غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

كتاب الشفعة

١٠١
١٠٢

ما تثبت فيه الشفعة

قال رحمه‌الله : وتثبت في الأرضين كالمساكن والعراص والبساتين إجماعا ، وهل يثبت فيما ينقل كالثياب والآلات والسفن والحيوان؟ قيل : نعم ، دفعا لكلفة القسمة ، استنادا إلى رواية يونس ، عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقيل : لا ، اقتصارا في التسلط على مال المسلم بموضع الإجماع ، واستضعافا للرواية المشار إليها ، وهو أشبه.

أقول : اختلف الأصحاب في محل الشفعة على أربعة أقوال :

الأول : اختصاصها في غير المنقول كالمساكن والعراص والبساتين ، وهو قول الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وابن حمزة ، واختاره المتأخرون وهو المعتمد ، لأن الشفعة على خلاف الأصل ، لأن الأصل عدم التسلط على مال الغير بغير اختياره ، فيقتصر فيه على موضع الوفاق ، ولما رواه جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا شفعة إلا في ريع أو حائط » (١).

الثاني : ثبوتها في كل مبيع ، وهو قول ابن الجنيد وابن أبي عقيل والسيد

__________________

(١) كنز العمال ، ج ٤ ، ص ٢ ، رقم ١. سنن البيهقي ، ج ٦ ، ص ١٠٤ ، ١٠٩.

١٠٣

المرتضى وابن البراج وابن إدريس ، لرواية يونس ، عن بعض رجاله ، عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : سألته عن الشفعة لمن هي وفي أي شي‌ء ولمن تصلح ، وهل تكون في الحيوان؟فقال : الشفعة جائزة في حيوان أو أرض أو متاع » (٢) وأجيب باستضعاف الرواية ، لأنها مرسله.

الثالث : ثبوتها في كل مبيع بشرط عدم امتناع القسمة ، وهو قول الشيخ في النهاية فيخرج النهر والطريق والحمام والعضائد الضيقة ، لرواية طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام ، « قال : لا شفعة إلا لشريك مقاسم » (٣).

الرابع : ثبوتها في غير المنقول ، وفي العبد خاصة من المنقول ، نقله المصنف عن بعض الأصحاب ، واختاره العلامة في المختلف للضرر بقسمته.

قال رحمه‌الله : وفي دخول الدولاب والناعورة في الشفعة إذا بيع مع الأرض تردد ، إذ ليس من عادته أن ينقل.

أقول : منشؤه من أنه من المنقولات في الحقيقة فلا تثبت فيه الشفعة على القول باختصاصها في غير المنقول ، ومن جريان العادة بعدم نقله وتحويله فيدخل في الشفعة ، وهو اختيار فخر الدين ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو كان بعض الدار وقفا وبعضها طلقا فبيع الطلق ، لم يكن للموقوف عليه شفعة ولو كان واحدا ، لأنه ليس مالكا للرقبة على الخصوص ، وقال المرتضى رحمه‌الله : تثبت الشفعة.

أقول : اختلف الأصحاب هنا على ثلاثة أقوال :

__________________

(٢) الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب ٧ ، حديث ٢.

(٣) الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب ٣ ، حديث ٧ وفيه بدل ( مقاسم ) قوله ( غير مقاسم ) ، راجع النهاية : ص ٤٢٤.

١٠٤

الأول : ثبوتها مطلقا ، سواء كان الموقوف عليه واحد أو أكثر ، فإن كان للمساجد أو الفقراء والمساكين كان للحاكم المطالبة بالشفعة ، وهو قول المرتضى وأبي الصلاح ، وظاهر العلامة في التحرير ، لعموم (٤) ثبوت الشفعة مع الشركة وهي حاصلة هنا.

الثاني : ثبوتها مع اتحاد الموقوف عليه ، وهو قول ابن إدريس واختاره العلامة في القواعد والمختلف ، واستحسنه أبو العباس ، لأنه شريك واحد فكان له الشفعة.

الثالث : عدم الثبوت مطلقا ، وهو قول الشيخ ( في المبسوط ) (٥) ، واختاره المصنف وقد ذكر وجهه ، وهو أنه ليس مالكا للرقبة على الخصوص.

__________________

(٤) المصدر المتقدم.

(٥) ما بين القوسين ليس في « ر ١ ».

