العدم ، فيجتمع النقيضان في الحكم المشكوك فيه وهو باطل.
فالحقّ ، كما قال بعض المحقّقين : إنّ هذا يجري فيما علم أنّه لو كان هناك دليل ، لظفر به فيما يعمّ به البلوى (١) ؛ لأنّه يمتنع عادة ثبوت حكم لقضيّة (٢) ترد على الناس في أكثر الأوقات ولم ينقل إليهم مع توفّر الدواعي على نقل مثله. مثاله : عدم الدليل على نقض الوضوء بالمذي دليل على عدمه ؛ لأنّه ممّا يعمّ به البلوى ؛ لحصوله لأكثر الناس في أكثر الأوقات ، فلو ثبت لعلم من الشرع كما علم نقض الوضوء بالبول ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.
تذنيب
النافي للحكم إذا قال : لا أدري ، فلا دليل عليه وفاقا ؛ لأنّ قوله لا يعدّ مذهبا. وإن نفاه على البتّ ، فقيل : لا دليل عليه أيضا ؛ لأنّ النفي عدم وهو لا يفتقر إلى الدلالة (٣).
وضعفه ظاهر ؛ لأنّ الجازم بالنفي يدّعي العلم به ، وهو إمّا أن يستند إلى الضرورة أو النظر. والأوّل باطل ؛ فتعيّن الثاني ، فالمحتاج إلى الدليل هو الجزم بالنفي ، ولو لم يفتقر إليه ، لزم التفصّي عنه في كلّ دعوى ؛ لإمكان إرجاعه إلى النفي وهو باطل.
ويمكن أن يقال : إنّ مراد القائل أنّه لمّا كان المتيقّن هو العدم للاستصحاب أو لأصل البراءة حتّى يعلم خلافه ، فالمدّعي له لا يخلو قوله عن دليل ، ولا يفتقر إلى دليل آخر. وهو لا يلائم حكمه بعدم افتقاره إلى الدليل أصلا.
فصل [٦]
ومن النوع الثاني : استصحاب حال الشرع ، وهو إبقاء حكم ثبت على ما كان. وتنقيحه يتوقّف على بيان امور :
[ الأمر ] الأوّل : الاستصحاب إمّا أن يكون في نفس الحكم الشرعي ، بأن يحكم بعدم
__________________
(١) قاله الفاضل التوني في الوافية : ١٨٢.
(٢) في « ب » : « القضيّة ».
(٣) قاله المحقّق الحلّي في معارج الاصول : ٢١١.