غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

كتاب الفرائض

١٦١
١٦٢

في موانع الإرث

قال رحمه‌الله : ولو كان الميت مرتدا ورثه الإمام مع عدم الوارث المسلم ، وفي رواية : يرثه الكافر ، وهي شاذة.

أقول : الرواية هي ما رواه إبراهيم بن عبد الحميد عن رجل ، « قال : قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل نصراني أسلم ثمَّ رجع الى النصرانية ثمَّ مات ، قال : ميراثه لولده النصراني ، ومسلم تنصر ثمَّ مات؟ قال : ميراثه لولده المسلم » (١) وبمضمونها أفتى الشيخ في الاستبصار ، والمشهور عند أصحابنا أن ميراثه للإمام مع فقد الوارث المسلم لتحريمه بالإسلام فلا يرثه الكافر ، والرواية محمولة على التقية وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : أما لو لم يكن وارث سوى الامام ، وأسلم الوارث فهو أولى من الامام ؛ لرواية أبي بصير ، وقيل : إن كان قبل نقل التركة إلى بيت مال الامام ورث وإن كان بعده لم يرث ، وقيل : لا يرث ؛ لأن الإمام كالوارث الواحد.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٦ من أبواب موانع الإرث ، حديث ١.

١٦٣

أقول : هنا ثلاثة أقوال :

الأول : إذا أسلم وارث الكافر كان أولى من الامام مطلقا سواء نقله الى بيت المال أو لم ينقله ، فعلى هذا له أخذه ما دامت العين باقية ، وهو اختيار المصنف ونقله فخر الدين عن كثير من الأصحاب ، ولم ينقله عميد (٢) الدين عن غير المصنف ، والمستند رواية أبي بصير ، « قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل مسلم مات وله أم نصرانية وله زوجة وولد مسلمان؟ فقال : إن أسلمت أمه قبل أن يقسم ميراثه أعطيت السدس ، قلت : فان لم يكن له امرأة ولا ولد ، ولا وارث له سهم في كتاب الله من المسلمين وأمه نصرانية ، وله قرابة نصارى ممن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين لمن يكون ميراثه؟ قال : فإن أسلمت امه فان جميع ميراث لها ، وان لم تسلم امه وأسلم بعض قرابته ممن له سهم في الكتاب ، فان ميراثه له ، وإن لم يسلم من قرابته احد فهو للإمام » (٣).

الثاني : التفصيل ، وهو إن أسلم قبل نقل التركة إلى بيت المال فهي له ، وإن كان بعده لم يستحق شيئا ، وهذا القول صرح به ابن حمزة ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط ، وجزم به العلامة في الإرشاد واختاره فخر الدين.

الثالث : وهو عدم الاستحقاق مطلقا ؛ لأن الإمام كالوارث الواحد ، وهذا القول نقله المصنف والعلامة ساكتين عليه.

فروع : الأول : لو أسلم الوارث قبل(٤) قسمة بعض التركة فيه ثلاثة احتمالات، أحدها : المشاركة في الجميع إن كان مساويا ، واجازة (٥) الجميع إن

__________________

(٢) في « ن » : غير عميد الدين.

(٣) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٣ من أبواب موانع الإرث ، حديث ١ ، وفي المصدر سألت أبا عبد الله ( عليه‌السلام ).

(٤) في النسخ : بعد.

(٥) في النسخ : اجازة.

١٦٤

كان أولى ؛ لأن التركة اسم لمجموع المال المتروك ولم يقسم المجموع ، فيصدق أنه أسلم على مال قبل قسمته ، فيجيزه إن كان أولى.

الثاني : أنه لا يرث فيما قسم ، ويرث في غير المقسوم ، أما عدم ميراثه من المقسوم ، فلوجود المانع من الميراث في ذلك البعض وهو القسمة ، فلا يرث منه شيئا ، وأما ميراثه من غير المقسوم ، فلعدم وجود المانع من الإرث ؛ لأن المانع القسمة ولم يوجد في ذلك البعض فيرث جميع (٦) غير المقسوم أو بعضه على التفصيل.

الثالث : عدم الإرث من الجميع ؛ لأن الإرث مشروط بالإسلام قبل القسمة ، وهذا الشرط لم يوجد لحصول القسمة في البعض ، والثاني هو المعتمد.

