غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

قال رحمه‌الله : إذا ادعى شيئا فقال المدعي عليه : هو لفلان اندفعت عنه المخاصمة ، حاضرا كان المقر له أو غائبا ، فإن قال المدعي : أحلفه أنه لا يعلم أنها لي ، توجهت اليمين ؛ لأن فائدتها الغرم لو امتنع لا القضاء بالعين لو نكل أورد ، وقال الشيخ رحمه‌الله : لا يحلف ولا يغرم لو نكل ، والأقرب أنه يغرم ؛ لأنه حال بين المالك وملكه بإقراره لغيره.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا ادعى دارا في يد رجل ، فقال المدعي عليه : ليست بملك لي وانما هي لفلان ، فقال المدعي : أحلفوا المقر الذي ادعيت عليه أولا انه لا يعلم أنها ملكي ، قال قوم : يجب عليه اليمين ، وقال اخرون : لا يجب عليه ، بناء على مسألة هي : إذا قال الدار لزيد لا بل لعمرو سلمت الى زيد ، وهل يغرمها لعمرو؟ على قولين ، كذلك هنا لو اعترف بها للمدعي بعد أن أقر بها لغيره ، وهل عليه الغرم أم لا؟ ( على قولين ) (٨٩) : فمن قال : لو اعترف لزمه الضمان ، قال : عليه اليمين ؛ لأنه لما لزمه الغرم مع الإقرار لزمه (٩٠) اليمين مع الإنكار ، وقال قوم : لا يحلف ، لأنه لا فائدة فيها ؛ لأن أكثر ما فيه أن يعترف خوفا من اليمين ، ولو اعترف فلا شي‌ء عليه ، فلما لم يلزمه الغرم مع الإقرار لا يلزمه اليمين مع الإنكار ، قال : وهو الذي يقوى في نفسي ، والمعتمد مذهب المصنف وقد ذكر وجهه.

قال رحمه‌الله : لو ادعى دارا في يد إنسان ، وأقام بينة أنها كانت في يده أمس ، أو منذ شهر ، قيل : لا تسمع هذه البينة : وكذا لو شهدت له بالملك أمس ؛ لأن ظاهر اليد الآن الملك فلا تندفع بالمحتمل ، وفيه إشكال ، ولعل الأقرب القبول.

__________________

(٨٩) ما بين القوسين ليس في الأصل.

(٩٠) في « ر ١ » : لا يلزمه.

٢٦١

أقول : اختلف قولا الشيخ في هذه المسألة ، فتارة حكم بسماع البينة لسبق اليد ، وتارة لم يحكم بها ، واختار المصنف والعلامة في المختلف والإرشاد سماع البينة بذلك ؛ لأن اليد دليل ظاهر على الملكية ، وإذا ثبت بالبينة والإقرار (٩١) سبقها فقد ثبت دليل الملك ، وثبوت دليل الملك يقتضي ثبوت مدلوله وهو الملك ، والا لم يكن دليلا ، وقال فخر الدين : لا تسمع هذه البينة ولا تنتزع هذه (٩٢) العين من ذي اليد بهذا (٩٣) ؛ لأن هذه يد معلومة وتلك مظنونة ، والمظنون لا يعارض المعلوم ، ولأن اليد قد تكون مستحقة وقد لا تكون ، فاذا زالت ضعفت دلالتها.

واحتج الشيخ على عدم السماع بأن المدعي يدعي الملك الآن والبينة تشهد له بالملك (٩٤) بالأمس ، فقد شهدت بغير ما يدعيه فلم يقبل ، ثمَّ قال : فان قالوا : شهدت له بالملك أمس والملك مستدام الى أن يعلم زواله ، قلت لا نسلم ان الملك يثبت بها حتى يكون مستداما ، على أن زوال الأول موجود فلا يزول (٩٥) الثابت بأمر محتمل.

__________________

(٩١) في النسخ : أو الإقرار.

(٩٢) هذه الكلمة ليست في النسخ.

(٩٣) في « ن » : هذا.

(٩٤) من « ن ».

(٩٥) في النسخ : يزال.

