غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

لجده وجدته لأمه أثلاثا على ما ذكره الشيخ رحمه‌الله ، فيكون أصل الفريضة ثلاثة ، تنكسر على الفريقين ، فتضرب أربعة في تسعة ، ثمَّ تضرب الجميع في ثلاثة فتكون مائة وثمانية.

أقول : للميت في الدرجة الأولى أربعة أجداد ، وفي الثانية ثمانية ، وفي الثالثة ستة عشر ، فاذا مات عن ثمانية أجداد كان لأجداد الأم الثلث بينهم أرباعا ولأجداد الأب الثلثان بينهم أثلاثا كما فرضه المصنف وقاله الشيخ رحمه‌الله ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وانما كان أصله ثلاثة ؛ لأن فيها ثلاثا وثلاثين ( وقد تبين ان مخرج المفرد المكرر سميه فهو من ثلاثة ) (٦٣) ولا شك في انكسارها على الفريقين ، فتضرب أقل عدد ينقسم على أجداد الأم ـ وهو أربعة ـ في أقل عدد ينقسم على أجداد الأب وهو تسعة ، ثمَّ المجتمع في أصل الفريضة يبلغ العدد المذكور ، فيحصل لكل من أجداد الأم الأربعة تسعة ، ولجدي الام (٦٤) للأب (٦٥) أربع وعشرون بينهما أثلاثا ولجدي (٦٦) أب الأب ثمانية وأربعون بينهما أثلاثا ، وقال معين الدين المصري رحمه‌الله : ثلث الثلث لأبوي أم الأم بالسوية ، وثلثاه لأبوي أب الأم بالسوية ، وثلث الثلاثين لأبوي أم الأب بالسوية ، وثلثاهما لأبوي أبيه أثلاثا ، فسهام قرابة الأم ستة ، وسهام قرابة الأب ثمانية عشر ؛ لأنه أقل عدد ينقسم عليهم فيلغي أقل العددين ، لدخوله تحت الأكثر ، ويضرب الأكثر في أصل الفريضة تبلغ أربعة وخمسين ، ومنها تصح ، وقيل : ثلث الثلث لأبوي أم الأم بالسوية ، وثلثاه لأبوي أب الأم أثلاثا ، فتصح أيضا من أربعة وخمسين ، والمعتمد الأول.

__________________

(٦٣) ما بين القوسين ليس في النسخ.

(٦٤) في النسخ : أم.

(٦٥) في « ر ١ » : الأب.

(٦٦) في « ن » : لأبوي.

١٨١

قال رحمه‌الله : ولو اجتمع عم الأب وعمته ، وخاله وخالته ، وعم الأم وعمتها ، وخالها وخالتها ، قال في النهاية : كان لمن يتقرب بالأم الثلث بينهم بالسوية ، ولمن تقرب بالأب الثلثان ، ثلثه لخال الأب وخالته بينهما بالسوية ، وثلثاه بين العم والعمة بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، فيكون أصل الفريضة ثلاثة تنكسر على الفريقين فتضرب أربعة في تسعة فتصير ستة وثلاثين ، ثمَّ تضربها في ثلاثة فتصير مائة وثمانية.

أقول : هذا قول الشيخ في النهاية ، وهو المشهور بين الأصحاب ؛ لأن قرابة الأم يأخذ الذكر منهم مثل حظ الأنثى ، فالميراث بينهم بالسوية ، قال العلامة في القواعد : ويحتمل أن يكون لعم الام وعمتها ثلثا سهم الأم (٦٧) بالسوية ، وثلثه لخالها وخالتها بالسوية ، ووجهه أن الأعمام والأخوال لو اجتمعوا كان للأعمام الثلثان ، وللأخوال الثلث ، وقد اجتمع أعمام الأم وأخوالها ، بالنسبة إلى الثلث فيقتسمون كذلك ، وهو ضعيف ؛ لأنهم جميعا يرثون الميت من جهة الأم ، فيشتركون بالسوية ، فعلى الأول يصح من مائة وثمانية ؛ لأن أصلها ثلاثة ، وأقل عدد ينقسم على أقرباء ( الأم أربعة وأقل عدد ينقسم على أقرباء ) (٦٨) الأب ثمانية عشر ، وبينهما موافقة بالنصف ، فتضرب أربعة في تسعة ، ثمَّ المجتمع في ثلاثة يبلغ العدد المذكور ، وعلى الثاني تصح من أربعة وخمسين.

