، ويشاهدوا آثارهم فيعتبروا.

(فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) ما يجب أن يعقل من التوحيد ، بما حصل لهم من الاستبصار ، والاستدلال بما نزل على من أشرك قبلهم (أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) ما يجب أن يسمع من الوحي والتذكير بحال من شاهدوا آثارهم.

(فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) الضمير للقصّة. أو مبهم يفسّره «الأبصار». وفي «تعمى» راجع إليه. والمعنى : فإنّ إبصارهم صحيحة سالمة لا عمى بها. (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) عن الاعتبار ، أي : ليس الخلل في مشاعرهم ، وإنّما إيفت عقولهم باتّباع الهوى ، والانهماك في التقليد. وذكر الصدور للتأكيد ، ونفي التجوّز ، كقوله :

٤٠١

(يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) (١) ، وقوله : (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) (٢). وفضل التنبيه على أنّ العمى الحقيقي مكانه القلب ، لا المتعارف الّذي هو البصر.

وتوضيحه : أنّ الّذي قد تعورف واعتقد أنّ العمى على الحقيقة مكانه البصر ، وهو أن تصاب الحدقة بما يطمس نورها ، واستعماله في القلوب استعارة ومثل. فلمّا أريد إثبات ما هو خلاف المعتقد من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة ونفيه عن الأبصار ، احتاج هذا التصوير إلى زيادة تعيين وفضل تعريف ، ليتقرّر أن مكان العمى حقيقة هو القلوب في الصدور لا الإبصار ، كما تقول : ليس المضاء للسيف ، ولكنّه للسانك الّذي بين فكّيك.

فقولك : «الّذي بين فكّيك» تقرير لما ادّعيته للسانه وتثبيت ، لأنّ محلّ المضاء هو هو لا غير.

روي : أنّه لمّا نزلت : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) (٣) ، قال ابن أمّ مكتوم : يا رسول الله إنّما أنا في الدنيا أعمى ، أفأكون في الآخرة أعمى؟ فنزلت : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).

(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧))

ثمّ أنكر استعجالهم بالعذاب المتوعّد به عاجلا أو آجلا ، فقال : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) المتوعّد به (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) لامتناع الخلف في خبره ، فيصيبهم ما أوعدهم به ولو بعد حين ، لكنّه صبور حليم لا يعجل بالعقوبة.

ثمّ بيّن تناهي صبره ، وتأنّيه في أموره ، فقال استقصارا للمدد الطوال : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) يعني : من حلمه ووقاره ، واستقصاره المدد الطوال ، أنّ

__________________

(١) آل عمران : ١٦٧.

(٢) الأنعام : ٣٨.

(٣) الإسراء : ٧٢.

٤٠٢

يوما واحدا عنده كألف سنة عندكم.

وقيل : معناه : كيف يستعجلون بعذاب من يوم واحد من أيّام عذابه في طول ألف سنة من سنّيكم؟ من حيث إنّ اليوم الواحد لشدّة عذابه كألف سنة من سنيّ العذاب. وقرأ ابن كثير والكسائي وحمزة بالياء.

(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨))

ثمّ نبّه سبحانه على أنّ الإملاء والإهمال لا يمنعهم من العذاب ، كما لا يمنع الأمم السالفة منه ، فقال : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) وكم من أهل قرية. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه في الإعراب ورجع الضمائر والأحكام ، مبالغة في التعميم والتهويل.

وإنّما عطف الأولى بالفاء وهذه بالواو ، لأنّ الأولى بدل من قوله : (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) ، وهذه حكمها حكم ما تقدّمها من الجملتين المعطوفتين بالواو ، أعني : قوله : (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) وإنّ يوما عند ربّك كألف سنة لبيان أن المتوعّد به يحيق بهم لا محالة ، وأنّ تأخيره لعادته تعالى. والمعنى : وكم من أهل قرية كانوا مثلكم ظالمين.

(أَمْلَيْتُ لَها) أنظرتهم حينا كما أمهلتكم (وَهِيَ ظالِمَةٌ) وهم ظالمون مثلكم (ثُمَّ أَخَذْتُها) أخذتهم بالعذاب (وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) وإلى حكمي مرجع الجميع.

