غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

كتاب اللقطة

١٤١
١٤٢

في اللقيط

قال رحمه‌الله : ولا ريب في تعلق هذا الحكم بالتقاط الطفل غير المميز وسقوطه في طرف البالغ العاقل ، وفي الطفل المميّز تردد ، أشبهه جواز التقاطه ، لصغره وعجزه عن دفع ضرورته.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف ، ومن امتناعه عن الضياع لاستقلاله (١) بحفظ نفسه فلا يجوز التقاطه. والمعتمد الجواز ، وهو مذهب المصنف والعلامة والشهيد.

قال رحمه‌الله : وهل يراعى الإسلام؟ قيل : نعم ؛ لأنه لا سبيل للكافر على الملقوط المحكوم بإسلامه ظاهرا ، ولأنه لا يؤمن مخادعته عن الدين.

أقول : المشهور اشتراط الإسلام في ملتقط الطفل المحكوم بإسلامه ظاهرا ، كالوجود في دار الإسلام ، أو دار الكفر وفيها ولو مسلم واحد لما ذكره المصنف ، وهو اختيار العلامة والشهيد من غير توقف. وظاهر كلام المصنف يشعر بالتوقف ، ووجهه : أن الغرض الأهم حضانته وتربيته ، وهو يحصل من

__________________

(١) في « ن » : لاشتغاله.

١٤٣

الكافر.

والمعتمد الأول ، لانتفاء سبيل الكافر عن المسلم ، ولا شك في ثبوت السبيل للملتقط على الملقوط.

قال رحمه‌الله : ولو كان الملتقط فاسقا ، قيل : ينتزعه الحاكم من يده ويدفعه الى عدل ؛ لأن حضانته استيمان ولا أمان للفاسق ، والأشبه أنه لا ينتزع.

أقول : القول بانتزاعه من يد الفاسق قول الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد ، لعدم أمانة الفاسق فلا يؤمن أن يدعى رقه ، واختار المصنف عدم انتزاعه ، واستقربه الشهيد في دروسه ؛ لان المسلم محل للأمانة ، والأول أحوط.

قال رحمه‌الله : ولو التقطه بدوي لا استقرار له في موضع التقاطه ، أو حضري يريد السفر ، قيل : ينتزع من يده لما لا يأمن من ضياع نفسه [ نسبه ] ، فإنه إنما يطلب في موضع التقاطه ، والوجه الجواز.

أقول : القول المحكى قول الشيخ في المبسوط ، وقد ذكر المصنف وجهه ، ثمَّ اختار جواز التقاط البدوي ومريد (٢) السفر ، واختاره العلامة أيضا ، لوجود شرائط الالتقاط فيهما ، فيثبت لهما من الولاية بإثبات اليد ما يثبت لغيرهما ، وهو المعتمد.

وعلى القول بانتزاعه منهما ، إنما ينتزع مع وجود غيرهما أولى بالحفظ منهما ، ومع عدم ذلك لا ينتزع منهما قطعا.

قال رحمه‌الله : وإذا وجد الملتقط سلطانا ينفق عليه استعان به ، وإلا استعان بالمسلمين ، وبذل النفقة عليهم واجب على الكفاية ؛ لأنه دفع ضرورة مع التمكن ، وفيه تردد.

__________________

(٢) في « م » : ومن يريد.

١٤٤

أقول : منشؤه من أنه إحسان ومعاونة على البر فيكون واجبا ، لعموم قوله تعالى (وَأَحْسِنُوا) (٣) ، وقوله تعالى (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) (٤) ، ولما في ذلك من حفظ نفس المسلم ، فيكون واجبا على الكفاية ؛ لأن فعله غير مراد من واحد معين فاذا قام به البعض سقط عن الباقي.

ومن أن الوجوب حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ، والأصل براءة الذمة ، والمعتمد الأول.

قال رحمه‌الله : قال الشيخ رحمه‌الله : أخذ اللقيط واجب على الكفاية ؛ لأنه تعاون على البر ، ولأنه دفع ضرورة المضطر ، والوجه الاستحباب.