٢٦٢

في الاختلاف في العقود

قال رحمه‌الله : إذا اتفقا على استيجار دار معينة شهرا معينا ، واختلفا في الأجرة ، وأقام كل منهما بينه بما قدّره ، فان تقدم تاريخ أحدهما عمل به ؛ لأن الثاني يكون باطلا ، وإن كان التاريخ واحدا تحقق التعارض إذ لا يمكن في الوقت الواحد وقوع عقدين متنافيين ، فحينئذ يقرع بينهما ويحكم لمن خرج اسمه مع يمينه ، هذا اختيار شيخنا في المبسوط ، وقال آخر : يقضى ببينة المؤجر ؛ لأن القول قول المستأجر لو لم يكن بينة ، إذ هو يخالف على ما في ذمة المستأجر فيكون القول قوله ، ومن كان القول قوله مع عدم البينة كانت البينة في طرف المدعي ، فحينئذ نقول هو مدع [ زيادة ] ، وقد أقام البينة بها ، فيجب ان تثبت ، وفي القولين تردد.

أقول : منشأ التردد من عدم ترجيح أحد القولين عنده ؛ لأن كل واحد منهما مدع وله بينة فتقديم أحدهما على الآخر ترجيح من غير مرجح ، وذهب العلامة في التحرير الى اختيار الشيخ وهو اعتبار القرعة ، ولم يرجح في القواعد والإرشاد شيئا ، واختار الشهيد في شرح الإرشاد القرعة أيضا ، وهو قوي.

قال رحمه‌الله : ولو ادعى استيجار دار ، فقال المؤجر ، بل آجرتك بيتا

٢٦٣

منها ، قال الشيخ : يقرع بينهما ، وقيل : القول قول المؤجر ، والأول أشبه ؛ لأن كلا منهما مدع ، ولو أقام كل منهما بينة تحقق التعارض مع اتفاق التاريخ ، ومع التفاوت يحكم للأقدم.

أقول : إذا ادعى المستأجر أنه استأجر جميع الدار المعينة بعشرة مثلا وادعى المؤجر أنه آجره بيتا منها بعشرة ولم يكن بينة ، حكى المصنف أنه يقرع بينهما ، ونقل قولا بتقديم قول الموجر ثمَّ اختار القرعة ، لأن كلا منهما مدع ومدعى عليه فلا أولوية بتقديم أحدهما على الأخر ، وظاهر العلامة وابنه أنهما يتحالفان ويبطل العقد ويرجع الى أجرة المثل ان كان بعد استيفاء المنفعة (٩٦) ، وان كان قبل الاستيفاء فلا شي‌ء ، وان كان في الأثناء بطل في المختلف ، وله أجره المثل في الماضي ، وهذا القول نقله ( الشهيد عن ) (٩٧) الشيخ وهو قريب ، وان أقام كل بينة تحقق التعارض مع اتفاق التاريخ فحينئذ يتساقطان ويرجع الى التحالف أو القرعة أو تقديم قول المؤجر كما لو لم يكن بينة ، ووجه تقديم قول المؤجر ؛ لأن (٩٨) المستأجر يدعي استيجار الزائد على البيت والمؤجر منكر ، واختار العلامة في التحرير مذهب المصنف وهو القرعة ، وإن اختلف التاريخ عمل على الأسبق ، قال الشهيد : فان كان بينة الدار فلا بحث ، وان كان بينة البيت صح العقدان إلا أنه ينقص من العشرة بنسبة ما بين البيت والدار ، ومثله قول صاحب القواعد ، قال : إن كان الأقدم بينة البيت حكم بإجارة البيت بأجرته وبإجارة بقية الدار بالنسبة من الأجرة ، بيانه : إن سبق عقد الدار حكمنا بصحته ولا بحث ؛ لأنه لم يبق شي‌ء يقع عليه العقد الثاني لاشتمال الدار على البيت ، وان سبق عقد

__________________

(٩٦) في الأصل : الاستيفاء.

(٩٧) ما بين القوسين ليس في « ر ١ ».

(٩٨) كذا.

٢٦٤

البيت صح العقدان وحكم بإجارة البيت بأجرته وهي العشرة ، وحكم بإجارة مجموع الدار والبيت بعشر لكن ينقص من العشرة بنسبة ما بين الدار والبيت ، فيسقط ما قابل البيت ويؤخذ منه ما قابل بقية الدار ؛ لأن عقد الدار وقع على ما يملكه (٩٩) وهو بقية الدار وعلى ما لا يملكه (١٠٠) وهو البيت ، لسبق العقد عليه ، هذا إذا لم يتفقا أنه لم يجر الا عقد واحد فان اتفقا على أنه لم يجر الا عقد واحد تحقق التعارض.

