غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

العمل بشهادة أعدلهما ، فإن تساويا أطرح الفرع ، وهو يشكل بما أن الشرط في قبول الفرع عدم الأصل ، وربما أمكن لو قال الأصل : لا أعلم.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه عبد الله بن سنان (٧٤) ، عن الصادق عليه‌السلام ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية وابنا (٧٥) بابويه وابن البراج ، وقال في المبسوط : إن سمع الحاكم من الفرع ، والأصل مريض أو غائب ، ثمَّ قدم الغائب أو برئ المريض فان كان بعد حكم الحاكم لم يقدح ذلك في حكمه ؛ لأن حكمه قد نفذ قبل حضور الأصل ، وإن كان قبله لم يحكم بشهادة الفرع ؛ لأنه إنما يحكم بالفرع لتعذر الأصل ، واختاره العلامة وهو المعتمد.

وقال : ابن حمزة : وإن كان حكم بشهادة الفرع ثمَّ بعد الحكم كذبه الأصل ، فإن تساويا في العدالة نقض الحكم ، وإن تفاوتا أخذ بقول أعدلهما ، فإن لم يحكم سمع من الأصل ، وحمل المصنف قول الشيخ في النهاية على قوله : لا أعلم ، أما لو صرح بكذب الفرع أطرحت شهادة الفرع ، قال فخر الدين : والأولى عندي إذا قال شاهد الأصل : لا أعلم ، ثبتت شهادة الفرع ، وفيه نظر ؛ لأن المشهور بين الأصحاب عدم قبول شهادة الفرع مع حضور (٧٦) شاهد الأصل ، وهو أعم من أن يقيم الأصل الشهادة أو يترك الإقامة ، لعدم علمه بها أو لغير ذلك.

قال رحمه‌الله : وتقبل شهادة النساء على الشهادة ، فيما تقبل فيه شهادة النساء منفردات ، كالعيوب الباطنة والاستهلال والوصية ، وفيه تردد أشبهه المنع.

أقول : منشؤه من أن قبول شهادتهن في هذه الأشياء يستلزم قبول

__________________

(٧٤) الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب ٤٦ ، حديث ٣.

(٧٥) في « م » : وابن.

(٧٦) في « ن » : حديث صول.

٣٠١

شهادتين فيها فرعا بطريق الأولى ؛ لأن الأصل أقوى من الفرع ، فاذا قبلت في الأقوى قبلت في الأضعف بطريق الاولى ، ولعموم قوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) (٧٧) ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف وابن الجنيد ، واختاره العلامة في المختلف ، والشهيد ، ومن انتفاء العلة المجوزة لقبول شهادة النساء منفردات ، وهي عدم اطلاع الرجال على هذه الأشياء غالبا وعدم (٧٨) حضور الرجال حالة الوصية ، ودعاء ضرورة الموصي إلى الوصية ، فلهذه العلة جازت شهادة النساء وهي منتفية في صورة النزاع ، وإذا انتفت العلة انتفى المعلول ، فلا تقبل شهادة النساء على الشهادة في شي‌ء البتة ، وهو مذهب ابن إدريس واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير وفخر الدين وأبو العباس.

__________________

(٧٧) البقرة : ٢٨٢.

(٧٨) في « م » و « ر ١ » : أو عدم.

٣٠٢

في الطوارئ

قال رحمه‌الله : ولو رجعا عن الشهادة قبل الحكم لم يحكم ، ولو رجعا بعد الحكم والاستيفاء وتلف المحكوم به ، لم ينقض الحكم وكان الضمان على الشهود ، ولو رجعا بعد الحكم وقبل الاستيفاء ، فان كان حدا لله نقض الحكم للشبهة الموجبة للسقوط ، وكذا لو كان للادمي كحد القذف ، أو مشتركا كحد السرقة ، وفي نقض الحكم لما عدا ذلك من الحقوق تردد.

