معتمد الشيعة في أحكام الشريعة

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]

معتمد الشيعة في أحكام الشريعة

المؤلف:

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

ولا يستحب عندنا القيام للجنازة ؛ للصحيح والخبرين (١). وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « إذا رأيتم الجنازة فقوموا » (٢) منسوخ ؛ لقول علي عليه‌السلام : « إنّه قام لها ثمّ ترك » (٣).

والمشهور كراهة حمل ميّتين على سرير واحد ، وقيل بحرمته (٤) ؛ لظاهر النهي في الصحيح والرضوي (٥).

قلنا : الأوّل لا يفيد تمام المطلوب ؛ لاختصاصه بصورة المخالفة ولا قائل بالتفصيل ، والثاني لضعفه غير ناهض بإثبات الحرمة.

فاللازم حمل النهي المطلق على الكراهة ، والمقيّد على تأكّدها ، كما عليه المشهور.

مسألة

[ حمل الميّت إلى القبر ] :

حمل الميّت إلى القبر واجب كفاية ، والأفضل كما مرّ أن يكون على السرير ، وليس فيه دناءة وسقوط مروءة ؛ لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جنازة سعدٍ (٦) ، ولم يزل عليه شائعاً ذائعاً أكابر الصحابة والتابعين ومن لحقهم من سلفنا الصالحين ؛ لما فيه من إكرام المؤمن وإعزازه.

وهو وظيفة الرجال دون النساء وإن كان الميّت امرأة ؛ إلّا لضرورة.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ١٦٩ و ١٧٠ الحديث ٣٣١٣ و ٣٣١٤ و ٣٣١٥.

(٢) سنن أبي داود : ٣ / ٢٠٤ الحديث ٣١٧٤.

(٣) سنن أبي داود : ٣ / ٢٠٤ الحديث ٣١٧٥.

(٤) النهاية : ٤٤ ، السرائر : ١ / ١٧٠.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٠٨ الحديث ٣٤٢٣ ، فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧٩ ، للتوسّع لاحظ! الحدائق الناضرة : ٤ / ٨٢.

(٦) علل الشرائع : ١ / ٣٠٩ و ٣١٠ الحديث ٤.

٤٠١

والحمل جائز كيف اتّفق ؛ للصحيح (١) وأفضله التربيع (٢) ، وهو حمل الأربع جوانبه الأربع ، وأكمله التناوب ، وهو دوران الحامل فيها ؛ للمستفيضة (٣).

ولأفضل أنحاء التناوب طريقان معروفان : أحدهما للأكثر ، والآخر لـ « الخلاف » وبعضهم (٤). والحقّ عندي التخيير بينهما ، كما عليه جماعة (٥) ؛ للجمع بين النصوص. والأخذ بأحدهما يوجب طرح بعضها ، وحمل جميعها على أحدهما تعسّف.

ودعوى الشيخ الإجماع على أفضليّة المشهور في « النهاية » (٦) مع تصريحه بأفضليّة الآخر في « الخلاف » (٧) لا يخفى حاله. على أنّ الجمع بين كلاميه بالإرجاع إلى المختار ممكن.

ثمّ ظاهر بعض الثالثة مساواة وجوه الحمل (٨) ؛ لظاهر الصحيح (٩) ، وعدم استحباب التربيع والتناوب بقسميه ؛ لعدم صلاحيّة الأخبار الواردة لإثباته ، وضعفه ظاهر.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ١٥٥ الحديث ٣٢٧٣.

(٢) في النسخ الخطّية : ( التوسّع ) ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ١٥٣ الباب ٧ من أبواب الدفن.

(٤) الخلاف : ١ / ٧١٨ المسألة ٥٣١ ، مفاتيح الشرائع : ٢ / ١٦٧.

(٥) ذكرى الشيعة : ١ / ٣٨٦ ، كشف اللثام : ٢ / ٣٢٨ ، الحدائق الناضرة : ٤ / ٩٧.

(٦) النهاية : ٣٧ ، تنبيه : لم نعثر عليه في مظانّه ولكن نسب إليه الشهيد في ذكرى الشيعة : ١ / ٣٨٧ مع تأويل وكذا نسب إليه العاملي في مدارك الأحكام : ٢ / ١٢٦ والكاظمي والبحراني ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ٤ / ٩٢ و ٩٣.

(٧) الخلاف : ١ / ٧١٨ المسألة ٥٣١.

(٨) مدارك الأحكام : ٢ / ١٢٧.

(٩) وسائل الشيعة : ٣ / ١٥٥ الحديث ٣٢٧٣.

٤٠٢

فصل

[ كيفيّة حفر القبر ]

قد علم القدر الواجب من حفر القبر. والمستحب منه قدر قامة ، أو إلى الترقوة ؛ لظاهر الوفاق فيهما ، وللمستفيضة أيضاً في الثاني (١).

ويستحب جعل لحد له ممّا يلي القبلة ، بقدر ما يجلس فيه ؛ للإجماع [ والمرسل ] والحسن والنبويّ (٢) ، والسرّ فيه زيادة الحفظ وكتم الريح عن الانتشار ، وظاهر الشهيد وغيره (٣) أفضليّته عندنا من الشقّ في أرض الغير ، بأن يحفر فيه شقّ يوضع فيه الميّت ويسقف عليه.

وظاهر المستفيضة التي بعضها في « العيون » و « الدعائم » (٤) أفضليّة الشقّ منه ، وهي محمولة على صورة رخاوة الأرض وتعذّر توسّع اللحد بحيث يسع الجثّة كما يومي إليه بعضها. فلا منافاة لعدم الخلاف في أفضليّة الشقّ حينئذ.