قال رحمه‌الله : إذا كان للزوجة من الميت ولد ، ورثت من جميع ما يترك ، ولو لم يكن لها ولد لم ترث من الأرض شيئا ، وأعطيت حصتها من قيمة الآلات والابنية ، وقيل : لا تمنع إلا من الدور والمساكن ، وخرج المرتضى رحمه‌الله قولا ثالثا وهو : تقويم الأرض وتسليم حصتها من القيمة ، والقول الأول أظهر.

__________________

(٦٧) في النسخ : الثلث.

(٦٨) ما بين القوسين ليس في « ر ١ ».

١٨٢

أقول : نقل المصنف هنا ثلاثة أقوال.

الأول : حرمانها من الأرض ، واستحقاقها من قيمة الآلات والابنية ، وهو المشهور واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد.

الثاني : حرمانها من أرض الدور خاصة دون أرض البساتين والضياع ، وتعطى قيمة آلات الدور وأبنيتها ، وهو قول ابن إدريس.

الثالث : قد ذكر المصنف قائله وهو المرتضى ، وابن الجنيد لم يحرمها من شي‌ء ، وقد سبقه الإجماع وتأخر عنه ، واستدلوا بالنصوص (٦٩) الواردة عن أئمتهم عليهم‌السلام ، والحكمة في ذلك مذكورة في النصوص وعبارات الأصحاب ، وهو تطرق الضرر على أقرباء الميت ، إذا لا حجر لهم عليها بالتزويج فربما تزوجت بمن كان منافسا للميت وعدوا له فيثقل ذلك على أهله وعترته ، فعدل بها عن ذلك الى أجمل الوجوه ، وروى حماد بن عثمان ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام : « انما جعل للمرأة قيمة الخشب لئلا تتزوج فيدخل عليهم من يفسد مواريثهم » (٧٠) ومثلها رواية محمد بن مسلم (٧١) ، عن أبي عبد الله عليهم‌السلام ، والمفيد والمرتضى وأبو الصلاح وابن إدريس لم يخصوا (٧٢) الحرمان بغير ذات الولد بل أطلقوا ، وابن إدريس صرح بحرمان ذات الولد كغيرها ، والمعتمد اختصاصه بغير ذات الولد ، وهو مذهب الشيخ ( في النهاية وأكثر ) (٧٣) أصحابنا.

تنبيه : فتاوي أصحابنا ورواياتهم(٧٤) مطلقة باستحقاق قيمة الأشجار

__________________

(٦٩) الوسائل ، كتاب الإرث ، أحاديث باب ٦ من أبواب ميراث الأزواج.

(٧٠) المصدر السابق ، حديث ٩.

(٧١) المصدر السابق ، حديث ٧.

(٧٢) في « م » : يحصروا.

(٧٣) في النسخ بدل ما بين القوسين : متأخري.

(٧٤) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٦ من أبواب ميراث الأزواج.

١٨٣

والابنية والآلات ، ولم يذكروا كيفية التقويم ، والذي يدل عليه أصول المذهب وإطلاق الفتاوى والروايات استحقاق قيمة هذه الأشياء على الصفة التي هي عليها حالة الموت فتقوم قائمة مستحقة للبقاء حتى تستقلع الأشجار وينهدم البنيان ؛ لان الموت موجب لاستحقاق القيمة وهي على هذه الصفة ، فتكون مستحقة لها ، ولا يقوم على تقدير كونها مقلوعة ؛ لأنها لو كانت مقلوعة لاستحقه (٧٥) العين إجماعا ، وانما تستحق القيمة لكونها قائمة ، وإذا علق الاستحقاق على وصف لم يجز أن يعطى المستحق على تقدير زواله ، والا لحصلت المناقضة ، فتقوم على الصفة التي هي علة الاستحقاق.

إذا عرفت هذا فلك في التقويم طريقان : أحدهما : أن تقوم هذه الأرض على تقدير خلوها من الأشجار ما تسوى فاذا قيل : عشرة مثلا ، قومت مضافة إلى الأشجار ، فإذا قيل : عشرون مثلا ، كانت شريكة في العشرة الزائدة ( وكذلك الرباع تقوم العرصة خالية من البناء ثمَّ تقوم مضافة إليه وتشارك في الزيادة ) (٧٦) كما قلناه ، والثاني تقوم هذه الأشجار غروسا في الأرض مستحقة للبقاء الى حين تستقطع (٧٧) ، والأبنية مستحقة للبقاء الى حين تستهدم ، من غير التفات إلى قيمة الأرض ، ثمَّ تأخذ حصتها من هذه القيمة.

