ثمّ لو سلّم تعميمه واندفاع الوجهين الأوّلين (١) به ، فلا نسلّم اندفاع الوجه الثالث به. وما ذكره في بيانه (٢) واه ؛ لأنّ التعليق إنّما وقع حقيقة في الماضي الذي يتلفّظ به وهو غير جائز ، ولو سلّم عدم وقوع التعليق فيه حقيقة ، فنقول : إنّ الثابت في الذهن ليس تعليق الطلاق الواقع فيه ، بل تعليق الماضي الواقع فيه ، ومطلق الماضي ـ سواء كان في اللفظ ، أو في الذهن ـ لا يقبل التعليق ، فلا مفرّ إلاّ القول بكونها إنشاء.
فصل [٢]
المشهور أنّ الصدق مطابقة الخبر للواقع ، والكذب عدم مطابقته له.
والنظّام على أنّ الصدق مطابقة الخبر لاعتقاد المتكلّم ، والكذب عدمها ، ولا عبرة فيهما بمطابقته للواقع وعدمها (٣).
والجاحظ على أنّ الصدق مطابقته للواقع ، والاعتقاد بها (٤) معا ، والكذب عدم مطابقته له مع الاعتقاد بعدمها ، وما لم يحمل عليه الوصفان لا يكون صدقا ولا كذبا ، بل واسطة بينهما ، وهي أربعة أقسام : مطابقته للواقع مع الاعتقاد بعدمها ، أو بدون اعتقاد أصلا ـ كخبر من لا شعور له كالمجنون وأمثاله ، أو له شعور بدون اعتقاد كالشاكّ ـ وعدم مطابقته له مع اعتقادها ، أو بدونه أصلا (٥).
والحقّ القول المشهور كما أشرنا إليه سابقا (٦). والذي يدلّ على حقّيّته وإبطال القولين الأخيرين أنّ الكافر إذا قال : « الإسلام حقّ » يحكم بصدقه ، وإذا قال خلافه ، يحكم بكذبه إجماعا.
__________________
(١) والمراد بهما صدق الإنشاء وعدم صدق الخبر. والمراد بالوجه الثالث قوله : « ولأنّها لمّا كانت ... ».
(٢) وهو قوله : « ولم تقبل التعليق بل القابل له حقيقة ما في الذهن ».
(٣) راجع : منتهى الوصول لابن الحاجب : ٦٧ ، وشرح مختصر المنتهى ١ : ١٤٩. وفسّره التفتازاني في المطوّل : ٣٧ بأنّ قائله النظّام.
(٤) لم يرد في « ب » : « بها ».
(٥) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٤٧٩ ، والإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٧ ، ونهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٢٨٨ ـ ٢٩١ ، وتمهيد القواعد : ٢٤٧ ، القاعدة ٩١.
(٦) في ص ٢٠٤.