أقول : المشهور وجوب أخذ اللقيط على الكفاية ، وجزم به العلامة والشهيد ، ولم يوجبه المصنف ، لأصالة البراءة ، وحمل الآية على الاستحباب ، وأستعبده الشهيد إذا خيف على اللقيط التلف.

قال رحمه‌الله : اللقيط يملك كالكبير. وفيما يوجد بين يديه أو الى جانبه تردد ، أشبهه أنه لا يقضى له ، وكذا البحث لو كان على دكة وعليها متاع ، وعدم القضاء هنا له أوضح.

أقول : منشأ التردد من انتفاء أسباب الملك هنا ؛ لان سبب الملك إثبات اليد على ما هو متصل به ، كالقميص الذي عليه ، ودراهم مشدودة فيه ، وفراش تحته ، ودراهم مصبوبة تحت الفراش ، ودابة هو راكبها أو مشدودة بشي‌ء متصل به ، فهذه الأشياء كلها تحت يده.

والذي بين يديه والى جانبيه غير متصل به ولا يده عليه ، فلا يقضى له به.

ومن أن العادة قاضية أن الإنسان قد يترك ماله بقربه وهو غير متصل به

__________________

(٣) البقرة : ١٩٥.

(٤) المائدة : ٢.

١٤٥

كالميزان وغيرها للبقال.

والمعتمد ان هذا الشي‌ء الذي يقاربه وهو غير متصل به ، إن ادعاه مدع غير اللقيط قضي له به ، والا فهو اللقيط.

قال رحمه‌الله : وكذا لو كان أمّا ، ولو قيل : لا يثبت نسبه الا مع التصديق ، كان حسنا.

أقول : لم يفرق الشيخ في الخلاف والمبسوط بين دعوى الرجل والمرأة للبنوة ، وانه يقبل دعوى المرأة كما يقبل دعوى الرجل ، واستحسن المصنف عدم ثبوت نسب المرأة إلا مع التصديق ، والمراد به بعد البلوغ أو بإقامة البينة قبله ، وهو اختيار العلامة وابنه ؛ لأن الأصل عدم النسب ، خرج منه قبول دعوى الأب للإجماع ، يبقى الباقي على أصالة المنع ما لم يحصل البينة أو التصديق بعد الدعوى.

قال رحمه‌الله : ولا يحكم برقه ولا بكفره إذا وجد في دار الإسلام ، وقيل : يحكم بكفره إذا أقام الكافر بينة ببنوته ، وإلا حكم بإسلامه لمكان الدار وإن لحق نسبه بالكافر ، والأول أولى.

أقول : الملقوط في دار الإسلام يحكم بإسلامه تبعا للدار ، فان ادعى كافر بنوته لحقه نسبه.

وهل يحكم بإسلامه أو بكفره؟ قال الشيخ في المبسوط : إن كان معه بينة حكم بكفره ؛ لأن البينة أثبتت فراشه ، والمولود على فراش الكافر يكون كافرا. وإن لم يكن معه بينة حكم بإسلامه لأنه وجد في دار الإسلام ، وقال في الخلاف مثل ذلك.

وظاهر المصنف الحكم بالإسلام مطلقا ، سواء أقام بينة أو لم يقم ، ووجهه أنه قد حكم الشارع بإسلامه لمكان الدار ، والأصل البقاء على الحكم بالإسلام

١٤٦

إلى حين البلوغ ، فان بلغ وأعرب الكفر حكم بارتداده ، وذهب العلامة إلى اختيار الشيخ وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : إذا اختلف مسلم وكافر ، أو حر وعبد في دعوى بنوته ، قال الشيخ : يرجح المسلم على الكافر والحر على العبد ، وفيه تردد.

أقول : هذا إشارة الى ما قاله الشيخ في المبسوط ، فإنه حكى عن قوم ترجيح المسلم على الكافر ، والحر على العبد ، ثمَّ قال : وهو قوى.

وحكم في الخلاف بعدم الترجيح ، واستدل بعموم الاخبار فيمن ادعى النسب ولم يخصوا كافرا من مسلم ولا عبدا من حر.

وتوقف المصنف والعلامة ولم يرجحا شيئا.

