زبدة التّفاسير - ج ٤

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٤

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-06-X
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٠٨

بغرضهم من الاستماع حين هم مستمعون إليك مضمرون له ، وحين هم ذووا نجوى يتناجون به في أمرك.

قيل : يعني بهم أبا جهل وزمعة بن الأسود وعمرو بن هشام وخويطب بن عبد العزّى ، اجتمعوا وتشاوروا في أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال أبو جهل : هو مجنون. وقال زمعة : هو شاعر. وقال خويطب : هو كاهن. ثمّ أتوا الوليد بن المغيرة وعرضوا عليه ذلك ، فقال : هو ساحر.

ونجوى مصدر. ويحتمل أن يكون جمع نجيّ.

(إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) مقدّر بـ : أذكر ، أو بدل من «إذ هم نجوى» على وضع «الظالمون» موضع الضمير ، للدلالة على أن تناجيهم بقوله هذا ظلم. والمسحور هو الّذي سحر فزال عقله. وقيل : الّذي له سحر ، وهو الرئة ، أي : إلّا رجلا يتنفّس ويأكل ويشرب مثلكم.

(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢))

٤١

ثمّ قال على وجه التعجّب : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) مثّلوك بالشاعر والساحر والكاهن والمجنون (فَضَلُّوا) عن الحقّ في جميع ذلك ، كضلال من يطلب في التيه طريقا يسلكه فلا يقدر عليه ، فهو متحيّر في أمره لا يدري ما يصنع (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) إلى طعن بوجه فيتهافتون ويخبطون.

(وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً) وغبارا. وعن مجاهد : ترابا. (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) يعني : قال منكروا البعث على الإنكار والاستبعاد : أإذا متنا ، وانتثرت لحومنا ، وصرنا عظاما وحطاما ، أنبعث بعد ذلك خلقا متجدّدا؟ لما بين غضاضة الحيّ ويبوسة الرميم من المباعدة والمنافاة. والعامل في «إذا» ما دلّ عليه «مبعوثون» لا نفسه ، لأنّ ما بعد «إنّ» لا يعمل فيما قبلها. و «خلقا» مصدر أو حال.

(قُلْ) جوابا لهم (كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) أي : اجهدوا في أن لا تعادوا ، فكونوا إن استطعتم حجارة في القوّة والصلابة ، أو حديدا في الشدّة والجساوة (١).

(أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) أي : ممّا يكبر عندكم عن قبول الحياة ، لكونه أبعد شيء منها ، كالسماوات والأرض والجبال ، فإنّ قدرته تعالى لا تقصر عن إحيائكم ، لاشتراك الأجسام في قبول الأعراض ، فكيف إذا كنتم عظاما مرفوتة ، وقد كانت غضّة موصوفة بالحياة قبل؟! والشيء أقبل لما عهد فيه ممّا لم يعهد. وخرج الكلام مخرج الأمر ، لأنّه أبلغ في الإلزام.

(فَسَيَقُولُونَ) إنكارا واستبعادا (مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) وكنتم ترابا وما هو أبعد منه من الحياة ، فإنّ من قدر على ابتداء الشيء كان على إعادته أقدر ، فإنّ ابتداء الشيء أصعب من إعادته ، وأنتم تقرّون بالنشأة الأولى ، فلم تنكرون النشأة الآخرة ، مع أنّها أهون وأسهل؟! (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) فسيحرّكونها نحوك تعجّبا واستهزاء

__________________

(١) أي : الصلابة ، من : جسأ أو جسا ، إذا صلب.

٤٢

(وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ) متى يكون البعث؟ (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) فإنّ كلّ آت قريب. وانتصابه على الخبر أو الظرف ، أي : يكون في زمان قريب. و «أن يكون» اسم عسى أو خبره ، والاسم مضمر.

(يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ) أي : يوم نبعثكم فتنبعثون مطاوعين منقادين لا تمنعون. استعار لهما الدعاء والاستجابة للتنبيه على سرعتهما وتيسّر أمرهما ، وأنّ المقصود منهما الإحضار للمحاسبة والجزاء. (بِحَمْدِهِ) حال منهم ، أي : حامدين الله على كمال قدرته ، كما نقل عن سعيد بن جبير : أنّهم ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون : سبحانك اللهمّ وبحمدك.

وفي الكشّاف : «هي مبالغة في انقيادهم للبعث ، كقولك لمن تأمره بركوب ما يشقّ عليه فيتأبّى ويتمنّع : ستركبه وأنت حامد شاكر» (١).

(وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) وتستقصرون مدّة حياتكم في الدّنيا ، وتحسبونها يوما أو بعض يوم ، لسرعة انقلاب الدنيا إلى الآخرة ، أو لما ترون من الهول. أو لمدّة مكثكم في القبر. وقال قتادة : استقصروا مدّة لبثهم في الدنيا لما يعلمون من طول لبثهم في الآخرة.

(وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤))

(وَقُلْ لِعِبادِي) يعني : المؤمنين (يَقُولُوا) للمشركين (الَّتِي) الكلمة الّتي

__________________

(١) الكشّاف ٢ : ٦٧٢.

٤٣

(هِيَ أَحْسَنُ) ولا يخاشنوهم ، كقوله : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١).

(إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) يهيّج بينهم المراء والمخاصمة والمشاقّة ، ويغري بعضهم ببعض ، ويلقي بينهم العداوة ، فلعلّ المخاشنة بهم تفضي إلى العناد وازدياد الفساد.

(إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ) في جميع الأوقات (لِلْإِنْسانِ) لآدم وذريّته (عَدُوًّا مُبِيناً) ظاهر العداوة.

ثمّ فسّر الّتي هي أحسن بقوله : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) وبما هو صلاح لكم (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) بالتوبة (أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) بالإصرار على المعصية. وما بينهما (٢) اعتراض. والمعنى : قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ، ولا تصرّحوا بأنّهم من أهل النار ، فإنّه يهيّجهم على الشرّ ، مع أنّ ختام أمرهم غيب لا يعلمه إلّا الله.

(وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) موكولا إليك أمرهم تقسرهم على الإيمان ، وإنّما أرسلناك مبشّرا ونذيرا ، فدارهم ومر أصحابك بالاحتمال منهم. روي أنّ المشركين أفرطوا في إيذائهم ، فشكوا إلى رسول الله ، فنزلت ، وذلك قبل نزول آية السيف (٣).

وقيل : الكلمة الّتي هي أحسن أن يقولوا : يهديكم الله ويرحمكم الله. والخطاب في قوله : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) للمؤمنين. والمعنى : إن يشأ يرحمكم بإخراجكم من مكّة وتخليصكم من إيذاء المشركين ، وإن يشأ يعذّبكم بتسليطهم عليكم. أو إن يشأ يرحمكم بفضله ، وإن يشأ يعذّبكم بعذابه. وهو الأظهر.

(وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا

__________________

(١) النحل : ١٢٥.

(٢) أي : ما بين قوله تعالى : (يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقوله : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ).

(٣) التوبة : ٥ و ٢٩.

٤٤

يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧))

ثمّ عاد إلى خطاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بأحوالهم وبما يستأهل كلّ واحد منهم ، فيختار منهم لنبوّته وولايته من يشاء. وهو ردّ لاستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبيّا ، وأن يكون العراة الجوّع أصحابه ، كصهيب وبلال وخباب ، دون أن يكون ذلك في بعض أكابرهم وصناديدهم.

ثمّ زاد في الموعظة بقوله : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) بالفضائل النفسانيّة ، والتبرّي عن العلائق الجسمانيّة ، لا بكثرة الأموال والأتباع ، حتّى داود عليه‌السلام ، فإنّ شرفه بما أوحي إليه من الكتاب ، لا بما أوتيه من الملك. فقوله بعده : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) إشارة إلى بعض ذلك.

وقيل : قوله : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ) إشارة إلى تفضيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما بعده تنبيه على وجه تفضيله ، وهو أنه خاتم الأنبياء وأمّته خير الأمم ، المدلول عليه.

بما كتب في الزبور من أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون ، وهم محمّد وأمّته.

وقيل : وجه تخصيصه بالذكر «أنّ كفّار قريش ما كانوا على نظر وجدل ، بل كانوا يرجعون إلى اليهود في استخراج الشبهات ، واليهود كانوا يقولون : لا نبيّ بعد موسى ولا كتاب بعد التوراة ، فنقض الله عليهم كلامهم بإنزال الزبور على داود» كذا في الكبير (١).

__________________

(١) التفسير الكبير للرازي ٢٠ : ٢٣٠.

٤٥

وتنكيره هاهنا وتعريفه في قوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ) (١) لأنّه في الأصل فعول بمعنى المفعول كالحلوب ، أو المصدر كالقبول. ويؤيّده قراءة حمزة بالضمّ. وهو كالعبّاس وعبّاس ، والفضل وفضل. أو لأنّ المراد وآتينا داود بعض الزبر ، وهي الكتب.

وأن يراد ما ذكر فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الزبور ، فسمّى ذلك زبورا ، لأنّه بعض الزبور ، كما سمّي بعض القرآن قرآنا.

(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) أنّها آلهة (مِنْ دُونِهِ) كالملائكة والمسيح وعزيز (فَلا يَمْلِكُونَ) فلا يستطيعون (كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ) كالمرض والفقر والقحط (وَلا تَحْوِيلاً) ولا تحويل ذلك منكم إلى غيركم.

(أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) يعني : هؤلاء الآلهة (يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) يطلبون إلى الله القربة بالطاعة (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) بدل من واو «يبتغون» ، أي : يبتغي من هو أقرب منهم إلى الله الوسيلة ، فكيف بغير الأقرب؟! (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) كسائر العباد ، فكيف تزعمون أنّهم آلهة؟! (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) حقيقا بأن يحذره كلّ أحد ، حتى الرسل والملائكة ، فضلا عن غيرهم.

(وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨) وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩))

__________________

(١) الأنبياء : ١٠٥.

٤٦

(وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها) بإماتة أهلها واستئصال ساكنيها (قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً) بالقتل وأنواع البليّة. قيل : الهلاك للصالحة ، والعذاب للطالحة.

وعن مقاتل : وجدت في كتب الضحّاك بن مزاحم في تفسيرها : أمّا مكّة فيخرّبها الحبشة ، وتهلك المدينة بالجوع ، والبصرة بالغرق ، والكوفة بالترك ، والجبال ـ يعني : بلادها الّتي يسكنها الأكراد ، ما بين بغداد وما والاها ـ بالصواعق والرواجف. وأمّا خراسان فعذابها ضروب ، ثمّ ذكرها بلدا بلدا.

(كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ) في اللوح المحفوظ (مَسْطُوراً) أخبر أنّ ذلك كائن لا محالة ، ولا يكون خلافه.

(وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ) وما صرفنا عن إرسال الآيات الّتي اقترحها قريش ، من قلب الصفا ذهبا ، ومن إحياء الموتى ، وغير ذلك (إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) إلا تكذيب الأوّلين الّذين هم أمثالهم في الطبع ، كعاد وثمود. يعني : أنّها لو أرسلت لكذّبوا بها تكذيب أولئك ، واستوجبوا الاستئصال ، على ما مضت به سنّتنا في الأمم أن من كذّب بالآيات المقترحة عوجل بعذاب الاستئصال بعد أن كفر بها. ومن حكمنا النافذ أن لا نستأصلهم لشرف محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولأنّ منهم من يؤمن أو يلد من يؤمن وينصر دينه الإسلام ، فإنّ أمّته باقية ، وشريعته مؤيّدة إلى يوم القيامة.

ثمّ ذكر بعض الأمم المهلكة بتكذيب الآيات المقترحة ، فقال : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ) بسؤالهم (مُبْصِرَةً) بيّنة ذات أبصار ، فإنّ آثارهم قريبة من قريش ، يبصرها صادرهم وواردهم ، أو بصائر. أو جاعلتهم ذوي بصائر. (فَظَلَمُوا بِها) فكفروا بها ، أو فظلموا أنفسهم بسبب عقرها.

(وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ) يعني : بالآيات المقترحة (إِلَّا تَخْوِيفاً) من نزول العذاب المستأصل. أو بالآيات غير المقترحة ـ كالمعجزات وآيات القرآن ـ إلّا إنذارا بعذاب

٤٧

الآخرة ، فإنّ أمر من بعثت إليهم مؤخّر إلى يوم القيامة. والباء مزيدة ، أو في موضع الحال ، والمفعول محذوف.

(وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (٦٠))

ثمّ قال سبحانه مخاطبا لنبيّه : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ) واذكر إذ أوحينا إليك (إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) كلّهم ، فهم في قبضة قدرته ومن تحت علمه ، فإنّه عالم بأحوالهم وبما يفعلونه من طاعة أو معصية ، قادر على ما يستحقّونه على ذلك من الثواب والعقاب. أو أحاط بقريش ، بمعنى : أهلكهم ، من : أحاط بهم العدوّ. فهو بشارة بوقعة بدر ، وبالنصرة عليهم. والتعبير بلفظ الماضي لتحقّق وقوعه. وهو كقوله : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (١) (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ) (٢) وغير ذلك.

(وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ) قيل : المراد بهذه الرؤية رؤية العين ، وهي ما ذكر في أوّل السورة من إسراء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بيت المقدس وإلى السماوات في ليلة واحدة ، فلمّا رأى ذلك ليلا وأخبر بها حين أصبح سمّاها رؤيا. وسمّاها فتنة في قوله : (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) لأنّه أراد بها الامتحان وشدّة التكليف ، ليعرض المصدّق بذلك لجزيل ثوابه والمكذّب به لأليم عقابه. وهذا مرويّ عن ابن عبّاس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة.

__________________

(١) القمر : ٤٥.

