غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

فخرق مثانتها فلم تملك بولها فجعل لها ثلث نصف الدية مائة وستة وستين دينارا وثلثي دينار ، وذلك ثلث دية المرأة ، وقضى لها عليه صداقها مثل نسائها » (٩٧) ، والرواية المتضمنة لديتها رواية هشام (٩٨) عن أبي الحسن عليه‌السلام ، ويعضدها أن استمساك البول منفعة واحدة فيجب في تفويتها الدية ، وهو اختيار فخر الدين ، وهو المعتمد ، وعلى القولين لا بد من مهر نسائها لذهاب بكارتها.

__________________

(٩٧) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٣٠ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ٢.

(٩٨) المصدر السابق ، حديث ٣.

٤٦١
٤٦٢

في الجناية على المنافع

قال رحمه‌الله : العقل وفيه الدية ، وفي بعضه الأرش في نظر الحاكم ، إذ لا طريق الى تقدير النقصان ، وفي المبسوط يقدر بالزمان ، فلو جن يوما وأفاق يوما كان الذاهب نصفه ، أو [ جنّ ] يوما وأفاق يومين ، كان الذاهب ثلثه ، وهو تخمين.

أقول : جزم العلامة في القواعد بما قرره الشيخ في المبسوط ، وهو التقدير في الزمان وذلك مع إمكان الضبط ، مثل أن يجن يوما ويفيق يوما ، أو يجن يوما ويفيق يومين ، أو بالعكس وهكذا ، ولو لم يضبط زمان الإفاقة ولا زمان الجنون ، مثل أن يجن بعض يوم ويفيق بعضه فإنه يرجع الى تقدير الحاكم ، والمصنف لم يلتفت الى هذا التقدير ؛ لأن التقدير حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية وليس ، والقول بغير دليل تخمين ، فالمرجع في ذلك الى رأي الحاكم سواء أمكن ضبط الزمان أو لم يمكن ، وهو ظاهر العلامة في التحرير.

قال رحمه‌الله : ولو شجه فذهب عقله لم يتداخل دية الجنايتين ، وفي رواية : إذا كان ضربة واحدة تداخلتا ، والأول أشبه ، وفي رواية : لو ضربه على

٤٦٣

رأسه فذهب عقله انتظر به سنة ، فان مات فيها قيد به ، وإن بقي ولم يرجع عقله ففيه الدية ، وهي حسنة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الشيخ في التهذيب ، عن أبي عبيده الحذاء « قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل ضرب رجلا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله؟ فقال : إن كان المضروب لا يعقل أوقات الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له ، فإنه ينتظر به سنة ، فان مات فيما بينه وبين سنة قيد به ضاربه ، وإن لم يمت فيما بينه وبين سنة ولم يرجع اليه عقله ، لزم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله ، قلت فما ترى عليه في الشجة شيئا؟ قال : لا ؛ لأنه إنما ضربه واحدة فجنت الضربة جنايتين ، فألزمته أغلظ الجنايتين وهي الدية ، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنى كائنا ما كانتا الا ان تكون فيهما الموت ، فيقاد به ضاربه بواحدة وتطرح الأخرى » (٩٩) ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية ، واختار المصنف والعلامة عدم التداخل مطلقا ما لم تسر الجناية إلى النفس ، واختاره أبو العباس أيضا ؛ لأنهما جنايتان وتداخلهما على خلاف الأصل ، ولو قال المصنف : وفي الرواية كان أحسن من قوله : وفي رواية ؛ لأن الثانية هي الأولى.

قال رحمه‌الله : وفي رواية يقابل بالشمس فان كان كما قال بقيتا مفتوحتين.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١٠٠) ، وقد تقدمت في اللسان (١٠١).

__________________

(٩٩) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٧ من أبواب ديات المنافع ، حديث ١.

(١٠٠) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٤ من أبواب ديات المنافع ، حديث ١.

(١٠١) تقدم ص ٤٥٠.

