معتمد الشيعة في أحكام الشريعة

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]

معتمد الشيعة في أحكام الشريعة

المؤلف:

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

فصل

[ نواقض الوضوء ]

للوضوء نواقض :

الأوّل : خروج أحد الثلاثة من الطبيعي :

ولو بدون الاعتياد. والنقض به مجمع عليه ، والنصوص به مستفيضة (١).

وغير الطبيعي إن كان خلقةً فكالطبيعي وفاقاً ، وإن لم يعتد ولم ينسدّ الطبيعي. وإلّا فكذلك إن انسدّ ولو بدون الاعتياد. واشتراطه كظاهر « النهاية » (٢) لا عبرة به.

والمناط في الصورتين فتوى الجماعة مع نقل الإجماع عليه في « المنتهى » (٣) وغيره ؛ إذ الاحتجاج بصدق الطرف أو السبيل ضعيف ؛ لظهوره في الطبيعي ، وبتنقيح المناط أضعف ؛ لعدم نصّ أو إيماء إلى علّة موجودة في غيره حتّى يجوز التعدية.

ولذا يأتي الإشكال مع الخروج من الفم وإن انسدّ الطبيعي ؛ لعدم القطع بشمول الإجماع له.

وإن لم ينسدّ لم ينقض مطلقاً وفاقاً لظاهر « الشرائع » وبعض الثالثة (٤) ؛ للأصل والاستصحاب ، وحصر الناقض في النصوص بالخارج من الطرفين أو السبيلين ، وظهورهما في المعهودين ، ولذا فسّرا بهما في الصحيح (٥) ، وصرّح في

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٨ الباب ٢ من أبواب نواقض الوضوء.

(٢) نهاية الأحكام : ١ / ٧١.

(٣) منتهى المطلب : ١ / ١٨٣ و ١٨٨.

(٤) شرائع الإسلام : ١ / ١٧ ، مدارك الأحكام : ١ / ١٤٣ و ١٤٤.

(٥) وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٩ الحديث ٦٤٢.

١٦١

بعضها بكونهما من النعمة (١) ، مع أنّ المنفتح من النقمة.

وبذلك يندفع القول بالنقض مطلقاً أو مع الاعتياد أو إن خرج من تحت المعدة. وما قيل لإثباتها لا عبرة به.

والشكّ في خروج الريح غير ناقض ؛ للاستصحاب والصحيح والخبر (٢).

واليقين به ناقض وإن لم يكن له صوت وريح. وتقييد الناقض منهما في الصحيحين والخبر (٣) بالوصفين محمول على حال الشكّ أو الغالب ، كما يومي إليه بعض الظواهر (٤).

ولا نقض بخروج الريح من الذكر إجماعاً وإن وجد له صوت وريح.

ولا من قبل المرأة على الأصح ، ولو مع الاعتياد ؛ للأصل ، وعدم شمول النصّ له ؛ لكونه خلاف المعهود. خلافاً للفاضلين (٥) ؛ لصدق التسمية ووجود المنفذ إلى الجوف ، والجواب ظاهر.

ولا بخروج المقعدة الملوّثة وعودها ؛ لما مرّ.

والخارج غير الناقض إن استصحبه نقض ، وإلّا فلا ؛ لصريح الخبر والرضوي (٦) ، ويدلّ على الثاني صريح المستفيضة (٧) ، وحصر النواقض في الثلاثة (٨).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٩ الحديث ٦٤٤.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٦ الحديث ٦٣٤ ، ٢٤٨ الحديث ٦٤٠.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ و ٢٤٦ الحديث ٦٣٢ و ٦٣٥ ، ٢٤٨ الحديث ٦٤٠.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٨ الحديث ٦٤٨.

(٥) المعتبر : ١ / ١٠٨ ، تذكرة الفقهاء : ١ / ١٠١.

(٦) وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٨ الحديث ٦٦٩ ، فقه الرضا عليه‌السلام : ٦٧ و ٦٩ ، مستدرك الوسائل : ١ / ٢٢٩ الحديث ٤٣٧.

(٧) وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٨ الباب ٥ من أبواب نواقض الوضوء.

(٨) وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٠ الحديث ٦٤٦.

١٦٢

الثاني : النوم :

والنقض به مع إبطاله العقل أو السمع مجمع عليه ، ويدلّ عليه المستفيضة من الصحاح وغيرها (١) ، وقوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ ) (٢) أي من النوم ؛ للموثّق (٣) وإجماع المفسّرين.

والظواهر المعارضة مع ضعفها محمولة على التقيّة ، أو صورة عدم بطلان العقل والسمع.

والحقّ موافقة الصدوق للجماعة ، ونسبة الخلاف إليه بتخصيصه بحال الانفراج لا وجه له ، وإيراده في « الفقيه » (٤) بعض ما يومي إليه مع تعيّن حمله على ما ذكر لا يفيد إفتائه بظاهره.

وهو ناقض بنفسه ، لا لاحتمال وقوع الحدث فيه ؛ لإطلاق الأدلّة ، وعدم نقض اليقين بالشك (٥). وما يفيد كون النقض لأجله مؤوّل.

والحقّ ثبوت التلازم بين زوال العقل وزوال السمع ، وإن كان الأصل هو الأوّل والثاني دليله. وبذلك يحصل الجمع بين النصوص والفتاوى ، ويرتفع الإشكال في فاقد السمع.