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١))

ثمّ خاطب سبحانه نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (قُلْ) لهم (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي : أوضح لكم ما أنذركم به. والاقتصار على الإنذار مع عموم الخطاب ـ الّذي

٤٠٣

يقتضي أن يقال : إنّما أنا لكم بشير ونذير ، لذكر الفريقين بعده ـ لأنّ صدر الكلام ومساقه للمشركين ، وإنّما ذكر المؤمنين وثوابهم زيادة في غيظهم.

(فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) من السيّئات (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) هي الجنّة ، فإنّها أكرم نعيم. والكريم من كلّ نوع ما يجمع فضائله.

(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا) أي : بذلوا الجهد في إبطال آياتنا وردّها. وأصل السعي الإسراع في المشي. (مُعاجِزِينَ) مسابقين. من : عاجزه إذا سابقه ، لأنّ كلّ واحد منهما في طلب إعجاز الآخر عن اللحاق به ، فإذا سبقه قيل : أعجزه وعجزه. والمعنى : سعوا في معناها بالفساد ، من الطعن فيها حيث سمّوها سحرا وشعرا وأساطير الأوّلين ، ومن تثبيط الناس عنها سابقين أو مسابقين في زعمهم ، وتقديرهم طامعين أنّ كيدهم للإسلام يتمّ لهم. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : معجزين.

(أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) النار الموقدة. وقيل : اسم دركة.

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥))

٤٠٤

روي عن ابن عبّاس وغيره : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا تلا سورة والنجم وبلغ إلى قوله : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (١) ألقى الشيطان في تلاوته : تلك الغرانيق (٢) العلى ، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى. فسرّ بذلك المشركون. فلمّا انتهى إلى السجدة سجد المسلمون ، وسجد أيضا المشركون لمّا سمعوا من ذكر آلهتهم بما أعجبهم.

فهذا الخبر إن صحّ فمحمول على أنّه كان يتلو القرآن ، فلمّا بلغ هذا الموضع ، وذكر أسماء آلهتهم ، وقد علموا من عادته أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعيبها ، قال بعض الحاضرين من الكافرين : تلك الغرانيق العلى ، وألقى ذلك في تلاوته يوهم أنّ ذلك من القرآن ، فأضافه سبحانه إلى الشيطان ، لأنّه إنّما حصل بإغوائه ووسوسته.

وهذا أورده المرتضى قدّس روحه في كتاب التنزيه (٣). وهو قول الناصر للحقّ من أئمّة الزيديّة. وهو وجه حسن في التأويل.

فأنزل الله سبحانه في ذلك : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) الرسول : من بعثه الله بشريعة مجدّدة يدعو الناس إليها. والنبيّ يعمّه ومن بعثه لتقرير شرع سابق ، كأنبياء بني إسرائيل الّذين كانوا بين موسى وعيسى عليه‌السلام. ولذلك شبّه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علماء أمّته بهم ، وقال : «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل».

فالنبيّ أعمّ من الرسول. ويدلّ عليه أيضا أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن الأنبياء ، فقال : «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. قيل : فكم الرسل منهم؟ قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر جمّا غفيرا».

وقيل : الرسول من جمع إلى المعجزة كتابا منزلا عليه. والنبيّ من لا كتاب له.

وقيل : الرسول من يأتيه الملك بالوحي. والنبيّ يقال له ولمن يوحى إليه في المنام.

__________________

(١) النجم : ١٩ ـ ٢٠.

(٢) الغرنوق : الشابّ الأبيض الجميل. وجمعه : غرانيق.

(٣) تنزيه الأنبياء : ١٠٨.

٤٠٥

(إِلَّا إِذا تَمَنَّى) إذا تلا ما يؤدّيه إلى قومه ، فإنّ التمنّي بمعنى التلاوة ، كما قال حسّان بن ثابت :

تمنّى كتاب الله أوّل ليلة

وآخره لاقى حمام المقادر

وفي رواية أخرى :

تمنّى كتاب الله أوّل ليلة

تمنّي داود الزبور على رسل

(أَلْقَى الشَّيْطانُ) أي : زاد عليه بعض المشركين ـ الّذين هم بمنزلة الشيطان ـ الكلمات الباطلة والأقوال المضلّة (فِي أُمْنِيَّتِهِ) في تلاوته ليوهموا أنها من جملة الوحي. ولمّا وقع ذلك منهم بغرور الشيطان أسند إليه (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) فيزيله ويدحضه بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان وترك استماع غروره. وخرج هذا على وجه التسلية للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا كذب المشركون عليه ، وأضافوا إلى تلاوته من مدح آلهتهم ما لم يكن فيها.