(٢) آل عمران : ١٢

٤٨

وقال بعضهم : إنّها رؤيا نوم رآها أنّه دخل مكّة وهو بالمدينة ، فقصدها فصدّه المشركون في الحديبية عن دخولها ، حتّى شكّ قوم ودخلت عليهم الشبهة ، فقالوا : يا رسول الله ألست قد أخبرتنا أنّا ندخل المسجد الحرام آمنين؟ فقال : أو قلت لكم إنّكم تدخلونها العام؟ قالوا : لا. فقال : لندخلنّها إن شاء الله. ورجع ثمّ دخل مكّة في العام القابل ، فنزل : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) (١). وهو قول الجبائي وأبو مسلم.

وفيه : أنّ الآية مكيّة ، إلّا أن يقال : رآها بمكّة وحكاها حينئذ.

وقيل : هي رؤيا رآها في وقعة بدر ، لقوله : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً) (٢).

ولما روي أنه لمّا ورد ماء بدر قال : لكأنّي أنظر مصارع القوم ، هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان ، فتسامعت به قريش واستسخروا منه.

وقيل : رأى في المنام قوما من بني أميّة يرقون على منبره وينزون عليه نزو القردة ، فقال : هذا حظّهم من الدنيا ، يعطون بظاهر إسلامهم. وهو منقول عن سهل بن سعيد عن أبيه ، ومرويّ عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما‌السلام ، حيث قالا : «إنّ الشجرة الملعونة في القرآن هي بنو أميّة ، أخبره الله تعالى بتغلّبهم على مقامه ، وقتلهم ذرّيّته».

وبعد هذه الرؤية لم ير صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضاحكا حتّى مات.

وعلى هذا كان المراد بقوله : (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) ما حدث في أيّامهم ، كماروي عن المنهال بن عمرو قال : «دخلت على عليّ بن الحسين عليهما‌السلام فقلت له : كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ فقال : أصبحنا والله بمنزلة بني إسرائيل من آل فرعون ، يذبّحون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، وأصبح خير البريّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلعن على المنابر ، وأصبح من يحبّنا منقوصا حقّه بحبّه إيّانا».

وقيل للحسن : يا أبا سعيد قتل الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، فبكى حتّى اختلج جنباه ،

__________________

(١) الفتح : ٢٧.

(٢) الأنفال : ٤٣.

٤٩

ثمّ قال : واذلّاه لأمّة قتل ابن دعيّها ابن نبيّها.

وقوله : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) عطف على الرؤيا ، أي : وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن إلّا فتنة للناس. وهي شجرة الزقّوم ، لمّا سمع المشركون ذكرها قالوا : إنّ محمّدا يزعم أنّ الجحيم تحرق الحجارة ثمّ يقول : ينبت فيها الشجر. وما قدروا الله حقّ قدره ، ولم يعلموا أنّ من قدر أن يحمي وبر السمندر من أن تأكله النار ـ وهو دويبّة ببلاد الترك تتّخذ منه مناديل ، إذا اتّسخت طرحت في النار ، فذهب الوسخ وبقي المنديل سالما لا تعمل فيه النار ـ وأحشاء النعامة من أذى الجمر وقطع الحديد المحماة الحمر الّتي تبتلعها ، قدر أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها.

ولعنها في القرآن لعن طاعميها. وصفت به على المجاز للمبالغة. أو وصفها بأنّها في أصل الجحيم ، فإنّه أبعد مكان من الرحمة. أو بأنّها مكروهة مؤذية ، من قولهم : طعام ملعون لما كان ضارّا. وقد أوّلت بالشيطان ، وأبي جهل ، والحكم بن أبي العاص. قيل : هي بني أميّة الّذين أكثرهم أولاد الزنا.

(وَنُخَوِّفُهُمْ) بأنواع التخويف (فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) إلّا عتوّا في الكفر ، متجاوز الحدّ في الغيّ.

(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما

٥٠

يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥))

ثمّ ذكر قصّة آدم وإبليس ليعلم عداوته المستمرّة من لدن آدم إلى يوم القيامة ليحترزوا عنه ، فقال : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) تقدّم تفسيره في سورة البقرة (١) (قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) أي : من طين ، فنصب بنزع الخافض. ويجوز أن يكون حالا من الراجع إلى الموصول ، أي : خلقته وهو طين. أو منه ، أي : أأسجد له وأصله طين؟ وفيه على الوجوه الثلاثة إيماء إلى علّة الإنكار.

(قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) الكاف لتأكيد الخطاب ، لا محلّ له من الإعراب. و «هذا» مفعول أوّل ، و «الّذي» صفته. والمفعول الثاني محذوف ، لدلالة صلته عليه. والمعنى : أخبرني عن هذا الّذي كرّمته عليّ بأمري بالسجود له لم كرّمته عليّ وأنا ختر منه؟ واختصر الكلام بحذف ذلك.

