فصل [١٦]
قد ذكروا للعلّة شروطا كثيرة (١).
فمنها : أن تكون بمعنى الباعث ، أي مشتملة على حكمة مقصودة للشارع من تحصيل مصلحة أو تكميلها ، أو دفع مفسدة أو تقليلها ، فالأمارة المجرّدة ـ أي الوصف الطرديّ الذي لا يناسب ولا يشابه ـ لا تصلح للعلّيّة.
واحتجّوا عليه بأنّ العلّة لو كانت أمارة لم يكن لها فائدة سوى تعريف الحكم ، فيلزم أن يكون الحكم متفرّعا عليها ، مع أنّ العلّة متفرّعة عن الحكم ؛ لكونها مستنبطة منه ؛ إذ لو كانت منصوصة أو مجمعا عليها لعرف الحكم بالنصّ أو الإجماع لا بها ، فيلزم الدور (٢).
واجيب عنه ، بأنّ العلّة تتفرّع على حكم الأصل ، والمتفرّع على العلّة إنّما هو الحكم في الفرع ، فلا دور (٣).
أقول : ما يقتضيه النظر هو أنّ الأمارة ـ أي الوصف الطرديّ ـ لعدم ظهور مناسبته للحكم لا يكون علّيّته معلومة لنا ، إلاّ أنّه لا يمتنع أن يكون علّة شرعا ؛ لأنّ ظهور المناسبة لكلّ أحد لا يشترط في علّيّة الوصف ، كما اشير إليه. نعم ، يلزم ظهورها لمن يجعله علّة ، فيمكن أن يكون وصف مشتملا على حكمة يكون ذلك معلوما للشرع غير معلوم لنا ، وحينئذ إذا تحقّق الطرد ـ أي ثبوت الحكم في أكثر المحالّ التي وجد فيها الوصف ـ يحصل الظنّ بعلّيّته له ، كما تقدّم (٤) ، فعلى ما ذهب إليه العامّة من العمل بالأقيسة الظنّيّة (٥) يتأتّى قياس غيرها ـ ممّا وجد فيه هذا الوصف ـ عليها وإن لم يثبت فيه ترتّب الحكم على الوصف من الشرع. وأمّا على ما ذهبنا إليه ، فالمناط النصّ على العلّيّة (٦) ، سواء كانت المناسبة معلومة أو لا ؛ فالأمارة
__________________
(١) راجع : المحصول ٥ : ١٢٧ ، والإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢١٥ ـ ٢٢١ ، وتهذيب الوصول : ٢٦٦.
(٢) قاله المطيعي في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٤ : ٥٨ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٢٤.
(٣) الجواب للإسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٥٨.
(٤) في ص ٤٨٨.
(٥) راجع : المعتمد في أصول الفقه ٢ : ٢١٥.
(٦) راجع : معارج الاصول : ١٨٥ ، وتهذيب الوصول : ٢٤٨ ، والوافية : ٢٣٧.