وعن مجاهد : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا تأخّر عنه الوحي تمنّى أن ينزل عليه ، فيلقي الشيطان في أمنيّته بأنّ الوحي يمكن أن ينقطع.

وعلى هذا ، فالمعنى : إذا تمنّى بقلبه ما يتمنّاه من الأمور ، وسوس إليه الشيطان ويدعوه إلى الباطل.

وقال صاحب المجمع بعد نقل الرواية المذكورة عن ابن عبّاس : «وقد جاء في بعض الأحاديث أنّه صدر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تلك الغرانيق العلى ، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى» وأراد بذلك الملائكة ، فتوهّم المشركون أنّه يريد آلهتهم.

وقيل : إنّ ذلك كان قرآنا منزلا في وصف الملائكة ، فلمّا ظنّ المشركون أنّ المراد به آلهتهم ، نسخت تلاوته.

وقال البلخي : يجوز أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمع هاتين الكلمتين من قومه وحفظهما ، فلمّا قرأها ألقاها الشيطان في ذكره ، فكاد أن يجريهما على لسانه ، فعصمه الله ونبّهه ، ونسخ وسواس الشيطان وأحكم آياته ، بأن قرأها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محكمة سليمة ممّا أراد الشيطان.

٤٠٦

ويجوز أن يكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا انتهى إلى ذكر اللّات والعزّى ، قال الشيطان هاتين الكلمتين رافعا بهما صوته ، فألقاهما في تلاوته في مجمع الناس ، فظنّ الجهّال أنّ ذلك من قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسجدوا عند ذلك» (١).

وهذا الوجه مردود بأنّه يخلّ بالوثوق على القرآن. ولا يندفع بقوله : (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ).

(ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) لأنّه أيضا يحتمله.

والغرانيق : جمع غرنوق ، وهو الحسن الجميل. يقال : شابّ غرنوق ، إذا كان ممتلئا ريّا.

ويدلّ على أنّ الملقى أمر ظاهر عرفه المحقّ والمبطل ، لا محض الوسوسة ، قوله : (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً). ابتلاء وامتحانا ، أي : تشديدا في التعبّد (لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شكّ ، ونفاق (وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) المشركين. يعني : ليشدّد التكليف على الّذين في قلوبهم شكّ ، وعلى الّذين قست قلوبهم من الكفّار ، فيلزمهم التمييز بين ما يحكمه الله ، وبين ما يلقيه الشيطان ، بالأدلّة المستنبطة عن دقائق الفكر ولطائف التأمّل.

(وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) يعني : هؤلاء المنافقين والمشركين. فوضع الظاهر موضع ضمير «هم» قضاء عليهم بالظلم. (لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) عن الحقّ ، أو عن الرسول والمؤمنين.

(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) بالله وبتوحيده وبحكمته (أَنَّهُ الْحَقُ) أنّ القرآن هو الحقّ (مِنْ رَبِّكَ) النازل من عند الله ، ولا يجوز عليه التبديل والتغيير. أو تمكين الشيطان من الإلقاء هو الحقّ من ربّك والحكمة.

(فَيُؤْمِنُوا بِهِ) فيصدّقوا به ، أو يثبتوا على إيمانهم به (فَتُخْبِتَ) فتطمئنّ (لَهُ قُلُوبُهُمْ) بالانقياد والخشية (وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا) فيما أشكل

__________________

(١) مجمع البيان ٧ : ٩١ ـ ٩٢.

٤٠٧

(إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) إلى أن يتأوّلوا ما يتشابه في الدين بالتأويلات الصحيحة بوسيلة النظر الصحيح ، ويطلبوا لما أشكل منه المحمل الّذي تقتضيه الأصول المحكمة والقوانين الممهّدة ، لئلّا تعتريهم شبهة ، ولا تخالجهم مرية ، ولا تزلّ أقدامهم.

(وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ) في شكّ (مِنْهُ) من القرآن ، أو الرسول ، أو ممّا ألقى الشيطان في أمنيّته. يقولون : ما باله ذكرها بخير ثمّ ارتدّ عنها؟ (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ) القيامة ، أو أشراطها ، أو القيامة الصغرى ، وهي الموت (بَغْتَةً) فجأة (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) يوم حرب ، كيوم بدر. سمّي به ، لأنّ أولاد النساء يقتلون فيه ، فيصرن كأنّهنّ لم يلدن. أو لأنّ المقاتلين أبناء الحرب ، فإذا قتلوا صارت عقيما ، فوصف اليوم بوصفها تجوّزا. أو لأنّه لا خير لهم فيه. ومنه : الريح العقيم لما لم تنشئ مطرا ولم تلقح شجرا. أو لأنّه لا مثل له في عظم أمره ، لقتال الملائكة فيه. أو يوم القيامة ، على أنّ المراد بالساعة الموت أو أشراطها. أو على وضعه موضع ضميرها للتهويل. كأنّه قيل : تأتيهم الساعة أو يأتيهم عذابها.