٤٦٤

قال رحمه‌الله : وفي رواية : يحرق له حراق ويقرب منه ، فان دمعت عيناه ونحى أنفه فهو كاذب.

أقول : هذه رواية الأصبغ بن نباته المتقدمة ، ولا عمل عليها في شي‌ء مما تضمنته.

قال رحمه‌الله : قيل : في سلس البول الدية ، وهي رواية غياث بن إبراهيم ، وفيه ضعف ، وقيل : إن دام الى الليل ففيه الدية ، وإن كان الى الزوال فثلثا الدية ، والى ارتفاع النهار فثلث الدية.

أقول : روى غياث ابن إبراهيم عن الصادق عليه‌السلام ، « أن عليا عليه‌السلام قضى في رجل ضرب رجلا حتى سلس بوله بالدية كاملة » (١٠٢) وبمضمونها أفتى الشيخ وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلامة (١٠٣) ؛ لأنه منفعة (١٠٤) واحدة في البدن ، والمصنف توقف في ذلك ؛ لأن غياث بتري فعلى تقدير عدم العمل بالرواية يجب الحكومة ، وروى الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار ، « قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عن رجل ضرب رجلا فلم ينقطع بوله؟ فقال : إن كان البول يمر الى الليل فعليه الدية ، وان كان الى نصف النهار فعليه ثلثا الدية ، وإن كان الى ارتفاع النهار فعليه ثلث الدية » (١٠٥) قال العلامة : والظاهر أن المراد في ذلك ( في كل ) (١٠٦) يوم والمعتمد اختيار المصنف.

__________________

(١٠٢) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٩ من أبواب ديات المنافع ، حديث ٤.

(١٠٣) في النسخ : المصنف.

(١٠٤) في النسخ : لأن منفعته.

(١٠٥) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٩ من أبواب ديات المنافع ، حديث ٣.

(١٠٦) ما بين القوسين ليس في « م » و « ر ١ ».

٤٦٥
٤٦٦

في الشجاج والجراح

قال رحمه‌الله : أما الخارصة فهي التي تقشر الجلد ، وفيها بعير ، وهل هي الدامية؟ قال الشيخ : نعم والرواية ضعيفة ، والأكثرون على أن الدامية غيرها ، وهي رواية منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

أقول : ذهب الشيخ الى أن الخارصة والدامية مترادفتان على معنى واحد ، وتبعه ابن البراج في الكامل وهو ظاهر أبي الصلاح وابن حمزة حيث أسقطا لفظ الخارصة وذكر (١٠٧) الدامية وهو تفسير الأصمعي ، استند الشيخ ومن تابعة إلى رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، « قال : قال : أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المأمومة ثلث الدية ، وفي المنقولة خمس عشرة من الإبل ، وفي الموضحة خمس من الإبل ، وفي الدامية بعير ، وفي الباضعة بعيران ، وقضى في المتلاحمة ثلاثة أبعرة » (١٠٨) ومثلها

__________________

(١٠٧) كذا.

(١٠٨) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٢ من أبواب ديات الشجاج ، حديث ٦ ورواية السكوني حديث ٨.

٤٦٧

رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، والمشهور المغايرة بين الدامية والخارصة ، لما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن علي عليه‌السلام : « في الخارصة وهي الخدش بعير ، وفي الدامية بعيران » (١٠٩).

وعلى القولين لا يزيد الشجاج على ثمان ولا ينقص عنها ، وهي الخارصة والدامية والمتلاحمة والسمحاق والموضحة والهاشمة والمنقلة والمأمومة ، فعلى القول بأن الخارصة هي الدامية تكون الباضعة غير ( الدامية ) (١١٠) المتلاحمة ، فحينئذ يصير الدامية والخارصة واحدا ، وهي التي تقشر الجلد وفيها بعير ، وان شئت سميتها خارصة ، وان شئت سميتها دامية ، وتصير الباضعة هي التي تأخذ في اللحم يسيرا ، وعلى القول بأن الدامية غير الخارصة تكون الباضعة هي المتلاحمة فلا تفاوت حينئذ في العدد ، ولا في الدية.

