فصل [٩]
اتّفق الناس ـ إلاّ من شذّ (١) ـ على أنّه لا إجماع إلاّ عن مستند ، وهو بديهيّ الصحّة عند الفريقين.
أمّا عندنا ، فظاهر. وأمّا عندهم ؛ فلأنّه يمتنع عادة اجتماع الجمّ الغفير على أمر من دون داع ، كالاجتماع على أكل طعام واحد ؛ ولأنّ بيان الحكم الشرعي من دون مستند خطأ ، فلو اجمع عليه من دونه لزم الإجماع على الخطأ.
وفيه نظر لا يخفى.
ثمّ الحقّ ، أنّ كلّ ما علم حجّيّته وصلاحيّته لتأسيس الحكم الشرعي ، يصحّ أن يكون مستندا له ، سواء كان قطعيّا أو ظنّيّا.
وما قيل : إنّه لمّا كان دخول قول المعصوم شرطا في الإجماع عند الإماميّة وهو لا يقول إلاّ عن دليل قطعيّ ، فإجماعهم لا يصدر عن مستند ظنّيّ وإن كان أقوال من عداه عليهالسلام من المجمعين مستندة إلى الحجّة الظنّيّة ، كخبر الواحد ومثله (٢) ، منظور فيه ؛ لأنّ قوله وإن لم يكن إلاّ عن قاطع ، إلاّ أنّه لا يصحّح كون إجماعهم مطلقا عن مستند قطعي ؛ لأنّ هذا يتوقّف على قطعيّة الطريق إلى قوله ، وإن كان الطريق إليه ظنّيّا لا يصدق عليه أنّه وقع عن قاطع.
هذا ، واحتجّ من لم يشترط المستند فيه بأنّه لو كان عنه ، لاستغني به عنه ، فلم يكن للإجماع فائدة (٣).
والجواب : فائدته سقوط البحث ، وحرمة المخالفة ، والتقوية والتأييد ، كما سبق (٤).
ثمّ العامّة على أنّ كلّ إجماع قطعيّ ؛ نظرا إلى الأدلّة وإن كان مستنده ظنّيّا (٥). وأصحابنا على أنّ ما علم دخول قوله عليهالسلام فيه يكون قطعيّا ، وإن ظنّ دخوله فيه يكون ظنّيّا (٦) ، كما تقدّم (٧).
__________________
(١) هو أبو عبد الله البصري كما في المحصول ٤ : ١٩٣ ، وتهذيب الوصول : ٢١٢.
(٢) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ٣٢٦.
(٣) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٤ : ١٨٨.
(٤) تقدّم في ص ٣٥٨.
(٥) حكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ٣٢٥ و ٣٢٩.
(٦) قاله السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ١٤٦ ، والمحقّق الحلّي في معارج الاصول : ١٣٠ ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٢١١.
(٧) ص ٣٦٠.