زبدة التّفاسير - ج ٤

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٤

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-06-X
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٠٨

الصادقين فيما رميتها به من الفجور. ثمّ يقول في المرّة الخامسة : لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا.

وهذا لعان الرجل ، وبه سقط حدّ القذف عنه ، وحصلت الفرقة بينهما ـ فرقة فسخ عندنا وعند الشافعي ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المتلاعنان لا يجتمعان أبدا» ، وبتفريق الحاكم فرقة طلاق عند أبي حنيفة ـ ونفي الولد عنه. وثبت حدّ الزنا على المرأة إلّا بالشهادة ، لقوله : (وَيَدْرَؤُا) ويسقط (عَنْهَا الْعَذابَ) أي : حدّ الزنا (أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) بأن تقول أربع مرّات مرّة بعد اخرى : أشهد بالله أنّه لمن الكاذبين فيما رماني به.

(وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في ذلك. ورفع الخامسة بالابتداء ، وما بعدها الخبر. أو بالعطف على «أن تشهد». ونصبها حفص عطفا على «أربع».

وقرأ نافع : أن غضب الله ، بتخفيف النون ، وكسر الضاد ، وفتح الباء ، ورفع الهاء من اسم الله تعالى. والباقون : بتشديد النون ، ونصب الباء ، وفتح الضاد ، وجرّ الهاء.

وتخصيص الملاعنة بغضب الله للتغليظ عليها ، لأنّها هي أصل الفجور بإطماعها الرجل ، ولذلك كانت مقدّمة في آية الجلد كما مرّ.

وإذا وقع اللعان بينهما على النهج المذكور فرّق الحاكم بينهما ، ولا تحلّ له أبدا ، وكان عليها العدّة من وقت اللعان.

روي أن بعد نزول آية اللعان أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هلالا وخولة باللعان ، فلاعنها ، ففرّق بينهما.

(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) جواب «لو لا» محذوف ، أي : لفضحكم وعاجلكم بالعقوبة. وتركه دالّ على أمر عظيم بحيث لا يكتنه. وشرائط اللعان والأحكام المتفرّعة عليه مذكورة في كتب الفقه.

٤٨١

(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١) لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢) لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ (١٥) وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (١٦))

روى الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيّب وغيرهما : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها. فأقرع بينهنّ في غزوة بني المصطلق ، فخرج فيها سهم عائشة ، فخرجت مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولمّا نزلوا منزلا من منازلهم خرجت عائشة لقضاء حاجة ثمّ عادت إلى الرحل ، فلمست صدرها

٤٨٢

فإذا عقد من جزع (١) ظفار قد انقطع ، فرجعت ، وحمل هودجها على بعيرها ظنّا منهم أنّها فيه ، فلمّا عادت إلى الموضع وجدتهم قد رحلوا ، فجلست كي يرجع إليها أحد. وكان صفوان بن المعطل السلمي من وراء الجيش ، فلمّا وصل إلى ذلك الموضع وجدهم قد رحلوا وعرفها ، فأناخ بعيره حتّى ركبته وهو يقوده حتّى أتى الجيش ، وقد نزلوا في وقت الظهيرة ، فاتّهمت به. فنزلت : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ)

بأبلغ ما يكون من الكذب. وأصله الإفك ، وهو الصرف ، لأنّه قول مأفوك عن وجهه. والمعنى : بالكذب العظيم الّذي قلب فيه الأمر عن وجهه. والمراد ما أفك به على عائشة. (عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) جماعة منكم. وهي من العشرة إلى الأربعين. وكذلك العصابة. يقال : اعصوصبوا ، أي : اجتمعوا. وهم : عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين ، وزيد بن رفاعة ، وحسّان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش ، ومن ساعدهم. وهي خبر «إنّ».

وقوله : (لا تَحْسَبُوهُ) مستأنف ، أي : لا تحسبوا غمّ الإفك (شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لاكتسابكم به الثواب العظيم ، وظهور كرامتكم على الله بإنزال ثماني عشرة آية في براءتكم وتعظيم شأنكم ، وتهويل الوعيد لمن تكلّم في ذلك وسمع به فلم تمجّه أذناه ، والثناء على من ظنّ بكم خيرا. وتضمّنت كلّ واحدة منها مسألة وفائدة بيّنة ، وحكما شرعيّا ، مستقلّة بما هو تعظيم شأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتسلية له ، وتنزيه لعائشة ، وتطهير ذيلها. والخطاب لعائشة وصفوان ، لأنّهما المقصودان بالإفك ، ولمن ساءه ذلك من المؤمنين ، وخاصّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) لكلّ جزاء ما اكتسب بقدر ما خاض فيه مختصّا به.

__________________

(١) في هامش النسخة الخطّية : «الجزع بالفتح الخرز اليماني ، الواحدة جزعة. ظفار بوزن قطام ، هي اسم مدينة. منه».

