والمصنف لم يتعرض لرجوع الأول على الثاني بشيء ، لكن ذلك مراده ، لحصول الزيادة بدونه في (٧٨) مستحقه للمالك ، والحيف الحاصل على الثاني في الاحتمال السابق حاصل هنا ، لتساويهما حينئذ في الضمان مع أن الثاني جنى عليه وقيمته دون قيمته حين جناية الأول عشرة (٧٩).
قال رحمهالله : أو إلزام الأول بخمسة ، والثاني بأربعة ونصف ، وهو تضييع على المالك.
أقول : هذا الاحتمال الرابع ، ووجهه دخول جناية كل منهما في بدل النفس ، لأن كل واحد منهما لو انفرد بالجناية دخل أرش جنايته في بدل النفس ، فكذا إذا اجتمعا ، فحينئذ يضمن كل واحد منهما نصف قيمة النفس حال جنايته ، وقيمة النفس حال جناية الأول عشرة ، فيضمن نصفها خمسة وقيمتهما حال جناية الثاني تسعة ، فيضمن نصفها أربعة ونصف ، فيضيع نصف درهم على المالك وهو غير جائز.
قال رحمهالله : أو إلزام كل واحد منهما بنسبة قيمته يوم جنى عليه ، وضم القيمتين ، وبسط العشرة عليهما فيكون على الأول عشرة أسهم من تسعة عشر ، وهو أيضا إلزام الثاني بزيادة لا وجه لها.
أقول : هذا هو الاحتمال الخامس ، ومبناه على دخول أرش جناية كل منهما في بدل النفس ، وعلى وجوب رجوع كمال القيمة على المالك ، وهذا الاحتمال اختيار الشيخ ، وعلله (٨٠) بسلامته من جميع المحذورات ، وهو اختيار نجيب الدين يحيى بن سعيد ، واستقر به العلامة في القواعد والتحرير.
__________________
(٧٨) في النسخ : وهي.
(٧٩) هذه الكلمة ليست في النسخ.
(٨٠) في النسخ : وعلل.
واعترض عليه المصنف بان فيه إلزام الثاني (٨١) بزيادة لا وجه لها ، وتابعه العلامة في القواعد ، وذلك أنا إذا بسطنا العشرة على التسعة عشر ضربنا التسعة عشر في عشرة يبلغ مائة وتسعين ، يكون على الأول مائة ، وهي خمسة دراهم وخمسة أجزاء من تسعة عشر جزءا ( من درهم ، وعلى الثاني تسعون ، وهي أربعة دراهم وأربعة عشر جزءا من تسعة عشر جزءا من درهم ) (٨٢) ، وقد أتلف نصف تسعة دراهم أربعة دراهم ونصف ، وهي خمسة وثمانون جزءا ونصف جزء ، وقد ألزمناه بتسعين جزءا فيزيد عليه (٨٣) أربعة أجزاء ونصف جزء من تسعة عشر جزءا من درهم ، فهذه الزيادة عند المصنف لا وجه لها.
قلت : تخصيص الزيادة بالثاني دون الأول غير مسلم ، لأن الأول عليه نصف العشرة كما أن الثاني عليه نصف التسعة ، وقد أوجبنا على الأول مائة جزء من مائة وتسعين جزءا ، وذلك خمسة دراهم وخمسة أجزاء ، فقد زاد عليه خمسة أجزاء (٨٤) من تسعة عشر جزءا من درهم ، فالزيادة لاحقة لهما ، وقد أشار العلامة في التحرير الى ذلك.
وقوله : لا وجه لها ، غير مسلم أيضا ، لأن هذا الاحتمال مبني على رجوع جميع القيمة إلى المالك ، فلو ألزمناهما بنصف القيمتين لضاع على المالك نصف درهم ، وهو تسعة أجزاء ونصف وهو غير جائز ، فوجب تقسيط ذلك النصف عليهما (٨٥) بالنسبة ، فيلحق الأول خمسة أجزاء من تسعة عشر جزءا من درهم ، والثاني أربعة ونصف من تسعة عشر جزءا من درهم ، وذلك هو المدعى ، فيسلم
__________________
(٨١) في النسخ : للثاني.
(٨٢) ما بين القوسين سقط من « م ».
(٨٣) في « م » : على.
(٨٤) في « م » و « ن » : أخرى.
(٨٥) في الأصل : عليها.