ويستحبّ وضع الجنازة قبل الدفن قرب القبر هنيئة ، ليأخذ أُهبته ، كما في المستفيضة (٥).

والمشهور استحباب وضع الرجل قربه عند رجليه ، والمرأة ممّا يلي القبلة. وظاهر « المنتهى » (٦) إجماعنا عليه ، وعلّل بإيجابه سهولة ما هو المستحب من

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ١٦٥ الباب ١٤ من أبواب الدفن.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ١٦٥ و ١٦٦ الحديث ٣٣٠٢ و ٣٣٠٣ ، سنن أبي داود : ٣ / ٢١٣ الحديث ٣٢٠٨.

(٣) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٣ ، المعتبر : ١ / ٢٩٦ ، جامع المقاصد : ١ / ٤٣٩.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٢٧١ الباب ٦٣ ، دعائم الإسلام : ١ / ٢٣٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ١٦٧ الحديث ٣٣٠٦ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٣١٦ الحديث ٢٠٧٢.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ١٦٧ الباب ١٦ من أبواب الدفن.

(٦) منتهى المطلب : ١ / ٤٥٩ ( ط ، ق ).

٤٠٣

إرسال الرجل سابقاً برأسه والمرأة عرضاً واختيار جهة القبلة لشرفها ، وللرضوي (١) والخبر المرويّ في « الخصال » (٢). وعلى هذا فمطلقات وضعها مما يلي الرجلين يخصّص بالرجل.

ثمّ المستحب من الوضع عند بعضهم مرّة يدفن بعدها (٣) ؛ لظاهر المستفيضة (٤). وعند جماعة ثلاث مرّات مع نقلين مقرّبين إلى القبر ويدفن بعد الثالثة (٥) ؛ لصريح الرضوي (٦). وعند آخرين مرّة للمرأة وثلاث للرجل (٧).

ومقتضى الجمع أن يقال باستحباب المرّة وتأكّد استحباب الثلاث. وأمّا التفصيل ، فلا دليل له أصلاً.

[ فصل ]

يستحبّ عند الدفن :

أن ينزل الرجل من موضع الرجلين من القبر ، سابقاً برأسه ، والمرأة عرضاً ؛ للنصوص (٨) ، وبها يقيّد إطلاق المستفيضة (٩) بالإنزال من قبل الرجلين من

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧١ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٣٢٨ الحديث ٢١٠٢.

(٢) الخصال : ٦٠٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ١٨٢ الحديث ٣٣٤٧.

(٣) مدارك الأحكام : ٢ / ١٣٠ ، المعتبر : ١ / ٢٩٨.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ١٦٧ الباب ١٦.

(٥) السرائر : ١ / ١٦٤ ، مختصر النافع : ١٤ ، جامع المقاصد : ١ / ٤٣٧.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧٠ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٣١٧ الحديث ٢٠٧٧ ، للتوسّع لاحظ! الحدائق الناضرة : ٤ / ١٠٣.

(٧) النهاية : ٣٧ ، قواعد الأحكام : ١ / ٢١ ، اللمعة الدمشقيّة : ٢٢.

(٨) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٠٤ الباب ٣٨ من أبواب الدفن.

(٩) وسائل الشيعة : ٣ / ١٨١ الباب ٢٢ من أبواب الدفن.

٤٠٤

دون فرق بينهما ، ولعلّ السرّ في الرجل حصول التوافق بين دخوله في الدنيا وخروجه عنها ، وفي المرأة مراعاة مزيد الستر.

وأن ينزل المحرم في المرأة ؛ للإجماع والخبرين والرضوي (١) ، والأجنبي في الرجل ؛ للوفاق وإيجاب نزول القريب قساوته ، ويعضده المستفيضة (٢) الناهية عن نزول الوالد في قبر ولده دون العكس.

وتجويزه محمول على خفّة الكراهة ، ويؤيّده ما ورد في كراهة طرح التراب على ذي الرحم كالموثّق وغيره (٣).

ولعلّ التفرقة في الأخبار بشدّة الكراهة وضعفها في نزول الوالد والولد اختلافهما فيما يعرض من الجزع عند كشف الوجه ووضع الخدّ على التراب ، فإنّ ما يعتري الأب منه عنده أشدّ ممّا يعتري الابن ، كما ورد في النبوي المشهور (٤).

وأولى المحارم في المرأة زوجها ، كما في النصوص (٥). ولو لم يوجد محرم فامرأة صالحة ، ثمّ أجنبي صالح ، والأولى كونه شيخاً. ويجوز الوحدة والتعدّد في النازل ، ولا يعتبر الوتر عندنا.

والتعيين إلى الولي ؛ للصحيح والرضوي (٦) ، واستحباب نزول الأجنبي لا يرفع ولايته.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ١٨٧ الحديث ٣٣٦٢ و ٣٣٦٣ ، فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧١ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٣٢٨ الحديث ٢١٠٢ ، للتوسّع لاحظ! الحدائق الناضرة : ٤ / ١١٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ١٨٥ الباب ٢٥ من أبواب الدفن.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ١٩١ الباب ٣٠ من أبواب الدفن.

(٤) دعائم الإسلام : ١ / ٢٣٧ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٣٣٠ الحديث ٢١٠٩.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ١٨٧ الباب ٢٦ من أبواب الدفن.

(٦) وسائل الشيعة : ٣ / ١٨٤ الحديث ٣٣٥٢ ، فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧٠ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٣٢٩ الحديث ٢١٠٦.

٤٠٥

وأن يتحفى النازل ، ويكشف رأسه ، ويحلّ أزراره ؛ لظاهر الوفاق والحسن والخبرين (١) ، والنهي فيها للكراهة ؛ للإجماع على عدم الوجوب.

وأن يدعو بالمأثور ، عند النزول ، وتناوله الميّت ، ووضعه في اللحد.

وأن يتوضّأ ، كما صرّح به الفاضلان والشهيد (٢) ؛ للموثّق والرضوي (٣). ونفي الوجوب في الصحيح (٤) لا ينافي الاستحباب.

وأن يحلّ عقد الأكفان ، كاشفاً وجهه ، وواضعاً على التراب خدّه ، مستقبل القبلة ؛ للنصوص (٥). وما في الصحيحين (٦) من شقّ الكفن محمول على فتحه ، جمعاً.

وأن يلقّنه الشهادتين والإقرار بالأئمّة ، بالإجماع والمتواترة (٧). وهذا هو التلقين الثاني ، والأوّل تلقين الاحتضار ، وقيل هو تلقين ثالث والثاني تلقين التكفين (٨) ، ولم نعثر على مستند له.

والنصوص في كيفيّة التلقين ، وفي كون المستحب عنده ضرب اليد على منكبه الأيمن ، أو وضعها على اذنه ، أو اليسرى على عضده الأيمن ، أو على الأيسر وإدخال اليمنى تحت المنكب ، أو وضع الفم على اذنه مختلفة (٩) ، والعمل بالكلّ حسن.

والجميع يتضمّن ما هو اللازم من الشهادتين والإقرار بالأئمّة عليهم‌السلام وكلّها

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ١٧٠ و ١٧١ الحديث ٣٣١٦ و ٣٣١٨ و ٣٣٢٠.

(٢) المعتبر : ١ / ٣٠٢ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ٩٣ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ١٧.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٢١ الحديث ٣٤٦٠ ، فقه الرضا عليه‌السلام : ١٨٣ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٣٦١ الحديث ٢١٩٢.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٢١ الحديث ٣٤٦١.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ١٧٢ الباب ١٩ من أبواب الدفن.

(٦) وسائل الشيعة : ٣ / ١٧٢ و ١٧٣ الحديث ٣٣٢٣ و ٣٣٢٧.

(٧) وسائل الشيعة : ٣ / ١٧٣ الباب ٢٠ من أبواب الدفن.

(٨) الحدائق الناضرة : ٤ / ١٢٨.

(٩) وسائل الشيعة : ٣ / ١٧٢ الباب ٢٠ من أبواب الدفن.

٤٠٦

متّفقة الدلالة على تأخير التلقين عن حلّ الكفن ، وتقديم الأدعية المأثورة عليه ، وهو الأنسب في تأثيره ؛ إذ الدعاء عليه بالرحمة والغفران بعده لإفاضة العقائد الحقّة عليه.

وظاهر بعضهم تأخّرها عنه (١) ، والأخبار (٢) بخلافه. نعم ، في خبر ورد دعاء بعده (٣) ، والأمر فيه هيّن. وهي في تقديمها على الحلّ وعكسه مختلفة ، ولعلّ العمل بكلّ منهما حسن.

وأن يجعل له وسادة من التراب ، واضعاً خلف ظهره مدرة أو مثلها ؛ للخبر (٤).

وأن يجعل معه شيئاً من التربة المباركة ؛ للنصوص (٥) ، وفي جعلها تحت خدّه كالمفيد (٦) ، أو تلقاء وجهه كالشيخ (٧) ، أو في كفنه كبعضهم (٨) ، أو في أيّ منها اتّفق كـ « المختلف » (٩) أقوال. والظاهر الأخير ؛ لوجود التبرّك في الكلّ ، وإن كان الأفضل الثاني ؛ لخبر المصباح (١٠) أو الثالث ؛ للرضوي (١١).

__________________

(١) كشف اللثام : ٢ / ٣٩١.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ١٧٧ الباب ٢١ من أبواب الدفن.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ١٨٠ الحديث ٣٣٤٢.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ١٧٣ الحديث ٣٣٢٦.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٩ الباب ١٢ من أبواب التكفين.

(٦) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ٢١.

(٧) نقل عنه في السرائر : ١ / ١٦٥.

(٨) كشف اللثام : ٢ / ٣٨٧ ، الحدائق الناضرة : ٤ / ١١٣.

(٩) مختلف الشيعة : ٢ / ٣١٢.

(١٠) مصباح المتهجّد : ٧٣٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠ الحديث ٢٩٤٨.

(١١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٨٤ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٢١٧ الحديث ١٨٣٦.

٤٠٧

وأن يغطّى القبر حال الدفن في المرأة ، بالإجماع والنصوص ، لا في الرجل أيضاً وفاقاً للمفيد وجماعة (١) ؛ للخبرين (٢) ، وخلافاً للشيخ (٣) وآخرين ؛ للآخرين (٤) ، ولا يفيدان أزيد من الجواز. على أنّ حملها عليه للجمع متعيّن.

وأن يشرج (٥) اللحد باللبن والطين ؛ للإجماع ، والمستفيضة (٦) مبتدئاً بالتشريج (٧) من الرأس ؛ لعمل الطائفة ، كما صرّح به الراوندي (٨).

وأن يدعو المشرّج (٩) بالمأثور ، ويخرج النازل من قبل الرجلين ؛ للمستفيضة (١٠) ، وإطلاقها يقتضي عدم الفرق بين الرجل والمرأة ، والإسكافي (١١) خصّصها به وحكم فيها بالخروج من عند رأسها للبعد عن العورة ، والإطلاقات حجّة عليه.