(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٥٧) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩))

ولمّا تقدّم ذكر القيامة بيّن صفتها ، فقال : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) التنوين فيه ينوب عن الجملة الّتي دلّت عليها الغاية ، أي : الملك يوم تزول مريتهم لا يملك أحد سواه شيئا ،

٤٠٨

بخلاف ظاهر الحياة الدنيا (يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) يفصل بين المؤمنين والكافرين.

ثمّ بيّن تفصيل حكمه فيها بقوله : (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) يتنعّمون فيها (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) يهينهم ويذلّهم. أدخل الفاء في الخبر الثاني دون الأوّل ، لينبّه على أنّه يثيب المؤمنين زيادة على قدر عملهم بمراتب تفضّلا منه ، وأنّ عقاب الكفّار مسبّب عن أعمالهم وعلى وفقها لا أزيد. ولذلك قال : «لهم عذاب» ولم يقل : هم في عذاب.

روي : أنّ بعض الصحابة حين رأوا الّذين استشهدوا في سبيل الله قالوا : يا رسول الله هؤلاء الّذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله من الخير في جنّات النعيم ، ونحن نجاهد معك كما جاهدوا ، فما لنا إن متنا؟ فنزلت : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا) في الجهاد (أَوْ ماتُوا) في الغربة حتف أنفهم (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) الجنّة ونعيمها.

فسوّى بين من قتل في الجهاد ، وبين من مات حتف أنفه في الوعد ، لاستوائهما في القصد وأصل العمل. والرزق الحسن : ما إذا رآه لا تمتدّ عينه إلى غيره. وهذا لا يقدر عليه غير الله تعالى ، ولذلك قال : (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) فإنّه يرزق بغير حساب.

(لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ) هو الجنّة ، فيها ما يحبّونه ، فإنّ فيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين. والمدخل يجوز أن يكون بمعنى المكان ، وبمعنى المصدر.

(وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ) بدرجات العاملين ، أو بأحوالهم وأحوال معادهم ومراتب استحقاقهم (حَلِيمٌ) لا يعاجل بعقوبة أعدائهم.

(ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ

٤٠٩

وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢))

(ذلِكَ) الأمر ذلك الّذي قصصنا عليك. روي : أنّ جماعة من مشركي مكّة لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرّم ، فقالوا : إنّ أصحاب محمّد لا يقاتلون في هذا الشهر ، فحملوا عليهم. فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام ، فأبوا ، فأظهر الله المسلمين عليهم ، فنزلت : (وَمَنْ عاقَبَ) أي : جازى الظالم (بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) بمثل ما ظلمه ، ولم يزد في الاقتصاص. وإنّما سمّى الابتداء بالعقاب ـ الّذي هو الجزاء ـ للمزاوجة ، أو لملابسته له ، من حيث إنّه سبب وذاك مسبّب عنه ، كما يحملون النظير على النظير ، والنقيض على النقيض للملابسة.

(ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ) على المجازي بمعاودة الظالم على عقوبته (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) لينصرنّ المظلوم الّذي بغي عليه لا محالة (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) للمنتصر حيث اتّبع هواه في الانتقام ، وحرّم نفسه عمّا يوجبه العفو من المدح عند الله ، وأعرض عمّا ندب إليه بقوله : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١). ولم ينظر إلى قوله : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (٢). (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (٣).

وفيه تعريض بالحثّ على العفو والمغفرة ، فإنّه تعالى مع كمال قدرته وعلوّ شأنه لمّا كان يعفو ويغفر ، فغيره بذلك أولى. وتنبيه على أنّه قادر على العقوبة ، إذ لا يوصف بالعفو إلّا القادر على ضدّه.

__________________

(١ ، ٢) الشورى : ٤٣ و ٤٠.

(٣) البقرة : ٢٣٧.

