غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

في الجناية على الأطراف

قال رحمه‌الله : في شعر الرأس الدية ، وكذا في شعر اللحية ، فإن نبتا فقد قيل : في اللحية ثلث الدية ، والرواية ضعيفة ، والأشبه فيه وفي شعر الرأس الأرش إن نبت ، وقال المفيد رحمه‌الله : في شعر الرأس إن لم ينبت مائة دينار ، ولا أعلم المستند ، أما شعر المرأة ففيه ديتها ، ولو نبت ففيه مهرها ، وفي الحاجبين خمس مائة دينار وفي كل واحدة نصف ذلك ، وما أصيب منه فعلى الحساب ، وفي الأهداب تردد قال في المبسوط والخلاف : الدية إن لم ينبت ، وفيها مع الأجفان ديتان ، والأقرب السقوط حالة الانضمام والأرش حالة الانفراد ، وما عدا ذلك من الشعر لا تقدير فيه ، استنادا إلى البراءة الأصلية.

أقول : أقسام الشعر خمسة :

الأول : شعر الرأس وهو لا يخلو اما أن ينبت بعد الجناية أو لا ينبت ، فان لم ينبت ففيه قولان : أحدهما الدية ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وبه قال الشيخ في النهاية وأبو الصلاح وابن حمزة وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف

٤٤١

والعلامة ، لقوله عليه‌السلام : « كل ما في البدن منه واحد ففيه الدية » (٤٤) ولما رواه سليمان بن خالد عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : قلت له : رجل دخل الحمام فصب عليه صاحب الحمام الماء الحار فأسقط شعر رأسه ولحيته فلا ينبت ابدا؟ قال : عليه دية » (٤٥) والثاني قول المفيد وهو مائة دينار عشر الدية ، قال المصنف ولا أعلم المستند ، وان نبت بعد الجناية ففيه قولان أيضا : أحدهما : مائة دينار ، وهو قول محمد بن بابويه وأبي الصلاح ، والثاني الأرش ، وهو قول الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة.

الثاني : شعر اللحية ، ولا يخلو إما أن ينبت بعد الجناية أو لا ينبت ، فان لم ينبت ففيه قولان : أحدهما : الدية كاملة ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لما رواه مسمع عن الصادق عليه‌السلام : « قال قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة ، وإن نبتت فثلث الدية » (٤٦) ويؤيده عموم : « كل ما في البدن منه واحد ففيه الدية » والثاني : مائة دينار ، قاله المفيد ، وان نبتت ففيه قولان أيضا : ثلث الدية قاله الشيخ ومحمد بن بابويه ، لرواية مسمع المتقدمة وطريقها ضعيف ، والثاني الأرش ، قاله المصنف واختاره العلامة وأبو العباس وهو المعتمد.

الثالث : شعر الحاجبين ، ولا يخلو اما أن ينبت بعد الجناية أولا ، فان لم ينبت ففيه خلاف ، والمشهور نصف الدية وفي كل واحد ربع الدية ، جزم به المصنف والعلامة ، وادعى ابن إدريس عليه الإجماع ، وظاهر المبسوط الدية كاملة ، ويؤيده قوله عليه‌السلام : « كلما في البدن منه اثنان ففيه الدية » (٤٧) ،

__________________

(٤٤) الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ١٢.

(٤٥) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٣٧ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ٢.

(٤٦) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٣٧ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ١.

(٤٧) وسائل ، كتاب الديات ، باب ٣٧ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ١.

٤٤٢

وقال سلار : روي فيهما إذا لم ينبتا مائة دينار (٤٨) ، والأول هو المعتمد.

الرابع : شعر الأهداب ، وهو شعر الأجفان وفيه خلاف للأصحاب ، قال الشيخ في المبسوط والخلاف : فيه كمال الدية ، واحتج بإجماع الفرقة ، وبه قال ابن حمزة ، والعلامة في القواعد ، وابنه في الإيضاح ، وقال ابن البراج : نصف الدية ، وقال ابن إدريس بوجوب الأرش حالة الانفراد ، والسقوط حالة الانضمام إلى الأجفان ؛ لأن الأهداب تتبع الأجفان كشعر الساعدين ، واختاره المصنف ومال إليه العلامة في التحرير والمختلف ، قال أبو العباس : وهو متين ، وقال الشيخ في المبسوط : يقتضي مذهبنا أن في الأجفان والأهداب ديتين ، واختاره العلامة في القواعد وابنه في الإيضاح.

الخامس : ما عدا ذلك من الشعر كشعر البطن والعانة والساقين والساعدين ، وفيه الأرش مع الانفراد ، ولا شي‌ء مع الانضمام إجماعا.

تنبيه : إذا قلع شعر الرأس أو اللحية نظر فان حكم أهل الخبرة بعدم النبات بان يذهب على وجه لا يرجى عوده ، مثل أن يقلب على رأسه ماء حار فيفسد المنبت وينقطع بالكلية بحيث لا يعود ، دفعت إليه الدية ، فإن عرض الإنبات بعد ذلك رجع عليه بالفاضل من الثلث أو الأرش على الخلاف ، وإن لم يحكم أهل الخبرة بعدم عوده بل حكموا بعوده أو اشتبه عليهم ولم يوجد من يعلم ذلك انتظر به سنة ، لما رواه الشيخ ، عن سلمه بن تمام ، « قال : أهرق رجل قدرا فيها مرق على رأس رجل فذهب شعره فاختصموا في ذلك الى علي عليه‌السلام فأجله سنة ، فجاء ولم ينبت شعره فقضى عليه بالدية » (٤٩) ولو طلب الدية قبل

__________________

(٤٨) المراسم ص ٢٤٥ مع تفاوت فليراجع.