وظاهر الأكثر كصريح بعض الأخبار تخييره في الدخول بين الجهات ، وصريح « المنتهى » (١٢) كإطلاق بعضها كونه كالخروج في استحباب كونه من قبل

__________________

(١) نقل عن المفيد في مختلف الشيعة : ٢ / ٣١٢ و ٣١٣ ، المعتبر : ١ / ٣٣٤ ، الحدائق الناضرة : ٤ / ١١٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٢١٨ الحديث ٣٤٥٢ ، السنن الكبرى : ٤ / ٥٤ ، لاحظ! ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٤.

(٣) الخلاف : ١ / ٧٢٨ المسألة ٥٥٢.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٢١٨ الحديث ٣٤٥٢ ، السنن الكبرى : ٤ / ٥٤.

(٥) في النسخ الخطّية : ( يسرّح ) ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٦) وسائل الشيعة : ٣ / ١٧٧ و ١٨٩ و ٢٢٩ الباب ٢١ و ٢٨ و ٦٠ من أبواب الدفن.

(٧) في النسخ الخطّية : ( بالتسريح ) ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٨) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٢.

(٩) في النسخ الخطّية : ( المسرّح ) ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(١٠) وسائل الشيعة : ٣ / ١٨٣ الباب ٢٣ من أبواب الدفن.

(١١) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٥.

(١٢) منتهى المطلب : ١ / ٤٦٠.

٤٠٨

الرجلين ، وأُجيب بتقييده جمعاً.

وأن يدعو عند الخروج بالمأثور (١).

وأن يهيل الحاضرون بعد التشريج والطمّ عليه التراب ثلاث مرّات ؛ للمستفيضة (٢). والمستفاد من الخبر والرضوي (٣) كون الإهالة بظهر الكفّ ، كما عليه الجماعة ، وظاهر الحسان الثلاثة كونها بباطنه (٤) ، والتخيير غير بعيد.

وظاهرها انحصار المستحب في الثلاث فلا يتّصف الأنقص والأزيد باستحباب ثوابه أقلّ أو أكثر ، خلافاً لجماعة في الثاني ، وهو خلاف الظاهر.

ولا يهيل ذو الرحم ؛ للموثّق (٥) المعلّل.

ويكره أن ينقل إلى القبر تراب غيره ؛ للمرسل والخبرين (٦) ، وإطلاقها يتناول حال الدفن وبعده ، وتفرقة الإسكافي (٧) باطلة.

وأن يدعو عند الإهالة بالمأثور ، وما ذكر من استحباب الترجيع عندها ما أعرف مأخذه.

والمعروف منهم كراهة فرش القبر بالساج ؛ للظواهر ، إلّا لضرورة كنداوة الأرض ونحوه ؛ للمكاتبة (٨) وإطلاق المرسل (٩) بالجواز مقيّد بها.

__________________

(١) في النسخ الخطّية : ( بالمأمور ) ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٩ الباب ٢٩ من أبواب الدفن.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ١٩١ الحديث ٧٤ / ٣٣ ، فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧١ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٣٣٤ الحديث ٢١١٨.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ١٨٩ و ١٩٠ الحديث ٣٣٧٠ و ٣٣٧١ و ٣٣٧٢.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ١٩١ الحديث ٣٣٧٥.

(٦) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٠٢ الحديث ٣٤٠٨ و ٣٤٠٦ ٣٤٠٧.

(٧) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٩.

(٨) وسائل الشيعة : ٣ / ١٨٨ الحديث ٣٣٦٦.

(٩) وسائل الشيعة : ٣ / ١٨٩ الحديث ٣٣٦٨.

٤٠٩

وفي كراهة وضع الفرش عليه والمخدّة ثالثها العدم مع النداوة. الأوّل للشهيد (١) ؛ لكونه إتلافاً للمال المحترم بلا دليل ، والثاني للإسكافي (٢) ؛ لصحيح (٣) لا دلالة له ، وعاميّ (٤) لا عبرة به ، وخبر (٥) يشكل الاستناد إليه ، والثالث لبعضهم (٦) ؛ لخبر في « الدعائم » (٧).

والظاهر أولويّة الترك إلّا مع الضرورة ؛ لفعل الحجج عليهم‌السلام ومن بعدهم من رؤساء العلم وكبراء الدين ، ولأنّه أبلغ في التذلّل والخضوع وإفاضة الرحمة والغفران.

فصل

يستحبّ بعد الدفن :

تربيع القبر ؛ للإجماع والخبر والرضوي (٨) وخبرين في « العلل » و « الخصال » (٩).

وتسطيحه ؛ للإجماع ، واستلزام التربيع والتسوية الواردة في الخبرين (١٠)

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٤.

(٢) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٤ الحديث ٢٩٥٧.

(٤) السنن الكبرى : ٣ / ٤٠٨.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ١٨٩ الحديث ٣٣٦٧.

(٦) كشف اللثام : ٢ / ٤٠٧.

(٧) دعائم الإسلام : ١ / ٢٣٧ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٣٣١ الحديث ٢١١٢.

(٨) وسائل الشيعة : ٣ / ١٨١ الحديث ٣٣٤٤ ، فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧٥ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٣٣٥ الحديث ٢١٢١.

(٩) علل الشرائع : ٣٠٥ الباب ٢٤٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ١٩٥ الحديث ٣٣٨٧ ، الخصال : ٦٠٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ١٨٢ الحديث ٣٣٤٧.

(١٠) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٠١ و ٢٠٩ الحديث ٣٤٠٤ و ٣٤٢٥.

٤١٠

له ، وما روي من تسطيح قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وابنه وقبور المهاجرين والأنصار (١) ، ويعضده الرضوي (٢) والعلوي المروي في « الخلاف » (٣).