١٠٥
١٠٦

في الشفيع

قال رحمه‌الله : وتثبت بين الشريكين ، وهل تثبت لما زاد عن شفيع واحد؟ فيه أقوال : أحدها نعم ، وتثبت مطلقا على عدد الرؤوس ، والثاني تثبت في الأرض مع الكثرة ولا تثبت في العبد الا للواحد ، والثالث لا تثبت في شي‌ء مع الزيادة على الواحد ، وهو أظهر.

أقول : المشهور بين أصحابنا عدم ثبوت الشفعة مع زيادة الشركاء على اثنين ، ويكاد أن يكون إجماعا كما (٦) نقله ابن إدريس ، لأن الأصل عدم الشفعة ، وثبوت الملك للمشتري خرج منه موضع الإجماع ، لنفي الضرر بالشركة أو طلب القسمة ، فيبقى الباقي على الأصل ، ولما رواه يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان في الصحيح ، عن الصادق عليه‌السلام : « قال لا يكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما » (٧) ، وأثبتها ابن الجنيد مع القسمة وهو نادر ،

__________________

(٦) ليست في الأصل.

(٧) الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب ٧ ، حديث ١.

١٠٧

نعم (٨) ورد في ذلك روايات وأثبتها (٩) محمد بن بابويه مع الكثرة في غير الحيوان ، ( وفي الحيوان ) (١٠) مع الشريك الواحد وهو نادر ، والأول هو المعتمد ، ثمَّ اختلف ابن الجنيد وابن بابويه ، فقال ابن الجنيد : إنها تثبت على قدر السهام ، وقال ابن بابويه : على قدر الرؤس ، وهو أوجه ، لأن المقتضي للأخذ بالشفعة مطلق الشركة ، ولهذا لو انفرد الشريك بالجزء من المئة لأخذ الجميع ، فصار المعتبر مطلق الشركة.

قال ( رحمه‌الله ) : ولو باع الجد أو الأب عن اليتيم شقصه المشترك معه ، جاز أن يتشفع وترتفع التهمة ، لأنه لا يزيد على بيع ماله من نفسه؟ وهل ذلك للوصي؟ قال الشيخ : لا ، لمكان التهمة ، ولو قيل بالجواز كان أشبه كالوكيل.

أقول : قال الشيخ في المبسوط لو باع ولي (١١) اليتيم حصته من المشترك بينه وبينه لم يكن له الأخذ بالشفعة الا أن يكون أبا أو جدا ، لأن الوصي منهم فيؤثر تقليل الثمن ، ولأنه ليس له ان يشتري لنفسه ، بخلاف الأب والجد ، لأنهما غير متهمين ولهما أن يشتريا لأنفسهما ، وظاهر المصنف جواز الأخذ للوصي أيضا واختاره العلامة في القواعد وابنه والشهيد ، لأنه يجوز له عندهم أن يشتري لنفسه من نفسه كالأب والجد ، ولا يزيد الأخذ بالشفعة على ذلك ، والأمانة تدفع التهمة ، والأصل عدم الخيانة وهو المعتمد ، والعلامة في المختلف أبطل شفعة الولي مطلقا سواء كان أبا أو جدا أو وصيا للرضا بالبيع.

قال رحمه‌الله : ولو قال الحاضر لا أخذ حتى يحضر الغائب ، لم تبطل شفعته ، لأن التأخير لغرض لا يتضمن الترك ، وفيه تردد.

__________________

(٨) في الأصل : أورد.

(٩) هذه الكلمة ليست في الأصل.

(١٠) ما بين القوسين ليس في « ر ١ ».

(١١) في « ر ١ » : إلي.

١٠٨

أقول : منشؤه من ان الأخذ (١٢) [ ب ] الشفعة على الفور على الصحيح من المذهب ، والتأخير مناف للفورية فتبطل الشفعة ، ومن أن التأخير إذا كان لغرض لا يتضمن الترك وهو هنا كذلك.

قال رحمه‌الله : لو كانت أدار بين ثلاثة ، فباع أحدهم من شريكه استحق الشفعة الثالث دون المشتري ، لأنه لا يستحق شيئا على نفسه ، وقيل : يكون بينهما ، ولعله أقرب.

أقول : القائل بأن الشفعة بينهما هو الشيخ في المبسوط ، ووجه قربه أنهما اشتركا في الشركة الموجودة حال الشراء ، فوجب أن لا ينفرد أحدهما بالشفعة على القول بثبوتها مع الكثرة يكون اختصاص الثالث فيها أقوى (١٣) ، لأن الشفعة مستحقة على المشتري فلا تستحقها على نفسه.