ورجح فخر الدين المسلم إذا كان اللقيط محكوما بإسلامه كالملتقط في دار الإسلام أو دار الكفر وفيها مسلم ، لتأييد دعوى المسلم بالحكم بإسلام اللقيط ، ولا يكون مسلما الا مع أحد أبويه ، وظاهر الشهيد في الدروس متابعته ، وظاهره في شرح الإرشاد متابعه مذهب الشيخ في الخلاف.

١٤٧
١٤٨

في الملتقط في الحيوان

قال رحمه‌الله : وكذا حكم الدابة ، وفي البقرة والحمار تردد ، أظهره المساواة ؛ لأن ذلك فهم من فحوى المنع من أخذ البعير.

أقول : وقع الإجماع على عدم جواز أخذ البعير إذا ترك من غير جهد مطلقا ، سواء كان في كلاء وماء أو لم يكن ، وكذا إذا ترك من جهد في كلاء وماء ، والمشهور عند أصحابنا جواز أخذه إذا ترك من جهد في غير كلاء ولا ماء ، ويملكه الآخذ حينئذ بنفس الأخذ ، لأنه كالمباح.

ومنع ابن حمزة من أخذه مطلقا ، لما رواه الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « جاء رجل الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا رسول الله انى وجدت بعيرا ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، خفه حذاؤه ، وكرشه سقاؤه ، فلا تهيجه » (٥) ، وهو محمول على الواجد في كلاء وماء ، أو ترك (٦) من غير جهد.

__________________

(٥) الوسائل ، اللقطة ، باب ١٣ ، حديث ١.

(٦) في « م » و « ن » و « ر ١ » : تركه.

١٤٩

إذا عرفت هذا فالمشهور إلحاق الدابة بالبعير ، وفي (٧) جواز الأخذ إن تركت من جهد في غير كلاء ولا ماء ، والمنع ان تركت صحيحة أو مجهودة وهي في كلاء وماء لمساواتها للبعير في الامتناع ، ويحتمل جواز أخذها مطلقا ؛ لأن الخيل لا تصبر عن الماء صبر الإبل.

وهل حكم البقرة والحمار حكم الإبل والخيل؟

تردد المصنف في ذلك من المشاركة في العلة المانعة من أخذ البعير ، وهي القدرة على رعي الأشجار ، والشرب من الأنهار ، والامتناع من صغير السباع لكبر حجمها فيها بها صغير السباع ومن أن الحمير والبقر لا تصبر صبر البعير على الجوع والعطش ، فيجوز أخذها.

وجزم العلامة في القواعد بالمساواة وكذا الشهيد ، وهو المعتمد.

فرع : إذا أخذ البعير وشبهه في موضع الجواز ملكه بنفس الأخذ ولا ضمان عليه ؛ لأنه كالتالف ، فلو جاء المالك وأقام به بينة أو صدّقه الآخذ ، هل له انتزاع العين؟ استشكله العلامة في القواعد ، من أصالة بقاء الملك السابق ، ومن الحكم بملك الملتقط ، فلا يبطل بوجود المالك.

واختار فخر الدين وجوب الدفع الى المالك ، وجزم العلامة في التحرير والشهيد في الدروس باستقرار ملك الملتقط وعدم جواز الانتزاع ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : والشاة إن وجدت في الفلاة أخذها الواجد ؛ لأنها لا تمتنع من صغير السباع فهي معرّضة للتلف ، والآخذ بالخيار إن شاء ملكها ، ويضمن على تردد.

أقول : إذا وجد الشاة في الفلاة وهي الموضع الذي ليس فيه قرى مسكونة ولا أهل طنب جاز أخذها إجماعا وإذا أخذها كان مخيرا بين حفظها لمالكها ، وبين

__________________

(٧) كذا في النسخ.

١٥٠

دفعها الى الحاكم ليحفظها لمالكها ، ولا ضمان فيهما إجماعا ، وبين أن يتملكها.

