غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، « قال : سألته عن المروة والقصبة والعود يذبح بها إذا لم يجد سكينا؟ قال : إذا أفرى الأوداج فلا بأس » (١٦) ، واشترط في المبسوط والخلاف قطع الأعضاء الأربعة ، وانعقد عليه الإجماع ، فلو بقي من أحد الأعضاء الأربعة ولو بمقدار الشعرة لم تحل الذبيحة ، أما النحر فلا يشترط فيه قطع شي‌ء من الأعضاء ، بل يكفي الطعن في وهدة اللبة ، وهي النقرة التي بين الترقوتين ، والوهدة الموضع المنخفض والجمع وهاد ، واللبة المنحر والجمع لباب.

قال رحمه‌الله : فان نحر المذبوح أو ذبح المنحور فمات لم يحل ، ولو أدركت ذكاته فذكي حل ، وفيه تردد ، إذ لا استقرار للحياة بعد الذبح والنحر.

أقول : أطلق الشيخ في النهاية وابن إدريس الحل مع إدراك الذكاة ، لوجود المقتضي للحل ، وهو الذبح أو النحر ، وتردد المصنف ، لعدم استقرار الحياة بعد ذبح المنحور أو نحر المذبوح ، والمعتمد الحل إذا صادفت الذكاة حياة مستقره ، والتحريم مع عدم استقرار الحياة ؛ لأنه يجري مجرى ذبح الميت ، وكذا لو قطع بعض الأعضاء ثمَّ أرسله ثمَّ تممه ، فان كانت الحياة مستقرة أو قصر الزمان حل وإلا حرم.

قال رحمه‌الله : وفي إبانة الرأس عمدا خلاف ، أظهره الكراهة ، وكذا سلخ الذبيحة قبل بردها ، أو قطع شي‌ء منها.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الاولى : في إبانة الرأس عمدا ، وقد اختلف الأصحاب هنا على أربعة أقوال ، الأول : تحريم الأكل والفعل ، وهو قول الشيخ في النهاية ، الثاني : كراهتهما معا ، وهو قول ابن إدريس ، وهو ظاهر المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، الثالث : كراهة الفعل وتحريم الذبيحة ، وهو قول الشيخ في الخلاف ، الرابع : تحريم

__________________

(١٦) الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ٢ من أبواب الذبائح ، حديث ١.

٢١

الفعل وكراهة الذبيحة ، وهو مذهب العلامة في المختلف ، واختاره فخر الدين والشهيد وأبو العباس ، ومنشأ الاختلاف من اختلاف الروايات (١٧).

الثانية : في سلخ الذبيحة قبل بردها ، قال الشيخ في النهاية : لا يجوز سلخ الذبيحة إلا بعد بردها ، فان سلخت قبل أن تبرد أو سلخ منها شي‌ء لم يحل أكله ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، لما رواه أحمد بن محمد بن يحيى رفعه ، قال : « قال الرضا عليه‌السلام : الشاة إذا ذبحت وسلخت أو سلخ منها شي‌ء قبل أن تموت فليس يحل أكلها » (١٨) ، وأنكر ذلك ابن إدريس ، لقوله تعالى (فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (١٩) وهذا ذكر اسم الله عليه وذبح ذباحة شرعية ، وحصلت جميع الشرائط المعتبرة في الذباحة ، فيكون حلالا ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وهو المعتمد ، وتحمل الرواية على الكراهية.

الثالثة : إذا قطع شي‌ء من أعضاء الذبيحة بعد ذبحها وقبل بردها ، قال أبو الصلاح : إنه حرام لا يجوز أكله ، واحتج بقوله تعالى (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها) (٢٠) ، فلا يجوز الأكل قبل ذلك ، والمشهور بين الأصحاب الكراهة ، وهو المعتمد ، لأنها بعد الذبح ذكية فتكون حلالا.

قال رحمه‌الله : الحركة بعد الذبح كافية في الذكاة ، وقال بعض : لا بد مع ذلك من خروج الدم ، وقيل : يجزي أحدهما ، وهو أشبه.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

الأول : الاكتفاء بالحركة فقط ، وهو قول محمد بن بابويه ، واختاره العلامة

__________________

(١٧) الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ١٥ من أبواب الذبائح ، حديث ٢ ـ ٣ وباب ٩ من أبواب الذبائح ، حديث ١ ـ ٣ ـ ٥ ـ ٦ ـ ٧.

(١٨) الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ٨ من أبواب الذبائح ، حديث ١.

(١٩) الانعام : ١١٨.

(٢٠) الحج : ٣٦.

٢٢

في المختلف ، لما رواه محمد الحلبي في الصحيح ، عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : سألته عن الذبيحة؟ فقال : إذا تحرك الذنب أو الطرف أو الاذن فهو ذكي » (٢١) ومثلها رواية رفاعة (٢٢) عن الصادق عليه‌السلام.