الثاني(٧): لو خلف الميت ما لا يمكن قسمته مثل العبد والجوهرة وأشباه ذلك ثمَّ أسلم الوارث ، هل يشارك في ذلك أم لا؟ يحتمل العدم ؛ لأن قولهم إذا أسلم على ميراث قبل قسمته ، يفهم منه اختصاص الإرث فيما يمكن قسمته دون ما لا يمكن ، والا لم يحسن قولهم قبل قسمته ، ويحتمل الإرث منه قبل القسمة (٨) فيما بينهم ورد بعضهم على بعض لصدق إسلامه على مال قبل قسمته ، وهو المعتمد.

تنبيه (٩) : هل يشارك في النماء المتجدد بين الموت والإسلام قبل القسمة؟ يحتمل ذلك ؛ لأن النماء تابع للأصل وهو يشارك في الأصل قطعا ، فيشارك في النماء خصوصا على القول ببقاء التركة على حكم مال الميت ، ولأنه لما استحق النصيب من التركة بالميراث عن الميت بينا (١٠) أنه كان مالكا حالة الموت والكفر

__________________

(٦) ليست في الأصل.

(٧) من « ن » وفي غيرها : الرابع.

(٨) في « م » و « ر ١ » : التثمين ، وفي « ن » : التمييز.

(٩) في الأصل : الثاني.

(١٠) في « ن » : ثبت.

١٦٥

مانع وهو المعتمد ، ويحتمل العدم ، لتجدد النماء على ملك الورثة المسلمين فلا يستحق فيه شيئا ؛ لأنه انما يستحق فيما كان مملوكا لمورثه وهذا النماء لم يدخل في ملك المورث فلا يستحقه.

فرع (١١): لو باع بعض الورثة حصته من التركة أو وهبها من آخر قبل القسمة ثمَّ أسلم الكافر ، هل يمنع من الميراث؟ يحتمل ذلك ؛ لأن البيع والهبة أقوى من القسمة ، لاقتضائهما (١٢) زوال الملك عن المالك (١٣) الى غيره ، والقسمة تقتضي تميز الحقوق بعضها عن بعض مع بقاء الملك على مالكه ، وإذا كان الأضعف مانعا من المشاركة كان منع الأقوى أولى ، وهو المعتمد ، ويحتمل عدم المنع لصدق الاسم (١٤) على مال قبل قسمته.

قال رحمه‌الله : ولو كان الوارث زوجا أو زوجة ، وآخر كافر ، فإن أسلم أخذ ما فضل من نصيب الزوجة ، وفيه إشكال ، ينشأ من عدم إمكان القسمة ، ولو قيل : يشارك مع الزوجة دون الزوج ، كان وجها.

أقول : الإرث هنا مبني على القول بعدم الرد على الزوج والزوجة ، وعدم الإرث مبني على القول بالرد ، وسيأتي أن شاء الله تحقيق ذلك (١٥).

قال رحمه‌الله : لو خلف نصراني أولادا صغارا ، وابن أخ وابن أخت مسلمين ، كان لابن الأخ ثلثا التركة ، ولابن الأخت الثلث وينفق الاثنان على الأولاد بنسبة حقهما ، فان بلغ الأولاد مسلمين فهم أحق بالتركة على رواية مالك بن أعين

__________________

(١١) ليست في الأصل.

(١٢) في « ن » : لاقتضائها.

(١٣) في « ن » : الكافر.

(١٤) في النسخ : الإسلام.

(١٥) ص ١٧٣.

١٦٦

أقول : روى مالك بن أعين عن الباقر عليه‌السلام ، « قال : سألته عن نصراني مات وله ابن أخ مسلم ، وابن أخت مسلم ، وللنصراني أولاد وزوجة نصارى؟ قال : فقال : أرى أن يعطى ابن أخيه المسلم ثلثا ما ترك ، ويعطى لابن أخته ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد صغار ، وان كان له ولد صغار كان على الوارثين ان ينفقا على الصغار مما ورثا من أبيهم حتى يدركوا ، قيل له : كيف ينفقان؟ قال : فقال : يخرج وارث الثلاثين ثلثي النفقة ، والأخر ثلث النفقة ، فإذا أدركوا قطعت النفقة عنهم ، وإذا أسلموا وهم صغار دفع ما ترك أبوهم الى الامام حتى يدركوا ، فان بقوا على الإسلام دفع الامام ميراثهم إليهم ، وإن لم يبقوا إذا أدركوا دفع الامام الميراث الى ابن أخيه وابن أخته المسلمين » (١٦) وهذه الرواية من المشاهير ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة وابن البراج ، وردها ابن إدريس وحكم بالميراث لابن الأخ وابن الأخت المسلمين ؛ لأن الأولاد بحكم آبائهم ولم يوجب الإنفاق على الأولاد ، واختاره المصنف والعلامة.