٤١٠

(ذلِكَ) أي : ذلك النصر (بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) بسبب أنّ الله قادر على تغليب الأمور بعضها على بعض ، جار عادته على المداولة بين الأشياء المتعاندة على وفق حكمته. ومن ذلك إيلاج أحد الملوين (١) في الآخر ، بأن يزيد فيه ما ينقص منه ، أو بتحصيل ظلمة الليل في مكان ضوء النهار بتغييب الشمس ، وعكس ذلك باطلاعها. أو بسبب أنّه خالق الليل والنهار ومصرّفهما ، فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشرّ والبغي والإنصاف ، فيجازيهم وفق أعمالهم. (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لما يقولون (بَصِيرٌ) بما يفعلون.

(ذلِكَ) أي : ذلك الوصف بكمال القدرة والعلم. أو الوصف بخلق الليل والنهار ، والإحاطة بما يجري فيهما ، وإدراك كلّ قول وفعل. (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) الثابت في نفسه ، الواجب لذاته وحده ، فإنّ وجوب وجوده ووحدته يقتضيان أن يكون مبدأ لكلّ ما يوجد سواه ، عالما بذاته وبما عداه ، قادرا على كلّ ما يشاء. أو الثابت الالهيّة بالذات ، ولا يصلح لها إلّا من كان قادرا عالما بالذات.

(وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) إلها. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو بكر بالتاء ، على مخاطبة المشركين. (هُوَ الْباطِلُ) هو المعدوم في حدّ ذاته ، أو باطل الألوهيّة (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُ) على الأشياء (الْكَبِيرُ) عن أن يكون له شريك ، ولا شيء أعلى منه شأنا وأكبر سلطانا.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٦٥) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (٦٦))

__________________

(١) الملوان : الليل والنهار. والواحد : ملا.

٤١١

ثمّ بيّن قدرته بالدلالة الواضحة ، فقال : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) استفهام تقرير ، ولذا رفع قوله : (فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) عطفا على «أنزل» ، إذ لو نصب جوابا لدلّ على نفي الاخضرار ، والمقصود إثباته بالنبات لا نفيه ، كما تقول لصاحبك : ألم تر أنّي أنعمت عليك فتشكر ، إن نصبته فأنت ناف لشكره شاك تفريطه فيه ، وإن رفعته فأنت مثبت للشكر. وإنّما عدل عن صيغة الماضي ، للدلالة على بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان ، كما تقول : أنعم عليّ فلان عام كذا ، فأروح وأغدو شاكرا له. فلو قلت : فرحت وغدوت ، لم يقع ذلك الموقع.

(إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) يصل علمه أو لطفه إلى كلّ ما جلّ ودقّ (خَبِيرٌ) بالتدابير الظاهرة والمصالح الباطنة.

(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) له التصرّف في جميع ذلك خلقا وملكا (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُ) في ذاته عن كلّ شيء (الْحَمِيدُ) المستوجب للحمد بصفاته وأفعاله.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) من الحيوانات والجمادات ، وجعلها معدّة لمنافعكم (وَالْفُلْكَ) عطف على «ما» أو على اسم «أنّ» (تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) حال منها أو خبر.

٤١٢

(وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ) من أن تقع ، أو كراهة أن تقع (عَلَى الْأَرْضِ) بأن خلقها على صورة متداعية إلى الاستمساك (إِلَّا بِإِذْنِهِ) إلّا بمشيئته. وذلك يوم القيامة.

وفيه ردّ لاستمساكها بذاتها ، فإنّها مساوية لسائر الأجسام في الجسميّة ، فتكون قابلة للميل الهابط كقبول غيرها.

(إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) حيث هيّأ لهم أسباب الاستدلال ، وفتح عليهم أبواب المنافع ، ودفع عنهم أنواع المضارّ.

(وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ) بعد أن كنتم جمادا عناصر ونطفا وعلقا ومضغا (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انتهاء آجالكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) في الآخرة للجزاء. وفيه بيان أنّ من قدر على ابتداء الإحياء ، قدر على إعادتهم. (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) لجحود لما أفاض عليه من ضروب النعم مع ظهورها.

(لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (٦٧) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (٦٨) اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧٠))

ثمّ نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أن يلتفت إلى قول الكفّار الجاحدين المعاندين ، وتمكينهم من أن ينازعوه ، فقال : (لِكُلِّ أُمَّةٍ) أهل دين (جَعَلْنا مَنْسَكاً) متعبّدا ، أو شريعة تعبّدوا بها. وقيل : هو موضع قربان. (هُمْ ناسِكُوهُ) ينسكونه ويتعبّدون به. (فَلا

٤١٣

يُنازِعُنَّكَ) سائر أرباب الملل (فِي الْأَمْرِ) في أمر الدين ، أو النسائك. يعني : لا تلتفت إلى قولهم ، ولا تمكّنهم من أن يناظروك ، لأنّ مناظرتهم مؤدّية إلى نزاعهم ، فإنّها إنّما تنفع طالب الحقّ ، وهؤلاء أهل مراء وعناد وجهالة. وهذا كقولك : لا يضاربنّك زيد ، أي : لا تضاربه. وهذا إنّما يجوز في أفعال المغالبة للتلازم.

وقيل : هذا زجر عن التعريض لرسول الله بالمنازعة في الدين ، لأنّهم جهّال وأهل عناد ، أو لأنّ أمر الإسلام أظهر من أن يقبل النزاع. وترك واو العطف في صدر الآية ، وذكرها في نظيرها ، وهو قوله : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) (١) لأنّ نظيرها وقعت مع ما يدانيها ويناسبها من الآي الواردة في أمر النسائك ، فعطفت على أخواتها ، بخلاف هذه الآية.

وقيل : نزلت في بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان الخزاعيّين وغيرهما ، فإنّهم قالوا للمسلمين : ما لكم تأكلون ما قتلتم ، ولا تأكلون ما قتله الله؟ يعنون الميتة.

وقيل : معنى الآية : أنّه ليس لهم أن ينازعوك في شريعتهم ، لأنّها قد نسخت شريعتك الشرائع المتقدّمة.

وفيها زيادة التثبيت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يهيّج حميّته الدينيّة ، ويلهب غضبه لله ولدينه. ومنه قوله تعالى : (وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ ... وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٢). (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) (٣). وهيهات هيهات أن ترتع همّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حول ذلك الحمى ، ولكنّه وارد على إرادة التهييج.

(وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) إلى توحيده وعبادته (إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) طريق سويّ إلى الحقّ.

(وَإِنْ جادَلُوكَ) خاصموك في أمر الذبيحة وغيرها من أمور الدين على سبيل

__________________

(١) الحجّ : ٣٤.

(٢ ، ٣) القصص : ٨٧ ، ٨٦.

٤١٤

المراء والتعنّت ، بعد ظهور الحقّ بالحجج البيّنة والأدلّة الباهرة ، فلا تجادلهم على هذا الوجه (فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) من المجادلة الباطلة وغيرها ، فيجازيكم عليها. وهو وعيد وإنذار لكن برفق ولين.

(اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) يفصل بين المؤمنين منكم والكافرين بالثواب والعقاب (يَوْمَ الْقِيامَةِ) كما فصّل في الدنيا بالحجج والآيات (فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) من أمر الدين.

(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) من قليل وكثير ، أي : كيف تخفى عليه أعمالهم ، وقد علمت بالدليل الواضح أنّه سبحانه يعلم كلّ ما يحدث في السماء والأرض ، ولا يخفى عليه شيء منهما؟! (إِنَّ ذلِكَ) ثبت (فِي كِتابٍ) هو اللوح ، أي : كتبه فيه قبل حدوثه ، فلا يهمنّك أمرهم مع علمنا به وحفظنا له.

(إِنَّ ذلِكَ) إنّ الإحاطة به وإثباته في اللوح ، أو الحكم بينكم (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) لأنّ علمه مقتضى ذاته المتعلّق بكلّ المعلومات على سواء.

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٧١) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٢))

ثمّ بيّن تقليد عبدة الأوثان بقوله : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) ما لم يتمسّكوا في صحّة عبادته ببرهان سماويّ من جهة الوحي والسمع (وَما

٤١٥

لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ) ولا ألجأهم إلى عبادته علم ضروريّ ، ولا حملهم عليها دليل عقلي (وَما لِلظَّالِمِينَ) وما للذّين ارتكبوا مثل هذا الظلم (مِنْ نَصِيرٍ) ناصر ينصرهم ويصوّب مذهبهم ، أو يدفع عنهم العذاب.