تعليل الشيخ : انه سالم من جميع المحذورات.
قال رحمهالله : والأقرب أن يقال : يلزم الأول خمسة ونصف ، والثاني أربعة ونصف ، لأن الأرش يدخل في قيمة النفس فيدخل نصف أرش جناية الأول في ضمان النصف ، ويبقى عليه نصف الأرش مضافا الى ضمان نصف القيمة ، وهو أيضا لا يخلو من ضعف.
أقول : هذا الاحتمال السادس (٨٦) ذكره المصنف ، وهو مبني على دخول نصف أرش جناية الأول في بدل النفس تبعا لضمان نصف القيمة ، ودخول مجموع أرش جناية الثاني في بدل النفس بمشاركة غيره بخلاف الأول ، لأنه جنى عليه ( قبل ان يجني عليه ) (٨٧) ، وإذا دخل نصف أرش جناية الأول في بدل النفس وهو درهم ، بقي (٨٨) عليه نصف درهم مضافا الى نصف القيمة يوم جنايته ، وهي عشرة فيلزمه (٨٩) خمسة ونصف ، وإذا دخل مجموع أرش جناية الثاني في بدل النفس لم يلزمه غير نصف قيمته يوم جنى عليه ، وهي تسعة فيلزمه أربعة ونصف.
وهذا لا يخلو من ضعف ، لانفراد الثاني بإتلاف ما يساوي درهما ، ولم يشتركا إلا في ثمانية ، فإن أدخلنا (٩٠) نصف أرش (٩١) جناية الأول في بدل النفس كان الثاني كذلك ، وإن أدخلنا مجموع جناية الثاني كان الأول كذلك ،
__________________
(٨٦) هذا من « ن » وفي الباقي : سادس.
(٨٧) ما بين القوسين ليس في « ر ١ ».
(٨٨) في الأصل : نفى.
(٨٩) في الأصل : يلزمه.
(٩٠) هذه الكلمة ليست في « ر ١ ».
(٩١) هذه الكلمة ليست في الأصل.
لانفراد كل منهما بما يساوي درهما واشتراكهما في الباقي ولا فارق (٩٢) بينهما.
تنبيه : لو قال كل واحد منهما : أنا أثبته وأنت قتلته فعليك ضمانه ، حلف كل واحد منهما للآخر ولم يثبت لأحدهما على الآخر شيء ، فان حلف أحدهما ونكل الآخر حلف مع نكوله على ما ادعاه واستحقه ، ولو قال الأول : أنا أثبته وأنت قتلته ، فقال : أصبته ولم تثبته وبقي على امتناعه وأنا أثبته ، فإن كان يعلم انه لم يبق له بعد جراحة الأول وامتناع ، كما لو كسر جناح من يمتنع بالطيران ، فالقول قول الأول ، وإن كان يجوز أن يمتنع بعد جراحة الأول ، فالقول قول الثاني مع يمينه ، لأن الأصل الامتناع فلا يزول بجراح الأول.
قال رحمهالله : إذا كان الصيد ممتنع بأمرين كالدراج والقبج ، يمتنع بجناحيه وعدوه ، فكسر الرامي جناحه ثمَّ كسر الأخر رجله ، قيل : هو لهما ، وقيل : هو للآخر ، لأن بفعله تحقق الإثبات ، والأخير أقوى.
أقول : القولان نقلهما الشيخ في المبسوط ، ثمَّ قوى الاشتراك ، لأن سبب الملك الإثبات وقد حصل بفعلهما إذ فعل كل واحد لو (٩٣) انفرد لم يكن مثبتا.
فكان الملك لهما ، وقوى المصنف أنه للأخير ، واختاره العلامة في التحرير والإرشاد ، وهو مختار الشهيد ، لأن الإثبات قد حصل بفعله.
قال رحمهالله : إذا أصابا صيدا دفعه وأثبتاه فهو لهما ، ولو كان أحدهما جارحا والآخر مثبتا فهو للمثبت ، ولا ضمان على الجارح ، لان جنايته لم تصادف ملكا لغيره ، ولو جهل المثبت منهما فالصيد بينهما ، ولو قيل : يستخرج بالقرعة كان حسنا.
أقول : أما وجه كونه لهما فلاتحاد نسبتهما اليه ولاستحالة ترجيح أحدهما
__________________
(٩٢) في النسخ : فلا فارق.
(٩٣) في الأصل : أو.
