وإنّما تعرّضنا لذكر هذه الأقسام مع عدم جريان العادة بذكرها في كتب الاصول ؛ لكثرة فائدتها للباحث عن الأخبار.
فصل [١٤]
يعرف عدالة الراوي إمّا بالاختبار بالصحبة المتأكّدة والمعاشرة الباطنيّة ، أو باشتهارها بين أهل العلم والحديث ، وبشهادة القرائن المتكثّرة المتظاهرة ، أو بالتزكية.
ومعرفة عدالة الرواة لنا منحصرة بالأخير وإن أمكن في بعضها بالثاني أيضا ، كأكثر مشايخنا وفقهائنا المشهورين.
ولا خلاف في ثبوت العدالة بالعدلين ، وقد وقع الخلاف في ثبوتها بالواحد. والحقّ عدم ثبوتها به وفاقا لجماعة من المحقّقين (١) ، وخلافا للأكثر.
لنا وجوه :
منها : أنّه شهادة ، فيجب التعدّد كسائر الشهادات.
والمعارضة بأنّه خبر فيكفي الواحد كسائر الأخبار ، مندفعة بمعرفة الفرق بين الخبر والشهادة ؛ فإنّهما يشتركان في أمر وهو الإخبار عن العلم. وينفردان في أنّ المخبر عنه إن كان عامّا غير مختصّ بمعيّن ، فهو الرواية ، كقوله عليهالسلام : « لا صلاة إلاّ بطهور » (٢) ، فإنّه شامل لجميع الخلق في كلّ زمان. وإن كان لمعيّن فهو الشهادة ، كقوله : أشهد بكذا لفلان. ولا ريب أنّ ما نحن فيه من قبيل الثاني ، وستعلم (٣) لهذا الفرق مزيد توضيح.
ومنع كلّيّة الكبرى ـ نظرا إلى الاكتفاء بالواحد في بعض الشهادات ـ مدفوع بأنّه للنصّ (٤) ، مع أنّه في غاية القلّة ، مع وقوع الخلاف فيه.
ومنها : أنّ مقتضى اعتبار العدالة حصول العلم بها ، وهو إمّا بالصحبة المتأكّدة ، أو بالاشتهار ،
__________________
(١) نسبه ابن الحاجب إلى القاضي في منتهى الوصول : ١٦٩ ، وقاله المحقّق الحلّي في معارج الاصول : ١٥٠ ، وأبو سعيد جمال الدين في منتقى الجمان ١ : ١٦.
(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٤٩ ، ح ١٤٤.
(٣) يأتي في ص ٢٨٧ ـ ٢٨٨.
(٤) كعمل علي عليهالسلام بخبر المقداد ، وعمل الصحابة بخبر عائشة في التقاء الختانين. راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٤٣٨.