النجوم ـ وبين جوابه الذي هو ـ إنه لقرآن كريم ـ وفي نفس هذا الاعتراض اعتراض آخر بين الموصوف الذي هو ـ قسم ـ وبين صفته التي هي ـ عظيم ـ وهو قوله تعالى ـ لو تعلمون ـ فذانّك اعتراضان ، ولو جاء الكلام غير معترض فيه لوجب ان يكون فلا أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن كريم ، وفائدة هذا الاعتراض بين القسم وجوابه إنما هو تعظيم لشأن المقسم به في نفس السامع. ألا ترى إلى قوله تعالى ـ لو تعلمون عظيم ـ كيف هذا الاعتراض بين الصفة والموصوف وذلك أوقع في النفس لتعظيم المقسم به أي انه من عظيم الشأن وفخامة الأمر بحيث لو علم ذلك لوفي حقه من التعظيم .. ومن ذلك قوله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ ) إلى : ( وَلِوالِدَيْكَ ) الآية. ألا ترى إلى هذا الاعتراض الذي طبق مفصل البلاغة فإنه لم يؤت به الاّ لفائدة كبيرة ، وذلك أنه لما وصى بالوالدين ذكر ما تكابده الأم من المشاق والمتاعب في حمل الولد مما لا يتكلفه الوالد. ومن ثم قال النبي صلّى الله عليه وسلّم للذي سأله فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟قال : « أمك قال ثم من؟ قال : أمّك قال : ثم من؟ قال أمّك قال :ثمّ من؟ قال : أبوك ». وفي رواية أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك فادناك .. ومما جاء على هذا الاسلوب قوله تعالى : ( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) إلى قوله : ( تَعْقِلُونَ ) فقوله تعالى : ـ والله مخرج ما كنتم تكتمون ـ اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه ، وفائدته أن يقرر في انفس المخاطبين وقلوب السامعين أن تدارؤ بني اسرائيل في قتل تلك النفس لم يكن نافعا لهم في اخفائه وكتمانه ، لأن الله تعالى مظهر لذلك ومخرجه ، ولو جاء الكلام خاليا من هذا الاعتراض لكان ـ وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها فقلنا اضربوه ببعضها ـ ولا يخفى على العارف بهذه الصناعة الفرق بين ذلك ، وبين كونه معترضا فيه .. ومن هذا الجنس قول النابغة :