غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

في سنه واحدة وغير العمد تؤخذ في سنتين أو ثلاث.

الثاني : الزمان ، بان تقع الجناية في أحد الأشهر الحرم رجب وذي القعدة وذي الحجة والمحرم ، فيلزم القاتل دية وثلث إجماعا ، والسند رواية كليب الأسدي (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

الثالث : المكان ، بان تقع الجناية في أحد الحرمين أو مشاهد الأئمة عليهم‌السلام ، قاله الشيخان وتبعهما الباقون وليس عليه شاهد من الروايات ، فلهذا نسبه الى الشيخين ، والتغليظ انما هو في النفس دون الأطراف وإن كان فيها دية النفس.

قال رحمه‌الله : لو رمى في الحل الى الحرم فقتل فيه لزم التغليظ ، وهل يغلظ مع العكس؟ فيه [ ال ] تردد.

أقول : منشؤه من أن السبب الموجب للتغليظ هو القتل في الحرم ولم يوجد لأن التقدير أن القتل حصل في الحل ، والأصل براءة الذمة من وجوب التغليظ ، ومن أن سبب القتل حصل في الحرم ؛ لأن الرمي من الحرم الى الحل فهو كما لو رمى صيدا من الحرم فأصابه في الحل ، فإنه يجب عليه الكفارة فكذلك هنا يجب التغليظ ؛ لأنه إذا لزمه الكفارة في الصيد المباح لحرمة الحرم يكون لزوم التغليظ بالقتل المحرم أولى ، وهو اختيار فخر الدين ، والألف واللام في التردد لتعريف الماهية لا إشارة إلى تردد سابق.

قال رحمه‌الله : ولا يقتص من الملتجئ الى الحرم فيه ، ويضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج ، ولو جنى في الحرم اقتص منه لانتهاكه الحرمة ، وهل يلزم مثل ذلك في مشاهد الأئمة عليهم‌السلام؟ قال به في النهاية.

أقول : إذا قتل ثمَّ التجأ الى احد مشاهد الأئمة عليهم‌السلام هل يقتص منه

__________________

(٥) المصدر السابق ، باب ٣ من أبواب ديات النفس ، حديث ١.

٤٢١

في المشهد ، أو يضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج ، كما لو التجئ إلى الحرم؟ قال الشيخ في النهاية بالثاني ، لمساواة مشاهد الأئمة عليهم‌السلام للحرم في الحرمة ، ولم يجزم به المصنف ، لاحتمال جواز القصاص في المشهد ، لأصالة عدم وجوب تأخير الحق خرج ما إذا التجأ إلى الحرم للإجماع على ذلك ، يبقى الباقي على أصالة الجواز ، والأول (٦) هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ودية ولد الزنا إذا أظهر الإسلام دية المسلم ، وقيل : دية الذمي ، وفي مستند ذلك ضعف.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن دية ولد الزنا دية مسلم ، وذلك مبني على القول بإسلامه ، وقال السيد المرتضى في الانتصار : دية ذمي ، وقال ابن إدريس : والذي تقتضيه الأدلة التوقف في ذلك ، وأن لا دية له لأصالة براءة الذمة ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ودية الذمي ثمان مائة درهم يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا ، ودية نسائهم على النصف ، وفي بعض الروايات دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية المسلم ، وفي بعضها دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ، والشيخ رحمه‌الله نزلها على من يعتاد قتلهم.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن دية الذمي ثمان مائة درهم ، وعليه عمل الأكثر وهو المعتمد ، والمستند رواية درست عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، « قال سألته عن دية اليهودي والنصراني والمجوسي قال : هم سواء ثمان مائة درهم » (٧) ، وروى أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، « قال :

__________________

(٦) ليست في « ر ١ ».

(٧) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ١٣ من أبواب ديات النفس ، حديث ٨.

٤٢٢

دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم » (٨) وحملها الشيخ على من يعتاد قتلهم ، فإن الإمام يغلظ عليه بما شاء حسما للجرأة.

قال رحمه‌الله : ويستوي في ذلك [ كله ] القن والمدبر ، ذكرا كان أو أنثى ، وفي أم الولد تردد على ما مضى.

أقول : الإشارة بقوله على ما مضى الى ما ذكره في باب أم الولد من قولهم : إذا جنت أم الولد خطأ تعلقت الجناية برقبتها ، الى قوله : وفي رواية مسمع (٩) عن أبي عبد الله عليه‌السلام جنايتها في حقوق الناس على سيدها ، وقد سبق البحث في ذلك (١٠).

__________________

(٨) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ١٤ من أبواب ديات النفس ، حديث ٢.

(٩) الوسائل ، كتاب القصاص ، باب ٤٣ من أبواب قصاص النفس ، حديث ١.

(١٠) ج ٣ ص ٤٢٧.