قال رحمه‌الله : أما الهاشمة فهي التي تهشم العظم ، وديتها عشر من الإبل أرباعا إن كان خطأ ، وأثلاثا إن كان شبيه العمد.

أقول : قوله أرباعا إن كان خطأ وأثلاثا إن كان شبيه العمد أي أربعة أسنان من الإبل أو ثلاثة منها ، وذلك ؛ لأن دية الخطأ عشرون بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون ، وثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقة ، فهذه أربعة أسنان ، ودية الهاشمة عشر ذلك ، فتأخذ عشر كل سن فيجتمع بنتا مخاض ، وابنا لبون ، وثلاث بنات لبون ، وثلاث حقاق فهذا معنى قوله ( أرباعا ) أي بالنسبة إلى الأسنان.

ودية شبيه العمد تشمل على ثلاث أسنان من الإبل ، هي ثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقه ، وأربعون خلفة وهي الحامل ، ودية الهاشمة عشر الجميع فتأخذ ثلاث بنات لبون ، وثلاث حقاق ، وأربع خلفات ، وهذا معنى قوله ( أو

__________________

(١٠٩) المصدر السابق ، حديث ١٤.

(١١٠) ليس في النسخ.

٤٦٨

أثلاثا ).

ولم يذكر العمد مع أن الواجب في الهاشمة الدية وإن كانت عمدا ، لأن أسنان الإبل لا تختلف في العمد ، بل يجب فيها مائة من مسان الإبل فلهذا أهمل ذكرها.

قال رحمه‌الله : ولو أوضحه اثنتين وهشمه فيهما ، واتصل الهشم باطنا ، قال في المبسوط : هما هاشمتان ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن الهشمة (١١١) إنما تكون تبعا للإيضاح ، فاذا كانتا موضحتين كان الهشم هاشمتين ، ومن اتصال الهشم فيكون واحدا ولا يشترط في الهشم الجرح الظاهر ؛ لأنه لو حصل ( الهشم من غير جرح ) (١١٢) ثبت ديته وإن لم يكن جرحا.

قال رحمه‌الله : ولا قصاص في المأمومة ؛ لأن السلامة معها غير غالبة ، ولو أراد المجني أن يقتص في الموضحة ، ويطالب بدية الزائد جاز ، والزيادة ثمانية وعشرون بعيرا ، قال في المبسوط : وثلث بعير ، وهو بناء على أن في المأمومة ثلاثة وثلاثين وثلثا ، ونحن نقتصر على ثلاثة وثلاثين تبعا للنقل.

أقول : قال ابن إدريس : وفي الثانية ـ يعني المأمومة ـ ثلث دية النفس ، ثلاث وثلاثون بعيرا فحسب من غير زيادة ولا نقصان إن كان من أصحاب الإبل ، ولا يلزمه ثلث البعير الذي يكمل به ثلث المئة بعير التي هي دية النفس ؛ لان روايتهم مطلقة وكذا مصنفاتهم وقول مشايخهم وفتاويهم ، وإجماعهم منعقد على هذا الإطلاق أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء ؛ لأن ذلك يتحدد فيه الثلث ، ولا يتحدد في الإبل والبقر والغنم ، قال : وما حررناه واخترناه تحرير السيد المرتضى في جواب المسائل الناصريات التي هي الطبريات ، وكذا قال

__________________

(١١١) كذا.

(١١٢) في الأصل و « م » : معه جرح ، بدل ما بين القوسين.

٤٦٩

شيخنا المفيد في مقنعته : دية المأمومة ثلث دية النفس ثلاث وثلاثون بعيرا ، ولم يقل وثلث بعير ، وهكذا قول شيخنا أبي جعفر في نهايته (١١٣) انتهى كلام ابن إدريس واختاره المصنف.

