غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

في كيفية الاستيفاء

قال رحمه‌الله : ويرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة ، فان لهما نصيبهما من الدية في العمد أو الخطأ ، وقيل : لا يرث القصاص إلا العصبة ، دون الأخوة والأخوات من الأم ومن يتقرب بها ، وهو الأظهر ، وقيل : ليس للنساء عفو ولا قود [ على الأشبه ] ، وكذا يرث الدية من يرث المال ، والبحث فيه كالأول.

أقول : اختلف الأصحاب في وارث القصاص ، قال الشيخ في المبسوط وابن إدريس : إنه كل وارث عدا الزوج والزوجة ، واختاره العلامة وابنه ، ونقل في المبسوط أيضا عن جماعة من أصحابنا أنه العصبة ، وقال في الاستبصار : ليس للنساء عفو ولا قود ، والمعتمد الأول ، لقوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٨٩).

قال رحمه‌الله : ولو كان الولي واحدا كان له المبادرة ، والاولى توقفه على إذن الامام ، وقيل : تحرم المبادرة ويعزر لو بادر ، ويتأكد الكراهية في قصاص

__________________

(٨٩) الأحزاب : ٦.

٤٠١

الطرف.

أقول : قال الشيخ في في موضع من المبسوط : يتوقف على إذن الامام ؛ لأنها مسألة اجتهادية مبنية على الاحتياط التام ، فتكون منوطة بإذن الإمام ، فعلى هذا لو بادر من غير إذن الامام لم يضمن دية ولا أرشا ، بل يكون مأثوما ويعزر ، وقال في موضع آخر من المبسوط بعدم التوقف ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف وابنه في الإيضاح ، وأبو العباس في المقتصر ، وهو المعتمد ، لقوله تعالى (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (٩٠) ، وقال في الخلاف : يتوقف على اذن الامام في الطرف ؛ لأنه من فروض الامام لجواز التخطي فإنه في معرض السراية ، واختاره العلامة في القواعد (٩١).

قال رحمه‌الله : ولو كانوا جماعة لم يجز الاستيفاء الا بعد الاجتماع ، اما بالوكالة أو بالإذن لواحد ، وقال الشيخ : يجوز لكل واحد المبادرة ، ولا يتوقف على إذن الآخر ، لكن يضمن حصص من لم يأذن.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، مستدلا بالإجماع وعموم الآية (٩٢) ، والمشهور اختيار المصنف وهو المعتمد ، فلو بادر أحدهم عزر وضمن حصص الباقين.

قال رحمه‌الله : إذا كان له أولياء لا يولى عليهم ، كانوا شركاء في القصاص ، فان حضر بعض وغاب الباقون ، قال الشيخ : للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية ، وكذا لو كان بعضهم صغارا ، وقال : لو كان الولي صغيرا وله أب أو جد ، لم يكن لأحد أن يستوفي حتى يبلغ ، سواء كان

__________________

(٩٠) الاسراء : ٣٣.

(٩١) ليست في « ر ١ ».

(٩٢) الاسراء : ٣٣.

٤٠٢

القصاص في النفس أو الطرف ، وفيه إشكال ، وقال : يحبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون ، وهذا أشد اشكالا من الأول.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الاولى : ان يكون الأولياء مكلفين ثمَّ يغيب بعضهم ويحضر بعض ، فهنا قال الشيخ في المبسوط والخلاف : للحاضر الاستيفاء ويضمن حصص الباقين ، ( وهو بناء على مذهبه من جواز المبادرة لكل واحد من الشركاء بشرط ضمان حصص الباقين ) (٩٣) سواء كان الشريك حاضر أو غائبا ، وعلى قول من يوجب الاجتماع يحتمل عدم جواز الاستيفاء للحاضر ؛ لأن القتل غير مختص به ولا تبعيض ، فوجب تأخيره إلى حضور الغائب والا لزم ضياع حقه ، وحينئذ يحبس القاتل لوجوب حفظ حقوقهم وهو لا يتم الا بالحبس ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، وحكم الصغير غير ذي الأب والجد حكم الغائب.