الثاني : لا بد من الحركة وخروج الدم المعتدل ، ويعنى به الدفع القوي لا ما يكون متثاقلا ، وهو الذي يسيل من غير دفع ، وهو مذهب المفيد وسلار وابن البراج ، للاحتياط ، ولأن الأصل تحريم الحيوان حتى يعلم ذكاته ، ومع اعتبار الأمرين يحصل يقين الحل ، لوقوع الإجماع عليه وما عداه مشكوك.

الثالث : الاكتفاء بأحدهما ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، والشهيد وأبو العباس ، أما الاكتفاء بالحركة ، فلرواية محمد الحلبي وقد تقدمت ، واما الاكتفاء بخروج الدم المعتدل فلرواية الحسين بن مسلم ، « قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ جاءه محمّد بن مسلم ، قال : جعلت فداك تقول لك جدتي : إن رجلا ضرب بقرة بفأس فطرحها ثمَّ ذبحها؟ فلم يرسل معه بالجواب ، ودعى سعيدة مملوكة أم فروة ، فقال لها : إن محمد جائني برسالة منك فكرهت أن أرسل معه بالجواب ، فان كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا وأطعموا ، وان كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه » (٢٣).

تنبيه : إذا ذبح المشرف على الموت كالنطيحة ، والمتردية ، والموقوذة ، وأكيل السبع ، وما ذبح من قفاه ، اعتبر في حالة استقرار الحياة ، فلو علم موته قطعا في الحال حرم عند أكثر المتأخرين ، وان علم بقاؤه فهو حلال ، ولو اشتبه

__________________

(٢١) الوسائل ، كتاب الصيد والذباحة ، باب ١١ من أبواب الذبائح ، حديث ٣.

(٢٢) الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ١١ من أبواب الذبائح ، حديث ٤.

(٢٣) الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ١٢ من أبواب الذبائح ، حديث ٢.

٢٣

اعتبر بالحركة بعد الذبح ، أو خروج الدم المعتدل ، أو هما على الخلاف ، وظاهر الاخبار (٢٤) والقدماء أن خروج الدم والحركة أو أحدهما كاف وان لم تكن الحياة مستقرة ، ونقل الشهيد عن الشيخ يحيى أن اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب ، قال : ـ ونعم ما قال ـ قلت : انما استحسنه الشهيد لأن الأخبار (٢٥) الواردة في هذا المعنى لم يذكر فيها غير الحركة وخروج الدم المعتدل ولم يذكر في شي‌ء منها اشتراط استقرار الحياة وكذلك ، قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) الى قوله (إِلّا ما ذَكَّيْتُمْ) (٢٦) لم يشترط غير الذكاة ، وقد دلت الاخبار على وقوعها مع الحركة وخروج (٢٧) الدم المعتدل من غير اشتراط قيد آخر ، والمذهب هو ما دل عليه القرآن (٢٨) والأحاديث (٢٩) ، ولم يدلا على اشتراط استقرار الحياة فلهذا قال : اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب.

وأعلم أن من اشترط استقرار الحياة لم يصير في ذلك الى النص الصريح ، وانما استخرجه من الأصول المنصوصة المجمع عليها ، ولا شك في النص (٣٠) والإجماع على تحريم الميتة ، فاستخرجوا من ذلك تحريم غير مستقر الحياة ؛ لأن حركته تجري مجرى حركة المذبوح ، فهو مقطوع على موته عاجلا كالقطع على موت المذبوح ، فلا اعتبار بتلك الحركة ، وقد يقال : ان النص والإجماع إنما انعقد على تحريم الميتة ، ومن فيه روح وله حركة فليس بميت ، وظاهر الآيات

__________________

(٢٤) الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ١١ وباب ١٢ من أبواب الذبائح.

(٢٥) الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ١١ وباب ١٢ من أبواب الذبائح.

(٢٦) المائدة : ٣.

(٢٧) في « ر ١ » : أو خروج.

(٢٨) المائدة : ٣.

(٢٩) تقدمت في ٢٤ ، ٢٥.

(٣٠) الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ١ من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث ١ ، ٣ ، ٥.

٢٤

والروايات دالة على إباحته.