والشكّ في النوم أو سماع الصوت غير ناقض ؛ للاستصحاب. وكذا لو تخايل له شي‌ء ولم يعلم أنّه منام أو حديث نفس ، ولو قطع بالأوّل نقض مع الشرط المذكور ، لا مطلقاً.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٢ الباب ٣ من أبواب نواقض الوضوء.

(٢) المائدة (٥) : ٦.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٣ الحديث ٦٥٧.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٨ الحديث ١٤٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٤ الحديث ٦٦١.

(٥) وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١.

١٦٣

الثالث : كلّ مزيل للعقل :

بالإجماعين ، والتنبيه المستفاد من الصحيحين (١).

الرابع : الاستحاضة القليلة :

كما عليه المعظم ؛ للصحاح المستفيضة (٢). وخلاف الأوّلين (٣) لا عبرة به.

وكلّ حدث أكبر ينقضه ، إلّا أنّه لا يوجبه وحده ، بل إمّا لا يوجبه أو يوجبه مع الغسل.

والحقنة غير ناقضة إن لم تخرج ناقضاً ؛ لحاصرات النقض في الثلاثة ، وصريح الصحيح والرضوي (٤). وخلاف الإسكافي (٥) لا عبرة به.

والودي كما مرّ ينقضه قبل الاستبراء ، لا بعده.

والمذي لا ينقضه مطلقاً ؛ للأصل والاستصحابين ، وعدم المدرك فيما يعمّ به البلوى ، ونقل الإجماع في « التذكرة » (٦) ، وصريح المستفيضة (٧) ، وأخبار الحصر (٨).

والنصوص المعارضة محمولة على التقيّة ، فخلاف الإسكافي (٩) فيما يخرج بعد الشهوة و « التهذيب » (١٠) في الكثرة المفرطة لا عبرة به.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٢ و ٢٥٧ الحديث ٦٥٢ و ٦٦٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٧١ الباب ١ من أبواب الاستحاضة.

(٣) نقل عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد في مختلف الشيعة : ١ / ٣٧٢ ، الحدائق الناضرة : ٣ / ٢٧٧.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣٢ ، فقه الرضا عليه‌السلام : ٦٨ ، مستدرك الوسائل : ١ / ٢٤٣ الحديث ٤٨٣.

(٥) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٢٦٣.

(٦) تذكرة الفقهاء : ١ / ١٠٥.

(٧) وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٦ الباب ١٢ من أبواب نواقض الوضوء.

(٨) وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٨ الباب ٢ من أبواب نواقض الوضوء.

(٩) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٢٦١.

(١٠) تهذيب الأحكام : ١ / ١٨ و ١٩ ذيل الحديث ٤٣ و ٤٦.

١٦٤

ولا نقض بمسّ فرج الغير ، وبالتقبيل بالشهوة ؛ للأصل والصحاح وغيرها (١). خلافاً للإسكافي (٢) ؛ للخبر (٣) ، وأُجيب بحمله على الندب أو التقيّة.

ولا بلمس المرأة ، بالإجماع والصحيح والموثّق (٤). والمراد بالملامسة في الآية المواقعة ؛ للإجماع والموثّق (٥).

ولا بمسّ الإنسان باطن فرجه ؛ للأصل والمعتبرة (٦) والحاصرات (٧). خلافاً للصدوق (٨) ؛ للموثّق (٩) ، وأُجيب بالحمل على ما مرّ.

ولا بقلم الظفر وقطع الشعر إجماعاً ؛ للأصل والصحيحين والخبر (١٠).

ولا بأكل ما مسّه النار ولو لحم الإبل ؛ للصحيح والحسن (١١).

ولا بالقهقهة ؛ للحسن وغيره (١٢). خلافاً للإسكافي (١٣) ؛ للمضمرين (١٤) ، وأُجيب بالحمل على التقيّة.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٠ الباب ٩ من أبواب نواقض الوضوء.

(٢) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٢٥٧ و ٢٥٩.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٢ الحديث ٧١٢.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٠ و ٢٧١ الحديث ٧٠٦ و ٧٠٧.

(٥) وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٠ الحديث ٧٠٦.

(٦) وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٠ و ٢٧٢ الحديث ٧٠٤ و ٧١١.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٨ الباب ٢ من أبواب نواقض الوضوء.

(٨) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٩ ذيل الحديث ١٤٨.

(٩) وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٢ الحديث ٧١٣.

(١٠) وسائل الشيعة : ١ / ٢٨٧ الحديث ٧٥٥ و ٧٥٦ ، مستدرك الوسائل : ١ / ٢٤٠ الحديث ٤٧٣.

(١١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٨٩ و ٢٩٠ الحديث ٧٦١ و ٧٦٢.

(١٢) وسائل الشيعة : ١ / ٢٦١ و ٢٦٤ الحديث ٦٧٧ و ٦٨٦.

(١٣) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٢٦٠.

(١٤) وسائل الشيعة : ١ / ٢٦٣ الحديث ٦٨٣ و ٦٨٤.

١٦٥

ولا بالفحش وإنشاد الشعر ؛ للإجماع والعمومات وخصوص الخبر (١) ، والموثّق (٢) محمول على الندب.

ولا بمسّ الكلب ومصافحة المجوسي ؛ للنص (٣) ، والخبر المعارض (٤) محمول على التنظيف.