وجزم العلامة في القواعد : أن في المأمومة ثلاث وثلاثون بعيرا وثلث بعير ، كما هو مذهب المبسوط ، قال العلامة في المختلف : والروايات الدالة على أن فيها ثلث الدية تدل على ذلك ، لكن الروايات الأخرى تدل على أن الواجب ثلاث وثلاثون بعيرا ، روى الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام : « في المأمومة ثلاث وثلاثون من الإبل ، والجائفة ثلاث وثلاثون من الإبل » (١١٤).

قال رحمه‌الله : ولو طعن في صدره فخرج من ظهره ، قال في المبسوط : واحدة ، وفي الخلاف : اثنتان ، وهو أشبه.

أقول : مذهب الخلاف اختيار المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، وابنه في الإيضاح ، لإطلاق الاسم عليهما من (١١٥) البطن والظهر ، ولما في ذلك من زيادة الألم المقتضي لزيادة العقوبة ، ولأنه لو انفردت كل منهما لا وجبت حكما ، فمع الاجتماع لا يزول ما كان ثابتا حالة الانفراد للاستصحاب ، ولأنه لو طعنه من كل جانب طعنة والتقتا كانتا جائفتين فكذا هنا ، إذ لا فارق غير اتحاد الضربة وتعددها وهو غير صالح للفرق. وحجة المبسوط أصالة البراءة ، ولأن الجائفة ما نفذت الى الجوف من ظاهر ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : قيل : إذا نفذت نافذة في شي‌ء من أطراف الرجل ، ففيها مائة دينار.

__________________

(١١٣) السرائر ، ج ٣ ، ص ٤٠٨.

(١١٤) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٢ من أبواب ديات الشجاج ، حديث ٤.

(١١٥) في الأصل : كما في.

٤٧٠

أقول : هذا قول ظريف بن ناصح في كتابه ، قال : « والنافذة إذا نفذت من خنجر أو رمح في شي‌ء من أطراف الرجل فديتها عشر دية الرجل مائة دينار » (١١٦) وظاهر المصنف التوقف في ذلك ؛ لأن التقدير حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ، فعلى عدم العمل بقول ظريف تكون فيها الحكومة ، وكذا لو كانت في أطراف المرأة فإن فيها الحكومة وإن قلنا بما تضمنه كتاب ظريف ، لاختصاص ذلك بالرجل.

قال رحمه‌الله : وفي احمرار الوجه بالجناية دينار ونصف ، وفي اخضراره ثلاثة دنانير ، وكذا في الاسوداد عند قوم ، وعند آخرين ستة دنانير ، وهو أولى ، لرواية إسحاق بن عمار (١١٧) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ولما فيه من زيادة النكاية ، وقال في جماعة : ودية هذه الثلاث في البدن على النصف.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في احمرار الوجه أو اخضراره أو اسوداده في الجناية ، ولا خلاف فيما قدر في الاحمرار والاخضرار ، وانما الخلاف في الاسوداد ، فالمفيد وسلار وابن الجنيد وأبو الصلاح والسيد المرتضى وابن إدريس ذهبوا الى مساواة الاسوداد للاخضرار في إيجاب ثلاثة دنانير ، لأصالة براءة الذمة عما زاد على ذلك ، وقال الشيخ في النهاية والخلاف : في الاسوداد ستة دنانير ، وتابعه ابن حمزة وابن البراج في الكامل ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد والوجه ما ذكره المصنف.

الثانية : هذه الجناية إذا حصلت في البدن كان على النصف ، على ما هو مشهور بين الأصحاب ، وجزم به العلامة متابعة للأصحاب ، ولم يجزم به

__________________

(١١٦) المصدر السابق ، حديث ٣.

(١١٧) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٥ من أبواب ديات الشجاج والجراح ، حديث ١.

٤٧١

المصنف ؛ لأنه لم يظفر بدليل مقنع ، والتقدير حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ، فعلى تقدير عدم العمل بما هو مشهور بين الأصحاب يكون في ذلك الحكومة ، والمشهور هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : من لا ولي له فالإمام ولي دمه يقتص إن قتل عمدا ، وهل له العفو؟ الأصح : لا ، وكذا لو قتل خطأ فله استيفاء الدية ، وليس له العفو.