فروع : الأول : يدخل قيمة الابنية والأشجار في ملك الزوجة قهرا كسائر المواريث ، وانما يعتبر القيمة حالة الموت ؛ لأنها التي تستحقها (٧٨) بالموت ، ولا عبرة بالزيادة والنقصان بعد ذلك وإن تأخر التقويم.

الثاني : لو نمت هذه الأشجار قبل التقويم كان النماء للورثة دون الزوجة ؛

__________________

(٧٥) كذا.

(٧٦) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٧٧) في « م » : تستقلع.

(٧٨) في النسخ : استحقتها.

١٨٤

لأن النماء تابع للأصل ، وهي لم تستحق في عين الأصل شيئا.

الثالث : لو باع الورثة هذه الابنية والآلات قبل التقويم صح البيع ، فان دفعوا حصتها إليها ، والا كان لها فسخه لتعلق حقها بالمبيع.

الرابع : هذه القيمة مستحقة من التركة وليس(٧٩) متعلقه في ذمة الورثة ، ولو غصبت التركة من غير تفريط من الورثة لم يضمنوا لها ، فان عادت التركة عاد حقها.

الخامس : ولو دفعوا إليها حصتها من العين احتمل وجوب القبول ؛ لأن حقها متعلق بالعين ، وانما جاز للورثة دفع القيمة للإرفاق بهم ، فاذا تركوا هذا الإرفاق وجب عليها قبول العين ، ويحتمل العدم ؛ لأنها استحقت من تركة الميت قيمة هذه الأشياء دون أعيانها فلا يجب عليها قبول ما ليس بحق لها وهو أقرب.

السادس : لو كان لها شريكة ذات ولد أخذتا ثمن مجموع التركة ، واختصت ذات الولد بما منعت غير ذات الولد ، ودفعت إليها قيمة الأبنية والأشجار ، وليس للورثة ذلك لخروج مجموع الثمن عنهم.

السابع : أجرى الشهيد ولد ولد الزوجة إذا كان وارثا ، مجرى الولد في استحقاق الجدة من جميع التركة كاستحقاق أم الولد ، قال : ولو لم يكن وارثا كما لو كان هناك ولد للصلب ففيه نظر ، من صدق الولد ، ومن عدم إرثه ، فتبقى علة المنع موجودة وهي إدخال المرأة عليهم من يكرهونه ، ولو منع الولد من الصلب من الإرث لكونه قاتلا أو كافر احتمل الوجهان.

__________________

(٧٩) في « ر ١ » : وليست.

١٨٥
١٨٦

في الميراث بالولاء

قال رحمه‌الله : إنما يرث المنعم إذا كان متبرعا ، ولم يتبرأ من ضمان جريرته ولم يكن للمعتق وارثا مناسب ، فلو أعتق في واجب ، كالكفارات والنذور ، لم يثبت للمنعم ميراث ، وكذا لو تبرع واشترط سقوط الضمان ، وهل يشترط في سقوطه الإشهاد بالبراءة؟ الوجه لا.

أقول : إذا اشترط المعتق المتبرع بالعتق سقوط ضمان الجريرة كان ذلك مسقطا للولاية بإجماع الإمامية ، وهل يشترط في سقوط الولاء الإشهاد بالبراءة؟ ظاهر الشيخ ومحمد بن بابويه وجماعة من الأصحاب الاشتراط ، لما رواه ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : من أعتق رجلا سابية فليس عليه من جريرته شي‌ء ، وليس له من الميراث شي‌ء وليشهد على ذلك » (٨٠) وعن أبي الربيع ، « قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن السابية؟ فقال الرجل يعتق غلامه ، ويقول : اذهب حيث شئت ليس لي من ميراثك شي‌ء ، ولا علي من

__________________

(٨٠) الوسائل ، كتاب العتق ، باب ٤٣ ، حديث ٤.