ولا بالارتداد ؛ للأصل والعمومات.

ولا بالقيح والصديد والقي‌ء والنخامة والدم عدا الثلاثة للأصل والإجماع والعمومات وأخبار الحصر (٥). وما ورد من النقض في بعضها محمول على الندب أو التقيّة.

فصل

[ واجبات الوضوء ]

للوضوء واجبات :

الأوّل : النيّة :

وهي لغة العزم (٦) ، وعرفاً إرادة باعثة على المطلوب شرعاً إيجاداً أو إبقاءً.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٦٩ الحديث ٧٠١ ، تنبيه : ورد في الروايات : الكذب ، الغيبة والغضب ، لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٢٦٩ الحديث ٧٠٣ ، من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٨ الباب ١ ، مستدرك الوسائل : ١ / ٣٥٣ الحديث ٨٢٧ ، لعل المصنّف رحمه‌الله عبّر عنها بكلمة واحدة وهي الفحش.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٢٦٩ الحديث ٧٠٣.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٤ و ٢٧٥ الحديث ٧٢٠ و ٧٢١.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٢٧٥ الحديث ٧٢٣ و ٧٢٤.

(٥) وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٨ الباب ٢ من أبواب نواقض الوضوء.

(٦) الصحاح : ٦ / ٢٥١٦.

١٦٦

ووجوبها في الطهارات حقّ مشهور ، وظاهر الإسكافي استحبابها (١).

لنا : المستفيض من النصّ (٢) ، ونقل الإجماع (٣) ، ويعضده أدلّة القربة ؛ إذ ما هي إلّا القصد والقربة ، والأوّل لا ينفكّ عن فعل المختار فلا يفتقر إلى الدليل ، فالمفتقر منها إليه هو الثاني ، فالمثبت له يثبتها.

والاحتجاج عليه بلزوم الخرق أو التساوي لولاه إذ الشرط إمّا الوضوء بشرط النيّة ، أو عدمها ، أو أحدهما لا بعينه ، والأوّل يوجب المطلوب ، والثاني الأوّل ، والثالث الثاني بعد نقل الكلام إليه مردود ، بعد النقض بمثل شرطيّة إزالة النجاسة بقيد عدم النيّة أو مطلقاً ، والوضوء بقيد عدمه في المسجد أو بدونه ، بأنّ الشرط هو الوضوء لا بشرط لا بأحد الشرطين ، فكلّ من القيدين بشخصه لا شرطه.

ثمّ مناط الفرق (٤) في إيجابهم النيّة في الطهارة من الحدث دون الخبث مجرّد الإجماع ؛ لخلوّ الأخبار عنه. وما أبداه له بعضهم من التمحّلات (٥) لا عبرة به.

وهي مجرّد القصد والقربة ، وفاقاً للمفيد والبصروي (٦) وجلّ الثالثة ، وبه أفتى « النهاية » (٧) والمحقّق في بعض رسائله (٨).

__________________

(١) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ١٠٥.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٤٦ الباب ٥ من أبواب مقدمة العبادات.

(٣) منتهى المطلب : ٢ / ٧ ، مدارك الأحكام : ٢ / ١٨٦.

(٤) في نسخة مكتبة آية الله المرعشي النجفي : ( العرف ).

(٥) الحاشية على مدارك الأحكام للوحيد البهبهاني رحمه‌الله : ١ / ٢٣٨ و ٢٣٩.

(٦) المقنعة : ٤٦ ، نقل عن البصروي في ذكرى الشيعة : ٢ / ١٠٦.

(٧) النهاية : ١٥.

(٨) الرسائل التسع ( المسائل الطريّة ) : ٣١٧.

١٦٧

لا مع الوجه كـ « الشرائع » (١) وبعض الثانية (٢) ، وهو فتوى الفاضل في بعض كتبه (٣). أو مع الرفع أو الاستباحة كـ « المبسوط » و « الجامع » (٤). أو مع الأخير كالمرتضى (٥). أو مع الوجه وأحدهما كـ « الذكرى » (٦). أو مع الثلاثة كالقاضي والحلبي وابن حمزة والراوندي (٧) واختاره الشهيد في دروسه (٨). أو معها بضمّ الطاعة كـ « الغنية » (٩). أو مع أحد الأمرين والوجه أو جهته كـ « السرائر » و « القواعد » (١٠).

لنا على اشتراط القصد : بعد الإجماع (١١) ولزومه لفعل كلّ عاقل أخبار النيّة (١٢) ؛ لانتفائها بدونه ، ويجب كونه مميّزاً مع الاشتراك ، وعدم جريان التداخل ؛ لتوقّف الامتثال عليه.

وعلى القربة : بعد الوفاق ما تواتر في الكتاب والسنّة من النهي عن الرياء

__________________

(١) شرائع الإسلام : ١ / ٧٨.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) منتهى المطلب : ٢ / ١٥ ، تحرير الأحكام : ١ / ٩.

(٤) المبسوط : ١ / ١٩ ، الجامع للشرائع : ٣٥.

(٥) الناصريات : ١٠٨ المسألة ٢٤.

(٦) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٠٨.

(٧) المهذب لابن البراج : ١ / ٤٥ ، الكافي في الفقه : ١٣٢ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٥١ ، نقل عن الراوندي في ذكرى الشيعة : ٢ / ١٠٧.