الثانية : أن يكون بعض الأولياء صغيرا أو مجنونا وله أب أو جد ، قال الشيخ : ليس لأحد أن يستوفي حقه حتى يبلغ الصغير أو يفيق المجنون ؛ لأنه لا يمكن تلافيه (٩٤) وكل حق هذا شانه لا يملكه الولي ، واستشكله المصنف ؛ لأن للولي استيفاء جميع حقوق المولى عليه مع المصلحة وهو قائم مقامه فله الاستيفاء ، وهو المعتمد.

الثالثة : قال الشيخ يحبس القاتل حتى يبلغ الصبي أو يفيق المجنون لما تقدم ، قال المصنف : وهذا أشد إشكالا من الأول ؛ لأن الحبس زيادة عقوبة لا وجه لها ؛ لأن الواجب على القاتل القصاص أو الدية ، ولم يجب عليه الحبس هنا فوجوبه عليه يحتاج الى دليل.

__________________

(٩٣) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٩٤) في « ر ١ » : طاقته.

٤٠٣

قال رحمه‌الله : ولو اختار بعضهم الدية وأجاب القاتل جاز ، فإذا أسلم سقط القود على رواية ، والمشهور أنه لا يسقط ، وللآخرين القصاص من بعد ان يردوا عليه نصيب من فاداه.

أقول : الرواية المتضمنة لسقوط القود هي رواية جميل بن دراج (٩٥) عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، والمشهور عدم السقوط وعليه فتوى الأصحاب.

قال رحمه‌الله : إذا قتل جماعه على التعاقب ، ثبت لولي كل واحد منهم القود ، ولا يتعلق حق واحد بالآخر ، فان استوفى الأول سقط حق الباقين لا الى بدل على تردد ، ولو بادر أحدهم فقتله فقد أساء وسقط حق الباقين ، وفيه إشكال من حيث تساوي الكل في سبب الاستحقاق.

أقول : منشأ التردد من فوات محل القصاص فيسقط لا الى بدل ، لقوله عليه‌السلام : « لا يجني الجاني على أكثر من نفسه » (٩٦) ؛ لأن الدية انما تثبت بالتراضي منهما وقد تعذر ، وهو فتوى الشيخ في المبسوط والخلاف ، واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم ، ومن كون السقوط لا الى بدل يستلزم إهدار الدم المحقون ، وقال عليه‌السلام : « لا يبطل دم امرئ مسلم » (٩٧) ( فلما تعذر القصاص وجب الانتقال الى بدله وهو الدية لئلا يظل دم امرئ مسلم ) (٩٨) ، وهو اختيار فخر الدين ولا فرق عنده (٩٩) بين أن يقتل بالأول أو بالأخير ، ولا بين أن يقتله أحد أولياء المقتولين بالقرعة أو بغير قرعة ، ويتفرع على ذلك ما لو قتله أجنبي خطأ أو مات قبل أن يقتص منه ، فعلى الأول ليس لهم إلا الدية ،

__________________

(٩٥) الوسائل ، كتاب القصاص ، باب ٥٤ من أبواب قصاص النفس ، حديث ٣.

(٩٦) الوسائل ، كتاب القصاص ، باب ٣٣ من أبواب قصاص النفس ، حديث ١٠.

(٩٧) الوسائل ، كتاب القصاص ، باب ٦ من أبواب دوي القتل ، حديث ١.

(٩٨) ما بين القوسين ليس في الأصل.

(٩٩) ليست في الأصل.

٤٠٤

فتكون بينهم على نسبة حقوقهم في صورة قتل الخطأ ، وتسقط حقوقهم في صورة الموت ، وعلى الثاني يرجع كل واحد على تركة الميت بتمام حقه.

٤٠٥
٤٠٦

قصاص الطرف

قال رحمه‌الله : وتقطع اليمين باليمين ، فان لم يكن يمين قطعت بها يسراه ، ولو لم يكن يمين ولا يسار قطعت رجله استنادا إلى الرواية.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الشيخ في الصحيح رفعه الى حبيب السجستاني (١٠٠) عن أبي جعفر عليه‌السلام وقد تقدم ذكرها ، وقال ابن إدريس : تنتقل إلى الدية مع فقد اليدين ، وقد مضى البحث في هذه المسألة (١٠١).