ولا خلاف عندنا في كراهة التسنيم ؛ للمنع عنه فيهما ، وكونه من شعار الناصبة وبدعهم.

ورفعه من الأرض ، بقدر أربع أصابع مفرجة عند المفيد (٤) ؛ للصحيح والخبرين والرضوي (٥) ومضمومة عند العماني (٦) ؛ لصريح الموثّق (٧) وظاهر الخبرين (٨) ، وشبر أو الأُولى عند ابن زهرة (٩) جمعاً بين الخبر (١٠) وما للأوّل ، أو الثانية عند القاضي (١١) جمعاً بينه وبين ما للثاني.

وكلّ منها يوجب طرح البعض ، والتخيير بين الثلاثة يوجب الجمع بين الكلّ ، فهو الأقرب ، وفاقاً للشهيد والكركي وجماعة (١٢) ، ويؤيّده كون الرفع

__________________

(١) الام : ١ / ٢٧٣ ، سنن أبي داود : ٣ / ٢١٥ باب في تسوية القبر.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧٥ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٣٤٦ الحديث ٢١٥٣.

(٣) الخلاف : ١ / ٧٠٦ المسألة ٥٠٥.

(٤) المقنعة : ٨١.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ١٩٣ و ١٩٥ الحديث ٣٣٨١ و ٣٣٨٢ و ٣٣٨٦ ، فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧٥ ، مستدرك الوسائل : ٣ / ٣٣٥ الحديث ٢١٢١.

(٦) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٦.

(٧) وسائل الشيعة : ٣ / ١٩٢ الحديث ٣٣٧٩.

(٨) وسائل الشيعة : ٣ / ١٩٢ الحديث ٣٣٧٦ و ٣٣٧٨.

(٩) غنية النزوع : ١٠٦.

(١٠) وسائل الشيعة : ٣ / ١٩٣ الحديث ٣٣٨٣.

(١١) المهذب : ١ / ٦٤.

(١٢) ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٧ ، جامع المقاصد : ١ / ٤٤٣ ، منتهى المطلب : ١ / ٤٦٢ ( ط ، ق ) ، روض الجنان : ٣١٧ ، الحدائق الناضرة : ٤ / ١٢٥.

٤١١

ليعرف ويزار ، فيكفي المسمّى ، إلّا أنّ الشرع قدّر أقلّه بالأربع المضمومة وأكثره بالشبر.

ولو اختلفت سطوح الأرض كفى الرفع عن أدناها.

والفتوى على كراهة الزائد من الشبر كما في « المنتهى » (١).

ورشّه بالماء ؛ للمستفيضة (٢) ، ولعلّ السرّ فيه تفؤّل إفاضته الرحمة عليه. والأفضل أن يكون بالدوران المبتدأ من الرأس إليه ؛ للخبر والرضوي (٣) ، من دون فرق في المبدأ بين سمت القبلة وغيره ، للإطلاق ولا ينافيها الإطلاقات ؛ لكونها محمولة على بعض مراتب الفضيلة.

ووضع حجر أو خشب عند رأسه ، علامة لمعرفته ؛ ليزار ويستغفر له ؛ لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقبر ابن مظعون كما روي في « الدعائم » وكتب الجمهور (٤) ، وفعل الكاظم عليه‌السلام بقبر ابنة له كما في الخبر (٥) ، والعسكري عليه‌السلام بقبر جارية له كما روي في « إكمال الدين » (٦).

ووضع الحصباء عليه ؛ لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقبر ابنه (٧) ، وما ورد في المرسل والعامّي (٨) من كون قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم محصّباً.

ووضع اليد عليه بعد النضح ، مفرجة الأصابع ، مؤثّرة في التراب ؛

__________________

(١) منتهى المطلب : ١ / ٤٢٦ ( ط ، ق ).

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ١٩٥ الباب ٣٢ من أبواب الدفن.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ١٩٥ الحديث ٣٣٨٨ ، فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧١ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٣٣٦ الحديث ٢١٢٥.

(٤) دعائم الإسلام : ١ / ٢٣٨ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٣٤٤ الحديث ٢١٤٦ ، سنن أبي داود : ٣ / ٢١٢ الحديث ٣٢٠٦.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٠٣ الحديث ٣٤١٠.

(٦) كمال الدين وتمام النعمة : ٢ / ٤٣١ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٢٠٣ الحديث ٣٤١١.

(٧) الام : ١ / ٢٧٣.

(٨) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٠٣ الحديث ٣٤٠٩ ، سنن أبي داود : ٣ / ٢١٥ الحديث ٣٢٢٠.

٤١٢

للمستفيضة (١) ، داعياً بالمأثور مستقبلاً ؛ للمضمر والرضوي (٢).

ويتأكّد استحبابه لمن لم يحضر الصلاة ؛ للخبرين (٣) ، وللميّت الهاشمي ؛ للحسن (٤) والخبر المروي في « العلل » (٥) ، وما تفيده من الاختصاص محمول على التأكّد ، جمعاً.

وتلقين الولي أو نائبه بعد الانصراف بأعلى صوته ؛ لإجماعنا والمستفيضة الوارد بعضها في « العلل » و « الرضوي » (٦). وأنكره الفقهاء الأربعة (٧) مع وروده في طرقهم (٨) ونقلهم مواظبة أهل الشام عليه في العصر الأوّل (٩). فيسقط رفع الصوت عند التقيّة.

