غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

(وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) (٤٠) ، والضرب الضعيف رأفة وقد نهي عنه.

قال رحمه‌الله : إذا شهد أربعة على امرأة بالزنا قبلا ، فادعت أنها بكر ، فشهد لها أربع نساء [ بذلك ] فلا حد ، وهل تحد الشهود للفرية؟ قال في النهاية : نعم ، وقال في المبسوط : لأحد ، لاحتمال الشبهة في المشاهدة ، والأول أشبه.

أقول : بمذهب النهاية قال ابن الجنيد واختاره المصنف ؛ لأنهم شهدوا بزنا لم يثبت فيجب عليهم الجلد للفرية ، وبمذهب المبسوط قال ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه وأبو العباس ، لحصول الشبهة بتعارض الشهادتين وهي دارئة للحد ، ولإمكان عود البكارة ، قاله العلامة في القواعد ، والمعتمد مذهب المبسوط.

قال رحمه‌الله : قال الشيخ رحمه‌الله : لا يجب على الشهود حضور موضع الرجم ، ولعل الأشبه الوجوب ، لوجوب بدأتهم بالرجم.

أقول : البدأة بالرجم واجب ، وهو لا يتم الا بالحضور ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، وقال في المبسوط والخلاف : لا يجب عليهم الحضور ، واختاره العلامة في المختلف ، وابنه في شرح القواعد ، لأصالة براءة الذمة ، فعلى هذا يكون شرط وجوب البداءة الحضور لا الشهادة ، فإن حضروا واجب (٤١) عليهم البدأة بالرجم والا فلا.

قال رحمه‌الله : إذا كان الزوج أحد الأربعة فيه روايتان ، ووجه الجمع [ سقوط ] العقوبة والحد إن اختل بعض شروط الشهادة ، مثل سبق الزوج بالقذف ، ويحد الزوج ، أو يدرأ باللعان ويحد الباقون ، وثبوت الحد إن لم يسبق

__________________

ص ٣٦٠ مرسل حريز ، وهي مروية في الحدود من الوسائل باب ١١ من أبواب حد الزنا ـ حديث ٦ وفي باب رواية لابن سعيد حديث ١.

(٤٠) النور : ٢.

(٤١) كذا.

٣٢١

الزوج ولم يختل بعض الشرائط.

أقول : إذا كان الزوج أحد الشهود الأربعة ، قال المصنف : فيه روايتان ، أما رواية قبول شهادتهم ووجوب حد المرأة فرواية علي بن إبراهيم بن نعيم عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : سألته عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها؟ قال : يجوز » (٤٢) وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية والخلاف والاستبصار ، وبه قال ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس ، ان لم يختل بعض شروط الشهادة ، ورواية حد الشهود دون المرأة رواية زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام : « في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها؟ قال : يلاعن ويحد الباقون » (٤٣) ، وبمضمونها أفتى ابن بابويه وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البراج ، وحمل الأولون الرواية على اختلال بعض الشرائط ، كسبق الزوج بالقذف أو عدم تعديل الشهود واختلافهم (٤٤) في الإقامة ، وقد سبق البحث في هذه في باب اللعان (٤٥).

قال رحمه‌الله : إذا شهد بعض وردّت شهادة الباقين ، قال في الخلاف والمبسوط : إن ردّت بأمر ظاهر حد الجميع ، وإن ردّت بأمر خفي فعلى المردود الحد دون الباقين ، وفيه إشكال من حيث تحقق القذف العاري عن بينة.

أقول : مذهب الخلاف والمبسوط هو المشهور بين الأصحاب ، وجزم به العلامة في القواعد والتحرير وهو المعتمد ؛ لأنهم أقاموا شهادة مقبولة في ظاهر الشرع ، ولم يطلعوا على جرح من ردت شهادته منهم ، لخفاء حاله عليهم ، فيختص المردود بالحد دونهم ، كما لو رجع في شهادته ، والا لزم تكليف ما

__________________

(٤٢) الوسائل ، كتاب اللعان ، باب ١٢ ، حديث ١.

(٤٣) المصدر السابق ، حديث ٢.