وهل يضمن هنا؟ تردد المصنف في ذلك ، لقوله عليه‌السلام حين سئل عن ضالة الغنم « خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب » (٨) ، وظاهر قوله هي لك يقتضي التمليك (٩) ، فيكون كالبعير إذا ترك من جهد ، ومن عموم قوله عليه‌السلام : « لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفس منه » (١٠) ، وعموم قوله عليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١١) ولا منافاة بين جواز الأخذ والضمان ، وهو المعتمد. وقوى العلامة عدم وجوب التعريف للخبر السابق وهو جيد.

قال رحمه‌الله : وفي حكمها كل ما [ لا ] يمتنع من صغير السباع ، كأطفال الإبل والبقر والخيل والحمير على تردد.

أقول : منشؤه من الاشتراك في العلة المبيحة للأخذ ، وهي عدم القدرة على الامتناع من صغير السباع ، والاشتراك في العلة يوجب الاشتراك في الحكم ، ومن أصالة عدم جواز التسلط على مال الغير بغير اذنه ، فيقتصر فيه على مورد النص ولا يتعدى الى غيره ؛ لأن التعدي قياس لا نقول به.

والمعتمد الأول ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط ، وتابعه ابن إدريس والعلامة.

قال رحمه‌الله : ويصح أخذ الضالة لكل بالغ عاقل ، أما الصبي والمجنون فقطع الشيخ رحمه‌الله فيهما بالجواز ؛ لأنه اكتساب ، وينتزع ذلك الولي ويتولى التعريف عنهما سنة ، فان لم يأتي مالك ، فان كان الغبطة في تمليكه وتضمينه إياها

__________________

(٨) الوسائل ، اللقطة ، باب ١٣ ، حديث ١ وغيره.

(٩) في « م » : التملك.

(١٠) المستدرك ، الغصب ، باب ١ ، حديث ٣ ـ ٥.

(١١) المستدرك ، كتاب الوديعة ، باب ١ ، حديث ١٢. والمصدر السابق حديث ٤.

١٥١

فعل ، وإلا أبقاها أمانة ، وفي العبد تردد ، أشبهه الجواز ؛ لان له أهلية الحفظ ، وهل يشترط الإسلام؟ الأشبه : لا ، وأولى منه بعدم الاشتراط العدالة.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في لقطة الكافر والفاسق فالمشهور بين الأصحاب جوازها لهما ؛ لأنها نوع اكتساب فيتساوى فيها المسلم والكافر والعدل والفاسق ، لتساويهما في جواز الاكتساب ، وظاهر ابن الجنيد عدم جواز أخذها للفاسق فيكون أولى منه الكافر ؛ لأن اللقطة أمانة وولاية ، وليس الفاسق والكافر أهلا لها ، فعلى هذا يحتمل منع الطفل والمجنون من أخذها ، لأنهما ليسا أهلا للأمانة والولاية ، ولهذا لم يجزم المصنف بجواز التقاطهما ، بل أسند ذلك الى الشيخ ، وهو يشعر بالتوقف.

والمعتمد تحريم لقطة الحرم على هؤلاء الأربعة ؛ لأنها أمانة محضة ، وجواز غيرها ؛ لأنها اكتساب مجرى القرض.

الثاني : في لقطة العبد ، والمشهور جوازها ؛ لأن له أهلية الاكتساب ، وأهلية الأمانة فكان له الالتقاط. وقال ابن الجنيد ليس له ذلك لما رواه أبو خديجة عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا يعرض لها العبد » (١٢) ، ولأن المقصود من اللقطة التملك بعد الحول ، وهو ليس من أهل التملك.

والمعتمد جواز أخذ اللقطتين له.

اما لقطة الحرم فلأنها أمانة وهو أهل للأمانة ، ونقل الشهيد عن العلامة أنه قال : لا نعلم فيه خلافا ، وأما غير لقطة الحرم فلما تقدم من أنها نوع اكتساب ويتولى التعريف السيد إن أذن فيها أو رضى بها ، ولا ضمان على السيد إن كان العبد أمينا وان لم يكن أمينا ، وعرف سيده بذلك ولم ينتزعها منه كان الضمان على السيد لا في رقبة العبد ، قاله الشيخ في المبسوط ، وظاهر العلامة في المختلف

__________________

(١٢) الوسائل ، اللقطة ، باب ٢٠ ، حديث ١.