قال رحمه‌الله : وأن تنخع الذبيحة وأن تقلب السكين فيذبح الى فوق ، وقيل : فيهما : يحرم ، والأول أشبه ، وأن يذبح حيوانا وآخر ينظر إليه.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : نخع الذبيحة وهو قطع نخاعها متصلا بالذبح قبل بردها ، والنخاع بضم النون وكسرها وفتحها هو الخيط الأبيض الناظم للخرز ، وهو ممدود من الرقبة إلى أصل الذنب ، وقد مضى البحث في التحريم والكراهة في إبانة الرأس (٣١) ، لأن المسألة واحدة في الحكم وان أوردها في مسألتين باللفظ ، قال الشيخ في النهاية : ومن السنة أن لا تنخع الذبيحة إلا بعد بردها ، وهو أن لا يبين الرأس من الجسد وتقطع النخاع ، ومثله قول ابن البراج ، وقال ابن إدريس : ويكره أن تنخع الذبيحة إلا بعد أن تبرد بالموت ، وهو أن لا يبين الرأس من الجسد ويقطع النخاع ، وهو الخيط الأبيض الذي الخرز منظومة فيه ، فهذه العبارة (٣٢) دالة على أن النخع هو إبانة الرأس ، وابن الجنيد جعل النخع غير إبانة الرأس ، قال : وليس للذابح أن يعتمد قطع رأس البهيمة إلا بعد خروج نفسها ، فان سبقته شفرته وخرج الدم لم يكن به بأس ، وليس له أيضا أن ينخع الذبيحة وهو كسر رقبتها أو يركبها برجله ليستعجل خروج نفسها.

الثانية : قلب السكين بأن يذبح الى فوق ، ومعناه أن يدخل السكين في وسط اللحم تحت الحلقوم ثمَّ يقطع الى الجلد ، وبتحريمه قال الشيخ وابن البراج ، لرواية حمران بن أعين ، عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : ولا تقلب السكين

__________________

(٣١) ص ٢١.

(٣٢) في النسخ : العبارات.

٢٥

تدخلها تحت الحلقوم وتذبح الى فوق » (٣٣) ، وبالكراهية قال ابن إدريس ، واختاره المتأخرون للأصل.

الثالثة : أن يذبح حيوانا وآخر ينظر اليه ، قال الشيخ في النهاية : ولا يجوز ذبح شي‌ء من الحيوان صبرا ، وهو أن يذبح شاة وينظر اليه حيوان آخر ، وقال ابن إدريس : هذه رواية (٣٤) أوردها إيرادا ، فإن صحت حملت على الكراهية دون الحظر ، لأنه لا دليل على حظر ذلك من كتاب ولا سنة ولا إجماع ، والأصل الإباحة (٣٥) ، وتابعه المتأخرون على الكراهية دون التحريم ، وهو المعتمد.

__________________

(٣٣) الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ٣ من أبواب الذبائح ، حديث ٢.

(٣٤) الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ٧ من أبواب الذبائح ، حديث ١.

(٣٥) السرائر ٣ : ١٠٩.

٢٦

في اللواحق

قال رحمه‌الله : ذكاة السمك إخراجه من الماء حيا ، ولو وثب فأخذه قبل موته حلّ ، ولو أدركه بنظره ، فيه خلاف ، أشبهه أنه لا يحل.

أقول : اكتفى الشيخ في النهاية بإدراكه بنظره وإن لم يأخذه بيده ، لما رواه سلمة بن حفص ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « أن عليا عليه‌السلام كان يقول في صيد السمك : إذا أدركها وهي تضطرب وتضرب بذنبها وتطرف بعينها فهو ذكاتها » (٣٦) والمعتمد أن ذكاة السمك أخذه حيا إما باليد أو بآلة متصلة باليد ثمَّ يموت خارج الماء ، ولا يكفى النظر الا في صيد الكافر إذا شاهده مسلم وهو مخرجه من الماء حيا ، وهو مذهب متأخري أصحابنا ، لحسنة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « إنما صيد الحيتان أخذه » (٣٧) ، وانما للحصر ، وللاحتياط.

فروع :

الأول : يشترط في إباحة السمك إخراجه من الماء مستقر الحياة ، فلو

__________________

(٣٦) الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، ب ٣٤ من أبواب الذبائح ، ح ٢.

(٣٧) المصدر المتقدم ، ب ٣٢ ح ٩.

٢٧

ضربه بمجدد أو بمثقل ثمَّ أخرجه غير مستقر الحياة لم يحل ، ومستقر الحياة هو الذي لو ترك في الماء لعاش يوما أو أياما.

الثاني : لو أخرج السمكة حية وألقاها في قدر فيه ماء وهو يغلي على النار فماتت فيه ، حرمت ، لأنها ماتت في الماء ، ولو كان في القدر غير الماء من المائعات كالزيت والخل وغير ذلك فألقاها فيه وهي حية فماتت فيه لم تحرم ، لأنها لم تمت فيما فيه حياتها.

الثالث : لو قطع منها قطعة بعد إخراجها من الماء ثمَّ وقعت في الماء وهي مستقرة الحياة لم تحرم تلك القطعة ، لأنها قطعت بعد ان حكم بتذكيتها ، ولو قطع منها قطعة وهي في الماء كانت حراما.