__________________

(١٢) من النسخ.

(١٣) كذا وردت هذه الجملة في الأصل والنسخ.

١٠٩
١١٠

في كيفية الأخذ

قال رحمه‌الله : ويدفع الشفيع مثل الثمن إن كان مثليا كالذهب والفضة ، وإن لم يكن له مثل كالحيوان والثوب والجوهر ، قيل : يسقط لتعذر المثلية ، ولرواية علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقيل : يأخذ بقيمة العوض وقت العقد ، وهو أشبه.

أقول : القول بالبطلان إذا كان الثمن قيميا هو قول الشيخ في الخلاف وابن حمزة ، واختاره العلامة في المختلف ، لأن الأخذ بالشفعة على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع الوفاق ، ولرواية على بن ذئاب (١٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، المتضمنة لسقوط الشفعة إذا كان الثمن قيميا ، وقال المفيد والشيخ في المبسوط وأبو الصلاح وابن إدريس : يأخذه بالقيمة حالة العقد ، لعموم ثبوت الشفعة (١٥) ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد وابنه والشهيد ، والمشهور الأخذ

__________________

(١٤) الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب ٧ ، حديث ٥.

(١٥) الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب ٥ ، حديث ٣ وباب ٧ ، حديث ٢.

١١١

بالقيمة يوم العقد ، وقال فخر الدين يأخذ بأعلى القيم ( من حين العقد ) (١٦) الى حين الدفع ، لأنه أخذ قهري كالغصب ، والأول هو المعتمد ، لأن الفرق بين الغاصب والشفيع ظاهر.

قال رحمه‌الله : ولو انهدم المبيع أو عاب ، فان كان بغير فعل المشتري ، أو بفعله قبل مطالبة الشفيع فهو بالخيار بين الأخذ بكل الثمن أو الترك والانقاض للشفيع ، باقيه : كانت في المبيع أو منقولة عنه ، لأنها لها نصيبا من الثمن ، وإن كان العيب بفعل المشتري بعد المطالبة ضمنها المشتري ، وقيل : لا يضمنها ، لأنه لا يملك بنفس المطالبة بل بالأخذ ، والأول أشبه.

أقول : إذا تعيب المبيع بعد المطالبة بفعل المشتري ، قال الشيخ : لا يضمن ، وقد ذكر المصنف حجته ، والمشهور أنه يضمن وهو المعتمد ، لأنه وان لم يكن (١٧) يملك بالمطالبة فقد تعلق حقه بالعين ، فلا يجوز للمشتري إحداث نقص فيها ولو أحدثه كان ضامنا.

قال رحمه‌الله : ولو حمل النخل بعد الابتياع فأخذ الشفيع قبل التأبير ، قال الشيخ رحمه‌الله : الطلع للشفيع ، لأنه بحكم السعف ، والأشبه اختصاص هذا الحكم بالبيع.

أقول : إذا نما المبيع في يد المشتري نماء منفصلا قبل الأخذ بالشفعة فهو للمشتري ، لأنه نمى في ملكه فاذا طلع النخل ثمَّ أخذه الشفيع ، فان كان بعد التأبير فهو للمشتري إجماعا ، وإن كان الأخذ قبل التأبير ، هل يكون الطلع للمشتري أو للشفيع؟ قال الشيخ رحمه‌الله : هو للشفيع ، لأنه بحكم السعف ، لأنه يتبع الأصل في البيع فكذا هنا ، وكما لو باع النخل بعد الطلع وقبل التأبير يكون الطلع

__________________

(١٦) ليست في « ر ١ ».

(١٧) هذه الكلمة من « ر ١ ».

١١٢

للمشتري ، فكذلك يكون للشفيع إذا أخذه قبل التأبير ، لأن المقتضي للتبعية في البيع ليس الا كونه جزءا من المسمى فكذا هنا ، والمعتمد اختصاص هذا الحكم بالبيع وقوفا على مورد النص (١٨) ، وهو اختيار المصنف والعلامة.

قال رحمه‌الله : إذا كانت الأرض مشغولة بزرع يجب تبقيته ، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بالشفعة في الحال وبين الصبر حتى يحصد ، لأن له في ذلك غرضا وهو الانتفاع بالمال ، وتعذر الانتفاع بالأرض المشغولة ، وفي جواز التأخير مع بقاء الشفعة تردد.