١٨٧

جريرتك شي‌ء ، ويشهد على ذلك شاهدين » (٨١) وابن الجنيد لم يشترط الاشهاد واختاره المصنف والعلامة وابنه ؛ لأن المراد بالإشهاد في جميع العقود عدا الطلاق ثبوتها عند الحاكم ، لا وقوعها في نفسها ، ولأصالة عدم الاشتراط وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو عدم المنعم ، قال ابن بابويه : يكون الولاء للأولاد الذكور والإناث ، وهو حسن ، ومثله في الخلاف لو كان رجلا ، وقال المفيد رحمه‌الله : الولاء للأولاد الذكور دون الإناث ، ورجلا كان المنعم أو امرأة ، وقال الشيخ رحمه‌الله في النهاية : يكون للأولاد الذكور دون الإناث إن كان المعتق رجلا ، ولو كانت امرأة كان الولاء لعصبتها ، وبقوله رحمه‌الله تشهد الروايات.

أقول : إذا مات المنعم ـ وهو المعتق ـ الى من ينتقل الولاء بعده؟ للأصحاب فيه خمسة أقوال :

الأول : انتقاله إلى الأولاد ذكورا كانوا أو إناثا ، كسائر المتروكات ، وهو قول محمد بن بابويه محتجا بقوله عليه‌السلام « الولاء لحمة كلحمة النسب » (٨٢) ، واستحسنه المصنف.

الثاني : الاعتماد على هذا القول إن كان المنعم ذكرا ، وإن كان امرأة فالى عصبتها دون أولادها ، وهو قول الشيخ في الخلاف.

الثالث : انه للأولاد الذكور دون الإناث ، سواء كان المعتق رجلا أو امرأة ، وهو قول المفيد.

الرابع : التفصيل المنقول عن الشيخ في النهاية ، وهو أنه للأولاد الذكور دون الإناث إن كان المعتق رجلا ، وإن كان امرأة فهو لعصبتها ، وهو المشهور بين الأصحاب.

__________________

(٨١) المصدر السابق ، حديث ٢.

(٨٢) المصدر السابق ، باب ٤٢ ، حديث ٦.

١٨٨

الخامس : انتقاله إلى العاقلة الذين يكون عليهم الدية إذا قتل خطأ ، ومستند الجميع الروايات (٨٣).

والمعتمد مذهب النهاية ؛ لأنه أشهر في الروايات ، وأظهر بين الأصحاب ، وهو بعينه مذهب الخلاف لكن الأصحاب ذكروهما قولين فذكرنا هما كذلك.

قال رحمه‌الله : ومع عدم الأبوين والولد يرثه الاخوة ، وهل ترثه الأخوات؟ على تردد أظهره نعم ؛ لأن للولاء لحمة كلحمة النسب.

أقول : هذه المسألة فرع على التي قبلها ، فإن قلنا : إن الولاء ينتقل الى الذكور والإناث ممن يرث تركة المنعم انتقل إلى الإخوة والأخوات مع فقد الآباء والأولاد ، وان خصصنا به الذكور من الأولاد خصصنا به الاخوة دون الأخوات ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، قال : ولا يثبت الولاء لامرأة على رأي إلا إذا باشرت العتق ، فلها الولاء عليه ، وعلى أحفاده ، وعتيقه ، وعتيق عتيقه ، وهذا اختيار الشيخ في النهاية وابن البراج ، واختاره فخر الدين ، فعلى هذا لا ينتقل الولاء إلى المرأة ، سواء كانت أم المنعم أو ابنته أو عمته أو خالته.

قال رحمه‌الله : إذا أولد العبد من معتقة ابنا فولاء الابن المعتق أمه ، فلو اشترى الابن عبدا فأعتقه كان ولاؤه له ، فلو اشترى معتقه أب المنعم فأعتقه انجرّ الولاء من مولى الأم إلى مولى الأب ، وكان كل واحد منهما مولى الأخر ، فلو مات الأب فميراثه لابنه ، وإن مات الابن ولا مناسب له فميراثه [ فولاؤه ] لمعتق أبيه وان مات المعتق ولا مناسب له فولاؤه للابن الذي باشر عتقه ، ولو ماتا ولم يكن لهما مناسب ، قال الشيخ : يرجع الولاء الى مولى الام ، وفيه تردد.

أقول : هذا قول الشيخ رحمه‌الله في المبسوط ؛ لأن « الولاء لحمة كلحمة

__________________

(٨٣) المصدر المتقدم ، باب ٣٩ ـ ٤٠ ـ ٤٢ ـ ٤٣ ، والباب ١ من أبواب ميراث ولاء العتق.