ثمّ ابتدأ فقال : (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) كلام مبتدأ ، واللام موطّئة للقسم المحذوف ، وجوابه (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) أي : لأستأصلنّهم بالإغواء إلّا قليلا لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم. من : احتنك الجراد الأرض إذا جرّد ما عليها ـ أي : قشره ـ أكلا ، مأخوذ من الحنك. وإنّما علم أنّ ذلك يتسهّل له ، إمّا استنباطا من قول الملائكة : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) (٢) مع تقرير الله إيّاهم في ذلك ، أو تفرّسا من خلقه ذا شهوة ووهم وغضب.

(قالَ اذْهَبْ) امض لما قصدته. وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سوّلت له نفسه ،

__________________

(١) راجع ج ١ ص ١٣٠ ذيل الآية ٣٤ من سورة البقرة.

(٢) البقرة : ٣٠.

٥١

كما قال موسى عليه‌السلام للسامري : (فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) (١).

(فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ) جزاؤك وجزاؤهم ، فغلّب المخاطب على الغائب.

ويجوز أن يكون الخطاب للتابعين على الالتفات. (جَزاءً مَوْفُوراً) مكمّلا ، من قولهم : فر لصاحبك عرضه. وانتصاب «جزاء» على المصدر بإضمار فعله ، أو بما في «جزاؤكم» من معنى : تجازون ، أو الحال ، لأنّ الجزاء موصوف بالموفور.

(وَاسْتَفْزِزْ) واستخفف واستزلّ (مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ) أن تستفزّه ، من الفزاز بمعنى الخفيف (بِصَوْتِكَ) بدعائك إلى الفساد (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ) وصح عليهم ، من الجلبة وهي الصياح (بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) بأعوانك من راكب وراجل. والخيل : الخيّالة.

ومنه قوله عليه‌السلام : «يا خيل الله اركبي».

والرّجل اسم جمع للراجل ، كالصحب والركب.

ويجوز أن يكون تمثيلا لتسلّطه على من يغويه بمغوار وقع على قوم ، فصوّت بهم صوتا يستفزّهم من أماكنهم ، ويقلقهم عن مراكزهم ، وأجلب عليهم بجنده حتى استأصلهم.

وقرأ حفص : رجلك بالكسر ، على أنّ فعلا بمعنى فاعل ، نحو : تعب وتاعب.

ومعناه : وجمعك الرجل.

وهذا من الأوامر الواردة على سبيل الخذلان والتخلية ، كما قال للعصاة : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (٢). وكذلك قوله : (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ) بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام ، والتصرّف فيها على ما لا ينبغي ، كالربا والبحيرة والسائبة ، ومنع الزكاة وغيرها ، والإنفاق المحرّم.

(وَالْأَوْلادِ) بالحثّ على التوصّل إلى الولد بالسبب المحرّم ، ودعوى ولد بغير سبب ، والإشراك فيه بتسميته عبد العزّى وعبد الحارث ، والتضليل بالحمل على الأديان الزائغة ، والحرف الذميمة ، والأفعال القبيحة.

__________________

(١) طه : ٩٧.

(٢) فصّلت : ٤٠.

٥٢

(وَعِدْهُمْ) المواعيد الباطلة ، كشفاعة الآلهة ، والاتّكال على كرامة الآباء ، وتأخير التوبة لطول الأمل (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) اعتراض لبيان مواعيده الباطلة. والغرور : تزيين الخطأ بما يوهم أنّه صواب.

(إِنَّ عِبادِي) يعني : المخلصين. وتعظيم الإضافة ، والتقييد في قوله : (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (١) يخصّصهم. (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) أي : على إغوائهم قدرة (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) يتوكّلون عليه في الاستعاذة منك على الحقيقة.

(رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩))

ولمّا تقدّم ذكر الشيطان وذكر المشركين وعبدة الأوثان ، احتجّ سبحانه بدلائل التوحيد والإيمان ، فقال : (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي) يجري ويسيّر (لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أي : من الريح وأنواع الأمتعة الّتي لا تكون عندكم (إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) حيث هيّأ لكم ما تحتاجون إليه ، وسهّل عليكم ما تعسّر من أسبابه.

__________________

(١) الحجر : ٤٠.

٥٣

(وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) خوف الغرق (فِي الْبَحْرِ) باضطراب الأمواج (ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ) ذهب عن خواطركم وأوهامكم كلّ من تدعونه في حوادثكم (إِلَّا إِيَّاهُ) وحده ، فإنّكم حينئذ لا يخطر ببالكم سواه ، فلا تدعون لكشفه إلّا إيّاه. أو ضلّ كلّ من تعبدونه عن إغاثتكم إلّا الله (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ) من الغرق (إِلَى الْبَرِّ) وأمنتم منه (أَعْرَضْتُمْ) عن التوحيد كفرانا للنعمة (وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) كثير الكفران. هذا كالتعليل للإعراض.