١٥٢

والتحرير عدم ضمان السيد ؛ لان للعبد التسلط على اللقطة ولا يجب على السيد الانتزاع ؛ لأنه لا يجب عليه حفظ مال الغير ، وهو قوي.

قال رحمه‌الله : إذا كان للقطة نفع ، كالظهر واللبن والخدمة ، قال في النهاية : كان ذلك بإزاء ما أنفق ، وقيل : ينظر في النفقة وقيمة المنفعة ويتقاصّان ، وهو أشبه.

أقول : اختلف الأصحاب هنا على ثلاثة أقوال : الأول ، كون النفع بإزاء النفقة سواء تساويا قيمة أو تفاوتا ، وهو قول الشيخ في النهاية ، ومستنده رواية السكوني (١٣) عن جعفر عن أبيه عن آبائه صلى الله عليهم جميعا.

الثاني : التقاص ، ومعناه تقويم المنفعة والنفقة ، فإن تساويا تهاترا ، وان تفاوتا رجع صاحب الفضل (١٤) على صاحبه ؛ لأنه أنسب إلى العدل ، وهو اختيار المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

الثالث : عدم الرجوع بالنفقة ؛ لأنها واجبة على الملتقط وهو مذهب ابن إدريس.

__________________

(١٣) الوسائل ، كتاب الرهن ، باب ١٢ ، حديث ٢.

(١٤) في « ن » : الفاضل.

١٥٣
١٥٤

في اللقطة

قال رحمه‌الله : اللقطة : كل مال ضائع أخذ ولا يد لأحد عليه ، فما كان دون الدرهم جاز أخذه والانتفاع به بغير تعريف ، وما كان أزيد من ذلك ، فان كان في الحرم ، قيل : يحرم أخذه وقيل ، يكره ، وهو أشبه.

أقول : البحث هنا في لقطة الحرم ، والتحقيق : أن لقطة الحرم خالفت غيرها بأربعة أمور لا يخلو أحدها عن الخلاف.

أ ) هل يجوز أخذها أم لا؟ قال الشيخ في النهاية : لا يجوز ، واختاره العلامة وأبو العباس ولهم عليه روايات (١٥) ، وقال الشيخ في الخلاف : أخذها مكروه ، واختاره المصنف ، لأصالة الجواز ، ولما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « قال : لا تحل لقطة الحرم الا لمنشد » (١٦) ، دل بمفهومه على إباحتها مع نية الإنشاد ، قلت : وكذلك لقطة غير الحرم إذا تجاوزت الدرهم ، لا يحل أخذها إلا مع قصد الإنشاد وهو التعريف ، فلا فرق حينئذ. والمعتمد التحريم والا لم يبق

__________________

(١٥) الوسائل ، كتاب اللقطة ، باب ١.

(١٦) سنن البيهقي ـ ج ٦ ـ ص ١٩٩.

١٥٥

للحرم مزية على غيره.

ب ) هل تملك لقطة الحرم إذا قصرت عن الدرهم كما تملك لقطة غيره ، أو تكون أمانة يجب تعريفها حولا كما لو زادت على الدرهم؟ الأول ظاهر ابن البراج والمصنف ، واختاره الشهيد وهو مذهب ابن إدريس ، لأصالة الجواز ، ولعموم (١٧) تملك ما نقص عن الدرهم من اللقطة ، والثاني مذهب الشيخ في النهاية والمفيد وابني بابويه ، وهو ظاهر القواعد والإرشاد والا لما حصل الفرق بين الحرم وغيره.

ج ) هل يجوز تملك لقطة الحرم بعد التعريف حولا كما يجوز تملك غيرها ، أم لا بل تبقى أمانة؟ بالأول قال أبو الصلاح ، وبالثاني قال أكثر الأصحاب.

د ) إذا تصدق بها بعد التعريف فكره المالك هل يضمن أم لا؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : إنه يضمن ، وهو اختيار العلامة في المختلف ، وقال الم فيد وابن البراج وابن حمزة لا يضمن ، واختاره أبو العباس وهو مذهب المصنف ؛ لأنه دفعه دفعا (١٨) مشروعا فلا يتعقبه ضمان ، احتج الموجبون بقوله عليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١٩) ، ولأنه تصرف في إتلاف المال بغير اذن صاحبه ، فيكون مضمونا كلقطة الحرم ، وهو قوى.