١٨٩

النسب » ومعنى انجراره من مولى الأم (٨٤) إلى مولى الأب ، صيرورة مولى الأب أولى من مولى الام ، ولا يزول الولاء عن مولى الام ، كما لا يزول النسب بوجود (٨٥) أولى منه ، وتردد المصنف في ذلك ؛ لأنهم فسروا الانجرار بانقطاع ولاء مولى الام (٨٦) وزواله من حين عتق الأب ، وإذا حكم بانقطاعه وزواله فلا وجه لعوده اليه ، بل يكون الميراث للإمام ، وهو مذهب العلامة وابنه وهو المعتمد.

__________________

(٨٤) في « ر ١ » : الإمام.

(٨٥) في الأصل : لوجود.

(٨٦) في « ر ١ » : الامام.

١٩٠

في ميراث ولد الملاعنة

قال رحمه‌الله : ولو لم يكن ولد كان الميراث لامه ، الثلث بالتسمية والباقي بالرد ، وفي رواية ترث الثلث ، والباقي للإمام ؛ لأنه الذي يعقل عنه ، والأول أشهر.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه ترث أمه الثلث ، والباقي للإمام ؛ لأن جنايته على الامام » (٨٧) ومثلها رواية أبي عبيدة (٨٨) عن الباقر عليه‌السلام أيضا ، وبمضمون الرواية أفتى ابن الجنيد ، والمشهور عدم إرث الإمام مع وجود الأم ؛ لأنها وارثة ، وإرث الإمام مشروط بعدم المناسب ولهم عليه روايات (٨٩) كثيرة.

قال رحمه‌الله : وهل يرث قرابة أمه؟ قيل : نعم ، لأن نسبه من الام ثابت وقيل : لا يرث إلا أن يعترف به الأب ، وهو متروك.

__________________

(٨٧) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٣ من أبواب ميراث ولد الملاعنة : حديث ٤.

(٨٨) المصدر السابق ، حديث ٣.

(٨٩) المصدر السابق ، احاديث باب ١.

١٩١

أقول : ذهب الشيخ في الاستبصار الى أن ولد الملاعنة لا يرث أخواله ، بل هم يرثونه ، لما رواه الحلبي عن الصادق عليه‌السلام في حديث طويل الى أن قال : « أما الولد فإني أرده اليه إن ادعاه ، ولا ادع ولده وليس له ميراث ، ويرث الابن الأب ولا يرث الأب الابن بل يكون ميراثه لأخواله ، فان لم يدعه أبوه فإن أخواله يرثونه ولا يرثهم » (٩٠) وذهب في التهذيب إلى أنه يرثهم ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد ؛ لأن نسبه من الام ثابت ، فهم كالاخوة منها ، ولرواية زيد الشحام عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : وهو يرث أخواله » (٩١).

قال رحمه‌الله : ولا يرثه أبوه ولا من يتقرب به ، فان اعترف به بعد اللعان ورث هو أباه ولا يرثه الأب ، وهل يرث أقارب أبيه مع الاعتراف؟ قيل : نعم ، والوجه أنه لا يرثهم [ ولا يرثونه ] ، لانقطاع النسب باللعان ، واختصاص حكم الإقرار بالمقر حسب.

أقول : قال أبو الصلاح : يرث الابن قرابة أبيه إذا أكذب الأب نفسه ، وقواه ابن إدريس ، قال : لأنه إذا أقربه حكم عليه بأنه ابنه الا ما أخرجه الدليل ؛ لأن الإقرار بمنزلة البينة بل أقوى ، والمشهور عدم إرثه لقرابة أبيه ، لانقطاع النسب باللعان وانما ورث أباه لاعترافه به ، وإقراره بنسبة ، وإقرار الإنسان على نفس (٩٢) لا ينفذ على غيره ، فلا يرث قرابة أبيه ولا يرثونه ، قال العلامة في القواعد : ولو قيل : إن اعترفوا به وكذبوا الأب في اللعان يرثونه كان وجها ، وقواه فخر الدين ، لحصول الإقرار بالنسب من الأب وأقاربه ، قال الشهيد : وهو نادر ، مع أن الشرع حكم بانقطاع النسب فكيف يعود؟.

__________________

(٩٠) المصدر السابق ، باب ٤ ، حديث ٧.

(٩١) المصدر السابق ، حديث ٣ إلا أن فيه ( يوارث ) بدل ( يرث ).

(٩٢) كذا.