أقول : عدم جواز العفو هو المشهور بين الأصحاب ، وهو قريب من الإجماع ، لما رواه أبو ولاد عن الصادق عليه‌السلام : « في الرجل يقتل وليس له ولي إلا الامام أنه ليس للإمام أن يعفو وله أن يقتل أو يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين لأن جناية المقتول كانت على الامام وكذلك ديته تكون له » (١١٨) ، وقال ابن إدريس له العفو ؛ لأنه وارث فله إسقاط حقه كغيره من الوارث ، والأول هو المعتمد.

__________________

(١١٨) الوسائل ، كتاب القصاص ، باب ٦٠ من أبواب القصاص في النفس ، حديث ١ و ٢.

٤٧٢

في اللواحق

قال رحمه‌الله : ولو كان ذميا فعشر دية أبيه ، وفي رواية السكوني ، عن جعفر ، عن علي عليهما‌السلام : عشر دية أمّه ، والمعتمد على الأول.

أقول : وجه الأول أن الواجب في جنين الحر مائة دينار ، وهي عشر دية الأب ، فكذا دية جنين الذمي فيه عشر دية أبيه ، وروى السكوني عن جعفر عن علي عليهما‌السلام : « في جنين اليهودية والنصرانية والمجوسية عشر دية أمه » (١١٩) وهي متروكة ، وحملها العلامة على كون الأم مسلمة.

قال رحمه‌الله : ولو لم تتم خلقته ففي ديته قولان ، أحدهما عشرة ، ذكره في المبسوط ، وفي موضع من الخلاف ، وفي كتابي الأخبار ، والآخر : ـ وهو الأشهر ـ ، توزيع الدية على مراتب النقل ، ففيه عظما ثمانون ، ومضغة ستون ، وعلقة أربعون.

أقول : وجوب الغرة مذهب الشيخ في الكتب المذكورة ، وابن الجنيد أطلق وجوب الغرة في الجنين ، ولم يقيد بتمام الخلقة وعدمه ، لما رواه أبو بصير عن

__________________

(١١٩) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٢٢ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ٢.

٤٧٣

الصادق عليه‌السلام ، « قال : إن ضرب رجل امرأة حبلى فألقت ما في بطنها ميتا ، كان عليه غرة عبد أو أمة يدفعها إليها » (١٢٠) ، والتوزيع مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، ولهم عليه روايات كثيرة (١٢١) ، وهو المعتمد.

تنبيه : اختلف الأصحاب في الغرة ، والمشهور أنها عبد أو أمة ، وهو قول صاحب الصحاح وأبو عبيدة من أهل اللغة ، وقال العلامة في القواعد عبد أو أمة ولا يكون معيبا ولا شيخا كبيرا ولا له أقل من سبع سنين ، وقال الشيخ : الغرة من كل شي‌ء خياره ، وهو قول أبي سعيد الضرير ، والأول هو المعتمد ؛ لأنه قول الأكثر من الفقهاء وأهل اللغة.

قال رحمه‌الله : وقال بعض الأصحاب : وفيما بين كل مرتبة بحساب ذلك ، وفسره واحد بأن النطفة تمكث عشرين يوما ثمَّ تصير علقة ، وكذا بين العلقة والمضغة ، فيكون لكل يوم دينار ، ونحن نطالبه بصحة ما ادعاه الأول ، ثمَّ نطالبه بالدلالة على أن تفسيره مراد. على أن المروي في المكث بين النطفة والعلقة أربعون يوما ، وكذا بين العلقة والمضغة ، روى ذلك سعيد بن المسيب ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام ، ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وأبو جرير القمي عن موسى على السلام ، وأما العشرون فلم نقف بها على رواية ولو سلمنا المكث الذي ذكره ، من أين لنا أن التفاوت في الدية مقسوم على الأيام؟ غايته الاحتمال وليس محتمل واقعا ، مع أنه يحتمل أن تكون الإشارة بذلك الى ما رواه يونس الشيباني عن الصادق عليه الصلاة والسلام : « إن لكل قطرة تظهر في النطفة دينارين ». وكذا كل ما صار في العلقة شبه العرق من اللحم يزاد

__________________

(١٢٠) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٢٠ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ٥.