(٤٤) في « م » : وإحلافهم.

(٤٥) ج ٣ ص ٣٥١.

٣٢٢

لا يطاق وهو باطل ، وظاهر المصنف وجوب حد الجميع ، لتحقق (٤٦) القذف الخالي عن بينة ، وهو معارض برجوع بعضهم عن الشهادة فإنه يختص بالحد مع عدم تحقق البينة.

قال رحمه‌الله : من افتض بكرا بإصبعه لزمه مهر نسائها ، ولو كانت أمة لزمه عشر قيمتها ، وقيل : يلزمه الأرش ، والأول مروي.

أقول : لزوم عشر القيمة مذهب الشيخ في النهاية ، ولزوم الأرش مذهب ابن إدريس ، وجعل ما قاله الشيخ رواية ، قال : وروي (٤٧) أن عليه عشر قيمتها ويجلد من ثلاثين إلى تسعة وتسعين سوطا عقوبة ، قال : والأولى أن يغرم ما بين قيمتها بكرا وثيبا.

__________________

(٤٦) في الأصل : لتحقق حد القذف.

(٤٧) السرائر ، ج ٣ ، ص ٤٤٩.

٣٢٣
٣٢٤

في حد اللواط والسحق والقيادة

قال رحمه‌الله : ويحكم الحاكم فيه بعلمه ، إماما كان أو غيره على الأصح.

أقول : قد سبق البحث في هذه في كتاب القضاء.

قال رحمه‌الله : وكيفية إقامة الحد القتل إن كان اللواط إيقابا ، وفي رواية : إن كان محصنا رجم وان كان غير محصن جلد ، والأول أشهر ثمَّ الامام مخير في قتله ، بين ضربه بالسيف ، أو تحريقه ، أو رجمه أو إلقائه من شاهق ، أو إلقاء جدار عليه ، ويجوز أن يجمع بين أحد هذه وتحريقه وإن لم يكن إيقابا كالتفخيذ أو بين الأليتين فحده مائة جلدة ، وقال في النهاية : يرجم إن كان محصنا ، ويجلد إن لم يكن والأول أشبه.

أقول : اللواط قد يكون إيقابا وغير إيقاب ، فالايقاب غيبوبة الحشفة في الدبر ، وغير الإيقاب كالتفخيذ بين الأليتين ، فإن كان الأول وجب قتل الفاعل والمفعول مع بلوغهما ورشدهما ، ولا فرق بين الحر والعبد ، ولا بين المسلم والكافر ، ولا بين المحصن وغيره ، وهذا هو المشهور وعليه فتوى الأصحاب ، قال المصنف : وفي رواية إن كان محصنا رجم وان كان غير محصن جلد ، وهو

٣٢٥

إشارة الى ما رواه العلاء بن الفضل عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : حد اللوطي مثل حد الزاني ، وقال : إن كان قد أحصن رجم والا جلد » (٤٨) ، ومثلها رواية حماد بن عثمان (٤٩) عن الصادق عليه‌السلام ، وحملها الشيخ على عدم الإيقاب أو التقية ، لأن ذلك مذهب بعض العامة ، وان كان الثاني ـ وهو غير الإيقاب ـ فالمشهور أن الحد فيه جلد مائة مطلقا ، سواء كان محصنا أو غير محصن ، وهو مذهب المفيد وسلار وأبي الصلاح وابن أبي عقيل والسيد المرتضى وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس وهو المعتمد ، لأصالة براءة الذمة ، ولرواية سليمان بن هلال عن الصادق عليه‌السلام : « في الرجل يفعل بالرجل؟ قال : إن كان دون الثقب فالجلد وإن كان الثقب أقيم قائما ثمَّ ضرب بالسيف » (٥٠) وقال الشيخ في النهاية : يرجم مع الإحصان ويجلد مع عدمه ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة وهو ظاهر ابني بابويه للحديثين المتقدمين.

قال رحمه‌الله : لو تكرر منه الفعل وتخلله الحد مرتين قتل في الثالثة ، وقيل : في الرابعة.

أقول : هذا غير الموقب ، والأول قول ابن إدريس ، والثاني قول الشيخ في النهاية ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد ، والوجه ما تقدم في الزنا.