١٩٢

ميراث ولد الزنا

قال رحمه‌الله : واما ولد الزنا فلا نسب له ، ولا يرثه الزاني ولا التي ولدته ، ولا أحد من أنسابها ، ولا يرثهم هو ، وميراثه لولده ومع عدمهم للإمام ، ويرث الزوج والزوجة نصيبهما الأدنى مع الولد ، والأعلى مع عدمه ، وفي رواية : ترثه أمه ومن يتقرب بها مثل ابن الملاعنة ، وهي مطروحة.

أقول : ولد الزنا لا يرثه أبوه ولا من يتقرب به إجماعا ، وهل ترثه أمه ومن يتقرب بها؟ المشهور : لا ، لانتفاء النسب الشرعي ، ولدلالة الأخبار الصحاح على عدم التوارث بينهما ، كخبر عبد الله بن سنان (٩٣) عن الصادق عليه‌السلام ، وخبر زيد الشحام عنه ، وعن الباقر عليه‌السلام ، « ان عليا عليه‌السلام كان يقول : ولد الزنا وابن الملاعنة يرثه أمه وإخوته لأمه أو عصبتها » (٩٤) والمعتمد الأول.

__________________

(٩٣) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٨ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ، حديث ٣ و ٤.

(٩٤) المصدر السابق ، حديث ٩.

١٩٣
١٩٤

ميراث الخنثى

قال رحمه‌الله : في ميراث الخنثى من له فرج الرجال والنساء يرث على الفرج الذي يسبق منه البول ، فإن جاء منهما اعتبر الذي ينقطع منه أخيرا ، فيورث عليه. فان تساويا في السبق والتأخر ، قال في الخلاف : يعمل فيه بالقرعة محتجا بالإجماع والأخبار ، وقال في النهاية والإيجاز والمبسوط : يعطى نصف ميراث رجل ونصف ميراث امرأة ، وعليه دلت رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قضاء علي عليه الصلاة والسلام ، وقال المفيد والمرتضى رحمهما‌الله : تعدّ أضلاعه ، فإن استوى جنباه فهو امرأة ، وان اختلفا فهو ذكر ، وهي رواية شريح القاضي حكاية لفعل علي عليه‌السلام ، واحتجا بالإجماع ، والرواية ضعيفة والإجماع لم يتحقق.

أقول : الخنثى من له فرج النساء وفرج الرجال ، وأحدهما أصل والآخر زائد ، فهو إما ذكر وإما أنثى ويستحيل اجتماعهما ، فاذا اتفق ذلك ورث على الأصل منهما وألغي الزائد ، وكان حكمه حكم غيره من الزوائد على أصل الخلقة ، كالإصبع الزائدة وما شاكل ذلك ، فان عرف الأصل من الزائد فلا بحث ، وإن

١٩٥

اشتبه الأصلي منهما بالزائد اعتبر الفرج الذي يسبق منه البول ، فان سبق من أحدهما ورث عليه ، لاتفاق الأصحاب ، وإن خرج منهما دفعة اعتبر بالانقطاع ، فأيهما انقطع منه أخيرا فهو الأصلي ولا اشتباه حينئذ ، وإن تساويا أخذا وانقطاعا تحقق الاشتباه ، هذا هو المشهور بين الأصحاب وهو قول الشيخين وسلار وابن حمزة (٩٥) وابن إدريس والمصنف والعلامة والشهيد ، وادعى ابن إدريس عدم الخلاف فيه بين الأصحاب.

وأما ابنا بابويه وابن أبي عقيل وابن الجنيد فجعلوا الاشكال بعد تساويهما في الأخذ ولم يعتبروا الانقطاع ، والأول هو المعتمد ، فاذا تحقق الاشكال فيه ففيه ثلاثة أقوال نقلها المصنف :

الأول : العمل بالقرعة ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، محتجا بالإجماع والاخبار ؛ لأنه أمر مشكل ، وقال الصادق عليه‌السلام : « كل مشكل فيه القرعة » (٩٦) وصورتها أن يكتب في رقعة ( عبد الله ) وفي أخرى ( أمة الله ) ، وتقول ما رواه الفضل بن يسار عن الصادق عليه‌السلام : « اللهم أنت الله لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، بين لنا أمر هذا المولود كيف يورث ما فرضت له في كتابك » (٩٧) ثمَّ يورث على ما يخرج.

الثاني : قول الشيخ في النهاية والمبسوط والإيجاز ، وهو أن يعطى نصف

__________________

(٩٥) من « ر ١ ».

(٩٦) المستدرك ، كتاب القضاء ، باب ١١ من أبواب كيفية الحكم والدعوى ، حديث ١ ، ولم أجده بلفظه.