وظاهرها الاختصاص بالولي ، إلّا أنّ الوفاق أثبت الاستنابة ، ولعلّ التخصيص بالولي أو نائبه على الأولويّة ، فلو لقّنه أحد بدون إذنه تأدّت السنّة.

والمستفاد من بعضها (١٠) وضع الفم عند رأسه ، ولعلّه لأبلغيّته في الإسماع. واشتراط الانصراف ليقارن تلقينه حضور الملكين ، كما يومي إليه بعضها (١١).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ١٩٧ الباب ٣٣ من أبواب الدفن.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ١٩٨ الحديث ٣٣٩٨ ، فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧٢ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٣٣٨ الحديث ٢١٣٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ١٩٧ و ١٩٨ الحديث ٣٣٩٥ و ٣٣٩٦.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ١٩٨ الحديث ٣٣٩٧.

(٥) نقل عنه في بحار الأنوار : ٧٩ / ٢٢ الحديث ٦.

(٦) علل الشرائع : ٣٠٨ الباب ٢٥٧ ، فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧٢ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٣٤١ الحديث ٢١٤٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٢٠٠ الباب ٣٥ من أبواب الدفن.

(٧) المغني لابن قدامة : ٢ / ١٩١ ، للتوسّع لاحظ! ذكرى الشيعة : ٢ / ٣٣ و ٣٤.

(٨) كنز العمال : ١٥ / ٦٠٤ و ٦٠٥ الحديث ٤٢٤٠٥ ٤٢٤٠٦ و ٤٢٤٠٧ ، مجمع الزوائد : ٢ / ٣٢٤ باب تلقين الميّت.

(٩) الأذكار للنووي : ١٤٨ ، المجموع : ٥ / ٣٠٤.

(١٠) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٠٠ الحديث ٣٤٠٣.

(١١) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٠١ الحديث ٣٤٠٤.

٤١٣

والظاهر تخيير الملقّن بين الاستقبال والاستدبار ؛ لإطلاق الأخبار ، فاستحباب الأوّل كالفاضل والحلّي (١) لعموم رجحانه ، أو الثاني كجماعة (٢) لتوقّف التوجّه إلى وجه الميّت عليه ، يوجب تقييداً بلا دليل ؛ إذ الكلام في رجحانه الإضافي دون المطلق ، فعموم رجحانه مسلّم ، والكلام في رجحانه لخصوصيّة الفعل ، ولا حجّة له. واشتراط التوجّه إلى الميّت عند النداء ممنوع ؛ لحصوله بكون المنادي على الرأس بأي وضع كان.

وما في الأخبار (٣) من تعليل التلقين من دفعه السؤال يعطي سقوطه عن الطفل ، وقيل بعدم السقوط كما في الجريدتين (٤) ؛ لإطلاق الأدلّة ، والتعليل لا ينافيه ؛ إذ علل الشرع معرّفات لا يعتبر فيها الاطّراد والانعكاس.

وفيه ؛ أنّ العلّة الشرعيّة كالعقليّة في اشتراطهما في ظاهر الخطاب ، إلّا أنّ التلازم فيها شرعي وفي العقليّة عقلي واقعي ، فتخلفها عن المعلول شرعاً غير جائز وإن جاز واقعاً ، ولذا يتأتّى (٥) فيها الاستثناء بخلاف العقليّة.

فصل

يكره :

تجصيص القبر والبناء عليه ؛ للمستفيضة (٦) ونقل الإجماع في « المبسوط »

__________________

(١) قواعد الأحكام : ١ / ٢١ ، السرائر : ١ / ١٦٥.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٣٩ ، المهذّب : ١ / ٦٤ ، الجامع للشرائع : ٥٥.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٠٠ الباب ٣٥ من أبواب الدفن.

(٤) روض الجنان : ٣١٨.

(٥) في النسخ الخطّية : ( ينافي ) ويبدو أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٦) وسائل الشيعة : ٣ / ٢١٠ الباب ٤٤ من أبواب الدفن.

٤١٤

و « التذكرة » (١). والإسكافي (٢) خصّص الكراهة بالأوّل ، والشيخ (٣) بما بعد الاندراس ، والإطلاقات حجّة عليهما ، وليس للأوّل حجّة تقيّدها ، وللثاني الجمع بينها وبين أمر الكاظم عليه‌السلام بتجصيص قبر ابنته كما في الخبر (٤) بحملها على التجديد وحمله على الابتداء.

وأُجيب بحمل التجصيص فيه على التطيين ، فإنّ الظاهر كراهية الاندراس لا في الابتداء ، كما أفتى به الشيخ والفاضل وغيرهما (٥) ، جمعاً بين إطلاق المنع في الموثّق (٦) والجواز في النبوي (٧) أو بتخصيصه بهم عليهم‌السلام وبأولادهم ، فإنّ التحقيق جواز التجصيص والبناء على قبور الأنبياء والأئمّة وأولادهم ؛ لاستمرار الناس عليه في الأمصار والأعصار شائعاً ذائعاً بلا نكير ، واستفاضة النصوص (٨) بتعاهد قبورهم وعمارتها ، مع ما فيه من إعلاء الكلمة الدينيّة وتعظيم الشعائر الإسلاميّة ، بل الظاهر إلحاق العلماء والأتقياء بهم في ذلك ؛ لما ذكر.

والبناء المكروه هو البيت أو القبّة ، بل مطلق تظليله ولو بالصندوق أو الضرائح المظلّلة ؛ لعموم الأدلّة.

والجلوس عليه ؛ لنقل الوفاق (٩) والموثّق والخبر والنبويّ (١٠).

__________________

(١) المبسوط : ١ / ١٨٧ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ١٠٥.

(٢) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٣١٥.