(أَفَأَمِنْتُمْ) الهمزة للإنكار ، والفاء للعطف على محذوف تقديره : أنجوتم فأمنتم (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ) فحملكم ذلك على الإعراض عن التوحيد؟! وليس كذلك ، فإنّ من قدر أن يهلككم في البحر بالغرق ، قادر أن يهلككم في البحر بالخسف وغيره. و «جانب البرّ» مفعول به لـ «يخسف» كالأرض في قوله : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) (١). والمعنى : أن يخسف جانب البرّ ، أي : يقلبه وأنتم عليه ، أو يقلبه بسببكم ، فـ «بكم» حال أو صلة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون فيه (٢) وفي الأربعة الّتي بعده.

وفي ذكر الجانب تنبيه على أنّهم كما وصلوا الساحل كفروا وأعرضوا ، وأنّ الجوانب والجهات في قدرته سواء ، لا معقل يؤمن فيه من أسباب الهلاك. فعلى العاقل أن يستوي خوفه من الله تعالى في جميع الجوانب وحيث كان.

(أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) ريحا تحصب ، أي : ترمي بالحصباء. أو إن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف ، أصابكم به من فوقكم بريح يرسلها عليكم فيها الحصباء ، فيرجمكم بها ، فيكون أشدّ عليكم من الغرق في البحر. (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) يحفظكم من ذلك ، فإنّه لا رادّ لفعله.

(أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ) أي : في البحر (تارَةً أُخْرى) بإلهام دواع تلجئكم

__________________

(١) القصص : ٨١.

(٢) أي : نخسف ، وكذا : نرسل ، نعيدكم ، فنرسل ، فنغرقكم.

٥٤

إلى أن ترجعوا فتركبوه (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ) هي الريح الّتي لها قصيف ، وهو الصوت الشديد ، كأنّها تتقصّف ، أي : تتكسّر. أو الّتي لا تمرّ بشيء إلّا قصفته ، أي : كسرته. (فَيُغْرِقَكُمْ) وعن يعقوب بالتاء ، على إسناده إلى ضمير الريح (بِما كَفَرْتُمْ) بسبب إشراككم ، أو كفرانكم نعمة الإنجاء (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) مطالبا يتبعنا بانتصار أو صرف.

(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢))

لمّا تقدّم ذكر قول إبليس : (هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ) ذكر سبحانه بعد ذلك تكرمته لبني آدم بأنواع الإكرام وفنون الإنعام ، فقال : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) بحسب صنوف الإنعام. وهي : حسن الصورة ، والمزاج الأعدل ، واعتدال القامة ، والتمييز بالعقل ، والإفهام بالنطق والإشارة والخطّ ، والتهدّي إلى أسباب المعاش والمعاد ، والتسلّط على ما في الأرض ، والتمكّن من الصناعات ، وتسخير أكثر الأشياء لهم ، وانسياق الأسباب والمسبّبات العلويّة والسفليّة إلى ما يعود عليهم بالمنافع ، إلى غير ذلك ممّا يقف الحصر دون إحصائه. ومن ذلك ما ذكره ابن عبّاس : أنّ كلّ حيوان يتناول طعامه بفيه إلّا الإنسان ، فإنّه يرفعه إليه بيده. وقيل : تفضيلهم بأن جعل محمّدا منهم.

٥٥

(وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) على الدوابّ والسفن ، من : حملته حملا ، إذا جعلت له ما يركبه. أو حملناهم فيهما حتّى لم تخسف بهم الأرض ولم يغرقهم الماء.

(وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) المستلذّات ممّا يحصل بفعلهم وبغير فعلهم (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) بحسب الغلبة والاستيلاء ، أو بالشرف ومزيّة المرتبة.

والمستثنى الّذي يفهم من «كثير» جنس الملائكة ، أو الخواصّ منهم على اختلاف المذهبين. ولا يلزم من عدم تفضيل الجنس عدم تفضيل بعض أفراده.

وقال في المجمع : «لا يمتنع أن يكون جنس الملائكة أفضل من جنس بني آدم ، لأنّ الفضل في الملائكة عامّ لجميعهم أو أكثرهم ، والفضل في بني آدم يختصّ بقليل من كثير ، وعلى هذا فغير منكر أن يكون الأنبياء أفضل من الملائكة ، وإن كان جنس الملائكة أفضل من جنس بني آدم» (١). وقد أوّل الكثير بالكلّ. وفيه تعسّف.

(يَوْمَ نَدْعُوا) نصب بإضمار : أذكر ، أو ظرف لما دلّ عليه «وَلا يُظْلَمُونَ» (كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) بمن ائتمّوا به من نبيّ ، فيقال : هاتوا متّبعي إبراهيم ، هاتوا متّبعي موسى ، هاتوا متّبعي محمد. فيقوم أهل الحقّ الّذين اتّبعوا الأنبياء عليهم‌السلام ، فيأخذون كتبهم بأيمانهم.