ثمّ أخبر عن شدّة عناد هؤلاء المقلّدين ، فقال : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) من القرآن (بَيِّناتٍ) واضحات الدلالة على العقائد الأصوليّة الحقّة ، والأحكام الفرعيّة الإلهيّة (تَعْرِفُ) يا محمّد (فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ) الفظيع من التهجّم والعبوس. أو الإنكار ، كالمكرم بمعنى الإكرام ، لفرط نكيرهم وغيظهم ، لأباطيل أخذوها تقليدا. وهذا منتهى الجهالة ، وللإشعار بذلك وضع «الّذين كفروا» موضع الضمير.

(يَكادُونَ يَسْطُونَ) يثبون من شدّة الغيظ وفرط الحقد ، ويبطشون (بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا) يقال : سطا عليه وسطا به ، إذا تناوله بالبطش.

(قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ) من غيظكم على التالين وسطوتكم عليهم. أو ممّا أصابكم من الضجر بسبب ما تلوا عليكم.

ثمّ فسّر ذلك بقوله : (النَّارُ) أي : هو النار. كأنّه جواب سائل قال : ما هو؟ فقيل : النار ، أي : هو النار. ويجوز أن يكون مبتدأ خبره (وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) النار. وعلى الأوّل استئناف كلام.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤))

٤١٦

ثمّ بيّن عجز الأصنام ، فقال خطابا لجميع المكلّفين : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ) للأصنام وعبدتها ، أي : بيّن لكم حال مستغربة أو قصّة رائعة ، ولذلك سمّاها مثلا (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) للمثل استماع تدبّر وتفكّر.

(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يعني : الأصنام. وكانت ثلاثمائة وستّين صنما حول الكعبة. وقرأ يعقوب وأبو عمرو وحفص وحمزة بالياء. والرّاجع إلى الموصول محذوف.

(لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) لا يقدرون على خلقه مع صغره ، لأنّ «لن» بما فيها من تأكيد النفي دالّة على أنّ خلق الذباب منهم مستحيل مناف لأحوالهم. كأنّه قال : محال أن يخلقوا الذباب. وهو من الذبّ ، لأنّه يذبّ. وجمعه أذبّة وذبّان.

(وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) هذا بجوابه المقدّر في موضع الحال جيء به للمبالغة ، أي : لا يقدرون على خلقه مجتمعين له متعاونين عليه ، فكيف إذا كانوا منفردين؟! هذا من أبلغ ما أنزله الله في تجهيل قريش واستركاك عقولهم ، والشهادة على أنّ الشيطان قد خزمهم (١) بخزائمه ، حيث وصفوا بالإلهيّة ـ الّتي تقتضي الاقتدار على المقدورات كلّها ، والإحاطة بالمعلومات عن آخرها ـ صورا وتماثيل يستحيل منها أن تقدر على أقلّ ما خلقه الله عزوجل ، وأذلّه وأصغره وأحقره ، ولو اجتمعوا لذلك وتساندوا.

(وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً) أي : وأدلّ من ذلك على عجزهم وانتفاء قدرتهم ، أنّ الذباب الّذي هو الخلق الأقلّ الأذلّ ، لو اختطف منهم شيئا ، فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه (لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) لا يقدرون على استنقاذه واستخلاصه منه.

قيل : كانوا يطلونها بالزعفران ورؤوسها بالعسل ويغلقون عليها الأبواب ، فيدخل الذباب من الكوى فيختلسه ويأكله.

__________________

(١) يقال : خزم أنف فلان ، أي : أذلّه وتسخّره. والخزامة : حلقة من شعر تجعل في وترة أنف البعير يشدّ فيها الزمام. وجمعها : خزائم.

٤١٧

(ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) ضعف الذباب الّذي يطلب ما يسلب عن الصنم من العسل والطيب ، وضعف الصنم الّذي يطلب الذباب منه السلب. أو ضعف الصنم أن يطلب الذباب ليستنقذ منه ما سلبه. ولو حقّقت وجدت الطالب أضعف بدرجات ، لأنّ الذباب حيوان ، وهو جماد ، وهو غالب ، وذاك مغلوب.

وقيل : معناه : ضعف عابد الصنم الّذي يطلب إليه التقرّب ، ومعبوده الّذي هو المطلوب إليه.

(ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ما عرفوه حقّ معرفته. أو ما عظّموه حقّ عظمته. أو ما وصفوه حقّ صفته ، حيث أشركوا به ، وسمّوا باسمه ما هو أبعد الأشياء عنه مناسبة.

(إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ) قادر على خلق الممكنات بأسرها (عَزِيزٌ) لا يغلبه شيء.