قال رحمه‌الله : ولو كان القتل خطأ ورث على الأشهر ، وخرّج المفيد رحمه‌الله وجها آخر ، هو المنع من الدية ، وهو حسن ، والأول أشبه.

أقول : القتل إذا كان عمدا ظلما منع القاتل من إرث المقتول إجماعا مقابلة بنقيض مقصوده ، وعقوبة (١٧) على فعله ، واحتياطا في عصمة الدم كيلا تقتل أهل المواريث بعضهم بعضا طمعا في الميراث ، وإن كان خطأ فقد اختلف فيه الأصحاب على ثلاثة أقوال :

الأول : المنع مطلقا ، وهو قول ابن أبي عقيل احتياطا لعصمة الدم ، ولأنه

__________________

(١٦) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٢ من موانع الإرث ، حديث ١.

(١٧) في « ن » : بعقوبة.

١٦٧

يؤخذ منه الدية فكيف يرث منها.

الثاني : التوريث مطلقا ، وهو قول المفيد وسلار واختاره المصنف ؛ لان المنع عقوبة وقاتل الخطأ غير مذنب ، ولصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، « قال سألته عن رجل قتل أمه أيرثها؟ قال : إن كان خطأ ورثها ، وإن كان عمدا لم يرثها » (١٨) ولا يتوهم أحد من قول المصنف ( وخرج المفيد وجها وهو المنع من الدية ) أن ذلك مذهب المفيد ، بل مذهبه التوريث مطلقا ، نقله عنه العلامة في المختلف ، وابنه ، وعميد الدين في شرح القواعد ، والشهيد ، وأبو العباس ، والوجه الذي أشار إليه المصنف هو أن المفيد حمل الرواية (١٩) الواردة بمنع القاتل وان كان خطأ على المنع من الدية دون غيرها ، نقله عنه الشيخ في النهاية ، قال في النهاية : والقاتل ضربان ، قاتل عمدا ولا يرث المقتول على كل حال ، ولدا كان أو والدا ، زوجا أو زوجة ، من نفس التركة ومن الدية وقد رويت رواية بأن القاتل لا يرث وإن كان خطا ، وهذه رواية شاذة لا عمل عليها ؛ لأن أكثر الروايات على ما قدمناه ، وكان شيخنا رحمه‌الله يحمل هذه الرواية على أنه إذا كان القاتل خطأ لا يرث من الدية ويرث من التركة ، للجمع بين الاخبار ، وعلى هذا أعمل ؛ لأنه أحوط. هذا آخر كلام الشيخ في النهاية ، وانما نسب المصنف هذا التفصيل الى المفيد ؛ لأنه هو السابق اليه وليس ذلك مذهبا له.

الثالث : المنع من الدية دون باقي التركة ، وهو قول الشيخ والمرتضى (٢٠) وابن الجنيد وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة وابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ، للجمع بين الروايات (٢١).

__________________

(١٨) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٩ من موانع الإرث ، حديث ٢.

(١٩) الوسائل ـ الإرث ، باب ٧ من موانع الإرث ، حديث ١.

(٢٠) ليست في النسخ.

(٢١) الوسائل ، كتاب الإرث ، أحاديث باب ٧ ـ ٨ ـ ٩ من أبواب موانع الإرث.

١٦٨

واما شبه العمد فكالعمد عند ابن الجنيد ، واختاره العلامة في القواعد وابنه ، وكالخطإ عند سلار ، واختاره العلامة في التحرير ، وألحق بالخطإ أيضا قتل الصبي والمجنون ، وقال في القواعد : والقتل بالسبب مانع ، وكذا قتل الصبي والمجنون والنائم ، ولعل المعتمد فتوى التحرير ، لعدم المؤاخذة بالعقوبة.