أقول : منشؤه من ان الشهادة إثبات حق يجري مجرى الإقرار ، والرجوع نفي ذلك الحق ، فهو جار مجرى الإنكار بعد الإقرار ، فلما لم يبطل الحكم بالإقرار (٧٩) بحدوث الإنكار لم يبطل الحكم بالشهادة بحدوث الرجوع ، ولأن رجوعهما ليس شهادة منهما ، ولهذا لم تفتقر الى لفظ الشهادة ، فلا يسقط حقه بعد ثبوته بما ليس بشهادة عليه ، ولا إقرار (٨٠) منه ، ولأن الشهادة أثبتت الحق ، فلا يزول بالطارئ كالفسق ، ومن أن الحق ثبت بشهادتهما فاذا رجعا سقط كما لو كان

__________________

(٧٩) في الأصل : الإقرار.

(٨٠) في « ن » و « ر ١ » : والإقرار.

٣٠٣

قصاصا ، وأجيب بالفرق ؛ لأن القصاص والحدود تسقط بالشبهة ، بخلاف غيرها ، والأول هو المعتمد ، وهو مذهب ابن إدريس والعلامة.

قال رحمه‌الله : أما لو حكم وسلم فرجعوا والعين قائمة ، فالأصح أنه لا ينقض ولا تستعاد العين ، وفي النهاية : ترد على صاحبها ، والأول أظهر.

أقول : لا فرق عند ابن إدريس والعلامة وابنه إذا كان الرجوع بعد الحكم بين أن يكون قبل الاستيفاء أو بعده ، ولا بين كون العين المستوفاة قائمة أو تالفة ، وحكموا في الجميع بعدم نقض الحكم ، ويغرم الشهود كما لو كان الحكم (٨١) الرجوع بعد الاستيفاء (٨٢) وتلف العين ، وقال الشيخ في النهاية إذا كانت العين قائمة نقض الحكم وردت العين الى صاحبها ، وتبعه ابن حمزة وابن البراج ، وحجة الفريقين ما تقدم في المسألة الاولى ، والمعتمد مذهب ابن إدريس.

قال رحمه‌الله : يقتل ويرد عليه الباقون ثلاثة أرباع الدية.

أقول : إذا شهد أربعة رجال على رجل بالزنا وهو محصن فرجم ثمَّ رجع واحد منهم عن الشهادة ، وقال : تعمدت فلم (٨٣) يصدقه الباقون لم يمض إقراره عليهم ، وكان لأولياء المقتول قتله ، قال الشيخ في النهاية : ويرد عليه الباقون ثلاثة أرباع الدية ، وهو ظاهر ابن الجنيد ، لرواية (٨٤) إبراهيم بن نعيم ، وقال ابن إدريس : لا يمضي إقراره الا على نفسه ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ؛ لأنه لا يجوز إلزام الغير بإقرار غيره ، فحينئذ يكون الرد من أولياء المقتول.

قال رحمه‌الله : إذا ثبت أنهم شهدوا بالزور ، نقض الحكم واستعيد المال ،

__________________

(٨١) ليست في النسخ.

(٨٢) في الأصل : بعد الحكم والاستيفاء.

(٨٣) في النسخ : فان لم.

(٨٤) الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب ١٢ ، حديث ٢.

٣٠٤

فان تعذر غرم الشهود.

أقول : لا يثبت أنهم شهدوا بالزور بإقرارهم ؛ لأنه رجوع فله أحكام الرجوع ، ولا بشهادة غيرهم ؛ لأنه تعارض فيلحقه احكام التعارض ، وانما يثبت تزويرهم بدليل قاطع ، وهو علم الحاكم أو قول المعصوم ، ولهذا يجب نقض الحكم من غير تفصيل وبغير خلاف.

قال رحمه‌الله : إذا رجعا معا ضمنا بالسوية ، فإن رجع أحدهما ضمن النصف ، ولو ثبت بشاهد وامرأتين فرجعوا ضمن الرجل النصف ، وضمنت كل واحدة الربع ، ولو كان عشر نسوة مع شاهد فرجع الرجل ضمن السدس ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن الضمان على الجميع مع الرجوع ، والرجل بامرأتين فيضمن السدس ، وهو المشهور بين الأصحاب وعليه فتاويهم ؛ لأن الحق ثبت بشهادة الجميع ، ومن أن الرجل نصف البينة ، ولهذا لا يثبت المال بدونه ولا غيره بالزائد على امرأتين ، لثبوت المال بشهادتهما مع الرجل ، ولا يثبت بشهادة العشر من دون الرجل ، فلهذا كان نصف البينة ، فيكون عليه نصف المال ، وهو قوي ، لكن فتاوي الأصحاب على الأول.