٤٨٣

(وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) تحمّل معظمه. وقرأ يعقوب بالضمّ (١). وهو لغة فيه.

(مِنْهُمْ) من الخائضين. وهو ابن أبيّ ، لأنّ معظم الشرّ كان منه ، فإنّه الّذي كان يشيع ذلك بين الناس ، لما روي : أنّ صفوان مرّ بهودجها عليه وهو في ملأ من قومه ، فقال : من هذه؟ فقالوا : عائشة. فقال : والله ما نجت منه ولا نجا منها. ثمّ قال : امرأة نبيّكم باتت مع رجل حتّى أصبحت ، ثمّ جاء يقودها. وقيل : هو وحسّان ومسطح ، فإنّهما شايعاه بالتصريح به.

وعلى هذا «الّذي» بمعنى : الّذين.

(لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) في الآخرة أو في الدنيا ، بأن جلدوا ، وصار ابن أبيّ مطرودا مشهورا بالنفاق ، وحسّان أعمى وأشلّ اليدين ، ومسطح مكفوف البصر.

(لَوْ لا) هلّا (إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) حين سمعتم هذا الإفك من القائلين له (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ) أي : بالّذين هم كأنفسهم من المؤمنين والمؤمنات (خَيْراً) فإنّ المؤمنين كالنفس الواحدة فيما يجري عليها من الأمور ، فإذا جرى على أحدهم محنة فكأنّها جرت على جماعتهم. وهذا كقوله : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) (٢) ، (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) (٣).

وإنّما عدل فيه من الخطاب إلى الغيبة ، وعن الضمير إلى الظاهر ، مبالغة في التوبيخ ، وإشعارا بأنّ الإيمان يقتضي ظنّ الخير بالمؤمنين ، والكفّ عن الطعن فيهم وذبّ الطاعنين عنهم كما يذبونهم عن أنفسهم.

وإنّما جاز الفصل بين «لو لا» وفعله بالظرف لأنّه منزّل منزلته ، من حيث إنّه لا ينفكّ عنه ، ولذلك يتّسع فيه ما لا يتّسع في غيره. وفائدة تقديمه على الفعل هنا ، بيان أنّه كان الواجب عليهم أن يتفادوا أوّل ما سمعوا بالإفك عن التكلّم به ، فلمّا كان ذكر

__________________

(١) أي : كبره.

(٢) النور : ٦١.

(٣) الحجرات : ١١.

٤٨٤

الوقت أهمّ وجب التقديم.

(وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) أي : هلّا قالوا : هذا القول كذب ظاهر ، تصريحا ببراءة ساحة إخوانهم المؤمنين منهم ، وتكذيبا لقاذفيهم ، كما يقول المستيقن المطّلع على الحال. والخطاب لمن سمعه فسكت ولم يصدّق ولم يكذّب.

وقيل : هو خطاب لمن أشاعه. والمعنى : هلّا إذا سمعتم هذا الحديث ظننتم بها ما تظنّون بأنفسكم لو خلوتم بها. وذلك لأنّها كانت أمّ المؤمنين ، ومن خلا بأمّه فإنّه لا يطمع فيها وهي لا تطمع فيه. وهذا من الأدب الحسن الّذي قلّ القائم به والحافظ له.

و «لو لا» هذه للتحضيض. وكذا في قوله : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ) أي : هلّا جاؤا على ما قالوه من القذف (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) يشهدون بما قالوه (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ) فحين لم يأتوا بالشهداء (فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ) أي : في حكمه (هُمُ الْكاذِبُونَ). هذا الكلام التحضيضي أيضا من جملة المقول تقريرا لكونه كذبا ، فإنّ ما لا حجّة عليه مكذّب في حكم الله ، ولذلك رتّب الحدّ عليه.

(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) «لو لا» هذه لامتناع الشيء لوجود غيره. والمعنى : لو لا أنّي قضيت أن أتفضّل عليكم في الدنيا بأنواع النعم الّتي من جملتها الإمهال للتوبة ، وأن أترحّم عليكم في الآخرة بالعفو والمغفرة المقدّرين لكم (لَمَسَّكُمْ) عاجلا (فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ) خضتم من حديث الإفك. يقال : أفاض في الحديث واندفع وهضب (١) وخاض. (عَذابٌ عَظِيمٌ) شديد لا انقطاع له ، بحيث يستحقر دونه اللوم والجلد.

ثمّ ذكر الوقت الّذي كان يصيبهم العذاب فيه لو لا فضله ، فقال : (إِذْ) ظرف لـ «مسّكم» أو «أفضتم» (تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) يأخذه ويرويه بعضكم عن بعض بالسؤال

__________________

(١) هضب القوم في الحديث : أفاضوا فيه ، وارتفعت أصواتهم.

٤٨٥

عنه. يقال : تلقّى القول وتلقّفه وتلقّنه.

(وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ) أي : وتقولون كلاما مختصّا بالأفواه ، بلا مساعدة من القلوب (ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) لأنّه ليس تعبيرا عن علم به في قلوبكم ، كقوله : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) (١).

(وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) سهلا لا تبعة له (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) في الوزر واستجرار العذاب. وصفهم بارتكاب ثلاثة آثام مترتّبة ، وعلّق بها مسّ العذاب العظيم : تلقّي الإفك بألسنتهم ، والتحدّث بما لا علم لهم به ، واستصغار هم لذلك وهو عند الله عظيم.

ثمّ زاد سبحانه في الإنكار عليهم ، فقال : (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ) هلّا قلتم حين سمعتم ذلك الحديث (ما يَكُونُ لَنا) ما ينبغي وما يصحّ لنا (أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) بهذا القول المخصوص أو نوعه ، فإنّ قذف آحاد الناس محرّم شرعا ، فضلا عن تعرّض زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرمة الحريمة.

(سُبْحانَكَ) ربّنا ، تعجّب ممّن يقول ذلك. وأصله أن يذكر عند كلّ متعجّب تنزيها لله تعالى من أن يصعب عليه مثله ، ثمّ كثر استعماله لكلّ متعجّب. أو تنزيه لله من أن تكون حرمة نبيّه فاجرة ، فإنّ فجورها ينفّر الناس عنه ، وهذا مخلّ بالبعثة والتبليغ ، بخلاف كفرها ، فإنّ الأنبياء بعثوا ليدعوهم ، وهم يعظّمونهم وينقادون لما أرسلوا له ، ويميلون إليهم ، ويقبلون عليهم بالقلب ، فيجب أن لا يكون معهم ما ينفّرهم عنهم ، ولم يكن الكفر عندهم ممّا ينفرّهم ، وأمّا الكشخنة (٢) ـ والعياذ بالله ـ فمن أعظم المنفّرات.

والسبحلة تكون تقريرا لما قبلها ، وتمهيدا لقوله : (هذا) الّذي قالوه (بُهْتانٌ) كذب وزور (عَظِيمٌ) عقابه ، لعظمة المبهوت عليه ، فإنّ حقارة الذنوب وعظمها باعتبار متعلّقاتها.

__________________

(١) آل عمران : ١٦٧.

(٢) الكشخنة : الدياثة. والكشخان : الّذي امرأته فاجرة.

٤٨٦

(يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠))

ثمّ وعظ سبحانه الّذين خاضوا في الإفك ، فقال : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ) كراهة أن تعودوا ، أو في أن تعودوا ، من قولك : وعظت فلانا في كذا فتركه (أَبَداً) ما دمتم أحياء مكلّفين (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فإنّ الإيمان يمنع عنه. وفيه تهييج لهم ، وتذكير بما يوجب ترك العود ، ويصرف عن القبيح.

(وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) الأوامر والنواهي الدالّة على الشرائع الجميلة ، والآداب الحسنة ، والمواعظ الشافية ، كي تتّعظوا وتتأدّبوا (وَاللهُ عَلِيمٌ) بدواعي الحكم في الأحوال كلّها (حَكِيمٌ) في تدابيره ، فلا يجوّز الكشخنة على نبيّه ، ولا يقرّره عليها.

ثمّ هدّد القاذفين فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) أن تنتشر ، أي : يشيعونها عن قصد وإرادة ومحبّة لها (فِي الَّذِينَ آمَنُوا) بأن ينسبوها إليهم ، ويقذفوهم بها (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا) بإقامة الحدّ عليهم (وَالْآخِرَةِ) بعذاب السعير (وَاللهُ يَعْلَمُ) ما في القلوب من الأسرار والضمائر (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك. يعني : أنّه قد علم محبّة من أحبّ الإشاعة ، وما يستحقّ عليه من شدّة العقاب.

روي : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرب عبد الله بن أبيّ وحسّانا ومسطحا. وقعد صفوان لحسّان فضربه ضربة بالسيف ، وكفّ بصره.

(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) كرّر المنّة بترك المعاجلة بالعقاب الدالّة على

٤٨٧

عظم الجريمة ، وعطف قوله : (وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) على حصول فضله ورحمته عليهم ، وحذف الجواب ـ أعني : لعاجلكم بالعقوبة ـ للمبالغة العظيمة في ذلك.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١))

ولمّا بيّن سبحانه أحكام قذف المحصنات وعظم أمره ، وعقّب ذلك بأحكام قذف الزوجات ، ثمّ عظّم بعد ذلك قذف أزواج النبيّ اللاتي هنّ أمّهات المؤمنين ، نهى عن متابعة الشيطان المستلزمة لارتكاب صنوف الفحشاء وأنواع المنكرات ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) آثاره وطرقه الّتي تؤدّي إلى مرضاته ، ومن جملتها إشاعة الفاحشة وغيرها. وقرأ نافع والبزّي وأبو عمرو وأبو بكر وحمزة بسكونها (١).

(وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) هذا بيان لعلّة النهي عن اتّباعه. والفاحشة والفحشاء : ما أفرط قبحه. والمنكر : ما أنكره الشرع. أو ما تنكره النفوس ، فتنفر عنه ولا ترتضيه.

(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بتوفيق التوبة الماحية للذنوب ، وشرع الحدود المكفّرة لها (ما زَكى) ما طهر من دنسها (مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) آخر الدهر (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي) يطهّر (مَنْ يَشاءُ) من الذنوب ، بحمله على التوبة وقبولها (وَاللهُ سَمِيعٌ) لمقالهم (عَلِيمٌ) بنيّاتهم وإخلاصهم.

__________________

(١) أي : بسكون طاء : خطوات.

٤٨٨

وفي الآية دلالة على أنّ الله سبحانه يريد من خلقه خلاف ما يريده الشيطان ، لأنّه إذا ذمّ سبحانه الأمر بالفحشاء والمنكر ، فخالقهما ومريدهما أولى بالذمّ ، تعالى وتقدّس عن ذلك ، وفيها دلالة على أنّ أحدا لا يصلح إلّا بلطفه.

(وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢))

روي : أنّ مسطحا كان ابن خالة أبي بكر ، وكان فقيرا من فقراء المهاجرين ومن جملة البدريّين ، وكان أبو بكر ينفق عليه ، فلمّا خاض في الإفك الى أن لا ينفق عليه بعد ، فنزلت : (وَلا يَأْتَلِ) افتعال من الأليّة بمعنى القسم ، أي : لا يحلف. وقيل : من الألو.

يقال : ما ألوت جهدا ، إذا لم تقصّر. فالمعنى : لا يقصّر. (أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) أولوا التفضّل والإحسان (وَالسَّعَةِ) في المال (أَنْ يُؤْتُوا) على أن لا يؤتوا ، أو في أن يأتوا (أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ) صفات لموصوف واحد ، أي : ناسا جامعين لها ، لأنّ الكلام فيمن كان كذلك ، وهو مسطح. أو لموصوفات أقيمت مقامها ، فيكون أعمّ.

(وَلْيَعْفُوا) ما فرط منهم (وَلْيَصْفَحُوا) بالإغماض عنه (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) معاصيكم جزاء على عفوكم وصفحكم وإحسانكم إلى من أساء إليكم. وقد أجمعت الأمّة على أنّ المغفرة إنّما تكون متفرّعة على الإيمان المستمرّ إلى حين الموت.

(وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) مع كمال قدرته ، فتخلّقوا بأخلاقه.

٤٨٩

وروي : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأها على أبي بكر ، فقال أبو بكر : بلى أحبّ أن يغفر لي ، ورجع إلى مسطح بالإنفاق.

وقيل : نزلت في جماعة من الصحابة حلفوا أن لا يتصدّقوا على من تكلّم بشيء من الإفك ، ولا يواسوهم.

(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥) الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦))

ثمّ أكّد النهي عن قذف المحصنات بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) العفائف (الْغافِلاتِ) عمّا قذفن به (الْمُؤْمِناتِ) بالله وبرسوله ، استباحة لعرضهنّ ، وطعنا في الرسول والمؤمنين ، كابن أبيّ (لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ابعدوا من رحمة الله في الدارين. وقيل : عذّبوا في الدنيا بالجلد وردّ الشهادة ، وفي الآخرة بعذاب النار.

(وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) لعظم ذنوبهم.

وقيل : هو حكم كلّ قاذف ما لم يتب. وقيل : مخصوص بمن قذف أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ولذلك قال ابن عبّاس : لا توبة له. ولو فتّشت وعيدات القرآن لم تجد أغلظ

٤٩٠

ممّا نزل في إفك عائشة.

(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ) ظرف لما في «لهم» من معنى الاستقرار ، لا للعذاب ، لأنّه موصوف. وقرأ حمزة والكسائي بالياء ، للتقدّم والفصل. (أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) يعترفون بها بإنطاق الله إيّاها بغير اختيارهم ، أو بظهور آثاره عليها.

وفي ذلك مزيد تهويل للعذاب. وأمّا قوله : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) (١) فإنّه يجوز أن تخرج الألسنة ويختم على الأفواه. أو يكون الختم على الأفواه في حال شهادة الأيدي والأرجل. أو يكون الختم في وقت والإنطاق في وقت آخر ، فإنّ أوقات الساعة متطاولة.

(يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَ) جزاءهم الواجب الّذي مستحقّوه وأهله (وَيَعْلَمُونَ) لمعاينتهم الأمر (أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) الثابت بذاته الظاهر ألوهيّته ، لا يشاركه في ذلك غيره ، ولا يقدر على الثواب والعقاب سواه. أو ذو الحقّ البيّن ، أي : العادل الظاهر عدله ، ومن كان هذا شأنه لا ظلم في حكمه ، وينتقم من الظالم للمظلوم لا محالة.