(٤٩) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٣٧ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ٣.

٤٤٣

السنه لم يجب ، ولو طلب الأرش وأرجى الباقي أعطي ذلك.

قال رحمه‌الله : وفي الأجفان الدية وفي تقدير كل جفن خلاف قال في المبسوط : في كل واحد ربع الدية ، وفي الخلاف : في الأعلى ثلثا الدية ، وفي الأسفل الثلث ، وفي موضع آخر : في الأعلى ثلث الدية وفي الأسفل النصف ، وينقص على هذا التقدير سدس الدية ، والقول بهذا كثير ، وفي الجناية على بعضها بحساب ديتها.

أقول : لا خلاف في وجوب الدية في الأجفان إذا قلعت جميعا ، والخلاف انما هو في تقدير كل واحد على الانفراد ، وللأصحاب فيه ثلاثة أقوال :

الأول : في كل واحد ربع الدية ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، وهو اختيار أبي العباس ، قال : واختاره المصنف والعلامة ، والمستند رواية هشام بن سالم (٥٠) ، وهي غير مسندة الى امام لكن الراوي ثقة.

الثاني : في الأسفل الثلث وفي الأعلى الثلثان ، قاله الشيخ في الخلاف محتجا بإجماع الفرقة وأخبارهم ، واختاره ابن إدريس.

الثالث : في الأعلى الثلث وفي الأسفل النصف ، قاله الشيخان في النهاية والمقنعة ، وبه قال ابن الجنيد وابن حمزة وأبو الصلاح ، فعلى هذا ينقص سدس الدية ، والمستند رواية ظريف بن ناصح (٥١) عن الصادق عليه‌السلام.

قال رحمه‌الله : أما العوراء ففي خسفها روايتان ، إحداهما : ربع الدية ، وهي متروكة ، والأخرى : ثلث الدية ، وهي مشهورة ، سواء كانت خلقه أو بجناية جان ، ووهم هاهنا وأهم فتوق زلله.

أقول : الأولى رواية عبد الله بن جعفر عن الصادق عليه‌السلام ، « في

__________________

(٥٠) الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ١٢.

(٥١) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٢ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ٣ ـ ٤.

٤٤٤

العين العورا تكون قائمة فتخسف؟ قال : قضى علي عليه‌السلام نصف الدية في العين الصحيحة » (٥٢) ومثلها رواية سليمان (٥٣) عن الصادق عليه‌السلام وبهما أفتى المفيد وسلار ، والثانية رواية بريد بن معاوية (٥٤) عن الباقر عليه‌السلام ، ومثلها صحيحة أبي بصير (٥٥) عن الباقر عليه‌السلام أيضا ، وعليهما فتوى أكثر الأصحاب ، ولا فرق في هذا الحكم بين كون العور خلقة أو بجناية جان ؛ لأنه عوض (٥٦) عضو أشل ، وانما التفصيل في صحيحة الأعور لا في فاسدته ، وفصل ابن إدريس ، قال : إن كان العور خلقة فدية كاملة ، أي دية العين كاملة بلا خلاف بين الأصحاب ، وإن كان العور بجناية جان ففيها ثلث الدية ، قال وهو اختيار شيخنا في مبسوطه ومسائل خلافه ، وذهب في نهايته الى أن فيها نصف الدية ، قال : والأول الذي اخترناه هو الأظهر الذي تقتضيه أصول مذهبنا ، والى هذا التفصيل أشار المصنف بقوله ( ووهم هنا واهم فتوق زلله ) فالواهم إشارة الى ابن إدريس ، والوهم إشارة الى عدم التدبر (٥٧) لكلام الشيخ رحمه‌الله فتوهم غير مقصود الشيخ فوقع في الغلط ، والزلل هو ما ذهب اليه من التفصيل الى كون العور خلقه أو بجناية جان ، وإيجابه في الأول نصف الدية ، وحينئذ لا بد من إيراد لفظ الشيخ في النهاية ليتبين الوهم فهذا لفظه رحمه‌الله : وفي العين العوراء الدية كاملة إذا كانت خلقة أو قد ذهبت بآفة من جهة الله تعالى ، وإن كانت قد ذهبت وأخذ

__________________

(٥٢) المصدر السابق ، باب ٢٩ ، حديث ١.

(٥٣) المصدر السابق ، حديث ٢ وفيه عبد الله بن سليمان.

(٥٤) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٣١ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ١.

(٥٥) المصدر السابق ، حديث ٢.

(٥٦) ليست في النسخ.

(٥٧) في النسخ : فهم.

٤٤٥

ديتها أو استحق ديتها وان لم يأخذها ، كان فيها نصف القيمة (٥٨) ، هذه عبارة الشيخ في النهاية ، وابن إدريس فهم من كلام الشيخ أن مراده بالعين العوراء العين الفاسدة كما هو ظاهر اللفظ ، وأن مراده بالدية الكاملة دية العين لا دية النفس ، وان المراد بنصف القيمة نصف دية العين ، لا نصف دية النفس ، وليس ذلك مقصود الشيخ بل انما قصده بالعوراء الصحيحة ، وبالدية الكاملة دية النفس ، وبنصف القيمة نصف دية النفس ، كما تضمنه خبر العلاء بن الفضل عن الصادق عليه‌السلام في حديث ، الى أن قال : « وفي لسانه الدية تامة وأذنيه الدية تامة ، والرجلان بتلك المنزلة ، والعينان بتلك المنزلة ، والعين العوراء الدية تامة ، والإصبع من اليد أو الرجل فعشر الدية » (٥٩) والشيخ استعمل ذلك تبعا للفظ الرواية واتساعا في اللغة ، وانما أطلق على الصحيحة اسم العوراء حيث لا أخت لها من جنسها ، وفي الحديث : إن أبا لهب اعترض على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند إظهار الدعوى ، فقال له أبو طالب يا أعور ما أنت وهذا؟ قال ابن الأعرابي : ولم يكن أبو لهب أعور وانما العرب تقول للذي ليس له أخ من أبيه وأمه أعور ، فلهذا أطلق الشيخ على الصحيحة اسم العوراء.

فلم يفهم ابن إدريس مراده ، وليس ذلك لقصور علم ابن إدريس ، ولا لبلادته. لأن فضله غير منكور ، ولكن الحكمة اقتضت وقوع الغلط من غير المعصوم وان كان حاذقا ، فلا بد من وجود معصوم حافظا للشرع ، والا لجاز ان يكلف الله الخلق بغير المشروع ، وهو قبيح تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

قال رحمه‌الله : وفي الروثة ، وهي الحاجز بين المنخرين نصف الدية ، وقال ابن بابويه : هي مجمع المارن ، وقال أهل اللغة : هي طرف المارن.

__________________

(٥٨) في « ن » : الدية.

(٥٩) الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ١١.

٤٤٦

أقول : للفقهاء في تفسير الروثة قولان ، أحدهما : ما قاله المصنف ، وبه قال العلامة ، والثاني ما حكاه (٦٠) علي بن بابويه ، وهو موافق لما قاله أهل اللغة ؛ لأن مجتمع المارن هو طرفه ، وفي ديتها قولان : أحدهما نصف الدية كما قاله المصنف ، وهو قول الشيخ في النهاية والمبسوط ، واختاره العلامة في القواعد ، ونقل في القواعد قولا أن فيها الثلث ، لاشتمال المارن على ثلاثة أجزاء ، على المنخرين والروثة فتقسم الدية عليها ، لأصالة البراءة من الزائد.

قال رحمه‌الله : وفي أحد المنخرين نصف الدية ؛ لأنه إذهاب نصف المنفعة ، وهو اختياره في المبسوط ، وفي رواية غياث ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام : ثلث الدية ، وكذا في رواية عبد الرحمن العرفي ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام ، وفي الرواية ضعف غير أن العمل بمضمونها أشبه.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال : الأول : نصف الدية ، لأن في الأنف الدية ، وهو منخران فنقسم الدية عليها ، ولأنه أذهب نصف المنفعة ونصف الجمال ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط فتقسم الدية عليهما ، وبه قال ابن إدريس ، الثاني : ثلث الدية ؛ لأن الأنف مشتمل على ثلاثة أجزاء على منخرين وحاجز ، فتقسم الدية عليها أثلاثا ، وللروايتين المذكورتين (٦١) واختاره المصنف والعلامة في المختلف والتحرير ، وهو مذهب ابن الجنيد ، وقواه فخر الدين ، الثالث : الرابع ، وهو قول أبي الصلاح وابن زهرة ، لاشتمال الأنف على أربعة : المنخرين والروثة والحاجز ، على قول من يقول أن الروثة غير الحاجز ، كقول ابن بابويه وأهل اللغة.

__________________

(٦٠) في « ر ١ » : عن علي.

(٦١) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٤٣ من ديات الأعضاء ، حديث ١ ، رواية غياث والباب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ١٣.

٤٤٧

قال رحمه‌الله : الأذنان ، وفيهما الدية ، وفي كل واحدة نصف الدية وفي بعضها بحساب ديتها ، وفي شحمتها ثلث ديتها على رواية فيها ضعف ، لكن يؤيدها الشهرة ، قال بعض الأصحاب : وفي خرمها ثلث ديتها ، وفسره واحد بخرم الشحمة ، وبثلث دية الشحمة.

أقول : قال الشيخ في النهاية : وفي شحمة الاذن ثلث دية الاذن ، وكذلك في خرمها ثلث ديتها ، قال ابن إدريس : يعني في خرم الشحمة ثلث دية الشحمة ، وهو ثلث الثلث الذي هو دية الشحمة ، وقال في الخلاف : في شحمة الاذن ثلث دية الاذن وكذلك في خرمها ، قال العلامة في المختلف ـ بعد أن حكى قول الشيخ في الخلاف ـ : فهذا يدل على أنه أراد في النهاية خرم الاذن فثلث دية الاذن ، لا كما قال ابن إدريس ، ثمَّ حكى عبارة المبسوط ثمَّ قال : وتأويل ابن إدريس لا دليل عليه ، والظاهر أن المصنف لم يرض بتأويل ابن إدريس أيضا.

قال رحمه‌الله : الشفتان وفيهما الدية إجماعا ، وفي تقدير كل واحدة خلاف قال في المبسوط في العليا الثلث ، وفي السفلى الثلثان ، وهو خيرة المفيد رحمه‌الله ، وفي الخلاف : في العليا أربع مائة ، وفي السفلى ست مائة ، وهي رواية أبي جميلة ، عن أبان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وذكره طريف في كتابه أيضا وفي أبي جميلة ضعف ، وقال ابن بابويه : هو مأثور عن طريف أيضا في العليا نصف الدية ، وفي السفلى الثلثان ، وهو نادر ، وفيه مع ندوره زيادة لا معنى لها. وقال ابن أبي عقيل : هما سواء في الدية ، استنادا الى قولهم عليهم‌السلام : كل ما في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية ، وهذا حسن ، وفي قطع بعضها بنسبة مساحتها. وحد الشفة السفلى عرضا ما تجافى عن اللثة مع طول الفم ، والعليا ما تجافى عن اللثة متصلا بالمنخرين والحاجز مع طول الفم ، وليس حاشية الشدقين منها.

أقول : حكى المصنف للأصحاب هنا أربعة أقوال :

٤٤٨

الأول : في العليا الثلث ، وفي السفلى الثلثان ، حكاه الشيخ في المبسوط ، قال : وهو خيرة المفيد ، وبه قال أبو الصلاح وسلار ، لزيادة منفعة السفلى على العليا ؛ لأنها تمسك الطعام والشراب ، وشينها أقبح من شين العليا ، قال المفيد : وبهذا ثبتت الآثار عن أئمة الهدى عليهم‌السلام.

الثاني : في العليا أربع مائة ، وفي السفلى ست مائة ، حكاه عن الشيخ في الخلاف ، قال : وهي رواية أبي جميلة (٦٢) ، عن أبان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وذكره ظريف (٦٣) في كتابه أيضا ، وفي أبي جميلة ضعف.

الثالث : في العليا نصف الدية وفي السفلى الثلثان ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة ومحمد بن بابويه ، واختاره العلامة في المختلف ، والمستند ما ذكره المصنف (٦٤) ، قال : وهو نادر ، وفيه مع ندوره زياده لا معنى لها ، وهذا القول مذهب ابن الجنيد ؛ لأن السفلى تمسك الطعام والشراب وتمسك اللعاب ، فتزاد ديتها عملا بالمناسبة.

الرابع : كونهما سواء في الدية ، في كل واحدة منهما النصف ، حكاه عن ابن أبي عقيل واستحسنه المصنف هنا ، وقواه في المختصر وهو ظاهر العلامة في القواعد والتحرير والإرشاد ، واختاره أبو العباس ، والمستند رواية هشام بن سالم ، « قال : كل ما في الإنسان منه اثنان ففيهما الدية ، وفي أحدهما نصف الدية » (٦٥) ، وهي مقطوعة لكن رجالها ثقاة ، قال العلامة في التحرير : وان لم يسندها الى امام الا أن هشاما ثقة ، والظاهر أنه سمعها من الامام.

قال رحمه‌الله : ولو تقلصت ، قال الشيخ : فيه ديتها ، والأقرب الحكومة ،

__________________

(٦٢) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٥ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ٢.

(٦٣) المصدر السابق ، حديث ١.

(٦٤) المصدر السابق.

(٦٥) الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ١٢.

٤٤٩

ولو استرختا فثلثا الدية.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، لذهاب منفعتها بالكلية ، ووجه القرب (٦٦) فيما اختاره المصنف أصالة براءة الذمة من وجوب الدية تامة ، ولعدم التقدير في ذلك ، فيرجع الى الأرش ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : أما الصحيح فيعتبر بحروف المعجم ، وهي ثمانية وعشرون حرفا ، وفي رواية تسعة وعشرون حرفا ، وهي مطرحة.

أقول : أشار الى ما رواه حماد بن عيسى (٦٧) عن الصادق عليه‌السلام ، وعمل الأصحاب على الثمانية والعشرين ، ولا فرق بين الحروف اللسنية والحلقية ، ولا بين الثقيلة والخفيفة.

قال رحمه‌الله : ولو ادعى الصحيح ذهاب نطقة [ عند الجناية ] ، صدق مع القسامة ، لتعذر البينة ، وفي رواية : يضرب لسانه بإبرة ، فإن خرج الدم أسود صدق ، وإن خرج أحمر كذب.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الأصبغ بن نباتة ، « قال : سألت أمير المؤمنين عليه‌السلام عن رجل ضرب رجلا على هامته فادعى المضروب أنه لا يبصر شيئا ، ولا يشم الرائحة ، وأنه قد ذهب لسانه ، كيف يعلم انه صادق؟ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اما ما ادعاه أنه لا يشم الرائحة فإنه يدنى منه الحراق فان كان كما يقول والأحول أنفه ودمعت عيناه ، وأما ما ادعاه في عينيه فإنه يقابل بعينه عين الشمس ، فان كان كاذبا لم يتمالك حتى يغمض عينيه ، وإن كان صادقا بقيتا مفتوحتين ، وأما ما ادعاه من لسانه فإنه يضرب لسانه بالإبرة ، فإن خرج

__________________

(٦٦) في « ن » : الفرق.