قال رحمه‌الله : لو ادعى كل منهما أنه اشترى دارا معينة وأقبض الثمن وهي في يد البائع ، قضي بالقرعة مع تساوي البينتين عدالة ، وعددا ، وتاريخا وحكم لمن خرج اسمه مع يمينه ، ولا يقبل قول البائع لأحدهما ، ويلزمه إعادة الثمن على الآخر ؛ لأن قبض الثمنين ممكن ، فتزدحم البينتان فيه. ولو نكلا عن اليمين قسمت بينهما ، ويرجع كل منهما بنصف الثمن ، وهل لهما ان يفسخا؟ الأقوى : نعم ، لتبعيض المبيع قبل قبضه ، ولو فسخ أحدهما كان للآخر أخذ الجميع لعدم المزاحم ، وفي لزوم ذلك له تردد أقربه اللزوم.

أقول : منشؤه من أنه يثبت له خيار الفسخ ابتداء والأصل بقاؤه ، ومن وجود المقتضي للزوم وهو دعواه الشراء وقيام البينة به ، وزوال المانع ؛ لأن المانع من اللزوم دعوى الآخر للشراء وقيامه البينة على ما ادعاه ، وقد زالت الدعوى فيلزم البيع (١٠١) للآخر ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه. ولو لم يقيما بينة رجع إليه ، فإن كذبهما حلف لهما وتدافعا ، وإن صدق أحدهما حلف للآخر وقضي للأول ، وللثاني إحلاف الأول أيضا ، ولو أقر لكل واحد بالنصف قضى له به

__________________

(٩٩) في النسخ : يملك.

(١٠٠) في النسخ : يملك.

(١٠١) في النسخ : المبيع.

٢٦٥

وحلف لهما أيضا.

قال رحمه‌الله : ولو ادعى عبد أن مولاه أعتقه ، وادعى آخر أن مولاه باعه منه ، وأقاما البينة ، قضي لأسبق البينتين تاريخا ، فان اتفقا قضي بالقرعة مع اليمين ، ولو امتنعا من اليمين ، قيل : يكون نصفه حرا ونصفه رقا لمدعي الابتياع ، ويرجع بنصف الثمن ، ولو فسخ عتق كله ، وهل يقوم على بائعه؟ الأقرب : نعم ، لشهادة البينة بمباشرة عتقه.

أقول : إذا ادعى عبد أن مولاه أعتقه وادعى آخر أن مولاه باعه منه ولا بينة ، فان أنكرهما حلف لهما واستقر ملكه على العبد ، وإن أقر لأحدهما (١٠٢) ثبت ما أقربه ، وهل يحلف لمدعي الشراء مع إقراره بالعتق؟ يبنى على مسألة : هي أن إتلاف البائع للمبيع قبل قبض المشتري ، هل هو كالآفة السماوية أو كإتلاف الأجنبي؟ إن قلنا بالأول انفسخ العقد ولا يمين لا فراره بالعتق قبل قبض المشتري إتلافا فينفسخ العقد ، وان ادعى تسليم الثمن إلى البائع طالبه به ، فان اعترف سلمه اليه ، وان أنكر حلف ، وان قلنا بالثاني ـ وهو ان إتلاف البائع كإتلاف الأجنبي وهو المعتمد ـ كان له إحلافه ، فإن حلف برئ منه ، وإن أقرّ أو نكل فحلف المشتري غرم له قيمة العبد ، وإن أقرّ أولا بالبيع ، هل يحلف للعبد قيل : لا ؛ لأنه لو اعترف بالعتق بعد الإقرار بالبيع لم يعتق ولم يغرم ؛ لأنه عبد.

والمعتمد وجوب اليمين ، فان حلف برئ منه ، وان اعترف أو نكل فحلف العبد الزم بفكه من المشتري ، وإن أقام أحدهما بينة عمل بها ، ولو أقاما بينة وتساويا عدالة وعددا وتاريخا أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه حلف وثبت مدعاه ، فان امتنعا قسم بينهما فيعتق نصفه ويرق نصفه للمشتري ، ويثبت للمشتري الخيار لتبعيض الصفقة ، وان فسخ عتق كله لقيام البينة بالعتق وانتفاء المعارض ؛

__________________

(١٠٢) كذا.