(٨) الدروس الشرعية : ١ / ٩٠.

(٩) غنية النزوع : ٦٨.

(١٠) السرائر : ١ / ٩٨ ، قواعد الأحكام : ١ / ٩ و ١٠.

(١١) الخلاف : ١ / ٧٢ المسألة ١٨.

(١٢) وسائل الشيعة : ١ / ٤٦ الباب ٥ من أبواب مقدمة العبادات.

١٦٨

والأمر بالإخلاص في العبادة (١) ، ودلالتهما على المطلوب ظاهرة. وما أُورد على الثاني من المناقشات لا عبرة به (٢).

والحقّ بداهة اشتراطها في كلّ عبادة ؛ لأنها روحها ولولاها لم تتميّز عن سائر الحركات ولم تؤثّر في التصفية.

والمراد بها إمّا قصد الطاعة ، أو طلب الرفعة.

وحصول الامتثال بالأوّل مجمع عليه ، وظواهر الكتاب والسنّة به مستفيضة (٣) ، بل هو الغاية في النيّة ، وفوقه قصد الله الذي هو غاية كلّ غاية ، كما أُشير إليه في العلوي (٤).

وبالثاني حقّ مشهور ، وترغيبات الشرع به متظافرة (٥). وتوهّم عدم كفايته واشتراط تخليص القصد من الثواب والعقاب وقصر النظر بشراشره إلى جناب الحقّ ينافي الحكمة.

وعلى عدم اشتراط البواقي : بعد أصل العدم ، وعدم المقتضي فيما يعمّ به البلوى إطلاق أدلّة الوضوء وظهورها في حصول الامتثال بمجرّد إيقاعه بقصد الطاعة. ويؤيّده أمرهم بالواجب والمندوب بطريق واحد من غير تفرقة بينهما في النيّة.

__________________

(١) النساء (٤) : ١٤٢ ، الماعون (١٠٧) : ٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٦٤ و ٧٠ و ٥٩ الباب ١١ و ١٢ و ٨ من أبواب مقدمة العبادات.

(٢) الانتصار : ١٧.

(٣) التوبة (٩) : ٩٩ ، الكهف (١٨) : ١١٠ ، الزمر (٣٩) : ١٤ ، الليل (٩١) : ١٩ و ٢٠ ، البيّنة (٩٨) : ٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٥٩ الباب ٨ من أبواب مقدمة العبادات.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٦٢ الحديث ١٣٤.

(٥) الأنبياء (٢١) : ٩٠ ، السجدة (٣٢) : ١٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٦٢ الباب ٩ من أبواب مقدمة العبادات ، للتوسّع لاحظ! الحدائق الناضرة : ٢ / ١٧٧ ١٨٠.

١٦٩

وقد استدلّ عليه بمفهوم الحصر في قوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ) (١) وفيه نظر.

وللمشترطين اعتبارات ضعيفة لا وقع لها.

وضمّ المنافي للقربة كالرياء مبطل ، وفاقاً للمعظم. وظاهر السيّد الصحّة بمعنى سقوط القضاء لا حصول الثواب (٢).

لنا : رفعه الإخلاص اللازم في العبادة فيبطلها ، ومحرّمات العبادة تعضده فيفسدها. ويعضده قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « لكلّ امرئ ما نوى » (٣) ؛ إذ المرائي ما نوى الامتثال.

قال السيّد : نواهي الرياء لا تفيد أزيد من عدم القبول أي ترتّب الثواب (٤) ، فيبقى الصحّة أي الامتثال. وردّ بثبوت التلازم بينهما ، كما تقرّر في الأُصول (٥).

وضمّ غير الرياء من لوازم الفعل مع رجحانه غير مبطل إجماعاً ، وبدونه أقوال : ثالثها إن وجد في الابتداء وعدمه إن طرأ في الأثناء.

وعندي أنّه إن رفع استقلال القربة بالتأثير أبطل ، وإلّا فلا ، من دون فرق بينهما ؛ إذ مع كونه جزء العلّة الباعثة يرفع أصل الإخلاص ، ومع استقلالها بالعلّية أي كونها باعثة بدونه لا تأثير له في رفعه وإن قارنها ورفع كماله.

وكأنّ الفارق بين الرياء وغيره النصّ وعمل الجماعة ؛ لعدم الفرق بينهما في اللزوم للفعل والمنافاة للإخلاص وعدمهما ؛ لاستواء السرر ورويّة الناس ومزجهم

__________________

(١) البيّنة (٩٨) : ٥.

(٢) الانتصار : ١٧.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ٤٩ الحديث ٩٢.

(٤) الانتصار : ١٧.

(٥) لاحظ! معالم الأُصول : ٩٦ و ٩٩.

١٧٠

في اللزوم والمنافاة لبحت الإخلاص دون وجوده في الجملة. وأيضاً المنافاة بمعنى مطلق المخالفة حاصلة فيهما ، وبمعنى الضدّية منتفية عنهما ؛ لإمكان الجمع.

ثمّ ما يتطرّق من الرياء بلا اختيار مع المجاهدة في دفعه لا يبطل ، وإلّا لزم التكليف بما لا يطاق.

والقصد المعتبر في النيّة هو مجرّد الداعي والهمّة اللازمة لفعل كلّ عاقل ، ولا يشترط فيه الإخطار والاستحضار الفعلي ؛ إذ الظواهر لا تثبت أزيد من الهمّ الباعث ؛ فلا دليل على اشتراط الزائد.