٤٢٣
٤٢٤

في موجبات الضمان

قال رحمه‌الله : النائم إذا أتلف نفسا بانقلابه [ أو بحركته ] ، قيل : يضمن الدية في ماله ، وقيل : في مال العاقلة ، وهو أشبه.

أقول : لا خلاف في وجوب الدية ، وانما الخلاف في محلها ، قال الشيخان : هي في ماله ، واختار المصنف والعلامة وابنه انها في مال العاقلة ؛ لأنه مخطئ (١١) فعله وقصده ، قال فخر الدين ، وانما جعلها الشيخ في ماله ؛ لأنه من باب الأسباب لا من باب الجنايات.

قال رحمه‌الله : إذا أعنف بزوجته جماعا في قبل أو دبر ، أو ضما فماتت ، ضمن الدية ، وكذا الزوجة ، وفي النهاية إن كانا مأمونين لم يكن عليهما شي‌ء ، والرواية ضعيفة.

أقول : وجوب الدية مذهب المفيد (١٢) وسلار ، واختاره المصنف

__________________

(١١) من « ر ١ » ، وفي الأصل خطأ محض ، وليس في « م » و « ن » كلمة خطأ ، والأخرى غير واضحة.

(١٢) في « ن » : السيد.

٤٢٥

والعلامة وأبو العباس ، لإتلاف النفس المعصومة فتكون مضمونة بالدية ، لعدم التعمد ، ومستند النهاية رواية يونس (١٣) ، وهي مرسلة ، وأوجب ابن إدريس القصاص مع التهمة : ومع عدمها الدية ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو كان مع المار صبي فقربه من السهم لا قاصدا فأصابه ، فالضمان على من قربه لا على الرامي ؛ أنه عرضه للتلف ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن الرامي مباشر للإتلاف فيكون الضمان على عاقلته ؛ لأنه خطأ ، ومن أن المار هو الذي عرضه للإتلاف بتقربه من طريق السهم فهو سبب ، والمباشرة ضعفت بالغرور ، واختار فخر الدين ضمان الرامي أو عاقلته ، ولو قال الرامي حذار لم يضمن.

قال رحمه‌الله : روى السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أن عليا عليه‌السلام ضمن ختانا قطع حشفة غلام » ، والرواية مناسبة للمذهب.

أقول : هذه الرواية (١٤) وإن كانت ضعيفة السند فان عليها عمل أكثر الأصحاب ، لكونها مناسبة للأصل ، قال المصنف في نكت النهاية : الأصحاب مجمعون على أن الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه ، وقال ابن إدريس : لا ضمان ؛ لأنه فعل سائغ مأدون فيه فلا يستعقب ضمانا ، والرواية من الآحاد مع ضعفها ، وعلى تقدير العمل بها يحمل على حصول التفريط ؛ لأنه قطع غير ما أريد القطع منه ؛ لأن الحشفة غير محل القطع.

قال رحمه‌الله : روى أبو جميلة ، عن سعد الإسكاف ، عن الأصبغ ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في جارية ، ركبت أخرى فنخستها ثالثة ، فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة فماتت ، أن ديتها نصفان على الناخسة والمنخوسة ، وأبو

__________________

(١٣) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٣١ من أبواب موجبات الضمان ، حديث ٤.

(١٤) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٢٤ من أبواب موجبات الضمان ، حديث ٢.

٤٢٦

جميلة ضعيف ، فلا استناد الى نقله ، وفي المقنعة على الناخسة والقامصة ثلثا الدية ، ويسقط الثلث لركوبها عبثا ، وهذا وجه حسن ، وخرج متأخر وجها ثالثا فأوجب الدية على الناخسة إن كانت ملجئة للقامصة ، وإن لم تكن ملجئة فالدية على القامصة ، وهو وجه أيضا غير أن المشهور بين الأصحاب الأول.

أقول : نقل المصنف هنا ثلاثة أقوال :

الأول : العمل بمضمون رواية أبي جميلة (١٥) وهو مذهب الشيخ واتباعه.

الثاني : سقوط ثلث الدية ، لركوبها (١٦) عبثا ويجب الثلثان على الناخسة والقامصة ، وهو مذهب المفيد في المقنعة ، واختاره المصنف في نكت النهاية ، وقواه العلامة في المختلف ، لحصول التلف بالأسباب الثلاثة فتثبت الشركة.

الثالث : قول ابن إدريس ، وهو التفصيل إلى الإلجاء وعدمه ، واختاره العلامة ( في الإرشاد ) (١٧) وابنه في الإيضاح ؛ لأن مع الإلجاء يكون فعل المكره مستندا إلى مكرهه ، قال الشهيد : ويشكل بأن الإكراه على القتل لا يسقط الضمان.