قال رحمه‌الله : لو كان الشهود ثلاثة ضمن كل واحد منهم الثلث ولو رجع واحد منفردا ، وربما خطر أنه لا يضمن ؛ لأن في الباقي ثبوت الحق ، ولا يضمن الشاهد بالحكم بشهادة غيره للمشهود له ، والأول اختيار الشيخ رحمه‌الله ، وكذا لو شهد رجل وعشر نسوة فرجع ثمان منهن ، قيل : على كل واحدة نصف السدس ، لاشتراكهن في نقل المال ، والاشكال فيه كما في الأول.

أقول : إذا شهد أكثر من العدد الذي يثبت به الحق كثلاثة في المال فرجع

٣٠٥

الزائد قبل الحكم لم يمنع ذلك من (٨٥) الحكم ولا غرم ، وإن رجع بعد الحكم ، قال الشيخ : يضمن بالنسبة ، وهو المشهور بين الأصحاب ؛ لأن الحق ثبت بشهادة الجميع ولا تخصيص بثبوته (٨٦) بشهادة البعض دون البعض ، وهو المعتمد. وخطر للمصنف أنه لم يضمن ، وقد ذكر وجهه وهو ضعيف ؛ لأن الحكم ثبت بالجميع ، والراجع (٨٧) جزء من السبب المتلف فيضمن وتخصيص الثبوت بشهادتهما دون شهادته ترجيح من غير مرجح ، فعلى هذا لو رجع ثمان من عشر نسوة ضمنت كل واحدة نصف السدس ، وعلى ما خطر للمصنف لم يضمنوا شيئا ؛ لأن الحق يثبت بالباقي.

قال رحمه‌الله : ولو حكم فقامت بينة بالجرح مطلقا لم ينقض الحكم ، لاحتمال التجدد بعد الحكم ، ولو تعين الوقت وهو متقدم على الشهادة نقض ، ولو كان بعد الشهادة وقبل الحكم لم ينقض ، وإذا نقض الحكم فان كان قتلا أو جرحا فلا قود والغريمة [ الدية ] من بيت المال ، ولو كان المباشر للقصاص هو الولي ففي ضمانه تردد ، والأشبه أنه لا يضمن مع حكم الحاكم وإذنه ، ولو قتل بعد الحكم وقبل الإذن ضمن الدية.

أقول : إذا حكم بشهادة اثنين في قطع أو قتل وأنفذ ذلك ، ثمَّ ظهر كفرهما أو فسقهما قبل الحكم نقض الحكم ، ولم يجب على الشاهدين ضمان لبطلان الحكم في نفسه ، بخلاف الرجوع ؛ لان الراجع معترف بكذبه ويضمن الحاكم لتفريطه وحكمه بشهادة من لا يجوز شهادته ، ولا قصاص ؛ لأنه مخطئ فتجب الدية ومحلها بيت المال ؛ لأنه نائب عن المسلمين ووكيلهم ، وخطأ الوكيل في حق

__________________

(٨٥) في « ن » : من ذلك.

(٨٦) في « م » : بثبوته.

(٨٧) في النسخ : فهو.

٣٠٦

موكله عليه ، ولا يجب على عاقلته ولا الامام (٨٨) وسوى (٨٩) تولى ذلك الحاكم (٩٠) بنفسه أو أمر من يتولاه.

وتردد المصنف في ضمان الولي إذا كان هو المباشر من أنه فاعل السبب والمباشرة فيكون ضامنا ؛ لان سبب الحكم الدعوى وإقامة البينة ، فإذا باشر بعد ذلك كان الضمان عليه دون الحاكم ، ومن أن الحاكم قد سلط الولي على القصاص ، وهو يدعي أنه حقه فلا ضمان عليه ، وهو المعتمد إذا كان ذلك بإذنه كما قاله المصنف ، ولو كان المحكوم به ما لا فالضمان على المحكوم له دون الحاكم ؛ لأن المال يضمن بالقبض بخلاف القصاص ، ولا فرق بين أن تكون العين باقية أو تالفة ، ولا بين أن يكون المضمون له موسرا أو معسرا ، خلافا للشيخ في المعسر ، فإنه قال : لو كان معسرا ضمن الامام ، ويرجع به على المحكوم له إذا أيسر.