قال رحمه‌الله : ولو كان للقاتل وارث كافر منعا جميعا ، وكان الميراث للإمام ، ولو أسلم الكافر كان الميراث له ، [ والمطالبة اليه ، ] وفيه قول آخر.

أقول : القول الآخر إشارة الى ما سبق (٢٢) من الخلاف فيما لو لم يكن وارث غير الإمام فأسلم الوارث ، هل يجيز المال مطلقا أو لا يجيزه مطلقا ؛ لأن الإمام كالوارث الواحد أو يجيزه ما لم ينقل الى بيت المال وقد سبق البحث في ذلك واختيار المصنف هنا هو اختياره هناك ، وهو الحيازة مطلقا.

قال رحمه‌الله : يرث كل مناسب ومسابب عدا من يتقرب بالأم ، فإن فيهم خلافا.

أقول : اختلف الأصحاب في الوارث لدية المقتول على ثلاثة أقوال :

الأول : يرثها كل وارث ، وهو قول الشيخ في المبسوط وموضع من الخلاف ، وابن حمزة وابن إدريس في كتاب الجنايات ، واختاره أبو العباس في المقتصر.

الثاني : يرثها كل مناسب ومسابب عدا المتقرب بالأم ، وهو اختيار الشيخ في النهاية ، والعلامة في القواعد ، وابنه ، والشهيد.

الثالث : يرثها العمودان ، ومع فقدهما يرثها المتقرب بالأبوين معا ، دون من يتقرب بأحدهما من الاخوة والعمومة ، ومع فقدهم فلمولى النعمة ان كان ،

__________________

(٢٢) ص ١٦٤.

١٦٩

وإلا فالإمام وهو القول الثاني للشيخ في الخلاف ، ومستند الجميع الروايات (٢٣).

قال رحمه‌الله : ولو لم يكن للميت وارث سوى المملوك ، اشترى المملوك من التركة وأعتق ، وأعطي بقية المال ، ويقهر المالك على بيعه ، ولو نقص المال عن قيمته قيل : يفك بما وجد ويسعى في الباقي ، وقيل : لا يفك ويكون المال للإمام ، وهو الأظهر ، وكذا لو ترك وارثين أو أكثر وقصر نصيب كل واحد منهم أو نصيب بعضهم.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : فيما إذا كان الوارث واحدا ، وقصرت التركة عن قيمته ، هل يفك منه ما قابل التركة ويسعى في الباقي ، أو تكون التركة للإمام؟ اختلف الأصحاب في ذلك ، قال الشيخان وسلار تكون التركة للإمام ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، لأصالة عدم الفك ، خرج ما إذا وفت التركة بالقيمة ، يبقى الباقي على أصالة المنع ؛ لأن الأصل عدم جواز إجبار الغير على بيع ماله ، ونقل الشيخ وابن الجنيد وابن البراج عن بعض الأصحاب أنه يشتري منه ما قابل التركة ويستسعى في الباقي ، قال العلامة في المختلف : وليس بعيدا من الصواب ؛ لأن عتق الجزء يساوي عتق الكل في الأمور المطلوبة شرعا ، فيساويه في الحكم ، والأول هو المعتمد.

الثاني : فيما إذا تعدد الوارث ثمَّ قصر نصيب كل واحد عن قيمته ، أو قصر نصيب بعضهم ، وهذا تفريع على القول بعدم شراء بعض الوارث الواحد ، بل تكون التركة للإمام ، فعلى هذا القول لو خلف وارثين أو أكثر ، وقصرت التركة عن فك الجميع ونهضت بفك البعض ، إما لكثرة نصيبه أو لقلة قيمته ، هل تكون التركة للإمام أو يفك من نهض نصيبه بقيمته ( ويحوز الباقي؟ فيه إشكال ، منشؤه

__________________

(٢٣) الوسائل ، كتاب الإرث ، أحاديث باب ١٠ ـ ١١ من أبواب موانع الإرث.