ثمّ دلّ على تبرئة أهل بيت الرسالة من الإفك بقوله : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) النساء الخبيثات للرجال الخبيثين (وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ) والرجال الخبيثون للنساء الخبيثات (وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ) والنساء الطيّبات للرجال الطيّبين (وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) والرجال الطيّبون للنساء الطيّبات ، فإنّ الخبائث يتزوّجن الخباث ، وبالعكس للجنسيّة. وكذلك أهل الطيّب.

وقيل : المراد الأقوال الخبيثات والأقوال الطيّبات. فالمعنى : الخبيثات من الكلم للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من الكلم ، والطيّبات من الكلم للطيّبين من الرجال ، والطيّبون من الرجال للطيّبات من الكلم.

__________________

(١) يس : ٦٥.

٤٩١

والقول الأوّل مرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام. قالا : «هي مثل قوله : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) (١). إنّ أناسا همّوا أن يتزوّجوا منهنّ ، فنهاهم الله عن ذلك ، وكره ذلك لهم».

(أُولئِكَ) يعني : أهل بيت النبيّ ، أو الرسول وعائشة وصفوان (مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) يقول الآفكون فيهم ، إذ لو صدق لم تكن زوجته عليه‌السلام ، ولم يقرّر عليها. وقيل : «أولئك» إشارة إلى الطيّبين ، والضمير في «يقولون» للخبيثين ، أي : الطيّبون مبرّؤن ممّا يقول الخبيثون من خبيثات الكلم. (لَهُمْ) لهؤلاء الطيّبين من الرجال والنساء (مَغْفِرَةٌ) من الله لذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) عطيّة من الله كريمة ، يعني : الجنّة.

وفي الآيات مبالغات كثيرة في أمر الإفك ، فإنّه سبحانه أوجز في ذلك وأشبع ، وفصّل وأجمل ، وأكّد وكرّر ، وجاء بما لم يقع في وعيد المشركين عبدة الأوثان إلّا ما هو دونه في الفظاعة.

وعن ابن عبّاس : أنّه كان بالبصرة يوم عرفة ، وكان يسأل عن تفسير القرآن ، حتّى سئل عن هذه الآيات ، فقال : من أذنب ذنبا ثمّ تاب منه قبلت توبته ، إلّا من خاض في أمر عائشة.

وهذه منه مبالغة وتعظيم لأمر الإفك. ولقد برّأ الله أربعة بأربعة : برّأ يوسف عليه‌السلام بلسان الشاهد : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) (٢). وبرّأ موسى عليه‌السلام من قول اليهود بالحجر الّذي ذهب بثوبه. وبرّأ مريم عليهما‌السلام بإنطاق ولدها حين نادى من حجرها : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) (٣).

وبرّأ عائشة بهذه الآيات العظام في كتابه المعجز المتلوّ على وجه الدهر ، مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات.

__________________

(١) النور : ٣.

(٢) يوسف : ٢٦.

(٣) مريم : ٣٠.

٤٩٢

فانظر كم بينها وبين تبرئة أولئك؟ وما ذاك إلّا لإظهار علوّ منزلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتنبيه على إنافة محلّ سيّد ولد آدم ، وخيرة الأوّلين والآخرين ، وحجّة الله على العالمين ، ومن أراد أن يتحقّق عظمة شأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتقدّم قدمه ، وإحرازه لقصب السبق دون كلّ سابق ، فليتلقّ ذلك من آيات الإفك ، وليتأمّل كيف غضب الله له في حرمته؟! وكيف بالغ في نفي التهمة عن حجابه؟!

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٢٩))

ولمّا كان النظر جاسوس الفواحش ومقدّمتها ، نهى الله تعالى العباد عن الدخول في البيوت من غير إذن أهلها ، لئلّا ينظروا إلى سواكنها ، وتميل قلوبهم إليهنّ ، فقال عقيب آيات الإفك : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) الّتي لا تسكنونها ، فإنّ الآجر والمعير أيضا لا يدخلان إلّا بإذن (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) من الاستئناس بمعنى الاستعلام ، أي : حتّى تستعلموا وتستكشفوا الحال. من : آنس الشيء إذا أبصره ظاهرا مكشوفا ، فإنّ المستأذن مستعلم للحال ، مستكشف أنّه هل يراد دخوله أو يؤذن له؟ ومنه قولهم : استأنست فلم أر أحدا ، أي : استعلمت وتعرّفت. أو من الاستئناس الّذي هو خلاف

٤٩٣

الاستيحاش ، فإنّ المستأذن مستوحش خائف أن لا يؤذن له ، فإذا أذن له استأنس.