قال رحمه‌الله : من دعى غيره فأخرجه من منزله ليلا ، فهو له ضامن حتى يرجع إليه ، فإن عدم فهو ضامن ديته ، وإن وجد مقتولا وادعى قتله على غيره وأقام بينة فقد برئ ، وإن عدم البينة ففي القود تردد ، والأصح [ أنه ] لا قود ، وعليه الدية في ماله ، وإن وجد ميتا ففي لزوم الدية تردد ، ولعل الأشبه أنه لا يضمن.

أقول : مستند هذا الحكم ما رواه عبد الله بن ميمون ، عن الصادق عليه‌السلام ، « قال إذا دعي الرجل أخاه ليلا فهو ضامن له حتى يرجع الى بيته » (١٨) ،

__________________

(١٥) الوسائل ، كتاب الديات ـ باب ٧ من أبواب موجبات الضمان ، حديث ١.

(١٦) في « ن » : لرواية جميل بن دراج.

(١٧) ليستا في « ر ١ ».

(١٨) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٣٧ من أبواب موجبات الضمان ، حديث ١.

٤٢٧

وروى عمرو بن أبي المقدام ، « قال : كنت شاهدا عند البيت الحرام وإذا رجل ينادي بأبي جعفر وهو يطوف وهو يقول يا أمير المؤمنين : إن هذين الرجلين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله ولم يرجع إلي ، والله ما أدري ما صنعا به ، فقال لهما أبو جعفر ما صنعتما به؟ قالا يا أمير المؤمنين كلمناه ثمَّ رجع الى منزله ، فقال لهما : وافياني غدا صلاة العصر في هذا المكان فوافياه من الغد صلاة العصر وحضرته ، فقال لجعفر بن محمد عليهما‌السلام وهو قابض على يده اقض بينهم ، قال : فخرج جعفر عليه‌السلام فطرح له مصلى قصب فجلس عليه ثمَّ جاء الخصمان فجلسوا قدامه فقال : ما تقول؟ فقال : يا ابن رسول الله ان هذين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله فو الله ما رجع إلي ، والله ما أدري ما صنعا به ، فقال : ما تقولان؟ فقالا : يا ابن رسول الله كلمناه ثمَّ رجع الى منزله ، فقال جعفر عليه‌السلام : يا غلام أكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كل من طريق رجلا بالليل فأخرجه من منزله فهو ضامن له الا ان يقيم البينة أنه رده الى منزله ، يا غلام نح هذا فاضرب عنقه ، فقال : يا ابن رسول الله ما قتلته ولكني أمسكته ، ثمَّ جاء هذا فوجأه فقتله ، قال : يا غلام نح هذا واضرب عنق الآخر ، فقال : يا ابن رسول الله والله ما عذبته ولكني قتلته بضربة واحدة ، فأمر أخاه فضرب عنقه ثمَّ أمر بالآخر فضرب جنبيه ثمَّ حبسه في السجن ووقع على رأسه يحبس عمره ويضرب كل سنة خمسين جلدة » (١٩) إذا عرفت هذا فإذا دعي غيره فأخرجه من منزله ليلا فان رجع فلا كلام ، وان لم يرجع فلا يخلو إما أن لا يوجد ولا يعلم خبره أو يوجد مقتولا أو ميتا ، فان كان الأول فلا خلاف في وجوب الدية في مال المخرج ، ما لم يعترف بقتله عمدا فيكون عليه القصاص ، وإن كان الثاني ولم يقم بينة على أن القاتل غيره ، فقد تردد المصنف في وجوب

__________________

(١٩) الوسائل ، كتاب القصاص ، باب ١٨ من أبواب قصاص النفس ، حديث ١.

٤٢٨

القود ثمَّ رجح وجوب الدية دون القود ، واختاره العلامة وابنه وهو اختيار الأكثر ؛ لأن شرط القود تحقق القتل ظلما ، وهو غير متحقق ، والشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط ، وقال المفيد بوجوب القود للرواية المذكورة والأول هو المعتمد ، وان كان الثالث ، وهو أن يوجد ميتا فقد تردد المصنف في لزوم الدية ثمَّ رجح عدم اللزوم ، ومنشؤه من أصالة براءة الذمة ، فلا يلزمه شي‌ء ، وهو مذهب ابن إدريس ، إذا ادعى أنه مات حتف أنفه ولا لوث من عداوة أو خصومة ، ومع اللوث يحلف الولي القسامة ، ويثبت القود عند ابن إدريس والدية عند العلامة ، ومن كونه مضمونا حتى يرجع الى منزله فتجب الدية ، وهو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : روى عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في لص دخل على امرأة فجمع الثياب ووطأها قهرا ، فثار ولدها فقتله اللص ، وحمل الثياب ليخرج ، فحملت هي عليه فقتلته ، فقال : يضمن مواليه دية الغلام ، وعليهم فيما ترك أربعة آلاف درهم لمكابرتها على فرجها ، وليس عليها في قتله شي‌ء ، ووجه الدية فوات محل القصاص ، وإيجاب المال دليل على أن مهر المثل في مثل هذا ، لا يتقدر بخمسين دينارا ، بل بمهر أمثالها ما بلغ. وتنزّل هذه الرواية على أن مهر أمثال القائلة هذا القدر.