قال رحمه‌الله : وفي جواز التقاط النعلين والإداوة والسوط خلاف ، أظهره الجواز ، وكذا العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال ، وأشباهه من الآلات التي يعظم نفعها وتصغر قيمتها.

أقول : جزم أبو الصلاح بجواز التقاط الإداوة والقربة وغيرها من أوعية

__________________

(١٧) الوسائل ، اللقطة ، باب ٢ ، حديث ٩.

(١٨) في « م » و « ن » و « ر ١ » : دفع.

(١٩) المستدرك ، كتاب الغصب ، باب ١ ، حديث ٤.

١٥٦

الماء ، والحذاء والسوط ونحوه قول علي بن بابويه وابنه محمد بن بابويه ، وجوز ابن الجنيد التقاط الوتد والعقال والشظاظ لمن هو محتاج اليه ، قال : ويغرم (٢٠) لمالكه مع التلف ، ومال إليه العلامة في المختلف ؛ لأنه أتلف مال الغير فيكون عليه ضمانه ، وقال الشيخ في النهاية : ويكره أخذ ماله قيمة يسيرة مثل العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباه ذلك وليس بمحظور ، وهو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد ، لأصالة الجواز ، ولرواية حريز (٢١) في الحسن عن الصادق عليه‌السلام الدالة على جواز التقاط هذه الأشياء.

احتج المانعون برواية عبد الرحمن (٢٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وهي محمولة على الكراهية.

قال رحمه‌الله : لا تملك اللقطة قبل الحول ، ولو نوى ذلك ، ولا بعد الحول ما لم يقصد التملك ، وقيل : يملك بعد التعريف حولا وإن لم يقصد ، وهو بعيد.

أقول : اختلف الأصحاب هنا على ثلاثة أقوال :

الأول : دخولها في ملك الملتقط بعد التعريف قهرا بغير اختياره ، وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن بابويه وابن إدريس ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « يعرفها سنة فان جاء صاحبها والا فهي كسبيل ماله » (٢٣) والفاء للتعقيب من غير تراخ ، فلو احتاج دخولها في الملك بعد التعريف إلى نية لحصل التراخي وهو باطل فلا تفتقر إلى نيته نية.

الثاني : لا يدخل في ملكه بعد التعريف الا باختياره ، ويكفي فيه القصد وإن لم يتلفظ ، قاله العلامة في المختلف ، واختاره فخر الدين وأبو العباس وهو

__________________

(٢٠) في الأصل : يحرم ويغرم.

(٢١) الوسائل ، اللقطة ، باب ١٢ ، حديث ١.

(٢٢) المصدر السابق ، حديث ٢.

(٢٣) الوسائل ، كتاب اللقطة ، باب ٢ ، حديث ١.

١٥٧

المعتمد ، أما الافتقار إلى النية فلأصالة بقاء الملك على مالكه ما لم يحصل قصد التملك ، وأما عدم الافتقار الى اللفظ فلان النية من أفعال القلوب فيكفي فيها القصد كسائر النيات.

الثالث : لا يدخل في ملكه بعد التعريف إلا بالنية واللفظ ، مثل أن يقول اخترت تملكها ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف وابن حمزة وأبو الصلاح ، للإجماع على حصول الملك بذلك دون غيره ، فلا يحصل الملك بدونه.

قال رحمه‌الله : قال الشيخ رحمه‌الله ، اللقطة تضمن بمطالبة المالك لا بنية التملك وهو بعيد ؛ لأن المطالبة تترتب على الاستحقاق.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، لقوله عليه‌السلام : « من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل ولا يكتم ولا يعنت ، فان جاء صاحبها فليردها والا فهو ما الله يؤتيه من يشاء » (٢٤) ، واستبعده المصنف ؛ لأن المطالبة تتوقف على الاستحقاق ، فلو توقف الاستحقاق على المطالبة لزم الدور ، وهو باطل ، فيكون سبب الضمان نية التملك ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : قيل : لا يجب التعريف الا مع نية التملك ، وفيه إشكال ينشأ من خفاء حالها على المالك ، فلا يجوز تملكها الا بعد التعريف ، ولو بقيت في يده أحوالا.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا أراد حفظها على صاحبها لا يلزمه التعريف ؛ لأن التعريف انما يكون للتملك ، وإن أراد التملك وجب التعريف سنة ، والمشهور وجوبه مطلقا ، سواء قصد التملك أو لم يقصد ، لعموم (٢٥) الأمر به ، ولأن فائدة الحفظ وصولها الى المالك ، وانما يتم بالتعريف لخفاء حالها على