(١٢١) راجع أحاديث الباب في المصدر السابق.

٤٧٤

دينارين ، وهذه الاخبار وإن توقف فيها لاضطراب النقل أو لضعف الناقل ، فكذا توقف على التفسير الذي مر بخيال ذلك القائل.

أقول : قال الشيخ رحمه‌الله الجنين أول ما يكون نطفة وفيه عشرون دينارا ، ثمَّ يصير علقة وفيه أربعون دينارا ، وفيما بينهما بحساب ذلك ، ثمَّ يصير مضغة وفيها ستون دينارا ، وفيما بين ذلك بحسابه ، ثمَّ يصير عظما وفيه ثمانون دينارا ، ثمَّ يصير مكسوا عليه اللحم خلقا سويا تشتق له العينان والأذنان والأنف قبل ان تلجه الروح وفيه مائة دينار ، وفيما بين ذلك بحسابه ، ولم يفسره.

قال ابن إدريس : الجنين الولد ما دام في البطن وأول ما يكون نطفة وفيها بعد وضعها في الرحم الى عشرين يوما عشرون دينارا ، ثمَّ بعد العشرين يوما لكل يوم دينار إلى أربعين يوما ففيه أربعون دينارا ، وهي دية العلقة فهذا معنى قولهم ( وفيما بين ذلك بحساب ذلك )

وأنكر ذلك المصنف وطالبه بصحة ما ادعاه من أن النطفة تمكث عشرين يوما مع أن المروي في المكث بين المراتب أربعين يوما ، روى أبو حرير القمي ، عن العبد الصالح عليه‌السلام ، « قال : إنه يكون في بطن أمه أربعين يوما ثمَّ يكون علقة أربعين يوما » (١٢٢) ومثله رواه سعيد بن المسيب (١٢٣) عن زين العابدين عليه‌السلام ، قال : اما العشرون فلم نقف بها على رواية ، قال : ولو سلمنا المكث الذي ذكره ، من أين ان التفاوت في الدية مقسوم على الأيام ، ثمَّ قال : يحتمل أن يكون الإشارة بذلك الى ما رواه يونس الشيباني (١٢٤) ، عن الصادق عليه‌السلام ، وهذه الرواية رواها محمد بن بابويه في المقنع وفي كتاب من لا يحضره

__________________

(١٢٢) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ١٩ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ٩.

(١٢٣) المصدر السابق ، حديث ٨.

(١٢٤) المصدر السابق ، حديث ٥.

٤٧٥

الفقيه ، قال في المقنع : في النطفة عشرون دينارا ، فان خرج في النطفة قطرة دم فهي عشر النطفة فيها اثنان وعشرون دينارا ، وإن قطرت قطرتين فأربعة وعشرون دينارا ، فان قطرت ثلاث قطرات فستة وعشرون دينارا ، فان قطرت أربع قطرات ففيها ثمانية وعشرون دينارا ، فان قطرت خمس قطرات ففيها ثلاثون دينارا ، وما زاد على النصف فعلى حساب ذلك حتى يصير علقة ، فإذا صارت علقة ففيها أربعون دينارا ، ان خرجت مخضخضة بالدم ، فان كان دما صافيا ففيها أربعون دينارا وان كان دما أسود فلا شي‌ء عليه الا التعزير ؛ لأنه ما كان من دم صاف فهو الولد وما كان من دم أسود فإن ذلك من الجوف ، فان كان في (١٢٥) العلقة شبه العرق من اللحم ففي ذلك اثنان وأربعون دينارا ، فان كان في المضغة شبه العقدة عظما ناتيا (١٢٦) فذلك العظم أول ما يبتدي ففيه أربعة (١٢٧) دنانير ومتى ( زاد زائد ) (١٢٨) أربعة حتى تتم الثمانون ، وإذا اكتسى العظم لحما وسقط الصبي ، لا يدري حيا كان أو ميتا ، فإنه إذا مضت خمسة أشهر فقد صارت فيه حياة ، وقد استوجب الدية ، وبمضمونها أفتى ابن بابويه ، وظاهر المصنف والعلامة التوقف.