١٧٠

من أن شراء الوارث مشروط بوفاء التركة بقيمته ) (٢٤) وليس لأن الوارث مجموع الوارث ، والتركة قاصرة عن قيمة الجميع ، فلا يتحقق الشرط فينتفي المشروط ، فيكون التركة للإمام ؛ لأن اختصاص كل شي‌ء معين موقوف على حريته ، وليس له نصيب قبل الحرية حتى يفك به ، ولهذا إذا وفت التركة بقيمة الجميع فكوا من غير التفات الى تفاوت السهام ولا تفاوت القيمة ، فإنه لو كانت قيمة أحدهما جزء وسهمه مائة جزء ، والأخر بالعكس فكا جميعا لمجموع التركة ، من ( غير التفات الى هذا التفاوت ، فلو كان لأحدهما نصيب قبل الحرية لما جاز ذلك ، ومن وجود وارث تفي ) (٢٥) التركة بقيمته فيشترى ويعتق ويعطى باقي التركة ، لعموم النص (٢٦) ، واختاره فخر الدين ، قال : ولا إشكال عندي في هذه المسألة ، لأنه يجب عتق واحد لوجود المقتضي وهو وجود قريب وارث على تقدير الحرية ، فحينئذ يختص من (٢٧) نهض نصيبه بقيمته وإلا أقرع.

تنبيه : لو امتنع المالك عن البيع ، دفع اليه الثمن وانتزع منه العبد قهرا ، ويكون ذلك كافيا في الشراء ، ولا يكفي الشراء عن العتق بعده ويتولاهما الامام ، ومع تعذره يتولاه الفقيه من باب الحسبة ، وكسبه قبل الشراء والعتق لسيده ، ولو باعه قبل شراء الامام صح البيع ويفكه الامام من الثاني (٢٨).

قال رحمه‌الله : يفك الأبوان إجماعا ، وفي الأولاد تردد ، أظهره أنهم يفكون وهل يفك ما عدا الإباء والأولاد؟ الأظهر : لا ، وقيل : يفك كل وارث ولو كان زوجا أو زوجة ، والأول أولى.

__________________

(٢٤) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٢٥) ما بين القوسين ليس في « ر ١ ».

(٢٦) الوسائل ـ الإرث ، باب ٢٠ من موانع الإرث.

(٢٧) في « ن » : بمن.

(٢٨) في « م » : الباقي.

١٧١

أقول : اختلف الأصحاب فيمن يفك من الوارث ومن لا يفك على أربعة أقوال :

الأول : الأبوان خاصة ، وهو قول سلار ، وظاهر ابني بابويه ؛ لأن الفك على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع الوفاق.

الثاني : إضافة الأولاد إلى الأبوين ، والمراد بهم أولاد الصلب دون أولاد الأولاد ، وهو قول المفيد وابن حمزة ، وقواه ابن إدريس ، ونقله السيد المرتضى ، واختاره المصنف ، لحسنة جميل (٢٩) عن الصادق عليه‌السلام الدالة على فك الأولاد.

الثالث : إضافة الأقارب إلى الأبوين والولد ، فيدخل فيه من علا من الآباء ومن سفل من الأولاد ، والإخوة والأعمام والأخوال ، وبالجملة كل وارث عدا الزوج والزوجة ، وهو اختيار العلامة وفخر الدين والشهيد وابى العباس ، والمستند رواية عبد الله بن طلحة (٣٠) عن الصادق عليه‌السلام الدالة على مطلوبهم.

الرابع : اضافة الزوجين إلى باقي الورثة ، وهو قول الشيخ في النهاية ، والمستند صحيحة سليمان بن خالد (٣١) عن الصادق عليه‌السلام الدالة على المطلوب.

قال رحمه‌الله : الغائب غيبة منقطعة لا يورث حتى يتحقق موته إلى آخره.

أقول : ذكر المصنف هذه المسألة في ما بعد (٣٢) وبين وجهها بما لا يحتاج معه الى كشف.

__________________

(٢٩) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٢٠ من موانع الإرث حديث ٤.

(٣٠) المصدر السابق حديث ٥.

(٣١) المصدر السابق ، حديث ١٠.

(٣٢) من كتاب الشرائع.