أقول : منشؤه من أن التأخير لغرض صحيح فيكون جائزا ، ومن أن الأخذ بالشفعة على الفور ، والتأخير ينافيه فتبطل الشفعة معه ، وهو المعتمد.

__________________

(١٨) الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب ٢ ، حديث ١.

١١٣
١١٤

في لواحق الأخذ بالشفعة

قال رحمه‌الله : إذا اشترى بثمن مؤجل ، قال في المبسوط : للشفيع أخذه بالثمن عاجلا ، وله التأخير وأخذه بالثمن في محله ، وفي النهاية يأخذه عاجلا ويكون الثمن عليه ، ويلزم كفيلا بالمال إذا لم يكن مليا ، وهو أشبه.

أقول : هذا الخلاف مبنى على اشتراط الفورية وعدمه ، والمشهور اشتراطها وهو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف والمفيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، ومن لم يشترط الفورية جوز التأخير إلى حلول الأجل.

قال رحمه‌الله : قال المفيد رحمه‌الله ، والمرتضى رحمه‌الله : الشفعة تورث ، وقال الشيخ رحمه‌الله : لا تورث تعويلا على رواية طلحة بن زيد وهو بتري ، والأول أشبه ، تمسكا بعموم الآية.

أقول : احتج القائلون بالإرث بعموم آية الإرث (١٩) ولأنه حق للمورث فيكون موروثا كسائر الحقوق وهو المعتمد ، واحتج المانعون برواية طلحة بن

__________________

(١٩) النساء : ٧.

١١٥

زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام ، « قال : الشفعة لا تورث » (٢٠) ، وهي ضعيفة السند.

قال رحمه‌الله : وهي تورث كالمال ، ولو ترك زوجة وولدا فللزوجة الثمن وللولد الباقي ، ولو عفا أحد الورثة عن نصيبه لم يسقط ، وكان لمن لم يعف أن يأخذ الجميع ، وفيه تردد ضعيف.

أقول : منشؤه من أن الورثة يقومون مقام مورثهم ، وهو لو عفى عن بعض الشفعة سقط الباقي وبطلت شفعته في الجميع ، فكذلك الورثة ، ومن أنه يلزم من ذلك إسقاط حق الغير بعفو غيره عن حقه وهو باطل ، ولهذا كان التردد ضعيفا.

قال رحمه‌الله : إذا باع الشفيع حصته بعد العلم بالشفعة ، قال الشيخ : سقطت شفعته ، لان الاستحقاق بسبب النصيب ، أما لو باع قبل العلم لم تسقط ، لان الاستحقاق سابق على البيع ، ولو قيل : ليس له الأخذ في الصورتين ، كان حسنا.

أقول : أما قول الشيخ فقد ذكر المصنف وجهه ، وأما وجه ما استحسنه المصنف فهو أن السبب في استحقاق الشفعة الشركة ، وقد زالت فيزول معلولها ، ولأن الشفعة إنما شرعت لازالة الضرر وقد زال ببيع ملكه ، فلو أثبتناها هنا لزم حصول ضرر آخر ، وأصالة البقاء منتفية لزوال السبب ، وهو اختيار العلامة في الإرشاد والمختلف.

قال رحمه‌الله : إذا تبايعا شقصا فضمن الشفيع الدرك عن البائع أو عن المشتري ، أو شرط المتبايعان الخيار للشفيع ، لم يسقط بذلك الشفعة ، وكذا لو كان وكيلا لأحدهما ، وفيه تردد ، لما فيه من أمارة الذمي بالبيع.

أقول : ذهب الشيخ وابن إدريس الى عدم سقوط الشفعة بهذه الأشياء ،

__________________

(٢٠) الوسائل ، الشفعة ، باب ١٢ ، حديث ١.

١١٦

واختاره العلامة في القواعد والتحرير وهو اختيار فخر الدين ، وذهب في المختلف الى بطلان الشفعة ، لما في هذه الافعال من الدلالة على الرضا بتمليك المشتري ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : إذا أخذ بالشفعة فوجد فيه عيبا سابقا على البيع ، فان كان الشفيع والمشتري عالمين فلا خيار لأحدهما ، وإن كانا جاهلين ، فان رده الشفيع كان المشتري بالخيار في الرد والأرش ، وإن اختار الأخذ لم يكن للمشتري الفسخ لخروج الشقص عن يده ، قال الشيخ رحمه‌الله : وليس للمشتري المطالبة بالأرش ، ولو قيل : له الأرش ، كان حسنا.