(٩٧) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٤ من أبواب ميراث الخنثى ، حديث ٢ وفيه ( الفضيل ) بدل ( الفضل ).

١٩٦

ميراث رجل ونصف ميراث امرأة ، وهو المشهور بين (٩٨) الأصحاب ، لما رواه هشام بن سالم (٩٩) في الموثق عن الصادق عليه‌السلام الدالة على المطلوب.

الثالث قول المفيد والمرتضى وابن إدريس ، قالوا : تعد أضلاعه ، فإن استوى جنباه فهو امراة ، وإن اختلفا فهو ذكر ، واستدلوا عليه بفعل علي عليه‌السلام : في المرأة التي جاءت الى شريح (١٠٠) ، ولما روى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر ، فصار الرجال أقل من النساء (١٠١) ، والمعتمد ما هو المشهور بين الأصحاب وهو مذهب النهاية.

قال رحمه‌الله : ولو اجتمع مع الخنثى ذكر بيقين ، قيل : يكون للذكر أربعة أسهم وللخنثى ثلاثة ، ولو كان معهما أنثى كان لها سهمان ، وقيل : بل تقسم الفريضة مرتين ، وتفرض في مرة ذكر وفي أخرى أنثى ، ويعطى نصف النصيبين.

أقول : اختلف الفقهاء القائلون باستحقاقه نصف النصيبين ، في كيفية توريث الخنثى إذا اجتمع مع الذكور والإناث ، قال بعضهم : يجعل للأنثى سهمين ، وللخنثى ثلاثة ، وللذكر أربعة ؛ لأنا نجعل للأنثى أقل عدد له نصف وهو اثنان ، وللذكر ضعف ذلك أربعة ، وللخنثى نصفهما ثلاثة المجموع تسعة.

وقال آخرون : يجعل مرة ذكرا ومرة أنثى ، وتقسم الفريضة على هذا مرة ، وعلى هذا أخرى ، ثمَّ يعطى نصف النصيبين.

وهذه القسمة توافق الاولى في بعض المواضع ، وتخالفها في البعض ، كما لو اجتمع خنثى وذكر وأنثى ، فعلى القسمة الأولى تصح من تسعة للخنثى الثلث ثلاثة ، وعلى القسمة الثانية ، مسألة الذكورية من خمسة ، والانثوية من أربعة ،

__________________

(٩٨) في « م » و « ر ١ » : عند.

(٩٩) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٤ من أبواب ميراث الخنثى ، حديث ١.

(١٠٠) المصدر السابق ، حديث ٣.

(١٠١) المصدر السابق.

١٩٧

وبينهما تباين ، فيضرب أحدهما في الأخرى تبلغ عشرين للخنثى ، على تقدير كونها ذكرا ثمانية ، وعلى تقدير كونها أنثى خمسة ، وليس للمجموع نصف صحيح فتضرب اثنين مخرج النصف في عشرين تبلغ أربعين ومنها تصح الفريضة ، فيحصل لها ثلاثة عشر سهما وهي دون ثلث الأربعين بثلث سهم ، فحصل التفاوت بين القسمين.

ولو جامع الخنثى ذكر فقط فعلى القسمة الأولى الفريضة من سبعة ، للذكر أربعة وللخنثى ثلاثة ، وعلى القسمة الثانية الفريضة ، من اثنى عشر ، للذكر سبعة وللخنثى خمسة ، ولو جامع الخنثى أنثى فقط ، فعل الأولى الفريضة من خمسة ، وعلى الثانية من اثنى عشر أيضا.

قال رحمه‌الله : وفي كون الإباء والأجداد خناثى بعد ؛ لأن الولادة تنكشف عن حال الخنثى الا أن يبني على ما روي عن شريح في المرأة التي ولدت وأولدت ، [ و] قال الشيخ رحمه‌الله ولو كان الخنثى زوجا أو زوجة كان له نصف ميراث الزوج ونصف ميراث الزوجة.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : ولا يتقدر في الخنثى أن يكون أبا أو أما ؛ لأنه متى كان أبا كان ذكرا بيقين ، ومتى كان أما كان أنثى بيقين ، ويتقدر أن يكون زوجا أو زوجة على ما روي في بعض الاخبار (١٠٢) ، فله نصف ميراث الزوج ونصف ميراث الزوجة.

