وقد يطلق الإجماع على الاتّفاق الذي ليس اتّفاق الكلّ ، ولا كاشفا عن قول المعصوم (١) ، كاتّفاق أهل اللغة ، أو الصرف ، أو العروض على أمر. ومنه اتّفاق العصابة على تصحيح ما يصحّ عن فلان ، أو العمل برواية فلان. ومثله وإن لم يكن قاطعا ولا حجّة ، ولكنّه يكون مؤيّدا ومرجّحا ؛ لإفادته الظنّ بصحّة ما اتّفقوا عليه. وربما أفاد ظنّا قويّا جاز التمسّك به.
فصل [١٧]
قد صحّ لديك من حدّ الإجماع أنّه لا عبرة فيه بالكفّار ومن لم يوجد ، وقد اتّفق عليه الفريقان ، ووجهه عندنا ظاهر ، وعندهم الأدلّة المتقدّمة (٢) ، وعدم تحقّق إجماع قطّ لولاه.
ومنه يظهر عدم العبرة بالعامّيّ موافقته ومخالفته عندهم ، وبه يقيّدون إطلاقات الأدلّة. وأمّا عندنا : فالحكم فيه ظاهر.
ولا عبرة عندنا بالمخطئ من أهل القبلة ، سواء تضمّن خطؤه كفرا كالمجسّمة ، أو فسقا فاحشا ، ووجهه ظاهر.
ووافقنا أكثر العامّة في الأوّل (٣) ؛ لأنّه كالكافر.
واختلفوا في الثاني على أقوال : ثالثها : أنّه يعتبر في حقّ نفسه دون غيره ، ويكون الإجماع الذي خالفه فيه حجّة على غيره لا عليه (٤).
والحقّ على اصولهم اعتباره مطلقا ؛ لأنّه بالفسق لم يخرج عن الامّة ، فاتّفاق من سواه ليس اتّفاق كلّ الامّة ، فلا تدلّ الأدلّة المتقدّمة على حجّيّته.
قيل : ولا عبرة بقول المجتهد في فنّ في إجماع ثبت في فنّ آخر (٥) ، فلا يعتبر قول الفقيه في الكلام ، وبالعكس ، ويعتبر قول الاصوليّ المتمكّن من الاجتهاد في الفقه. والضابط : أنّ
__________________
(١) في « ب » : « الإمام ».
(٢) راجع : المحصول ٤ : ١٩٦ ، والإحكام في أصول الأحكام ١ : ٢٨٤.
(٣) راجع المحصول ٤ : ١٨٠ و ١٨١.
(٤) حكاه العلاّمة في تهذيب الوصول : ٢١١ ، والفخر الرازي في المحصول ٤ : ١٨٠ و ١٨١.
(٥) قاله الفخر الرازي في المحصول ٤ : ١٩٨ ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٢١٣.