قال رحمه‌الله : وهل يحل أكل السمك حيا؟ قيل : لا ، والوجه الجواز ، لأنه مذكى.

أقول : القائل بعدم الجواز الشيخ في المبسوط ، والمشهور الجواز لما قاله المصنف.

قال رحمه‌الله : ولو نصب شبكة فمات بعض ما حصل فيها واشتبه الحي بالميت ، قيل : حل الجميع حتى يعلم الميت بعينه ، وقيل : يحرم الجميع تغليبا للحرمة ، والأول أحسن.

أقول : حل الجميع مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن أبي عقيل واختاره المصنف ، لرواية ابن مسلم (٣٨) في الصحيح ، عن الباقر عليه‌السلام الدالة على إباحة الجميع ، ومثلها رواية مسعدة بن صدقه (٣٩) عن الصادق عليه‌السلام ، ولأنه لا طريق الى تمييزه وهو مما تعم به البلوى ، لأن الغالب موت بعض

__________________

(٣٨) الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ٣٥ ، حديث ٢.

(٣٩) المصدر المتقدم ، حديث ٤.

٢٨

السمك في الشبكة والحظيرة ( ولهذا علل ابن أبي عقيل الحل بأنه هكذا يكون صيد السمك ، أي لا بد أن يموت بعضه في الشبكة والحظيرة ) (٤٠) وتحريم الجميع مذهب ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه ، لأن السمك إذا مات في الماء حرم ، لما رواه عبد المؤمن ، « قال : أمرت رجلا أن يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صاد سمكا وهنّ احياء ، ثمَّ أخرجهن بعد ما مات بعضهن؟ فقال : ما مات فلا تأكله ، فإنه مات فيما فيه حياته » (٤١) ، وإذا ثبت تحريم ما مات في الماء وجب اجتنابه ، ولا يتم الا باجتناب الجميع ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، فوجب اجتناب الجميع وهو المعتمد ، وحملت الاخبار بالإباحة على عدم الموت في الماء ، بل في الشبكة والحظيرة ولا دلالة فيها على الموت في الماء.

قال رحمه‌الله : ذكاة الجنين ذكاة أمّه إن تمت خلقته ، وقبل أن تلجه الروح ، ولو ولجته لم يكن بد من تذكيته ، وفيه إشكال ، ولو لم تتم خلقته لم يحل أصلا ، ومع الشرطين يحل بذكاة أمّه ، وقيل : ولو خرج حيا ولم يتسع الزمان لتذكيته حل أكله ، والأول أشبه.

أقول : ورد في الأحاديث من طريق العامة والخاصة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ذكاة الجنين ذكاة أمه » (٤٢) ، والمشهور الضم في الذكاتين معا ، الاولى على الابتداء ، والثانية على الخبر ، يكون المعنى : ذكاة الجنين هي ذكاة أمه ، فهي مبيحة له وقائمة مقام ذكاته ، وروى نصب الثانية بنزع الخافض ، وهو الكاف فيكون المعنى : ذكاة الجنين هي كذكاة أمه ، أي مثلها. فعلى هذا لا يباح بدون التذكية ولا تبيحه ذكاة أمه ، فلو خرج ميتا أو حيا ولم يتسع الزمان لذبحه حرم ويكون حكمه

__________________

(٤٠) ما بين القوسين ليس في « ر ١ ».

(٤١) المصدر المتقدم ، حديث ١.

(٤٢) مستدرك الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ١٦ من أبواب الذبائح ، حديث ٢ نقلا عن عوالي الآلي ، ولا حظ الوسائل ، من باب ١٨ من أبواب كتاب الصيد والذبائح.

٢٩

بانفراده حكم سائر الذبائح ، والمعتمد الأول وعليه عمل أكثر الأصحاب لكن بشرطين :

الأول : ان تتم خلقته ، وحد ذلك أن يشعر أو يؤبر ، ولو خرج ميتا ولم تتم خلقته لم يحل إجماعا.

الثاني : اختلف الأصحاب فيه على أربعة أقوال :

الأول : أنه يشترط مع تمامية الخلقة أن لا تلجه الروح ، ولا يحل مع اختلال أحد الشرطين ، فلو ولجته الروح ولم يتم خلقته لم يحل ، ولو تمت خلقته وولجته الروح في جوف أمه لم يحل إلا بالتذكية بعد خروجه حيا ، فلو خرج ميتا أو حيا ولم يتسع الزمان لذبحه حلّ ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن حمزة وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف هنا والعلامة في الإرشاد.