ويجوز أن يكون معناه : حتّى تتعرّفوا هل ثمّ إنسان؟ من الإنس.

عن أبي أيّوب الأنصاري : قلنا : «يا رسول الله ما الاستئناس؟ قال : يتكلّم الرجل بالتسبيحة والتحميدة والتكبيرة ويتنحنح ، يؤذن أهل البيت».

(وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) بأن تقولوا : السلام عليكم أأدخل؟ وعنه عليه‌السلام : «التسليم أن يقول : السلام عليكم أأدخل؟ ثلاث مرّات ، فإن أذن له دخل وإلّا رجع».

روي : أنّ رجلا استأذن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتنحنح ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لامرأة يقال لها روضة : «قومي إلى هذا فعلّميه ، وقولي له : قل : السلام عليكم أأدخل؟ فسمعها الرجل فقال ذلك. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أدخل».

ولا يخفى أنّ الاستئذان للدخول واجب ، والتسليم مستحبّ إجماعا منّا.

(ذلِكُمْ) أي : الاستئذان ، أو التسليم (خَيْرٌ لَكُمْ) من أن تدخلوا بغتة. أو من تحيّة الجاهليّة ، فإنّه كان الرجل منهم إذا دخل بيتا غير بيته قال : حيّيتم صباحا أو حيّيتم مساء ودخل ، فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف.

وروي : أنّ رجلا قال للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أأستأذن على أمّي؟ قال : نعم. قال : لا خادم لها غيري أأستأذن عليها كلّما دخلت؟ قال عليه‌السلام : أتحبّ أن تراها عريانة؟ قال : لا. قال : فاستأذن».

(لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) متعلّق بمحذوف ، أي : أنزل عليكم هذا أو قيل لكم هذا ، إرادة أن تذكروا وتتّعظوا وتعملوا بما هو أصلح لكم.

(فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً) يأذن لكم (فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ) حتّى يأتي من يأذن لكم ، فإنّ المانع من الدخول ليس الاطّلاع على العورات فقط ، بل وعلى ما يخفيه الناس عادة عن غيرهم ، مع أنّ التصرّف في ملك الغير بغير إذنه حرام.

(وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) فانصرفوا ولا تلحّوا ، لما فيه من سلامة الصدور والبعد من الريبة. واستثني من ذلك ما إذا عرض في دار حريق ، أو هجوم سارق ،

٤٩٤

أو ظهور منكر يجب إنكاره. (هُوَ) أي : الرجوع (أَزْكى لَكُمْ) من الإلحاح والوقوف على الباب منتظرين ، لأنّ هذا ممّا يجلب الكراهة. أو أنفع لدينكم ودنياكم. وإذا نهي عن ذلك لأدائه إلى الكراهة ، وجب الانتهاء عن كلّ ما يؤدّي إليها ، من قرع الباب بعنف ، والتصحيح بصاحب الدار ، وأمثال ذلك.

ثمّ أوعد المخاطبين بدخول بيت الغير بغير إذنه ، فقال : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) فيعلم ما تأتون وما تذرون ممّا خوطبتم به ، فيجازيكم عليه.

ثمّ استثنى من البيوت الّتي يجب على داخلها الاستئذان ما ليس بمسكون منها ، فقال : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) كالربط والخانات ، وحوانيت البيّاعين ، والأرحية والحمّامات (فِيها مَتاعٌ) استمتاع (لَكُمْ) كالاستكنان من الحرّ والبرد ، وإيواء الرحال والأمتعة ، والجلوس للمعاملة (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) هذا وعيد لمن دخل مدخلا لفساد ، أو تطلّع على عورات.

(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ

٤٩٥

يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١))

ثمّ بيّن سبحانه ما يحلّ من النظر وما لا يحلّ منه ، فقال : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) عمّا لا يحلّ لهم النظر إليه (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) إلّا على أزواجهم ، أو ما ملكت أيمانهم. ولمّا كان المستثنى منه كالشاذّ النادر ـ بخلاف الغضّ ـ لأنّ أطلقه ، وقيّد الغضّ بحرف التبعيض ، دلالة على أنّ أمر النظر أوسع من حفظ الفرج ، لأنّ المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهنّ وصدورهنّ وأعضادهنّ وثديهنّ وأسوقهنّ وأقدامهنّ ، وغير ذلك ما عدا فروجهنّ ، وأمّا أمر الفروج فمضيّق على الأزواج أو ما ملكت أيمانهم.

وعن ابن زيد : كلّ ما في القرآن من حفظ الفرج فهو الزنا إلّا هذا ، فإنّه أراد به الاستتار.

وأيضا عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «حفظ الفروج عبارة عن التحفّظ من الزنا في جميع القرآن إلّا هنا ، فإنّ المراد به الستر حتّى لا ينظر إليها أحد ، فلا يحلّ للرجل أن ينظر إلى فرج أخيه ، ولا للمرأة أن تنظر إلى فرج أختها».