قال رحمه‌الله : والحد في السحق مائة جلدة ، حرة كانت أو أمة ، مسلمة أو كافرة ، محصنة أو غير محصنة ، الفاعلة والمفعولة ، وقال في النهاية : ترجم مع الإحصان وتحد مع عدمه ، والأول أولى.

__________________

(٤٨) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب من أبواب حد اللواط ، حديث ٣ وفيها العلاء بن الفضيل.

(٤٩) المصدر السابق ، حديث ٤.

(٥٠) المصدر السابق ، حديث ٢.

٣٢٦

أقول : الأول مذهب السيد المرتضى والمفيد وأبي الصلاح وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد ، لأصالة البراءة ، ولما رواه زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، « قال المساحقة تجلد » (٥١) وبمذهب النهاية قال ابن البراج وابن حمزة لما رواه هشام بن حمزة وحفص ، عن الصادق عليه‌السلام ، « أنه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهم عن السحق؟ فقال : حدها حد الزاني ، فقالت المرأة : ما ذكره الله تعالى في القرآن؟ فقال : بلى ، فقالت : أين؟ قال : هن أصحاب الرس » (٥٢) وحملت على حد الزاني من الجلد.

قال رحمه‌الله : والأجنبيتان إذا وجدتا في إزار مجردتين عزرت كل واحدة دون الحد ، فان تكرر الفعل منهما والتعزير مرتين أقيم عليهما الحد في الثالثة ، فإن عادتا ، قال في النهاية : قتلتا والأولى الاقتصار على التعزير ، احتياطا في التهجم على الدم.

أقول : قال الشيخ في النهاية : إذا وجدت امرأتان في إزار واحد مجردتين من ثيابهما ، وليس بينهما رحم ولا أحوجتهما الى ذلك ضرورة من برد وغيره ، كان على كل واحدة منهما التعزير من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين ، فان عادتا الى مثل ذلك نهيتا وأدبتا ، فإن عادتا ثالثة أقيم عليها الحد كاملا مائة جلدة فان عادتا رابعة كان عليهما القتل ، وتبعه ابن البراج ، واختاره العلامة في المختلف وأبو العباس في المقتصر ، لما رواه أبو خديجة (٥٣) عن الصادق عليه‌السلام ، « ولأن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة على المشهور ، وابن إدريس أوجب القتل في الثالثة بناء على مذهبه من أن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة ،

__________________

(٥١) المصدر السابق ، باب ١ من أبواب حديث د السحق ، حديث ٢.

(٥٢) المصدر السابق ، حديث ١ ، وفيه هشام بن أبي حمزة.

(٥٣) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ١٠ من أبواب حد الزنا ، حديث ٢٥.

٣٢٧

والمصنف لم يوجب القتل بل التعزير في الرابعة والحد في الثالثة ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير.

قال رحمه‌الله : إذا وطأ زوجته فساحقت بكرا فحملت ، قال في النهاية : على المرأة الرجم وعلى الصبية الجلد مائة بعد الوضع ، ويلحق الولد بالرجل ، وعلى المرأة المهر ، أما الرجم فعلى ما مضى من التردد ، واشتهر [ وأشبهه ] الاقتصار على الجلد ، وأما جلد الصبية فموجبه ثابت ، وهي المضاجعة [ المساحقة ] ، وأما لحوق الولد فلأنه ماء غير زان وقد انخلق منه الولد فيلحق به ، وأما المهر فلأنها سبب في إذهاب العذرة ، وديتها مهر نسائها ، وليست كالزانية في سقوط دية العذرة ؛ لأن الزانية أذنت في الافتضاض وليست هذه كذا ، وأنكر بعض المتأخرين ذلك ، وظن أن المساحقة كالزانية في سقوط دية العذرة وسقوط النسب.