والى هذين الشرطين أشار المصنف بقوله ( ومع الشرطين يحل بذكاة أمه ) ، لكنه استشكل في ذلك ، ووجه الاشكال أن اشتراط عدم إيلاج الروح مع اشتراط الاشعار والايبار بعيد ، لأن الرواية (٤٣) خالية من ذكر هذا الشرط ، ولأنه لم يجر في العادة أنه يشعر أو يؤبر قبل أن تلجه الروح ، فالشرطان متنافيان.

الثاني : خروجه ميتا أو حيا ، ولم يتسع الزمان لفعل التذكية نفسها ، لا باعتبار (٤٤) عارض من فقد آله أو بعد مذكى ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط (٤٥) لأنه مع قصور الزمان عن تذكيته في حكم غير مستقر الحياة ، ولو خرج حيا لم يحل إلا بالتذكية وإن ضاق الزمان عنها ، وهو معارض بإطلاق الأصحاب وجوب (٤٦) التذكية مع خروجه حيا.

__________________

(٤٣) الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ١٨ من أبواب الذبائح.

(٤٤) في الأصل : إلا باعتبار.

(٤٥) في « ر ١ » : النهاية.

(٤٦) في الأصل و « ن » : ووجوب.

٣٠

الثالث : خروجه ميتا من غير قيد تقدم ولوج الروح ، وهو مذهب المصنف في المختصر ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، وبه قال ابن الجنيد ، واختاره العلامة في القواعد ، وابنه في شرحه واختاره أبو العباس في مقتصره.

الرابع : الاقتصار على تمامية الخلقة من غير قيد آخر ، وهو مذهب المفيد والحسن بن أبي عقيل.

والمعتمد : أن الجنين لا يحل بذكاة أمه الا مع تمام خلقته بالإشعار أو الايبار (٤٧) ، وخروجه ميتا أو حيا غير مستقر الحياة ، لأنه في حكم الميت حينئذ ، أما مع خروجه حيا مستقر الحياة فلا يحل إلا بالتذكية ، فإن قصر الزمان عنها لم يحل ، لإطلاق الأصحاب وجوب التذكية مع خروجه حيا.

__________________

(٤٧) في « م » : بالاوبار.

٣١
٣٢

خاتمة

قال رحمه‌الله : المسوخ لا تقع عليها الذكاة كالفيل والقرد والدب ، وقال المرتضى : تقع.

أقول : أما القائل بنجاسة المسوخ كالشيخين وسلار وابن حمزة يلزمهم (٤٨) ( عدم وقوع الذكاة عليها ، وأما القائل بالطهارة فأكثرهم على وقوع الذكاة ، للانتفاع بجلودها ، ولم يقل منهم ) (٤٩) بعدم الوقوع غير المصنف ، ولعل وجهه أن الذكاة حكم شرعي فيقف على الدليل الشرعي وليس ، ولا يلزم من الحكم بالطهارة وقوع الذكاة ، لما في الذبح من التعذيب المنهي عنه (٥٠) ، فلا يباح بغير دليل.

قال رحمه‌الله : الثالث : الحشرات كالفأرة وابن عرس والضب ، ففي وقوع الذكاة عليها تردد ، أشبهه أنه لا يقع.

__________________

(٤٨) في النسخ : يلزم منهم.

(٤٩) ما بين القوسين سقط من « م ».

(٥٠) راجع مسند أحمد ٢ : ٦ ، وفيه النهي عن التمثيل به ، والوسائل ، التجارة ب ٩٤ ( ما يكتسب به ) ح ٦ وفيه : النهي عن إحراقه بالنار.

٣٣

أقول : منشأ التردد من أن وقوع الذكاة حكم شرعي فيقف على الدليل الشرعي وليس ، ولأن ذبح الحيوان وقتله محظور ما لم يرد الشرع بإباحته لما فيه من التعذيب ، وقد نهى (٥١) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تعذيب الحيوان ، فلا يصح الا مع ورود الشرع به ، ومن أنها طاهرة فتصح ذكاتها للانتفاع بجلودها أيضا كالمسوخ ، والمشهور عدم الوقوع وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : الرابع : السباع كالأسد والنمر والثعلب ، ففي وقوع الذكاة عليها تردد ، والوقوع أشبه ، وتطهر بالذكاة ، وقيل : لا تستعمل مع الذكاة حتى تدبغ.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في وقوع الذكاة عليها ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأنهم جوزوا استعمال جلود السباع وجلود الثعلب والأرنب ، ولو لا وقوع الذكاة عليها (٥٢) لما جاز استعمال جلودها ، وقيل بعدم الوقوع ، لعدم الدليل عليه ، والأول هو المعتمد.

الثاني : في جواز استعمال جلود ما لا يؤكل لحمه بعد الذكاة وقبل الدباغ ، وبالجواز قال المصنف في كتاب الصلاة ، واختاره العلامة في التحرير ، وهو ظاهر فخر الدين والشهيد في شرح الإرشاد ، لأنه إما أن يطهر بالتذكية أو لا ، فان لم يطهر لم يجز استعماله بعد الدباغ ، لأن الدباغ غير مطهر عندنا ، وإن طهر جاز استعماله قبل الدباغ ، لأنه طاهر.

