وأنا المنيّة في المواطن كلّها |
|
والطعن مني سابق الآجال |
فإن الطعن لا يسبق الأجل ، لأن الأجل لا يتقدم ولا يتأخر بالياء باثنتين من تحتها وهو أقرب أمرا من كونه بالباء الموحدة غير أن كليهما افراط .. واعلم أن علماء علم البيان في استعمال الإفراط على ثلاثة أضرب. فمنهم من يكرهه ولا يراه صوابا كأبي عثمان الجاحظ فيما روي عنه ، ومنهم من يختاره ويؤثر كقدامة بن جعفر الكاتب ، فإنه كان يقول الغلوّ عندي أجود المذهبين فإن أحسن الشعر أكذبه. ومنهم من يذهب إلى التوسط بين الغلوّ والتفريط وهو الاقتصاد ، وذلك أن يجعل الغلوّ وهو الافراط مثلا ، ثم يستثنى فيه بأو ، أو يكاد أو ما جرى هذا المجرى ، فيدرك مراده ويسلم من عيب عائب أو طعن طاعن ، وذلك كقول بعضهم في مدح الحسين :
يكاد يمسكه عرفان راحته |
|
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم |
ـ وكقول أبي عبادة البحتري :
ولو أنّ مشتاقا تكلّف فوق ما |
|
في وسعه لسعى إليك المنبر |
وهذا المذهب المتوسط أليق المذاهب الثلاثة وأدخلها في الصنعة فاعرفه.
قال المصنف عفا الله عنه : أما الاقتصاد والافراط فقد ورد في الكتاب العزيز منه شيء كثير ، وقد تقدم بيانه ، وأما التفريط فليس في القرآن منه شيء.