وأما قوله تعالى : ( إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ) فيحتمل أن يكون تأكيدا لقوله : ( ما هذا بَشَراً ) إذ المرتفع عن البشرية من المخلوقات إنما هو الملك ، ولأن الناس إذا شاهدوا في الانسان من الخلق الحسن والخلق الجميل ما يعجبوا منه ، قالوا : ما هذا بشر لأن غرضهم أن يقولوا أنه ملك ، فلما كان ذلك مفهوما قبل التصريح به كان التصريح به تأكيدا ، ويحتمل أن يكون صفة له فإن اخراجه عن جنس البشرية يتضمن دخوله تحت جنس آخر لا تحت الملك على الخصوص ، فإن القسمة غير محصورة في النوعين ، فجعله ملكا تعيين لذلك النوع وتمييز له عن غيره. الثاني أن لا يكون بين الجملتين تعلق ذاتيّ ، فإن لم يكن بينهما مناسبة فيجب ترك العطف ، ولذلك عابوا أبا تمام في قوله :
لا والذي هو عالم أنّ الهوى |
|
صبر وأنّ أبا الحسين كريم |
إذ لا مناسبة بين مرارة الهوى ، وبين كرم أبي الحسين. ثم إن كان المحدث عنه في الجملتين شيئين لغير المناسبة في الذي أخبر بهما ، والذي أخبر عنهما والمراد بالمناسبة أن يكونا متشابهين كقولك : زيد كاتب وعمرو شاعر أو متضادين تضادا على الخصوص ، كقولك : زيد طويل ، وعمرو قصير ، وكقولك العلم حسن ، والجهل قبيح. فلو قلت زيد طويل والخليفة قصير أخلّ المعنى عند السامع إذ لم يكن لزيد تعلق بحديث الخليفة ، ولو قلت زيد طويل ، وعمرو شاعر اختل اللفظ ، إذ لا مناسبة بين طول القامة والشعر .. ، وإن كان المحدث عنه في الجملتين شيئا واحدا كقولك : فلان يقول : ويفعل فيجب الاتيان بالعاطف فإن الغرض جعله فاعلا للأمرين ، وترك العاطف يوهم أن الثاني رجوع عن الأول والاجتماع لزيادة الاشتراك كقولك العجب من إنك تنهي عن شيء وتأتي مثله. وكقول الشاعر :
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم |
|
وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا |