ويعلم من هذا أنّ ذكر العدالة يغني عن ذكر الإسلام والإيمان ، إلاّ أنّه لمّا كان لكلّ واحد منها دلائل خاصّة وفوائد مختصّة ، ذكر بعنوان على حدة. فالصحيح من الحدود ما ذكر أوّلا وثانيا بالعناية (١) المذكورة.
ثمّ لا يخفى أنّ معرفة (٢) نفس الملكة غير ممكنة لأحد غير صاحبها ؛ لكونها نفسيّة خفيّة ، فمعرفتها لا تتحقّق إلاّ بمعرفة ما يدلّ عليها ، وهو الاجتناب المذكور. ومعرفته إنّما تتحقّق بالمعاشرة الباطنيّة ، أو التواتر ، أو شهادة عدلين. والاكتفاء في معرفتها بظاهر الإسلام ـ كما قيل (٣) ـ ضعيف ؛ لأمر الشارع (٤) بمعرفة العدالة ، كما دلّ عليه الخبر المذكور (٥) ؛ ولأنّ المقصود من اعتبارها معرفتها ، وإلاّ لم تكن له فائدة. وظاهر الإسلام ليس نفس العدالة ، ولا لازما (٦) لها حتّى يكتفى بمعرفته عن معرفتها ، ومع التغاير لا يدلّ عليها.
والاكتفاء بحسن الظاهر ـ أي كون الظاهر مأمونا بستر العيوب ، كما قال به جماعة (٧) ، ودلّ عليه بعض الأخبار (٨) ـ إن أمكن إرجاعه إلى ما اخترناه (٩) ، فلا كلام ، وإلاّ فالقول به مشكل ؛ لما ذكرناه (١٠).
__________________
(١) قيد لقوله : « ثانيا » والمراد من العناية المذكورة هو تفسير التقوى الواقع في التعريف الثاني بالاجتناب عن الكبائر والإصرار على الصغائر ، كما قال في هامش « أ » : « أي كون المراد من التقوى الاجتناب عن الكبائر والإصرار على الصغائر ».
(٢) والمراد معرفة تحقّق الملكة ووجودها ، لا معرفة مفهومها.
(٣) قاله الشيخ في الخلاف ٣ : ٣١٢ ، المسألة ١٠. ونسبه العاملي في مفتاح الكرامة ٨ : ٢٦٠ إلى ظاهر مسالك الأفهام أو صريحها.
(٤) في « ب » : « الشرع ».
(٥) تقدّم تخريجه في ص ٢٤٦.
(٦) في هامش « أ » بدل « لازما » : « مستلزما. ل ظ » وهو الصحيح.
(٧) منهم : السبزواري في كفاية الأحكام ١ : ١٤٣ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ١ : ٢٣ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ٨ : ٢٦٦ ، ونسبه أيضا إلى صاحب مصابيح الظلام في حاشيته على المعالم.
(٨) منها ما في تهذيب الأحكام ٦ : ٢٤١ ، ح ٥٩٦ ، الفقيه ٣ : ٢٤ ، ح ٦٥. ومنها مرسلة يونس في تهذيب الأحكام ٦ : ٢٨٣ ، ح ٧٨١.
(٩) في هامش « أ » : « أي كون المراد منه المعاشرة وأخويها المذكورة ».
(١٠) في هامش « أ » : « من كونه ليس نفس العدالة ولا مستلزما لها ».