عرفت (١) ـ فلا يقاومه أمثال هذه الوجوه الضعيفة.
وقد استدلّوا ببعض الآيات (٢) تركناها ؛ لعدم دلالتها على مطلوبهم بوجه.
فصل [١٠]
قد عرفت أنّ إحدى طرق الاستنباط المناسبة ، وأنّها تسمّى إخالة وتخريج المناط. وحاصله إبداء المناسبة من ذات الأصل لا بنصّ ولا بغيره. وقد عرفت أيضا أنّ إثبات الحكم حينئذ في الفرع يسمّى تحقيق المناط (٣).
وهنا ينبغي أن يعلم أنّ للمناسب في عرفهم تعريفات :
منها : أنّه وصف ظاهر منضبط يحصل من ترتّب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودا للعقلاء (٤).
والحكم إمّا وجوديّ أو عدميّ ، والمقصود إمّا حصول مصلحة ، أي لذّة أو وسيلتها ؛ أو دفع مفسدة ، أي ألم أو وسيلته ، وكلّ من اللذّة والألم إمّا معلوم أو مظنون ، نفسيّ أو بدنيّ ، دنيوي أو اخروي ، مثلا : قتل العمد وصف مناسب لشرع القصاص نظرا إلى ذاته ، ومن ترتّبه عليه يحصل حفظ النفوس ، وهو مقصود العقلاء. والإسكار ، فإنّه بالنظر إلى ذاته ووصفه مناسب لشرع التحريم ، ومن ترتّبه عليه يحصل ما هو مقصودهم ، أي حفظ العقول.
وقد علم من التحديد أنّ الوصف لو كان خفيّا أو غير منضبط لم يعتبر ، وهو كذلك ؛ لأنّه لا يعلم في نفسه ، فكيف يترتّب الحكم عليه؟! ولكنّ الطريق حينئذ أن يعتبر الملازمة ويقال له المظنّة ، وهو أن يعتبر وصف ظاهر منضبط يستلزم عقلا أو شرعا ذلك الوصف. مثلا في المثال الأوّل وصف العمديّة خفيّ ؛ لأنّ القصد وعدمه أمر لا يدركه أحد بشيء إلاّ القاتل ، فرتّب الحكم شرعا على ما يلازم العمديّة ، أي الأفعال المخصوصة وهي معرّفة للحكم ، وفي ترتيب الترخّص على المشقّة لمقصود التخفيف لمّا كانت المشقّة
__________________
(١) راجع ص ٤٦١.
(٢) كالآية ٢ من الحشر (٥٩) ، و ٦٦ من النحل (١٦) ، و ٢١ من المؤمنون (٢٣) وغيرها.
(٣) راجع ص ٤٤٤.
(٤) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٩٤ ، وابن الحاجب في منتهى الوصول : ١٨١.