وإنّما قدّم الغضّ على حفظ الفرج لكونه داعيا إلى الجماع.

(ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ) أنفع لهم أو أطهر ، لما فيه من البعد عن الريبة ، والقرب إلى التقوى (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ) لا يخفى عليه إجالة أبصارهم ، واستعمال حواسّهم ، وتحريك جوارحهم وما يقصدون بها ، وحفظ فروجهم ، وغضّ أبصارهم ، فليكونوا على حذر منه في كلّ حركة وسكون.

ثمّ أمر النساء بذلك كما أمر الرجال ، فقال : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ) فلا ينظرن إلى ما لا يحلّ لهنّ النظر إليه من الرجال والنساء.

عن أمّ سلمة قالت : «كنت عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده ميمونة ، فأقبل ابن أمّ مكتوم ـ

٤٩٦

وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب ـ فدخل علينا ، فقال : احتجبا. فقلنا : يا رسول الله! أليس أعمى لا يبصرنا؟ فقال : أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟».

(وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ) بالتستّر. وقيل : بالتحفّظ عن الزنا. وإنّما قدّم الغضّ على حفظ الفرج ، لأنّ النظر بريد الزنا ورائد الفجور ، والبلوى فيه وأشدّ وأكثر ، ولا يكاد يقدر على الاحتراس منه.

(وَلا يُبْدِينَ) ولا يظهرن (زِينَتَهُنَ) أي : الباطنة ، كالخلخال والسوار (١) والقرط ، وجميع ما هو مباشر للبدن ، فضلا عن مواضعها الّتي هي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن. فنهى عن إبداء الزين نفسها ، ليعلم أنّ النظر إذا لم يحلّ إليها لملابستها تلك المواضع ، كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكّنا في الحظر ، ثابت القدم في الحرمة ، لمن لا يحلّ أن تبدي له. (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) عند مزاولة الأشياء كالثياب ، فإنّ في سترها حرجا.

وقيل : المراد بالزينة مواقعها على حذف المضاف. والأصحّ أنّ المراد نفس الزينة ، إذ لو أبيح النظر إليها لكان وسيلة إلى النظر إلى مواضعها.

وقيل : المستثنى هو الوجه والكفّان ، لأنّها ليست بعورة. والصحيح أنّ هذا في الصلاة لا في النظر ، فإنّ بدن الحرّة عورة لا يحلّ لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلّا لضرورة ، كالمعالجة وتحمّل الشهادة.

(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ) أي : وليسدلن أقناعهنّ (٢) على أعناقهنّ وصدورهنّ ، لتسترا عن نظر الأجانب.

قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وهشام بضمّ الجيم على الأصل ، فإنّ كسرها لأجل مناسبة الياء.

__________________

(١) السوار : حلية كالطوق تلبسه المرأة في زندها أو معصمها. والقرط : ما يعلّق في شحمة الأذن من درّة ونحوها.

(٢) جمع القناع ، وهو ما تغطّي به المرأة رأسها

٤٩٧

(وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) كرّره لبيان من يحلّ له الإبداء ومن لا يحلّ له. (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ) فإنّهم المقصودون بالزينة ، لأنّ ذلك يحرّك شهواتهم ، ويدعو إلى المباشرة المقصودة ، ولهذا لهم أن ينظروا إلى جميع البدن حتّى الفرج.

روي : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن السلتاء من النساء والمرهاء. فالسلتاء : هي الّتي لا تختضب.

والمرهاء : هي الّتي لا تكتحل. ولعن المسوّفة والمفسّلة. فالمسوّفة : هي الّتي إذا دعاها زوجها إلى المباشرة قالت : سوف أفعل. والمفسّلة : هي الّتي إذا دعاها قالت : أنا حائض ، وهي غير حائض.

(أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَ) وهم الّذين يحرم عليهم نكاحهنّ. ويدخل أجداد البعولة فيه وإن علوا ، وأحفادهم وإن سفلوا. وإنّما يجوز إبداء الزينة الباطنة لهم لكثرة مداخلتهم عليهنّ ، واحتياجهنّ إلى مداخلتهم ، وقلّة توقّع الفتنة من قبلهم ، لما في الطباع من النفرة عن مماسّة القرائب. ولهم أن ينظروا منهنّ ما يبدو عند المهنة والخدمة.

وإنّما لم يذكر الأعمام والأخوال ، لأنّهم في معنى الإخوان. وسئل عن الشعبي لم لم يذكر الله الأعمام والأخوال؟ قال : لئلّا يصفوهنّ لأبنائهم. وهذا أيضا من الدلالات البليغة على وجوب الاحتياط عليهنّ في التستّر.