٢٦٦

لان المعارض حق المشترى (١٠٣) وقد زال ، وإن لم يفسخ (١٠٤) المشتري بل أخذ النصف ، هل يقوم على البائع مع يساره؟ قال المصنف : نعم ، واختاره العلامة وابنه ، لقيام البينة بالعتق مختارا ، وقد ثبت بها عتق النصف فيقوم عليه النصف الأخر ، ويحتمل العدم لإعمال بينة الشراء بالنصف وهو ينفي أصل العتق ، والنصف الآخر عتق قهرا فلا يقوم حينئذ ، هذا إذا كان العبد في يد البائع ، وان كان في يد المشتري قدمت بينته على القول بتقديم بينة الداخل ، وتقدم (١٠٥) بينة العبد على القول بتقديم بينة الخارج.

قال رحمه‌الله : لو ادعى كل واحد منهما أن الذبيحة له ، وفي يد كل واحد منهما بعضها ، وأقام كل منهما بينة قيل : يقضى لكل واحد بما في يد الآخر ، وهو الأليق بمذهبنا.

أقول : هذا القول مبني على القول بتقديم بينة الخارج ، وقد مضى البحث في ذلك (١٠٦).

قال رحمه‌الله : إذا تداعى الزوجان متاع البيت ، قضي لمن قامت له البينة ، ولو لم يكن بينة فيد كل واحد على نصفه ، قال الشيخ في المبسوط : يحلف لصاحبه ويكون بينهما بالسوية ، سواء كان مما يخص الرجال أو النساء أو يصلح لهما ، وسواء كانت الدار لهما أو لأحدهما ، وسواء كانت الزوجية باقية بينهما أو زائلة ، ويستوي في ذلك تنازع الزوجين والوارث ، وقال في الخلاف : ما يصلح للرجال للرجل ، وما يصلح للنساء للمرأة ، وما يصلح لهما يقسم بينهما ، وفي رواية : أنه للمرأة ؛ لأنها تأتي بالمتاع من أهلها ، وما ذكره في الخلاف أشهر في الروايات

__________________

(١٠٣) في النسخ : للمشتري.

(١٠٤) في النسخ : يفسخه.

(١٠٥) في النسخ : وتقديم.

(١٠٦) ص ٢٥٩.

٢٦٧

وأظهر بين الأصحاب.

أقول : للشيخ في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : مذهبه في المبسوط ، وهو قسمته بينهما بالسوية ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد ، وهو اختيار فخر الدين ، والحجة عليه إلحاقه بسائر الدعاوي لدخوله تحت الأصول المحققة والعمومات المسلمة.

الثاني : مذهبه في الخلاف ، وقد حكاه المصنف ثمَّ جنح اليه ، وبه قال ابن حمزة وابن الجنيد ، واختاره ابن إدريس والعلامة في التحرير وأبو العباس في المقتصر ، ودليلهم الروايات.

الثالث : مذهبه في الاستبصار وهو أنه للمرأة ؛ لأنها تأتي بالمتاع من أهلها ، لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « المتاع متاع المرأة الا أن يقيم الرجل البينة قد علم من بين لابتيها يعنى جبلي منى أن المرأة تزف الى بيت زوجها المتاع ، ونحن يومئذ بمنى » (١٠٧) ، وقال العلامة في المختلف : إن كان هناك قضاء عرفي رجع اليه وحكم به بعد اليمين ، والا كان الحكم كما في غيره من الدعاوي ، قال : لأن عادة الشرع في باب الدعاوي بعد الاعتبار والنظر راجعة الى ذلك ، ولهذا حكم بقول المنكر مع اليمين بناء على الأصل ، وكون المتشبث أولى من الخارج لقضاء العادة بملكية ما في يد الإنسان غالبا ، فحكم بإيجاب البينة على من يدعى خلاف الظاهر ، والرجوع الى من يدعى ظاهر العرف ، واما مع انتفاء العرف فلتصادم الدعوتين مع عدم الترجيح فيتساويان ، واختاره الشهيد في شرح الإرشاد ، ولا بأس به.

قال رحمه‌الله : ولو ادعى أبو الميتة أنه أعارها بعض ما في يدها من متاع أو

__________________

(١٠٧) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٨ من أبواب ميراث الأزواج ، حديث ١ ، ويراجع في روايات القولين الآخرين باب نفسه.