(٣) النهاية : ٤٤.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٠٣ الحديث ٣٤١٠.

(٥) النهاية : ٤٤ ، المبسوط : ١ / ١٨٧ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ١٠٥ ، جامع المقاصد : ١ / ٤٤٩.

(٦) وسائل الشيعة : ٣ / ٢١٠ الحديث ٣٤٢٦.

(٧) وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٨٢ الحديث ١٩٤٣٣.

(٨) وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٨٢ الباب ٢٦ من أبواب المزار.

(٩) تذكرة الفقهاء : ٢ / ١٠٧.

(١٠) وسائل الشيعة : ٣ / ٢١٠ الحديث ٣٤٢٦ و ٣٤٢٧ ، سنن أبي داود : ٣ / ٢١٧ الحديث ٣٢٢٨.

٤١٥

والمشي عليه والاستناد إليه ؛ لحكاية الإجماع عليه في « المعتبر » (١) بل « الخلاف » (٢). والمرسل (٣) المشعر برجحان المشي محمول على ما يضطرّ إليه الزائر.

والصلاة عليه ؛ للخبر والمرسل (٤) ، وإليه ، ولديه ؛ للنصوص (٥) ، سوى قبور الحجج عليهم‌السلام للمستفيضة (٦) ، ويأتي تفصيل ذلك.

وتجديده بعد اندراسه ، عند الأكثر ؛ للعلوي المشهور : « من جدّد قبراً أو مثّل مثالاً فقد خرج عن ربقة الإسلام » (٧) ، والظاهر كما نقل عن الصفّار (٨) وتبعه الأكثر كون « جدّد » بالجيم وإرادة المنع التنزيهي أو الأعمّ من عمارة القبر بعد اندراسه ، وتصوير الصورة بلوازم التحريميّ مبالغة في الترك ، كما وقع منهم في موارد متكثّرة فينتهض حجّة للمطلوب.

وسائر الوجوه المخالفة لما ذكر لفظاً أو معنى ، صرفٌ عن الظاهر المتبادر ، فلا يلتفت إليها وإن نقلت عن مشايخنا الأقدمين كالبرقي وسعد بن عبد الله والمفيد والصدوق (٩).

وضعفه غير ضائر ؛ لانجباره بالعمل وجواز التسامح في أدلّة السنن ، مع أنّ اشتغال مشاهير القدماء بتحقيق لفظه يشعر باعتباره عندهم.

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٣٠٥.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه ، نعم نقل عنه في مدارك الأحكام : ٢ / ١٥٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٣١ الحديث ٣٤٨٨.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٢١٠ الحديث ٣٤٢٧ ورواه الصدوق مرسلاً في المقنع : ٦٦.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ١٥٨ الباب ٢٥ من أبواب مكان المصلّي.

(٦) وسائل الشيعة : ١٤ / ٥١٧ الباب ٦٩ من أبواب المزار.

(٧) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٠٨ الحديث ٣٤٢٤.

(٨) نقل عنه في من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٢٠ ذيل الحديث ٥٧٩.

(٩) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٢١ ذيل الحديث ٥٧٩ ، للتوسّع لاحظ! ذكرى الشيعة : ٢ / ٤٠.

٤١٦

ثمّ الكراهة في غير المسألة أو فيها مع عدم اندراس العظام ، وفيها معه يحرم لمنعه المستحقّين مع زوال الحق ، وفي قبور غير الحجج عليهم‌السلام للإجماع على استحباب تعاهد قبورهم وعمارتها ، واستمرار الكلّ عليه في الأعصار والأمصار شائعاً ذائعاً بلا نكير ، مع ما فيه من تعظيم شعائر الله والنصوص به مستفيضة (١) ، وفي خبر أبي عامر (٢) تصريحات بعظم أجره ومزيد فضله.

مسائل :

الأُولى :

يكره دفن اثنين في قبر واحد ، وفاقاً للمشهور ؛ للمرسل المرويّ في « المبسوط » (٣) ، وأولويّته بالكراهة من حملها على سرير واحد ، وعمل المسلمين في كلّ مكان وزمان.

ويزول الكراهة مع الضرورة ؛ لأمر النبي (٤) صلى‌الله‌عليه‌وسلم بجمع المتعدّد في واحدٍ يوم أُحد. وهذا مع اتّفاق المقارنة ، ومع سبق أحدهما يحرم الجمع إجماعاً لسبق حقّه وإيجابه النبش المحرّم.

ولا كراهة في الجمع في نحو السرب والأزج ؛ لانتفاء الإجماع وعدم صدق النبش ووحدة القبر ، فلا يتناوله الخبر (٥).

الثانية :

الدفن في المقبرة أفضل من البيت ؛ لأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالدفن في البقيع (٦) ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٨٢ الباب ٢٦ من أبواب المزار.

(٢) وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٨٢ الحديث ١٩٤٣٣.

(٣) المبسوط : ١ / ١٥٥.

(٤) سنن أبي داود : ٣ / ٢١٤ الحديث ٣٢١٥.

(٥) المبسوط : ١ / ١٥٥.

(٦) المغني لابن قدامة : ٢ / ١٩٣.

٤١٧

وإطباق المسلمين عليه من غير نكير ، ولأنّه أجلب للترحّم والدعاء وأشبه بمساكن الآخرة وأقل ضرراً على الورثة ، ودفنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيته لعلّة أبداها عليّ عليه‌السلام (١) وتبعه الصحابة.

ويستحبّ جمع الأقارب في مقبرة واحدة ؛ لظاهر النبويّ (٢).