قال رحمه‌الله : ولو قتلت المرأة فمات معها [ جنين ] فدية للمرأة ونصف الديتين للجنين إن جهل حاله ، ولو علم ذكرا فديته أو أنثى فديتها ، وقيل : مع الجهالة يستخرج بالقرعة ؛ لأنه مشكل ولا إشكال مع وجود ما يصار اليه من النقل المشهور.

أقول : القرعة مذهب ابن إدريس ، قال : لأن القرعة مجمع عليها في كل

__________________

(١٢٥) ليست في النسخ.

(١٢٦) في « ن » : يابسا.

(١٢٧) في « م » : أربعون.

(١٢٨) في النسخ بدل ما بين القوسين : ما زاد أزيد.

٤٧٦

مشكل وهذا من ذاك ، ونصف الديتين مذهب الشيخين وسلار وابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة ، لأنه لا اشكال مع النقل ، لتطابق الروايات بذلك مثل صحيحة عبد الله بن سنان (١٢٩) ، ورواية ابن مسكان (١٣٠) ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وغير ذلك من الروايات (١٣١).

قال رحمه‌الله : ولو عزل المجامع اختيارا عن الحرة ولم تأذن ، قيل : يلزم عشرة دنانير ، وفيه تردد ، أشبهه أنه لا يجب.

أقول : الوجوب مذهب الشيخين وأبي الصلاح وابن البراج ، وجزم به العلامة في القواعد ، وقال ابن إدريس : لا يجب ، واختاره المصنف هنا ، وقد مضى البحث في هذه المسألة في باب النكاح (١٣٢).

قال رحمه‌الله : في قطع رأس الميت المسلم مائة دينار ، وفي قطع جوارحه بحساب ديته ، وكذا في شجاجه وجراحه ، ولا يرث وارثه منها شيئا ، بل تصرف في وجوه القرب عنه ، عملا بالرواية ، وقال علم الهدى رحمه‌الله : يكون لبيت المال.

أقول : جرت عادة الفقهاء بالبحث عن دية قطع رأس الميت والجناية عليه عقيب دية الجنين ، للمشاركة بينهما في أن كل منهما صورة آدمي ليس فيه روح ، ولهذا ساوى الشارع بينهما في الدية ، والمشهور أن دية قطع رأس الميت مائة دينار وفي رواية عبد الله بن مسكان عن الصادق عليه‌السلام : « في قطع رأس الميت

__________________

(١٢٩) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ١٩ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ٢ ، لاحظ المهذب البارع ، ج ٥ ، ص ٣٨٢ ، وغوالي اللئالي ، ج ٣ ، ص ٦٥٣ ، والكافي ، كتاب الديات باب دية الجنين ، حديث ٨.

(١٣٠) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٢١ من أبواب ديات النفس ، حديث ١.

(١٣١) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٢ من أبواب ميراث الخنثى ، حديث ٢.

(١٣٢) ج ٣ ص ١٤.

٤٧٧

الدية ؛ لأن حرمته ميتا كحرمته وهو حي » (١٣٣) ، والمعتمد الأول ، والمشهور أنه يتصدق بها عنه وتصرف في وجوه القرب ، لما رواه الحسن بن خالد ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، « قال : دية الجنين إذا ضربت أمه فسقط من بطنها قبل أن تنشأ فيه الروح مائة دينار وهي لورثته ودية الميت إذا قطع رأسه أو شق بطنه فليست هي لورثته انما هي له دون الورثة ، قلت : وما الفرق بينهما؟ قال : ان الجنين مستقبل مرجو نفعه وان هذا قد مضى فذهبت منفعته ، فلما مثل به بعد وفاته صارت دية تلك المثلة له لا لغيره يحج بها عنه ويفعل بها من أبواب البر والخير من صدقة وغير ذلك » (١٣٤) ، وقال المرتضى وابن إدريس : هي لبيت المال ، لما رواه إسحاق بن عمار عن الصادق عليه‌السلام ، « قلت : من يأخذ ديته؟ قال الامام : هذا لله » (١٣٥) ، وأجيب بعدم المنافاة بين الصدقة وبين كونها لله ، والأول هو المعتمد.