١٧٢

في الحجب

قال رحمه‌الله : الرابعة؟! أن لا يكون هناك وارث أصلا من مناسب ومسابب ، والنصف للزوج والباقي رد عليه ، وللزوجة الربع ، وهل يرد عليها؟ فيه أقوال ثلاثة : أحدها : يرد ، والأخر : لا يرد ، والثالث : يرد مع عدم الامام لا مع وجوده ، والحق انه لا يرد.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في الرد على الزوج مع فقد غيره من الوارث ، والمشهور الرد عليه (٣٣) دون الامام حتى ادعى الشيخان والمرتضى عليه الإجماع ، ويظهر من سلار وجود الخلاف فيه ، لموثقة جميل بن دراج عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : لا يكون الرد على زوج ولا زوجة » (٣٤) وتعارضها (٣٥) أخبار (٣٦) صحاح مصرحة بالرد عليه.

__________________

(٣٣) في « م » و « ر ١ » : على الزوج.

(٣٤) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٣ من ميراث الأزواج ، حديث ٨.

(٣٥) في « ن » : يؤيدها.

(٣٦) الوسائل ، كتاب الإرث ، احاديث البابين ٣ ـ ٤.

١٧٣

الثاني : في الرد على الزوجة ، وفيه ثلاثة أقوال نقلها المصنف :

الأول : الرد مطلقا في غيبة الامام وحضوره ، وهو قول المفيد ، وهو قول نادر قاله في آخر باب ميراث الاخوة من المقنعة ، ومستنده رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : قلت له رجل مات وترك امرأة؟ قال : المال لها ، قال : قلت امرأة ماتت وتركت زوجها؟ قال : المال له » (٣٧) وحملها الشيخ على كونها قريبة له تأخذ الباقي بالقرابة.

الثاني : عدم الرد مطلقا ، وهو قول ابني بابويه وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف وفخر الدين ، لما رواه أبو بصير عن الباقر عليه‌السلام ، « قال : سألته عن امرأة ماتت وتركت زوجها ولا وارث لها غيره؟ قال : إذا لم يكن غيره فله المال والمرأة لها الربع وما بقي للإمام » (٣٨).

الثالث : التفصيل وهو الرد عليها مع غيبة الإمام دون حضوره ، وهو قول محمد بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، واستقربه الشيخ في النهاية ، واختاره العلامة في التحرير والإرشاد ، ووجهه الجمع بين الاخبار (٣٩).

قال رحمه‌الله : وهل يحجب القاتل؟ فيه تردد ، والظاهر أنه لا يحجب.

أقول : منشؤه من عموم قوله تعالى (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) (٤٠) خرج منه المماليك والكافر ، للرواية الصحيحة عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : سألته عن المملوك والمشرك يحجبان إذا لم

__________________

(٣٧) الوسائل ، كتاب الإرث ـ أبواب ميراث الأزواج. وهي رواية ابن مسكان عن أبي بصير ، قطعها في الوسائل ، فجعل قسما في باب ٣ ، حديث ٦ ، والأخر في : باب ٤ ، حديث ٩.

(٣٨) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٤ من ميراث الأزواج ، حديث ٨.

(٣٩) المصدر السابق ، احاديث باب ٤.

(٤٠) النساء : ١١.

١٧٤

يرثا؟ قال : لا » (٤١) فيبقى الباقي على العموم ، ولأنه لا يشترط في الحاجب أن يكون وارثا ، فإن الإخوة يحجبون ولا يرثون ، فكذلك القاتل يحجب وان منع من الإرث ، وهو مذهب محمد بن بابويه والحسن بن ابي عقيل ، ومن أن القاتل يشارك الكافر والمملوك في المنع من الإرث ، فيشاركهما في عدم الحجب ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، واستدل بإجماع الفرقة ، قال : ( اى كونهما ممنوعين من إرث الميت فيشتركان في عدم الحجب ) (٤٢) بل بإجماع الأمة ، وابن مسعود خالف في ذلك ، وقد انقرض خلافه ، وبه قال المفيد وابن الجنيد وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وفي اشتراط وجودهم منفصلين لا حملا تردد ، أظهره أنه شرط.

أقول : منشؤه من انتفاء علة الحجب ونفي وجوب نفقة الإخوة على الأب ، قال المفيد وابنا بابويه انما يحجب الإخوة للأب ؛ لأنهم عياله وعليه نفقتهم ، وهذه مروية (٤٣) (٤٤) وهي منتفية في الحمل فلا يكون حاجبا ، وعليه فتوى الأصحاب ومن عموم ( آية الحجب (٤٥) وأصالة عدم اشتراط الانفصال ، والقائل بهذا غير معلوم ) (٤٦).