وقال الشيخان والمرتضى وابن البراج وابن إدريس : لا يجوز الاستعمال قبل الدباغ ، للإجماع على جوازه بعده ولا دليل على جوازه قبله.

__________________

(٥١) تقدم في الصفحة السابقة.

(٥٢) هذه الكلمة من « م » و « ر ١ ».

٣٤

قال رحمه‌الله : ولو اتخذ موحلة للصيد ، فتشبث بحيث لا يمكنه التخلص ، لم يملكه بذلك ؛ لأنها ليست آلة معتادة ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف ، ومن أنه صيره غير ممتنع بفعله بما يصلح أن يكون آلة فيملكه بذلك ، والمشهور الأول وهو ظاهر الشيخ في المبسوط ، وظاهر المصنف والعلامة ، وقوى الشهيد الملك مع القصد ؛ لأن الصيد يملك ( بالإثبات المزيل ) (٥٣) للمنعة ، وهو حاصل.

قال رحمه‌الله : ولو أغلق عليه بابا ولا مخرج له في مضيق لا يتعذر قبضه ملكه ، وفيه أيضا إشكال ، ولعل الأشبه : أنه لا يملك هنا الا مع القبض باليد أو الآلة.

أقول : منشأ الاشكال من انه لم يقبضه في يده ولا أثبته في آلته فكان باقيا على أصل الإباحة ، ومن انه أزال امتناعه بإلجائه الى المضيق الذي لا يمكنه التخلص منه ، والأول أقوى. لكنه هل يصير أولى به من غيره كالمحجر؟ نقل فخر الدين عن والده انه يصير أولى به.

قال رحمه‌الله : ولو أطلق الصيد من يده لم يخرج عن ملكه ، وان نوى إطلاقه وقطع نيته عن ملكه ، وهل يملكه غيره باصطياده؟ الأشبه : لا ؛ لأنه لا يخرج عن ملكه بنية الإخراج وقيل : يخرج كما لو وقع منه شي‌ء حقير فأهمله ، لأنه كالمبيح له ، ولعل بين الحالين فرقا.

أقول : أطلق الشيخ وابن إدريس عدم خروج الصيد عن الملك إذا انفلت بعد إقباضه ، ولم يتعرضا له (٥٤) إذا قطع نية التملك عنه ، وانما تعرض له المصنف هنا والعلامة في القواعد والشهيد في الدروس ، واختار الجميع عدم الخروج عن

__________________

(٥٣) في « ن » : بإثبات المزيلة.

(٥٤) في النسخ : لما.

٣٥

الملك ، ونقلوا قولا بالخروج محتجا (٥٥) على إذا ما (٥٦) القى الحقير مهملا له كالكسرة والتمرة ، ولهذا أباح السلف الصالح التقاط المسكين للسنابل ، فعند القائل أن هذا الشي‌ء القليل يخرج عن ملك ملقيه إذا أهمله ، قاس عليه خروج الصيد إذا أطلقه وقطع نية التملك عنه.

قال المصنف : ولعل بين الحالين فرقا.

قال شارح ترددات الشرائع : أشار بالفرق الى أن الإهمال هنا أنما أفاد الإباحة على تقدير تسليمها ، وهو غير المتنازع فيه ، إذ النزاع انما وقع في إفادة الملك وهو غير الإباحة. هذا آخر كلامه رحمه‌الله.

وليس مراد المصنف رحمه‌الله أن القائل المنسوب اليه القول بخروج الصيد عن الملك قائل بخروج الحقير إذا ألقاه مهملا ، لأنه جعل إلقاء الحقير وإهماله أصلا ثمَّ قاس عليه خروج الصيد إذا أطلقه قاطعا لنية التملك عنه ، وقد أجمع (٥٧) القائلون بالقياس على اشتراط عدم الفرق بين الفرع ( والأصل المقيس عليه ، فلو أن مراد القائل بإباحة الحقير مع بقائه على ملك ملقيه لما جاز قياس ) (٥٨) خروج الصيد عليه ، ويدل على ما قلناه قول الشهيد : ولمانع أن يمنع خروج الحقير عن ملكه وإن كان ذلك إباحة لتناول غيره وفي الصيد كذلك ، دل على أن مراد القائل خروج الحقير عن ملك من أهمله والا لم يحسن منعه.

إذا عرفت هذا فالظاهر من كلام فخر الدين في شرح القواعد ، أن المراد بالفرق : الفرق بين ملك الصيد وملك (٥٩) الحقير ، فإن الأصل في الصيد الإباحة

__________________

(٥٥) في النسخ : مقيسا.