(٦٧) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٢ من أبواب ديات المنافع ، حديث ٥.

٤٥٠

الدم أحمر فقد كذب وان خرج الدم أسود فقد صدق » (٦٨) ، وقال الشيخ : يثبت حقه بالقسامة ، واختاره المصنف والعلامة.

قال رحمه‌الله : ولو جنى على لسانه فذهب كلامه ثمَّ عاد ، هل تستعاد الدية؟ قال في المبسوط : نعم ، لأنه لو ذهب لما عاد ، وقال في الخلاف : لا ، وهو أشبه.

أقول : أما حجة الشيخ في المبسوط فقد حكاها المصنف ، وأما حجته في الخلاف فإن العائد من الكلام هبة متجددة من الله تعالى ، والمجني عليه قد استحق الدية بسبب الجناية الموجبة لها ، فلا تستعاد بسبب الهبة من الله تعالى ، وفصل في القواعد ، قال : والأقرب الاستعادة إن علم أن الذاهب أو لا ليس بدائم ، والا فلا معناه ان حكم أهل الخبرة بعدم دوام الذهاب ، بل يحتمل عود النطق ، وان كان بعلاج ثمَّ عاد استعيدت الدية ، وان حكموا بدوام الذهاب وعدم عود النطق ثمَّ عاد لم تستعاد الدية ؛ لأنه هبة متجددة حينئذ ، وهذا التفصيل لا بأس به لما فيه من الجمع بين القولين.

قال رحمه‌الله : وليس للزائدة دية إن قلعت منضمة إلى البواقي ، وفيها ثلث دية الأصلي إن قلعت منفردة ، وقيل : فيها الحكومة ، والأول أظهر.

أقول : القائل بالحكومة هو المفيد رحمه‌الله قال : وما زاد على هذه الأسنان فليس له دية مقطوعة شرعا ، لكن ينظر ما نقص من قيمة صاحبه بذهابه منه على تقدير أن يكون عبدا ويعطى بحسابه ، والمشهور الأول ، لأصالة براءة الذمة من الزائد عما قرره الشارع.

قال رحمه‌الله : ولو اسودت السن بالجناية ولم يسقط فثلثا ديتها وفيها بعد الاسوداد الثلث على الأشهر.

__________________

(٦٨) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٤ من أبواب ديات المنافع ، حديث ١.

٤٥١

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا اسودت السن بالجناية كان فيها الثلثان ، قاله الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس وهو المعتمد ، والمستند رواية عبد الله بن سنان (٦٩) ، وقال في المبسوط : فيها الحكومة.

الثانية : إذا قلعت بعد الاسوداد بالجناية ففيها ثلث الدية عند الشيخ في الخلاف ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، لرواية العزرمي ، عن أبيه ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام ، « في السن السوداء ثلث ديتها » (٧٠) ، ولأنها في معنى الأشل ، وقال في المبسوط : فيها الحكومة ؛ لأنها المتيقن وما زاد من التقدير في رواية ضعيفة السند لا تعارض البراءة الأصلية ، وقال في النهاية : فيها ربع دية السن ، لرواية عجلان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في السن السوداء ربع دية السن » (٧١) ، وهي ضعيفة السند.

قال رحمه‌الله : وفي انصداعها ولم تسقط ثلثا ديتها ، وفي الرواية ضعف ، والحكومة أشبه.

أقول : وجوب الثلاثين مع الانصداع أي التخلخل ، وعدم السقوط مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره العلامة في القواعد ، ولعله تشبيه بالشلاء وكونها في معرض السقوط ، وأما الرواية المشار إليها بالضعف فلم نقف عليها ، واختار ( المصنف و) (٧٢) العلامة الحكومة ، لأصالة براءة الذمة من وجوب شي‌ء مقدر ؛ لان التقدير حكم شرعي يتوقف على الدلالة الشرعية وليس.

قال رحمه‌الله : والدية في المقلوعة مع سنخها ، وهو الثابت منها في اللثة ،

__________________

(٦٩) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٨ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ٤.

(٧٠) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٤٣ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ٢.

(٧١) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٤٠ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ٣.

(٧٢) ما بين القوسين ليس في النسخ.

٤٥٢

ولو كسر ما برز عن اللثة فيه تردد ، والأقرب أن فيه دية السن.

أقول : منشؤه من أن الدية الكاملة انما تكون في مجموع السن ، والمجموع ما كان بارزا منه مع ما هو في اللثة ، ومع عدمه فلا يجب الدية كاملة بدون المجموع ، ومن إطلاق اسم السن على ما كان بارز منه عن اللثة ، قال الشيخ وابن إدريس : السن ما شاهدته بارزا منه عن اللثة ، والسنخ أصله ، وجزم العلامة بوجوب الدية في البارز عن اللثة وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وينظر بسن الصغير ، فان نبتت لزم الأرش ، ولو لم ينبت فدية المثغر ، ومن الأصحاب من قال : فيها بعير ولم يفصل ، وفي الرواية ضعف.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه النوفلي (٧٣) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وهي ضعيفة السند ، والمعتمد التفصيل الذي ذكره المصنف ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والخلاف ، وتبعه القاضي وابن إدريس واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد.

تنبيه : أطلق أكثر الأصحاب الانتظار من غير تعيين (٧٤) المدة ، وقيده العلامة بالسنة ؛ لأنه الغالب. وأورد عليه الشهيد بان من بلغ أربع سنين العادة قاضية بأن سنة لو قلعت لم تنبت الا بعد مدة تزيد عن السنة قطعا ، قال : وانما هذا شي‌ء اختص به المصنف رحمه‌الله ـ يعني العلامة ـ ولا أعلم وجه ما قاله ، وهو أعلم بما قال ، ثمَّ اختار التقييد بنبات أسنانه بعد سقوطها ، وفاقا لما قاله ابن البراج في المهذب قال : وينبغي للمجني عليه أن يصبر حتى تسقط أسنانه التي هي أسنان اللبن وتعود.

فرع : لو مات الصبي في مدة الانتظار قبل عودها وقبل اليأس منه لزم

__________________

(٧٣) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٣٣ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ٣.

(٧٤) في الأصل : تقييد.

٤٥٣

الجاني الأرش ، فيقوم مقلوع السن من حين الجناية إلى حين الموت وسليما هذه المدة ، وتؤخذ من الدية بنسبة تفاوت القيمتين.

قال رحمه‌الله : ولو قطعت من المرفق أو من المنكب ، قال في المبسوط : عندنا فيه مقدر ، محيلا على التهذيب.

أقول : في اليدين معا الدية كاملة ، وفي كل واحدة نصف الدية سواء اليمين والشمال ، وحدها المعصم وهو المفصل الذي بين الكف والذراع ، فلو قطعت مع الأصابع فدية واحدة خمس مائة دينار ، فان قطعت الأصابع منفردة ففيهما (٧٥) خمس مائة دينار ، ولو قطع كفا لا أصابع لها فالحكومة ، سواء ذهبت الأصابع بجناية جان أو من قبل الله تعالى ، ولو قطع مع اليد بعض الزند في اليد خمس مائة دينار ، وفي الزائد حكومة ، وهذا كله مما لا أشكال فيه.

ولو قطع اليد من المرفق أو المنكب ، قال الشيخ في المبسوط : واليد التي تجب نصف الدية فيها هي الكف الى الكوع ، وهي ان يقطعها من المفصل الذي بينها وبين الكوع ، فان قطع أكثر من ذلك كان فيها دية وحكومة بقدر ما قطع ، فان كان من نصف الذراع أو من المرفق أو العضد أو المنكب ففي الزائد حكومة ، وكلما كانت الزيادة أكثر كانت الحكومة أكثر ، وعندنا أن جميع ذلك فيه مقدر ذكرناه في تهذيب الاحكام ، وهو يعطي أن الحكومة ليست مذهبا له وانما نقلها عن المخالف ، وقال المفيد : في اليدين إذا استؤصلتا الدية كاملة ، وكذا في الذراع والذراعين والعضد والعضدين ، وهو يعطي أن في الذراع وحده منفردا الدية ، وكذا في العضد ، وبه قال أبو الصلاح ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، وابنه في الإيضاح ، لقوله عليه‌السلام : « كلما في البدن منه اثنان ففيه الدية » (٧٦)

__________________

(٧٥) كذا.

(٧٦) تقدم في الهامش (٢) من ص ٤٣٤ والموجود فيه ( ففيهما ) بدل ( ففيه ).

٤٥٤

ويحتمل في الذراعين والعضدين الحكومة ؛ لأن الشارع لم يقدر لها دية بانفرادها (٧٧) ، وتحقيق الأول : أن اليد إذا قطعت من المعصم أو من المرفق أو من المنكب ففيها الدية خاصة ، وان قطعت من غير المفصل (٧٨) بل من بعض الزند أو بعض العضد ففيها دية وحكومة ، وإن قطعت من المعصم ثمَّ قطعت من المرفق كان فيها ديتان ، فان قطعت بعد ذلك من المنكب كان فيها دية أخرى ثالثة ، ولو قطعت أولا من مفصل ، وثانيا من غير مفصل كان في الأول دية وفي الثاني حكومة وهذا التحقيق مذهب المفيد وأبي الصلاح والقواعد والتحرير وهو المعتمد ، وظاهر المصنف العمل على ذلك ؛ لأنه قال في آخر كلامه : ويظهر لي في الذراعين الدية ، وكذا في العضدين ، وفي كل واحد نصف الدية.

قال رحمه‌الله : فلو قطعهما ففي الأصلية دية ، وفي الزائدة حكومة ، وقال في المبسوط : ثلث دية الأصلية ، ولعله تشبيه بالسن.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن في اليد الزائدة حكومة ؛ لأن الشارع لم يجعل لها دية مقدرة ، وما ليس له مقدر فيه الحكومة ، والظاهر أن الشيخ أحال اليد الزائدة على السن الزائدة ، فكما أن في السن الزائدة ثلث الأصلية كذلك في اليد الزائدة ثلث الأصلية ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وفي أصابع اليدين الدية ، وكذا في أصابع الرجلين ، وفي كل واحدة ثمن الدية ، وقيل : في الإبهام ثلث الدية ، وفي الأربعة البواقي الثلثان بالسوية.

أقول : القائل أبو الصلاح وابن حمزة ، والمشهور الأول وهو مذهب

__________________

(٧٧) في الأصل : لانفرادها.

(٧٨) في النسخ : مفصل.