أقول : أنكر ابن إدريس الرجم ولحوق الولد بالرجل وإيجاب المهر على الزوجة ، قال : لأنا قد بينا أن جلّ أصحابنا لا يرجمون المساحقة ، سواء كانت محصنة أو غير محصنة ، واستدللنا على ذلك ، فكيف نوجب على هذه الرجم؟ قال : وإلحاق الولد بالرجل فيه نظر يحتاج الى دليل قاطع ؛ لأنه غير مولود على فراشه ، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال « الولد للفراش » (٥٤) وهذه ليست فراشا للرجل ؛ لأن الفراش عبارة في الخبر عن العقد ، وإمكان الولد ، ولا هو من وطى شبهة ، قال : وإلزام المرأة المهر أيضا فيه نظر ولا دليل عليه ؛ لأنها مختارة غير مكرهة ، وقد بينا أن الزاني إذا زنى بالبكر الحرة البالغة لا مهر عليه إذا كانت مطاوعة ، والبكر المساحقة هنا مطاوعة ، وقد أوجبنا عليها الحد ؛ لأنها بغي ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « نهى عن مهر البغي » (٥٥) إلى هنا كلام ابن

__________________

(٥٤) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٥٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث ١.

(٥٥) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ٥ من أبواب ما يكتسب به ، حديث ١٣.

٣٢٨

إدريس (٥٦).

قلت : اما الرجم فالمعتمد فيه مذهب ابن إدريس ، والشيخ بناء ذلك على مذهبه وهو وجوب رجم المساحقة إذا كانت محصنة ، وقد مضى البحث في (٥٧) ذلك.

واما لحوق الولد بالرجل ووجوب المهر على الزوجة ، فالمشهور في ذلك مذهب الشيخ وقد بين المصنف الوجه في ذلك ، ولا يلحق الولد بالكبيرة إجماعا وهل يلحق بالصبية التي ولدته؟ استقرب العلامة في القواعد عدم اللحوق ، لانتفاء سببه ، وهو النكاح الصحيح أو الشبهة وهما منتفيان ، ولأنها في حكم الزانية ، ولهذا يجب عليها الحد ويحتمل اللحوق ؛ لأنها ولدته من غير زنا فيلحق بها ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ومع ثبوته يجب على القواد خمس وسبعون جلدة ، وقيل : يحلق رأسه ويشهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن القواد يحلق رأسه ويشهر شنعة له ، والمصنف لم يجزم بذلك لخلو الأحاديث (٥٨) عنه ، وانما هو شي‌ء ذكره الشيخان وتبعهما الباقون.

قال رحمه‌الله : وهل ينفى بأول مرّة؟ قال في النهاية : نعم ، وقال المفيد رحمه‌الله : ينفى في الثانية ، والأول مروي ، أما المرأة فتجلد وليس عليها جز ولا شهرة ولا نفي.

أقول : القواد يجلد خمسا وسبعين جلدة ويحلق رأسه ويشهر في البلد ، ثمَّ

__________________

(٥٦) السرائر ، ج ٣ ، ص ٤٦٥.

(٥٧) ص ٣٢٦.

(٥٨) الوسائل ، كتاب الحدود ، أحاديث باب الخامس من أبواب حد السحق والقيادة.

٣٢٩

ينفى من البلد الذي فعل فيه ذلك الى غيره ، أما الجلد والحلق والشهرة فبأول مرة ، وهل ينفى بأول مرة أيضا؟ قال الشيخ في النهاية : نعم ، وتبعه ابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف في المختصر وفخر الدين وأبو العباس ، لما رواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمس وسبعون سوطا ، وينفى عن المصر الذي هو فيه » (٥٩) وقال المفيد : لا ينفى إلا في الثانية ، وبه قال أبو الصلاح وسلار.

__________________

(٥٩) المصدر السابق ، حديث ١.

٣٣٠

في حد القذف

قال رحمه‌الله : ولو قال ولدت من زنا ، ففي وجوب الحد لأمه تردد ، لاحتمال انفراد الأب بالزنا ولا يثبت الحد مع الاحتمال ، أما لو قال : ولدتك أمك من الزنا فهو قذف للام ، وهنا الاحتمال أضعف ، ولعل الأشبه عندي التوقف لتطرق الاحتمال وان ضعف.

