ثمّ اشتراطها في قبول الرواية هو المشهور بين الأصحاب (١). ويدلّ عليه آية التثبّت (٢).
واكتفى الشيخ بكون الراوي ثقة متحرّزا عن الكذب وإن كان فاسقا بجوارحه ، وادّعى عمل الطائفة بأخبار جماعة هذه صفتهم (٣).
وهو حقّ ؛ نظرا إلى حصول التبيّن وظهور الصدق كما تقدّم (٤) ، إلاّ أنّ ثبوت الصدق مع ظهور الفسق بعيد ؛ لأنّ المجاهر بالفسوق لا يوثق بما يظهر (٥) من تحرّجه عن الكذب. فإن فرض الثبوت ، يكون قول الشيخ صحيحا ، ويكون تخصيصا لعموم اشتراط العدالة لا نفيا له. فالنافي له من ذهب إلى قبول خبر مجهول الحال (٦) ، كما هو ظاهر جماعة من أصحابنا (٧) وطائفة من العامّة (٨). وفساده ظاهر ؛ لأنّ القبول مشروط بمعرفة العدالة (٩) وهو ينافيه ؛ ولأنّ الفسق مانع ، فيلزم العلم بعدمه ، كالكفر والصبا.
وليس الأصل العدالة ، بل الفسق ؛ لكونها طارئة ، وكونه أكثر ؛ ولأنّ العمل بالظنّ ممنوع ؛ للظواهر ، خرج ما خرج وبقي (١٠) الباقي ، على أنّه لا يفيد الظنّ ؛ لاستواء صدقه وكذبه ما لم يعلم عدالته.
وبهذا يظهر ضعف الاحتجاج (١١) بقوله عليهالسلام : « نحن نحكم بالظاهر » (١٢) ، وهذا ظاهر ؛ إذ يوجب ظنّا.
__________________
(١) كما في معالم الدين : ٢٠١.
(٢) هي آية النبأ من سورة الحجرات (٤٩) : ٦.
(٣) العدّة في أصول الفقه ١ : ١٣٤.
(٤) في ص ٢٤٥ وفي هامش « أ » : « من أنّ التثبّت تحقيق من حال المخبر ».
(٥) في « ب » : « ظهر ».
(٦) أي من حيث التحرّز عن الكذب أيضا ؛ فإنّه إن احرز التحرّز عنه مع الفسق ، فهو قول الشيخ فضلا مع الجهل بالفسق.
(٧) راجع : منتهى الوصول لابن الحاجب : ٧٨ ، ومعالم الدين : ٢٠٠.
(٨) نقله ابن الحاجب عن أبي حنيفة في منتهى الوصول : ٧٨ ، والشيخ حسن في معالم الدين : ٢٠٠.
(٩) هذا يشبه بالمصادرة.
(١٠) في « أ » : « يبقى ».
(١١) حكاه ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٧٨.
(١٢) نقله الفخر الرازي في المحصول ٤ : ٤٠٧ ، وابن الحاجب في منتهى الوصول : ٧٨ ، والعلاّمة في نهاية الوصول إلى علم الاصول ٣ : ٤٢٦ ، قال الشوكاني في إرشاد الفحول ١ : ١٤٨ و ١٤٩ : « أمّا الاستدلال من قال بالقبول بما يروونه من قوله صلىاللهعليهوآله : « نحن نحكم بالظاهر » ... لا أصل له ». وذكره في إيضاح الفوائد ٣ : ٤٨٦.