ويعضده حكم العقل بأنّ اللازم في كلّ عبادة مجرّد صدورها الباعثة على وجه القربة ، ولا حجّة على اشتراط الشعور بها ، وهي نيّة فعليّة باقية في كلّ جزء من الفعل ؛ لاستحالة صدوره من المختار بلا إرادة ، فلا يبطلها إلّا قصد المنافي.

وتوقّف الفعليّة على الإخطار غير مسلّم والأكثر اشترطوه للتوقّف ، ولا وقع له. ولتعذّر استدامته ولزوم النيّة لكلّ جزء من الفعل خصّصوه بالابتداء ، واكتفوا بالنيّة الحكميّة المفسَّرة بما يرجع إلى الداعي في الأثناء (١) ، ولا أدري بالباعث لهذه التفرقة مع تساوي الأجزاء فيما يشترط به من نحو النيّة ؛ إذ الأخبار غير قادحة ، وكون الإخطار أدخل في التوجّه مع عدم إثباته الوجوب مشترك.

والشهيد مع نفيه الفعليّة والاكتفاء بالحكميّة لرفع الحرج فسّرها بالبقاء على حكم النيّة والعزم على مقتضاها (٢) ، وهو يرجع إلى ما نفاه ، فيلزمه التناقض وبطلان عبادة الذاهل ، والوجوه المحرّرة لصحيحة مزيّفة.

وعلى المختار علّة الحدوث والبقاء واحدة ، والمكتفي بالحكميّة أمّا السبب

__________________

(١) لاحظ! المبسوط : ١ / ١٩ ، الجامع للشرائع : ٣٥ ، المعتبر : ١ / ٣٩ ، نهاية الأحكام : ١ / ٤٤٩.

(٢) ذكرى الشيعة : ٢ / ١١٠.

١٧١

عنده أحد الأمرين فيلزمه تحكّم التفرقة ، أو يرى استغناء الباقي عن المؤثّر وفساده ظاهر. على أنّ الوضوء تدريجي الوجود ، فيفتقر كلّ جزء منه إلى سبب عند الكلّ.

وقد يقال : علل الشرع معرّفات لا يلزم منها الاطّراد والانعكاس ، فيمكن التخلّف هنا ، ولو على الافتقار. وفيه أنّ النيّة من العلل العقليّة ؛ إذ صدور الفعل بلا إرادة غير معقول.

فروع :

الأوّل : لو كانت القربة باعثة صحّت العبادة وإن خطر غيرها ؛ لحصول المناط ، وإلّا لم تصحّ وإن خطرت ؛ لعدمه.

ولو شكّ في الباعث لم تصحّ ؛ للزوم العلم بانبعاثها عن القربة. وانتفائها في أصل العمل يبطله مطلقاً ، وفي خارجه من المكمّلات لا يبطله ما لم يرفع الموالاة ، وإن حرم لو قصد الرياء.

الثاني : مغيّر (١) الوجه على اشتراطه مبطل ، وبدونه غير مبطل وإن نفى ما قصده من الوجه.

وظاهرهم بطلان كلّ وضوء مندوب مع الشغل بواجب منه ؛ لاستلزام الأمر الحتمي بأحد الشيئين النهي عن الآخر ، وارتفاع الحدث بالمندوب فينتفي الوجوب ، وثبوت التداخل مع مشروعيّته فيجتمع حكمان على واحد بالشخص.

وردّ الأوّل بالمنع مع التوسّع.

__________________

(١) في النسخ الخطّية : ( معتبر ) ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

١٧٢

والثاني بعدم محذور في سقوط الواجب بالمندوب ، كالعكس ؛ إذ الظاهر ثبوت التداخل ، فيسقط كلّ منهما بالآخر ، ولو منع بقي كلّ منهما على حكمه ؛ لإطلاق الأمر به. وتخصيص أحد الأمرين بالآخر دون العكس تحكّم.

وعن الثالث بأنّ التداخل في الشرع ليس إيجاداً لاثنين حتّى يجوز في المتماثلين دون المختلفين ، بل هو سقوط أحدهما بالآخر فيجري في الكلّ.

وعلى هذا ، فالأقرب صحّته ؛ لإطلاق الأمر ، فإن جوّز التداخل كما هو الظاهر كفى عن الواجب ، وإلّا لزم وضوء آخر له.

الثالث : لو اعتقد وجوب وضوء أو ندبه فنواه ثمّ ظهر خلافه صحّ ؛ لحصول اللازم وعدم العبرة بالزائد.

ولو اعتقد تعدّد الواجب أو تردّد بين فعلين ، فنوى واحداً ثمّ ظهر عدم وجوبه ، بطل ولزم إيقاع المطلوب.

الرابع : الحقّ وجوب نيّة واحدة للكلّ ، فلا يكفي التفريق ؛ لفعل الحجج عليهم‌السلام وكونه عبادة واحدة متّصلة كالصلاة ، فالتفرقة غير معقولة.

خلافاً للفاضل (١) ؛ لإطلاق الأدلّة ، وكون الخاصّ أقوى ارتباطاً من العام. وردّ الثاني بالمنع ، والأوّل بالتقييد للجمع ، على أنّ ظاهر بعضها الاختصاص.