أقول : إذا قال لغيره ولدت من الزنا ففيه قولان ، أحدهما : اختصاص القذف بالأم ، لاختصاص الأم بالولادة ظاهر (٦٠) وقد عداه الى الزنا بحرف الجر ، ومقتضاه نسبة الأم إلى الزنا ، وهو قول الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج ، ونقله الشهيد عن نجم الدين في نكت النهاية ، وعن العلامة في التلخيص ، والثاني اشتراك القذف بين الام والأب ؛ لأن نسبته إليهما واحدة فلا اختصاص ، وهو قول ابن إدريس ، واستحسنه العلامة في المختلف ، ولم يصرح بثبوت الحد ولا نفيه ، وظاهر المصنف هنا عدم ثبوت الحد ، وقد ذكر وجهه وهو ظاهر العلامة في التحرير أيضا ، وجزم في القواعد بثبوته لهما ؛ لأن ظاهر اللفظ القذف لهما

__________________

(٦٠) كذا.

٣٣١

والاحتمال لا ينفي ما ثبت بظاهر اللفظ ، واختاره الشهيد في شرح الإرشاد ، فعلى هذا إذا قال : ولدتك أمك من الزنا ، كان قذفا للأم خاصة ، وكان احتمال ثبوت الحد لهما (٦١) أضعف ، وجزم العلامة بالثبوت ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو قال : زنيت بفلان أو لطت به ، فالقذف للمواجه ثابت ، وفي ثبوته للمنسوب اليه تردد ، وقال في النهاية وفي المبسوط : يثبت حدان ؛ لأنه فعل واحد متى كذب في أحدهما كذب في الآخر ، ونحن لا نسلم أنه فعل واحد ؛ لأن موجب الحد في الفاعل غير الموجب في المفعول ، وحينئذ يمكن أن يكون أحدهما مختارا دون صاحبه.

أقول : ثبوت الحدين مذهب الشيخ وابن زهرة وأبي الصلاح وابن البراج ، واختاره العلامة في المختلف ، وفخر الدين في الإيضاح ، وأبو العباس في المقتصر ؛ لأنه أضاف الزنا واللواط إليهما ، وهو فعل واحد. وثبوته للمواجه خاصة مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف ؛ لان موجب الحد في الفاعل غير موجب الحد في المفعول ؛ لأن نسبته الى المفعول به الانفعال لا الى الفعل ، والانفعال أعم من المطاوعة والإكراه ، لصدق حقيقته فيهما ، ولا دلالة للعام على الخاص ، ولا حد مع الاحتمال ، لكونه شبهة ، وقال عليه‌السلام « ذروا الحدود بالشبهات » (٦٢).

قال رحمه‌الله : ولو قال لامرأته : زنيت بك ، فلها حد على التردد.

أقول : التردد المذكور هو ما سبق (٦٣) من التردد في قوله : زنيت بفلان أو لطت به ، فمن أثبت القذف في هذه الصورة للمنسوب إليه ، أثبته للزوجة في صورة

__________________

(٦١) ليست في الأصل.

(٦٢) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ٢٤ من أبواب المقدمات ، حديث ٤. وفيه ( ادرؤا ) بدل ( ذروا ).

(٦٣) تقدم في المسألة السابقة.

٣٣٢

قول الزوج لها : زنيت بك ، ومن لا فلا وقد سبق البحث فيه.

قال رحمه‌الله : وهل يشترط في وجوب الحد الكامل الحرية؟ قيل : نعم ، وقيل : لا يشترط ، فعلى الأول يثبت نصف الحد ، وعلى الثاني يثبت الحد كاملا.