أقول : هذه الرواية (٢٠) من المشاهير بين الأصحاب ، وقد تضمنت أحكاما غير خالية عن الاعتراض (٢١):

الأول : إيجاب الغلام والجناية عمدا موجبها القصاص ، وأجيب

__________________

(٢٠) الوسائل ، كتاب القصاص ، باب ٢ من أبواب قصاص النفس ، حديث ٢.

(٢١) في « ن » : الاعراض.

٤٢٩

لوجوب (٢٢) المصير إلى الدية عند فوات محل القصاص.

الثاني : إيجاب الدية على مواليه ، والعمد لا يضمنه العاقلة ، وأجيب بالحمل على فقره.

الثالث : أنها قتلته بعد ان قتل ابنها ، فكان الواجب براءته من دية الغلام لاستيفاء القصاص منه ، وأجيب بأن قتله لم يكن قصاصا بل دفاعا فكان هدرا.

الرابع : إيجاب أربعة آلاف درهم عن هذا الوطي ، مع أن الواجب مهر المثل وهو لا يزيد عن خمس مائة درهم ، وأجيب بأن مهر المثل في هذه الصورة لا يتقدر بالسنة (٢٣) ؛ لأنه كالجناية فجاز أن يكون مهر المثل ما ذكره ولأجل توجه هذه الاعتراضات أوردها الأصحاب بلفظ الرواية.

قال رحمه‌الله : وروى عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في امرأة أدخلت ليلة البناء بها صديقا الى حجلتها ، فلما أراد الزوج مواقعتها ثار الصديق فاقتتلا فقتله الزوج فقتلته هي ، فقال : تضمن دية الصديق وتقتل بالزوج ، وفي تضمين دية الصديق تردد أقربه أن دمه هدر.

أقول : هذه الرواية أيضا رواية عبد الله بن طلحة (٢٤) ، والضمير عائد إليه في قوله : ( وروى عنه ) ، وتردد المصنف من أن الزوجة غارّة للصديق ، فيلزمها ضمانه كما هو مضمون الرواية ؛ لأنها سبب قتله ، ومن أنه دخل دار الزوج بغير إذنه ، ولأنه محارب والمحارب دمه هدر إذا لم يمكن الدفع بدونه ، وهذا هو المعتمد ، وهو اختيار ابن إدريس والمصنف والعلامة وابنه ، والرواية قضية في واقعة فلا تتعدى.

__________________

(٢٢) كذا

(٢٣) في « ر ١ » و « ن » : بالنسبة.

(٢٤) الوسائل ، كتاب القصاص ، باب ٢ من أبواب قصاص النفس ، حديث ٢.

٤٣٠

قال رحمه‌الله : روى محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، عن علي عليه‌السلام : في أربعة شربوا المسكر فجرح اثنان وقتل اثنان ، فقضى بدية المقتولين على المجروحين بعد أن ترفع جراحة المجروحين من الدية ، وفي رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه جعل دية المقتولين على قبائل الأربعة ، وأخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين ، ومن المحتمل أن يكون عليه‌السلام قد اطّلع في هذه الواقعة على ما يوجب هذا الحكم.

أقول : اختلاف الروايتين (٢٥) في الواقعة يوجب التوقف في الحكم ، والأصل أنه حكم خاص في واقعة خاصة فلا يوجب التعدي ، فلعله عليه‌السلام اطلع في هذه القضية على ما يوجب هذا الحكم وأكثر الأصحاب عملوا بالرواية الأولى ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك وأحسن ما وقفنا عليه من أقوالهم قول أبي العباس رحمه‌الله ، وهو أن هذه صورة لوث فلأولياء المقتولين القسامة ، ثمَّ للمجروحين أيضا القسامة (٢٦) وهو جيد ؛ لأن كل واحد من المقتولين والمجروحين يجوز أن تكون الجناية عليه مضمونة ، ويجوز أن تكون مباحة بتقدير أن يكون غريمه قصد دفعه فيكون هدرا.

قال رحمه‌الله : روى السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ومحمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، عن علي عليه‌السلام : في ستة غلمان كانوا في الفرات ، فغرق واحد ، فشهد اثنان على الثلاثة أنهم غرقوه ، وشهد الثلاثة على الاثنين ، فقضى بالدية ثلاثة أخماس على الاثنين ، وخمسين على الثلاثة ، وهذه الرواية متروكة بين الأصحاب ، فإن صح نقلها كانت حكما في واقعة فلا يتعدى

__________________

(٢٥) الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب موجبات الضمان ، حديث ١ ، رواية محمد بن قيس وحديث ٢ رواية السكوني.