قلت : كون الخنثى زوجا أو زوجة أبعد من كونه أما أو أبا ؛ لأن كونه أبا أو أما قد يتفق بوطي الشبهة ، أما كونه زوجا أو زوجة فإنه يتوقف على العقد الصحيح ، مع أنه لا يصح تزويج الخنثى ما دام مشكلا ، لا برجل لاحتمال كونه رجلا ، ولا بامرأة لاحتمال كونه امرأة.

__________________

(١٠٢) المصدر السابق ، حديث ٥ ، لاحظ الجواهر ، ج ٣٩ ص ٢٩٢ آخر الصفحة وما بعده.

١٩٨

وأبعد منه إرثه نصف نصيب الزوج ونصف نصيب الزوجة ؛ لأنه إن تزوج أنثى فلا يتقدر كونه زوجة ، وإن تزوج رجلا لا يتقدر كونه زوجا ، وانما يتقدر ذلك لو تزوج خنثى مثله ، وقلنا بصحته ، مع أنا لا نقول بصحة تزويجه مطلقا ما دام مشكلا.

والرواية التي أشار إليها المصنف هي ما رواه الشيخ رحمه‌الله عن أبي الحسين قال : حدثني محمد بن الكاتب ، عن علي بن عبد الله بن معاوية ابن ميسرة بن شريح ، « قال ميسرة : قدمت الى شريح امرأة فقالت : إني جئتك مخاصمة ، فقال : واين خصمك ، فقالت : أنت خصمي ، فأخلا لها المجلس وقال : تكلمي ، فقالت : إني امرأة لي إحليل ولي فرج ، فقال : قد كان لأمير المؤمنين عليه‌السلام في هذه قضية وورث من حيث جاء البول ، فقالت : إنه يجي‌ء منهما جميعا ، فقال من أين سبق البول؟ فقالت : ليس منهما شي‌ء يسبق ، يجيئان في وقت واحد وينقطعان كذلك ، فقال : إنك لتخبرين بعجب ، فقالت : أخبرك بما هو أعجب من هذا ، تزوجني ابن عم لي وأخدمني خادما فوطئتها فأولدتها ، وإنما جئتك لمّا ولد لي لتفرق بيني وبين زوجي ، فقام من مجلس القضاء ودخل على علي عليه‌السلام وأخبره بما قالت المرأة ، فأمر بها فأدخلت وسألها عما قال القاضي ، فقالت : هو الذي أخبرك به ، قال : فاحضر زوجها ابن عمها وأخبره بما قالت المرأة فأمر بها فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : هذه امرأتك ابنة عمك؟ قال : نعم ، قال : قد علمت ما كان؟ قال : نعم ، قد أخدمتها خادما فوطئتها فأولدتها ، قال : ثمَّ وطأتها بعد ذلك؟ قال : نعم ، قال له علي عليه‌السلام : لأنت أجرأ من خاصي الأسد ، علي بدينار الخادم وكان معدولا وبامرأتين فأوتى بهم ، فقال : خذوا هذه المرأة ، إن كانت امرأة فأدخلوها بيتا وألبسوها ثيابا وجردوها من ثيابها ، وعدوا أضلاع جنبيها ، ففعلوا ذلك ثمَّ خرجوا اليه فقالوا عددنا الجنب الأيسر

١٩٩

إحدى عشر ضلعا ، والجنب الأيمن إثنا عشر ضلعا ، فقال علي عليه‌السلام : الله أكبر ايتوني بحجام ، فأخذ من شعرها وأعطاها رداء وحذاء ، وألحقها بالرجال ، فقال الزوج : يا أمير المؤمنين امرأتي وابنة عمي ألحقتها بالرجال ، ممن أخذت هذه القضية؟ قال : إني ورثتها من أبي آدم عليه‌السلام ، وحواء خلقت من ضلع آدم ، فاضلاع الرجل أقل من أضلاع النساء بضلع ، وعدد أضلاعها أضلاع رجل فأمر بهم فأخرجوها ».

قال رحمه‌الله : قال الشيخ رحمه‌الله : لو كان للميت ابن موجود وحمل ، أعطي الموجود الثلث ووقف للحمل الثلثان ؛ لأنه الأغلب في الكثرة ، وما زاد نادر ، ولو كان الموجود أنثى أعطيت الخمس حتى يتبين الحمل ، وهو حسن.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب لا اعلم فيه خلافا ، وانما نسب القول الى الشيخ لخلوه عن خبر ناطق به.

٢٠٠