(أَوْ نِسائِهِنَ) يعني : المؤمنات ، فإنّ الكافرات لا يتحرّجن عن وصفهنّ للرجال. فيكون الوصف كالنظر ، إلّا إذا كنّ إماء ، لعموم قوله : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) أي : من الإماء خاصّة. فلا يجوز أن ينظر العبد إلى مولاته. وهو قول أكثر أصحابنا ، وعليه الفتوى. وبه قال أبو حنيفة. حتّى إنّه قال : لا يحلّ إمساك الخصيان ولا استخدامهم وبيعهم وشراؤهم. وينبغي أن يحمل ذلك على بيعهم لأجل إدخالهم على النساء ، لأنّ ما كان لأجل المحرّم فهو محرّم ، كبيع العنب ليعمل خمرا.

(أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) أي : غير أولي الحاجة إلى النساء.

٤٩٨

وهم الشيوخ الهمّ (١) الّذين ليس لهم حاجة إلى النساء. وهو مرويّ عن الكاظم عليه‌السلام.

وقيل : هم البله الّذين يتّبعون الناس لفضل طعامهم ، ولا يعرفون شيئا من أمور النساء. وهو مرويّ عن الصادق عليه‌السلاموابن عبّاس.

وقيل : منهم الممسوحون والمجبوبون والخصيان. والأصحّ أنّهم كالرجال الأجانب ، للرواية.

وقرأ ابن عامر وأبو بكر : غير بالنصب على الحال.

(أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) لعدم تمييزهم. من الظهور بمعنى الاطّلاع. أو لعدم بلوغهم حدّ الشهوة. من الظهور بمعنى الغلبة. فإذا بلغوا مبلغ الشهوة فحكمهم حكم الرجال. والطفل جنس وضع موضع الجمع ، اكتفاء بدلالة الوصف.

روي عن قتادة : أنّ في الجاهليّة كانت المرأة تضرب برجلها لتسمع قعقعة (٢) الخلخال فيها ، فنهاهنّ عن ذلك بقوله تعالى : (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ) ليتقعقع خلخالها فيعلم أنّها ذات خلخال ، فإنّ ذلك يورث ميلا إلى الرجال.

وهو أبلغ من النهي عن إظهار الزينة ، وأدلّ على المنع من رفع الصوت.

(وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) إذ لا يكاد يخلو أحد منكم من تفريط ، سيّما في الكفّ عن الشهوات. والخطاب للمؤمنين والمؤمنات ، فغلّب التذكير.

وقيل : توبوا ممّا كنتم تفعلونه في الجاهليّة ، فإنّه وإن جبّ بالإسلام ، لكن يجب الندم عليه والعزم على الكفّ عنه كلّما يتذكّر.

(لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تفوزون بسعادة الدارين. وقرأ ابن عامر : «أيّه المؤمنون» وفي الزخرف : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ) (٣) وفي الرحمن : (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) (٤) بضمّ الهاء في الوصل

__________________

(١) الهمّ : الشيخ الفاني.

(٢) أي : صوته.

(٣) الزخرف : ٤٩.

(٤) الرحمن : ٣١.

٤٩٩

في الثلاثة. ووجهه : أنّها كانت مفتوحة ، لوقوعها قبل الألف ، فلمّا سقطت الألف لالتقاء الساكنين ، اتبعت حركتها حركة ما قبلها. والباقون بفتحها. ووقف أبو عمرو الكسائي عليهنّ بالألف. ووقف الباقون بغير الألف.

وفي الحديث أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أيّها الناس توبوا إلى ربّكم ، فإنّي أتوب إلى الله في كلّ يوم مائة مرّة». أورده مسلم في الصحيح (١). والمراد بتوبته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الانقطاع إلى الله تعالى.

(وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢))

ولمّا نهى سبحانه عمّا عسى أن يفضي إلى السفاح المخلّ بالنصب ، المقتضي للألفة وحسن التربية ومزيد الشفقة ، المؤدّية إلى بقاء النوع ، بعد الزجر عنه مبالغة فيه ، عقّبه بأمر النكاح الحافظ له ، فقال خطابا للأولياء والسادة : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) جمع الأيّم. مقلوب أيايم ، كيتامى ويتايم. وهو العزب ، ذكرا كان أو أنثى. يقال : آم وآمت وتأيّما إذا لم يتزوّجا ، بكرين كانا أو ثيّبين. فالمعنى : زوّجوا من تأيّم منكم.

(وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) أي : زوّجوا المستورين من عبيدكم وجواريكم. خصّص الصالحين لأنّ إحصان دينهم والاهتمام بشأنهم أهمّ. وقيل : المراد الصالحون للنكاح والقيام بحقوقه. ولا يخفى أنّ هذين التفسيرين يوجبان التخصيص.

والأولى أنّه ترغيب في الصلاح ، لأنّهم إذا علموا ذلك رغبوا في الصلاح. أو من باب

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ٢٠٧٥ ح ٤٢.

٥٠٠