(٢٦) في « ر ١ » : على المقتولين.

٤٣١

لاحتمال ما يوجب الاختصاص.

أقول : بمضمون هذه الرواية (٢٧) أفتى ابن البراج ، وهي مع ضعف سندها قضية في واقعة فلا يجب تعديتها ، والذي يقتضيه المذهب أن إحدى الشهادتين إن سبقت الأخرى مع استدعاء الولي إياها عند الحاكم ، وكانت بالشرائط المعتبرة سمعت ثمَّ لا تسمع شهادة الأخرى (٢٨) ليحقق بالتهمة (٢٩) وان كانت الدعوى على الجميع أو حصلت التهمة للجميع لم تقبل شهادة أحد من الخمسة لتحقق التهمة فيها ، ويكون ذلك لوثا فللولي إثبات حقه بالقسامة ، وانما أورد المصنف هذه المسألة ونظائرها بلفظ الرواية ؛ لأن مضمونها مخالف للأصول فأوردها بيانا لعلة الحكم تفصيا من حصول الاعتراض عليه.

قال رحمه‌الله : ولو حفر في الطريق المسلوك لمصلحة المسلمين ، قيل : لا يضمن ؛ لان الحفر لذلك شائع [ سائغ ] ، وهو حسن.

أقول : القائل الشيخ في النهاية ؛ لأنه فعل سائغ وكل فعل سائغ لا يتعقبه ضمان ، واستحسنه المصنف واستقربه العلامة في التحرير ، واختار فخر الدين الضمان ؛ لان ما أساغه الشارع لا بد من خلوه من وجوه القبح والمفاسد ، فيكون سائغا بشرط عدم الوقوع ، فالوقوع كاشف عن اشتماله على وجه قبح فيكون مضمونا.

قال رحمه‌الله : ولو بنى مسجدا في الطريق ، قيل : إن كان بإذن الإمام لم يضمن ما يتلف بسببه ، والأقرب استبعاد الفرض.

أقول : إذا بنى مسجدا للمسلمين في طريق واسع في موضع لا يضر بالمارة

__________________

(٢٧) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٢ من أبواب موجبات الضمان ، حديث ١.

(٢٨) كذا

(٢٩) في « ر ١ » : التهمة.

٤٣٢

كالزاوية ، فلا ضمان قطعا ، ولو كان يضر بالمارة ضمن ما يتلف بسببه ، وقيل : إن كان بإذن الإمام لم يضمن ، والمصنف استبعد هذا الفرض ؛ لأن الإمام إنما يأمر بالسائغ وهو لم يأمر به الامام ، فالفرض بعيد.

قال رحمه‌الله : ولو رمى عشرة بالمنجنيق فقتل الحجر أحدهم ، سقط نصيبه من الدية لمشاركته ، وضمن الباقون تسعة أعشار الدية ، وتتعلق الجناية بمن يمد الحبال دون من أمسك الخشب ، أو ساعد بغير المد ، ولو قصدوا أجنبيا بالرمي كان عمدا موجبا للقصاص ، ولو لم يقصدوه كان خطأ ، وفي النهاية إذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة فوقع على أحدهم ضمن الآخران ديته ؛ لأن كل واحد ضامن لصاحبه ، وفي الرواية بعد ، والأشبه الأول.

أقول : الرواية هي رواية أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في حائط اشترك في هدمه ثلاثة فوقع على واحد منهم فمات ، قال : يضمن الباقيان ديته ؛ لأن كل واحد منهم ضامن دية صاحبه » (٣٠) ، ووجه بعدها أنه تلف بفعله وفعل الباقيين فيسقط ما قابل فعله ، والا لزم أن يضمن الشريك في الجناية جناية شريكه وهو محال.

قال رحمه‌الله : نصب الميازيب الى الطريق جائز وعليه عمل الناس ، وهل يضمن لو وقعت فأتلفت؟ قال المفيد رحمه‌الله : لا يضمن ، وقال الشيخ : يضمن ؛ لأن نصبها مشروط بالسلامة ، والأول أشبه.

أقول : عدم الضمان مذهب المفيد وابن إدريس وظاهر النهاية (٣١) واختاره المصنف ؛ لأنه فعل سائغ فلا يتعقبه الضمان ، وبالضمان قال الشيخ في الخلاف ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، والعلامة في المختلف ؛ لأنه سبب الإتلاف

__________________

(٣٠) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٣ من أبواب موجبات الضمان ، حديث ١.

(٣١) في « ر ١ » : العلامة.