__________________

(٨٨) في النسخ : عاقلة الإمام.

(٨٩) كذا.

(٩٠) في « م » : الحكم.

٣٠٧
٣٠٨

كتاب الحدود والتعزيرات

٣٠٩
٣١٠

في حد الزنا

قال رحمه‌الله : ولو تشبهت عليه فعليها الحد دونه ، وفي رواية يقام عليها الحد جهرا وعليه سرا ، وهي متروكة.

أقول : بمضمون الرواية (١) أفتى ابن البراج والمعتمد اختصاصها بالحد لاختصاصها بالزنا دونه والا لزم تكليف ما لا يطاق (٢).

قال رحمه‌الله : ويسقط الحد مع الإكراه ، وهو يتحقق في طرف المرأة قطعا ، وفي تحققه في طرف الرجل تردد ، والأشبه إمكانه لما يعرض من ميل الطبع المزجور بالشرع.

أقول : لا شك أن المكره لا يتعلق به تحريم على فعل ما اكره عليه ، والا لزم تكليف ما لا يطاق ، وهل يتحقق الإكراه في طرف الرجل بمعنى هل تقدر المرأة أن تكره الرجل على الزنا بها؟ تردد المصنف في ذلك من أن الخوف يمنع من انتشار العضو ؛ لأنه مانع من انبعاث القوى ، ولا يمكن الزنا مع عدم انتشار العضو وهو

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ٣٨ من أبواب حديث الزنا ، حديث ١.

(٢) في الأصل إضافة : الغافل به.

٣١١

لا ينتشر الا مع انبعاث القوى بالشهوة ، والخوف يمنع من ذلك فامتنع الإكراه ، ومن أن الطبع له ميل الى ذلك فيحصل الانتشار لميل الطبع المزجور بالشرع ، فلو كان الخوف مانعا من انتشار العضو لامتنع انتشار عضو الزاني مطلقا ، لحصول الخوف بزجر الشرع عن الزنا ، والتوعد عليه بالعقوبة التي هي أعظم عليه (٣) من العقوبة الحاضرة ، فلما لم يمنع ذلك من انتشار العضو دل على أن الخوف غير مانع ، وهو المعتمد ؛ لأن التخويف بترك الفعل ، والفعل لا يخاف منه فلا يمنع من الانتشار.

قال رحمه‌الله : ويثبت للمكرهة على الواطي مثل مهر نسائها على الأظهر.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد ، وقال الشيخ في كتاب الحدود من الخلاف : لا مهر لها ، واستدل بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنه نهى عن مهر البغية » (٤) ، وقال : البغي الزانية ، وقال ابن إدريس : وهذا الاستدلال نرغب عن ذكره ، وهل هذه المكرهة بغي حتى استشهد بهذا الحديث على نفي مهرها؟!

قال رحمه‌الله : وفي اعتبار كمال العقل خلاف ، فلو وطأ المجنون عاقلة وجب عليه الحد رجما أو جلدا ، هذا اختيار الشيخين رحمهما‌الله ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من اختلاف الأصحاب وتساوي أدلتهم عند المصنف ، وأوجب الشيخان وابن البراج وابن بابويه الحد على المجنون إذا زنى ، لرواية أبان بن تغلب (٥) عن الصادق عليه‌السلام الدالة على وجوب الحد ، وقال سلار وابن إدريس : لا يجب ، واختاره العلامة وابنه ؛ لأن الحد عقوبة سببها

__________________

(٣) ليست في النسخ.

(٤) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ٥ من أبواب ما يكتسب به ، حديث ١٣.

(٥) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ٢١ من أبواب حديث د الزنا ، حديث ٢.

٣١٢

التحريم ، وهو منتف عن المجنون ؛ لأنه غير مكلف وهو المعتمد.