__________________

(٤١) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ١٤ من أبواب ميراث الأبوين ، حديث ١.

(٤٢) ما بين القوسين ليس في النسخ.

(٤٣) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ١٠ من ميراث الأبوين والأولاد ، حديث ٣.

(٤٤) في الأصل زيادة وهي : ( رواها الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ).

(٤٥) في الأصل : أنه يحجب.

(٤٦) ما بين القوسين ليست في « م » و « ن ».

١٧٥
١٧٦

ميراث الأنساب

قال رحمه‌الله : ولو انفرد أولاد الابن وأولاد البنت كان لأولاد الابن الثلثان ولأولاد البنت الثلث على الأظهر.

أقول : المشهور بين (٤٧) الأصحاب أن أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم في الميراث فلكل نصيب من يتقرب به ، فلأولاد الابن نصيب الابن ولأولاد البنت نصيب البنت ، فلو خلف ابن بنت وبنت ابن ، أخذ ابن البنت الثلث ، وأخذت بنت الابن الثلاثين هذا هو المشهور ، واستدل عليه بصحاح الأخبار ، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٤٨) عن الصادق عليه‌السلام ، وصحيحة سعد بن أبي خلف (٤٩) عن الكاظم عليه‌السلام ، وقال المرتضى وابن إدريس : إنهم يقتسمون مقاسمة الأولاد للصلب ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولا عبرة بالآباء ؛ لأن أولاد الأولاد أولاد حقيقة ، لقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ) (٥٠)

__________________

(٤٧) في الأصل : اتفق.

(٤٨) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٧ من ميراث الأبوين ، حديث ٤.

(٤٩) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٧ من ميراث الأبوين ، حديث ٣.

(٥٠) النساء : ٢٣.

١٧٧

واجتمعت (٥١) الأمة على الاستدلال بهذه الآية على تحريم بنت البنت ، وقوله تعالى (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) (٥٢) واجتمعت (٥٣) الأمة على تحريم زوجة ابن الابن وزوجة ابن البنت لهذه الآية ، والمعتمد الأول.

قال رحمه‌الله : وأولاد البنت يقتسمون نصيبهم للذكر مثل حظ الأنثيين كما يقتسم أولاد الابن ، وقيل : يقتسمون بالسوية ، وهو متروك.

أقول : القول بالسوية قول ابن البراج ، والمشهور الأول ، لعموم القرآن وهو قوله تعالى (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (٥٤).

قال رحمه‌الله : يحبى الولد الأكبر من تركة أبيه بثياب بدنه وسيفه ومصحفه ، وعليه قضاء ما عليه من صلاة وصيام ، ومن شرط اختصاصه أن لا يكون سفيها ولا فاسد الرأي على قول مشهور ، وان يخلف الميت مالا غير ذلك.

أقول : البحث هنا في أماكن :

الأول : هل تخصيص الأكبر بالحبوة لازم للورثة على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب؟ ابن إدريس على الوجوب ، وهو ظاهر المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، وهو مذهب الشهيد لإطلاق الروايات (٥٥) الواردة في ذلك ، ونص المرتضى وابن الجنيد على الاستحباب ، وهو ظاهر أبي الصلاح ، واختاره العلامة في المختلف ، لأصالة عدم التخصيص.

الثاني : هل هذا التخصيص بالقيمة أو مجانا؟ قال المرتضى وابن الجنيد : هو بالقيمة ، للجمع بين قوله تعالى :

__________________

(٥١) في النسخ : وأجمعت.

(٥٢) النساء : ٢٣.

(٥٣) في النسخ : وأجمعت.

(٥٤) النساء : ١١.

(٥٥) الوسائل ، كتاب الإرث ، أحاديث باب ٣ من أبواب ميراث الأبوين.

١٧٨

(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (٥٦) وبين ما اجتمعت (٥٧) عليه الطائفة من التخصيص ، ونص ابن إدريس أنه يعطى ذلك مجانا ، وهو ظاهر القائلين بالوجوب ، وهو المعتمد.