الخامس : لو أخلّ بلمعة وغسلها في الثانية المندوبة صحّ عندنا مطلقاً ، ووجهه [ ظاهر ] ، وعلى اشتراط قصد الوجه لا يصحّ ، وفاقاً لأهله إن علم بها ، وعلى الأصحّ إن لم يعلم بها حتّى انغسلت ؛ لعدم حصول الشرط.

وقول بعضهم بالصحّة (٢) ضعيف ، وتعليلها بكفاية الأُولى المتضمّنة له عليل ؛

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ١ / ١٤٥ و ١٤٦ المسألة ٣٩.

(٢) منتهى المطلب : ٢ / ١٤٥ و ١٤٦ ، كشف اللثام : ١ / ٥٩٠.

١٧٣

لأنها فرع عدم طريان المنافي.

نعم ؛ لو فرض وجوب الثانية بنذر ومثله أو استحباب الأُولى أيضاً صحّ قطعاً.

ولو انغسلت في المجدّد ، فعلى رافعيّته كما هو المختار صحّ ولو في الثانية منه ، وبدونها لا يصحّ مطلقاً.

ولو انغسلت في الثالثة من أحدهما لم يصحّ ، وفاقاً ؛ لكونها بدعة محرّمة ، فلا يتأتّى فيها القربة المعتبرة عند الكل.

السادس : في شرعيّة الطهارة التمرينيّة وعدمها قولان : من ظاهر الأمر وسقوط التكليف ، والفائدة في ترتّب الثواب وعدمه ، وفي الإعادة وعدمها في الأثناء.

وعلى المشروعيّة في كيفيّة النيّة من قصد الندب أو الوجوب أي الشرطي ؛ لانتفاء الشرعي وفاقاً وجهان.

والحقّ عدم الشرعيّة كما اختاره الفاضل (١) وكون الأمر لمجرّد الإرشاد إلى تحصيل الاعتياد ؛ إذ الشرعيّة بمعناها المعروف مع عدم التكلّف غير معقولة.

وعلى هذا ، فنيّتها مجرّد تخييل لا يعتبر فيها لوازم النيّة الحقيقيّة.

السابع : وقت النيّة عند مستحبٍّ من فعله موسّعاً ، وأوّل واجب منه مضيّقاً.

ومثل التسمية والسواك لخروجه عن حقيقته لا يعدّ من أفعاله ، فلا عبرة بالنيّة عنده. ولكونها فعل القلب لا يعتبر فيها التلفّظ وجوباً أو ندباً.

الثامن : لا يصحّ طهارة الكافر ؛ لانتفاء القربة في حقّه ، ولزوم جواز وطء

__________________

(١) منتهى المطلب : ٢ / ١٣.

١٧٤

الكافرة للمسلم بعد الحيض بلا غسل لا ضير فيه.

التاسع : النيّة لا تسقط بالعجز عن الفعل ؛ إذ الضرورة إنّما تقدّر بقدرها ، فمع تمكّنه منها لا يجوز الاستنابة فيها.

نعم ؛ لو نوى المباشر أيضاً لكان أحوط ؛ لأنّه الفاعل ، كالنائب في ذبح الهدي.

العاشر : كفاية وضوء واحد بقصد القربة عن أسبابه المختلفة عندنا ظاهر ؛ للأصل ، وصدق الامتثال.

وعلى اشتراط قصد الرفع يكفي قصد رفع العام أو المطلق وفاقاً. وظاهر الأكثر كفاية قصد رفع معيّن ؛ لتوقّف رفع الخصوصيّة على رفع الجميع ؛ لاتّحاد معنى الحدث وإن تعدّدت أسبابه عند القطع بالتداخل عند اجتماعها ؛ فلا معنى لتبعّضه في الرفع والبقاء ، فقصد الرفع في البعض يرفع الحقيقة ، ومنع التداخل هنا ضعيف.

فاحتمال رفع المنوي دون غيره أو البطلان لإيجاب بقائه باطل.

وقصد البقاء في غيره لا يبطل ، وفاقاً للفاضل (١) ؛ لارتفاع الحقيقة بقصد الرفع في المنوي ، فيلغو المناقض.

خلافاً للشهيد (٢) ؛ للتناقض الموجب للتلاعب وحصول التعارض بين سببي الرفع والبقاء وتقديم أحدهما الحكم فيتساقطان ويبقى الحدث على حاله.

وبتقرير آخر : قد نوى المتنافيين ، فحصولهما اجتماع للنقيضين ، وأحدهما ترجيح من غير مرجّح ، فوجب التساقط وبقاء الحدث على حاله.

__________________

(١) منتهى المطلب : ٢ / ١٨ و ١٩ ، ووافقه الفاضل الهندي في كشف اللثام : ١ / ٥١٣.

(٢) الدروس الشرعيّة : ١ / ٩٠.

١٧٥

قلنا : ظاهر الخبر (١) أنّ للمرء ما ينوي من العمل بشرط المناسبة ، والوضوء يناسب الرفع دون البقاء ، فتقديمه عليه لا يوجب التحكّم.

قيل : لاتّحاد معنى الحدث ، يعارض مفهوم الخبر منطوقه ، فيجب الحكم بالبقاء بعد التساقط ، فراراً عن أحد المحذورين (٢).