__________________

(١٣٣) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٢٤ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ٦.

(١٣٤) المصدر المتقدم ، حديث ٢ ، وفيه ( الحسين بن خالد ) بدل ( الحسن بن خالد ).

(١٣٥) المصدر السابق ، حديث ٣.

٤٧٨

في الجناية على الحيوان

قال رحمه‌الله : وفي كلب الصيد أربعون درهما ، ومن الناس من خصّه بالسلوقي وقوفا على صورة الرواية ، وفي رواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في كلب الصيد ، أنه يقوم ، وكذا كلب الغنم وكلب الحائط ، والأول أشهر ، وكلب الغنم كبش ، وقيل : عشرون درهما ، وهي رواية ابن فضال عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، مع شهرتها لكن الأولى أصح طريقا ، وقيل : في كلب الحائط عشرون درهما ، ولا أعرف المستند. وفي كلب الزرع قفيز من البئر ، ولا قيمة لما عدا ذلك من الكلاب وغيرها ، ولا يضمن قاتلها شيئا ، أما ما يملكه الذمي كالخنزير ، فهو يضمن بقيمته عند مستحليه ، وفي الجناية على أطرافه الأرش.

أقول : الكلاب التي يجوز تملكها والانتفاع بها ويحرم على الغير الجناية عليها خمسة ، كلب الصيد وكلب الغنم وكلب الحائط وكلب الزرع وكلب الدار ، هذه الخمسة لا خلاف في جواز تملكها والانتفاع بها وإجارتها وتحريم الجناية

٤٧٩

عليها ، وانما الخلاف في جواز بيعها وقد مضى البحث فيه (١٣٦) وفي تقدير دياتها ، وما عدا هذه الخمسة تسمى العكلى وكلب الهراش فهذا لا يجوز تملكه ولا يحرم الجناية عليه.

إذا عرفت هذا فقد اختلف الأصحاب في ديات الكلاب ولنذكر كل صنف على انفرد.

الأول : كلب الصيد ، وفي ديته قولان : أحدهما أربعون درهما ، قاله الشيخان (١٣٧) وابن البراج وسلار وابن بابويه وابن إدريس ، واختاره أبو العباس ، وقال ابن الجنيد : تجب القيمة ولا يتجاوز أربعين درهما ، واستحسنه العلامة في المختلف ومنهم من خص ذلك بالسلوقي ، وهو ما كان منسوبا الى سلوق قرية باليمن أكثر كلابها معلمة ، روى الوليد بن صبيح ، عن الصادق عليه‌السلام : « قال : دية كلب السلوقي أربعون درهما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك لبني خزيمة » (١٣٨) وقال ابن إدريس : دية كلب الصيد أربعون درهما ، سواء كان سلوقيا أو غير ذلك إذا كان معلما ، قال : وشيخنا أطلق في دية الكلب السلوقي ، قال : الأولى تقييده بكلب معلم ؛ لأنه إذا كان غير معلم على الصيد ولا هو كلب ماشية ولا زرع ولا حائط فلا دية له وان كان سلوقيا.

الثاني : كلب الغنم ، وفيه كبش عند المصنف والعلامة في القواعد ، لرواية أبي بصير (١٣٩) عن أحدهما عليهما‌السلام ، وقال الشيخان وابن بابويه عشرون درهما ، لرواية ابن فضال (١٤٠) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وظاهر العلامة في

__________________

(١٣٦) تقدم في

(١٣٧) في « ن » : الشيخ.

(١٣٨) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ١٩ من أبواب ديات النفس ، حديث ١.

(١٣٩) المصدر السابق ، حديث ٢.

(١٤٠) المصدر السابق ، حديث ٤.

٤٨٠