قال رحمه‌الله : وهل يجوز القصاص قبل الاندمال ، قال في المبسوط : لا ، لما لا يؤمن من السراية الموجبة لدخول الطرف فيها ، وقال في الخلاف بالجواز مع استحباب الصبر ، وهو أشبه.

أقول : أما وجه مذهب المبسوط فقد حكاه المصنف ، وأما وجه مذهب الخلاف فعموم (١٠٢) قوله تعالى (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (١٠٣) ، وقوله تعالى :

__________________

(١٠٠) الوسائل ، كتاب القصاص ، باب ١٢ من أبواب قصاص الطرف ، حديث ٢.

(١٠١) ص ٣٤٧.

(١٠٢) في الأصل : فمعلوم من.

(١٠٣) المائدة : ٤٥.

٤٠٧

(فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (١٠٤) أتى بالفاء الدالة على التعقيب وهو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو قطع عدة من أعضائه خطأ جاز أخذ دياتها ، ولو كان أضعاف الدية ، وقيل : يقتصر على دية النفس حتى يندمل ، ثمَّ يستوفي الباقي ، أو يسري فيكون له ما أخذه ، وهو أولى ؛ لأن دية الطرف تدخل في دية النفس وفاقا.

أقول : أما وجه أخذ (١٠٥) جميع الديات وان زادت عن دية النفس فلأن الجناية موجبة للجميع والسراية مسقطة للبعض ، والأصل عدم الإسقاط لأصالة عدم السراية ، فلا يترك ما يتحقق استحقاقه لاحتمال سقوط ؛ لأن احتمال السقوط لا يوجب تأخير الحق ، ووجه التأخير ظاهر وهو احتمال السراية الموجبة لدخول دية الطرف في دية النفس وهو المعتمد (١٠٦).

قال رحمه‌الله : ويثبت القصاص في العين وان كان الجاني أعور خلقة ، وان عمي ، فان الحق أعماه ولا رد ، أما لو قلع عينه الصحيحة ذو عينين ، اقتص له بعين واحدة ، وهل له مع ذلك نصف الدية؟ قيل : لا ، لقوله تعالى « وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ » وقيل : نعم ، تمسكا بالأحاديث ، والأول أولى.

أقول : إذا قلع ذو العينين صحيحة الأعور وكان العور خلقة أو بآفة لم يوجب دية اقتص له بعين واحدة ، وهل تؤخذ له نصف الدية مع ذلك؟ للشيخ قولان : أحدهما : لا ، قاله في الخلاف ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف ، وذكر وجهه وقواه العلامة في التحرير ، والثاني : نعم ، قاله في النهاية والمبسوط ،

__________________

(١٠٤) البقرة : ١٩٤.

(١٠٥) في « ر ١ » : عدم.

(١٠٦) في النسخ : والأول هو المعتمد.

٤٠٨

وهو مذهب ابن الجنيد واختاره العلامة في المختلف وابنه وأبو العباس ؛ لأن في عينه (١٠٧) الدية كاملة لو كانت الجناية خطأ ، فإذا اقتص بما فيه نصف الدية كان له التفاوت والا لزم الظلم ، ولرواية محمد بن قيس (١٠٨) عن الباقر عليه‌السلام ، ورواية عبد الله بن الحكم (١٠٩) عن الصادق عليه‌السلام.

قال رحمه‌الله : وتؤخذ الصحيحة بالمثقوبة ، وهل تؤخذ بالمخرومة؟ قيل : لا ، ويقتض الى حد الخرم ، والحكومة فيما بقي ، ولو قيل : يقتص إذا رد دية الخرم ، كان حسنا.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن الاذن الصحيحة تؤخذ بالمثقوبة في محل الثقب ، وهل تؤخذ بالمثقوبة في غير محل الثقب وبالمخرومة؟ المشهور عدمه ، بل تقتص الى حد الثقب أو الخرم والحكومة في الباقي ، هذا هو المشهور وجزم به العلامة في كتبه ؛ لأن الكامل لا يؤخذ بالناقص ، واستحسن المصنف جواز القصاص مع رد دية الخرم ، لعموم قوله تعالى (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (١١٠) ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وفي السن القصاص ، وإن كانت سن مثغر وعادت ناقصة أو متغيرة كان فيها الحكومة ، وإن عادت كما كانت فلا قصاص ولا دية ، ولو قيل بالأرش كان حسنا.