من غير مرجح ، وأما وجه القرعة فللعلم بأن أحدهما أثبته دون الآخر ، فالاشتراك يوجب تمليك من ليس بمالك وهو غير جائز ، فلما لم يتعين المثبت منهما وجب استخراجه بالقرعة ، لقوله عليهالسلام : « كل أمر مشكل فيه القرعة » (٩٤) ، أما لو حصل الاشتباه في الإثبات (٩٥) هل هو بفعلهما أو بفعل أحدهما؟ فالاشتراك أقوى.
__________________
(٩٤) الوسائل ، كتاب القضاء ، باب ١٣ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، حديث ١١ الى ١٨ ، والمستدرك كتاب القضاء ، باب ١١ من أبواب الحكم وأحكام الدعوى ، حديث ١.
(٩٥) في « م » : بالإثبات.
كتاب الأطعمة والأشربة
في حيوان البحر
قال رحمهالله : أما ما ليس له فلس كالجري ، ففيه روايتان ، أشهرهما : التحريم ، وكذا الزمار والمارماهي والزهو ، لكن أشهر الروايتين هنا الكراهة.
أقول : هنا مسألتان :
الاولى : في الجري ـ بكسر الجيم ـ والمشهور تحريمه ، لرواية سمرة بن سعيد ، « قال : خرج أمير المؤمنين عليهالسلام على بغلة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فخرجنا معه حتى انتهينا الى موضع السمك فجمعهم ، فقال : أتدرون لأي شيء جمعتكم؟ قالوا : لا ، قال : لا تشتروا الجريث ولا المارماهي ولا الطافي على الماء ولا تبيعوه » (١) ، ومثلها رواية ابن فضال (٢) عن غير واحد من أصحابنا عن الصادق عليهالسلام ، وقال ابن البراج انه يكره ، لرواية زرارة الصحيحة عن الباقر عليهالسلام : « قال : سألته عن الجريث؟ فقال : ما الجريث؟ فنعته له ،
__________________
(١) الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ٩ من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث ١٤.
(٢) الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ٩ من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث ١٥.
فقال : (لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) (٣). الاية ، ثمَّ قال : لم يحرم الله شيئا من الحيوان في القرآن الا الخنزير بعينه ، ويكره كل شيء من البحر ليس له قشر كالورق ، وليس بحرام وانما هو مكروه » (٤) ، ومثلها صحيحة محمد بن مسلم (٥) ، والمعتمد التحريم.
الثانية : في الزمار والمارماهي والزهو ، وظاهر المصنف كراهية ذلك ، وهو مختار الشيخ في موضع من النهاية وبه قال ابن البراج ، لرواية زرارة المتقدمة ، وقال الشيخ في الخلاف وفي موضع آخر من النهاية بالتحريم ، وهو مذهب ابني بابويه والسيد المرتضى وابن الجنيد وابن أبي عقيل وابن إدريس والعلامة في المختلف ، واختاره الشهيد وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لرواية سمرة بن سعيد المتقدمة.
قال رحمهالله : ولو وجد في جوف سمكة سمكة أخرى ، حلت إن كانت من جنس ما يحل ، وإلا فهي حرام ، ولهذا روايتان طريق إحداهما السكوني والأخرى مرسلة ، ومن المتأخرين من منع استنادا الى عدم اليقين بخروجها حية ، وربما كانت الرواية أرجح استصحابا لحال الحياة.
أقول : إذا شق جوف سمكه فوجد فيها أخرى ، قال الشيخ في النهاية : حلت إن كانت مما يحل أكلها ولم تنسلخ ، ولا تحل لو انسلخت ، وقال المفيد وعلي بن بابويه : حلت ان كانت ذات فلس ، ولا تحل إن لم يكن لها فلس ، ولم يشترطا عدم السلخ ، وجزم المصنف في المختصر بحلها إن كانت مما يؤكل ولم يشترط عدم السلخ وهو ظاهره هنا ، لما رواه السكوني في الموثق عن الصادق عليهالسلام :
__________________
(٣) الأنعام : ١٤٥.
(٤) الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ٩ من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث ١٩.
(٥) الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ٩ من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث ٢٠.
