فصل [٢]
لا خلاف بين الخاصّة والعامّة في حجّيّة أصل الإجماع إلاّ ممّن شذّ (١). وإنّما اختلف الفريقان في مدرك حجّيّته ، فالخاصّة على أنّه دخول المعصوم ، والعامّة على أنّه الأدلّة السمعيّة والعقليّة (٢). ومن العامّة من لم يتنبّه لموضع الخلاف ، ونسب إلينا القول بعدم الحجّيّة (٣) ، وهو فرية.
ثمّ صدق حجّيّة الإجماع عندنا ـ مع أنّ العبرة بقول المعصوم ـ وفائدة الخلاف في الحيثيّة يعلم بعد ذلك (٤). وكلامنا هنا مقصور على أنّ ما احتجّ به العامّة على حجّيّة الإجماع من حيث هو هل يثبت مطلوبهم أم لا؟
فنقول : إنّهم ذكروا لذلك وجوها :
منها : قوله تعالى : ( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ )(٥) الآية. أوعد على اتّباع غير سبيل المؤمنين ، فيكون حراما ؛ فيجب اتّباع سبيلهم ؛ إذ لا واسطة بينهما ، والإجماع سبيلهم (٦).
واعترض عليه بوجوه كثيرة محرّرة في الاصول ، أكثرها ممّا يمكن دفعه بسهولة (٧) ، وذكره لا يجدي طائلا.
وما يصعب دفعه بل لا يمكن : أنّ المتبادر من « سبيل المؤمنين » ما صاروا به مؤمنين وهو الإيمان ، وغيره هو الكفر ؛ فإنّ المفهوم من قول القائل : « لا تتّبع غير سبيل الصالحين » هو المنع من متابعة غير سبيلهم فيما صاروا به صالحين ، لا في كلّ شيء حتّى الأكل
__________________
(١) نسبه البصري إلى النظّام في المعتمد ٢ : ٤ ، والغزالي في المستصفى : ١٣٧.
(٢) والمراد بها ما يأتي بعد هذا من الآيات والروايات والوجوه العقليّة. وذكر المحقّق الحلّي في معارج الاصول : ١٢٧ من الأدلّة العقليّة دليلين. معارج الاصول : ١٢٧.
(٣) منهم : الأنصاري في فواتح الرحموت المطبوع مع المستصفى ٢ : ٢١٣ ، والفخر الرازي في المحصول ٤ : ٣٥.
(٤) راجع ص ٣٤٣.
(٥) النساء (٤) : ١١٥.
(٦) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٦٠٧ ـ ٦٢٥ ، والمستصفى : ١٣٨ ، والإحكام في أصول الأحكام ١ : ٢٨٦ ، ومنتهى الوصول لابن الحاجب : ٥٣ و ٥٤ ، ونهاية السؤل ٣ : ٢٤٨.
(٧) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٦٠٧ ـ ٦٢٥ ، والمستصفى : ١٣٨ ، والإحكام في أصول الأحكام ١ : ٢٨٦ ، ومنتهى الوصول لابن الحاجب : ٥٣ و ٥٤ ، ونهاية السؤل ٣ : ٢٤٨.