اما لو كان يفيق ثمَّ زنى وقت الإفاقة حد مائة جلدة محصنا كان أو غير محصن ، وهو مذهب أبي الصلاح واختاره أبو العباس ، وأجمع الكل على عدم حد المجنونة ؛ لأن المرأة تؤتى والرجل يأتي ، وانما يأتي إذا عقل ، وهذا الفرق ذكره الصادق عليه‌السلام في الرواية (٦) وفيه دلالة على مذهب أبي الصلاح.

قال رحمه‌الله : ويجب الحد على الاعمى ، فإن ادعى الشبهة ، قيل : لا تقبل ، والأشهر القبول مع الاحتمال.

أقول : القول المحكي هو قول الشيخ رحمه‌الله ، والمشهور القبول مع احتمال صدقه ؛ لأنه في مظنة ما أخبر به ، ولأن دعواه شبهة ، وقال عليه‌السلام : « ذروا الحدود للشبهات » (٧) ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو أقر أربعا في مجلس واحد ، قال في الخلاف والمبسوط : لا يثبت ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من عموم قوله عليه‌السلام « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٨) ولأن الحكم معلق على الإقرار ، ( لا على أماكن الإقرار ) (٩) ، ومن أن حد الزنا مبني على التخفيف ، فيقتصر فيه على ما وقع في حضرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو لم يحد ماعزا حتى أقرّ أربعا في أربعة مجالس (١٠)

__________________

(٦) المصدر السابق.

(٧) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ٢٤ من أبواب مقدمات الحدود ، حديث ٤ وفيه ( ادرؤا ) بدل ( ذروا ).

(٨) الوسائل ، كتاب الإقرار ، الباب ٣ ، حديث ٢ وفي المستدرك ، باب الثاني من الكتاب ، حديث ١.

(٩) ما بين القوسين ليس في « ن ».

(١٠) سنن البيهقي ، ج ٨ ، ص ٢٢٥ و ٢٢٦ و ٢٢٧.

٣١٣

والأول (١١) هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو قال : زنيت بفلانة ، لم يثبت الزنا في طرفه حتى يكرره أربعا ، وهل يثبت القذف للمرأة؟ فيه تردد.

أقول : منشؤه من أن حد القذف شرع لمنع الناس من الفحش ، وهذا فحش ، ومن أن زناه بها لا يستلزم زناها ، لاحتمال إكراهها ولا دلالة للعام على الخاص.

قال رحمه‌الله : ولو أقر بحد ولم يبينه ، لم يكلّف البيان وضرب حتى ينهى عن نفسه ، وقيل : لا يتجاوز به المئة ولا ينقص عن الثمانين ، وربما كان صوابا في طرف الكثرة ، ولكن ليس بصواب في طرف النقصان ، لجواز أن يريد بالحد التعزير.

أقول : الأصل في هذه المسألة رواية محمد بن قيس عن الباقر عليه‌السلام : « أن أمير المؤمنين عليه‌السلام أمر برجل أقر على نفسه بحد ولم يسمه أن يضرب حتى ينهى عن نفسه » (١٢) ، وبمضمونها أفتى الشيخ وابن البراج ، وجزم به العلامة في القواعد والإرشاد ، والقول الذي أشار إليه المصنف هو قول ابن إدريس ، والمعتمد صوابه في طرف الكثرة ؛ لأن المئة أعلى الحد ، وعدم صوابه في طرف القلة بل متى نهى عن نفسه ترك ؛ لأن حد القواد خمسة وسبعون ، وهو أقل من الثمانين ، والتعزير قد يسمى حدا مجازا ، فتقييد طرف القلة بثمانين لا وجه له.

قال رحمه‌الله : وفي التقبيل ، والمضاجعة بإزار واحد ، والمعانقة روايتان ، إحداهما : مائة جلدة ، والأخرى : دون الحد ، وهي أشهر.

أقول : المشهور ان في ذلك التعزير ، لأصالة براءة الذمة من الزائد ، ولما

__________________

(١١) ليس في « ر ١ » ، والعبارة هكذا : وهو المعتمد.

(١٢) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ١١ من أبواب المقدمات ، حديث ١.

٣١٤

رواه حريز في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام ، « أن عليا عليه‌السلام وجد رجلا وامرأة في لحاف فحد كل واحد منهما مائة سوط الا سوطا » (١٣) وروى عبد الرحمن الحذاء عن الصادق عليه‌السلام « أنه إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد جلدا مائة جلدة » (١٤) ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وكذا قيل بالزاني بامرأة أبيه أو ابنه.