« أن عليا عليهالسلام سئل عن سمكة شق بطنها فوجد فيها سمكة؟ قال : كلهما جميعا » (٦) ، ومثلها رواية أبان عن بعض أصحابنا عن الصادق عليهالسلام ، « قال : يؤكلان جميعا » (٧) وفي طريق الاولى السكوني وهو ضعيف ، والثانية مرسلة ، وإليهما أشار المصنف ، ثمَّ مال الى ترجيح الرواية استصحابا لحال الحياة ، لأن الأصل بقاء الحياة إلى حين أخذها ، فيكون شرط التذكية موجودا ، لأصالة عدم موتها قبل الأخذ.
ومنع ابن إدريس من أخذها ما لم توجد حية ، لأن الشرط في إباحة ( السمك إخراجه ) (٨) من الماء حيا (٩) ، وهذا الشرط غير معلوم فلا يباح أكلها ، واختاره فخر الدين ، لأن المشروط بدون وجود الشرط محال والا لم يكن الشرط شرطا.
قال رحمهالله : ولو وجدت في جوف حية أكلت إن لم تكن تسلخت ، والا لم تحل ، ولو تسلخت لم تحل ، والوجه انها لا تحل إلا أن يقذفها والسمكة تضطرب ، ولو اعتبر مع ذلك أخذها حية لتحقق الذكاة ، كان حسنا.
أقول : إذا قذفت الحية سمكة ، قال الشيخ في النهاية : حلت ان لم تنسلخ ، ومنع ابن إدريس من ذلك الا أن تقذفها والسمكة تضطرب ، وظاهر المصنف اعتبار أخذها بالتذكية (١٠). (١١) ، واختاره العلامة وهو مبني على أن ذكاة السمك هل هي إخراجه باليد أو بالآلة المتصلة باليد أو يكفي موته خارج الماء مع
__________________
(٦) الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ٣٦ من أبواب الذبائح ، حديث ١.
(٧) الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ٣٦ من أبواب الذبائح ، حديث ١.
(٨) في « م » و « ر ١ » : السمكة إخراجها.
(٩) في ( م ) و « ر ١ » : حية.
(١٠) في النسخ : باليد حية.
(١١) هنا كلمة في الأصل غير مقروة.
الإدراك بالطرف وان لم يأخذه بيده ، وقد تقدم البحث في ذلك (١٢).
احتج الشيخ رحمهالله بما رواه أيوب بن أعين عن الصادق عليهالسلام ، « قال : قلت له : جعلت فداك ما تقول في حية ابتلعت سمكة ثمَّ طرحتها وهي حية تضطرب ، أيحل أكلها؟ فقال : إن كان فلوسها تسلخت فلا تأكلها ، وان لم تكن تسلخت فكلها » (١٣) ، وأجيب بالقول بموجب الرواية وليس فيها ( دلالة على مطلوب الشيخ ، لأنها مصرحة بأن الحية القت السمكة وهي ( تضطرب و) (١٤) لم يذكر فيها ) (١٥) إخراجها ميتة والمعتمد اختيار المصنف.
قال رحمهالله : ولو اختلط الميت بالحي بحيث لا يتميز ، قيل : حل الجميع واجتنابه أشبه.
أقول : سبق البحث في هذه في باب الصيد والذبائح (١٦) ، واختيار المصنف هناك إباحة الجميع وهنا اختار المنع وهو المعتمد.
__________________
(١٢) ص ٢٧.
(١٣) الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ١٥ من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث ١.
(١٤) ليست في « ر ١ ».
(١٥) ليست في « م ».
(١٦) تقدم.
في البهائم
قال رحمهالله : وقد يعرض التحريم للمحلل من وجوه ، أحدها : الجلال ، وهو أن يغتذي عذرة الإنسان لا غير ، فيحرم حتى يستبرئ ، وقيل : يكره ، والتحريم أظهر ، وفي الاستبراء خلاف والمشهور استبراء الناقة بأربعين يوما ، والبقرة بعشرين ، وقيل تستوي البقرة والناقة في الأربعين ، والأول أظهر ، والشاة بعشرة ، وقيل بسبعة ، والأول أظهر ، وكيفيته أن يربط ويعلف علفا طاهرا هذه المدة.
أقول : البحث هنا في أماكن :
الأول : في تحريم الجلال ، وبتحريمه قال جمهور الأصحاب وهو المعتمد ، لرواية هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، « قال : لا تأكلوا لحوم الجلالة وإن أصابك من عرقها فاغسله » (١٧) ، وقال ابن الجنيد بالكراهية لأصالة الإباحة.