أقول : المثغر من سقطت أسنان اللبن منه ثمَّ نبتت ، فاذا قلع سن مثغر فان حكم أهل الخبرة أنها لا تعود ، كان له القصاص في الحال ، وان حكموا أنها تعود بعد مدة فإن انقضت المدة ولم تعد ثبت القصاص أيضا ، وان عادت في تلك المدة

__________________

(١٠٧) في « م » : عينيه.

(١٠٨) الوسائل ، كتاب القصاص ، باب ١٥ من أبواب قصاص الطرف ، حديث ١.

(١٠٩) المصدر السابق ، حديث ٢.

(١١٠) المائدة : ٤٥.

٤٠٩

فلا يخلوا إما أن تعود متغيرة أو على حالها التي كانت عليها ، فان عادت متغيرة كان فيها الحكومة إجماعا.

ومعنى الحكومة : أن يقوم ما لو كان عبدا وله سن تامة ما قيمته ، ثمَّ يقوم بالسن المتغيرة ، فالأرش هو تفاوت ما بين القيمتين ، وإن عادت كما كانت ، قال ابن البراج : لا قصاص ولا دية ، واستحسن المصنف وجوب الأرش ، واختاره العلامة ؛ لأن الجناية اقتضت نقصا في المجني عليه فلا يهدر.

قال رحمه‌الله : أما سن الصبي فينتظر بها [ سنه ] ، فان عادت ففيها الحكومة ، والا كان فيها القصاص ، وقيل : في سن الصبي بعير مطلقا.

أقول : القائل أبو الصلاح وابن حمزة ، واختاره العلامة في المختلف ، والمستند رواية مسمع بن عبد الملك (١١١) عن الصادق عليه‌السلام ، والمشهور الأرش وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : إذا قطع يدا كاملة ، وله يد ناقصة إصبعا ، كان للمجني عليه قطع الناقصة ، وهل تؤخذ دية الإصبع؟ قال في الخلاف : نعم ، وفي المبسوط : ليس له ذلك إلا أن تكون فك [ يكون أخذ ] ديتها.

أقول : وجه القولين ظاهر ، والمعتمد مذهب المبسوط.

قال رحمه‌الله : إذا قطع يمينا فبذل شمالا فقطعها المجني عليه من غير علم ، قال في المبسوط : يقتضي مذهبنا سقوط القود ، وفيه تردد ؛ لأن المتعين قطع اليمين فلا تجزي اليسرى مع وجودها.

أقول : ومن (١١٢) أن اليسرى قد تقطع باليمين مع فقدها فكانت بدلا منها ، وحكم البدل حكم المبدل ، فاذا قطع اليسرى وقعت عن اليمين ، والمعتمد اختيار

__________________

(١١١) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٣٣ ـ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ٢.

(١١٢) في « ن » : من.

٤١٠

المصنف ؛ لأن البدل انما يجزي مع فقد المبدل ، والمبدل موجود فلا يجزي البدل.

قال رحمه‌الله : ولو اتفقا على بذلها بدلا لم تقع بدلا ، وكان على القاطع ديتها ، ولا قصاص في اليمين ؛ لأنها موجودة ، وفي هذا تردد.

أقول : منشؤه من أنه رضي باليسرى عن اليمين فيكون ذلك عفوا عن القصاص بعوض ، ومن أنها معاوضة فاسدة والفاسد لا يترتب عليه أثر ، فعلى هذا يضمن المقتص دية اليسرى وله قطع اليمنى وعلى القول بعدم قطع اليمنى لا يضمن المقتص دية اليسرى ، لوقوعها عوضا عن اليمنى ، واختار فخر الدين سقوط القصاص ؛ لأنه مبني على التخفيف وقد رضي المجني عليه بسقوطه (١١٣) بقطع اليسار فيسقط.

قال رحمه‌الله : ولو قطع يمين مجنون فوثب المجنون فقطع يمينه ، قيل : وقع القصاص موقعه ، وقيل : لا يكون قصاصا ؛ لأن المجنون ليس له أهلية الاستيفاء ، وهو أشبه ، ويكون قصاص المجنون باقيا [ على الجاني ] ودية جناية المجنون على عاقلته.