٤٥٥

الشيخين وابن الجنيد (٧٩) وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، ومستند الفريقين الروايات (٨٠).

قال رحمه‌الله : وفي الظفر إذا لم ينبت عشرة دنانير ، وكذا لو نبت أسود ، ولو نبت أبيض كان فيه خمسة دنانير ، وفي الرواية ضعف غير أنها مشهورة ، وفي رواية عبد الله بن سنان في الظفر خمسة دنانير.

أقول : الرواية الأولى المشار إليها بالضعف رواية مسمع بن عبد الملك (٨١) عن الصادق عليه‌السلام ، وفي طريقها محمد بن الحسن بن شمون (٨٢) ، قال ابن الغضائري : إنه وقف ثمَّ غلا فلا يلتفت الى مصنفاته وسائر ما ينسب اليه ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة ، والرواية الثانية (٨٣) محمولة على نباته أبيض ، لوجوب حمل المطلق على المقيد ، وقال ابن إدريس يجب ثلثا ديته إذا خرج أسود ، وجنح إليه العلامة في المختلف ، واختاره فخر الدين واستحسنه أبو العباس ، لأصالة براءة الذمة وشغلها يحتاج الى دليل ، وأيضا فليس خروجه أسود كلا خروجه ، فيكون ديته حال خروجه أسود أقل من ديته حال عدم خروجه عملا بالمناسبة.

قال رحمه‌الله : الثاني عشر : الظهر ، وفيه إذا كسر الدية ، وكذا إذا أصيب واحدودب أو صار بحيث لا يقدر على القعود ، ولو صلح كان فيه ثلث الدية ، وفي رواية ظريف : إن كسر الصلب فجبر على غير عيب فمائة دينار ، وان عثم فألف دينار ولو كسر فشلت الرجلان فدية له ، وثلثا دية للرجلين ، وفي الخلاف : لو

__________________

(٧٩) ليس في « ر ١ ».

(٨٠) الوسائل ، كتاب الديات ، احاديث باب ١٢ و ٣٩ من أبواب ديات الأعضاء.

(٨١) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٤١ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ١.

(٨٢) في « ن » : الحسين بن ميمون ، وفي « ر ١ » : الحسن بن شمعون.

(٨٣) المصدر المتقدم ، حديث ٢.

٤٥٦

كسر الصلب فذهب مشيه وجماعه فديتان.

أقول : مختار المصنف هو المشهور بين الأصحاب ، ومستندهم صحيحة الحلبي (٨٤) عن الصادق عليه‌السلام ، وما حكاه عن الخلاف من وجوب الديتين بذهاب المشي والجماع هو المشهور بين الأصحاب أيضا ، وجزم به العلامة في القواعد ، فعلى هذا لو جبر صلبه فعادت إحدى المنفعتين وجبت دية واحدة ، ولو عادت ناقصة فدية وحكومة عن نقص العائدة ، والقول قول المجني عليه مع يمينه في ذهاب الجماع إن ادعاه ، وشهدت أهل الخبرة أن هذه الجناية تؤدي الى ذهابه والا فلا ، ولو ذهب ماؤه دون جماعه احتمل وجوب الدية ؛ لأنه أذهب منفعة مقصودة ، ويحتمل الحكومة ؛ لأنه لم يذهب المنفعة أجمع وهو أقوى (٨٥).

قال رحمه‌الله : ولو قطع الحلمتين ، قال في المبسوط فيهما الدية ، وفيه إشكال من حيث أن الدية في الثديين ، والحلمتان بعضهما ، أما حملتا الرجل ففي المبسوط والخلاف : فيهما الدية ، وقال ابن بابويه رحمه‌الله : في حلمة ثدي الرجل ثمن الدية ، مائة وخمسة وعشرون دينارا ، وكذا ذكر الشيخ رحمه‌الله في التهذيب عن طريف ، وفي إيجاب الدية فيهما بعد ، والشيخ أضرب عن رواية ظريف ، وتمسك بالحديث الذي مر في فصل الشفتين.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في حلمة ثدي المرأة ، وقد حكى عن (٨٦) الشيخ في الكتابين أن فيهما الدية ثمَّ استشكله ؛ لأن الدية في الثديين والحلمة بعضهما ، فلو وجب في الحلمة ما وجب في الجميع لزم مساواة الكل للبعض وهو باطل ، ونقض بالأنف

__________________

(٨٤) الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ٤.

(٨٥) في النسخ : قوي.

(٨٦) ليست في « ر ١ ».

٤٥٧

واليد والذكر ، وأجيب بوجود النص هنا وفقده هناك. احتج الشيخ بـ « كل ما فيه من البدن اثنان فيه الدية » ، وفخر الدين ذهب الى وجوب الحكومة وهو ظاهر المصنف.

الثانية : في حلمة ثدي الرجل وقد حكى المصنف (٨٧) عن الشيخ أن فيهما الدية ، لقوله عليه‌السلام : « كل ما في البدن منه اثنان ففيه الدية » ، ثمَّ حكى قول ابن بابويه ( أيضا ، وابن إدريس والعلامة في المختلف تابعا الشيخ ، وابن الجنيد وابن حمزة تابعا ابن بابويه ) (٨٨) والمصنف استبعد الدية لما مر من الاشكال المتقدم في حلمتي المرأة وظاهره وجوب الحكومة وهو اختيار فخر الدين لان ذلك هو المتيقن وما عداه مشكوك فيه والأصل براءة الذمة.