الثاني : فيما به يحصل الجلل ، وهو بالاعتذاء بعذرة الإنسان محضا ، فلا يحرم
__________________
(١٧) الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ٢٧ من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث ١.
لو خلط على المشهور بين الأصحاب ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : الجلالة هي (١٨) التي تكون أكثر علفها العذرة ، وهو يدل على ( حصول الجلل مع الخلط وليس يعتمد الا على القول بالكراهية ، لأنها متحققة مع الخلط والمشهور عدم ) (١٩) حصول الجلل (٢٠) بغير الاغتذاء بعذرة الإنسان ، خلافا لأبي صلاح (٢١).
إذا عرفت هذا فقد أطلق الأصحاب أن الجلال هو الذي يغتذي بعذرة (٢٢) الإنسان محضا ، ولم يذكروا القدر الذي يصير به الحيوان جلالا وهل (٢٣) هو أيام متعددة أو يوم واحد أو أكله واحدة ، والروايات (٢٤) خالية عن هذا التقدير أيضا ، ونقل أبو العباس عن المصنف أنه قال : وحيث لا تقدير في ذلك فالذي يتغلب أن يخلو من العلف الطاهر ويصير ما يتناوله من العذرة ماليا لآلات الغذاء ، بحيث يتحقق استحالة القدر الذي ( يتناوله الى شبه ) (٢٥) الأعضاء إذ لا يتحقق التمحيض في الغذاء الا على هذا الوجه.
الثالث : فيما يزول به حكم الجلل وهو الاستبراء ، ويختلف باختلاف الحيوان ونحن نذكر إن شاء الله كل قسم من الأقسام المذكورة في المتن على حدته.
الأول : الناقة ، واستبراؤها بأربعين يوما إجماعا.
__________________
(١٨) من النسخ.
(١٩) ما بين القوسين ليس في النسخ.
(٢٠) في « م » بعد هذا : مع الخلط والمشهور عدم حصول الجلل.
(٢١) كذا.
(٢٢) في الأصل ، عذره ، وما أثبتناه فمن النسخ.
(٢٣) من النسخ.
(٢٤) الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ٢٧ من أبواب الأطعمة المحرمة ، وباب ٢٨ ، وباب ٢٤.
(٢٥) ما بين القوسين من النسخ ، وفي الأصل : شربه.
الثاني : البقرة ، والمشهور استبراؤها بعشرين يوما قاله الشيخ في النهاية والخلاف ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وقال الشيخ في المبسوط : تستبرئ بأربعين يوما ، وهو مذهب أبي الصلاح ، واختاره فخر الدين للاحتياط ، وقال ابن بابويه : تستبرئ بثلاثين.
الثالث : في الشاة،وقد اختلف الأصحاب في مقدار ما تستبرئ به على أربعة أقوال :
أ ) عشرة أيام ، قاله الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة وابن زهرة واختاره المصنف والعلامة.
ب ) عشرون ، قاله محمد بن بابويه في المقنع واختاره فخر الدين.
ج ) أربعة عشر يوما حكاه ابن الجنيد رواية (٢٦).
د ) سبعة أيام ، قاله الشيخ في المبسوط ، وبه قال أبو الصلاح.
واستدلال الجميع في هذه المسائل بالروايات (٢٧) ، والمشهور استبراء البطة بخمسة أيام والدجاجة بثلاثة أيام ، وقيل بالعكس ، ويشترط في العلف الذي يستبرئ به الجلال أن يكون طاهرا بالأصل خاليا عن نجاسة عارضة.
__________________
(٢٦) الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ٢٨ من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث ٥.
(٢٧) الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ٢٨ من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٥ وغيرها ، والمستدرك ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ١٩ من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث ١ ـ ٣.
في الطير
قال رحمه لله : وفي الغراب روايتان ، وقيل : يحرم الأبقع والكبير الذي يسكن الجبال ، ويحل الزاغ ، وهو غراب الزرع ، والغداف وهو أصغر منه يميل إلى الغبرة ما هو.
أقول : المشهور عند علمائنا أن الغراب على أربعة أضرب :
الأول : الكبير الأسود الذي يسكن الجبال والخربات ويأكل الجيف.
الثاني : الأبقع وسماه ابن إدريس العقعق ، وعرفه بأنه طويل الذنب.
الثالث : الزاغ ، وهو غراب الزرع أسود صغير.