أقول : حكى الشيخ في المبسوط القولين ، ثمَّ اختار الثاني ، واختاره المصنف أيضا وقد ذكر وجهه ، وأما وجه الأول فلان المجنون إذا كان له مال معين فأتلفه ، كان بمنزلة الاستيفاء كما لو كان وديعة عند شخص وهجم (١١٤) عليها فأتلفها. فلا ضمان على المستودع ، والأول هو المعتمد ، وينتقل الى اليسار لفوات محل اليمين ، وهو معنى قول المصنف : ويكون قصاص المجنون باقيا.

قال رحمه‌الله : اما لو قطع يده فمات فادعى الجاني الاندمال ، وادعى الولي السراية ، فالقول قول الجاني إن مضت مدة يمكن فيها الاندمال ، ولو اختلفا

__________________

(١١٣) في الأصل : لسقوطه.

(١١٤) في النسخ : فهجم.

٤١١

فالقول قول الولي ، وفيه تردد.

أقول : انما كان القول قول الجاني مع مضي المدة التي يمكن فيها الاندمال ، لأصالة براءة الذمة مما زاد على الجناية ، ولأن الأصل عدم السراية. فيكون القول قول الجاني ، ولو لم يمض مدة يمكن فيها الاندمال كان القول قول الولي ؛ لأن دعوى الجاني غير ممكنة فلا تكون مسموعة ، وذلك مع التصادق على المدة أو (١١٥) قيام البينة بها ، ولو اختلفا فقال الجاني : مضت مدة يمكن فيها الاندمال ، وقال الولي : لم تمض ، قال المصنف : القول قول الولي وفيه تردد ، ومنشؤه من تعارض براءة الذمة مما زاد على دية اليد ، وأصالة عدم مضي المدة.

قال رحمه‌الله : ولو ادعى الجاني أنه شرب سما فمات ، وادعى الولي موته من السراية ، فالاحتمال فيها سواء ، ومثله الملفوف في الكساء إذا قده بنصفين ، وادعى الولي أنه كان حيا ، وادعى الجاني أنه كان ميتا ، فالاحتمالان متساويان ، فيرجح قول الجاني بما أن الأصل عدم الضمان ، وفيه احتمال آخر ضعيف.

أقول : إنما تساوي الاحتمالان في المسألتين لتعارض الأصلين في الاولى ، والأصل والظاهر في الثانية ؛ لأن الأصل عدم الموت بالسراية في الاولى ، والأصل عدم شرب السم ، والأصل حياة (١١٦) الملفوف بالكساء في الثانية ، والظاهر موته ؛ لأن الظاهر من حال الملفوف في الكساء الموت ، ومع التعارض يجب التساقط والرجوع الى أصالة البراءة ؛ لأن الأصل عدم الضمان ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط ، ونقل عن بعض الفقهاء أن القول قول الولي ، واستضعفه الشيخ وتبعه المصنف.

قال رحمه‌الله : ولو صرح بالعفو صح فيما كان ثابتا وقت الإبراء ، وهو دية

__________________

(١١٥) في « ر ١ » : و.

(١١٦) في الأصل : عدم حياة.

٤١٢

الجرح ، أما القصاص في النفس أو الدية ففيه تردد ؛ لأنه إبراء مما لم يجب ، وفي الخلاف : يصح العفو عنها وعما يحدث عنها ، فلو سرت كان عفوه ماضيا من الثلث ؛ لأنه بمنزلة الوصية.

أقول : منشأ التردد مما قاله المصنف ، وهو أن العفو إبراء ، والإبراء مما لم يجب لا يصح ؛ لأن شرط العفو كون المعفو عنه ثابتا في الذمة ، وهذا ليس كذلك ، ومن أن وجود السبب كوجود المسبب ، وسبب السراية وهو الجرح موجود حالة العفو ( فيصح العفو ) (١١٧) عنها ، كما لو كانت موجودة ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو جنى عبد على حر جناية تتعلق برقبته ، فان قال : أبرئك لم يصح ، وإن أبرأ السيد صح ؛ لأن الجناية وإن تعلقت برقبة العبد فإنه ملك السيد ، وفيه إشكال من حيث أن الإبراء إسقاط لما في الذمة.