٢٦٨

غيره ، كلّف البينة كغيره من الأسباب ، وفيه رواية بالفرق بين الأب وغيره ضعيفة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه جعفر بن عيسى ، « قال : كتبت الى أبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك المرأة تموت فيدعي أبوها أنه أعارها ما كان عندها من متاع وخدم ، أيقبل ذلك بلا بينة أم لا يقبل إلا ببينة؟ فكتب في الأب يجوز بلا بينة ، وكتبت اليه : إن ادعى زوج الميتة أو أبو زوجها أو أم زوجها في متاعها وخدمها مثل الذي ادعى أبوها من عارية بعض المتاع أو الخدم ، أيكونون بمنزلة الأب في الدعوى؟ فكتب لا » (١٠٨) ، والمشهور عدم الفرق بين الأب وغيره ، لعموم « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (١٠٩) وهو المعتمد.

__________________

(١٠٨) الوسائل ، كتاب القضاء ، باب ٢٣ من أبواب كيفية الدعوى ، حديث ١.

(١٠٩) مستدرك الوسائل ، كتاب القضاء ، باب ٣ من أبواب كيفية الحكم والدعوى ، حديث ٤ و ٥. والوسائل ، كتاب القضاء ، باب ٣ من أبواب كيفية الحكم والدعوى حديث ( ١ ، ٢ ، ٣ ، ٥ ) مع اختلاف يسير.

٢٦٩
٢٧٠

كتاب الشهادات

٢٧١
٢٧٢

في صفات الشهود

قال رحمه‌الله : الأول : البلوغ ، فلا تقبل شهادة الصبي ما لم يصر مكلفا وقيل : تقبل مطلقا إذا بلغ عشرا ، وهو متروك ، واختلفت عبارة الأصحاب في قبول شهادتهم في الجراح والقتل فروى جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « تقبل شهادتهم في القتل ويؤخذ بأول كلامهم ، ومثله روى محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقال الشيخ في النهاية : تقبل شهادتهم في الجراح والقصاص ، وقال في الخلاف : تقبل شهادتهم في الجراح ما لم يتفرقوا إذا اجتمعوا على مباح ، والتهجم على الدماء بخبر الواحد خطر ، فالأولى الاقتصار على القبول في الجراح بالشروط الثلاثة : بلوغ العشر ، وبقاء الاجتماع إذا كان على مباح تمسكا بموضع الوفاق.

أقول : شهادة الصبي إما أن تكون في الجراح والقتل أو في غيرهما من الحقوق كالأموال وغيرها ، وعلى التقديرين إما أن يبلغ عشر سنين أو (١) لا ، فالأقسام أربعة :

__________________

(١) في غير « م » : أم.

٢٧٣

الأول : شهادتهم في غير الجراح والقتل قبل بلوغ العشر باطلة إجماعا.

الثاني : شهادتهم في الجراح والقتل قبل بلوغ العشر ، وظاهر الشيخ في النهاية أنها لا تقبل أيضا ؛ لأن عبارته فيها : ويجوز شهادة الصبيان إذا بلغوا عشر سنين الى أن يبلغوا في الشجاج والقصاص ، ويؤخذ بأول قولهم ، ولا يؤخذ بثانيه ، ولا يقبل شهادتهم فيما عدا ذلك ، وهو يدل على اشتراط بلوغ العشر ، وأطلق ابن الجنيد قبول شهادة الصبيان في الجراح ، وكذا الشيخ في الخلاف.

الثالث : قبول شهادتهم إذا بلغوا عشر سنين في الجراح خاصة دون القتل وغيره من الحقوق بقيود ثلاثة : بلوغ العشر ، وبقاء الاجتماع ، وكونه على المباح (٢) ، وهو اختيار المصنف والعلامة والشهيد.

الرابع : القبول مطلقا في الجراحات وغيرها من الحقوق مع بلوغ العشر ، وهو القول الذي أشار إليه المصنف ، وقيل : يقبل مطلقا إذا بلغ عشرا ، وهو متروك. وهذا القول نقله العلامة والشهيد ، كما نقله المصنف ، قال عميد الدين في شرح القواعد : ولم نظفر الى الآن بهذا القائل.