الثالثة :

لا يجوز دفن الكافر في مقبرة المسلمين إجماعاً ، حذراً عن تأذّيهم بعذابه ، ولزوم مخالفة شرط الوقف مع إسبالها.

فلو دفن فيها وجب النبش وإخراجه ، وقد سبق استثناء الحامل من مسلم.

الرابعة :

يجوز الدفن عندنا في الليل ؛ للخبر (٣) وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذي النجادين (٤) ، وعليّ عليه‌السلام بفاطمة عليها‌السلام (٥) وولديه به عليهم‌السلام (٦) والصحابة بالشيخين وعائشة (٧). فخلاف بعض العامّة (٨) لا عبرة به ، وما استندوا إليه من الخبر (٩) لو ثبت لم يمنع الجواز.

__________________

(١) الخصائص الكبرى : ٢ / ٢٧٨.

(٢) السنن الكبرى : ٣ / ٤١٢.

(٣) مستدرك الوسائل : ٢ / ١٤٠ الحديث ١٦٣٩.

(٤) مجمع الزوائد : ٣ / ٤٣.

(٥) المصنّف لعبد الرزّاق : ٣ / ٥٢١ الحديث ٦٥٥٤ و ٦٥٥٦.

(٦) ترجمة الامام على عليه‌السلام من تاريخ ابن عساكر : ٣ / ٣١١ و ٣١٢ الحديث ١٤١٦ و ١٤١٧.

(٧) المصنّف لعبد الرزّاق : ٣ / ٥٢٠ و ٥٢١ الحديث ٦٥٥٢ و ٦٥٥٣ ، مختصر تاريخ دمشق : ٢ / ٢٧٨.

(٨) المجموع : ٥ / ٣٠٢.

(٩) سنن ابن ماجة : ١ / ٤٨٧ الحديث ١٥٢١.

٤١٨

الخامسة :

لو أوصى بدفنه في بيته أو ملكه ، أو بدفن ما يتبرّك به معه صحّ مع الإجازة أو عدم الزيادة عن الثلث ؛ لعموم إنفاذ الوصيّة بالمعروف.

السادسة :

الدفن في ملك الغير بالإذن أو الاستعارة جائز بالإجماع. ورجوعه قبله جائز وفاقاً ، وبعده غير جائز كذلك.

والعارية على العادة فيستمرّ إلى البلي ، فقبله يحرم النبش ، وبعده للزراعة ونحوها جائز.

السابعة :

إذا مات الأغلف جهّز بلا ختان ؛ لتحريم قطع عضو الميّت إجماعاً ، وأيضاً الختان تكليف الحيّ فلا يتعلّق بالميّت.

الثامنة :

يكره : الحدث في المقابر ؛ للنبوي (١) وتأذّي الزائرين به ، والضحك ؛ للمرسل والخبر (٢).

ولا يستحبّ خلع النعال فيها عندنا ؛ للأصل وعدم المقتضي. وقول بعض العامّة باستحبابه (٣) لا دليل له ، وما رووه من أمر النبي به (٤) لم يثبت عندنا ، وتصريح الفاضل به في « المنتهى » (٥) متابعة لهم عجيب.

__________________

(١) سنن ابن ماجة : ١ / ٤٩٩ الحديث ١٥٦٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٣٢ الحديث ٣٤٩٠ و ٣٤٨٩.

(٣) المجموع : ٥ / ٣١٢.

(٤) سنن أبي داود : ٣ / ٢١٧ الحديث ٣٢٣٠.

(٥) منتهى المطلب : ١ / ٤٦٨ ( ط ، ق ).

٤١٩

فصل

[ حرمة النبش ]

تحريم النبش مجمع عليه ، وحكاية الإجماع عليه متكرّرة ، وأدلّة قطع النبّاش (١) تؤكّده. وتوهّم كونه لمجرّد السرقة يدفعه تعليق الحكم في الخبر (٢) عليهما ، وفي الآخر على سارق الموتى (٣) ، وفي الصحيح والخبر (٤) على النبّاش.

وقد استثني صور :

الاولى : أن يقع في القبر مال محترم ، فيجوز النبش لأخذه إجماعاً ؛ للنهي عن إضاعته (٥) ، وإن كره للقليل. ولا يجب على مالكه قبول القيمة.

الثانية : أن يدفن في أرض مغصوبة ، فيجوز لمالكها قلعه ؛ لتسلّطه على ماله. ولا يجوز لأهله منعه ؛ لتحريم شغل مال الغير ، وكونه عدواناً واجب الإزالة وإن أدّى إلى هتكه. نعم الأفضل له تركه بالعرض أو بدونه ، سيّما مع القرابة.

وهذا مع إمكان نقله إلى موضع آخر. ولو تعذّر ففي الجواز نظر.

ولو دفن بإذنه جاز رجوعه قبل الطم لا بعده ؛ لاقتضائه التأبيد إلى البلي.

الثالثة : أن يكفّن في ثوب مغصوب ، فيجوز نبشه لتخليص حقّ الغير مع طلبه. ولا يلزمه أخذ القيمة ، خلافاً لـ « المنتهى » (٦) ؛ لأنّه تجارة يشترط فيها

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٧٨ الباب ١٩ من أبواب حدّ السرقة.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٧٨ الحديث ٣٤٧٥٥.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٧٩ الحديث ٣٤٧٥٧.

(٤) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٧٨ و ٢٧٩ الحديث ٣٤٧٥٤ و ٣٤٧٥٨.

(٥) بحار الأنوار : ٧٢ / ٣٠٤ الحديث ٤.

(٦) منتهى المطلب : ١ / ٣٤٣ ( ط ، ق ).

٤٢٠