٤٣٣

فكان ضمانا ، وإباحة السبب لا ينافي الضمان كالطبيب والمؤدب بالسائغ شرعا ، ولما رواه السكوني عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أخرج كنيفا أو ميزابا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة أو حفر بئرا في طريق المسلمين ، فأصاب شيئا فهو له ضامن » (٣٢) وقال في المبسوط : الحكم فيه كخشب الجناح سواء ، وقال في الجناح : يضمن النصف ؛ لأنه هلك من فعل مباح ومحظور ، ومراده بالمباح ما كان من الخشب في الحائط ، وبالمحظور ما كان خارجا عن الحائط إلى الطريق ، فعلى هذا لو انكسر الميزاب أو الجناح فسقط منه ما خرج عن الحائط ضمن الجميع ، وإنما يضمن النصف بوقوع الداخل في الحائط ، وهذا التفصيل مذهب العلامة في القواعد ، وبه قال فخر الدين ، وجعل المصنف للضمان ضابطا ، وهو كل ما كان للإنسان إحداثه في الطريق لم يضمن بسببه ، وما ليس له إحداثه يضمن بسببه وهو قوي.

قال رحمه‌الله : ولو بالت دابته في الطريق ، قال الشيخ : يضمن لو زلق فيه إنسان ، وكذا لو ألقى قمامة المنزل كقشور البطيخ ، أو رش الدرب بالماء ، والوجه اختصاص ذلك بمن لم ير الرش ، أو لم يشاهد القمامة.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، سواء كان راكبا أو سائقا أو قائدا ؛ لأن يده عليه كما لو بال هو في هذا المكان ، قال : ومثله لو أكل شيئا فرمى قشوره في الطريق كالبطيخ والخيار والباقلاء ، وكذا لو رش في الطريق ماء والباب واحد ( هذا كلامه رحمه‌الله ) (٣٣) والمصنف اشترط عدم العلم من الواقع ؛ لأنه مع العلم يكون مباشرا أو سببا في إتلاف نفسه ، ولم يتعرض لبول الدابة بل خص ذلك بمن لم ير الرش أو لم يشاهد القمامة ولم يذكر البول ، والظاهر أن الحكم عنده واحد

__________________

(٣٢) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ١١ من أبواب موجبات الضمان ، حديث ١.

(٣٣) في الأصل غير مقروءة ، وما أثبتناه فهو من النسخ.

٤٣٤

لاتحاد علة الجميع ، وجزم العلامة في موضع من القواعد بمذهب المبسوط ، ما لم يتعمد المار وضع الرجل عليه مع إمكان العدول عنه فلا ضمان حينئذ ، ثمَّ قال بعد ذلك بقليل : ولو بالت الدابة أو راثت فزلق إنسان فلا ضمان الا مع الوقوف على اشكال ، وهو رجوع عما جزم به أولا.

قال رحمه‌الله : وفي ضمان جناية الهر المملوكة تردد ، قال الشيخ : يضمن للتفريط مع الضرورة ، وهو بعيد ، إذ لم تجري العادة بربطها ، نعم يجوز فتلها.

أقول : منشأ التردد من أن السنور إذا كان ضاريا كان كالكلب في الأذى ، فيجب حفظه كما يجب حفظ الكلب العقور ، ويضمن مالك السنور مع التفريط كما يضمن مالك الكلب ومن أصالة براءة الذمة ، وقوله عليه‌السلام : « جرح العجماء جبار » (٣٤) أي هدر ، ترك العمل به في الكلب العقور والدابة الصائلة مع التفريط لجريان العادة بربطها بخلاف الهرة ، فإنه لم تجر العادة بربطها ، وبالضمان قال الشيخ في المبسوط ، وجزم به العلامة في القواعد.

قال رحمه‌الله : ولو هجمت دابة على أخرى ، فجنت الداخلة ، ضمن صاحبها ، ولو جنت المدخول عليها كان هدرا ، وينبغي تقييد الأول بتفريط المالك في الاحتفاظ.

أقول : أطلق الشيخ في النهاية وابن البراج القول بضمان صاحب الداخلة إذا جنت على المدخول عليها ، وعدم الضمان إذا جنت المدخول عليها على الداخلة ، والأصل في ذلك قضية علي عليه‌السلام في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم روى : « أن ثورا قتل حمارا على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فرفع ذلك اليه عليه‌السلام وهو في الناس من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا بكر اقض بينهم ، فقال يا رسول الله : بهيمة

__________________

(٣٤) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٣٢ من أبواب موجبات الضمان ، حديث ٢ ـ ٣ ـ ٥.

٤٣٥

قتلت بهيمة فما عليها شي‌ء ، فقال : يا عمر اقض بينهم فقال : مثل قول أبي بكر ، فقال يا علي : اقض بينهم ، فقال : نعم يا رسول الله ، إن كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور ، وإن كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان عليه ، قال فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده إلى السماء فقال : الحمد لله الذي جعل مني من يقضي بقضاء النبيين » (٣٥) والمصنف اعتبر التفريط فان كان صاحب الداخلة فرط في احتفاظها ضمن ، والا فلا ردا للحكم إلى أصله ، واختاره العلامة وأبو العباس وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : راكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها ، وفيما تجنيه برأسها تردد ، أقربه الضمان ، لتمكنه من مراعاته ، وكذا القائد.