الرابع : الغراف ، وهو أصغر من الزاغ وأغبر اللون كالرماد.
وأضاف أبو العباس الى هذه الأربعة خامسا : وهو أنه جعل الأبقع على ضربين : أحدهما المذكور آنفا وهو المسمى بالعقعق طويل الذنب ، والآخر المسمى عند عامة أهل العراق بالبقيع وهو أكبر من العقعق ، والعقعق أشد منه بياضا وأطول منه ذنبا ، وهو الذي ذكره أبو العباس مشاهدة في العراق والبصرة كما وصفه لكن الظاهر أن مراد الأصحاب الأعم الشامل للعقعق والبقيع ، لصدق
الاسم عليهما ، وأن كان أحدهما أصغر من الأخر وأطول منه ذنبا.
إذا عرفت هذا فالمشهور مما ورد في الغربان روايتان : إحداهما تتضمن تحريم الجميع ، والأخرى تتضمن إباحة الجميع على كراهية ، والذي يتضمن تحريم الجميع رواية على بن جعفر ، عن أخيه موسى عليهالسلام ، « قال : سألته عن الغراب الأبقع والأسود أيحل أكله؟ قال : لا يحل شيء من الغربان زاغ ولا غيره » (٢٨) ، وبمضمونها أفتى الشيخ في المبسوط والخلاف وفخر الدين وأبوه في المختلف.
والرواية التي تتضمن إباحة الجميع على كراهية فهي رواية زرارة عن أحدهما عليهماالسلام أنه قال : « إن أكل الغربان ليس بحرام إنما الحرام ما حرم الله في كتابه ولكن للنفس نفرة عن كثير من ذلك تعززا » (٢٩) ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية والاستبصار واختاره المصنف في المختصر ، لاعتضاد الرواية بأصالة الإباحة.
وذهب ابن إدريس إلى إباحة الزاغ وتحريم البواقي ، واختاره أبو العباس في مقتصره ، وهو مذهب العلامة في التحرير والإرشاد.
قال رحمهالله : وفي الخطاف روايتان (٣٠) ، والتحريم أشبه.
أقول : الخطاف طائر أسود صغير في قدر العصفور يأتي العراق في آخر القر فيقيم فيه حتى يبيض ويفرخ ، فاذا استوت أولادها للطيران ذهبت جميعا في
__________________
(٢٨) الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ٧ من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث ٣ وفي كتاب رسائل علي بن جعفر ص ١٧٤ الحديث ٣١٠.
(٢٩) الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ٧ من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث ١ مع اختلاف يسير.
(٣٠) الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ٣٩ من أبواب الصيد ، حديث ١ ـ ٢ ـ ٥ ـ ٦ وفي كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ١٧ من الأطعمة المحرمة ، حديث ٢ ـ ٦.
أول سمائم الحر.
إذا عرفت هذا ففي تحريمها خلاف بين الأصحاب ، فالمفيد على الإباحة واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس وهو المعتمد ، لأصالة الإباحة ، ولصحيحة زرارة ، « قال : والله ما رأيت مثل أبي جعفر عليهالسلام قط ، قال : سألته ، قلت : أصلحك الله ما يؤكل من الطير؟ قال : يؤكل كل ما دف ، ولا يؤكل كل ما صف » (٣١) ، ومثلها رواية سماعة بن مهران (٣٢) ، عن الصادق عليهالسلام ، والخطاف مما يدف.
وقال الشيخ في النهاية بالتحريم وتبعه ابن البراج وابن إدريس ، لما رواه الحسن بن داود البرقي ، « قال : بينما نحن قعود عند أبي عبد الله عليهالسلام إذ مرّ رجل بيده خطاف مذبوح فوثب إليه أبو عبد الله عليهالسلام حتى أخذه من يده ثمَّ رمى به ثمَّ قال : أعالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم؟! فقد أخبرني أبي عن جدي أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن قتل ستة : النحلة ، والنملة ، والضفدع ، والصرد ، والهدهد ، والخطاف » (٣٣).
وأجيب بأن المنع من القتل لا يدل على تحريم الأكل.
__________________
(٣١) الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ١٩ من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث ١.
(٣٢) الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ١٩ من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث ٢.
(٣٣) الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ٣٩ من أبواب الصيد ، حديث ٢ ـ ٣ وفي كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ١٧ من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث ١.