__________________

(٢٤) سنن البيهقي ، ج ٦ ، ص ١٨٧. وفي ن ( ويكتم ).

(٢٥) الوسائل ، اللقطة ، باب ٢.

١٥٨

مالكها ، وانما يظهر بالتعريف ، ويجب أن يكون التعريف عقب الالتقاط بلا فصل ، وينبغي ان يكثر من التعريف يوم الوجدان وبعده على التدريج ، ونقل العلامة في التحرير قولا بأن أقله أن يعرف في الأسبوع ، وقال الشهيد : وينبغي أن يعرف كل يوم مرة أو مرتين من الأسبوع الأول ، ثمَّ في الأسبوع الثاني مرة ، ثمَّ في الشهر مرة ، ومثله عبارة القواعد ، والضابط : وجوب المتابعة بحيث لا ينسى اتصال التالي بمتلوه من غير تقدير معين (٢٦).

فروع : أ ) لو نوى التملك قبل انقضاء الحول ، لم يحصل الملك وضمن بنفس النية ، ولا تصير أمانة لو عاد إلى نية الحفظ ، وله التملك بعد انقضاء التعريف ، لعدم تأثير الأولى غير الضمان.

ب ) تأخير التعريف حرام ، ولو أخره مع إمكانه أثم ، ولا يسقط التعريف بالتأخير ، وابتداء الحول من حين التعريف لا من حين الالتقاط.

ج ) لو أخر التعريف الحول الأول ثمَّ عرف الحول الثاني أو بعده ، كان له التملك بعد حول التعريف على المختار ، لعموم (٢٧) جواز تملكها بعد التعريف.

قال رحمه‌الله : ولو عابت بعد التملك ، فأراد ردها مع الأرش جاز ، وفيه إشكال ؛ لأن الحق تعلق بغير العين فلم يلزمه أخذها معيبة.

أقول : إذا حضر المالك بعد أن نوى الملتقط التملك فطالب الملتقط ، وكانت قد تعيبت بعد نية التملك ، هل يجبر المالك على قبولها معيبة مع أرش العيب؟ يحتمل ذلك ؛ لأنها عين ماله فيجب عليه القبول والعيب (٢٨) يجبر بالأرش ، ويحتمل العدم ؛ لان بنفس نية التملك تعلق حقه بالمثل أو القيمة ، فلا يجب عليه قبولها

__________________

(٢٦) من « م » و « ر ١ ».

(٢٧) الوسائل ، اللقطة ، باب ٢ ، حديث ١ وغيره.

(٢٨) في الأصل : والفائت.

١٥٩

معيبة ، وانما وجب عليه قبولها صحيحة ؛ لأن وجوب قبول المثل أو القيمة يقتضي وجوب قبول العين صحيحة ؛ لأن وجوب قبولها أولى من وجوب قبول مثلها أو قيمتها ؛ لأن المثل انما يجب قبوله لكونه مشابها لها ، والقيمة انما يجب قبولها مع عدم وجود العين على صفاتها ، فاذا وجدت على صفاتها كان قبولها اولى من قبول المثل أو القيمة.

قال رحمه‌الله : ولو علم المولى قبل التعريف ولم يأخذ منه ، ضمن لتفريطه بالإهمال إذا لم يكن أمينا ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف ، ومن حيث أن العبد له التسلط على اللقطة ، فلا يجب على المولى الانتزاع ؛ لأنه لا يجب عليه حفظ مال الغير ، وقد سبق البحث في ذلك (٢٩).

__________________

(٢٩) ص ١٥٢.

١٦٠