الثالث : المشهور اختصاص الحبوة بالأربعة التي ذكرها المصنف ، وهي ثياب البدن والخاتم والسيف والمصحف ، وزاد ابن الجنيد السلاح ، لرواية بشار (٥٨) ، وفي رواية ربعي (٥٩) عن الصادق عليه‌السلام إضافة الدرع والكتب والرحل والراحلة ، والمعتمد الأول ، لأصالة عدم التخصيص ، خرج المتفق عليه يبقى الباقي على أصالة المنع.

الرابع : لو تعددت أشخاص هذه الأربعة ، قال ابن الجنيد : يحبى بما كان الميت يعتاد لبسه ويديمه ، قال الشهيد : وهو حسن فيما جاء بلفظ الوحدة كالسيف والمصحف والخاتم ، وقال العلامة : يعطى واحد يتخيره الوارث ، أما الثياب فيعطى الجميع لمجيئها بلفظ الجمع المضاف وهو للعموم ، فالاقتصار على البعض على خلاف النص ، وهو المعتمد.

الخامس : هل العمامة من الثياب أم لا؟ استشكله العلامة من أن البدن هل هو اسم لهذا الهيكل المحسوس أو لما عدا الرأس؟ ومن أن العمامة هل هي من ثياب بدنه أم لا؟ واختار الشهيد دخول العمامة للعموم.

السادس : هل يشترط كونه غير سفيه ولا فاسد الاعتقاد؟ اشترط ابن إدريس وابن حمزة ذلك ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

السابع : لو تعدد الولد الأكبر قسمت الحبوة بينهم ، وهو المشهور بين

__________________

(٥٦) النساء : ١١.

(٥٧) في النسخ : أجمعت.

(٥٨) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٣ من ميراث الأبوين ـ وليس فيه رواية لبشار والمظنون كونها تصحيف ( بن بشار ) وهي ذات رقم ٦.

(٥٩) المصدر السابق ، حديث ١ و ٢.

١٧٩

الأصحاب ، وأسقط ابن حمزة الحبوة لأنه اشترط عدم وجود آخر في سنه.

الثامن : هل يشترط بلوغ الأكبر حالة الموت أم لا؟ ظاهر ابن إدريس وابن حمزة اشتراطه ، والروايات (٦٠) وأكثر فتاوى الأصحاب مطلقة.

التاسع : هل يشترط هذه الحبوة بقضاء الفائت من الصلاة والصيام بحيث يمنع من الإخلال بذلك ، أو الحبوة له والقضاء واجب عليه ، وليس أحدهما مشروطا بالآخر؟ ابن حمزة على الأول ؛ لأنه جعل قضاء الصلاة والصيام شرطا خامسا وظاهر الروايات (٦١) وفتاوى الأصحاب وجوب القضاء وإن لم يكن حبوة ، واستحقاق الحبوة وإن لم يكن على الميت قضاء صلاة ولا صيام ، وهو المعتمد.

العاشر : الحبوة انما تكون بعد الدين والوصايا ، فلو كان الدين مستغرقا فلا حبوة ، ولو لم يكن مستغرقا لم يجز بيعها في الدين ، ولا يجوز دفع العين الى الديان ، بل يقضى الدين من غيرها ، ولو أبرأ صاحب الدين المستوعب الميت أو قضاه متبرع تعينت الحبوة ، لحصول الميراث.

الحادي عشر : لو أوصى بالأعيان المشخصة للحبوة نفذت الوصية فيها (٦٢) ، فان خرجت من الثلث والا افتقرت إلى إجازة الأكبر خاصة.

الثاني عشر : لا بد أن يخلف الميت مالا غير قدر الحبوة وإن قل.

قال رحمه‌الله : إذا ترك جد أبيه ، وجدته لأبيه ، وجده وجدته لأمه ، ومثلهم للام ، كان لأجدادها الثلث بينهم أرباعا ، ولأجداد الأب الثلثان بينهم أثلاثا ، ثلثا ذلك لجده وجدته لأبيه ، بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، والثلث الآخر

__________________

(٦٠) المصدر السابق.

(٦١) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ١٢ من أبواب قضاء الصلوات ـ وكتاب الصوم ، الباب ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ، وكتاب الإرث ، باب ٣ من ميراث الأبوين.

(٦٢) في « م » : منها.

١٨٠