أقول : احتج الشيخ على عدم ثبوت الأرش بأن المشتري قد استدرك ظلامته بحصول جميع الثمن اليه من الشفيع ، ولأنه قد سقط الرد بأخذ الشفيع فيسقط الأرش ، لخروجه عن ملك المشتري ، ووجه عدم السقوط أنه ( عوض جزء ) (٢١) فائت ، فلا يسقط بخروجه عن ملكه ، فإذا أخذ الأرش سقط عن الشفيع من الثمن بقدره ، لأنه ليس له عليه الا الثمن الذي استقر عليه العقد ، والذي استقر عليه هو ما زاد عن الأرش ، ولو ترك المشتري الأرش لم يكن للشفيع الرجوع بشي‌ء ، لأنه إسقاط لبعض الثمن بعد العقد.

قال رحمه‌الله : ولو باع الشقص بعضو معين لا مثل له كالعبد فإن قلنا لا شفعة فلا بحث ، وإن أوجبنا الشفعة بالقيمة فأخذه الشفيع وظهر في الثمن عيب ، كان للبائع رده والمطالبة بقيمة الشقص ، إذا لم يحدث عنده ما يمنع الرد. ولا يرتجع الشقص ، لأن الفسخ المتعقب للبيع الصحيح لا يبطل الشفعة ، ولو عاد الشقص إلى المشتري بملك مستأنف ، كالهبة أو الميراث ، لم يملك رده على البائع ، ولو طلبه البائع لم يجب على المشتري إجابته. ولو كانت قيمة الشقص والحال هذه

__________________

(٢١) في « ر ١ » بدل ما بين القوسين : ( جزء عوض ).

١١٧

أقل من قيمة العبد ، قيل : يرجع الشفيع بالتفاوت ، وفيه تردد ، والأشبه لا ، لأنه الثمن الذي اقتضاه العقد.

أقول : إذا كان الثمن قيميا كالعبد ، ثمَّ ظهر فيه عيب قديم بعد أخذ الشفيع للشقص ودفع قيمة الثمن ، لم يملك البائع استرجاع الشقص من الشفيع ، لأنه ملكه بالأخذ ، وله فسخ البيع والرجوع على المشتري بقيمة الشقص ، فلو كانت القيمة التي يرجع فيها أقل من قيمة العبد التي دفعها الشفيع إلى المشتري ، هل للشفيع الرجوع بالتفاوت؟ تردد المصنف في ذلك من أن الشفيع إنما يجب عليه دفع ما استقر ثمنا ، وليس إلا قيمة الشقص التي رجع فيها البائع بعد الفسخ على المشتري ، فيرجع الشفيع بالتفاوت ، لأنا تبينا أنه دفع أكثر مما وجب عليه.

ومن أن الشفيع إنما يأخذ بالثمن الذي اقتضاه العقد ، والعقد وقع على العبد فيلزمه قيمته ، ونقيصة الثمن بسبب الفسخ لا يوجب سقوط ما وجب على الشفيع بسبب العقد.

والمعتمد ، إن كان المشتري أخذ من الشفيع قيمة العبد سليما رجع الشفيع عليه بالتفاوت ، وإن أخذ قيمته معيبا لم يرجع عليه بشي‌ء.

قال رحمه‌الله : لو كانت دارا لحاضر وغائب وحصة الغائب في يد آخر ، فباع الحصة وادعى أن ذلك بإذن الغائب ، قال في الخلاف : تثبت الشفعة ، ولعل المنع أشبه ، لأن الشفعة تابعة لثبوت البيع. فلو قضى بها وحضر الغائب ، فان صدّقه فلا بحث ، وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه ، وينتزع الشقص وله أجرته ، من حين قبضه الى حين رده ، ويرجع بالأجرة إن شاء على البائع ، لأنه سبب الإتلاف ، أو على الشفيع ، لأنه المباشر للإتلاف ، فإن رجع على مدعي الوكالة لم يرجع الوكيل على الشفيع ، وإن رجع على الشفيع ، رجع الشفيع على الوكيل ، لأنه غرّه ، وفيه قول آخر ، هذا أشبه.

١١٨

أقول : القول الآخر هو قول الشيخ في المبسوط ، وهو أن رجع على الوكيل ، رجع الوكيل على الشفيع لحصول التلف في يده ، فيستقر الضمان ، لأن المباشرة أقوى من السبب ، والمعتمد اختيار المصنف ، لأن المباشرة ضعفت بالغرور ، فصار السبب أقوى ، فيستقر الضمان على الوكيل.