(٥٦) في النسخ : ما إذا.

(٥٧) في « م » و « ن » : احتج وفي « ر ١ » : اجتمع.

(٥٨) ما بين القوسين سقط من « م ».

(٥٩) هذه الكلمة ليست في الأصل وهي من النسخ.

٣٦

وانما ملك بقبضه (٦٠) مع نية التملك ، فإذا أطلقه وقطع نيته عن ملكه فقد زال سبب التملك ، فيزول الملك ويرجع الى أصله وهو الإباحة ، أما الشي‌ء الحقير فالأصل فيه الملك ، لأنه مال مملوك بالأصل ، والإهمال ليس سببا ناقلا للملك عن مالكه ، وأيضا فإن الملك لا ينتقل الى غير مالكه وعلى القول بخروج الحقير عن ملك مهملة يلزم منه انتقال الملك الى غير مالك (٦١) وهو باطل (٦٢). وإذا ثبت الفرق بن الأصل والفرع ( المقيس عليه بطل القياس ، فيكون قياس خروج الملك عن الصائد بإطلاق الصيد وقطع نية التملك عنه ، على خروج الحقير عن الملك بإلقائه وإهماله باطلا ، للفرق بينهما فيكون لكل من الأصل والفرع ) (٦٣) حكم على حدته ، فهذا مراد المصنف بذكر الفرق.

فعلى القول به يكون حكم الصيد خروجه عن الملك بإطلاقه وقطع نية التملك عنه ، ويكون حكم الحقير عدم جواز (٦٤) خروجه عن الملك بإلقائه وإهماله بل يكون مباحا لمن يتناوله ، والمعتمد بقاؤهما على ملك الصائد والملقي ، ويباح للغير تناولهما لحصول القرائن الدالة على الإباحة ، ولا يملكهما بالتناول بل يباح له التصرف فيهما بالأكل وغيره ، وللأول الانتزاع ما دامت العين باقية.

قال رحمه‌الله : ولو أثبته الأول ولم يصيره في حكم المذبوح فقتله الثاني ، فهو متلف فإن كان أصاب محل الذكاة فذكاه على الوجه فهو للأول ، وعلى الثاني الأرش وان أصابه في غير المذبح فعليه قيمته إن لم تكن لميته قيمة وإلا كان له الأرش وإن جرحه الثاني ولم يقتله ، فإن أدرك ذكاته فهو حلال للأول ،

__________________

(٦٠) هذه الكلمة ليست في الأصل وهي من النسخ.

(٦١) هذا من النسخ وفي الأصل : مالكه.

(٦٢) في « م » : غير باطل.

(٦٣) ما بين القوسين سقط من « م ».

(٦٤) هذه الكلمة ليست في النسخ.

٣٧

وإن لم يدرك ذكاته فهو ميتة ، لأنه تلف من فعلين أحدهما مباح والآخر محظور ، كما لو قتله كلب مسلم ومجوسي ، وأما الذي يجب على الجارح فالذي يظهر أن الأول ان لم يقدر على ذكاته فعلى الثاني قيمته بتمامها معيبا بالعيب الأول ، وإن قدر فأهمل فعلى الثاني نصف قيمته معيبا ، ولعل فقه هذه المسألة ينكشف باعتبار فرض نفرضه ، وهي دابة قيمتها عشرة جني عليها فصارت تساوي تسعة ، ثمَّ جرحها آخر فصارت إلى ثمانية ، ثمَّ سرت الجنايتان ، ففيها احتمالات خمسة : لا يخلو أحدها من خلل الى آخر البحث.

أقول : هذه المسألة من المسائل المشكلة من هذا الفن ، وقد ذكر المصنف هنا خمسة احتمالات ثمَّ ذكر أنه لا يخلو أحدهما من خلل ، أي لا يخلو كل احتمال من هذه الاحتمالات الخمسة من خلل ، ونحن إن شاء الله نذكر لفظ المصنف في كل احتمال منها ونبين وجهه ونذكر (٦٥) الخلل الذي فيه.

قال رحمه‌الله : وهو إما إلزام الثاني كمال قيمته معيبا ، لأن جناية الأول غير مضمونة بتقدير أن يكون مباحا ، وهو ضعيف ، لأن مع إهمال التذكية جرى مجرى المشارك في جنايته.

أقول : هذا هو الاحتمال الأول من الاحتمالات الخمسة ، وقد أشار المصنف الى وجهه والى وجه ضعفه ، ونزيده بيانا ، أما وجه ضمان الثاني كمال (٦٦) قيمته معيبا ، لأن جناية الأول مباحة ، والثانية محرمة ، وإذا اجتمع المباح والمحرم غلب المحرم ، كما لو اشترك المؤمن والكافر في الرمي فمات الصيد من جرحيهما فإنه يكون حراما ، وإذا كان المحرم هو الجرح (٦٧) الثاني فهو المتلف ، لأنه جعل اللحم

__________________

(٦٥) في « م » و « ن » : ثمَّ نذكر.