أقول : لا خلاف في قتل الزاني بإحدى المحرمات السبع الأم والبنت والأخت وبنتها وبنت الأخ والعمة والخالة ، وألحق الشيخ من زنى بامرأة أبيه ، وتبعه ابن البراج ، وابن حمزة أضاف (١٥) جارية الأب الذي وطأها ، وأضاف ابن إدريس الى ما ذكره الشيخ ، من زنى بامرأة ابنه أيضا ، والمشهور مذهب الشيخ وهو المعتمد ؛ لان عصمة نفس الإنسان أمر مطلوب للشارع ، فلا يصار الى خلافه إلا بدليل ، وحرمة الجارية ليس كحرمة الحرة ، فلا يثبت بالزنا بجارية الأب ما يثبت بالزنا بزوجته ، وحرمة الابن أقل من حرمة الأب فلا يجب على الأب القتل بالزنا بزوجة الابن ، واحتج القائل بالقتل بأنهما محرمتان كزوجة الأب.

قال رحمه‌الله : وهل يقتصر على قتله بالسيف؟ قيل : نعم ، وقيل : بل يجلد ثمَّ يقتل إن لم يكن محصنا ، عملا بمقتضى الدليلين ، والأول أظهر.

أقول : الزاني بإحدى المحرمات المذكورة ، والذمي إذا زنى بمسلمة ، ومن أكره امرأة على نفسها ، وجب قتله مطلقا ، محصنا كان أو غير محصن ، شابا كان أو شيخا ، حرا كان أو عبدا ، وهل يقتصر على ضرب العنق؟ قال الشيخان (١٦) :

__________________

(١٣) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ١٠ من أبواب حديث د الزنا ، حديث ٢٠.

(١٤) المصدر السابق ، حديث ٥.

(١٥) في « م » و « ر ١ » : وأضاف.

(١٦) في « ن » : الشيخ.

٣١٥

نعم ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، لرواية زرارة (١٧) عن أحدهما عليهما‌السلام ، وقال ابن إدريس : يجلد ثمَّ يقتل إن كان غير محصن ، ويجلد ثمَّ يرجم إن كان محصنا ، ليحصل امتثال الأمر في الحدين معا ، ولا يسقط واحد منهما.

قال رحمه‌الله : وأما الرجم فيجب على المحصن إذا زنى بالغة عاقلة ، فإن كان شيخا أو شيخه جلد ورجم [ ثمَّ رجم ] ، وإن كان شابا ففيه روايتان ، إحداهما : يرجم لا غير ، والأخرى : يجمع له بين الحدين ، وهو أشبه.

أقول : أما رواية الرجم لا غير فرواية عبد الله بن طلحة عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : إذا زنى الشيخ والعجوز جلدا ثمَّ رجما ، وإذا زنى النصف من الرجال رجم ولم يجلد إذا كان قد أحصن » (١٨) ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية وأبو الصلاح.

وأما رواية الجمع ، فعن محمد بن مسلم (١٩) عن الباقر عليه‌السلام ورواية زرارة (٢٠) أيضا ، وذلك هو المشهور بين الأصحاب ، لعموم قوله تعالى : (الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (٢١) ، ولأن عليا عليه‌السلام : « جلد سراحة يوم الخميس وقتلها يوم الجمعة فقيل له : أتحدها حدين؟ فقال : حددتها بكتاب الله ، ورجمتها بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢٢).

قال رحمه‌الله : وفي ثبوته في طرف المجنون تردد ، والمروي الثبوت.

__________________

(١٧) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ١٧ من أبواب حديث د الزنا ، حديث ٢ ـ ٤.

(١٨) المصدر السابق ، باب الأول من أبواب حديث د الزنا ، حديث ١١.

(١٩) المصدر السابق ، حديث ٨.

(٢٠) المصدر السابق ، حديث ١٤.

(٢١) النور : ٢.

(٢٢) سنن البيهقي ، ج ٨ ، ص ٢٢٠.

٣١٦

أقول : قد مضى البحث في ذلك (٢٣) فلا وجه لإعادته.