تنبيه : إنما قال المصنف : اختلفت عبارة الأصحاب في قبول شهادتهم في الجراح والقتل ؛ لأنه لا خلاف بينهم في قبول شهادتهم في الجملة ، وانما الخلاف في العبارات ، فبعضهم قبلها في الجراح والقصاص وهو المفيد ، وبعضهم قبلها في الجراح دون القصاص ، وهو الشيخ في النهاية والمصنف والعلامة والشهيد ، وبعضهم اشترط الاجتماع على مباح ، وبعضهم لم يشترطه ، وبعضهم اشترط عدم الافتراق ، ولم يشترطه بعضهم ، ومنع فخر الدين من قبول شهادتهم مطلقا ، لقوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) (٣) ، ولأن إقراره غير مقبول

__________________

(٢) في النسخ : مباح.

(٣) البقرة : ٢٨٢.

٢٧٤

على نفسه فعدم قبوله على غيره أولى ، وهو قوي ، لكن مخالفة ما أجمع عليه الأصحاب مشكل.

قال رحمه‌الله : وتقبل شهادة الذمي خاصة في الوصية إذا لم يوجد من عدول المسلمين من يشهد بها ، ولا يشترط كون الموصي في غربة ، وباشتراطه رواية مطرحة ، ويثبت الإيمان بمعرفة الحاكم أو قيام البينة أو الإقرار. وهل تقبل شهادة الذمي على الذمي؟ قيل : لا ، وكذا لا تقبل على غير الذمي ، وقيل : تقبل شهادة كل ملة على ملتهم ، وهو استناد إلى رواية سماعة ، والمنع أشبه.

أقول : أجمع أصحابنا على عدم قبول شهادة غير المؤمن المحق العدل ، مسلما كان أو كافرا ، لاتصافه بالفسق فهو غير مقبول الشهادة وان كان موثقا ، إلا شهادة الذمي في الوصية ، فإنهم أجمعوا على قبولها بشروط ثلاثة : الأول : تعذر عدول المسلمين ، وكون الشاهد عدلا في دينه ، معتقدا تحريم الكذب ، وكون الشهادة على الوصية في المال دون الولاية. وهل يشترط كون الموصي غريبا مسافرا؟ قال أبو الصلاح وابن الجنيد : نعم ، لأصالة عدم قبول شهادة الكافر ، خرج منه قبول شهادة الذمي في الوصية بالشروط المذكورة مع السفر ، لقوله تعالى (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) (٤) ، اشترط في القبول الضرب في الأرض وهو السفر ، ولما رواه حمزة بن حمران عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : سألته عن قول الله عزوجل (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ)؟ قال : اللذان منكم مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، قال : انما ذلك إذا مات الرجل المسلم في أرض غربة ، وطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيته ، فلم يجد مسلمين ، يشهد على وصيته رجلين ذميين من

__________________

(٤) المائدة : ١٠٦.

٢٧٥

أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهم » (٥) ، والمشهور إطلاق القبول من غير تقييد بالسفر ، وهو اختيار المصنف والعلامة والشهيد ؛ لأن المناط في القبول عدم عدول المسلمين ، إذ لا تأثير للأرض في القبول.

وهل تقبل شهادة الذمي على غيره من أهل الذمة أم لا؟ نقول : أما في الوصية فهي مقبولة ؛ لأنه إذا قبلت على المسلمين في الوصية فقبولها على أهل الذمة فيها أولى ، وأما في غير الوصية فقد اختلف الأصحاب في ذلك ، قال ابن الجنيد : تقبل مطلقا ، أي سواء اتفقت الملة أو اختلفت ، وقال ابن أبي عقيل والمفيد : لا تقبل مطلقا ، واختاره المصنف والعلامة ؛ لأنهم فسقة والفاسق لا تقبل شهادته ، خرج القبول في صورة معينة للنص والإجماع ، يبقى الباقي على أصالة المنع وهو المعتمد.

وقال الشيخ في النهاية : يقبل مع اتفاق الملتين أي ملة الشاهد والمشهود عليه ، كاليهودي على اليهودي ، ولا تقبل شهادة اليهودي على النصراني وبالعكس.

