فإن الغرض بهذا القول أن نبين حال زيد وأنه متصف بشهامة النفس وقوة البطش والشجاعة وغير ذلك مما جرى هذا المجرى ، إلا أنا لم نجد شيئا يدل عليه سوى جعلناه شبيها بالأسد حيث كانت هذه الصفات مختصة به مقصورة عليه ، فصار ما قصدناه من هذا القول أكشف وأبين من أن لو قلنا زيد شهم شجاع قوي البطش جريء الجنان وأشباه ذلك ، لما قد عرف وعهد من اجتماع هذه الصفات في المشبه به ، فإنه معروف بها مشهور بكونها فيه.
وأما الثالث : فقد اختلفت عبارات أهل هذا الشأن في حده ، فقال قوم : حده أن يثبت للمشبه حكما من أحكام المشبه به .. وقال قوم :حده الدلالة على اشتراك شيئين في معنى من المعاني ، وأن أحدهما يسدّ مسدّ الآخر وينوب منابه سواء كان ذلك حقيقة أو مجازا ، أما الحقيقة :فهو أن يقال في شيئين أحدهما يشبه الآخر في بعض أوصافه كقولنا ـ زيد أسد ـ فهذا القول صواب من حيث العرف ، وداخل في باب المبالغة الا أنه لم يكن زيد أسد على الحقيقة.
وأما الرابع : فقال المحققون من علماء هذا الشأن الاشياء التي يكون منها التشبيه لا يخلو إما أن تكون صفة حقيقية ، أو حالة اضافية.فأما الأول فلا يخلو إما أن يكون كيفية جثمانية أو نفسانية ، والاول لا يخلو إما أن تكون صفة محسوسة أو لا تكون محسوسة ، فإن كانت محسوسة ، فإما أن تكون محسوسة أولا أو ثانيا ، والمحسوسات الأول هي مدركات السمع. والبصر. والشم. والذوق. واللمس.فالاشتراك في الكيفية المبصرة مثل تشبيه الورد بالخد لاشتراكهما وكذلك تشبيه الوجه بالنهار والشعر بالليل. والاشتراك في كيفية مسموعة كتشبيه أطيط الرحل بأصوات الفراريج في قول الشاعر :
كأنّ أصوات من ايغالهنّ بنا |
|
أواخر الميس أصوات الفراريج |
التقدير ـ كأن أصوات أواخر الميس أصوات الفراريج من إيغالهن