أقول : المشهور بين الأصحاب عدم الفرق بين الحر والعبد في وجوب الثمانين جلدة ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والخلاف ، وابن الجنيد وأبي الصلاح وابن البراج وابن زهرة وابن إدريس ، واختاره المصنف في المختصر ، والعلامة في القواعد والتحرير ، لعموم قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) (٦٤) الاية ولما رواه الشيخ في التهذيب ، عن أبي بكر الحضرمي ، « قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن عبد مملوك قذف حرا؟ قال : يجلد ثمانين ، هذا من حقوق الناس ، وأما ما كان من حقوقه تعالى فإنه يضرب نصف الحد ، قلت : الذي من حقوقه تعالى ما هو؟ فقال : الزنا وشرب الخمر ، فهذا من الحقوق التي يضرب فيها نصف الحد » (٦٥) وقال في المبسوط : يجلد العبد أربعين لما رواه أبو العباس بن سليمان ، « قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المملوك إذا افترى على الحر ، كم يجلد؟ قال : أربعين » (٦٦) ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو ادعى المقذوف الحرية فأنكرها القاذف ، فان ثبت أحدهما عمل عليه ، وإن جهل ففيه تردد ، أظهره أن القول قول القاذف لتطرق الاحتمال.

أقول : إذا قذف رجل رجلا ثمَّ اختلفا ، فقال المقذوف : أنا حر فعليك

__________________

(٦٤) النور : ٤.

(٦٥) الوسائل ، الحدود ، باب ٤ من أبواب القذف ، حديث ١٤.

(٦٦) المصدر السابق ، حديث ١٥.

٣٣٣

الحد ، وقال القاذف : أنت عبد فعلي التعزير ، قال الشيخ في الخلاف : القول قول القاذف ؛ لأصالة البراءة ، وقال في المبسوط : إن علم أنه حر أو عبد أعتق قبل القذف فعليه الحد ، وان علم أنه مملوك عزر ، وإن جهل ، قال قوم : القول قول القاذف لأصالة البراءة ، وقال آخرون : القول قول المقذوف لأصالة الحرية ، وهما قويان ، وهو يدل على تردده ، واختار العلامة في المختلف مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره فخر الدين.

قال رحمه‌الله : ولو قال لمسلم يا ابن الزانية ، أو أمك زانية ، وكانت أمه كافرة أو أمة ، قال في النهاية : عليه الحد تاما لحرمة ولدها ، والأشبه التعزير.

أقول : بمذهب النهاية قال ابن الجنيد وابن البراج ، والتعزير مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، لأصالة براءة الذمة ؛ لأن الأصل مراعاة التكافؤ للقاذف أو علو المقذوف ، والأمر هنا ليس كذلك ؛ لان المقذوف هنا الام ، وهي غير مكافئة للقاذف ، والمعتمد مذهب المصنف.

قال رحمه‌الله : إذا تكرر الحد بتكرر القذف مرتين ، قتل في الثالثة ، وقيل : في الرابعة ، وهو أولى.

أقول : الأول مذهب ابن إدريس ؛ لأن أهل الكبائر عنده يقتلون في الثالثة ، والثاني مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس (٦٧) ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : قيل : لا يعزر الكفار مع التنابز بالألقاب والتعيير بالأمراض ، إلا أن يخشى حدوث فتنة فيحسمها الامام بما يراه.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب لا أعلم فيه خلافا (٦٨) ، ويحتمل

__________________

(٦٧) ليست في « ن ».

(٦٨) في الأصل : مخالفا.

٣٣٤

ثبوت التعزير ، لعموم قولهم : « كل من ترك واجبا أو فعل محرما فللإمام تعزيره بما لا يبلغ الحد » (٦٩) ، قال المقداد في شرح المختصر : وجه العدم ثبوت التعزير في الطرفين فيتهاتران ، وفي هذا التوجيه نظر ؛ لأنه لو كان ثبوت التعزير في الطرفين علة في سقوطه عنهما لسرت في المسلمين ، مع أنه لو تقاذف اثنان من المسلمين عزرا إجماعا.

قال رحمه‌الله : يكره أن يزاد في تأديب الصبي على عشرة أسواط ، وكذا المملوك ، وقيل : إن ضرب عبده في غير حد حدا لزمه إعتاقه ، وهو على الاستحباب.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : من ضرب مملوكه فوق الحد كان كفارته أن يعتقه ، وتبعه ابن البراج ، وقال ابن إدريس : لا دليل على ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة من العتق ، وبقاء الرق ، والمشهور الاستحباب ، وهو المعتمد لأصالة البراءة من الوجوب.