قال رحمه‌الله : الرابع : العدالة ، إذ لا طمأنينة مع التظاهر بالفسق ، ولا ريب في زوالها بمواقعة الكبائر ، كالقتل والزنا واللواط وغصب الأموال المعصومة ، وكذا بمواقعة الصغائر مع الإصرار وفي الأغلب ، أما لو كان في الندرة ، فقد قيل : لا يقدح لعدم الانفكاك منها إلا فيما نقل باشتراط إلزام الأشق ، وقيل : يقدح لإمكان التدارك بالاستغفار ، والأول أشبه ، وربما توهم واهم أن الصغائر لا تطلق على الذنب الا مع الإحباط ، وهو بالاعراض حقيق ، فإن إطلاقها بالنسبة ، ولكل فريق اصطلاح.

أقول : العدالة شرط في قبول الشهادة ، لقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ

__________________

(٥) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٢٠ ، حديث ٧.

٢٧٦

مِنْكُمْ) (٦) وقوله (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) (٧) والفاسق ليس بمرضي ، وقوله (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٨) وهي كيفية راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروة ، ولا شك في زوال التقوى بفعل شي‌ء من الكبائر وبالإصرار على الصغائر ، والكبيرة عند أكثر (٩) الأصحاب كل فعل (١٠) توعد الله تعالى عليه بخصوصه بالعقاب ، ومنهم من قال : كل ذنب يوجب الحد فهو كبيرة وما لا يوجبه فهو صغيرة ، ومنه من قال : إن الذنوب كلها كبائر ، نظرا الى الاشتراك في مخالفة أمره ونهيه ، وانما سمي صغائر بالنسبة الى ما فوقها ، كالقبلة المحرمة ، صغيرة بالنسبة إلى الزنا وكبيرة بالنسبة إلى النظر ، وجاء في الحديث « لا تنظر الى ما فعلت ولكن أنظر لمن عصيت » (١١) وقال بعضهم : إن الصغائر لا تطلق على الذنب الا على القول بالإحباط كما هو مذهب المعتزلة ، وقد فسروا الكبيرة والصغيرة بثلاث معان :

الأول : بالإضافة إلى الطاعة ، وهو إن زاد عقابها على ثواب تلك الطاعة فهي كبيرة بالنسبة إليها ، وإن نقص فهي صغيرة ، الثاني : بالإضافة إلى معصية أخرى ، وهو إن زاد عقابها على عقاب تلك المعصية فهي كبيرة بالنسبة إليها ، وإن نقص فهي صغيرة. الثالث : بالإضافة إلى فاعلها ، فان صدرت ممن له علم (١٢) وزهد فهي كبيرة ، وإن صدرت ممن ليس له ذلك فهي صغيرة.

__________________

(٦) الطلاق : ٢.

(٧) البقرة : ٢٨٢.

(٨) الحجرات : ٦.

(٩) ليست في « ن ».

(١٠) في النسخ : ( ذنب ).

(١١) الوسائل.

(١٢) في « ن » : علم بها.

٢٧٧

قال المصنف : وهذا بالاعراض عنه حقيق ، فإن إطلاقها بالنسبة لكل فريق اصطلاح ، أي إطلاق الكبيرة والصغيرة عند هذا القائل بالنسبة إلى غيرها ، وذلك لا يستلزم الإحباط ؛ لأنهما يقالان بالنظر الى ذواتهما وبالنسبة إلى غيرهما كما عرفت ، وذلك لا يستلزم الإحباط ، لعدم العلم بمقدار ثواب الطاعة وعقاب المعصية حتى ينسب بعضها الى بعض ، وهذا اصطلاح المعتزلة ، فلا يلزمنا القول به (١٣).

واما المروة التي هي شرط في قبول الشهادة فتنزيه النفس عن الأفعال التي لا تليق بمثله ، كالسخرية ، وكشف ما يتأكد استحباب ستره في الصلاة ، وهو ما بين السرة والركبة ، والأكل في الأسواق غالبا ، ولبس الفقيه القبا والقلنسوة ، ولبسه لباس الجندي بحيث يسخر منه وبالعكس ، وكشف الرأس في المحافل وهم ليس كذلك ، وبالجملة كل فعل يسقط المحل والعزة من قلوب الناس ترد شهادة فاعله.