ثمّ يقال : هاتوا متّبعي الشيطان ، هاتوا متّبعي رؤساء الضلالة. أو بمقدّم في الدين من أئمّتهم وعلمائهم ، أو بكتاب ، فيقال : يا أهل القرآن ويا أهل التوراة ، أو بدين. وقيل : بكتاب أعمالهم الّتي قدّموا ، فيقال : يا أصحاب كتاب الخير ، ويا أصحاب كتاب الشرّ ، أي : ينقطع علقة الأسباب ، ويبقى نسبة الأعمال.

وروي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «ألا تحمدون الله إذا كان يوم القيامة ، فدعا كلّ قوم إلى من يتولّونه ، ودعانا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفزعنا إلى رسول الله ، وفزعتم إلينا ، فإلى أين ترون نذهب بكم؟ إلى الجنّة وربّ الكعبة. قالها ثلاثا».

وعن محمّد بن كعب : أي : بأمّهاتهم ، جمع أمّ ، كخفّ وخفاف. والحكمة في ذلك

__________________

(١) مجمع البيان ٦ : ٤٢٩.

٥٦

إجلال عيسى ، وإظهار مزيّة شرف الحسن والحسين ، وإن كان فيهما الشرافة العليّة من جانب الأب ، وأن لا يفتضح أولاد الزنا.

(فَمَنْ أُوتِيَ) من المدعوّين (كِتابَهُ) أي : كتاب عمله (بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) ابتهاجا وتبجّحا بما يرون فيه (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) مقدار فتيل. وهو المفتول الّذي في شقّ النواء ، وهو أدنى شيء في المقدار. يعني : لا ينقصون من أجورهم أدنى شيء ، كقوله : (وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) (١). وجمع اسم الإشارة والضمير ، لأنّ من أوتي في معنى الجمع.

وتعليق القراءة بإيتاء الكتاب باليمين يدلّ على أنّ من أوتي كتابه بشماله إذا اطّلعوا على ما فيه ، أخذهم ما يأخذ المطالب بالنداء على جناياته والاعتراف بمساويه ، أمام التنكيل به والانتقام منه ، من الحياء والخجل ، وحبسة اللسان والتتعتع ، والعجز عن إقامة حروف الكلام ، والذهاب عن تسوية القول ، فكأنّ قراءتهم كلا قراءة ، ولهذا لم يذكرهم. وأمّا أصحاب اليمين فأمرهم على عكس ذلك ، لا جرم أنّهم يقرؤن كتابهم أحسن قراءة وأبينها ، ولا يقنعون بقراءتهم وحدها حتى يقول القارئ لأهل المحشر (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (٢).

(وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) في هذه الدنيا أعمى القلب ، لا يبصر الرشد وطريق النجاة (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) كذلك (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) لا يهتدي إلى طريق الجنّة.

والأعمى مستعار ممّن لا يدرك المبصرات لفساد حاسّته ، لمن لا يهتدي إلى طريق النجاة ، أمّا في الدنيا فلفقد النظر ، وأمّا في الآخرة فلأنّه لا ينفعه الاهتداء إليه. وقد جوّزوا أن يكون الثاني بمعنى التفضيل ، من : عمى بقلبه ، كالأجهل. ومن ثمّ قرأ أبو عمرو وابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي الأوّل ممالا. والثاني لم يوافقهم ابن عامر ، بل يفخّمه ،

__________________

(١) مريم : ٦٠.

(٢) الحاقّة : ١٩.

٥٧

لأنّ أفعل التفضيل تمامه بـ «من» المقدّرة ، فكانت ألفه في حكم الواقعة في وسط الكلام ، كقولك : أعمالكم. وأمّا الأوّل فلم يتعلّق به شيء ، فكانت ألفه واقعة في الطرف معرضة للإمالة. وقرأ ورش بين بين فيهما.

(وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥))

روي أنّ ثقيفا قالت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ندخل في أمرك حتّى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب : لا نعشر (١) ، ولا نحشر ، ولا نجّبي في صلاتنا ، وكلّ ربا لنا فهو لنا ، وكلّ ربا علينا فهو موضوع عنّا ، وأن تمتّعنا باللات سنة ، ولا نكسرها بأيدينا عند رأس الحول ، وأن تحرّم وادينا كما حرّمت مكّة ، فإن قالت العرب : لم فعلت ذلك؟ فقل : إنّ الله أمرني به.