قال رحمه‌الله : وأما الجز [ الجلد ] والتغريب ، فيجبان على الذكر الحر غير المحصن ، يجلد مائة ، ويجز رأسه ، ويغرب عن مصره الى آخر عاما ، مملكا كان أو غير مملك ، وقيل : يختص التغريب بمن أملك ولم يدخل ، وهو مبني على البكر ما هو؟ والأشبه أنه عبارة عن غير المحصن وإن لم يكن مملكا.

أقول : الأصل في هذا الحكم قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « البكر بالبكر جلد مائة ويغرب عاما ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم » (٢٤) ، وقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « الشيخ والشيخة جلد مائة والرجم ، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة » (٢٥) ، واختلف الأصحاب في تفسير البكر ، قال الشيخ في النهاية : هو من أملك ولم يدخل ، أي عقد على امرأة ولم يدخل بها ، وبه قال ابن بابويه وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة وسلار ، واختاره العلامة في التحرير والمختلف ، وابنه في شرح القواعد ، وأبو العباس في المقتصر ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : هو غير المحصن ، سواء كان مملكا أو غير مملك ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف ، ومستند الفريقين الروايات (٢٦) ، فعلى مذهب النهاية ينقسم الزاني غير المحصن الى قسمين : البكر : وهو من أملك ولم يدخل ، وحده الجز والجلد والتغريب ، ( وغير البكر وهو من ليس بمملك ) (٢٧) وحده الجلد لا غير ، وعلى مذهب المبسوط والخلاف غير المحصن قسم واحد.

قال رحمه‌الله : ولو تكرر من الحر الزنا فأقيم عليه الحد مرتين ، قتل في

__________________

(٢٣) ص ٣١٢.

(٢٤) سنن البيهقي ، ج ٨ ، ص ٢٢٢.

(٢٥) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب الأول من أبواب حديث الزنا ، حديث ٩.

(٢٦) راجع احاديث باب المذكور. والباب السابع أيضا.

(٢٧) في الأصل بدل ما بين القوسين : ومن لم يملك.

٣١٧

الثالثة ، وقيل : في الرابعة.

أقول : الأول مذهب محمد بن بابويه ، واختاره ابن إدريس مدعيا عليه الإجماع ، لقوله عليه‌السلام : « أهل الكبائر يقتلون في الثالثة » (٢٨) والثاني قول الشيخين والمرتضى وابن البراج وأبي الصلاح وسلار ، واختاره المصنف والعلامة ، لرواية إسحاق بن عمار ، عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « قال : الزاني إذا جلد ثلاثا يقتل في الرابعة » (٢٩) ولما في ذلك من الاحتياط على حفظ النفس ، وعدم التهجم على إراقة الدم ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : أما المملوك إذا أقيم عليه الحد سبعا قتل في الثامنة ، وقيل : في التاسعة ، وهو أولى.

أقول : الأول مذهب الشيخ في الخلاف ، وبه قال ابنا (٣٠) بابويه والمفيد وسلار وابن حمزة وأبو الصلاح وابن إدريس ، والثاني قول الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، والوجه معلوم مما تقدم.

قال رحمه‌الله : في كيفية الحد ، فان فر أعيد إن ثبت زناه بالبينة ، ولو ثبت بالإقرار لم يعد ، وقيل : إن فر قبل إصابته بالأحجار أعيد.

أقول : إذا فر المرجوم من الحفيرة ، فإن ثبت موجب رجمه بالبينة أعيد إجماعا ، سواء أصابته الأحجار أو لم تصبه ، وإن ثبت الموجب بالإقرار قال المفيد وسلار وأبو الصلاح : لا يعاد مطلقا ، سواء أصابته الأحجار أو لم تصبه ، واختاره المصنف والعلامة ؛ لان فراره كالإنكار ، ولو أنكر بعد الإقرار لم يرجم فكذا إذا

__________________

(٢٨) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ٥ من أبواب المقدمات ، حديث ١.

(٢٩) المصدر السابق ، حديث ٢.

(٣٠) في « م » و « ر ١ » : ابن.