(٦٦) في الأصل : كماله.

(٦٧) في « م » و « ن » : جرح.

٣٨

لا قيمة له فيكون الضمان عليه دون الأول ، ووجه ضمان الثاني نصف قيمته معيبا أنه تلف من فعلهما معا فلا يختص أحدهما بالضمان ، لاستحالة الترجيح من غير مرجح ، كما لو كانت شاه مملوكة لواحد فجرحها ثمَّ جرحها آخر وماتت من الجرحين ، فإنه يسقط مقابل جرح المالك ويجب على الثاني مقابل جرحه من القيمة.

وهذا الاحتمال مذهب المصنف لقوله : والذي (٦٨) يظهر أن الأول إن (٦٩) لم يقدر على ذكاته فعلى الثاني قيمته بتمامها معيبا بالعيب الأول ، وإن قدر فأهمل فعلى الثاني نصف قيمته معيبا ، وهو مذهب العلامة في قواعده وتحريره.

قال رحمه‌الله : وإما التسوية في الضمان ، وهو حيف على الثاني.

أقول : هذا الاحتمال الثاني من الاحتمالات الخمسة ، وهو التسوية في الضمان لتساويهما (٧٠) بين الأول والثاني ، لأن كل واحد منهما انفرد بإتلاف ما قيمته درهم ، وتساويا في إتلاف الباقي بالسراية فيتساويان في الضمان ، لتساويهما في أرش السراية.

ويشكل بحصول الحيف على الثاني ، لأنه جنى عليه وقيمته دون قيمته حال جناية الأول ، ولأنه لم يدخل أرش الجناية في بدل النفس.

وأجيب بأن دخول الأرش في بدل النفس إنما يكون في نفس لا ينتقض (٧١) بدلها ( بإتلاف بعضها ) (٧٢) كالادمى.

أما البهائم فلا فإنه لو جنى عليها ما أرشه درهم نقص ذلك من قيمتها ، فإذا

__________________

(٦٨) في النسخ : فالذي.

(٦٩) في « م » : وإن.

(٧٠) هذا الكلمة ليست في النسخ.

(٧١) في « ر ١ » : ينقص.

(٧٢) هذا من النسخ وفي الأصل يدل ما بين القوسين : في إتلاف كبعضها.

٣٩

سرت الجناية إلى النفس أوجبنا على الجاني ما بقي من قيمة النفس.

قال رحمه‌الله : أو إلزام الأول بخمسة ونصف والثاني بخمسة ، وهو حيف أيضا.

أقول : هذا الاحتمال الثالث ، ومبناه دخول أرش جناية كل واحد منهما في بدل النفس ، لأن الجناية إذا صارت نفسا سقط حكمها ، فعلى الأول نصف درهم ونصف قيمته يوم جنايته فعليه خمسه ونصف ، وعلى الثاني نصف درهم ونصف قيمته يوم جنايته وهي تسعة فعليه خمسة.

وانما أدخلنا نصف أرش كل منهما في بدل النفس ، لأنه لو انفرد بالجناية دخل جميع الأرش في بدل النفس ، فاذا شاركه غيره سرت جنايته الى نصف النفس فيدخل نصف الأرش في بدل نصفها ، ولم يدخل النصف الآخر في بدل النصف الباقي ، لأنه ضمنه غيره فلا يدخل أرش جنايته في بدل نفس ضمنها غيره ، كما لو قطع يد حر ثمَّ قتله آخر فإنه لم يدخل (٧٣) اليد (٧٤) في دية النفس.

فاذا ثبت هذا رجع الأول على الثاني بنصف أرش جناية الثاني ، وهو النصف الذي دخل في ( نصف بدل ) (٧٥) النفس ، لأنه جنى على ما دخل في ضمان الأول ، ومن جنى على ما ضمنه غيره ضمنه له كالجاني على المغصوب ، فإنه يضمنه للغاصب (٧٦) إذا دفعه (٧٧) الغاصب الى المالك ، فان رجع المالك على الأول بخمسة ونصف رجع على الثاني بأربعة ونصف ، ويرجع الأول على الثاني بالنصف ، وإن رجع على الأول بخمسة رجع على الثاني بخمسة.

__________________

(٧٣) في « ن » : لا يدخل.

(٧٤) هذه الكلمة ليست في « م ».

(٧٥) في « ن » : بدل النصف.

(٧٦) في « ن » : الغاصب.

(٧٧) في « م » و « ر ١ » : دفع وفي « ن » : رجع.

٤٠