أقول : منشؤه من أصالة البراءة خرج ضمان ما تجنيه يديها للإجماع على ذلك ، يبقى الباقي على أصالة البراءة ، ومن مساواة الرأس لليدين في التمكن من المراعاة ، فيشتركان في الحكم وهو المشهور في فتاوى الأصحاب.

وانما يضمن الراكب ما تجنيه بيديها ورأسها مباشرة ، لا تسبيبا ، كما لو أصاب شي‌ء من الحصا المتطاير من وقع السنابك عين إنسان فأبطل ضوءها ، واستشكله العلامة في القواعد ، من أنه مما تجنيه بيديها ، ومن أصالة براءة الذمة.

قال رحمه‌الله : ولو أركب مملوكه دابته ضمن المولى جناية الراكب ، ومن الأصحاب من شرط صغر المملوك ، وهو حسن.

أقول : اشتراط صغر المملوك ، مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، لتفريطه حينئذ ، وأطلق الشيخ في النهاية وابن البراج وابن الجنيد ، لرواية الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في رجل حمل عبده على دابته فوطئت طفلا؟ فقال الغرم على

__________________

(٣٥) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ١٩ من أبواب موجبات الضمان ، حديث ١.

٤٣٦

مولاه » (٣٦) ، وحمل على كونه صغيرا أو مجنونا وهو المعتمد.

هذا إذا كانت الجناية على نفس آدمي ولو كانت على مال لم يلزم المولى ، قال المصنف : وهل يسعى فيه العبد؟ الأقرب أنه يتبع به إذا عتق ، وهو جيد ؛ لأن الاستسعاء إضرار بالسيد.

قال رحمه‌الله : ولو قال : ألق متاعك في البحر لتسلم السفينة ، فألقاه فلا ضمان ، ولو قال : علي ضمانه ضمن دفعا لضرورة الخوف ، ولو لم يكن خوف ، فقال : القه وعلي ضمانه ، ففي الضمان تردد ، أقربه أنه لا يضمن.

أقول : إذا خيف على السفينة من الغرق ، فقال بعض الركبان لبعض : ألق متاعك وعلي ضمانه صح الضمان بلا خلاف ، لما في ذلك من المصلحة المطلوبة للعقلاء ، وهي دفع خوف الغرق على النفس والمال ، ولو لم يكن خوف فقال : القه وعلي ضمانه ، هل يصح هذا الضمان؟ ادعى الشيخ في المبسوط الإجماع على بطلانه ؛ لأنه ضمان ما لم يجب ، وتردد المصنف في ذلك ، لثبوت الضمان في الصورة الأولى مع أنه ضمان ما لم يجب فيثبت في الصورة الثانية ، لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣٧) ، ومن أن الأصل عدم صحة ضمان ما لم يجب ، خرج عنه الصورة الأولى للمصلحة الظاهرة ، يبقى الباقي على أصالة المنع وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو وقع واحد في زبية الأسد فتعلق بثان ، وتعلق الثاني بثالث ، والثالث برابع فافترسهم ، فيه روايتان : إحداهما رواية محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قضى عليه‌السلام في الأول فريسة الأسد يغرم أهله ثلث الدية للثاني ، وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية ، وغرم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة ، والثانية رواية مسمع ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أن عليا

__________________

(٣٦) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ١٦ من أبواب موجبات الضمان ، حديث ١.

(٣٧) المائدة : ١.

٤٣٧

عليه‌السلام قضى ان للأول ربع الدية ، وللثاني ثلث الدية ، وللثالث نصف الدية ، وللرابع الدية كاملة ، وجعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا ، والأخيرة ضعيفة الطريق الى مسمع ، فهي ساقطة ويمكن أن يقال : على الأول دية الثاني لاستقلاله بإتلافه ، وعلى الثاني دية الثالث ، وعلى الثالث دية الرابع لهذا المعنى ، وإن قلنا بالتشريك بين مباشر الإمساك والمشارك في الجذب ، كان على الأول دية ونصف وثلث ، وعلى الثاني نصف وثلث ، وعلى الثالث ثلث دية لا غير.