٣١٨

فرّ ؛ لأن الحدود مبنية على التخفيف ، ولما روى من إنكار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قتلة ماعز بن مالك ، لما فرّ فلحقه الزبير وضربه بساق بعير فوقع فلحقوه وقتلوه ، فأنكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ، وقال : « هلا تركتموه لما هرب فذهب ، فإنه المقر على نفسه ، أما لو كان علي عليه‌السلام حاضرا لما ظلمتم » (٣١) وروي أنه فداه من بيت المال (٣٢) ، وقال في النهاية : يعاد مع عدم إصابة الأحجار ، ولا يعاد مع اصابتها ، وتبعه ابن البراج ، وهو مذهب ابن الجنيد ، لرواية الحسين بن خالد (٣٣) عن الكاظم عليه‌السلام.

قال رحمه‌الله : ويستحب أن يحضر اقامه الحد طائفة ، وقيل : يجب تمسكا بالآية ، وأقلها واحد ، وقيل : عشرة ، وخرّج متأخر ثلاثة ، والأول أحسن.

أقول : هنا مسئلتان :

الأولى : حضور الطائفة ، هل هو مستحب أو واجب؟ بالأول قال الشيخ في الخلاف ، وهو ظاهر المصنف ، لأصالة البراءة ، وبالثاني قال ابن إدريس ، واختاره المصنف في المختصر ، وهو اختيار العلامة وأبو العباس ، لقوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٣٤) ، والأمر حقيقة في الوجوب ، وهو المعتمد.

الثانية : اختلف الأصحاب في الطائفة ، قال في النهاية : أقلها واحد ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس ؛ لأن الطائفة واحد من الفرقة ،

__________________

(٣١) الوسائل ، كتاب الحدود ، الباب ١٥ من أبواب حديث د الزنا ، حديث ١ ، وفيه ( ضللتم ) بدل ( ظلمتم ).

(٣٢) المصدر السابق.

(٣٣) المصدر السابق.

(٣٤) النور : ٢.

٣١٩

لقوله تعالى (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) (٣٥) والفرقة جماعة ، والطائفة واحد ، وقال الشيخ في الخلاف : أقلها عشرة ، نقله عن الحسن ( البصري ، وقال ابن إدريس : أقلها ثلاثة ؛ لأن الطائفة تقال عرفا على الجماعة ، وأقل الجمع ثلاثة ) (٣٦) والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وقيل : لا يرجمه من لله قبله حد ، وهو على الكراهية.

أقول : ورد في الروايات (٣٧) النهي عن أن يرجمه من لله قبله حد ، فظاهره التحريم ، ويحتمل أن يكون الكراهية لأصالة البراءة ، وهو المشهور ، لوجوب القيام بأمر الله تعالى ، وعموم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والرجم من هذا القبيل. واعلم أن الخلاف إنما هو في المقر ، أما من قامت عليه البينة فالواجب بدأة الشهود ؛ لأن النهي انما ورد في صورة الإقرار.

قال رحمه‌الله : يجلد الزاني مجردا ، وقيل : على الحالة التي وجد عليها قائما أشد الضرب ، وروى متوسطا.

أقول : المشهور جلده قائما مجردا ، سواء وجد بثيابه أو عاريا ، وقال في النهاية : يجلد على مثل حالة الزنا إن زنا وهو مجرد جلد مجردا ، وإن زنى وعليه ثيابه جلد بثيابه ، والأول هو المعتمد ، والمرأة تضرب وهي جالسة لابسة ثيابها على المشهور بين الأصحاب ، وقال ابن بابويه : إن وجدت مجردة كذلك ، والأول هو المعتمد ، والمشهور أن (٣٨) يضرب أشد الضرب ، ورواية التوسط رواية الحسين بن سعيد (٣٩) عن الباقر عليه‌السلام ، والأول هو المعتمد ، لقوله تعالى :

__________________

(٣٥) التوبة : ١٢٢.

(٣٦) ما بين القوسين ليس في « ر ١ ».

(٣٧) الوسائل ، كتاب الحدود ، احاديث باب ٣١ من أبواب المقدمات.

(٣٨) في « ن » و « ر ١ » : أنها.

(٣٩) لم أعثر على رواية للحسين بن سعيد بهذا المضمون ، والموجود في الجواهر ، ج ٤١ ،

٣٢٠