قلنا : بعد النقض بصورة عدم نفي الغير منطوقه يعمّ الصريح واللازم ، ورفع الغير لاتّحاد معنى الحدث لازم.

وبذلك يظهر الصحّة إن لم تصر ملاعبة بالامتثال والقربة.

ولو اجتمعت غاياته المختلفة ، فعلى المختار يكفي وضوء واحد بقصد القربة لها مطلقاً. نعم المندوب المجامع لأكبر الحدثين يخصّ بمورده ، لشرعيّة المجدّد ؛ لعدم وجوب قصد الرفع والاستباحة في نيّته ، مجمع عليه. وحصولهما به وإجزاؤه عن السابق لو ظهر فساده عندنا ظاهر.

والمشترطون لقصدهما بين مخالف لنا ، وموافق مطلقاً أو إذا قصد إيقاع المشروط على الوجه الأكمل.

للأوّل : عموم اشتراطه في حصولهما.

وللثاني : تخصيصه بصورة انتفائهما ؛ إذ مع اعتقاده حصولهما لا فائدة في قصده وكون شرعيّته لتدارك الخلل في الأوّل ، وما ورد في إجزاء غسل الجمعة عن غسل الجنابة مع نسيانه (٣) وفي صوم يوم الشك بنيّة الندب عن الواجب (٤) ، واستحباب الغسل في أوّل رمضان ملاقياً لما عسى فاته من غسل واجب (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٤٨ و ٤٩ الحديث ٨٩ و ٩٢.

(٢ و ٤ و ٥) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٠ الباب ٥ من أبواب وجوب الصوم ونيّته.

١٧٦

وللثالث : اعتبار لا يعبأ به.

والأرجح على أصلهم قول الأوّل ؛ إذ لو تمّ دليلهم على الاشتراط ثبت عمومه ، فلا يخرج عن مقتضاه إلّا بمخرج ، ولا مخرج هنا ، وكون الشرعيّة للتدارك ممنوعة ، والتخلّف في الموارد المذكورة على التسليم لدلالة خارجة.

نعم يمكن جعله شاهداً على ضعف دليلهم ، لكنّه غير المبحث ؛ إذ الكلام على فرض التسليم.

مسألة :

الغسل كالوضوء في جريان التداخل وعدمه ، والأغسال المجتمعة إمّا واجبة ، أو مندوبة ، أو مختلفة ، والأولى إن وجد فيها الجنابة كفى واحد إن نواها أو الكلّ بالإجماع ، والمستفيضة (١) ، وصدق الامتثال.

وأصالة عدم التداخل إنّما هو بالعلل الواقعيّة ، والشرعيّة بين واقعيّة ومعرّفة ، وإلحاق المشكوك [ با ] لُاولى لو سلّم لم ينفع هنا ؛ إذ السبب الأوّل لكلّ غسل واجب أكبر الحدثين وهو معنى واحد لا يتصوّر فيه التعدّد ، فيتّحد مسبّبه ، بل سببه الواقعي ، وإن تعدّدت أماراته.

على أنّ الاكتفاء بغسل واحد وإن التزم تعدّد الأحداث بجعل أسبابه من العلل دون المعرّفات ممكن ؛ إذ الغرض من الطهارتين التنظيف ، كما يومي إليه الظواهر ، وحصوله بالواحد ظاهر ، بل المتعدّد لا يؤثّر فيه أزيد منه.

والتزام حصول غير الجائز من التداخل ، والقول بالمخصّص للإجماع والنصوص مشكل ؛ لاستحالة التخلّف في العلل الواقعيّة وإن كانت شرعيّة. فالتخصيص يكشف عن كونه من الجائز ، وكون العلل من المعرّفات.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٦١ الباب ٤٣ من أبواب الجنابة.

١٧٧

ونفي غير الجنابة مع قصدها لا يخصّص ؛ لإطلاق أخبار التداخل ، واتّحاد معنى الحدث ، فلا يتبعّض في الرفع.

وأخبار النيّة لو سُلّم عمومها ودلالتها تخصّص بهما ، ولا يبطل ؛ للإطلاق وارتفاع الحدث بالقصد الأوّل ، فلا تأثير للنافي بعده. خلافاً لظاهر الشهيد (١) ؛ لما مرّ بجوابه (٢).

ثمّ ظاهرهم سقوط الوضوء هنا ، فإن ثبت الإجماع فلا كلام ، وإلّا فصدق الاسمين يوجب التعارض بين الدليلين ، فإن تساقطا بقي عموم أدلّة الوضوء سالماً.

والحقّ الترجيح لأدلّة السقوط ؛ لاعتضادها بالشهرة ، وأدلّة مذهب السيّد (٣) ، وظهور التخصيص في أدلّة الوجوب ، والمنع في عموم أدلّة الوضوء.

وإن نوى غير الجنابة ، فالحقّ إجزاؤه عن الكلّ أيضاً ، وفاقاً للمحقّق والشهيد (٤) وأكثر الثالثة ، وخلافاً لـ « القواعد » (٥).

لنا : إطلاق الأمر بالغسل بعد الجنابة في الآيتين (٦) ، والنصوص ، وإطلاق أخبار التداخل (٧) ومجوّزات الدخول في الصلاة بلا تقييد ، وأصالة البراءة ؛ واتّحاد معنى الحدث وإن تعدّدت أسبابه فلا ينتقض في الرفع.

