ثمّ إنّه قد اضطرب عبارات القوم في تعريف الكبيرة. والصحيح أنّها ما توعّد عليه الشرع بخصوصه ، وقد دلّ عليه الخبر المذكور (١). ولها تعريفات أخر أيضا صحيحة (٢) ، إلاّ أنّها ترجع إلى ما ذكر.
وهي (٣) كثيرة كلّها يتعلّق بالضروريّات الخمس ، أعني : مصلحة الأديان ، والنفوس ، والعقول ، والأنساب ، والأموال.
والإصرار على الصغائر إمّا فعليّ ، وهو المواظبة على نوع أو أنواع من الصغائر. وإمّا حكميّ ، وهو العزم على فعله ثانيا وإن لم يفعل. ومعرفة الإصرار موكولة إلى العرف.
ثمّ صاحب المروءة هو الذي يسير سيرة أمثاله في زمانه ومكانه.
وقيل : الذي يتحرّز عمّا يسخر عنه (٤).
وقيل : الذي يصون نفسه عن الأدناس ، ولا يشينها عند الناس (٥).
ووجه اعتبارها ظاهر ؛ لأنّ تركها إمّا لأجل خبل ونقصان ، أو لقلّة مبالاة وحياء ، وعلى التقديرين يرفع عنه الاعتماد والثقة.
وإذا علم العدالة بإحدى الطرق ، تستمرّ إلى أن يعلم المزيل. ولا شبهة في زوالها بمجرّد ارتكاب إحدى الكبائر ، أو الإصرار على الصغائر ، أو ترك المروءة ، وتعود بالتوبة ، وتثبت (٦) بإحدى الطرق (٧).
__________________
(١) تقدّم في ص ٢٤٦.
(٢) قيل : هي كلّ ذنب توعّد الله عليه بالعقاب في الكتاب العزيز. وقيل : هي كلّ ذنب رتّب عليه الشارع حدّا ، أو صرّح فيه بالوعيد. وقيل : هي كلّ معصية تؤذن بتهاون فاعلها بالدين. وقيل : كلّ ذنب علم حرمته بدليل قاطع. وقيل : كلّ ما عليه توعّدا شديدا في الكتاب أو السنّة. راجع : الأربعون للبهائي : ١٧٧ ـ ١٧٨ ، الحديث الثلاثون ، وذخيرة المعاد : ٣٠٤ ، ومجمع البحرين ٣ : ٤٦٦ و ٤٦٧.
(٣) ضمير « هي » راجع إلى الكبائر لا تعريفات. عن ابن عبّاس : هي إلى السبعمائة أقرب إلى السبعة : تفسير الطبري ٥ : ٢٧. وعنه صلىاللهعليهوآله : « الكبائر أحد عشر ... » مجمع البحرين ٣ : ٤٦٧. وحكي في مفتاح الكرامة ٨ : ٢٨٥ عن الشهيد الثاني : « وفي الروض والروضة أنّها إلى السبعمائة أقرب ». ولم نعثر عليه في روض الجنان ولكن موجود في الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ٣ : ١٢٩.
(٤ و ٥) حكاهما الشهيد الثاني في مسالك الأفهام ١٤ : ١٦٩.
(٦) أي التوبة.
(٧) في هامش « أ » : « أعني المعاشرة ، أو التواتر ، أو شهادة عدلين ».