__________________

(٦٩) كأنه من عبارات الفقهاء. لاحظ مفاتيح الشرائع للفيض الكاشاني رحمه‌الله ، ج ٢ ، ص ١٠٦ ، والتنقيح الرائع للمقداد السيوري رحمه‌الله ، ج ٤ ، ص ٣٦٤.

٣٣٥
٣٣٦

في حد المسكر

قال رحمه‌الله : أما التمر إذا غلى ولم يبلغ حد الإسكار ، ففي تحريمه تردد ، والأشبه بقاؤه على التحليل حتى يبلغ ، وكذا البحث في الزبيب إذا نقع بالماء فغلى من نفسه أو بالنار ، والأشبه أنه لا يحرم ما لم يبلغ الشدة المسكرة.

أقول : التمر أو الزبيب إذا جعل (٧٠) بالماء فغلى من نفسه أو بالنار ، ولم يبلغ الشدة المسكرة احتمل فيه التحريم ، مساواة للعصير إذا غلى ، ويحتمل عدم التحريم لأصالة الإباحة ، فيقتصر على موضع النص (٧١) ، وهو المشهور بين الأصحاب واختاره المصنف والعلامة وابنه وهو المعتمد.

تنبيه : اختلف في تعريف المسكر ، قيل : هو ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم ، وظهور السر المكتوم ، وقيل : هو ما يغير العقل ويحصل معه نشوة وسرور وقوة نفس وعربدة ، فان حصل مع ذلك تغيير الحواس الخمس فهو المرقد ، والمعتمد صدق السكر لكل واحدة من هذه الأشياء ، فإذا غلى التمر

__________________

(٧٠) من « ن » وفي غيرها : جعلا.

(٧١) في المفاتيح ، ج ٢ ، ص ٨٧ : لم نجد مستنده.

٣٣٧

والزبيب حتى صار أسفله أعلاه ، وحصل فيه القوة المسكرة التي تفعل بالمزاج أحد هذه الأشياء ، حرم والا فهو حلال.

قال رحمه‌الله : الحد ثمانون جلدة ، حرا كان الشارب أو عبدا ، رجلا كان الشارب أو امرأة ، وفي رواية يحد العبد أربعين ، وهي متروكة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه أبو بكر الحضرمي (٧٢) عن الصادق عليه‌السلام وقد تقدمت في القذف ، وبمضمونها أفتى محمد بن بابويه ، والمشهور عدم الفرق بين الحر والعبد في وجوب الثمانين ، لإطلاق الروايات الدالة على ذلك ، كرواية زرارة (٧٣) عن الباقر عليه‌السلام وفي رواية (٧٤) أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام ، ورواية بريد بن معاوية (٧٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وهو مذهب الشيخين وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وإذا حد مرتين ، قتل في الثالثة ، وهو المروي ، وقال في الخلاف : يقتل في الرابعة.

أقول : قتله في الثالثة مذهب المفيد وابن أبي عقيل وأبي الصلاح وابن حمزة وابن إدريس ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، لما رواه أبو عبيدة عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : من شرب الخمر فاجلدوه فان عاد فاجلدوه فان عاد فاقتلوه » (٧٦) ولصحيحة يونس عن الكاظم عليه‌السلام ، « قال : أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين

__________________

(٧٢) تقدمت في الهامش (٦١) ص

(٧٣) الوسائل ، الحدود ، باب ٤ من أبواب حد المسكر ، حديث ٧.

(٧٤) المصدر السابق ، باب ٦ من أبواب حد المسكر ، حديث ٤ ـ ٥.

(٧٥) المصدر السابق ، باب ٤ من أبواب حد المسكر ، حديث ١.

(٧٦) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ١١ من أبواب حد المسكر ، حديث ٣.

٣٣٨

فتلوا في الثالثة » (٧٧) ، وقتله في الرابعة مذهب الشيخ في المبسوط ومحمد بن بابويه ، واختاره فخر الدين.

قال رحمه‌الله : ولو شهد واحد بشربها ، والآخر بقيئها ، وجب الحد ، ويلزم على ذلك وجوب الحد لو شهدا بقيئها نظرا الى التعليل المروي ، وفيه تردد لاحتمال الإكراه على بعد ، ولعل هذا الاحتمال يندفع ؛ لأنه [ بأنه ] لو كان واقعا لدفع به عن نفسه ، أما لو ادعاه فلا حد.

