لا خلاف في اشتراط العلاقة في المجاز ، وهي التي اعتبر أهل اللغة نوعها ، وسيجيء (١) ذكر بعضها. وإنّما الخلاف في أنّه يشترط مع ذلك في آحاد المجازات أن ينقلها أهل اللغة بأعيانها ، أم يكفي وجود العلاقة؟
ذهب فخر الدين الرازي إلى الأوّل (٢) ، والأكثرون إلى الثاني. وهو الحقّ ؛ لأنّ آحاد المجازات لو كانت نقليّة لما اكتفى أهل العربيّة في التجوّز بمجرّد العلاقات المعتبرة ، بل كان اللازم عليهم أن يتوقّفوا حتّى يظفروا بالنقل ، والتصفّح يعطي خلاف ذلك ؛ فإنّ من تتبّع كلماتهم المنظومة والمنثورة يعرف أنّهم لا يتوقّفون على النقل ، بل كانوا يعدّون اختراع آحاد المجازات من البلاغة ، ولذلك لم يدوّنوا المجازات كما دوّنوا الحقائق.
وأيضا الحقائق الشرعيّة والعرفيّة مجازات لغويّة ، مع أنّ أهل اللغة لم يعرفوا المعاني الشرعيّة والعرفيّة فضلا عن أن ينقلوها ويستعملوها.
واستدلّ المخالف : بأنّه لو كانت العلاقة كافية لجاز إطلاق (٣) الأب على الابن وبالعكس ؛ للسببيّة والمسبّبية ، والنخلة على الحبل الطويل ؛ للمشابهة ، والشبكة للصيد وبالعكس ؛ للمجاورة ، وليس كذلك.
والجواب : أنّ عدم الجواز فيها منصوص (٤) من أهل اللغة ، فالمقتضي فيها موجود ، والعدم باعتبار وجود المانع ، والكلام فيما لم يوجد فيه مانع.
وبما ذكرنا ظهر أنّ نقل الآحاد ليس شرطا ، ولكن يشترط وجود أحد أنواع العلاقات المعتبرة التي صرّح بها أهل اللغة ، ولا يكتفى بمطلق العلاقة. ويظهر منه أنّ المجاز موضوع بالوضع النوعي دون الشخصي.
__________________
(١) في ص ٦٤ ، الفصل ١٢.
(٢) المحصول ١ : ٣٢٩.
(٣) في « ب » : « إطلاقه من ».
(٤) في المحصول ١ : ٣٣٠ : « فلم لا يجوز أن يمنع الواضع منه في بعض المواضع دون البعض » فالنصّ أو المانع محتمل لا مقطوع ، كما هو ظاهر كلام المصنّف رحمهالله. والصحيح أن يقال : عدم الجواز فيها لعلّه منصوص ... والعدم باعتبار احتمال وجود المانع. وبعبارة اخرى أنّ وجود الاحتمال يكفي في الجواب كما فعله الرازي.