وجاؤا بكتابهم فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من محمّد رسول الله لثقيف : لا يعشرون ولا يحشرون. فقالوا : ولا يجبّون. فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ثم قالوا للكاتب : اكتب : ولا يجبّون ، والكاتب ينظر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام عمر فسلّ سيفه فقال : أسعرتم قلب نبيّنا يا معشر قريش ، أسعر الله قلوبكم نارا. فقالوا : لسنا نكلّم إيّاك ، إنّما نكلّم محمدا. فنزلت : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ).

وقيل : نزلت في قريش قالوا : اجعل آية رحمة آية عذاب ، وآية عذاب آية

__________________

(١) لا نعشر أي : لا يؤخذ عشر أموالنا. ولا نحشر أي : لا نبعث إلى المغازي. ولا نجبّي من : جبّى تجبية أي : وضع يديه على ركبتيه أو على الأرض وقت السجود.

٥٨

رحمة ، حتّى نؤمن لك. وبرواية أخرى : لا نمكّنك من استلام الحجر حتّى تلمّ بآلهتنا وتمسّها بيدك.

و «إن» هي المخفّفة ، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية.

والمعنى : أنّ الشأن قاربوا بمبالغتهم أن يفتنوك ، أي : يخدعوك فاتنين (عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) من أوامرنا ونواهينا ، ووعدنا ووعيدنا (لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ) لتقول علينا غير ما أوحينا إليك (وَإِذاً) ولو اتّبعت مرادهم (لَاتَّخَذُوكَ) بافتتانك (خَلِيلاً) وليّا لهم ، بريئا من ولايتي.

(وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) ولو لا تثبيتنا إيّاك وعصمتنا (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) لقاربت أن تميل قليلا إلى اتّباع مرادهم. والمعنى : أنّك كنت على صدد الركون إليهم ، لقوّة خدعهم وشدّة احتيالهم ، لكن أدركتك عصمتنا فمنعت أن تقرب من الركون ، فضلا عن أن تركن إليهم. وهو صريح في أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما همّ بإجابتهم ، مع قوّة الداعي إليها ، ودليل على أنّ العصمة بتوفيق الله وحفظه.

ثمّ توعّده سبحانه على ذلك لو فعله ، فقال : (إِذاً) لو قاربت (لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) أي : عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، ضعف ما نعذّب به في الدارين بمثل هذا الفعل غيرك ، لأنّ خطأ الخطير (١) أخطر. وكان أصل الكلام : عذابا ضعفا في الحياة ، وعذابا ضعفا في الممات ، بمعنى : مضاعفا ، نحو قوله تعالى : (عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) (٢) بمعنى : مضاعفا ، ثمّ حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه ، ثمّ أضيفت كما يضاف موصوفها.

وقيل : الضعف من أسماء العذاب. وقيل : المراد بضعف الحياة عذاب الآخرة ، وبضعف الممات عذاب القبر.

__________________

(١) أي : الشريف.

(٢) ص : ٦١.

٥٩

(ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) يدفع العذاب عنك. وفيه دليل على أنّ أدنى مداهنة للغواة مضادّة لله ، وخروج عن ولايته ، وسبب موجب لغضبه ونكاله. فعلى المؤمن أن يتدبّرها ، ويستشعر فيها الخشية وازدياد التصلّب في دين الله. وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّها لمّا نزلت كان يقول : «اللهمّ لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا».

(وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٧))

(وَإِنْ كادُوا) وإن كاد أهل مكّة (لَيَسْتَفِزُّونَكَ) ليزعجونك بمعاداتهم ومكرهم (مِنَ الْأَرْضِ) من أرض مكّة (لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً) لو خرجت (لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ) لا يبقون بعد إخراجك (إِلَّا قَلِيلاً) إلّا زمانا قليلا ، فإنّ الله مهلكهم. وقد كان كذلك ، فإنّهم أهلكوا ببدر بعد هجرته بقليل.

وقيل : الآية نزلت في اليهود ، حسدوا مقام النبيّ بالمدينة فقالوا : الشام مقام الأنبياء ، فإن كنت نبيّا فالحق بها حتّى نؤمن بك ونتّبعك ، وقد علمنا أنّه لا يمنعك من الخروج إلّا خوف الروم ، فإن كنت رسول الله فالله مانعك منهم. فوقع ذلك في قلبه ، فخرج مرحلة فنزلت فرجع. ثمّ قتل منهم بنو قريظة ، وأجلي بنو النضير بقليل.

وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب وحفص : خلافك. وهو لغة فيه.

(سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) نصب على المصدر ، أي : سنّ الله ذلك سنّة ، وهو أن يهلك كلّ أمّة أخرجوا رسولهم من بين أظهرهم. فالسنّة لله ، وإضافتها إلى الرسل لأنّها من أجلهم. ويدلّ عليه : (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) تغييرا ، أي : ما يتهيّأ

٦٠