أقول : إذا شهد واحد بشربها والآخر بقيئها فالمشهور بين الأصحاب ثبوت الحد ، قال الشهيد في شرح الإرشاد : وعليه فتوى الأصحاب ، لم أقف فيه على مخالف ، وفيه نظر ؛ لأن فخر الدين نقل عن والده في المختلف تقوية عدم وجوب الحد ، قال : وهو الأقوى عندي ، والأصل في هذه المسألة حكم على عليه‌السلام على الوليد بوجوب الحد ، حين شهد عنده واحد بشربها وآخر بقيها ، فقال عليه‌السلام : « ما قاءها إلا وقد شربها » (٧٨) ، والى هذا التعليل أشار المصنف بقوله نظرا الى التعليل المروي.

احتج فخر الدين بان سبب الحد الشرب مختارا ، فلا يدل القي‌ء عليه لاحتمال الإكراه ، ويجاب بأن الأصل في الشرب الاختيار حتى يثبت الإكراه.

فعلى القول بثبوت الحد لو شهدا (٧٩) بقيها ، هل يثبت أم لا؟ يحتمل الثبوت ، وهو المشهور لقوله عليه‌السلام : « ما قائها الا وقد شربها » ، ويحتمل العدم لاحتمال الإكراه ، قال المصنف : وهذا الاحتمال يندفع بأنه لو كان واقعا لدفع به عن نفسه ، أي لو كان مكرها لادعاه ، وقال : إني شربته مكرها ، فان ادعى

__________________

(٧٧) المصدر السابق ، حديث ٢.

(٧٨) المصدر السابق ، باب ١٤ من أبواب حد المسكر ، حديث ١ ، وليس فيه الوليد بل قدامة بن مظعون.

(٧٩) في الأصل : شهد.

٣٣٩

الإكراه لم يثبت الحد قطعا.

قال رحمه‌الله : ومن شرب الخمر مستحلا استتيب ، فان تاب أقيم عليه الحد ، وإن امتنع قتل ، وقيل : يكون حكمه حكم المرتد ، أما سائر المسكرات فلا يقتل مستحلها لتحقق الخلاف بين المسلمين فيها.

أقول : الأول قول الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج ، لما روي (٨٠) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قضية قدامة بن مالك لما شرب الخمر مستحلا ، والثاني مذهب أبي الصلاح وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ؛ لأنه أنكر ما علم تحريمه من الدين ضرورة ، ومن أنكر شيئا من ذلك كان مرتدا.

قال رحمه‌الله : ولو كان ثبوت الحد بإقراره ، كان الامام مخيرا [ بين حدّه وعفوه ] ، ومنهم من منع التخيير وحتم الاستيفاء هنا ، وهو أظهر.

أقول : إذا ثبت الشرب بالإقرار فتاب بعد الثبوت ، قال الشيخ : يتخير الامام بين العفو أو إقامة الحد ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة ، واختاره العلامة في القواعد والمختلف ، وابنه في الإيضاح وأبو العباس ؛ لأن التوبة تسقط تحتم القتل ، وهو أقوى من الحد فاسقاطها تحتم الحد أولى ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : يتحتم الحد هنا ، واختاره ابن إدريس والمصنف والشهيد ، لثبوت الحد بالإقرار ، وسقوطه يفتقر الى دليل ، وحمله على الرجم قياس مع ثبوت الفارق.

قال رحمه‌الله : من قتله الحد أو التعزير فلا دية له ، وقيل : تجب على بيت المال ، والأول مروي.

أقول : الخلاف إنما هو في التعزير ، أما الحد فلا خلاف في سقوط الدية فيه ؛ لأنه مقدر بالشرع المطهر صلى الله على الصادع به وعلى آله ، أما التعزير فاجتهادي ، فان مات به ، قيل : لا دية له ، وبه قال الشيخ في الخلاف وابن

__________________

(٨٠) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ٢ من أبواب حد المسكر ، حديث ١.

٣٤٠