أقول : الزبية بضم الزاي حفيرة تحفر (٣٨) للأسد في الموضع العالي غالبا ، والجمع الزبى ، ومنه قيل : بلغ السيل الزبا ، والأصل في ذلك واقعة علي عليه‌السلام في اليمن ، والرواية الأولى هي المشهورة بين الأصحاب وعليها فتاويهم ، وتوجيه الرواية : أن الثلاثة قتلوا الرابع بجرهم إياه ، فعلى كل واحد ثلث الدية ولم يكن على الرابع شي‌ء ، فأولياء الأول يدفعون إلى أولياء الثاني ثلث الدية ثمَّ نضيف أولياء الثاني إليه ثلثا آخر ويدفعون ذلك الى أولياء الثالث ، ثمَّ يضيف أولياء الثالث الى ذلك ثلثا آخر تتمة الدية ، ثمَّ يدفعون ذلك الى أولياء الرابع ، وهذا معنى قوله في الرواية : « وغرم أهله ثلث الدية للثاني ، وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية ، وغرم الثالث لأهل الرابع الدية » (٣٩).

وأما توجيه الرواية الثانية (٤٠) فإن الأول مات بسبب الوقوع في البئر ووقوع الباقين فوقه وهم ثلاثة ، وذلك مستند الى فعله فيسقط حصته من الضمان وهي ثلاثة أرباع ويبقى الربع على حافر الزبية ، ونزلها في القواعد على كون الحفر تعديا ، والثاني مات بسبب جذب الأول ، وهو ثلث السبب ووقع الاثنين فوقه

__________________

(٣٨) في النسخ : يحتفرها الأسد.

(٣٩) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٤ من أبواب موجبات الضمان ، حديث ٢.

(٤٠) المصدر السابق ، حديث ١.

٤٣٨

وهو ثلثاه ، ووقوعهما فوقه من فعله فيسقط ذلك من الدية يبقى له الثلث ، والثالث مات بسبب جذب الثاني وهو نصف السبب ، ووقوع الرابع عليه وهو من فعله فيسقط النصف ، ويجب له نصف الدية ، والرابع مات بجذب الثالث له فله كمال الدية ، فهذا توجيه قوله ( للأول ربع الدية ، وللثاني ثلث الدية ، وللثالث نصف الدية ، وللرابع كمال الدية ، وجعل ذلك على عاقله الذين ازدحموا ) أي جعل الثلث الذي وجب للثاني على عاقلة الأول ، والنصف الذي وجب للثالث على عاقلة الثاني ، والجميع الذي وجب للرابع على عاقلة الثالث ، وأما الربع الذي وجب للأول فعلى الحافر.

وأورد هنا الشهيد عليه إشكالين :

الأول : أن تكون الجناية إما عمدا أو شبيه عمد ، وكلاهما لا تضمنه العاقلة.

الثاني : قوله ( وجعل ذلك ) إشارة الى جميع ما تقدم ، فلا يختص بغير الأول.

وأجاب أبو العباس عن الأول بمنع الحصر ، أما نفي العمد فلان كل واحد منهم لم يقصد قتل صاحبه ، ولا ما اقتضت العادة بالتلف معه لظنه الخلاص ، وخلاصه وسلامته فرع على سلامة الممسوك ، وأما نفي شبيه العمد فلأنه حالة الوقوع غافل عن كل شي‌ء سوى ما يتوهمه منجيا له ، مع قطعه للنظر عما سوى ذلك ، فهو لا قصد له الى سواه ، فهو كرامي الطير.

وأجاب عن الثاني بالمنع من وجوب الإشارة إلى الجميع ، بل تجوز الإشارة بالحكم الى بعض الجمل ، ( إذ لا يجب مشاركة المعطوف للمعطوف عليه في كل حكم (٤١) ، وأبو العباس قدم الحكم على الجمل سهوا ، قال : بل يجوز

__________________

(٤١) المهذب البارع ، الجزء الخامس ، ص ٢٩٧.

٤٣٩

الإشارة بالحكم الى بعض الجمل ) (٤٢) ، وذلك سهو القلم.

وذكر المصنف في المسألة احتمالين : أحدهما : على الأول دية الثاني ، وعلى الثاني دية الثالث ، وعلى الثالث دية الرابع ، لاستقلال كل واحد بإتلاف من باشر إمساكه ، والثاني : التشريك في الضمان بين مباشر الإمساك والمشارك في الجذب ، فيكون على الأول دية للثاني ( لاستقلاله بإتلافه ونصف دية الثالث ؛ لأنه تلف بجذبه وجذب الثاني ، وثلث دية الرابع ؛ لأنه تلف بجذب الثلاثة ، وعلى الثاني نصف دية الثالث ، وثلث دية الرابع ، لما ذكر ، وعلى الثالث ثلث دية لا غير ، وذكرهما ) (٤٣) العلامة في القواعد والتحرير ، والمشهور العمل بمضمون الرواية الأولى.

__________________

(٤٢) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٤٣) ما بين القوسين ليس في النسخ ، بل فيها : ( « وعليه و» على الثاني دية الثالث وعلى الثالث دية الرابع وذكرها ). هذا وليس في « ر ١ » ما بين القوسين الصغيرين من هذه الجملة.

٤٤٠