للمخالف : عدم استلزام رفع الأضعف لرفع الأشدّ ، وردّ بمنع الأشدّية ، كما

__________________

(١) البيان : ٤٤ ، الدروس : ١ / ٩٠.

(٢) لاحظ! الصفحة : ١٧٥.

(٣) لاحظ! مختلف الشيعة : ١ / ٣٤٠ و ٣٤١ ، رياض المسائل : ١ / ٣٢٨ و ٣٢٩.

(٤) شرائع الإسلام : ١ / ٢٠ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ١١٠ و ١١٥.

(٥) القواعد والفوائد : ١ / ٨٠ و ٨١.

(٦) النساء (٤) : ٤٣ ، المائدة (٥) : ٦.

(٧) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٦١ الباب ٤٣ من أبواب الجنابة.

١٧٨

تقرّره بعض النصوص (١). والاستلزام مع تساويهما في قوّة الرفع أو كون رافع الأضعف أقوى.

والظاهر سقوط الوضوء هنا أيضاً ، كما صرّح به الفاضلان (٢) ؛ لما مرّ.

وإن اقتصر على نيّة القربة مع الوجه ، والأمرين كلّاً أو بعضاً أو بدونها من غير تعرّض لشي‌ء من الأحداث ، فالحق إجزاؤه عن الكلّ أيضاً ؛ لصدق الامتثال ، وعموم أخبار التداخل.

وإن لم يوجد فيها الجنابة ، فالمختار صحّة التداخل ، وكفاية الواحد بجميع الاحتمالات ؛ لإطلاق الأخبار ، وصدق الامتثال ، وأصالة البراءة.

والثانية كالأُولى على الأصحّ في جريان التداخل وكفاية الواحد ، نوى الكلّ أو البعض ، أو اقتصر على قصد القربة ، مع الندب أو بدونه ، وفاقاً لـ « المنتهى » (٣) وأكثر الثالثة ؛ لإطلاق الأخبار ، وصدق الامتثال.

ورجّح المحقّق التداخل في الأوّل والاختصاص بالمنوي في الثاني (٤) ؛ لحجّة لا عبرة بها.

وقيل بعدمه مطلقاً (٥) ؛ لأصالته ، وأخبار النيّة. وقد علم جوابهما.

ثمّ غايات الغسل إمّا متقدّمة عليه وهي الأزمنة ، أو متأخّرة عنه وهي الأفعال ودخول الأمكنة ، أو مختلفة.

ويكفي الواحد في الأُولى وإن أحدث بعده ، ووجهه ظاهر.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ / ٣١٤ الحديث ٢٢٢٦.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه نعم نقل عن المحقق في جواهر الكلام : ٢ / ١٢٢.

(٣) منتهى المطلب : ٢ / ٢٠ تنبيه : صرح في المنتهي بالتداخل فقط ولم يفصّل بين الأقسام.

(٤) المعتبر : ١ / ٣٦٢.

(٥) الدروس الشرعية : ١ / ٨٨ ( مع اختلاف يسير ) ، للتوسع لاحظ! الحدائق الناضرة : ٢ / ١٩٩.

١٧٩

وفي الثانية إن لم يحدث قبل الفعل والدخول مع سبق إرادتهما وإن نوى كون الغسل لغيرهما ؛ لعموم الأدلّة ، وبدونه بأن يتجدّد الإرادة بعده ؛ لظاهر المرسل والخبرين (١).

وإن أحدث قبلهما فالظاهر عدم الإجزاء ؛ للصحيح والخبرين (٢). والمعارض (٣) مؤوّل.

وحكم الثالثة من الغايات والأغسال يعلم بالمقايسة.

ثمّ الظاهر كون التداخل عزيمة لا رخصة ؛ إذ لا يعقل رجحان للفعل بعد حصول الامتثال والإجزاء المعلوم من الأخبار. فدعوى ظهورها في الرخصة باطلة.

الثاني : غسل الوجه :

ووجوبه ثابت بالثلاثة. وحدّاه ما بين القصاص والذقن ، وما حواه الإبهام والوسطى ، بالإجماعين ، وظاهر الصحيح والخبر (٤).

وعلى هذا فالواجب غسله من الوجه شبه مربّع.

وبعض الثالثة بعد التسوية بين الحدّين حدّده بشبه دائرة تحدث من دوران الواصل بين الطرفين على نفسه مع ثبات وسطه ، محتجّاً بحفظه العكس والطرد (٥) ، بخلاف الأوّل ؛ إذ الفرق إنّما هو بزيادة الأوّل على الثاني بمثلين ، هما نصف التفاضل بين دائرة ومربّع معمول عليها بالصدغ والعارض والنزعتان.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٦٣ و ٢٦٤ الحديث ٢١٠٨ و ٢١١١ و ٢١١٢.

(٢) وسائل الشيعة : ١٤ / ٢٤٩ الحديث ١٩١١٦ ، ٢٤٨ الحديث ١٩١١٤ ، ١٣ / ٢٠٢ الحديث ١٧٥٦٧.

(٣) وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٣٠ الحديث ١٦٤٣٢.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٤٠٣ و ٤٠٤ الحديث ١٠٤٨ و ١٠٤٩.

(٥) حبل المتين : ١٤ ، الحدائق الناضرة : ٢ / ٢٢٧ و ٢٢٨.

١٨٠