قال رحمه‌الله : وفي الخصيتين الدية ، وفي كل واحدة نصف الدية ، وفي رواية في اليسرى ثلثا الدية ؛ لأن منها الولد ، والرواية حسنة لكن تتضمن عدولا عن عموم الروايات المشهورة.

أقول : الرواية إشارة الى حسنة عبد الله بن سنان (٨٩) عن الصادق عليه‌السلام ، وبمضمونها أفتى الشيخ في الخلاف ، وتبعه ابن حمزة وابن البراج في المهذب وسلار ، قال المصنف : لكن يتضمن عدولا عن عموم الروايات المشهورة ، والمراد به ما ورد من قولهم : « كل ما في البدن منه اثنان ففيهما الدية » والمشهور التساوي فيهما ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وفي أدرة الخصيتين أربع مائة دينار ، فان فحج فلم يقدر

__________________

(٨٧) ليست في « م ».

(٨٨) ما بين القوسين ليس في « ر ١ ».

(٨٩) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ١ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ١.

٤٥٨

على المشي فثمان مائة دينار ، ومستنده كتاب ظريف غير أن الشهرة تؤيده.

أقول : قال صاحب الصحاح الأدرة : نفخة في الخصية ، يقال رجل أدر بين الأدرة ، وتسمى في العرف القروة ، والمستند (٩٠) وان كان ضعيفا لكن عليه عمل الأصحاب.

قال رحمه‌الله : وفي إفضاء المرأة ديتها ، ولو كانت المكرهة بكرا ، هل يجب لها أرش البكارة زائدا عن المهر؟ فيه تردد ، والأشبه وجوبه.

أقول : منشؤه من أنه فعل واحد فيجب مهر المثل وهو (٩١) عوض الوطي ، فلا يجب غيره ، ومن أنه جناية زائدة عن الوطي فوجب عليه أرشها ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو كسر بعصوصه فلم يملك غائطه ، كان فيه الدية ، وهي رواية سليمان بن خالد ، ومن ضرب عجانه فلم يملك غائطه ولا بوله ، ففيه الدية ، وهي رواية إسحاق بن عمار.

أقول : البعصوص عظم دقيق حول الدبر ، والعجان ما بين الخصية إلى حلقة الدبر ، وقد ذكر المصنف مستند الحكم (٩٢) في ذلك ولم أجد فيه مخالفا بل فتاوى الأصحاب متطابقة على ذلك.

قال رحمه‌الله : قال في المبسوط والخلاف : في الترقوتين الدية ، وفي كل واحدة منهما مقدر عند أصحابنا ، ولعله إشارة الى ما ذكره الجماعة عن ظريف ، وهو في الترقوة إذا كسرت فجبرت على غير عيب أربعون دينارا.

أقول : المشهور بين الأصحاب ما ذكره الشيخ في الكتابين المذكورين ،

__________________

(٩٠) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ١٨ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ١.

(٩١) ليست في الأصل.

(٩٢) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٩ من أبواب ديات المنافع ، حديث ١ ـ ٢.

٤٥٩

وجزم به العلامة ، والمستند كتاب ظريف (٩٣) والمصنف لم يجزم بذلك ؛ لأن التقدير حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ولم يذكر الأصحاب حكمها إذا لم تجبر أو جبرت على عيب (٩٤) ، والظاهر أن فيهما الدية وفي كل واحدة نصف الدية ، لعموم قوله عليه‌السلام : « كل مافي البدن منه اثنان ففيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية،وما كان فيه واحد ففيه الدية ».

قال رحمه‌الله : من داس بطن إنسان حتى أحدث ديس بطنه أو يفتدي ذلك بثلث الدية ، وهي رواية السكوني ، وهو ضعيف.

أقول : روى السكوني عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : رفع الى أمير المؤمنين عليه‌السلام رجل داس بطن رجل حتى أحدث في ثيابه ، فقضى عليه أن يداس بطنه حتى يحدث كما أحدث أو يغرم ثلث الدية » (٩٥) وبمضمونها أفتى الشيخان وابن حمزة ، وقال ابن إدريس : لا قصاص هنا ، لما فيه من التغرير بالنفس (٩٦) واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، ويقضي على الجاني بالحكومة ؛ لأنه المتيقن ، والتقدير بالثلث حكم شرعي فلا يثبت بمثل رواية السكوني لضعفه ، وإنما يثبت بالأخبار الضعيفة ما اعتضد بالأصل أو بعمل الأصحاب.

قال رحمه‌الله : من افتض بكرا بإصبعه فخرق مثانتها فلم تملك بولها ، فعليه ثلث ديتها ، وفي رواية ديتها ، وهو أولى ، وقيل : مهر نسائها.

أقول : أما وجوب ثلث ديتها فرواية محمد بن بابويه في من لا يحضره الفقيه والشيخ في التهذيب عن علي عليه‌السلام ، « في رجل افتض جارية بإصبعه

__________________

(٩٣) الوسائل ، كتاب الديات ، باب ٩ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ١.

(٩٤) في « م » : غير عيب.

(٩٥) الوسائل ، كتاب القصاص ، باب ٢٠ من أبواب قصاص الطرف ، حديث ١.

(٩٦) في الأصل : التعزير في النفس.

٤٦٠