قال رحمه‌الله : وتبطل الشفعة بترك المطالبة مع العلم وعدم الغرر ، وقيل : لا تبطل إلا أن يصرح بالإسقاط وإن تطاولت المدة ، والأول أظهر.

أقول : الخلاف هنا مبني على الخلاف باشتراط الفورية وعدم الاشتراط ، وقد سبق البحث في ذلك (٢٢) ، والمعتمد البطلان مع التأخير لغير عذر.

قال رحمه‌الله : ولو نزل عن الشفعة قبل البيع لم تبطل مع البيع ، لأنه إسقاط ما لم يثبت ، وفيه تردد ، وكذا لو شهد على البيع ، أو بارك للمشتري أو للبائع ، أو أذن للمشتري في الابتياع ، فيه تردد ، لأن ذلك [ ليس ] أبلغ من الاسقاط قبل البيع.

أقول : منشأ التردد في الجميع ، من حصول أمارة الرضا بالبيع على الغير وهو مسقط للشفعة ، لأنها إنما شرعت الإزالة ضرر الشريك ، ومع الرضا يزول الضرر ، ومن أن الشفعة انما تثبت بعد البيع ، والاسقاط قبله إسقاط لما لم يثبت فلا عبرة فيه ، وهو مذهب ابن الجنيد وابن إدريس ، وظاهر المصنف واختاره العلامة في القواعد وابنه ، والسقوط مذهب الشيخين وابن حمزة ، لأنه تمكن من دفع الضرر ولم يفعل ، فتبطل شفعته.

قال رحمه‌الله : ولو بان الثمن مستحقا بطلت الشفعة لبطلان العقد ، وكذا لو تصادق الشفيع والمشتري غصبية الثمن ، أو أقرّ الشفيع بغصبيته ، منع من المطالبة ، وكذا لو تلف الثمن المعين قبل قبضه لتحقق البطلان على تردد في هذا.

__________________

(٢٢) ص ١٠٨ ـ ١٠٩.

١١٩

أقول : منشؤه من أن الشفعة تابعة لصحة البيع ، والبيع قد بطل بتلف الثمن المعين قبل قبضه ، فتبطل الشفعة تحقيقا للتبعية وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، فلا فرق حينئذ بين ظهور الثمن مستحقا ، وبين تلفه مع تعيينه قبل القبض ، لاشتراكهما في بطلان البيع ، ومن أن الشفيع قد تعلق حقه بالشقص قبل بطلان البيع فلا يبطل بالفسخ المتجدد ، لأن الأصل بقاؤه ، وليس البيع هنا باطلا من أصله كظهور (٢٣) الثمن مستحقا فافترق الحكم بينهما ، وهو ظاهر العلامة في المختلف واختاره فخر الدين ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو ادعى عليه الابتياع فصدقه ، وقال : أنسيت الثمن ، فالقول قوله مع يمينه ، فإذا حلفه بطلت الشفعة ، أما لو قال : لم أعلم كمية الثمن لم يكن جوابا صحيحا وكلّف جوابا غيره وقال الشيخ : ترد اليمين على الشفيع.

أقول : فرق أصحابنا بين قول المشتري نسيت الثمن وبين قوله لم أعلم كميته ، وحكموا بصحة الأول وعدم صحة الثاني ، والمراد بالنسيان هو نسيان الجنس والقدر ، بحيث صار لا يعلم هل هو من ذوات الأمثال أو من ذوات القيم؟ والمراد بعدم علم الكمية هو أن يذكر الجنس ويدعي جهالة القدر.

وانما حكموا بصحة دعوى النسيان ، لأنه اعترف بصحة البيع وادعى شيئا ممكنا ، لأن الإنسان قد ينسى الشي‌ء القريب ويذكر الشي‌ء البعيد ، ودعوى النسيان ليست منافية لصحة البيع الذي اعترف به ، بخلاف دعوى جهالة الكمية ، لأنه إذا اعترف بالبيع الصحيح وادعى عدم المعرفة بكمية الثمن ، ـ وهي منافية لصحة البيع ، لاشتراط الصحة بالعلم بقدر الثمن ـ فلا يسمع دعوى جهالة الكمية فيكلف جوابا صحيحا غير مناف لاعترافه.

وقال الشيخ رحمه‌الله : ترد اليمين على الشفيع ، لأنه لو ادعى رجل على

__________________

(٢٣) في « م » : لظهور.

١٢٠