عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ـ ١٧٧.
( بيان )
قيل : كثر الجدال والخصام بين الناس بعد تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وطالت المشاجرة فنزلت الآية.
قوله تعالى : ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ، البر بالكسر التوسع من الخير والاحسان ، والبر بالفتح صفة مشبهة منه ، والقبل بالكسر فالفتح الجهة ومنه القبلة وهي النوع من الجهة ، وذووا القربى الاقرباء ، واليتامى جمع يتيم وهو الذي لا والد له ، والمساكين جمع مسكين وهو أسوأ حالا من الفقير ، وابن السبيل المنقطع عن أهله ، والرقاب جمع رقبة وهي رقبة العبد ، والبأساء مصدر كالبؤس وهو الشدة والفقر ، والضراء مصدر كالضر وهو أن يتضرر الانسان بمرض أو جرح أو ذهاب مال أو موت ولد ، والبأس شده الحرب.
قوله تعالى : ولكن البر من آمن بالله ، عدل عن تعريف البر بالكسر إلى تعريف البر بالفتح ليكون بيانا وتعريفا للرجال مع تضمنه لشرح وصفهم وإيماء إلى أنه لا أثر للمفهوم الخالي عن المصداق ولا فضل فيه ، وهذا دأب القرآن في جميع بياناته فانه يبين المقامات ويشرح الاحوال بتعريف رجالها من غير أن يقنع ببيان المفهوم فحسب.
وبالجملة قوله ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر ، تعريف للابرار وبيان لحقيقة حالهم ، وقد عرفهم أولا في جميع المراتب الثلاث من الاعتقاد والاعمال والاخلاق بقوله : ( من آمن بالله ) وثانيا بقوله : ( أولئك الذين صدقوا ) وثالثا بقوله : ( وأولئك هم المتقون ).
فأما ما عرفهم به أولا فابتدء فيه بقوله تعالى : من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ، وهذا جامع لجميع المعارف الحقة التي يريد الله سبحانه من عباده الايمان بها ، والمراد بهذا الايمان الايمان التام الذي لا يتخلف عنه أثره ، لا