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ في المبسوط ، وحكم بصحة إبراء السيد دون العبد ، واستشكله المصنف ؛ لأن الإبراء إسقاط لما في الذمة ، ولم يتعلق في ذمة المولى شي‌ء (١١٨) فلا يصح الإبراء له (١١٩) ، ولا للعبد أيضا ؛ لأن الجناية متعلقة برقبته ، لا في ذمته فلا يصح إبراء أحدهما ، أما لو قال : عفوت عن أرش هذه الجناية ، صح إجماعا.

__________________

(١١٧) ما بين القوسين ليس في « م ».

(١١٨) ليست في « ن ».

(١١٩) ليست في « م » و « ن ».

٤١٣
٤١٤

كتاب الديات

٤١٥
٤١٦

في أقسام القتل

قال رحمه‌الله : وهل تقبل القيمة السوقية مع وجود الإبل؟ فيه تردد والأشبه لا.

أقول : منشؤه من أن الواجب الإبل فلا تعدل عن الواجب الى غيره الا مع التراضي ، ومن أن المقصود المال والقيمة قائمة مقام العين في ذلك ، ولأصالة الجواز ، والمعتمد الأول وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه.

٤١٧
٤١٨

في مقادير الديات

قال رحمه‌الله : ودية شبيه العمد ثلاث وثلاثون بنت لبون ، وثلاث وثلاثون حقة ، وأربعة وثلاثون ثنية طروقة الفحل ، وفي رواية ثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقة ، وأربعون خلفة وهي الحامل.

أقول : الرواية إشارة إلى صحيحة ابن سنان ، « قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : في الخطأ شبيه العمد أن تقتل بالسوط أو بالعصا أو بالحجر أن دية ذلك تغلظ ، وهي مائة من الإبل منها أربعون خلفة من ثنية إلى بازل عامها ، وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون » (١) ، وبمضمونها أفتى ابن الجنيد وأبو العباس في المقتصر ، وما اختاره المصنف مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج والعلامة في القواعد.

قال رحمه‌الله : وقال المفيد : تستأدى في سنتين ، فهي إذن مخففة عن العمد في السن والاستيفاء.

أقول : قول المفيد هو المشهور بين الأصحاب ، وبه قال الشيخ في

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٢ من أبواب ديات النفس ، حديث ١.

٤١٩

النهاية (٢) ، وأبو الصلاح وسلار ، وجزم به العلامة في القواعد ، وقال الشيخ في الخلاف : تستأدى في سنة ، وجمع ابن حمزة بين القولين ، فقال : تستأدى في سنة إذا كان ذا يسار ، وفي سنتين إذا لم يكن ، والمعتمد الأول وهو اختيار أبي العباس.

قال رحمه‌الله : ودية الخطأ المحض عشرون بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون ، وثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقة ، وفي رواية خمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون ، وخمس وعشرون حقة ، وخمس وعشرون جذعة ، وتستأدى في ثلاث سنين.

أقول : اختار المصنف مذهب الشيخين وابن البراج وسلار وابن بابويه واختاره العلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد والمستند رواية ابن سنان (٣) عن الصادق عليه‌السلام ، والرواية التي أشار إليها المصنف هي رواية العلاء بن الفضل عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : في قتل الخطأ مائة من الإبل أو ألف من الغنم أو عشرة آلاف درهم أو ألف دينار ، فان كانت من الإبل فخمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون ، وخمس وعشرون حقه ، وخمس وعشرون جذعة » (٤).

قال رحمه‌الله : ولو قتل في أشهر الحرم ، ألزم دية وثلثا من أي الأجناس كان تغليظا ، وهل يلزم مثل ذلك في حرم مكة؟ قال الشيخان : نعم ، ولا يعرف التغليظ في الأطراف.

أقول : قد يعرض التغليظ في الدية وسببه أحد أمور ثلاثة :

الأول : العمد ، فيغلظ في السن بالنسبة إلى الإبل وفي الاستيفاء فإنها تؤخذ

__________________

(٢) في « ن » : الخلاف والمبسوط ، وفي ( م ) و « ر ١ » : المبسوط.

(٣) المصدر السابق.

(٤) الوسائل ، كتاب الديات ، الباب ١ من أبواب ديات النفس ، حديث ١٣.

٤٢٠