إذا عرفت هذا ، فهل يقدح فعل الصغيرة نادرا؟ قال ابن إدريس : نعم ، لإمكان التدارك بالاستغفار وقال الشيخ في المبسوط : لا يقدح ، واختاره المصنف والعلامة ؛ لأن اشتراط اجتناب جميع القبائح مما يعسر ويشق ، ويؤدي الى بطلان الشهادة وعدم مشروعيتها ، لعدم انفكاك غير المعصوم عن ذلك ، قال العلامة : وقول ابن إدريس ليس بشي‌ء ، لأن مع التوبة لا فرق بين الصغيرة والكبيرة في سقوطها بها ، على أن التوبة من شرطها العزم على ترك المعاودة ، ولا شك أن الصغائر لا ينفك منها الإنسان ، فلا يصح هذا العزم منه غالبا فلا يمكن التوبة (١٤) في أغلب الأحوال ، وهذا هو المعتمد.

__________________

(١٣) هكذا وردت هذه الفقرة.

(١٤) ليست في الأصل.

٢٧٨

قال رحمه‌الله : ولا تقبل شهادة القاذف ، ولو تاب قبلت ، وحد التوبة : أن يكذب نفسه وإن كان صادقا ويواري باطنا ، وقيل : يكذبها إن كان كاذبا ، ويخطئها في الملإ إن كان صادقا ، والأول مروي ، وفي اشتراط إصلاح العمل زيادة عن التوبة تردد ، والأقرب الاكتفاء بالاستمرار ؛ لان بقاءه على التوبة إصلاح ولو ساعة.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في حد التوبة ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، قال الشيخ رحمه‌الله في النهاية ، وعلي بن بابويه والحسن بن أبي عقيل : حدها أن يكذب نفسه فيما قذف به إن كان صادقا ، واختاره المصنف في المختصر من غير قيد بالتورية مع الصدق ، لما رواه أبو الصباح (١٥) عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : سألته عن القاذف بعد ما يقام عليه الحد ما توبته؟ قال : يكذب نفسه » (١٦) وهو عام ، وهنا قيد بالتورية مع الصدق ، واختاره الشهيد وأبو العباس ، لحصول التخلص ( عن الكذب ) (١٧) بالتورية ، وقال ابن إدريس : يقول : القذف باطل حرام ولا أعود الى ما قلت ، ولا يقول : كذبت ؛ لأنه قد يكون صادقا فيكون مأمورا بالكذب وهو قبيح ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

ومذهب العلامة في القواعد والإرشاد والمختلف التفصيل ، وهو : إن كان كاذبا كان توبته التصريح بالكذب والاعتراف به حقيقة ، وإن كان صادقا اعترف بتحريم ما قاله ، وأظهر الاستغفار منه من غير أن يصرح بالكذب ، وحمل الاخبار (١٨) على هذا التفصيل. وعلى جميع الأقوال لا بد من فعل ذلك عند الذي

__________________

(١٥) وفي النسخ : أبو الصلاح.

(١٦) الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب ٣٦ ، حديث ١.

(١٧) ليستا في الأصل.

(١٨) راجع أخبار باب ٣٦ من كتاب الشهادات من الوسائل.

٢٧٩

قذف عنده (١٩) وعند الحاكم الذي أقام عليه الحد ، فان تعذر فعند (٢٠) ملأ من الناس.

الثانية : هل يشترط إصلاح العمل ، وهو أن يفعل طاعة بعد التوبة ، قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : يجب ذلك ، لقوله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) (٢١) اعتبر التوبة وإصلاح العمل وفسر الإصلاح بالاستمرار على التوبة ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأصالة براءة الذمة من الزيادة على ذلك.

قال رحمه‌الله : لبس الحرير للرجال في غير الحرب اختيارا محرم ترد به الشهادة ، وفي الاتكاء عليه ، والافتراش له تردد ، والجواز مروي.

أقول : منشؤه من عموم (٢٢) المنع من استعمال الحرير ، فيدخل الاتكاء والافتراش ، ومن أصالة الجواز خرج منه تحريم اللبس للنص (٢٣) والإجماع ، يبقى الباقي على أصالة الجواز ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وفي شهادة الولد على والده خلاف والمنع أظهر سواء شهد بمال أو بحق يتعلق ببدنه كالقصاص والحد.

أقول : ذهب السيد المرتضى الى جواز شهادة الولد على والده ، واختاره أبو العباس في المقتصر ، وقواه الشهيد في الدروس ، لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ

__________________

(١٩) في النسخ : وعند.

(٢٠) في النسخ : ففي.

(٢١) آل عمران : ٨٩.

(٢٢) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ١١ الى ١٦ من أبواب لباس المصلي.

(٢٣) المصدر المتقدم.

٢٨٠