وآلهتهم الّتي يعبدونها عاجزة عن أقلّها ، مقهورة من أذلّها ، فكيف يتّخذونها آلهة شبيهة به؟!

(اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦))

ولمّا قرّر وحدانيّته في الألوهيّة ، ونفى أن يشاركه غيره في صفاتها ، بيّن أنّ له عبادا مصطفين للرسالة يتوسّل بإجابتهم ، والاقتداء بهم إلى عبادة الله سبحانه ، تقريرا للنبوّة ، وردّا لإنكار هم أن يكون الرسول من البشر ، وتزييفا لقولهم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (١). والملائكة بنات الله تعالى ، ونحو ذلك. فقال : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) يتوسّطون بينه وبين الأنبياء بالوحي (وَمِنَ النَّاسِ) يعني : الأنبياء ، يدعون سائرهم إلى الحقّ ، ويبلّغون إليهم ما نزل عليهم

__________________

(١) الزمر : ٣.

٤١٨

(إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) مدرك للأشياء كلّها من المسموعات والمبصرات.

ثمّ ذكر الله سبحانه أنّه عالم بأحوال المكلّفين من مضى منهم ومن غبر ، فقال : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) عالم بواقعها ومترقّبها ، لا يخفى عليه خافية (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) كلّها ، لأنّه مالكها بالذات ، لا يسال عمّا يفعل من الاصطفاء وغيره ، وهم يسألون. فليس لأحد أن يعترض عليه في حكمه وتدابيره ، واختيار رسله.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨))

وبعد إبطال الشرك وإثبات التوحيد بالأدلّة الواضحة والحجج الباهرة ، دعا المؤمنين أوّلا إلى الصلاة الّتي هي أجلّ الطاعات وأفضلها ، ثمّ بغيرها من العبادات ، كالصوم والحجّ والزكاة ، ثمّ عمّ بالحثّ على سائر الخيرات ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) في صلاتكم. أمرهم بهما لأنّهم ما كانوا يفعلونهما أوّل الإسلام. وعبّر عن الصلاة بهما لأنّهما أعظم أركانها. قيل : المراد : اخضعوا لله وخرّوا له سجّدا.

٤١٩

(وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) بسائر ما تعبّدكم به (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) وتحرّوا ما هو خير وأصلح فيما تأتون وتذرون ، كنوافل الطاعات ، وصلة الأرحام ، ومكارم الأخلاق ، وإغاثة الملهوف ، وإعانة الضعيف (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي : افعلوا هذه كلّها وأنتم راجون الفلاح ، غير متيقّنين له ، واثقين على. أعمالكم.

والسجدة في موضعين من هذه السورة مندوبة بإجماع الإماميّة ، أحدهما : في هذه الآية. والآخر : في قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) (١) الآية.

وأمّا ما روي عن عقبة بن عامر قال : «قلت : يا رسول الله في سورة الحجّ سجدتان؟ قال : نعم ، إن لم تسجدهما فلا تقرأهما».

وفي رواية اخرى : «فضّلت سورة الحجّ بسجدتين ، فمن لم يسجدهما فلا يقرأها».

فمحمول على تأكّد الاستحباب. وعند الشافعي أيضا مندوبة بالرواية.

وأبو حنيفة وأصحابه لا يرون فيها إلّا سجدة واحدة ، لأنّهم يقولون : قرن السجود هاهنا بالركوع ، فدلّ ذلك على أنّها سجدة صلاة لا سجدة تلاوة. والحقّ الأوّل ، لإجماع الطائفة الحقّة.

(وَجاهِدُوا فِي اللهِ) ومن أجله أعداء دينه الظاهرة ، كأهل الكفر والزيغ ، والباطنة كالهوى والنفس. وعنه أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجع من غزوة تبوك فقال : «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».

(حَقَّ جِهادِهِ) أي : جاهدوا جهادا في الله حقّا خالصا لوجهه.

فعكس وأضيف الحقّ إلى الجهاد مبالغة ، كما يقال : هو حقّ عالم وجدّ عالم ، أي : عالم حقّا وجدّا. وأضيف الجهاد إلى الضمير ، مع أنّ القياس أن يقال : حقّ الجهاد فيه ، أو حقّ جهادكم فيه ، كما قال : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ) لأنّ الجهاد كان مختصّا بالله من حيث إنّه مفعول لوجه الله ومن أجله. أو للاتّساع ، فإنّه يجوز أن يتّسع في الظرف.

__________________

(١) الحجّ : ١٨.

٤٢٠